إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤٩

الغائب ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والجملة الاسمية «فهو حسبه» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم بمعنى فهو كافيه.

(إِنَّ اللهَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة : اسم «إن» منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة.

(بالِغُ أَمْرِهِ) : خبر «إن» مرفوع بالضمة وهو مضاف ـ اسم فاعل أضيف إلى معموله ـ مفعوله ـ فجر بالإضافة بعد حذف تنوين آخره ولو كان اسم الفاعل «بالغ» منونا لانتصب «أمره» مفعولا به لاسم الفاعل. أمره : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه ثان.

(قَدْ جَعَلَ اللهُ) : حرف تحقيق. جعل : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة أي منفذ حكمه.

(لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) : جار ومجرور متعلق بجعل أو بحال مقدمة من «قدر». شيء : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. قدرا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : أجلا.

(وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (٤)

(وَاللَّائِي يَئِسْنَ) : الواو استئنافية. اللائي : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ بمعنى والنساء اللواتي فحذف الموصوف «النساء» وحل النعت «اللائي» محله وهو جمع «التي». يئسن : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الإناث والنون ضمير متصل ـ ضمير الإناث الغائبات ـ مبني على الفتح في محل رفع فاعل.

(مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ) : جار ومجرور متعلق بيئسن. من نسائكم : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول «اللائي» التقدير حالة

١٨١

كونهن من نسائكم و «من» حرف جر بياني. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور.

(إِنِ ارْتَبْتُمْ) : حرف شرط جازم وكسر آخره لالتقاء الساكنين. ارتبتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.

(فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) : الجملة الاسمية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء رابطة لجواب الشرط. عدة : مبتدأ مرفوع بالضمة. و «هن» ضمير متصل ـ ضمير الإناث الغائبات ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه. ثلاثة : خبر «عدتهن» مرفوع بالضمة. أشهر : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة والجملة الشرطية من فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ «اللائي» بمعنى : إن شككتم في أمرهن أي إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتدون فهذا حكمهن.

(وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) : الجملة الاسمية معطوفة بالواو على جملة «اللائي يئسن» وتعرب إعرابها بمعنى والصغائر اللائي ـ اللواتي .. اللاتي ـ لم يحضن بعد فعدتهن ثلاثة أشهر. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يحضن : فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة الغائبات في محل جزم بلم وحذف خبر «اللائي» اختصارا لدلالة ما قبله عليه وهو «فعدتهن ثلاثة أشهر أيضا».

(وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) : الواو استئنافية. أولات : مبتدأ مرفوع بالضمة. الأحمال : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : وصاحبات الأحمال : أي الحوامل. والكلمة : جمع «ذات» لا واحد له من لفظها مثل «أولو» جمع «ذو» بمعنى صاحب. والجملة الاسمية بعدها «أجلهن أن يضعن حملهن» في محل رفع خبر «أولات ...».

١٨٢

(أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) : يعرب إعراب «عدتهن» وهو مبتدأ ثان. أن : حرف مصدري ناصب. يضعن : فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب بأن والنون ضمير متصل ـ ضمير الإناث الغائبات مبني على الفتح في محل رفع فاعل. حملهن : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هن» أعرب في «عدتهن» والجملة الفعلية «يضعن حملهن» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع خبر «أجلهن» بتقدير : وضعهن حملهن. أو بوضع حملهن.

(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) : أعرب في الآية الكريمة الثانية. من أمره : جار ومجرور متعلق بيجعل والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.

(ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) (٥)

(ذلِكَ أَمْرُ اللهِ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف حرف خطاب بمعنى : ذلك المذكور من الإسكان وترك الضرار والنفقة وغير ذلك. أمر : خبر «ذلك» مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : حكم الله.

(أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من «أمر الله» وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. إليكم : جار ومجرور متعلق بأنزل والميم علامة جمع الذكور.

(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) : أعرب في الآية الكريمة الثانية وعلامة نصب «سيئاته» الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه أي يمح عنه ذنوبه.

(وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) : معطوفة بالواو على «يكفر عنه سيئاته» وتعرب إعرابها وعلامة نصب «أجرا» الفتحة المنونة والجار والمجرور «له» متعلق بيعظم بمعنى : ويجزه أجرا عظيما.

١٨٣

(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) (٦)

(أَسْكِنُوهُنَ) : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هن» ضمير متصل ـ ضمير الإناث الغائبات ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.

(مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) : حرف جر للتبعيض وحذف مفعول «أسكنوا» الثاني لدلالة «من» عليه. حيث : اسم مبني على الضم في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بأسكنوا بمعنى أسكنوهن مكانا من حيث سكنتم أي بعض مكان سكناكم. سكنتم : الجملة الفعلية في محل جر بالإضافة وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.

(مِنْ وُجْدِكُمْ) : أعربت. وجدكم : اسم مجرور بمن وعلامة جره الكسرة. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور وشبه الجملة «من وجدكم» لا محل لها لأنه تفسير ـ بيان ـ لقوله «من حيث سكنتم» بمعنى : أسكنوهن مكانا من مسكنكم مما تطيقونه. و «الوجد» الوسع والطاقة.

(وَلا تُضآرُّوهُنَ) : الواو عاطفة. لا : ناهية جازمة. تضاروا : فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. هن : أعرب في «أسكنوهن» بمعنى لا تستعملوا معهن الضرار أي ولا تضروهن في السكن.

(لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) : اللام حرف جر للتعليل. تضيقوا : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. على : حرف جر و «هن» ضمير الإناث الغائبات

١٨٤

مبني على الفتح في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بتضيقوا والجملة الفعلية «تضيقوا عليهن» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بتضاروهن بمعنى : حتى تضطروهن إلى الخروج .. نتيجة إيذائكم لهن.

(وَإِنْ كُنَ) : الواو استئنافية. إن : حرف شرط جازم. كن : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة. النون ضمير متصل ـ ضمير الإناث الغائبات ـ مبني على الفتح في محل رفع اسم «كان» والفعل في محل جزم بإن لأنه فعل الشرط.

(أُولاتِ حَمْلٍ) : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم وهو مضاف. حمل : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى وإن كن حوامل.

(فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَ) : الجملة الفعلية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء رابطة لجواب الشرط. أنفقوا : تعرب إعراب «أسكنوا». عليهن : أعرب والجار والمجرور متعلق بأنفقوا وحذف المفعول به اختصارا.

(حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) : حرف غاية وجر. يضعن : فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب بأن مضمرة بعد «حتى» والنون ضمير متصل ـ ضمير الإناث الغائبات ـ مبني على الفتح في محل رفع فاعل. حمل : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. و «هن» ضمير متصل ـ ضمير الإناث الغائبات ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه وجملة «يضعن حملهن» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق بأنفقوا. التقدير : حتى وضعهن حملهن.

(فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) : الفاء عاطفة. إن : حرف شرط جازم. أرضعن : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة والنون ضمير متصل ـ ضمير الإناث الغائبات ـ مبني على الفتح في محل رفع فاعل والفعل في محل

١٨٥

جزم بإن لأنه فعل الشرط. لكم : جار ومجرور متعلق بأرضعن والميم علامة جمع الذكور بمعنى فإن أرضعن لكم ولدا بعد الفراق.

(فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) : تعرب إعراب «فأنفقوا» و «هن» أعرب في «أسكنوهن». أجورهن : يعرب إعراب «حملهن» وهو مفعول به ثان.

(وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) : الواو عاطفة. ائتمروا : معطوفة على «آتوا» وتعرب مثلها. بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بائتمروا وهو مضاف و «كم» أعرب في «وجدكم». بمعروف : جار ومجرور متعلق بائتمروا بمعنى وليأمر بعضكم بعضا بالمعروف أي بجميل وهو المسامحة بمعنى :

فأعطوهن أجورهن على الإرضاع وتشاوروا بينكم.

(وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) : الواو عاطفة. إن : حرف شرط جازم. تعاسرتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط في محل جزم بإن. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور بمعنى وإن تضايقتم بسبب رفض المطلقة إرضاعه فستوجد له مرضعة أخرى.

(فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) : الجملة الفعلية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء واقعة في جواب الشرط. السين حرف استقبال ـ تسويف ـ للقريب. ترضع : فعل مضارع مرفوع بالضمة. له : جار ومجرور متعلق بترضع. أخرى : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى : مرضعة أخرى فحذف الموصوف الفاعل «مرضعة» وأقيمت الصفة «أخرى» مقامه بمعنى مرضعة أخرى غير الأم ترضعه.

(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (٧)

(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ) : اللام لام الأمر .. أو لام الطلب ـ في مقام الأمر وهي حرف جزم مكسورة وقيل : هي بمعنى التكليف. ينفق : فعل مضارع مجزوم باللام وعلامة جزمه سكون آخره. ذو : فاعل مرفوع بالواو لأنه من

١٨٦

الأسماء الخمسة وهو مضاف. سعة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى : ذو غنى وهو الموسر وحذف مفعول «ينفق» لدلالة «من» عليه. أي لينفق على المطلقة والمرضعة.

(مِنْ سَعَتِهِ) : جار ومجرور متعلق بينفق والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى من غناه. ومن : تبعيضية.

(وَمَنْ قُدِرَ) : الواو عاطفة. من : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع لأنه معطوف على مرفوع وهو «ذو» والجملة الفعلية «قدر عليه رزقه» صلة الموصول لا محل لها. قدر : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح.

(عَلَيْهِ رِزْقُهُ) : جار ومجرور متعلق بقدر. رزقه : نائب فاعل مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى : ومن ضيق أو قتر عليه رزقه أي لينفق كل واحد من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه.

(فَلْيُنْفِقْ مِمَّا) : معطوفة بالفاء على «لينفق» وتعرب إعرابها وسكنت اللام لاتصالها بالفاء والأصل كسرها كما في «لينفق» والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. مما : أصلها : من : حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن وقد أدغم بنون «من» والجار والمجرور متعلق بينفق.

(آتاهُ اللهُ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة بمعنى : قدر طاقته ووسعه وهو مفعول «ينفق».

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً) : نافية لا عمل لها. يكلف : فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. نفسا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

١٨٧

(إِلَّا ما آتاها) : أداة استثناء. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلا. آتى : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى : إلا قدر ما أعطاها فحذف المستثنى المضاف وأقيم المضاف إليه «ما» مقامه.

(سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ) : السين : حرف استقبال ـ تسويف ـ يجعل : فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. بعد : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيجعل وهو مضاف.

(عُسْرٍ يُسْراً) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. يسرا : مفعول به منصوب بالفتحة المنونة.

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) (٨)

(وَكَأَيِّنْ) : الواو استئنافية. كأين : كناية عن عدد مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ وهي بمعنى «كم» الخبرية.

(مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ) : حرف جر بياني ـ من .. البيانية ـ قرية : اسم مجرور بمن وعلامة جره الكسرة المنونة والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من «كأين» التقدير : عدد كبير حالة كونه من أهل قرية فحذف المضاف «أهل» وحل المضاف إليه «قرية» محله. و «كأين» يقصد بها التكثير وتمييزها مجرور بمن البيانية. أي عدد كثير من القرى العاتية حاسبناها. عتت : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «كأين» بمعنى عصت وكفرت وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بتاء التأنيث الساكنة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها .. وبمعنى : استكبرت وجاوزت الحد .. وأنث الفعل «عتت» ذهابا إلى لفظ «قرية» وبمعنى :

١٨٨

عصوا وكفروا واستكبروا وجاوزوا الحد ذهابا إلى المضاف المحذوف «أهل» أو تكون جملة «عتت» في محل جر صفة لقرية ويكون خبر «كأين» الجملة الفعلية «أعد الله لهم عذابا شديدا» في الآية الكريمة العاشرة.

(عَنْ أَمْرِ رَبِّها) : جار ومجرور متعلق بعتت. رب : مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف و «ها» ضمير متصل في محل جر مضاف إليه ثان.

(وَرُسُلِهِ) : الواو عاطفة. رسله : مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.

(فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) : الفاء سببية. حاسب : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالضمير «نا» و «نا» ضمير متصل ـ ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. حسابا : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. شديدا : صفة ـ نعت ـ للموصوف «حسابا» منصوب مثله بالفتحة المنونة.

(وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) : معطوفة بالواو على «حاسبناها حسابا شديدا» وتعرب إعرابها أي عذابا منكرا.

(فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) (٩)

(فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) : الفاء عاطفة للتسبيب. ذاقت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هي. وبال : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. أمر : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه ثان.

(وَكانَ عاقِبَةُ) : الواو عاطفة. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. عاقبة : اسم «كان» مرفوع بالضمة وذكر الفعل «كان» مع اسمه المؤنث «عاقبة» لأن «عاقبة» مؤنث غير حقيقي وعلى معنى عقاب .. بمعنى فذاقت وخامة عاقبة أمرها بمعنى عقوبة كفرها وكان عقاب أمرها ..

١٨٩

(أَمْرِها خُسْراً) : أعرب. خسرا : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : ضياعا وخسرانا.

(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) (١٠)

(أَعَدَّ اللهُ) : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.

(لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) : اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بأعد. عذابا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. شديدا : صفة ـ نعت ـ للموصوف «عذابا» منصوب بالفتحة المنونة.

(فَاتَّقُوا اللهَ) : الفاء استئنافية. اتقوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الله لفظ الجلالة : مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة بمعنى فاحذروا الله وخافوه.

(يا أُولِي الْأَلْبابِ) : أداة نداء. أولي : منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. الألباب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : يا أصحاب العقول.

(الَّذِينَ آمَنُوا) : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب صفة ـ نعت ـ لأولى الألباب. آمنوا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) : يعرب إعراب «أعد الله عذابا» مع الفارق في المعنى. قد : حرف تحقيق. والجار والمجرور «إليكم» متعلق بأنزل والميم علامة جمع الذكور بمعنى : قرآنا.

١٩٠

(رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) (١١)

(رَسُولاً) : بدل من «ذكرا» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المنونة أو يكون التقدير : ذا ذكر رسولا : أي ملكا مذكورا في السموات وفي الأمم كلها فحذف المفعول المضاف «ذا» وأقيم المضاف إليه «ذكر» مقامه فأبدل «رسولا» منه أو يكون «رسولا» مفعولا به منصوبا بفعل محذوف دل عليه قوله تعالى «أنزل الله إليه ذكرا» على أرسل. أي أرسل رسولا وثمة وجه آخر وهو أن يكون «رسولا» مفعولا به منصوبا بالمصدر. التقدير : أرسله رسولا أو ذكره رسولا والمراد به هنا النبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لمواظبته على التلاوة.

(يَتْلُوا عَلَيْكُمْ) : الجملة الفعلية في محل نصب صفة ـ نعت ـ للموصوف «رسولا» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل. عليكم : جار ومجرور متعلق بيتلوا والميم علامة جمع الذكور.

(آياتِ اللهِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

(مُبَيِّناتٍ) : حال من الآيات منصوبة بالكسرة المنونة بدلا من الفتحة المنونة لأنها ملحقة بجمع المؤنث السالم والكلمة اسم فاعل يعمل عمل فعله المتعدي إلى المفعول فحذف مفعول اسم الفاعل اختصارا بمعنى : موضحات كل شيء.

(لِيُخْرِجَ الَّذِينَ) : اللام حرف جر للتعليل. يخرج : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. والجملة الفعلية «يخرج الذين ..» صلة حرف مصدري لا محل لها.

١٩١

و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بأنزل.

(آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى آمنوا بالله ورسوله بعد إنزال الذكر. وعملوا : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «آمنوا» وتعرب مثلها الصالحات : تعرب إعراب «آيات».

(مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) : جاران ومجروران متعلقان بيخرج بمعنى : من الضلالة إلى النور أو من الكفر إلى الإيمان.

(وَمَنْ يُؤْمِنْ ..) أبدا : أعرب في الآية الكريمة التاسعة من سورة «التغابن».

(قَدْ أَحْسَنَ اللهُ) : حرف تحقيق. أحسن : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة أي قد وسع.

(لَهُ رِزْقاً) : جار ومجرور متعلق بأحسن. رزقا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة وفي القول الكريم معنى التعجب والتعظيم لما رزق المؤمن من الثواب.

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) (١٢)

(اللهُ الَّذِي) : لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. وجملة «هو الذي» في محل رفع خبر لفظ الجلالة أو يكون لفظ الجلالة خبر مبتدأ محذوف تقديره هو ويكون الاسم الموصول «الذي» في محل رفع صفة للفظ الجلالة والجملة الفعلية «خلق سبع ..» صلة الموصول لا محل لها.

١٩٢

(خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. سبع : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. سماوات : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى : أوجد سبع سماوات ..

(وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) : الواو عاطفة. من الأرض : جار ومجرور متعلق بخلق. مثلهن : معطوف على «سبع سماوات» ويعرب مثله .. و «هن» ضمير متصل يعود على «السموات» وقيل على السموات والأرض كلتيهما مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.

(يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من «السموات والأرض» بمعنى : وخلق مثلهن من الأرض أي سبع أرضين يجري أمر الله وحكمه بينهن. يتنزل : فعل مضارع مرفوع بالضمة. الأمر : فاعل مرفوع بالضمة. بين : مفعول فيه ـ ظرف مكان ـ منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيتنزل وهو مضاف و «هن» أعرب في «مثلهن» ويتنزل .. بمعنى : ينزل يسيرا يسيرا لا دفعة واحدة.

(لِتَعْلَمُوا) : اللام لام التعليل ـ لام كي ـ حرف جر. تعلموا : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة الفعلية «تعلموا ..» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بيتنزل أو بخلق.

(أَنَّ اللهَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة : اسم «أن» منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة و «أن» مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي «تعلموا».

(عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) جار ومجرور متعلق بقدير. شيء : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. قدير : خبر «أن» مرفوع بالضمة المنونة.

١٩٣

(وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ) : معطوف بالواو على «أن الله» ويعرب إعرابه. قد : حرف تحقيق. أحاط : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى قد أحاط علمه بكل شيء. والجملة الفعلية «قد أحاط ..» في محل رفع خبر «أن».

(بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) : جار ومجرور متعلق بأحاط. شيء : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. علما : تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة .. وهو في الأصل فاعل «أحاط» التقدير : قد أحاط علمه بكل شيء.

***

١٩٤

سورة التحريم

معنى السورة : التحريم «لغة» جعل الشيء حراما .. نحو : حرم الرجل هذا الشيء ـ يحرمه ـ تحريما .. فاللفظة اسم ومصدر الفعل «حرم» وقال الفيومي : حرم الشيء ـ يحرم ـ حرما مثل «عسر وعسير .. من بابي «قرب» و «تعب» بمعنى : امتنع فعله .. وزاد ابن القوطية حرمة ـ بضم الحاء وكسرها ـ ومثله حرمت الصلاة : أي امتنع فعلها وحرمت الشيء تحريما وباسم المفعول «محرم» سمي الشهر الأول من السنة وأدخلوا عليه الألف واللام ـ المحرم ـ لمحا للصفة في الأصل وجعلوه علما بهما ولا يجوز دخولهما على غيره من الشهور عند قوم .. وعند قوم يجوز على «صفر» و «شوال» ويجمع «المحرم» على «محرمات» والممنوع يسمى حراما تسمية بالمصدر .. ويقال حرمت زيدا كذا من باب «ضرب» يتعدى الفعل إلى مفعولين.

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم باسم «التحريم» تيمنا بالآية الكريمة الأولى منها في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) صدق الله العظيم. والمخاطب في هذا القول الكريم هو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والسؤال فيه للعتاب. أي لأي شيء تحرم على نفسك ما أحله الله لك تتطلب بذلك رضا زوجاتك وقد غفر الله لك هذه الفعلة .. والمراد بالفعلة كما جاء في المصحف المفسر : روي أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ شرب عسلا عند زوجته ـ حفصة ـ فاتفقت «سودة وصفية» زوجتاه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقالتا له : إنا نشم منك رائجة المغافير ـ نوع من الصموغ حلو ـ فحرم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على نفسه العسل. فنزلت هذه الآية الكريمة .. ثم كلفه الله تعالى أن يتحلل من يمينه بكفارة بقوله في الآية التالية : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) وقال عزّ من قائل في الآية الكريمة الثالثة : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) أي وإذ أسر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى

١٩٥

زوجته «حفصة» أي قال لها سرا حديثا هو تحريمه العسل ـ فلما أخبرت ولم تكتم هذا السر وأطلعه الله على ما فعلت سألته : من أخبرك؟

فضل قراءة السورة : قال النبي الحامد محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «التحريم» آتاه الله توبة نصوحا» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بمعنى : توبة صادقة خالصة من كل شيء.

إعراب آياتها

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُ) : أداة نداء. أي : منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» للتنبيه. النبي : نعت لأي مرفوع بالضمة على لفظ أي.

(لِمَ تُحَرِّمُ) : مؤلفة من اللام حرف الجر و «ما» اسم الاستفهام المبني على السكون قبل سقوط الألف لدخول حرف الجر عليه في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بتحرم بمعنى : لأي شيء تحرم ..؟ وفيه معنى العتاب. تحرم : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت بمعنى : تحرم على نفسك. وسقطت ألف «لما» طلبا للفصاحة.

(ما أَحَلَ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أحل : فعل ماض مبني على الفتح أي أحل لك من الحلال.

(اللهُ لَكَ) : لفظ الجلالة فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. لك : جار ومجرور متعلق بأحل. والجملة الفعلية «أحل الله لك» صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير : ما أحله الله.

(تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير «تحرم» أو تكون تفسيرية لتحرم أو استئنافية لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. مرضاة : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. والكلمة مصدر

١٩٦

وتاؤها تاء التأنيث وليست تاء جمع المؤنث السالم ولهذا فتحت. أزواجك : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه ثان أي رضاء زوجاتك.

(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : الواو استئنافية. الله لفظ الجلالة : مبتدأ مرفوع للتعظيم وعلامة رفعه الضمة. غفور رحيم : خبرا المبتدأ مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة المنونة. وتبتغي : بمعنى : تطلب بالتحريم.

(قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٢)

(قَدْ فَرَضَ اللهُ) : حرف تحقيق. فرض : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة أي شرع.

(لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) : جار ومجرور متعلق بفرض والميم علامة جمع الذكور. تحلة : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. أيمان : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب للتفخيم ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه ثان والميم علامة جمع الذكور أي تحليل أيمانكم.

(وَاللهُ مَوْلاكُمْ) : الواو استئنافية. الله لفظ الجلالة : مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. مولى : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر و «كم» أعرب في «أيمانكم» وتحليل الأيمان : بالكفارة.

(وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) : الواو عاطفة. هو : ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. العليم الحكيم خبرا «هو» مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة ـ خبر بعد خبر ـ أي خبران على التتابع.

** (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الأولى .. وفيه سقط الألف من اسم الاستفهام «ما» في «لم» لدخول حرف الجر عليه ومثله في سقوط الألف : بم .. عم .. فيم .. علام .. وفتحت تاء «مرضاة» لأن «مرضاة» مصدر وتاءها تاء تأنيث وليست تاء جمع المؤنث السالم التي تكسر في حالتي النصب والجر. و «مرضاة» بمعنى «رضاء» مصدر الفعل «رضي» ومثلها أيضا كلمة «رضا».

١٩٧

** (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) : ورد هذا القول الكريم وفيه الخطاب موجه إلى زوجتي الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهما عائشة وحفصة .. والأصل في القول الكريم : قلباكما .. ولكن العرب تكره اجتماع تثنيتين فيما يشبه الكلمة الواحدة متى كان المراد واضحا ..

** (وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) : المعنى : وجبريل ومن صلح من المؤمنين يعني كل من آمن وعمل صالحا وهو واحد أريد به الجمع كقولك : لا يفعل هذا الصالح من الناس .. تريد الجنس كقولك : لا يفعله من صلح منهم. ويجوز أن يكون أصله «صالحو المؤمنين» بالواو فكتب بغير واو على اللفظ لأن اللفظ الواحد والجمع واحد فيه. المعنى : والملائكة على تكاثر عددهم بعد نصرة الله وصالحي المؤمنين فوج مظاهر له. والظهير : هو المعين ويطلق على الواحد والجمع .. لأن «فعيلا» يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع ولهذا لم تجمع كلمة «ظهير» في الآية الكريمة المذكورة التي جاءت خبرا لمبتدإ بصيغة الجمع و «الملائكة» مفردها : الملك : وهو أحد الأرواح السماوية أو الملاك وهو مخفف «ملأك» فنقلت حركة الهمزة إلى اللام وسقطت .. وجمع «ملك» هو «ملائكة» و «ملائك» وفي الآية الكريمة الأولى من سورة «الملائكة» في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً ..) تكون «الملائكة» بمعنى «رسل» أي وسائط بين الله تعالى وبين أنبيائه والصالحين من عباده. وقيل : إن رسل الله عزوجل : على ضربين : ملائكة وبشر .. والآية الكريمة هي الآية الكريمة الرابعة. و «الظهير» فعله : ظاهر : أي عاون. والمظاهرة : هي المعاونة والتظاهر هو التعاون وعلى هذا فمن الأفصح أن يقال : تظاهر عدد من الناس وساروا في تظاهرة أبلغ من قولنا : وساروا في مظاهرة .. وجرت مظاهرات .. بل نقول : جرت تظاهرات لأن القول : تظاهر الناس : معناه : تعاونوا واجتمعوا وخرجوا بعد اجتماعهم معبرين ومطالبين وهم متعاونون بأمر يعلنونه .. وتظاهروا بالشيء : معناه : أظهروه .. والتظاهرة تأتي اسما ومصدرا أما لفظة «مظاهرة» فهي اسم للفعل «ظاهر» وتأتي مصدرا له ولا تأتي بالمعنى الذي تؤديه لفظة «تظاهرة» وما يراد بها وإن كانت تتفق مع لفظة «تظاهر» في معنى «عاون» نحو : ظاهر صاحبه : أي عاونه مثل «تظاهروا» بمعنى : تعاونوا .. ومن هذين المثلين جاء الفعل «ظاهر» متعديا إلى مفعوله والثاني «تظاهر» ورد لازما أي مكتفيا بفاعله.

** (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) : ورد هذا القول الكريم في بداية الآية الكريمة الخامسة .. وجاء في الصحاح : «عسى» من الله تعالى واجب في جميع القرآن إلا في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة .. وقال أبو عبيدة : «عسى» في كلام العرب : رجاء ويقين أيضا فجاءت في القرآن الكريم على إحدى لغتي العرب وهو اليقين. و «طلقكن» بمعنى : طلق أزواجه أو بعضهن وذلك على سبيل التغليب.

** (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) : في هذه الصفات يلاحظ أنها خلت من حرف العطف ما عدا «أبكارا» حيث عطفت بالواو على «ثيبات» لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيها اجتماعهن في سائر الصفات فلم يكن بد من الواو. ومسلمات : بمعنى : منقادات للإسلام ولله تعالى .. ومؤمنات : أي مصدقات بالله ورسوله. وقانتات : أي مطيعات لله ورسوله وتائبات : أي راجعات عن الذنب .. وعابدات : أي متذللات لله ..

١٩٨

وسائحات : بمعنى : صائمات .. ومعنى «ثيبات» هو متزوجات سابقا فأصبحن أرامل وعكسها : أبكار جمع «بكر» أي عذراء بمعنى : غير متزوجات سابقا .. وسائحات بمعنى : صائمات وسمي الصائم سائحا لأنه يسيح في النهار بلا زاد .. أو معناه : مهاجرات .. أي أن السائح لا زاد معه فلا يزال ممسكا إلى أن يجد ما يطعمه .. فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره .. وسائحات : جمع سائحة وعن زيد بن أسلم : لم تكن في هذه الأمة سياحة إلا بالهجرة. وقد كانت نساء النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أمهات المؤمنين ولم تكن على وجه الأرض نساء خير منهن .. أما قوله تعالى عنهن : (يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ) فلأنه إذا طلقهن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لعصيانهن له وإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة .. وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والنزول على هواه ورضاه خيرا منهن وقد عرض بذلك في قوله : «قانتات» أي مواظبات على الطاعة لأن القنوت هو القيام بطاعة الله وطاعة الله في طاعة رسوله. و «سائحات» اسم فاعلات للفعل «ساح» نحو : ساح في الأرض ـ يسيح ـ سيحا وسيوحا وسياحة وسيحانا ـ بفتح الياء .. من باب «باع» بمعنى : ذهب. وفي الحديث : «لا سياحة في الإسلام» ويقال للماء الجاري : سيح ، تسمية بالمصدر و «السائح» هو اسم الفاعل المذكر وجمعه : سائحون وسياح ـ بضم السين وتشديد الياء ـ وليس «سواحا» كما يخلط كثير من الناطقين بالضاد بين هاتين اللفظتين لأن فعلها : ساح ـ يسيح ـ وليس ـ ساح ـ يسوح ـ فاللفظة «سائح» تجمع جمع مذكر سالما وهو «سائحون» وجمع تكسير وهو «سياح» أما «سواح» فهي لفظة عامية .. أما «السياح» بفتح السين فهو من ألفاظ المبالغة ـ فعال بمعنى فاعل ـ أي الكثير النزهة. ويقال : ساح الماء ـ يسيح سيحا : بمعنى جرى على وجه الأرض فهو سائح : أي جار وساح الرجل ـ يسيح ـ سيحا وسياحة .. «فهو سائح» بمعنى : جال أو طاف في البلدان للنزهة أو ذهب في الأرض للعبادة فجاءت الياء في الفعل المضارع وفي مصدره لتؤكد أن أصل الهمزة في اسم الفاعل «سائح» هو ياء وليس واوا أما إذا كان أصل الهمزة في اسم الفاعل واوا مثل «صائم» فعله ـ صام ـ يصوم ـ أو قائم من «يقوم» أو صائغ من «يصوغ» فيكون جمعه بالواو فيقال هؤلاء صوام وقوام وصواغ لأن الفعل المضارع بالواو وليس بالياء ويجوز أن تقلب الواو في جمع اسم الفاعل ياء فيقال : صيام .. قيام .. صياغ.

** (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) : ورد هذا القول في الآية الكريمة السادسة .. المعنى : احفظوا أو جنبوا أنفسكم وأهليكم نوعا من النار لا يتقد إلا بالناس الكفرة وبالأصنام المعبودة كما يتقد غيرها من النيران بالحطب. وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ هي حجارة الكبريت وهي أشد الأشياء حرا إذا أوقد عليها. عليها زبانية من الملائكة وأعوانهم أو خزنة النار من الملائكة عدتهم تسعة عشر غلاظ الخلق والطباع قساة أقوياء البدن أو غلاظ الأقوال شداد الأفعال وبعد حذف المضاف إليه «الأقوال» نون آخر المضاف «غلاظ» وكذلك «شداد».

** (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) : ورد هذا القول الكريم في بداية الآية الكريمة الثامنة .. وفيه وصفت التوبة بالنصح على الاسناد المجازي لأن النصح صفة التائبين وهو أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم ويجوز أن يراد بها توبة تنصح الناس .. من «فعول» بمعنى «فاعل» للمبالغة أي بالغة النصح. ومن معاني الفعل «نصح» : أخلص نحو : نصح العمل :

١٩٩

أي أخلصه .. وقولهم : نصح الثوب ـ ينصحه ـ نصحا ـ من باب «قطع» بمعنى : خاطه ومنه قول رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من اغتاب خرق ومن استغفر رفأ» ومنه أيضا : نصحت توبته : أي خلصت من شوائب الرجوع بمعنى : صدقت. ومنه التوبة النصوح وهي التوبة الصادقة كأنها صحيحة ليس فيها خرق ولا ثلمة وهي صفة التائبين وذلك أن يتوبوا عن القبائح لقبحها نادمين عليها مغتمين أشد الاغتمام لارتكابها عازمين على أنهم لا يعودون في قبيح من القبائح موطنين أنفسهم على ذلك. وقيل أيضا : وصفت التوبة بخالصة كقولهم : هذا عسل ناصح : أي خالص الشمع. ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس : أي تدعوهم إلى مثلها لظهورها أو ظهور أثرها في صاحبها. وقيل : نصوحا من نصاحة الثوب : أي توبة ترفو الخروق في الدين وترم الخلل .. أما «النصيحة» فجمعها : نصائح : وهي الإخلاص .. وتأتي بمعنى الدعاء إلى ما فيه الصلاح والنهي عما فيه الفساد. والنصح والنصوح كالشكر والشكور ـ بضم النون وفتحها .. وبضم الشين وفتحها ـ والكفر والكفور. أي توبة ذات نصوح والتوبة والتوب والمتاب : مصادر الفعل «تاب» من باب «قال ـ يقول ـ قولا» وهو الرجوع عن الذنب نحو : تاب الرجل ـ يتوب ـ توبة وتوبا ومتابا إلى الله ـ بمعنى : ندم أو رجع عن معصية الله فهو تائب ـ اسم فاعل ـ ويقال : تاب الله على العبد : أي غفر له ورجع عليه بفضله .. فالله تعالى تواب ـ فعال بمعنى فاعل ـ أي أنه سبحانه كثير المغفرة والفضل على عباده.

** (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما) : جاء هذا القول الكريم في الآية الكريمة العاشرة وفيه مثل أو جعل الله عزوجل حال الكفار بحال امرأة نوح وامرأة لوط لما نافقتاهما وخانتا الرسولين بالنفاق في أمر الدين ولا يجوز ان يراد بالخيانة هنا الفجور لأنه بعيد عن نساء الأنبياء لقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : «ما بغت امرأة نبي قط». وخيانة امرأة نوح هي قولها عن زوجها لقومه : إنه مجنون .. أما خيانة امرأة لوط فهي أنها دلت على ضيف زوجها وهم الملائكة الذين أرسلوا لإهلاكهم نتيجة فسقهم ولا يجوز أن يراد بخيانة المرأتين المذكورتين الفجور لأنه سمج في الطباع نقيصة عند كل أحد بخلاف الكفر فإن الكفار لا يستسمجونه أي لا يستقبحونه بل يستحسنونه ويسمونه حقا.

** (فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) : أي وقيل لهما أي لزوجتي نوح ولوط ادخلا النار مع الداخلين إليها ولم يقل : مع الداخلات لأن المعنى : مع سائر الداخلين أو مع داخليها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط بمعنى : فلم ينفعهما زوجاهما لأن الكفار يعاقبون على كفرهم .. وعداوتهم للمؤمنين معاقبة أمثالهم أي معاقبة مثلهم من غير إبقاء ولا محاباة ولا ينفعهم مع عداواتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من لحمة نسب أو صلة صهر لأن عداوتهم لهم وكفرهم بالله ورسوله قطع العلائق وبت الوصل وجعلهم أبعد من الأجانب وأبعد وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبيا من أنبياء الله لم ينفعهما الرسولان بحق ما بينهما وما بينهما من وصلة الزواج اغناء من عذاب الله .. وفي الآية الكريمة ضرب الله أي جعل أو مثل حال المؤمنين من أن وصلة الكافرين لا تضرهم ولا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم «أي ومنزلتهم» عند الله بحال امرأة فرعون «آسية بنت مزاحم» ومنزلتها عند الله مع كونها زوجة أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة

٢٠٠