تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

لأنّه مبيع متعيّن لا يحتاج إلى حقّ يوفّيه ، فأشبه الثوب الحاضر. وهو رواية عن أحمد (١).

وله أخرى : المنع ، لقول ابن عمر : كنّا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى ننقله من مكانه (٢) (٣).

ح ـ منع المجوّزون الغشّ بأن يجعلها على دكّة أو حجر ينقصها أو يجعل الردي‌ء أو المبلول في باطنها ، لأنّه عليه‌السلام مرّ على صبرة من طعام فأدخل يده فنالت أصابعه بللا ، فقال : « يا صاحب الطعام ما هذا؟ » فقال : أصابته السماء يا رسول الله ، قال : « أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ » ثمّ قال : « من غشّنا فليس منّا » (٤).

فإن وجده كذلك ، فللشافعيّة (٥) طريقان :

أحدهما : أنّ فيها قولي بيع الغائب ، لأنّ ارتفاع الأرض وانخفاضها يمنع تخمين القدر ، وإذا لم يفد العيان إحاطة ، فكان كعدم العيان في احتمال الغرر.

والثاني : القطع بالبطلان ، لأنّا إذا صحّحنا بيع الغائب أثبتنا خيار الرؤية ، والرؤية حاصلة هنا ، فيبعد إثبات الخيار معها ، ولا سبيل إلى نفيه ، للجهالة.

واعترض بأنّ الصفة والقدر مجهولان في بيع الغائب ، ومع ذلك ففيه‌

__________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٤٦ ـ ١٤٧ ، المغني ٤ : ٢٤٦.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣١٤.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٧.

(٤) المغني ٤ : ٢٤٦ ، وانظر : صحيح مسلم ١ : ٩٩ ، ١٠٢ ، وسنن الترمذي ٣ : ٦٠٦ ، ١٣١٥.

(٥) في « ق ، ك » للشافعيّة.

٨١

قولان ، فكيف يقطع بالبطلان هنا مع علم بعض الصفات بالرؤية!؟

وإذا ثبت الخيار ـ وهو قول أحمد (١) ـ فوقت الخيار معرفة مقدار الصبرة أو تخمينه برؤية ما تحتها.

وفيه طريق ثالث للشافعي : القطع بالصحّة ، اعتمادا على المعاينة ، وجهالة القدر معها غير ضائرة (٢).

وأثبت أحمد الخيار بين الفسخ وأخذ تفاوت ما بينهما ، لأنّه عيب (٣).

ولو كان تحتها حفرة أو كان باطنها أجود ، فلا خيار للمشتري ، بل للبائع إن لم يعلم ، وإلاّ فلا.

ولو ظهر تحتها دكّة ، ففي بطلان البيع للشافعي وجهان :

البطلان ، لأنّه ظهر أنّ العيان لم يفد علما.

والأظهر : الصحّة ، وللمشتري الخيار ، تنزيلا لما ظهر منزلة العيب والتدليس (٤).

ط ـ لو علم قدر الشي‌ء ، لم يجز بيعه صبرة ، عندنا ، وهو ظاهر ـ وبه قال أحمد (٥) ـ لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من عرف مبلغ شي‌ء فلا يبعه جزافا حتى يبينه » (٦).

__________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٥ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، المجموع ٩ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤ ـ ٣٥.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٦.

(٤) المجموع ٩ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠.

(٥) المغني ٤ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ٢٤٦ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٠.

٨٢

وكرهه عطاء وابن سيرين ومجاهد وعكرمة ومالك وإسحاق وطاوس (١).

وعن أحمد أنّه مكروه غير محرّم (٢).

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا بأس بذلك ، لأنّه إذا جاز مع جهلهما ، فمع علم أحدهما أولى (٣).

ي ـ لو باع ما علم كيله صبرة ، قال أبو حنيفة والشافعي : يصحّ ـ وهو ظاهر قول أحمد ـ لأنّه لا تغرير فيه ، فأشبه ما لو علما كيله أو جهلاه (٤).

وقال مالك : إنّه تدليس إن علم به المشتري ، فلا خيار له ، لأنّه دخل على بصيرة ، وإن جهل مع علم البائع ، تخيّر في الفسخ ، لأنّه غشّ (٥). وهو قول بعض الحنابلة (٦).

وعند بعضهم أنّه فاسد (٧) ، وهو مذهبنا ، لما تقدّم.

يأ ـ لو أخبره البائع بكيله ثمّ باعه بذلك الكيل ، صحّ عندنا ، فإن قبضه واكتاله ، تمّ البيع ، وإن قبضه بغير كيل ، فإن زاد ، ردّ الزيادة ، وإن نقص ، رجع بالناقص. وإن تلف ، فالقول قول المشتري في قدره مع يمينه ، سواء قلّ النقص أو كثر.

والأقوى : أنّ للمشتري التصرّف فيه قبل كيله ـ خلافا لأحمد (٨) ـ لأنّه سلّطه عليه.

احتجّ بأنّ للبائع فيه علقة ، فإنّه لو زاد ، كانت له. قال : فلو تصرّف فيما يتحقّق أنّه حقّه أو أقلّ بالكيل ، فوجهان ، أحدهما : الصحّة ، لأنّه تصرّف في حقّه بعد قبضه. والمنع ، لانّه لا يجوز التصرّف في الجميع فلم يجز في البعض (٩).

__________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٤ ـ ٩) المغني ٤ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١.

٨٣

يب ـ لو كال طعاما وآخر ينظر إليه ، فهل لمن شاهد الكيل شراؤه بغير كيل؟ أمّا عندنا فنعم ـ وهو إحدى روايتي أحمد (١) ـ لانتفاء الجهالة.

وكذا لو كاله البائع للمشتري ثمّ اشتراه منه أو اشتريا طعاما فاكتالاه ثمّ باع أحدهما حصّته قبل التفرّق.

وأخرى عنه بالمنع (٢).

مسألة ٤٧ : لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة ، صحّ‌ ـ كالثوب والدار والغنم ـ بالإجماع. وكذا لو باع جزءا منه مشاعا ، كنصفه أو ثلثه ، أو جزءا معيّنا ، كهذا البيت ، وهذا الرأس من القطيع.

أمّا لو باع ذراعا منها أو عشرة من غير تعيين ، فإن لم يقصد الإشاعة ، بطل إجماعا. وإن قصد الإشاعة ، فإن لم يعلما عدد الذّراعان ، بطل البيع إجماعا ، لأنّ الجملة غير معلومة ، وأجزاء الأرض مختلفة ، فلا يمكن أن تكون معيّنة ولا مشاعة.

وإن علم الذّراعان ، للشيخ قولان :

البطلان (٣) ـ وبه قال أبو حنيفة (٤) ـ لأنّ الذراع عبارة عن بقعة بعينها ، وموضعها مجهول.

والصحّة (٥) ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٦) ـ إذ لا فرق بين عشر الأرض وبين ذراع من عشرة على قصد الإشاعة.

وهو عندي أقرب. وليس الذراع بقعة معيّنة ، بل هو مكيال.

__________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٥٣ ، الخلاف ٣ : ١٦٤ ، المسألة ٢٦٤.

(٦) راجع المصادر في الهامش (٤).

٨٤

فروع :

أ ـ لو اتّفقا على أنّهما أرادا قدرا منها غير مشاع ، لم يصحّ البيع ، لاتّفاقهما على بطلانه. ولو اختلفا فقال المشتري : أردت الإشاعة فالبيع صحيح ، وقال البائع : بل أردت معيّنا ، فالأقرب تقديم قول المشتري ، عملا بأصالة الصحّة وأصالة عدم التعيين.

ب ـ لو قال : بعتك من هذه الدار من هاهنا إلى هاهنا ، جاز ، لأنّه معلوم.

ج ـ لو قال : بعتك من هاهنا عشرة أذرع في جميع العرض إلى حيث ينتهي الذرع طولا ، فالأقرب عندي : البطلان ، لاختلاف الذرع (١) ، والجهل بالموضع الذي ينتهي إليه.

وللشيخ قول بالجواز (٢) ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٣).

د ـ لو قال : بعتك نصيبي من هذه الدار ، ولا يعلم قدره ، أو : نصيباً أو سهما أو جزءا أو حظّا أو قليلاً أو كثيراً ، لم يصحّ ، وإن علما نصيبه ، صحّ.

ه ـ لو قال : بعتك نصف داري ممّا يلي دارك ، قال الشافعي وأحمد : لا يصحّ ، لجهله بالمنتهى (٤). وفيه قوّة.

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : الذراع.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٥٤ ، الخلاف ٣ : ١٦٤ ، المسألة ٢٦٥.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٤) المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١١ ، وفيها قول أحمد فقط.

٨٥

و ـ لو قال : بعتك عبدا من عبدين أو أكثر ، أو : شاة من شاتين أو أكثر ، لم يصحّ على الأشهر ـ وبه قال الشافعي وأحمد (١) ـ للجهالة ، وبالقياس على الزائد على الثلاثة ، أو في غير العبيد ، كالثياب والدوابّ ، أو لم يجعل له الاختيار أو زاده على الثلاث ، أو على النكاح ، فإنّه لو قال : أنكحتك إحدى ابنتي ، بطل إجماعا.

وفي رواية لنا : يجوز (٢) ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في القديم في عبد من عبدين أو من ثلاثة بشرط الخيار. ولأنّ الشرع أثبت التخيير مدّة ثلاثة أيّام بين العوضين ليختار هذا بالفسخ أو هذا بالإمضاء فجاز أن يثبت له الخيار بين عبدين ، وكما تتقدّر نهاية الاختيار بثلاثة تتقدّر نهاية ما يتخيّر فيه من الأعيان بثلاثة لا أزيد ، لدعاء الحاجة إليه ، وفي الأكثر يكثر الغرر ، والحاجة لا تنفي الغرر (٣).

ويندفع بالتعيين. وما ذكروه من التخيير ضعيف.

ولو قال : بعتك شاة من هذا القطيع ، بطل.

والأقرب : أنّه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو في عشرة ، وفي شاة من شاتين أو عشرة ، بطل ، بخلاف قصد الإشاعة في الذراع من الأرض.

ز ـ حكم الثوب حكم الأرض. ولو قال : بعتك من هاهنا إلى هاهنا ، صحّ إن كان ممّا لا ينقصه القطع ، وإن كان ممّا ينقصه القطع وشرطه ، جاز ،

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ و ٢٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٨٤ ، المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٠.

(٢) انظر : الكافي ٥ : ٢١٧ ، ١ ، والفقيه ٣ : ٨٨ ، ٣٣٠ ، والتهذيب ٧ : ٧٢ ، ٣٠٨.

(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٨٧ و ٢٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١ ـ ٤٢ ، المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

٨٦

وإلاّ فالأقوى عندي : الجواز أيضا ، لأنّه سلّطه على قطعه ببيعه إيّاه.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز ، كما لو اشترى نصفا معيّنا من الحيوان (١).

وليس بجيّد ، لامتناع التسليم هنا ، بخلاف التسليم في الثوب ، فإنّ النقص لا يمنع التسليم إذا رضيه.

وكذا البحث لو باعه ذراعا من أسطوانة من خشب ، والخلاف بين الشافعيّة فيه كما تقدّم. قالوا : ولو كانت الأسطوانة من آجرّ ، جاز. قالوا : بشرط أن يكون انتهاء الذراع إلى انتهاء الآجرّة ، فلا يلحق الضرر بذلك (٢).

ح ـ الاستثناء كالمبيع يجب أن يكون معلوما ، فلو استثنى جزءا مجهولا ، بطل ، كقوله : بعتك هؤلاء العبيد إلاّ واحدا ، ولم يعيّنه ، سواء اتّفقت القيم أو لا. ولا فرق بين أن يقول : على أن تختار من شئت منهم أو لا ، ولا إذا قال ذلك بين أن يقدّر زمان الاختيار أو لا يقدّره.

ولو باع جملة الشي‌ء واستثنى جزءا شائعا ، كنصف أو ثلث ، جاز.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة إلاّ صاعا ، فإن كانت معلومة الصيعان ، صحّ ، وإلاّ فلا ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٣) ـ لأنّه عليه‌السلام نهى عن الثّنيا (٤) في البيع (٥).

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١٠٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٧.

(٢) المجموع ٩ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥.

(٤) هي أن يستثنى في عقد البيع شيء مجهول. النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ٢٢٤ « ثنا ».

(٥) صحيح مسلم ٣ : ١١٧٥ ، ٨٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨٥ ، ١٢٩٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦ ، مسند أحمد ٤ : ٣٢٦ ، ١٤٤٢٧.

٨٧

وقال مالك : يصحّ وإن كانت مجهولة الصيعان (١). وهو القياس الذي يقتضيه جواز بيع الصبرة مع الجهالة ، إذ لا فرق بين بيعها بأسرها وبين استثناء صاع معلوم منها.

أمّا نحن فلمّا أبطلنا بيعها مع الجهل ، بطل مع الاستثناء المعلوم.

ط ـ لو باعه صاعا من هذه الصبرة وهما يعلمان العدد ، صحّ. وهل ينزّل على الإشاعة بحيث لو تلف بعض الصبرة تلف بقسطه من المبيع ، أو لا ، بل المبيع صاع من الجملة غير مشاع ، لعدم اختلاف المقصود باختلاف أعيان الصيعان ، فيبقى المبيع ما بقي صاع؟ فيه احتمال.

وأظهرهما عند الشافعيّة : الأوّل (٢).

ولو لم يعلما العدد ، فإن نزّلناه على الإشاعة ، فالأقرب : البطلان ، وهو قول بعض الشافعيّة (٣).

وإن قلنا : المبيع صاع غير مشاع ، جاز ـ وهو أظهر وجهي الشافعي (٤) ـ فالمبيع أيّ صاع كان حتى لو تلفت الصبرة سوى صاع ، تعيّن ، وللبائع أن يسلّم صاعا من أسفلها وإن لم يكن مرئيّا ، لعدم التفاوت.

وقال القفّال من الشافعيّة : يبطل ، لأنّه غير معيّن ولا موصوف ، فصار كما لو فرّقها وباعه واحدا منها (٥).

ي ـ لو كان له عبد واحد فحضر في جماعة عبيد ، فقال سيّده : بعتك‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، وانظر بداية المجتهد ٢ : ١٦٤ ، والكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٢.

(٢) المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٣) المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣ و ٤٤ ، المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩.

(٥) حلية العلماء ٤ : ١٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩.

٨٨

عبدي من هؤلاء ، والمشتري يراهم ، بطل ، للجهالة ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والآخر : يكون كبيع الغائب (١).

يأ ـ يجب في المستثنى إمكان انفراده للبائع ، فلو باع أمة واستثنى وطئها مدّة ، لم يصحّ. ولو استثنى الكافر خدمة العبد ـ الذي بيع عليه لإسلامه ـ مدّة ، فالأقرب : الجواز ما لم تثبت الخدمة عليه سلطنة ، كالمتعلّقة بالعين.

مسألة ٤٨ : إبهام السلوك كإبهام المبيع‌ ، فلو باعه أرضا محفوفة بملكه من جميع الجهات وشرط السلوك من جانب ولم يعيّن ، بطل البيع ، لتفاوت الغرض باختلاف الجهات ، وبه قال الشافعي (٢).

ولو عيّن السلوك من جانب ، صحّ إجماعا ، وكذا لو قال : بعتكها بحقوقها ، ويثبت للمشتري حقّ السلوك من جميع الجوانب.

ولو أطلق ولم يعيّن جانبا ، فوجهان ، أظهرهما : ثبوت السلوك من الجميع ، لتوقّف الانتفاع عليه. وعدمه ، لسكوته عنه. وحينئذ هل هو بمنزلة نفي السلوك؟ احتمال.

وللشافعيّة كالوجهين (٣).

ولو شرط نفي الممرّ ، فالوجه : الصحّة ، لإمكان الانتفاع بالإيجار وتوقّع تحصيل المسلك.

ويحتمل ـ وهو أظهر وجهي الشافعيّة (٤) ـ البطلان ، لتعذّر الانتفاع في الحال.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

٨٩

ولو كانت الأرض المبيعة الملاصقة للشارع ، فليس للمشتري السلوك في ملك البائع ، فإنّ العادة في مثلها الدخول من الشارع. وإن كانت ملاصقة للمشتري (١) ، فليس له السلوك في ملك البائع ، بل يدخل في ملكه السابق إن جرى البيع مطلقا. ولو قال : بحقوقها ، فله السلوك في ملك البائع. وهذا كلّه كقول الشافعيّة (٢).

ولو باع دارا واستثنى لنفسه بيتا ، فله الممرّ. وإن نفى الممرّ ، فإن أمكن اتّخاذ ممرّ آخر ، صحّ ، وإن لم يمكن ، فالأقرب الصحّة.

وللشافعيّة وجهان (٣).

مسألة ٤٩ : لو باع الدهن بظرفه وقد شاهده أو وصف له وصفا يرفع الجهالة ، صحّ‌ إذا عرف المقدار ، عندنا ، ومطلقا عند مجوّزي بيع الجزاف (٤). وكذا كلّ ما تتساوى أجزاؤه ، كالعسل والدبس والخلّ.

ولو باعه كلّ رطل بدرهم ، فإن عرف الأرطال ، صحّ ، وإلاّ فلا ، وحكمه حكم الصبرة. ولو باعه مع الظرف بعشرة ، صحّ ، لأنّه باع عينين يجوز العقد على كلّ واحد منهما منفردا فجاز مجتمعا.

فأمّا إن باع السمن مع الظرف كلّ رطل بدرهم وعرفا قدر المجموع ، صحّ وإن جهلا تفصيله.

ومنع منه بعض الشافعيّة وبعض الحنابلة ، لأنّ وزن الظرف يزيد وينقص ولا يعلم كم بدرهم منهما ، فيدخل على غرر (٥).

__________________

(١) أي : لملك المشتري.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٤) المغني ٤ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٥) حلية العلماء ٤ : ١١٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٩ ، المغني ٤ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

٩٠

والباقون جوّزوه ـ كما اخترناه ـ لصحّة بيع كلّ منهما منفردا ، فصحّ مجتمعا. ولأنّه رضي أن يشتري الظرف كلّ رطل منه بدرهم ويشتري السمن كذلك (١).

ولا يضرّ اختلاف القيمة فيهما ، كما لو اشترى ثوبا مختلفا أو أرضا كلّ ذراع بدرهم ، فإنّ القيمة مختلفة ، ويكون ثمن كلّ ذراع درهما ، ولا يحتاج أن يجعل بعض الذراع الجيّد وبعض الردي‌ء بدرهم.

وإن باعه كلّ رطل بدرهم على أن يزن الظرف معه فيحسب عليه بوزنه ولا يكون مبيعا وهما يعلمان زنة كلّ واحد منهما ، صحّ ، لأنّه إذا علم أنّ الدهن عشرة والظرف رطلان ، كان معناه بعتك عشرة أرطال باثني عشر درهما. ولو لم يعلما زنتهما ولا زنة أحدهما ، بطل ، لأدائه إلى جهالة الثمن في الحال في الجملة والتفصيل ، وبه قال الشافعي وأحمد (٢).

مسألة ٥٠ : يجوز بيع النحل إذا شاهدها وكانت محبوسة بحيث لا يمكنها الامتناع‌ ـ وبه قال الشافعي ومحمّد بن الحسن وأحمد (٣) ـ لأنّها معلومة يقدر على تسليمها ، فصحّ بيعها كغيرها.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز بيعها منفردة ، لأنّه لا ينتفع بعينه ، فأشبه الحشرات (٤).

والجواب : المنع من عدم الانتفاع ، لأنّها يخرج من بطونها شراب فيه‌

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١١٠ ، المغني ٤ : ٢٥١ و ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٢) المجموع ٩ : ٣٢٠ ، المغني ٤ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢١ و ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، المجموع ٩ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ١١٢ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

٩١

منافع للناس ، فصارت كبهيمة الأنعام.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا يجوز بيعها في كواراتها (١) ـ وبه قال بعض الحنابلة (٢) ـ لجهالتها.

وقال بعضهم : يجوز (٣).

والضابط : العلم ، فإن تمكّن منه بأن يفتح رأس البيت ويشاهدها ويعرف كثرتها من قلّتها ، جاز ، وإلاّ فلا.

مسألة ٥١ : ويجوز بيع دود القزّ ـ وبه قال الشافعي وأحمد‌ (٤) ـ لأنّه حيوان طاهر معلوم يجوز اقتناؤه لتملّك ما يخرج منه ، فأشبه البهائم.

وقال أبو حنيفة في رواية عنه : إنّه لا يجوز بيعه. وفي رواية اخرى : إن كان معه قزّ ، جاز بيعه ، وإلاّ فلا ، لأنّه لا ينتفع بعينه ، فأشبه الحشرات (٥).

وليس بجيّد ، لأنّ النفع بها ظاهر ، وهو ما يخرج منها ، كالبهائم التي لا ينتفع بها بشي‌ء غير النتاج ، بخلاف الحشرات التي لا نفع فيها البتة ، فإنّ هذه يخرج منها الحرير ، وهو أفخر الملابس.

وكذا يجوز بيع بزره.

ومنعه بعض الحنابلة (٦). وهو خطأ ، لما مرّ.

__________________

(١) الكوارة : شي‌ء يتّخذ للنحل من القضبان ، وهو ضيق الرأس. لسان العرب ٥ : ١٥٦ « كور ».

(٢) المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٣) المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٢٧ و ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٤.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٢٧ و ٢٥٣ ، المحلّى ٩ : ٣١ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٦) المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

٩٢

مسألة ٥٢ : المسك طاهر يجوز بيعه في الجملة‌ ، وبه قال عامّة الفقهاء (١).

وحكي عن بعض الناس : المنع من بيعه ، لأنّه نجس ، لقوله عليه‌السلام : « ما أبين من حيّ فهو ميّت » (٢) والميتة نجسة (٣).

وقد قيل : إنّه دم (٤).

وهو خطأ ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للأنصاريّة التي سألته عن غسل الحيض : « خذي فرصة (٥) من مسك فتطهّري بها » (٦).

ولا دلالة في الخبر ، لأنّ الغزال يلقيه كما يلقي الولد ، ويلقي الطير البيض. والدم المحرّم هو المسفوح ، فإنّ الكبد حلال وهو دم ، وقد روي جواز بيعه عن الصادق عليه‌السلام (٧).

إذا ثبت هذا ، فقد جوّز الشيخ بيع المسك في فأرة وإن لم يفتق ، وفتقه أحوط (٨) ، وبه قال بعض الشافعيّة ، لأنّ بقاءه في فأرة مصلحة له ، فإنّه يحفظ رطوبته وذكاء رائحته ، فأشبه ما مأكوله في جوفه (٩).

__________________

(١) المجموع ٩ : ٣٠٦ وكما في الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٧.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ١١١ ، ٢٨٥٨ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٤ : ٢٣٤ نحوه.

(٣) حلية العلماء ٤ : ١٠٢ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٤ ، وكما في الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٧.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٠٢ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٤ ، وكما في الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٧.

(٥) الفِرْصة : قطعة من صوف أو قطن أو خرقة. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ٤٣١ « فرص ».

(٦) صحيح البخاري ١ : ٨٥ ـ ٨٦ ، سنن النسائي ١ : ١٣٥ ـ ١٣٦ ، سنن البيهقي ١ : ١٨٣ ، معرفة السنن والآثار ١ : ٤٨٨ ـ ٤٨٩ ، ١٤٦١ ، مسند أبي عوانة ١ : ٣١٧.

(٧) انظر : الفقيه ٣ : ١٤٣ ، ٦٢٨ ، والتهذيب ٧ : ١٣٩ ، ٦١٥.

(٨) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٥٨ ، الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٨.

(٩) المجموع ٩ : ٣٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢.

٩٣

ومنع أكثر أصحاب الشافعي وأصحاب أحمد ، لبقائه خارج وعائه من غير ضرورة ، وتبقى رائحته [ فلم يجز ] (١) بيعه مستورا ، لجهالة صفته ، كالدرّ في الصدف (٢).

والوجه : الصحّة ، لأنّ صفة المسك معلومة ، فيشتريه بشرط الصحّة ، كالمذوق قبل ذوقه.

مسألة ٥٣ : لا يجوز بيع البيض في بطن الدجاجة ولا النوى في التمر‌ ـ وهو وفاق ـ للجهالة.

ولو باع لؤلؤة في صدف ، لم يجز أيضا ، للجهالة ، وبه قال محمّد (٣).

وقال أبو يوسف : يجوز ، وله الخيار إذا رآه ، لأنّه كالحقّة (٤).

ونحن نمنع من حكم الأصل ، لعدم ضبط اللؤلؤ.

مسألة ٥٤ : قد بيّنّا أنّ جهالة الاستثناء تبطل البيع‌ ، وكذا المنفصل المعلوم إذا جهلت نسبته إلى المستثنى منه ، فلو باعه بعشرة إلاّ ثوبا وعيّنه ، لم يصحّ. وكذا لو باعه بثوب إلاّ درهما مع جهل النسبة.

ولو استثنى جزءا معلوما مشاعا ، كثلث أو ربع من الصبرة أو الحائط ، أو جزءين وأزيد ، كتسعين أو ثلاثة أثمان ، صحّ البيع ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٥) ـ لانتفاء الجهالة.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : فلم يقع. وما أثبتناه ـ كما هو الصحيح ـ من المغني والشرح الكبير.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢.

(٣ و ٤) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥.

٩٤

وقال أبو بكر وابن أبي موسى : لا يجوز (١). وليس بمعتمد.

وكذا يجوز أن يستثني المشاع من الحيوان ، كثلثه أو ربعه ، لوجود المقتضي وانتفاء المانع.

وقال بعض الحنابلة : لا يجوز ، قياسا على استثناء الشحم (٢).

وهو خطأ ، لجهالة الشحم.

ولو قال : بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلاّ مكّوكا (٣) ، صحّ.

فروع :

أ ـ لو باع قطيعا واستثنى شاة معيّنة ، صحّ البيع ، وإن لم تكن معيّنة ، بطل ـ وهو قول أكثر العلماء (٤) ـ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الثّنيا إلاّ أن تعلم (٥). ونهى عن الغرر (٦). ولأنّه مبيع مجهول فلم يصحّ ، كما لو قال : إلاّ شاة مطلقة.

وقال مالك : يصحّ أن يبيع مائة شاة إلاّ شاة يختارها ، أو يبيع ثمرة حائطه ويستثني ثمرة نخلات يعدّها (٧).

ب ـ لو قال : بعتك هذا بأربعة دراهم إلاّ بقدر درهم ، أو : إلاّ ما يخصّ درهما ، صحّ ، لأنّ قدره معلوم من المبيع وهو الربع ، فكأنّه قال : بعتك ثلاثة أرباعه بأربعة. ولو قال : إلاّ ما يساوي درهما ، صحّ مع العلم‌

__________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥.

(٣) المكوك : ميكال معروف لأهل العراق. لسان العرب ١٠ : ٤٩١ « مكك ».

(٤) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

(٥) سنن أبي داود ٣ : ٢٦٢ ، ٣٤٠٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨٥ ، ١٢٩٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٤٨ ، الهامش (٢).

(٧) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

٩٥

لا مع الجهالة ، إذ ما يساوي الدرهم قد يكون الربع وقد يكون أكثر وأقلّ.

ج ـ لو باعه سمسما واستثنى الكسب (١) ، لم يجز ، لأنّه قد باعه الشيرج بالحقيقة ، وهو غير معلوم. وكذا لو استثنى الشيرج. وكذا لو باعه قطنا واستثنى الحبّ أو بالعكس ، وبه قال الشافعي (٢).

مسألة ٥٥ : لو باعه حيوانا مأكولا واستثنى رأسه وجلده ، فالأقوى بطلان البيع ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي (٣) ـ لأنّه لم يجز إفراده بالعقد فلم يجز استثناؤه ، كالحمل ، ولأنّه مجهول.

وفي قول لنا : الشركة بقيمة ثنياه (٤) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « اختصم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجلان اشترى أحدهما من الآخر بعيرا واستثنى البيّع الرأس والجلد ثمّ بدا للمشتري أن يبيعه ، فقال للمشتري : هو شريكك في البعير على قدر الرأس والجلد » (٥).

وقال مالك : يكون له ما استثناه ، ويصحّ البيع في السفر دون الحضر ، لأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط. فجوّز له شراء اللحم دونها (٦).

وليس بجيّد ، لتساوي السفر والحضر في الحكم.

وقال أحمد : يصحّ الاستثناء مطلقا ، لأنّ المستثنى والمستثنى منه معلومان ، فصحّ ، كما لو استثنى نخلة معيّنة (٧).

__________________

(١) الكسب : عصارة الدهن. لسان العرب ١ : ٧١٧ « كسب ».

(٢) من القائلين بذلك : المحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ٥٧.

(٢) المجموع ٩ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

(٥) الكافي ٥ : ٣٠٤ ، ١ ، التهذيب ٧ : ٨١ ، ٣٥٠.

(٦) المدونة الكبرى ٤ : ٢٩٣ ، المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

(٧) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

٩٦

وليس بجيّد ، للعلم هنا.

فروع :

أ ـ لو باع الرأس والجلد أو شارك فيهما ، فالوجه عندي : البطلان ، للجهالة وتعذّر التسليم.

وفي قول لنا : إنّه يكون للشريك بقدر نصيبه (١) ، لقول الصادق عليه‌السلام في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع ، فاشتراه رجل بعشرة دراهم وأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضي أنّ البعير بري‌ء فبلغ ثمانية دنانير ، قال : فقال : « لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ ، فإن قال : أريد الرأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار وقد اعطي حقّه إذا اعطي الخمس » (٢).

ب ـ لو امتنع المشتري من ذبحها ، قال أحمد : لم يجبر عليه ، ويلزمه قيمة ذلك ، لما روي عن عليّ عليه‌السلام أنّه قضى في رجل اشترى ناقة وشرط ثنياها ، فقال : « اذهبوا إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها » (٣).

وقد بيّنّا أنّ الأقوى بطلان البيع.

ج ـ لو استثنى شحم الحيوان ، لم يصحّ البيع ـ وبه قال أحمد (٤) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الثّنيا إلاّ أن تعلم (٥). ولأنّه لا يصحّ إفراده بالبيع ،

__________________

(١) قال به المحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ٥٧.

(٢) التهذيب ٧ : ٧٩ ، ٣٤١ ، وبتفاوت في الكافي ٥ : ٢٩٣ ، ٤.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١ ـ ٢٢.

(٤) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٩٥ ، الهامش (٥).

٩٧

لجهالته.

مسألة ٥٦ : لو استثنى الحمل ، صحّ عندنا ـ وبه قال الحسن والنخعي‌ وإسحاق وأبو ثور وأحمد في رواية (١) ـ لأنّ نافعا (٢) روى عن ابن عمر أنّه باع جارية واستثنى ما في بطنها (٣).

ولأنّه يصحّ استثناؤه في العتق فصحّ في البيع.

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في أخرى ، والثوري : لا يصحّ ، لأنّه مجهول لا يصحّ إفراده بالبيع ، فلا يصحّ استثناؤه. ولأنّه عليه‌السلام نهى عن الثّنيا إلاّ أن تعلم (٤) (٥).

ونحن نقول بالموجب ، فإنّ الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل ، والبيع إنّما تناول الامّ دون الحمل ، وإطلاق الاستثناء عليه مجاز ، بل نقول نحن : إنّه لو باع الامّ ولم يستثن الحمل ، لم يدخل في البيع ، وكان للبائع ، والاستثناء هنا مؤكّد لا مخرج.

تذنيب : لو باع أمة حاملا بحرّ ، جاز البيع عندنا ، للأصل‌ ، خلافا للشافعي ، لأنّ الحمل لا يدخل في البيع ، فصار كأنّه مستثنى ، فلا يصحّ بيعها (٦).

__________________

(١) المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ـ ٣٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « نافع » غير منصوب.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٩٥ ، الهامش (٥).

(٥) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٣ : ١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ـ ٣٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٦) المجموع ٩ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧.

٩٨

ونمنع بطلان الاستثناء.

مسألة ٥٧ : لا يكفي في العلم مشاهدة وجه الدابّة‌ ، بل لا بدّ من النظر إلى مؤخّرها ـ وبه قال أبو يوسف (١) ـ لأنّ المؤخّر موضع مقصود منها ، فيشترط رؤيته.

وقال محمّد بن الحسن : لا يشترط ، لأنّ الأصل في الحيوان الوجه ، فتكفي رؤيته ، كالعبد والأمة (٢).

ونحن نمنع المقيس عليه ، ونوجب المشاهدة لجميع الأجزاء الظاهرة في المبيع كلّه ، سواء كان حيوانا أو غيره ، أو نثبت خيار الرؤية لو ظهر البعض على الخلاف.

ولو اشترى دارا فرأى خارجها ، لم يصحّ ، إلاّ إذا وصف الباقي وصفا يرفع الجهالة ، ويثبت خيار الرؤية ، وبه قال زفر (٣).

وقال أبو حنيفة وصاحباه : إذا رأى خارجها ، كان رؤية لها (٤). وليس بجيّد.

مسألة ٥٨ : وكما أنّ الجهالة في الموضعين مبطلة فكذا في صفاتهما ولواحق المبيع‌ ، فلو شرطا شرطا مجهولا ، بطل البيع. ولو شرطا تأجيل الثمن ، وجب أن يكون معلوما ، فلو أجّله إلى الحصاد ونحوه ، بطل البيع ، للجهالة.

فإن أسقط الأجل ، لم ينقلب جائزا عندنا ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأنّه‌

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٣.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٣.

(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٣٤.

(٤) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٤.

(٥) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٣ : ٢٧.

٩٩

انعقد باطلا.

وقال أبو حنيفة : ينقلب جائزا ، لأنّه أسقط المفسد قبل تقرّره ، فجعل كأن لم يكن ، ولهذا لو أسقط في الأجل الصحيح قبل مضيّ المدّة ، جعل كأن لم يكن إلاّ إلى هذا الوقت ويتمّ البيع (١).

وليس بشي‌ء ، لأنّه مع الصحيح إسقاط لحقّ ثبت في عقد صحيح ، وهنا لم يثبت ، لفساد العقد ، فلا يتحقّق الإسقاط.

تذنيب : لو باعه بحكم المشتري ولم يعيّن ، بطل البيع إجماعا‌ ، فإن هلك في يد المشتري ، فعليه قيمته.

قال الشيخ : يوم ابتاعه إلاّ أن يحكم على نفسه بأكثر من ذلك ، فيلزمه ما حكم به دون القيمة. ولو كان بحكم البائع فحكم بأقلّ من قيمته ، لم يكن له أكثر (٢).

والمعتمد : بطلان البيع ، للجهالة ، ووجوب القيمة يوم التلف إن كان من ذوات القيم ، وإلاّ المثل.

ويحتمل في ذي القيمة اعتبارها يوم القبض والأعلى. وكذا لو باعه بحكم ثالث من غير تعيين الثمن أو وصفه أو شرط فيه.

وكما يجب القيمة على المشتري أو المثل كذا يجب عليه أرش النقص لو حصل والأجرة إن كان ذا اجرة إن استوفى المنافع ، وإلاّ فإشكال.

ولا يضمن تفاوت السعر ، وله الزيادة التي فعلها في العين ، عينا كانت أو صفة ، وإلاّ فللبائع وإن كانت منفصلة.

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٥٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٣ : ٢٧.

(٢) النهاية ونكتها ٢ : ١٤٦.

١٠٠