إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤٩

على الياء للثقل وعلامة رفع «يعلم» الضمة الظاهرة على آخره و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به بمعنى ويطهرهم من الشرك ويعلمهم القرآن والسنة.

(الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) : مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة. والحكمة : معطوفة بالواو على «الكتاب» وتعرب مثله.

(وَإِنْ كانُوا) : الواو حالية والجملة المؤولة بعدها في محل نصب حال من ضمير الغائبين «هم». إن : مخففة من «إن» الثقيلة واللام دليل عليها. كانوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. واسم «إن» ضمير الشأن في محل نصب والجملة الفعلية «كانوا ..» مع خبرها في محل رفع خبر «إن» المخففة.

(مِنْ قَبْلُ) : حرف جر. قبل : اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بكانوا أو بخبره المعنى : من قبله ـ أي الرسول ـ أي من قبل بعثه.

(لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) : اللام فارقة بين «إن» المخففة من الثقيلة التي هي حرف مشبه بالفعل وبين «إن» النافية والجار والمجرور «في ضلال» متعلق بخبر «كانوا» المحذوف. مبين : صفة ـ نعت ـ لضلال مجرور مثله وعلامة جرهما «الموصوف والصفة : الكسرة المنونة بمعنى : لمنغمسين في ضياع واضح بعيد عن الهدى أي المراد الشرك.

(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣)

(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) : معطوف بالواو على «الأميين منهم» الوارد في الآية الكريمة السابقة ويعرب إعرابه بمعنى : وبعثه في الأميين الذين على عهده وفي آخرين من الأميين ويجوز أن يكون منصوبا لأنه معطوف على الضمير المنصوب ـ ضمير الغائبين ـ في «يعلمهم» أي يعلمهم ويعلم آخرين منهم والنون في «آخرين» عوض من حركة المفرد «آخر» الممنوع من الصرف ـ أي من التنوين ـ بمعنى ويزكي قوما آخرين.

١٢١

(لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) : الجملة الفعلية في محل جر أو في محل نصب صفة ـ نعت ـ لآخرين. لما : حرف نفي وجزم وقلب. يلحقوا : فعل مضارع مجزوم بلما وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الباء حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بيلحقوا بمعنى : لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون بهم.

(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) : الواو استئنافية. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. العزيز الحكيم : خبرا «هو» على التتابع ـ خبر بعد خبر ـ مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة. و «لما» تفيد النفي والجزم مثل «لم» إلا أن نفي «لما» يستمر حتى زمن التكلم أي للحال والمراد بالذين لم يلحقوا : اتباع الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

** (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية .. المعنى : بعث في العرب الأميين فحذف الموصوف «العرب» وحلت الصفة «الأميين» محله أي بعث رجلا هو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أميا يعلمون نسبه وأحواله قارئا عليهم آيات الكتاب الكريم مع كونه أميا مثلهم وهذه في حد ذاتها آية بينة أي معجزة واضحة و «الأمي» منسوب إلى أمة العرب لأنهم كانوا لا يكتبون ولا يقرءون .. وقيل : بدأت الكتابة بالطائف أخذوها من أهل الحيرة وأهل الحيرة أخذوها من أهل الأنبار.

** (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة المعنى : وبعثه في الأميين على عهده أي وفي آخرين من الأميين وبمعنى : ويزكي قوما آخرين أو ويعلم آخرين لم يلحقوا بهم وسيلحقون .. وهم الذين بعد أتباع الرسول الكريم أي الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وقيل : لما نزلت هذه الآية الكريمة قيل : من هم يا رسول الله؟ فوضع ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يده على سلمان ـ وهو أحد خواص الصحابة أسلم بعد الهجرة ـ ثم قال : «لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجال من هؤلاء» وقيل : هم الذين يأتون من بعدهم إلى يوم القيامة .. وذلك فضل أعطيه محمد وهو أن يكون نبي أبناء عصره ونبي أبناء العصور الغوابر.

** (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة. المعنى : ذلك الفضل الذي أعطاه الله محمدا يؤتيه من يشاء من عباده المصطفين .. وفي القول الكريم تأكيد على منزلة الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عند بارئه عزوجل.

** (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) : ورد هذا القول الكريم في بداية الآية الكريمة السادسة .. المعنى : قل يا محمد يا أيها اليهود .. سموا بذلك لقول موسى ـ عليه‌السلام ـ : إنا هدنا إليك .. أي رجعنا إليك وتبنا يقال : هاد ـ يهود ـ هودا .. من باب «قال ـ يقول ـ قولا». بمعنى : تاب ورجع إلى الحق فهو هائد ـ اسم فاعل ـ وهم هود. قال أبو عبيدة : التهود : هو التوبة والعمل الصالح. قال الجوهري : ويقال أيضا : هاد وتهود : أي صار يهوديا والهود : بمعنى : اليهود. والتهويد : تصيير الإنسان يهوديا.

١٢٢

** (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة التاسعة .. المعنى : إذا نادى المنادي للصلاة يوم الجمعة فامشوا إلى الصلاة لسماع خطبة الخطيب التي يذكر فيها اسم الله كثيرا واتركوا البيع والشراء ذلك أفضل لكم. ـ لقد ورد عن كعب قوله : إن الله فضل من البلدان مكة ومن الشهور رمضان ومن الأيام الجمعة. وقيل : يوم الجمعة : هو يوم الفوج المجموع والفوج : هو جمع كثيف من الناس .. ويوم الجمعة ـ بفتح الميم ـ هو يوم الوقت الجامع وبضم الميم تثقيل للجمعة وقرئ بهن جميعا .. ونودي : من النداء أي الأذان. وقالوا : المراد به : الأذان عند قعود الإمام على المنبر وسمي منبرا لارتفاعه من نبر الشيء : أي رفع. قال ابن فارس : كل شيء رفع فقد نبر ومنه المنبر .. وكسرت ميمه على التشبيه باسم الآلة الذي يكسر أولها ويفتح ما قبل آخرها .. ويقال : إن أول من عمل المنبر هو تميم الداري عمله للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط إلى الأرض وفيه تقوم الساعة وهو عند الله يوم المزيد. وعنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أتاني جبريل وفي كفه مرآة بيضاء وقال : هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيدا ولأمتك من بعدك وهو سيد الأيام عندنا ونحن ندعوه إلى الآخرة يوم المزيد. وقيل : كان يقال : من محاسن الإسلام يوم الجمعة ببغداد وصلاة التراويح بمكة ويوم العيد في طرطوس .. وعلى ذكر «بغداد» فقد تبارى في مدحها الشعراء وتغنى بها المغنون في كل عصر وزمان وقد قال في بغداد أبو القاسم الوراق هذه الأبيات :

أعاينت في طول من الأرض أو عرض

كبغداد دارا إنها جنة الأرض

صفا العيش في بغداد واخضر عوده

وعود سواه غير صاف ولا غض

تطول بها الأعمار إن غذاءها

مريء وبعض الأرض أمرا من بعض

وفي رواية أخرى جاء الشطر الأول من البيت الأول : أعاينت في طول من الأرض والعرض. وجاء عجز البيت الثاني : وعيش سواها غير صاف ولا غض. أما البيت الثالث فقد جاء على النحو الآتي :

تطول بها الأعمار إن مياهها

عذب وبعض الماء أعذب من بعض

** (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الحادية عشرة .. أي انفضوا إليها بمعنى : تفرقوا عنك يا محمد مسرعين إليها وتركوك قائما تخطب على المنبر.

** سبب نزول الآية : روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب للجمعة فمرت قافلة إبل تحمل طعاما فخرج الناس من المسجد لما سمعوا اللهو والطبل اللذين أعدا لاستقبالها بهما وتركوا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قائما ولم يثبت معه غير اثني عشر شخصا .. فنزلت هذه الآية الكريمة توبخهم. وعلى ذكر «رأوا» قيل : إن الذي يرى ليس كالذي يسمع .. قال الشاعر وهو يريد أن المشاهدة أقوى في معرفة الأمر من السماع به :

يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما

قد حدثوك ؛ فما راء كمن سمعا

الشاعر هنا يعرض على رجل من المعترف لهم بكرم الأصول أن يزورهم ليرى بنفسه ما حدثه به الناس عنهم من حسن لقائهم للضيف وقيامهم له بما توحيه الأريحية ثم علل هذا العرض بأن الذي يرى ليس كالذي يسمع.

١٢٣

(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٤)

(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف حرف خطاب بمعنى ذلك الفضل الذي أعطيه محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فضل : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو. والجملة الاسمية «هو فضل الله» في محل رفع خبر المبتدأ الأول «ذلك». الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

(يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر ثان للمبتدإ أو تكون في محل نصب حالا من «فضل الله» وهي فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول. من : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان. يشاء : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الفعلية «يشاء» صلة الموصول لا محل لها وحذف مفعول «يشاء» اختصارا بمعنى من يشاء إعطاءه وتقتضيه حكمته.

(وَاللهُ ذُو) : الواو استئنافية. الله لفظ الجلالة : مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. ذو : خبر المبتدأ مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة.

(الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. العظيم : صفة ـ نعت ـ للفضل مجرور مثله وعلامة جره الكسرة.

(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥)

(مَثَلُ الَّذِينَ) : مبتدأ مرفوع بالضمة. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه والجملة الفعلية بعده صلة الموصول لا محل لها.

(حُمِّلُوا التَّوْراةَ) : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة.

١٢٤

التوراة : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : كلفوا بالعمل بها بمعنى صفة الذين وهم اليهود.

(ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) : حرف عطف. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يحملوا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى ولم يعملوا بها .. وغير منتفعين بآياتها .. أي ولم يقوموا بما عهد إليهم من ذلك والقيام على سراطها.

(كَمَثَلِ الْحِمارِ) : جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ المحذوف. والكاف حرف جر للتشبيه. الحمار : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. أو يكون الكاف اسما مبنيا على الفتح في محل رفع خبر المبتدأ. مثل : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. الحمار : مضاف إليه ثان مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(يَحْمِلُ أَسْفاراً) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من «الحمار» بمعنى : يحمل على ظهره وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أسفارا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. بمعنى : حاملا كتبا كبارا من كتب العلم يمشي بها ولا يدري ما فيها من كنوز. وهي جمع «سفر» أي كتاب.

(بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ) : فعل ماض جامد مبني على الفتح لإنشاء الذم. مثل : فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف. القوم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وحذف تمييزه أي بئس مثلا مثل القوم أو يكون المخصوص بالذم محذوفا اختصارا لأن ما قبله دال عليه أي بئس مثل القوم هذا المثل.

(الَّذِينَ كَذَّبُوا) : اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة ـ نعت ـ للقوم. كذبوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو

١٢٥

ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وجملة «كذبوا» صلة الموصول لا محل لها.

(بِآياتِ اللهِ) : جار ومجرور متعلق بكذبوا. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : بمعجزات الله الدالة على صحة نبوة الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(وَاللهُ لا يَهْدِي) : الواو استئنافية. الله لفظ الجلالة : مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. لا : نافية لا عمل لها. يهدي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «لا يهدي ..» في محل رفع خبر المبتدأ.

(الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الظالمين : صفة ـ نعت ـ للقوم منصوب مثله وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى لا يوفق للخير القوم الظالمين أنفسهم.

(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٦)

(قُلْ) : فعل أمر مبني على السكون وحذفت الواو ـ أصله ـ قول ـ تخفيفا ولالتقاء الساكنين ـ والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) : أداة نداء. أي : منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب بدل من «أي». هادوا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الشرطية بعدها مع جوابها في محل نصب مفعول به لقل.

(إِنْ زَعَمْتُمْ) : حرف شرط جازم. زعمتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط في محل جزم بإن. التاء ضمير

١٢٦

متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.

(أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب اسم «أن» والميم علامة جمع الذكور. أولياء : خبر «أن» مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن «أفعلاء» وفي آخره ألف زائدة. لله : جار ومجرور للتعظيم متعلق بأولياء أو بصفة محذوفة من «أولياء» و «أن» وما في حيزها من اسمها وخبرها في محل نصب مفعول به لزعمتم بمعنى : إن ادعيتم لأنهم كانوا يقولون : نحن أبناء الله وأحباؤه بمعنى أولى بالله من دون الناس أي أولى به سبحانه من سواكم وهو أولى بكم.

(مِنْ دُونِ النَّاسِ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «أولياء». الناس : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) : الجملة جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء واقعة في جواب الشرط. تمنوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الموت : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : فتمنوا على الله أن يميتكم وينقلكم إلى دار كرامته المعدة لأوليائه

(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : حرف شرط جازم. كنتم : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط في محل جزم بإن. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. صادقين : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته وحذف جواب الشرط لتقدم معناه. أي إن كان قولكم حقا وكنتم على ثقة فتمنوا على الله أن يميتكم لتحققوا أمنيتكم بلقاء الله إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم أصفياء الله.

١٢٧

(وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (٧)

(وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً) : الواو استئنافية. لا : نافية لا عمل لها. يتمنونه : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. أبدا : ظرف زمان متعلق بيتمنون منصوب ويدل على التأكيد في المستقبل وعلامة نصبه الفتحة المنونة لانقطاعه عن الإضافة.

(بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) : الباء حرف جر. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بيتمنون. قدمت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. أيدي : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه. وجملة «قدمت أيديهم» صلة الموصول لا محل لها بمعنى بسبب ما قدمت أيديهم أي بسبب ما قدمته أيديهم من الكفر فحذف المضاف «سبب» وحل المضاف إليه «ما» محله كما حذف العائد إلى الموصول وهو ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به ويجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمفعول لأجله محذوف بمعنى : لا يجسرون أن يتمنوا الموت خيفة أن يؤخذوا بوبال كفرهم.

(وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) : الواو استئنافية. الله لفظ الجلالة : مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. عليم : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. المنونة. بالظالمين : جار ومجرور متعلق بعليم وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى الظالمين أنفسهم نتيجة كفرهم.

(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٨)

(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ) : أعرب في الآية الكريمة السادسة. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الموت : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

١٢٨

(الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة ـ نعت ـ للموت. تفرون : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. منه : جار ومجرور متعلق بتفرون. والفاء في «فإنه» واقعة في جواب «الذي» المتضمن معنى الشرط ويجوز أن تكون الفاء استئنافية بعد الوقوف على «منه» ويكون الاسم الموصول «الذي» في محل رفع خبر إن أي إن الموت هو الشيء الذي تفرون منه ثم استؤنف الكلام. وتفرون منه : بمعنى : تكرهونه.

(فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) : الفاء أعربت. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. والهاء ضمير متصل في محل نصب اسم إن. ملاقيكم : خبر «إن» مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر بالإضافة وهو من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله والميم علامة جمع الذكور. والمصدر المنسبك من «إن» مع اسمها وخبرها في محل رفع خبر «إن» في «إن الموت» بمعنى لاحق بكم لا محالة.

(ثُمَّ تُرَدُّونَ) : حرف عطف. تردون : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل.

(إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) : جار ومجرور متعلق بتردون. الغيب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. والشهادة : معطوف بالواو على «الغيب» ويعرب مثله.

(فَيُنَبِّئُكُمْ بِما) : الفاء عاطفة. ينبئ : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ في محل نصب مفعول به. والميم علامة جمع الذكور. الباء حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بينبئ. والجملة الفعلية بعده «كنتم تعملون» صلة الموصول لا محل لها.

١٢٩

(كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. تعملون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير : بما تعملونه. أو تكون «ما» مصدرية فتكون جملة «كنتم تعملون» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بينبئ. التقدير : بأعمالكم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٩)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : أداة نداء. أي : منادى مفرد مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب بدل من «أي». آمنوا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) : ظرف لما يستقبل من الزمن مبني على السكون في محل نصب متضمن معنى الشرط خافض لشرطه متعلق بجوابه. نودي : الجملة الفعلية في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. للصلاة : جار ومجرور متعلق بنودي بمعنى إذا نادى المنادي للصلاة فأنيب الجار والمجرور «للصلاة» فصار في محل رفع نائب فاعل للفعل «نودي».

(مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «الصلاة» لأن «من» حرف جر بياني. التقدير : حالة كونها من يوم الجمعة أو هي بيان لإذا وتفسير له أو تكون «من» ظرفية بتقدير : في يوم الجمعة والجار والمجرور متعلق بنودي. وقيل : هي حرف جر لابتداء الغاية الزمانية عند

١٣٠

الكوفيين. الجمعة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة. والجار والمجرور «إلى ذكر الله» متعلق بحال من ضمير المخاطبين بمعنى : مسرعين إلى الصلاة.

(فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) : الجملة جواب شرط غير جازم لا محل لها. الفاء واقعة في جواب الشرط. اسعوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. إلى ذكر : جار ومجرور متعلق باسعوا. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة بمعنى : فامضوا سراعا إلى الصلاة.

(وَذَرُوا الْبَيْعَ) : معطوفة بالواو على «اسعوا» وتعرب إعرابها. البيع : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : فاتركوا البيع والشراء وهذا الفعل لا ماضي له.

(ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام زائدة للبعد والكاف حرف خطاب. والميم علامة الجمع. خير : خبر «ذلكم» مرفوع بالضمة المنونة. لكم : جار ومجرور متعلق بخير والميم علامة جمع الذكور.

(إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) : أعرب في الآية الكريمة السادسة. تعلمون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وحذف جواب الشرط لتقدم معناه كما حذف مفعول «تعلمون» اختصارا بمعنى تعلمون ما ينفعكم وما يضركم أو يكون الفعل هنا غير متعد أي لازما على معنى : إن كنتم من أهل العلم.

(فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٠)

(فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) : هذا القول الكريم أعرب في الآية الكريمة السابقة والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها حركت بالكسر

١٣١

لالتقاء الساكنين. الصلاة : نائب فاعل مرفوع بالضمة بمعنى فإذا أديت صلاة الجمعة.

(وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا) : الجملتان الفعليتان معطوفتان بواوي العطف على «انتشروا» وتعربان إعرابها. من فضل : جار ومجرور متعلق بابتغوا. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

(اللهَ كَثِيراً) : لفظ الجلالة مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة. كثيرا : صفة نائبة عن مصدر ـ مفعول مطلق ـ محذوف منصوب بالفتحة المنونة بمعنى : واذكروا الله ذكرا كثيرا بمعنى واطلبوا الرزق من فضل الله.

(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) : حرف مشبه بالفعل من أخوات «إن» الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب اسم «لعل» والميم علامة جمع الذكور. تفلحون : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «لعل» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : كي تفوزوا بخير الدارين.

(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١١)

(وَإِذا رَأَوْا) : الواو عاطفة. إذا. أعربت. رأوا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وبقيت الفتحة دالة على الألف المحذوفة.

(تِجارَةً أَوْ لَهْواً) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. أو : حرف عطف للتخيير لهوا : معطوف على «تجارة» ويعرب إعرابها والجملة الفعلية «رأوا تجارة ..» في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف «إذا».

(انْفَضُّوا إِلَيْها) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في

١٣٢

محل رفع فاعل والألف فارقة. إليها : جار ومجرور متعلق بانفضوا ولم يقل «إليهما» وقد ذكر شيئين لأن التقدير : إذا رأوا تجارة انفضوا إليها بمعنى : تفرقوا أو لهوا انفضوا إليه فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه بمعنى : تفرقوا عنك يا محمد إليها أي انصرفوا مسرعين إليها.

(وَتَرَكُوكَ قائِماً) : معطوفة بالواو على «انفضوا» وتعرب إعرابها. والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. قائما : حال من ضمير المخاطب منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : تركوك يا محمد قائما تخطب على المنبر.

(قُلْ) : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ـ أصله : قول ـ حذفت الواو تخفيفا ولالتقاء الساكنين.

(ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ) : الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ ما : اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. عند : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف متعلق بفعل محذوف تقديره : وجد .. كان .. والجملة الفعلية «كان عند الله ..» صلة الموصول لا محل لها أو بتقدير : ما هو كائن عند الله من الأجر والثواب. الله : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. خير : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المنونة وأصلها : أخير وحذفت الألف طلبا للفصاحة.

(مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) : جار ومجرور متعلق بخير. ومن التجارة : معطوف بالواو على «من اللهو» ويعرب مثله.

(وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) : الواو عاطفة. الله لفظ الجلالة : مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. خير : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. الرازقين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد.

١٣٣

سورة المنافقون

معنى السورة : المنافقون : جمع «منافق» وهم الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر .. يقال : نافق الرجل ـ ينافق ـ نفاقا .. فهو منافق ـ اسم فاعل ـ بمعنى : أظهر الإسلام لأهله وأضمر غير الإسلام وأتاه مع أهله .. ومحل «النفاق» هو القلب والأصل في المعنى ـ كما تذكر المصادر ـ مأخوذ من نافق اليربوع : إذا أتى النافقاء ـ وهو المكان الذي يحتقره هذا الحيوان .. و «اليربوع» هو ضرب ـ نوع ـ من الفأر قصير اليدين طويل الرجلين وله ذنب طويل وقيل : إن هذا الحيوان إذا احتفر هذا المكان وهو ما يطلق عليه : النافقاء يكتمه ويظهره غيره! ولهذا أطلقت لفظة «النفاق» على من يضمر شيئا ويظهر عكسه وهو ما ينطبق على المنافق وفعله لأنه يكتم خلاف ما يظهر ومؤنث «المنافق» هو المنافقة وجمعها منافقات .. ولفظة «النفاق» تأتي مصدرا ـ مصدر الفعل «نافق» واسما للنفاق على المعنى المذكور.

تسمية السورة : لقد سمى الله تعالى إحدى سورة كتابه المجيد بالمنافقين لإظهار كذبهم ولإظهار العناية بحفظ مقام رسوله الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين قال جلت قدرته في الآية الكريمة الأولى من هذه السورة الشريفة : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) صدق الله العظيم. والمخاطب هو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أي إذا جاءوك يا محمد قالوا : نحلف بالله إنك رسول الله حماية لأنفسهم وأموالهم وقد أظهروا إسلامهم وأبطنوا كفرهم.

فضل قراءة السورة : قال النبي المسعود محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة المنافقين برىء من النفاق» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وجاءت لفظة «المنافقين» في قول الرسول الكريم مجرورة على الإضافة وعلامة الجر الياء لأنها جمع مذكر سالم نقول : قرأت سورة المنافقين .. وقرأت سورة «المنافقون» في حالة الرفع يكون التقدير هذه سورة اسمها أو عنوانها : المنافقون : وهم الذين يسترون كفرهم بقلبهم ويظهرون إيمانهم بألسنتهم.

١٣٤

إعراب آياتها

(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١)

(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) : ظرف لما يستقبل من الزمن مبني على السكون متضمن معنى الشرط خافض لشرطه متعلق بجوابه. جاء : فعل ماض مبني على الفتح والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. المنافقون : فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته والجملة الفعلية «جاءك المنافقون» في محل جر بالإضافة.

(قالُوا نَشْهَدُ) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. نشهد : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : نحن. والجملة الفعلية «نشهد ..» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل وكسرت همزة «إن» لوجود اللام الداخلة طلبا لزيادة التوكيد ولأن «إن» وردت في داخل القول. والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب اسم «إن» اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ رسول : خبر «إن» مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة بمعنى نحلف بالله إنك لرسول الله.

(وَاللهُ يَعْلَمُ) : الواو اعتراضية والجملة الاسمية بعدها اعتراضية لا محل لها. الله لفظ الجلالة : مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. يعلم : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية «يعلم» وما بعدها في محل رفع خبر المبتدأ بمعنى : نحلف بالله إنك رسول الله والله يعلم ويحلف إنك رسوله :

١٣٥

(إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) : يعرب إعراب «إنك لرسول الله» والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة والفعل «يعلم» هنا معلق عن العمل باللام ويمتنع كون «إن» مع اسمها وخبرها بمصدر لأنها مكسورة .. المعنى : والله يعلم أن الأمر .. كما يدل عليه قوله : إنك لرسول الله أي والله يعلم ذلك ويحلف إنك رسوله وكفى به شاهدا.

(وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَ) : معطوف بالواو على «والله يعلم» ويعرب إعرابه. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.

(الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ كاذبون : خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى لكاذبون عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون في أنفسهم أن هذا القول كذب.

(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢)

هذا القول الكريم أعرب في الآيتين الكريمتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة من سورة «المجادلة».

** (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) : ورد هذا القول الكريم في بداية الآية الكريمة الأولى .. وكسرت همزة «إن» لوجود اللام الداخلة طلبا لزيادة التوكيد .. ولأن «إن» وردت في داخل القول .. يقال : شهد على كذا .. من باب «سلم» وربما قالوا : شهد الرجل بسكون الهاء تخفيفا وقولهم : أشهد بكذا : أي أحلف. وشهد له بكذا : أي أدى ما عنده من الشهادة فهو شاهد ـ اسم فاعل ـ بمعنى أخبر به. والشهادة : هي الإخبار بما قد شوهد .. ولعل السر فيه أن الشهادة اسم من المشاهدة وهي الاطلاع على الشيء عيانا فاشترط في الأداء ما ينبئ عن المشاهدة وأقرب شيء يدل على ذلك ما اشتق منه اللفظ وهو «أشهد» بلفظ المضارع ولا يجوز «شهدت» لأن الماضي موضوع للإخبار عما وقع نحو : قمت ؛ أي فيما مضى من الزمان فلو قال : شهدت .. احتمل الإخبار عن الماضي فيكون غير مخبر به في الحال والمضارع موضوع للإخبار في الحال فإذا قال : أشهد فقد أخبر في الحال وعليه قوله تعالى في الآية المذكورة .. بمعنى : نحن الآن شاهدون بذلك وبذلك فقد استعمل «أشهد» في القسم نحو : أشهد بالله لقد كان كذا : أي أقسم فتضمن لفظ «أشهد» معنى المشاهدة والقسم والإخبار في الحال فكأن الشاهد قال : أقسم بالله لقد اطلعت على ذلك وأنا الآن أخبر به. وقولهم : أشهد أن لا إله إلا الله تعدى بنفسه لأنه

١٣٦

بمعنى : أعلم. و «تشهد الرجل» بمعنى : قال كلمة التوحيد. و «نشهد» في الآية الكريمة المذكورة : بمعنى : قال المنافقون : إنا نشهد إنك لرسول الله.

** (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية .. المعنى : اتخذوا حلفهم وقاية دون أموالهم وأنفسهم وحفظا لهم من القتل والأسر فمنعوا الناس عن طريق الله أي الإسلام فما أقبح ما كانوا يعملون من الكفر والنفاق ومنع الناس عن الإسلام و «أيمانهم» : جمع : يمين : أي قسم أو حلف وقرئ إيمانهم ـ بكسر الهمزة ـ وقيل : الجنة : هي كل ما يقي ـ يحفظ ـ الإنسان وكثر استعماله في أداة الحرب التي تقي الإنسان السلاح. قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «الصيام جنة» : أي وقاية وسترة من المعاصي أو من النار.

** (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة المعنى : ذلك القول «ساء ما كانوا يعملون» في الآية الكريمة السابقة لشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس لأنهم آمنوا بالله ورسوله ظاهرا أي نفاقا باللسان ثم كفروا سرا ثم عادوا لكفرهم في الباطن أي كفروا قلبا أو بالقلب .. فأغلقت قلوبهم وختم عليها بسبب كفرهم .. لأن الشيء لا يطبع ولا يختم عليه إلا بعد إغلاقه فيكون المعنى : فأغلقت قلوبهم عن الفهم فهم لا يفهمون شيئا. والقول الكريم كناية عن جهلهم. يقال : فقه الشيء ـ يفقهه ـ فقها .. من باب «تعب» إذا علم وفقه ـ بضم القاف مثله .. وقيل : بضم القاف معناه : صار الفقه سجية له. قال أبو زيد : هذا رجل فقه ـ بضم القاف وكسرها ـ وهذه امرأة فقهة ـ بضم القاف ـ ويتعدى الفعل الرباعي إلى المفعول نحو : أفقهتك الشيء .. وهو يتفقه في العلم .. مثل يتعلم وبضم القاف «فقه» يكون الفعل من باب «ظرف» ويقال : فاقهه بمعنى : باحثه في العلم. والفقه ـ بكسر الفاء ـ هو الفهم ويسمى العالم بالفقه فقيها ومنه تفقه أي تعاطى ذلك ويقال : طبع الرجل على الكتاب ـ يطبع ـ طبعا .. من باب «قطع» بمعنى : ختم .. والطبع : هو السجية التي جبل عليها الإنسان وهو في الأصل مصدر وهو أيضا : الختم .. والطابع ـ بفتح الباء هو الخاتم والكسر فيه لغة .. وقيل : الطابع ـ بفتح الباء ـ هو كل ما طبع له نحو : هذا كلام عليه طابع الفصاحة : أي شكلها كذلك يقال : طابع البريد. وبكسر الباء هو سجية الإنسان التي جبل ـ أي فطر ـ عليها بمعنى : خلق عليها والسجية ـ بفتح السين وتشديد الياء ـ هي الغريزة وجمعها : سجايا ـ مثل : عطية وعطايا .. وهي الخلق والطبيعة وبمعناها أيضا : الجبلة ـ بكسر الجيم وتشديد اللام ـ وهي الطبيعة والخليقة والغريزة.

** (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الرابعة. المعنى : وإذا رأيت يا محمد المنافقين يعجبك ضخم أجسامهم وإن يتكلموا تسمع وتصغ لكلامهم لفصاحة ألسنتهم كأنهم في مقام الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خشب مسندة إلى حائط ـ جدار ـ لا تفقه قولا. وقيل : إنما المرء بالعقل والحلم لا باللحم والشحم .. بمعنى : لا يغرنك من القوم المعلوم عظم جسمهم وطول قامتهم فقسم منهم لهم جسم الجمال وأحلام العصافير وهم الحمقى الذين يضرب بهم المثل فيقال : فلان أخف حلما من العصفور لأن العصفور يضرب به المثل لأحلام الحمقى وهو ما جاء في الآية الكريمة المذكورة أي ما ذكرته هذه الآية عن المنافقين وشبههم سبحانه بالأخشاب

١٣٧

التي لا تفهم قولا رغم ضخامتهم. و «الخشب» لا ينتفع بها لأنها صماء لا تعي شيئا وصفهم سبحانه بقلة الاستبصار في نفاقهم وعدم الانتفاع .. (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) : المعنى : هؤلاء المنافقون هم الأعداء لك يا محمد فاحذرهم عاقبهم الله وأهلكهم ولعنهم كيف يعدلون عن الحق .. وفي القول الكريم تعجب من جهلهم وضلالتهم بمعنى : ما أغباهم وهو دعاء عليهم وطلب من ذاته سبحانه أن يلعنهم ويخزيهم .. أو هو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك .. كيف ينقلبون عن الحق إلى الباطل .. ومثل هذا القول الكريم القول : قتله الله .. ومن أقوال الناس في الدعاء ـ وهم يريدون المدح ـ قولهم : قتله الله ما أشجعه! وأخزاه الله ما أشعره! وهو الإشعار بأنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك فالمراد به هنا مدحه لا الدعاء عليه بالقتل ـ وثمة عبارات تسمى عبارات الدعاء نحو : تعالى .. جل وعزّ .. عزّ من قائل .. سبحانه .. تقال هذه الألفاظ للدعاء بعد اسم لفظ الجلالة ويقال بعد الأعلام من الأئمة : رضي الله عنه .. عليه‌السلام .. كرم الله وجهه .. أما ما يجب أن يقال من عبارات الدعاء بعد ذكر الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رسول البشرية فهو : صلوات الله عليه وسلامه .. صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين .. إضافة إلى ألقاب التوقير والتعظيم .. مثل : نبي الله .. رسول الله .. حبيب الله .. نبي الرحمة والإنسانية .. هادي البشرية .. إلخ. ومن الأدعية ـ جمع دعاء ـ : لله درك : أي خيرك وصالح عملك .. لأن «الدر» : أفضل ما يجتلب وإذا اشتموا قالوا : لا در دره : بمعنى : لا كثر خيره ولا زكا عمله. وقال المصحف المفسر حول تشبيه المنافقين بالخشب المسندة : شبههم بالأخشاب في كونهم أشباحا خالية عن العلم .. والخشب : جمع خشبة وهي أيضا : جمع خشباء وهي الخشبة التي فسد جوفها .. شبهوا بها في حسن المنظر وقبح المخبر.

** (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة .. أي عطفوا رءوسهم وأمالوها .. والتشديد للمبالغة .. أي صرفوا وجوههم عن المتكلم استكبارا وإعراضا ورأيتهم يعرضون وهم مستكبرون عن التوبة.

** سبب نزول الآية : أخرج ابن جرير عن عروة قال : لما نزلت «استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ..» في الآية الكريمة الثمانين من سورة «التوبة» قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لأزيدن على السبعين فنزل قول الله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا).

** (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) : هذا القول الكريم هو آخر الآية الكريمة السابعة .. المعنى : لا يفهمون ذلك لجهلهم بالله تعالى وهو أنه سبحانه بيده خزائن رزق الكون كله. سئل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أي الناس أكرم؟ قال : أكرمهم عند الله أتقاهم. قالوا. ليس عن هذا نسألك. قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا : ليس عن هذا نسألك. فقال : عن معادن العرب تسألونني؟ قالوا نعم. قال : فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا «أي فهموا الدين». صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

** (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثامنة يقال : عز ـ يعز ـ الرجل ـ عزا : بمعنى : قوي بعد ذلة فهو عزيز وعز الشيء

١٣٨

أيضا : إذا قل فلا يكاد يوجد والعز : ضد الذل. والفعل من باب «ضرب» وجمع «العزيز» الأعزة والاسم منه : العزة : ضد المذلة. و «عز» وعززته وتعزز هو : أي تقوى وقويته من باب «قتل» وعز : أي ضعف فيكون من الأضداد المعنى : لئن عدنا من غزوة بني المصطلق ليخرجن الأعز ـ يعنون أنفسهم وهم المنافقون ـ الأذل : وهم في زعمهم المؤمنون.

** سبب نزول الآية : أخرج الترمذي عن زيد بن أرقم : أن أعرابيا نازع أنصاريا في بعض الغزوات على ماء فضرب الأعرابي رأسه بخشبة فشجه فشكا إلى ابن أبي فقال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ـ أي يتفرقوا عنه حين لا يجدون قوتهم ـ وإذا رجعنا إلى المدينة فليخرج الأعز الأذل عنى بالأعز نفسه وبالأذل : رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فرد الله عليه بقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) (٣)

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب والإشارة إلى قوله «ساء ما كانوا يعملون» أي ذلك القول لشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس. الباء حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «أن» الحرف المشبه بالفعل. آمنوا : الجملة الفعلية في محل رفع خبر أن وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة و «أن» وما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل جر بالإضافة وحذف المضاف اختصارا لأنه معلوم. التقدير : بسبب أنهم آمنوا .. أي بسبب إيمانهم في الظاهر .. أي بسبب النفاق والكذب والجار والمجرور أي المصدر المؤول من «أن» مع اسمها وخبرها في محل جر بالباء متعلق بخبر المبتدأ «ذلك» المحذوف. التقدير والمعنى : ذلك القول أي سوء أعمالهم شاهد على عدم إيمانهم.

(ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ) : حرف عطف. كفروا : معطوفة على «آمنوا» وتعرب مثلها. الفاء عاطفة للتسبيب. طبع : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح بمعنى : فأغلقت قلوبهم أي ثم كفروا في داخلهم فأغلق الله قلوبهم.

(عَلى قُلُوبِهِمْ) : جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه.

١٣٩

(فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) : الفاء عاطفة. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. لا : نافية لا عمل لها. يفقهون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «لا يفقهون» في محل رفع خبر «هم» بمعنى : لا يفقهون شيئا .. أو لا يفهمون حقيقة الإيمان.

(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٤)

(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ) : الواو عاطفة. إذا : معطوف على «إذا» في الآية الكريمة الأولى. رأيت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع فاعل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية «رأيتهم» في محل جر بالإضافة.

(تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم فلا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. أجسام : فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى : تعجبك هياكلهم لضخامتها.

(وَإِنْ يَقُولُوا) : الواو عاطفة. إن : حرف شرط جازم. يقولوا : فعل مضارع مجزوم بإن لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى : وإن يتكلموا.

(تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) : الجملة الفعلية جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء فلا محل لها وهي فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه سكون آخره. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. لقول : جار ومجرور متعلق بتسمع و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى تصغ لقولهم لفصاحة لسانهم.

١٤٠