إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٧

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٧

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٧

(بِهادِي الْعُمْيِ) : الباء حرف جر زائد لتأكيد النفي. هادي : اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر «ما» ومرفوع محلا على أنه خبر المبتدأ وهو مضاف. العمي : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة والكلمة اسم فاعل أضيف إلى معمولها «العمي» وهي جمع «أعمى» أي عمي القلوب والبصائر.

(عَنْ ضَلالَتِهِمْ) : جار ومجرور متعلق باسم الفاعل «هادي» و«هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة بمعنى : ولست مستطيعا أن تهدي العمي إلى نور الحق والإيمان أي مخرجهم عن كفرهم.

(إِنْ تُسْمِعُ) : مخففة مهملة بمعنى «ما» نافية. تسمع : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.

(إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ) : أداة حصر لا عمل لها. من : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يؤمن : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو.

(بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) : جار ومجرور متعلق بيؤمن. و«نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع سبحانه ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة. الفاء استئنافية تفيد هنا التعليل. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. مسلمون : خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى فهم مخلصون لأنهم يصدقون بآيات الله جلت قدرته.

(وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) (٨٢)

(وَإِذا وَقَعَ) : الواو استئنافية. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمن مبني على السكون متضمن معنى الشرط خافض لشرطه متعلق بجوابه. وقع : فعل ماض مبني على الفتح والجملة الفعلية «وقع القول» في محل جر بالإضافة.

٣٨١

(الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) : فاعل مرفوع بالضمة. على : حرف جر و«هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بوقع بمعنى : وإذا وقع العذاب عليهم.

(أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الواحد المطاع سبحانه و«نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. لهم : يعرب إعراب «عليهم» والجار والمجرور متعلق بأخرجنا. دابة : مفعول به منصوب بأخرجنا وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) : جار ومجرور متعلق بأخرجنا أو بصفة محذوفة من «دابة». تكلم : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي و«هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية «تكلمهم» في محل نصب صفة لدابة أو حال بعد وصفها.

(أَنَّ النَّاسَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الناس : اسم «أن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(كانُوا بِآياتِنا) : الجملة الفعلية مع خبرها في محل رفع خبر «أن» وهي فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. بآيات : جار ومجرور متعلق بخبر «كان» و«نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.

(لا يُوقِنُونَ) : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان». لا : نافية لا عمل لها. يوقنون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والمعنى : لا يعتقدون.

(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) (٨٣)

(وَيَوْمَ نَحْشُرُ) : الواو عاطفة. يوم : مفعول به منصوب بفعل محذوف تقديره : واذكر وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. نحشر : فعل مضارع

٣٨٢

مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. والجملة الفعلية «نحشر ..» في محل جر بالإضافة بمعنى : نجمع.

(مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) : جار ومجرور متعلق بنحشر أو بحال مقدمة من «فوجا». أمة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(فَوْجاً مِمَّنْ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة أي جماعة كثيرة. ممن : أصلها : من : حرف جر و«من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «فوجا».

(يُكَذِّبُ بِآياتِنا) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بآيات : جار ومجرور متعلق بيكذب و«نا» ضمير الواحد المطاع سبحانه في محل جر بالإضافة.

(فَهُمْ يُوزَعُونَ) : الفاء استئنافية أو تكون واقعة في جواب «من» المتضمنة معنى الشرط. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يوزعون : الجملة الفعلية : في محل رفع خبر «هم» وهي فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل.

(حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٨٤)

(حَتَّى إِذا جاؤُ) : حرف غاية للابتداء. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمن مبني على السكون متضمن معنى الشرط خافض لشرطه متعلق بجوابه. جاءوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الفعلية «جاءوا» في محل جر بالإضافة.

(قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي) : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. والجملة الفعلية «قال» وما بعدها : جواب شرط

٣٨٣

غير جازم لا محل لها. الهمزة همزة توبيخ بلفظ استفهام. كذبتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. بآياتي : جار ومجرور متعلق بكذبتم والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة والجملة الفعلية «أكذبتم بآياتي» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ بمعنى «نسألهم أكذبتم بآياتي» ويجوز أن يكون هذا التقدير «نسألهم» جواب الشرط غير الجازم.

(وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً) : الواو حالية والجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير المخاطبين في «كذبتم». لم : حرف نفي وجزم وقلب. تحيطوا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة .. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بها : جار ومجرور متعلق بتحيطوا بمعنى : ولم تدركوا معانيها ـ معاني آياتي : علما : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة التقدير والمعنى : أكذبتم بها بادئ الرأي من غير فكر في إحاطة العلم بكنهها أو تكون الواو عاطفة عطفت ما بعدها على فعل مقدر بمعنى : أجحدتم آياتي ولم تلقوا أذهانكم لتبصرها.

(أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : مكونة من «أم» المتصلة المسبوقة باستفهام وهي حرف عطف و«ما ذا» اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ و«ما ذا» اسم توبيخ وتقريع بلفظ استفهام بمعنى : أم أي شيء كنتم تعملون بعد ذلك. كنتم : الجملة الفعلية مع خبرها في محل رفع خبر المبتدأ وهي فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. تعملون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل ويجوز أن يكون اسم الاستفهام «ما ذا» في محل نصب خبرا مقدما للفعل «كنتم» والجملة الفعلية «تعملون» في محل نصب حالا من ضمير «كنتم».

٣٨٤

(وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) (٨٥)

(وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) : الواو عاطفة. وقع : فعل ماض مبني على الفتح. القول : فاعل مرفوع بالضمة. على : حرف جر و«هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بوقع بمعنى وحل بهم العذاب.

(بِما ظَلَمُوا) : الباء حرف جر. ما : مصدرية. ظلموا : الجملة الفعلية صلة حرف مصدري لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة و«ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور «بظلمهم» متعلق بوقع.

(فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) : الفاء عاطفة للتعليل. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لا : نافية لا عمل لها. ينطقون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «لا ينطقون» في محل رفع خبر «هم».

** (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة والثمانين. المعنى والتقدير : وحق بهم العذاب أي حل بهم العذاب الموعود بسبب ظلمهم وهو الشرك والتكذيب بآيات الله .. فحذف المضاف «سبب» اختصارا وحل المضاف إليه المصدر المؤول من «ما» المصدرية وجملة «ظلموا» محله. يقال : نطق ـ ينطق ـ بمعنى : تكلم وهو من باب «ضرب» ومصدره : نطقا ومنطقا «بفتح الميم وكسر الطاء» والاسم منه : النطق ـ بضم النون وسكون الطاء ـ ويأتي الفعل الرباعي متعديا .. نحو : أنطقه إنطاقا : أي جعله ينطق ومثله ناطقه واستنطقه أي كلمه. قال الجوهري : المنطيق ـ بكسر الميم : هو البليغ. وقولهم : ما له صامت ولا ناطق. فالناطق : الحيوان والصامت ما سواه. والصامت : اسم فاعل للفعل «صمت» وهذا الفعل من باب «نصر ودخل» : أي سكت .. ويقال : رجل صميت ـ بكسر الصاد وتشديد الميم أي سكيت ـ مثل صميت وزنا ومعنى ـ ويقال ما له صامت ولا ناطق. فالصامت : الذهب والفضة .. والناطق : الإبل والغنم أي ليس له شيء. وقال الفيومي : يقال : نطق لسانه .. كما يقال نطق الرجل ونطق الكتاب : أي بين وأوضح. والمنطق ـ بكسر الميم وفتح الطاء هو ما يشد به الوسط فعلى هذا يكون النطاق والمنطق بمعنى واحد. وقيل لأسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ ذات النطاقين .. قيل ذلك لأنها كانت تطارق نطاقا ـ أي حبلا ـ على نطاق. وقيل : كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتحمل في الآخر الزاد للنبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين كان في الغار ـ غار حراء ـ مع والدها ـ رضي الله عنه ـ قال الأزهري : وهذا أصح القولين.

٣٨٥

** (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السادسة والثمانين .. أصله : وجعلنا النهار المضيء ليبصروا فيه فبولغ فيه بجعل الإبصار حالا من أحواله لا تنفك عنه ليبصروا فيه طرق التقلب في المكاسب أي العمل وكسب الرزق وحذف مفعول اسم الفاعل «مبصرا» الذي يعمل عمل فعله الرباعي المتعدي «أبصر» وهو «طرق الكسب».

** (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السابعة والثمانين .. المعنى : يوم يدعى الناس للحساب .. والنفخ في الصورة .. أي البوق : هو كناية عن استدعاء الناس للحساب. وقال المصحف المفسر : إن الكلمة جمع صورة والنفخ فيها من قبل إسرافيل يعيد الحياة إليها .. وفزع بمعنى خاف ولم يقل «فيفزع» لأنه معطوف على مضارع «أي على ينفخ» وذلك لمسألة دقيقة وهي الإشعار بتحقق الفزع وثبوته وإنه كائن لا محالة لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعا به .. فالمراد : فزعهم عند النفخة الأولى حين يصعقون. وفي قوله تعالى في تكملة الآية : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) : يكون مفعول «شاء» محذوفا .. التقدير : إلا من شاء الله إلا يفزع أي إلا يفزع أي إلا من شاء عدم إفزاعه بمعنى : إلا من ثبت الله قلبه من الملائكة والشهداء الأحياء عند ربهم يرزقون وقوله : كل أتوه داخرين» أي كل الخلائق حضروا موقف الحساب بعد النفخة الثانية صاغرين خاضعين فالنفخة الأولى للإماتة والنفخة الثانية للبعث والحساب وبعد حذف المضاف إليه «الخلائق» نون آخر المضاف «كل».

** (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) : ورد هذا القول الكريم في بداية الآية الكريمة الثامنة والثمانين الفعل «تحسب» بضم السين لأن ماضيه من باب «نصر وكتب» .. أما الفعل «حسب» بمعنى «ظن» فهو بكسر السين ومضارعه بفتح السين .. لأنه من باب «تعب» في لغة جميع العرب إلا بني كناية فإنهم يكسرون المضارع ـ هذا ما ذكره الفيومي ـ مع كسر الماضي أيضا على غير قياس. والحسب ـ بفتح الحاء والسين ـ ما يعد من المآثر وهو مصدر «حسب» على وزن «شرف» شرفا وكرم كرما قال ابن السكيت : الحسب والكرم يكونان في الإنسان وإن لم يكن لآبائه شرف .. ورجل حسيب كريم بنفسه. قال وأما المجد والشرف فلا يوصف بهما الشخص إلا إذا كانا فيه وفي آبائه. وقال الأزهري : الحسب : الشرف الثابت له ولآبائه قال وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «تنكح المرأة لحسبها ـ أحوج أهل العلم إلى معرفة الحسب لأنه مما يعتبر في مهر المثل فالحسب الفعال له ولآبائه مأخوذ من الحساب وهو عد المناقب لأنهم كانوا إذا تفاخروا حسب كل واحد مناقبه ومناقب آبائه ومما يشهد لقول ابن السكيت قول الشاعر :

ومن كان ذات نسب كريم ولم يكن

له حسب كان اللئيم المذمما

جعل الحسب فعال الشخص مثل الشجاعة وحسن الخلق والجود ومنه قوله : «حسب المرء دينه».

** (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة والثمانين .. المعنى : من جاء بالخصلة الحسنة وهي الإيمان والعمل الصالح فله ثواب .. أي أجر أفضل منها أضعافا مضاعفة .. فحذف الموصوف «الخصلة» وأقيمت الصفة «الحسنة» مقامها ومثلها القول في الآية الكريمة التالية «التسعين» : ومن جاء بالسيئة : أي بالخصلة السيئة وهي الشرك والمعصية. وقيل إن الكلمتين «الحسنة» و«السيئة» من الصفات التي تجري مجرى الأسماء. وجاء الضمير الهاء في «له» على لفظ «من» أي بصيغة الإفراد وجاء بصيغة الجمع «هم .. آمنون» على معنى «من» لأن «من» مفردة لفظا مجموع معنى .. وكذلك في الآية الكريمة التالية.

٣٨٦

** (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : ورد هذا القول الكريم في نهاية الآية الكريمة التسعين .. المعنى : لا تجزون إلا جزاء ما كنتم تعملون من الشرك .. فحذف مفعول تجزون المضاف «جزاء» وحل محله المضاف إليه «ما».

** (كُلُّ شَيْءٍ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الحادية والتسعين .. أي وله ملك كل شيء .. فحذف المبتدأ المؤخر المضاف «ملك» وأقيم المضاف إليه «كل» مقامه.

** (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية والتسعين .. التقدير : فإنما يهتدي لخير نفسه .. فحذف المضاف «خير» وحل المضاف إليه «نفسه» محله.»

(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٨٦)

(أَلَمْ يَرَوْا) : الهمزة همزة استفهام لا عمل لها ولا محل لها. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يروا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و«نا» المدغمة بنون «أن» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع سبحانه ـ مبني على السكون في محل نصب اسم «أن». جعل : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الواحد المطاع سبحانه و«نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «جعلنا» وما بعدها في محل رفع خبر «أن». الليل : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و«أن» وما بعدها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي «يروا» على معنى : ألم يعلموا أو في محل نصب مفعول به ليروا على معنى : ألم يبصروا.

(لِيَسْكُنُوا فِيهِ) : اللام حرف جر للتعليل. يسكنوا : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. فيه : جار ومجرور متعلق بيسكنوا. والجملة الفعلية «يسكنوا فيه» صلة حرف مصدري لا محل لها و«أن» وما بعدها : بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور

٣٨٧

متعلق بجعلنا أو في محل نصب مفعولا لأجله على معنى من أجل السكن أي أوجدناه أو خلقناه لأجل السكن والنوم.

(وَالنَّهارَ مُبْصِراً) : معطوف بالواو على «الليل» ويعرب إعرابه. أي وجعلنا النهار. مبصرا حال من «النهار» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. وأصله : ليبصروا فيه ويعملوا وهو اسم فاعل.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) : أعرب في الآية الكريمة الثانية والخمسين.

(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) (٨٧)

(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) : الواو عاطفة. يوم : مفعول به منصوب بفعل محذوف تقديره : واذكر وعلامة نصبه الفتحة والجملة الفعلية «ينفخ في الصور» في محل جر بالإضافة. وهي فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة. في الصور جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل. الفاء عاطفة. فزع : فعل ماض مبني على الفتح.

(مَنْ فِي السَّماواتِ) : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. في السموات : جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره : استقر أو كان أو هو مستقر والجملة الفعلية «استقر في السموات» صلة الموصول لا محل لها.

(وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) : معطوفة بالواو على «من في السموات» وتعرب إعرابها.

(إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) : أداة استثناء. من : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلا. شاء : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والجملة الفعلية «شاء الله» صلة الموصول لا محل لها.

(وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) : الواو استئنافية. كل : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة. أتوه : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة

٣٨٨

لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والفتحة دالة على الألف المحذوفة. والهاء ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع سبحانه ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به. والجملة الفعلية «أتوه داخرين» في محل رفع خبر «كل». داخرين : حال من ضمير الغائبين الواو في «أتوه» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد بمعنى : صاغرين أذلاء.

(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) (٨٨)

(وَتَرَى الْجِبالَ) : الواو عاطفة. ترى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على آخره ـ الألف المقصورة ـ للتعذر .. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. الجبال : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى وتبصر ..

(تَحْسَبُها جامِدَةً) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير المخاطب في «ترى» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت و«ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. جامدة : مفعول به ثان منصوب بالفعل «تحسب» المتعدي إلى مفعولين وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(وَهِيَ تَمُرُّ) : الواو حالية والجملة الاسمية بعدها في محل نصب حال ثان وهو حال من «الجبال». هي : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. تمر : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «هي» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هي بمعنى وترى الجبال ثابتة واقفة في مكان واحد وهي تجري بسرعة.

(مَرَّ السَّحابِ) : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة. السحاب : مضاف إليه مجرور بالكسرة أي جري السحاب.

٣٨٩

(صُنْعَ اللهِ) : مفعول مطلق ـ مصدر مؤكد ـ ومؤكده محذوف وهو الناصب ليوم ينفخ بمعنى : يوم ينفخ في الصور أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين أي فأناب وعاقب أو وصنع ذلك صنع الله مثل «صبغة الله» الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

(الَّذِي أَتْقَنَ) : اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة ـ نعت ـ للفظ الجلالة. أتقن : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الفعلية «أتقن كل شيء» صلة الموصول لا محل لها.

(كُلَّ شَيْءٍ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. شيء : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(إِنَّهُ خَبِيرٌ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن». خبير : خبرها مرفوع بالضمة المنونة.

(بِما تَفْعَلُونَ) : الباء حرف جر و«ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بخبير والجملة الفعلية «تفعلون» صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والعائد إلى الموصول ضمير محذوف خطا واختصارا منصوب محلا لأنه مفعول به. التقدير : بما تفعلونه. أو تكون «ما» مصدرية فتكون «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء أي بأعمالكم.

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (٨٩)

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من». جاء : فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط في محل جزم بمن والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجار والمجرور «بالحسنة» متعلق بجاء والجملة الفعلية «جاء بالحسنة» صلة الموصول لا محل لها.

٣٩٠

(فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) : الجملة الاسمية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء واقعة في جواب الشرط والجار والمجرور «له» في محل رفع متعلق بخبر مقدم. خير : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة. منها : جار ومجرور متعلق بخير.

(وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ) : الواو عاطفة. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. من فزع : جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ «آمنون» بمعنى وهم من خوف العقاب أو من خوف ذلك اليوم.

(يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية الزمانية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. إذ : اسم مبني على السكون الذي حرك بالكسر تخلصا من التقاء الساكنين : سكونه وسكون التنوين في محل جر بالإضافة. وقد نونت لمزيتها حيث إن الأسماء لا تضاف إلى الحروف. آمنون : خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد.

(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٠)

(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ) : معطوف بالواو على «من جاء بالحسنة» ويعرب إعرابه. الفاء واقعة في جواب الشرط. كبت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. وجوه : نائب فاعل مرفوع بالضمة و«هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة والجملة الفعلية «فكبت وجوههم ..» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.

(فِي النَّارِ هَلْ) : جار ومجرور متعلق بكبت. هل : حرف تبكيت بلفظ استفهام لا عمل له.

(تُجْزَوْنَ إِلَّا ما) : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. إلا :

٣٩١

أداة حصر لا عمل لها. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به لتجزون والجملة الفعلية «هل تجزون إلا ما ..» في محل نصب مفعول به بفعل محذوف تقديره : قال لهم أو في محل رفع نائب فاعل على حكاية ما يقال لهم عند الكب في النار أي يقال لهم : هل تجزون ..

(كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان والميم علامة جمع الذكور. تعملون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وحذف المفعول به وهو الضمير العائد للموصوف التقدير تعملونه.

(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٩١)

(إِنَّما أُمِرْتُ) : كافة ومكفوفة لا عمل لها. أمرت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل.

(أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ) : حرف مصدري ناصب. أعبد : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. رب : مفعول به منصوب بأعبد وعلامة نصبه الفتحة. والجملة الفعلية «أمرت أن أعبد» في محل نصب مفعول به بفعل محذوف ـ مقول القول ـ المعنى : أمر الله تعالى رسوله الكريم أن يقول أمرت بتقدير : قل : أمرت أن أعبد رب .. والجملة الفعلية «أعبد رب ..» صلة حرف مصدري لا محل لها و«أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر على اعتبار «أن» مفسرة مسبوقة بحرف جر مقدر .. أي أمرت بعبادة رب .. والجار والمجرور متعلق بأمرت.

٣٩٢

(هذِهِ الْبَلْدَةِ) : اسم إشارة مبني على الكسر في محل جر بالإضافة. البلدة : بدل من اسم الإشارة «هذه» مجرور مثله وعلامة جره الكسرة بمعنى أمرت أن أخص الله وحده بالعبادة ولا أشرك معه أحدا.

(الَّذِي حَرَّمَها) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة ـ نعت ـ للرب. والبلدة هي مكة المكرمة حرسها الله تعالى اختصها بإضافة اسمه عزوجل إليها لأنها أحب بلاده إليه وأكرمها عليه وأعظمها عنده. حرم : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو و«ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به أي شرفها سبحانه وجعلها محرمة لا تنتهك حرمتها.

(وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) : الواو عاطفة على معنى : والذي له كل شيء أو تكون اعتراضية لا محل لها. له : جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. كل : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. شيء : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره : الكسرة المنونة بمعنى : وله ملك كل شيء في الكون فحذف المبتدأ المضاف «ملك» وحل المضاف إليه «كل» محله».

(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ) : معطوف بالواو على «أمرت أن أعبد» ويعرب إعرابه و«أكون» فعل مضارع ناقص واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنا.

(مِنَ الْمُسْلِمِينَ) : جار ومجرور متعلق بخبر «أكون» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد بمعنى : مسلما من المسلمين أي من المستسلمين المنقادين لطاعته سبحانه.

(وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (٩٢)

(وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) : معطوف بالواو على «أن أعبد الرب» في الآية الكريمة السابقة ويعرب إعرابه أي وأن أقرأ القرآن على الناس أي وأمرت أن أقرأ هذا القرآن على الناس.

٣٩٣

(فَمَنِ اهْتَدى) : الفاء استئنافية. من : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من». اهتدى : فعل ماض فعل الشرط في محل جزم بمن مبني على السكون المقدر على الألف المقصورة للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو والجملة الفعلية «اهتدى» صلة الموصول لا محل لها بمعنى فمن اهتدى إلى الحق باتباعه إياي ..

(فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) : الجملة الفعلية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء واقعة في جواب الشرط. إنما : كافة ومكفوفة. يهتدي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. لنفسه : جار ومجرور متعلق بيهتدي والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الكسر في محل جر بالإضافة بمعنى فمنفعة اهتدائه راجعة إليه لا إلي.

(وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما) : معطوف بالواو على «من اهتدى» ويعرب إعرابه وعلامة بناء الفعل «ضل» الفتحة الظاهرة في آخره. فقل : الجملة الفعلية وما بعدها جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء رابطة لجواب الشرط. قل : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. وحذفت الواو ـ أصله : قول ـ تخفيفا ولالتقاء الساكنين. إنما : أعربت والجملة الاسمية بعدها في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) : ضمير منفصل ـ ضمير المتكلم ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. من المنذرين : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر «أنا» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد بمعنى : ومن ضل ولم يتبعني فلست عليه حسيبا وإنما أنا من المخوفين من عذاب الله كل من عصاه.

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٩٣)

٣٩٤

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) : معطوف بالواو على «قل» في الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها وكسر آخرها لالتقاء الساكنة والجملة الاسمية «الحمد لله» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ الحمد : مبتدأ مرفوع بالضمة. لله : جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر المبتدأ «الحمد» التقدير : الحمد مختص لله بمعنى الحمد لله سبحانه على ما أنعم علي من نعمة النبوة.

(سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) : السين حرف تسويف ـ استقبال ـ للقريب. يريكم : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول والميم علامة جمع الذكور. آياته : مفعول به ثان منصوب بيرى : المتعدي إلى مفعولين وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة.

(فَتَعْرِفُونَها) : الفاء عاطفة. تعرفون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و«ها» ضمير متصل في محل نصب مفعول به.

(وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ) : الواو استئنافية. ما : نافية بمنزلة «ليس» بلغة أهل الحجاز ونافية لا عمل لها بلغة أهل تميم. ربك : اسم «ما» على اللغة الأولى ومبتدأ على اللغة الثانية مرفوع بالضمة والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ في محل جر بالإضافة. الباء : حرف جر زائد للتوكيد. غافل : اسم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه خبر «ما» ومرفوع محلا على أنه خبر المبتدأ.

(عَمَّا تَعْمَلُونَ) : أصلها : عن : حرف جر و«ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بغافل. تعملون : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل والعائد إلى الموصول ضمير محذوف خطا واختصارا منصوب محلا لأنه مفعول به. التقدير : عما تعملونه. أو تكون «ما» مصدرية فتكون «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بعن. التقدير : عن أعمالكم.

٣٩٥

سورة القصص

معنى السورة : القصص ـ بفتح القاف ـ هي الشيء الذي يقص : أي يحكى .. وهو اسم مفعول جاء على وزن «فعل» أي مقصوص بمعنى : محكى. يقال : قصصت الخبر ـ أقصه ـ قصا .. من باب «قتل» بمعنى : حدثت به على وجهه والاسم : القصص ـ بفتح القاف والصاد ـ وقاصصته قصاصا ـ بكسر القاف ـ أي إذا كان لي عليه دين مثل ماله علي فجعلت الدين في مقابلة الدين مأخوذ من قصصت الأثر : أي تتبعته ثم غلب استعمال القصاص ـ بكسر القاف «في قتل القاتل وجرح الجارح وقطع القاطع ـ هذا ما ذكره الفيومي ـ أما «القصص» بكسر القاف فهي جمع «قصة» أي الشأن والأمر نحو : ما قصتك؟ أي ما شأنك؟

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم بهذه التسمية وفيها قصة شعيب الذي أراد تزويج موسى إحدى بنتيه .. قال تعالى في الآية الكريمة الخامسة والعشرين من هذه السورة الشريفة : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) صدق الله العظيم. في هذا القول الكريم وردت لفظة «القصص» مع الفعل «قص» أي فلما جاء موسى ـ عليه‌السلام ـ الشيخ الكبير المسن وهو شعيب الذي طمأن «موسى» بعد أن روى له تشاور القوم لقتله .. فقال له : لا تخف نجوت من القوم الظالمين. فعرض عليه هذا الشيخ الجليل أن يزوجه إحدى ابنتيه التين سقى موسى غنمها من ماء مدين .. فلما روتا لوالدهما ذلك طلب رؤيته ليجزيه أجر ما فعل .. ولما جاءه أخبره بخبره فطمأنه. ووردت لفظة «القصص» في سورة «يوسف» في قوله تعالى مخاطبا نبيه الكريم محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) أي نحن نروي لك يا محمد أحسن الأخبار.

٣٩٦

فضل قراءة السورة : قال نبي الإنسانية رسول الله محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ «طسم» القصص «كان له من الأجر بعدد من صدق موسى وكذب ولم يبق ملك في السموات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه كان صادقا وأن كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

وعن البراء بن عازب أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة وأعطاني المبين مكان الإنجيل وأعطاني الطواسين ـ جمع طسم ـ مكان الزبور وفضلني بالحواميم ـ جمع حم ـ والمفصل ما قرأهن نبي قبلي».

إعراب آياتها

(طسم) (١)

هذه الأحرف في الآية الكريمة الأولى أعربت وشرحت في سورة «يوسف».

(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) (٢)

(تِلْكَ آياتُ) : تي : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف حرف خطاب أو تكون الكلمة «تلك» اسم إشارة مبنيا على الفتح في محل رفع مبتدأ وخبره الجملة الاسمية «هي آيات» في محل رفع. آيات : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هي مرفوع بالضمة المنونة. أو تكون «تلك» في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذه تلك أو خبر «طسم» أي آيات هذا المؤلف من الحروف المبسوطة «تلك» و«آيات» بدل من «تلك» المعنى : آيات الكتاب الظاهر إعجازه وصحة أنه من عند الله.

(الْكِتابِ الْمُبِينِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. المبين : صفة ـ نعت ـ للكتاب مجرور مثله بالكسرة أي القرآن الكريم الواضح المعاني. و«المبين» اسم فاعل ـ وفعله : أبان : أي أوضح.

(نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٣)

٣٩٧

(نَتْلُوا عَلَيْكَ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن والجار والمجرور «عليك» متعلق بنتلو بمعنى نقرأ عليك يا محمد على لسان جبريل.

(مِنْ نَبَإِ) : جار ومجرور متعلق بنتلو و«من» للتبعيض وحذف مفعول «نتلو» اختصارا ولأن «من» التبعيضية تدل عليه بمعنى : نتلو عليك بعض خبر موسى وفرعون و«نبأ» مضاف.

(مُوسى وَفِرْعَوْنَ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الفتحة المقدرة على الألف للتعذر بدلا من الكسرة المنونة المقدرة لأنه ممنوع من الصرف للعجمة. وفرعون : اسم معطوف على «موسى» مجرور مثله وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف للعجمة.

(بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) : جار ومجرور متعلق بصفة لمصدر ـ مفعول مطلق ـ محذوف. التقدير : نتلو عليك من أخبارها تلاوة ملتبسة بالحق أو مصحوبة بالحق ويجوز أن يتعلق الجار والمجرور بحال من فاعل «نتلو» المعنى : محقين. لقوم : جار ومجرور متعلق بنتلو. يؤمنون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «يؤمنون» في محل جر صفة ـ نعت ـ للموصوف «قوم» بمعنى نقرأ عليك ونحن محقون فيما تذكره يا محمد لقوم يؤمنون أو نتلو عليك قصصا بالحق ليكون فيها هداية للمؤمنين.

** (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية .. التقدير والمعنى : تلك الآيات المذكورة في هذه السورة هي آيات القرآن الواضح المبين الحق .. فحذف اختصارا البدل المشار إليه «الآيات» لأن ما بعده «آيات الكتاب» يدل عليه كما حذف مفعول اسم الفاعل «المبين» الذي يعمل عمل فعله «أبان» المتعدي إلى المفعول «الحق ..».

** (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) : هذا القول الكريم هو آخر الآية الكريمة الخامسة وحذف مفعول اسم الفاعلين «الوارثين» المعنى : ونجعلهم دعاة الخير ووارثين ملك فرعون.

** (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة .. المعنى ونجعل لهم مكانا ونري فرعون ووزيره هامان وجندهما ما كانوا يحذرون من هلاكهم على يد موسى ـ عليه‌السلام ـ يقال : مكن له : إذا

٣٩٨

جعل له مكانا يقعد عليه. ونظيره : أرض له. وقال الشاعر الحطيئة وكان عاقا .. أي عاصيا ـ من العققة ـ أي من العصاة .. بمعنى : شاقا عصا طاعة الوالدين .. وتاركا الشفقة عليهما والإحسان إليهما ولهذا قال وهو يهجو أمه :

جزاك الله شرا من عجوز

ولقاك العقوق من البنينا

تنحي فاقعدي مني بعيدا

اراح الله منك العالمينا

ألم أظهر لك الشحناء مني

ولكن لا إخالك تعقلينا

إخالك : أي أظنك .. وماضيه : خال ويخال «المضارع» ومضارعه للمتكلم هو : إخال وأخال.

** (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) : هذا القول الكريم هو آخر الآية الكريمة السابعة .. والمخاطبة هي أم موسى .. أي إنا مرجعوه إليك وجاعلوه من الأنبياء المرسلين .. فحذفت الصفة «الأنبياء» وحلت صفته محله.

** (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة .. المعنى : فالتقط آل فرعون موسى ـ عليه‌السلام ـ ليصير لهم عدوا ومصدر حزن أي ومحزنا إن فرعون ووزيره هامان وجنودهما كانوا مجرمين. وجملة «ليكون» بمعنى : لينشأ. واللام هي لام بمعنى الصيرورة .. قال الزمخشري : اللام ليست للتعليل أي إن التعليل أو معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا ولكن المحبة والتبني .. وإن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء والتأدب الذي هو ثمرة الضرب في قولك : ضربته ليتأدب وأن هذه اللام استعيرت لما يشبه التعليل ويقال : خطئ ـ يخطأ ـ خطأ ـ بكسر الخاء في المصدر وإسكان الطاء : أي الذنب. والفعل من باب «علم» بمعنى تعمد الخطأ .. أما أخطأ فمعناه : لم يصب ولكن بغير تعمد. والخطأ ـ بفتح الخاء والطاء ـ : ضد الصواب .. واسم الفاعل هو مخطئ. قال أبو عبيدة : خطئ وأخطأ بمعنى واحد لمن يذنب على غير عمد. وقال غيره : خطئ في الدين وأخطأ في كل شيء عامدا كان أو غير عامد. وقال الفيومي : وقيل : خطئ : إذا تعمد ما نهي عنه فهو خاطئ ـ اسم فاعل ـ وأخطأ : إذا أراد الصواب فصار إلى غيره. وقوله : «ليكون لهم عدوا وحزنا» يكون «الحزن» بفتح الحاء والزاي مصدر الفعل : حزن ـ يحزن .. من باب «تعب». و«الحزن» بضم الحاء وسكون الزاي هو الاسم .. يقال : حزن الرجل فهو حزين ـ فعيل بمعنى فاعل ـ قال «ثعلب و«الأزهري» يتعدى الفعل بلغة قريش بالحركة .. فيقال حزنني .. من باب «قتل» ويتعدى بالألف في لغة تميم .. ومثل الأزهري باسم الفاعل والمفعول في اللغتين على بابهما .. ومنع أبو زيد استعمال الماضي من الثلاثي فقال : لا يقال حزنه وإنما يستعمل المضارع من الثلاثي فيقال : يحزنه.

** (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة .. المعنى : وقالت امرأة فرعون المؤمنة وهي آسية التي هي من نسل ملك مصر أيام يوسف ـ عليه‌السلام ـ حين هم فرعون بقتله كونه طفلا ـ وكعادة فرعون ـ قالت امرأته : إن هذا الطفل تسلية لي ولك أي مصدر سعادة

٣٩٩

وسرور لنا لا تقتلوه عسى أن نتخذه ولدا بالتبني ـ وكانت آسية لا تلد ـ واشتقاق «القر» إما من «القرار» فإن العين تقر على ما تسر به أي تسكن وإما من «القر» وهو البرد .. وبرد العين : هو كناية عن سرور صاحبها. وعن أبي هريرة : «إن فرعون وتد امرأته بأربعة أوتاد استقبل بها الشمس وأضجعها على ظهرها ووضع رحى على صدرها» وقيل : أمر بأن تلقى عليها صخرة عظيمة فدعت الله فرقى بروحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه. وعن الحسن : فنجاها الله أكرم نجاة فرفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب وتتنعم فيها. وقيل : كانت تعذب في الشمس فتظلها الملائكة وأما قولها : «نجني من فرعون وعمله» فهو بمعنى : من عمل فرعون أو من نفس فرعون الخبيثة وسلطانه الغشوم وخصوصا من عمله وهو الكفر وعبادة الأصنام والظلم والتعذيب بغير جرم .. ويقال : قر به عينا ـ يقر ـ قرا ـ كضرب يضرب وعلم يعلم ـ قرة وقرورا .. وهذا رجل قرير العين .. وقرت عينه ـ تقر ـ بفتح القاف وكسرها ـ ضد سخنت .. قال الجوهري : يقال : أقر الله عينه : أي أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه. ويقال : حتى تبرد ولا تسخن .. فللسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة. والأصمعي يقول : معناه : أبرد الله دمعك : أي سرك غاية السرور وزعم أن دمع السرور بارد ودمع الحزن حار وهو عندهم مأخوذ من القرور وهو الماء البارد. ورد عليه أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب هذا القول وقال : الدمع كله حار جلبه فرح أو ترح. وقال أبو عمر الشيباني : معناه : أنام الله عينك وأزاد سهرها لأن استيلاء الحزن داع إلى السهر .. وحكى ثعلب عن جماعة من الأئمة أن معناه : أعطاك الله مناك ومبتغاك حتى تقر عينك عن الطموح إلى غيره .. بمعنى أرضاك. لأن المترقب للشيء يطمح ببصره إليه فإذا ظفر به قرت عينه عن الطموح إليه. ومنه قولهم : فلان قرير العين : بمعنى مسرور : من قرت عينه : أي بردت سرورا وجف دمعها أو رأت ما كانت متشوقة إليه .. وأعطاه الله ما يشتهي وأسعده. وثار جدل بين العلماء حول الدمع هل هو حار أم بادر؟ ومتى يكون ذلك؟ واستشهدوا بقولهم : أقر الله عينك وقد تقدم شرح ذلك. قال الشاعر :

على ماء الدموع يخمد نارا

من جوى الحب أو يبل غليلا

و«عل» بمعنى : لعل. وقيل : إن أصل «لعل» هو «عل» وإنما زيدت اللام توكيدا. والجوى بمعنى : الحرقة وشدة الوجد ـ المحبة ـ أما قوله : يبل غليلا : فمعناه يروي حرارة العطش. قال أعرابي سمع صوت الناعورة :

فدموعها تحيا الرياض بها

ودموع عيني أحرقت خدي

لو قيس وجد العاشقين إلى

وجدي لزاد عليه ما عندي

وقال شاعر آخر :

وغادة سمعت صوتي فأرقها

من آخر الليل لما ملها السهر

لم يحجب الصوت أحراس ولا غلق

فدمعها بأعالي الخد ينحدر

** (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) : هذا القول الكريم هو آخر الآية الكريمة العاشرة .. المعنى لو لا أن ثبتناها .. والربط على القلب : كناية عن التثبيت. يقال للمصاب : ربط الله على قلبه بالصبر .. كما يقال : أفرغ الله عليه الصبر : أي ألهمه .. والفعل من باب «ضرب» ومن باب «قتل» لغة فيه.

٤٠٠