تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، وبه نستعين‌

القاعدة الثانية : في العقود.

وفيه كتب :

كتاب البيع‌ ، وفيه مقاصد :

الأوّل : في أركانه‌ ، وفيه فصول :

الأوّل : في ماهيّته‌

وهو انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدّر على وجه التراضي ، فلا ينعقد على المنافع ، ولا على ما لا يصحّ تملّكه ، ولا مع خلوّه عن العوض المعلوم ، ولا مع الإكراه.

وهو جائز بالنصّ‌ :

٥

قال الله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١).

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » (٢).

وسأل الصادق عليه‌السلام عن معاذ بيّاع الكرابيس ، فقيل : ترك التجارة ، فقال : « عمل عمل الشيطان (٣) ، من ترك التجارة ذهب ثلثا عقله ، أما علم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدمت عير من الشام فاشترى منها واتّجر فربح فيها ما قضى دينه » (٤).

ولا خلاف بين الأمّة فيه. ولأنّ الحاجة قد تتعلّق بما في يد الغير ولا يبذله بغير عوض ، فتسويغ البيع يوصل كلاّ إلى غرضه ورفع حاجته.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٨٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٧٤ ، ٣٤٥٩ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٧ : ١٢٤ ـ ١٢٦ ، ٢٦٠٧ و ٢٦٠٨ و ٢٦١١.

(٤) التهذيب ٧ : ٤ ، ١١.

٦

الفصل الثاني

في الصيغة‌

مسألة ١ : الأشهر عندنا : أنّه لا بدّ منها‌ ، ولا تكفي المعاطاة في الجليل والحقير ، مثل : أعطني بهذا الدينار ثوبا ، فيعطيه ما يرضيه ، أو يقول : خذ هذا الثوب بدينار ، فيأخذه ـ وبه قال الشافعي مطلقا (١) ـ لأصالة بقاء الملك ، وقصور الأفعال عن الدلالة على المقاصد. وبعض الحنفيّة وابن سريج في الجليلة (٢).

وقال أحمد : ينعقد مطلقا ـ ونحوه قال مالك ، فإنّه قال : بع بما يعتقده الناس بيعا (٣) ـ لأنّه تعالى أحلّ البيع ولم يبيّن الكيفيّة ، فتحال على العرف كالقبض ، والبيع وقع في زمانه عليه‌السلام كثيراً ولم ينقل اللفظ ، وإلاّ لتواتر (٤).

والجواب : المعاطاة تثبت في غير البيع ، فيجب عود النصّ إلى غيرها. ونمنع عدم التواتر ، والاستغناء بالإباحة عنه.

__________________

(١) الوجيز ١ : ١٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٦٤ ، المجموع ٩ : ١٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٤ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٥.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠ ، الوسيط ٣ : ٨ ، المجموع ٩ : ١٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٥.

(٣) حلية العلماء ٤ : ١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٥.

(٤) المغني ٤ : ٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥ ـ ٦.

٧

والحوالة في الحقيرة على العرف ، فتختلف بأجناس الأموال.

وفسّره بعض الشافعيّة بما دون نصاب السرقة (١). وهو تحكّم.

مسألة ٢ : صيغة الإيجاب : « بعت » أو « شريت » أو « ملّكت » من جهة البائع. والقبول من المشتري : « قبلت » أو « ابتعت » أو « اشتريت » أو « تملّكت ».

ولا يشترط الاتّحاد إجماعا ، فيقول البائع : شريت ، فيقول المشتري : تملّكت.

ويشترط أمور :

الأوّل : تقديم الإيجاب على الأقوى‌ ـ خلافا للشافعي وأحمد (٢) ـ عملا بالأصل ، والدلالة على الرضا ليست كافية.

الثاني : الإتيان بهما بلفظ الماضي ، فلو قال : أبيعك ، أو قال : أشتري ، لم يقع إجماعا ، لانصرافه إلى الوعد.

ولو تقدّم القبول بلفظ الطلب بأن قال : بعني ، بدل قوله : اشتريت ، فقال البائع : بعتك ، لم ينعقد ـ وبه قال أبو حنيفة والمزني والشافعي في أحد القولين (٣) ـ لأنّه ليس صريحا في الإيجاب ، فقد يقصد أن يعرف أنّ البائع هل يرغب في البيع؟

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠ ، المجموع ٩ : ١٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٦٤ ، المجموع ٩ : ١٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٣.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٣٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٩ ، ١١٢٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٤١ ـ ٤٢ ، الوجيز ١ : ١٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١ ، حلية العلماء ٤ : ١٤ ، المجموع ٩ : ١٦٨.

٨

وأصحّ وجهي الشافعي : الجواز ـ وبه قال مالك ـ لوجود اللفظ المشعر من الجانبين (١).

وعن أحمد روايتان (٢) كالقولين.

نعم ، لو قال المشتري بعد ذلك : اشتريت ، أو : قبلت ، صحّ إجماعا.

ولو تقدّم بلفظ الاستفهام فيقول : أتبيعني؟ فيقول : بعتك ، لم يصحّ إجماعا ، لأنّه ليس بقبول ولا استدعاء.

الثالث : النطق ، فلا تكفي الإشارة إلاّ مع العجز ، للأصل. ولا الكتابة ، لإمكان العبث.

وللشافعيّة وجهان (٣).

الرابع : التصريح ، فلا يقع بالكناية مع النيّة ، مثل : أدخلته في ملكك ، أو : جعلته لك ، أو : خذه منّي بكذا ، أو : سلّطتك عليه بكذا ، عملا بأصالة بقاء الملك. ولأنّ المخاطب لا يدري بم خوطب.

وأصحّ وجهي الشافعي : الوقوع ، قياسا على الخلع (٤).

ونمنع الأصل ، وينتقض بالنكاح.

الخامس : الجزم ، فلو علّق العقد على شرط ، لم يصحّ وإن كان‌

__________________

(١) المهذب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٦٤ ، المجموع ٩ : ١٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١ ، الحاوي الكبير ٥ : ٤١ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٠ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤.

(٢) المغني والشرح الكبير ٤ : ٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٦٤ ، المجموع ٩ : ١٦٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢ ـ ١٣.

(٤) المجموع ٩ : ١٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، الوجيز ١ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢.

٩

الشرط المشيئة ، للجهل بثبوتها حالة العقد وبقائها مدّته. وهو أحد قولي الشافعيّة.

وأظهر الوجهين لهم : الصحّة ، لأنّ هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد ، لأنّه لو لم يشأ لم يشتر (١).

فروع :

أ ـ إنّما يفتقر إلى الإيجاب والقبول فيما ليس بضمنيّ من البيوع ، أمّا الضمنيّ ، ك‍ « أعتق عبدك عنّي بكذا » فيكفي فيه الالتماس والجواب ، ولا تعتبر الصيغ المتقدّمة إجماعا.

ب ـ لو اتّحد المتعاقدان ، كالأب عن ولده ، افتقر إلى الإيجاب والقبول ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الآخر : الاكتفاء بأحد اللفظين (٢).

ج ـ لا بدّ من التطابق في المعنى بين الصيغتين ، فلو قال : بعتك هذين بألف ، فقال : قبلت أحدهما بخمسمائة ، أو : قبلت نصفهما بنصف الثمن. أو قال : بعتكما هذا بألف ، فقال أحدهما : قبلت نصفه بنصف الثمن ، لم يقع على إشكال في الأخير أقربه : الصحّة واختيار البائع.

__________________

(١) المجموع ٩ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣.

(٢) المجموع ٩ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣.

١٠

الفصل الثالث

في المتعاقدين‌

مسألة ٣ : يشترط فيهما البلوغ والعقل‌ ، فلا تصحّ عبارة الصبي ، سواء كان مميّزا أو لا ، أذن له الوليّ أو لا ـ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (١) ـ لأنّ العقل لا يمكن الوقوف على حدّه المنوط التصرّف به ، لخفائه وتزايده تزايدا على التدريج ، فجعل الشارع له ضابطا هو البلوغ ، فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنّة. ولأنّ المميّز غير مكلّف ، فأشبه غيره.

وقال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى : يصحّ عقد المميّز بإذن الوليّ ، لقوله تعالى ( وَابْتَلُوا الْيَتامى ) (٢) وإنّما يتحقّق الاختبار بتفويض التصرّف (٣).

والجواب : الابتلاء يثبت بتفويض الاستيام والمماكسة وتدبير البيع ثمّ يعقد الوليّ.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٦٤ ، المجموع ٩ : ١٥٥ ـ ١٥٦ و ١٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٠ ، الوجيز ١ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، الوسيط ٣ : ١٢ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٥ ، المغني ٤ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٧.

(٢) النساء : ٦.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٣٥ ، المغني ٤ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٧ ، الوسيط ٣ : ١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

١١

وفي وجه لنا وللشافعيّة : جواز [ بيع ] (١) والاختبار (٢).

وفي وجه لأبي حنيفة : انعقاد بيع المميّز بغير إذن الوليّ موقوفا على إجازة الوليّ (٣).

وفي وجه آخر لنا : جواز بيعه إذا بلغ عشراً.

فروع :

أ ـ لو اشترى الصبي وقبض أو استقرض وأتلف ، فلا ضمان عليه ، لأنّ التضييع من الدافع ، فإن كان المال باقيا ، ردّه ، وعلى الوليّ استرداد الثمن ، ولا يبرأ البائع بالردّ إلى الصبي ، وبه قال الشافعي (٤).

ب ـ كما لا تصحّ تصرّفاته اللفظيّة كذا لا يصحّ قبضه ، ولا يفيد حصول الملك في الهبة وإن اتّهب الوليّ له ولا لغيره وإن أمره الموهوب منه بالقبض.

ولو قال مستحقّ الدّين للمديون : سلّم حقّي إلى هذا الصبي ، فسلّم قدر حقّه ، لم يبرأ عن الدّين ، وبقي المقبوض على ملكه لا يضمنه الصبي ، لأنّ البراءة تستند إلى قبض صحيح ولم يثبت.

ولو فتح الصبي الباب وأذن في الدخول عن إذن أهل الدار أو أوصل هديّة إلى إنسان عن إذن المهدي ، فالأقرب : الاعتماد ، لتسامح السلف فيه.

ج ـ المجنون إن كان له حال إفاقة فباع أو اشترى فيها ، صحّ ، وإلاّ فلا.

__________________

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، المجموع ٩ : ١٥٨ ، المغني ٤ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠ ، المجموع ٩ : ١٥٦.

١٢

ولو ادّعى الجنون حالة العقد ، قدّم قوله.

ولو لم يعرف له حالة جنون ، قدّم قول مدّعي الصحّة.

ويقدّم قول الصبي لو ادّعى إيقاعه حالة الصبا.

د ـ لا ينعقد بيع المجنون وإن أذن وليّه ، ولا المغمى عليه ولا السكران ولا الغافل ولا الناسي ولا النائم والهازل ولا المكره.

مسألة ٤ : الاختيار شرط في المتعاقدين‌ ، فلا يصحّ بيع المكره ولا شراؤه ، لقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (١).

وفي معنى الإكراه بيع التلجئة ، وهو : أن يخاف أن يأخذ الظالم ملكه فيواطئ رجلا على إظهار شرائه منه ولا يريد بيعا حقيقيّا ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمّد (٢) ـ لأنّهما لم يقصدا البيع ، فكانا كالهازلين.

وقال أبو حنيفة والشافعي : يصحّ بيع التلجئة ، لأنّه تمّ بأركانه وشروطه خاليا عن مقارنة مفسد ، فصحّ ، كما لو اتّفقا على شرط فاسد ثمّ عقدا بغير شرط (٣). ونمنع المقدّمات.

وكذا القصد شرط في البيع إجماعا.

فروع :

أ ـ لو رضي من منع عقده بفعله بعد زوال المانع ، لم يصحّ ، إلاّ‌

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) المغني ٤ : ٣٠٢ ، المجموع ٩ : ٣٣٤.

(٣) المغني ٤ : ٣٠٢ ، المجموع ٩ : ٣٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣.

١٣

المكره ، للوثوق بعبارته.

ب ـ لو أكرهه على بيع عبد فباع اثنين أو نصفه ، فإشكال. وكذا بثمن فباع بأزيد أو أنقص ، أو بوصف حلول أو غيره فباع بخلافه.

ج ـ لو ادّعى الإكراه ، قبل مع اليمين مع القرينة لا بدونها.

مسألة ٥ : يشترط أن يكون البائع مالكا أو من له ولاية‌ ، كالأب والجدّ له والحاكم وأمينه والوكيل ، فلو باع الفضولي ، صحّ ، ووقف على إجازة المالك ـ وبه قال مالك وإسحاق وأبو حنيفة والشافعي في القديم ، وأحمد في إحدى الروايتين (١) ـ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع إلى عروة البارقي دينارا ليشتري له شاة فاشترى به شاتين ، فباع إحداهما بدينار وجاء بدينار وشاة ، وحكى له ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : « بارك الله لك في صفقة يمينك » (٢).

ولأنّه عقد له مجيز حال وقوعه ، فيجب أن يقف على إجازته ، كالوصيّة.

وقال أبو ثور وابن المنذر والشافعي في الجديد وأحمد في الرواية الأخرى : يبطل البيع ـ وهو قول لنا ـ لقوله عليه‌السلام لحكيم بن حزام : « لا تبع ما ليس عندك » (٣).

__________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٧٢ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١ و ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ٧٤ ـ ٧٥ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ ، ١٢٥٨ ، سنن الدارقطني ٣ : ١٠ ، ٢٩ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ ، ٢١٨٧ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٨٣ ، ٣٥٠٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٤ ، ١٢٣٢ ، سنن النسائي ٧ : ٢٨٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ ، ٣١٧ ، ٣٣٩ ، مسند أحمد ٤ : ٤٠٣ ، ١٤٨٨٧ ، و ٤٥٥ ، ١٥١٤٥ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٣ : ٢١٧ ـ ٢١٨ ، ٣٠٩٧ ـ ٣٠٩٩ ، ٣١٠٢ ، ٣١٠٣.

١٤

ولأنّه باع ما لا يقدر على تسليمه ، فأشبه الآبق والطير في الهواء (١).

والجواب : النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد ، ونصرفه إلى أنّه باع عن نفسه ويمضي فيشتريه من مالكه ، لأنّه ذكره جوابا له حين سأله أنّه يبيع الشي‌ء ثمّ يمضي ويشتريه ويسلّمه ، والقدرة على التسليم من المالك موجودة إن أجازه.

فروع :

أ ـ شرط أبو حنيفة للوقف أن يكون للعقد مجيز في الحال ، فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز ، لم ينعقد. وكذا لو باع مال غيره ثمّ ملكه وأجاز (٢).

وهو قول للشافعيّة تفريعا على القديم (٣).

ب ـ لو اشترى فضوليّا ، فإن كان بعين مال الغير ، فالخلاف في البطلان والوقف على الإجازة ، إلاّ أنّ أبا حنيفة قال : يقع للمشتري بكلّ حال (٤).

وإن كان في الذمّة لغيره وأطلق اللفظ ، قال علماؤنا : يقف على الإجازة ، فإن أجازه ، صحّ ، ولزمه أداء الثمن ، وإن ردّ ، نفذ عن المباشر‌

__________________

(١) المغني ٤ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧٢ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١ و ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٥٩ و ٢٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦٨.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢.

(٤) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٥ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

١٥

ـ وبه قال الشافعي في القديم وأحمد (١) ـ وإنّما يصحّ الشراء ، لأنّه تصرّف في ذمّته لا في مال غيره ، وإنّما وقف (٢) على الإجازة ، لأنّه عقد الشراء له ، فإن أجازه ، لزمه ، وإنّ ردّه ، لزم من اشتراه ، ولا فرق بين أن ينقد من مال الغير أو لا.

وقال أبو حنيفة : يقع عن المباشر. وهو جديد للشافعي (٣).

ج ـ لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلّمها ، وبه قال الشافعي وأحمد (٤) ، ولا نعلم فيه خلافا ، لنهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع ما ليس عندك (٥). ولاشتماله على الغرر ، فإنّ صاحبها قد لا يبيعها وهو غير مالك لها ولا قادر على تسليمها.

أمّا إذا اشترى موصوفا في الذمّة سواء كان حالاّ أو مؤجّلا ، فإنّه جائز. وكذا لو اشترى عينا شخصيّة غائبة مملوكة للبائع موصوفة بما يرفع الجهالة ، فإنّه جائز إجماعا.

د ـ لو باع سلعة وصاحبها حاضر ساكت ، فحكمه حكم الغائب ، قاله علماؤنا وأكثر أهل العلم ، منهم : أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو يوسف (٦) ، لاحتمال السكوت غير الرضا.

وقال ابن أبي ليلى : سكوته إقرار ، كالبكر (٧).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٥٠ ، حلية العلماء ٤ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١.

(٤) المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩.

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٤ ، الهامش (٣).

(٦) المجموع ٩ : ٢٦٤ ، المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩.

(٧) المجموع ٩ : ٢٦٤ ، المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩.

١٦

والفرق : الحياء المانع من كلامها.

هـ ـ الغاصب وإن كثرت تصرّفاته فللمالك أن يجيزها ويأخذ الحاصل في الحال ، ويتتبّع (١) العقود ويعتمد مصلحته في نسخ أيّها شاء ، فينفسخ فرعه ، وهو أضعف قولي الشافعي ، وأصحّهما عنده : بطلان الجميع (٢).

و ـ لو باع بظنّ الحياة (٢) وأنّه فضوليّ فبان موته وأنّه مالك ، صحّ البيع‌ ـ وهو أصحّ قولي الشافعي (٤) ـ لأنّه بيع صدر من أهله في محلّه.

وأضعفهما : البطلان ، لأنّه كالغائب عن (٥) مباشرة العقد ، لاعتقاده أنّ المبيع لغيره (٦).

وله آخر : أنّه موقوف على تيقّن (٧) الحياة أو الموت (٨).

ز ـ لو باع الهازل ، لم ينعقد عندنا ، لأنّه غير قاصد ، فلا يترتّب عليه حكم.

وللشافعي وجهان (٩).

ح ـ لو باع الفضولي أو اشترى مع جهل الآخر ، فإشكال‌ ينشأ من أنّ‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : ويتبع.

(٢) أي : حياة والد البائع.

(٣) كذا ، وفي العزيز شرح الوجيز : كالعابث عند.

(٢) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، المجموع ٩ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ـ ٢٣.

(٧) في الطبعة الحجريّة : يقين.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤.

(٩) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، المجموع ٩ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣.

١٧

الآخر إنّما قصد تمليك العاقد. أمّا مع العلم : فالأقوى ما تقدّم. وفي الغاصب مع علم المشتري أشكل ، إذ ليس له الرجوع بما دفعه إلى الغاصب هنا.

ط ـ يرجع المشتري على البائع غير المالك‌ بما دفعه ثمنا وبما اغترمه من نفقة أو عوض عن اجرة أو نماء مع جهله أو ادّعاء البائع الإذن.

وهل يرجع بما دفعه ممّا حصل له في مقابلته نفع؟ قولان.

ولو كان عالما ، لم يرجع بما اغترم ولا بالثمن مع علم الغصب مطلقا عند علمائنا.

والأقوى : أنّ له الرجوع مع بقاء الثمن ، لعدم الانتقال ، بخلاف التالف ، لأنّه أباحه فيه من غير عوض.

ي ـ لا يبطل رجوع المشتري الجاهل بادّعاء الملكيّة للبائع ، لأنّه بنى على الظاهر ، على إشكال ينشأ من اعترافه بالظلم ، فلا يرجع على غير ظالمه.

يأ ـ لو تلفت العين في يد المشتري ، كان للمالك الرجوع على من شاء منهما ، لدفع مال الغير بغير إذنه ، وقبضه كذلك ، فإن رجع على المشتري العالم ، لم يرجع على البائع ، لاستقرار التلف في يده. وإن رجع على البائع ، رجع (١) عليه إن لم يكن قبض ، ولو قبض ، تقاصّا وترادّا الفضل. ولو كان المشتري جاهلا ، رجع على البائع ، لغروره ، ولا يرجع البائع عليه ، لضعف المباشرة.

يب ـ لو ضمّ المملوك إلى غيره ، صحّ في ملكه‌ ووقف الآخر على‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : يرجع.

١٨

الإجازة عندنا (١) ، وسيأتي بحثه في تفريق الصفقة.

مسألة ٦ : لا يشترط إسلام العاقد إلاّ إسلام المشتري في شراء العبد المسلم‌ ، فلا ينعقد شراء الكافر للمسلم ، عند أكثر علمائنا (٢) ـ وبه قال أحمد ومالك في إحدى الروايتين وأصحّ قولي الشافعي (٣) ـ لأنّ الاسترقاق سبيل فينتفى ، لقوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٤).

ولأنّه ذلّ ، فلا يثبت للكافر على المسلم ، كالنكاح. ولأنّه يمنع من استدامة ملكه فيمنع من ابتدائه ، كالنكاح.

وقال أبو حنيفة والشافعي في أضعف القولين ، ومالك في الرواية الأخرى ، وبعض (٥) علمائنا : يصحّ ويجبر على بيعه ، لأنّه يملكه بالإرث ، ويبقى (٦) عليه ـ لو أسلم ـ في يديه ، فصحّ شراؤه (٧).

__________________

(١) كلمة « عندنا » لم ترد في « ق ».

(٢) منهم الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ١٦٧ ، وابن زهرة في الغنية : ٢١٠ ، والمحقق في شرائع الإسلام ٢ : ١٦.

(٣) المغني ٤ : ٣٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ١ : ٥١٠ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ : ٤٢١ ، الوجيز ١ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧ ، الوسيط ٣ : ١٣ ، حلية العلماء ٤ : ١١٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٤ ، المجموع ٩ : ٣٥٥ و ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١١ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٨١ ، التفسير الكبير ١١ : ٨٣.

(٤) النساء : ١٤١.

(٥) انظر : شرائع الإسلام ٢ : ١٦.

(٧) المغني ٤ : ٣٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧ ، الوجيز ١ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧ ، الوسيط ٣ : ١٣ ، حلية العلماء ٤ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٨١ ـ

١٩

والفرق : أنّ الإرث والاستدامة أقوى من الابتداء ، لثبوته بهما للمحرم في الصيد مع منعه من ابتدائه ، ولا يلزم من ثبوت الأقوى ثبوت الأدون مع أنّنا نقطع الاستدامة عليه بمنعه منها وإجباره على إزالتها.

فروع :

أ ـ الخلاف واقع في اتّهابه‌ وقبول الوصيّة به والاستئجار عليه.

ب ـ لو وكّل الكافر مسلما في شراء مسلم ، لم يصحّ‌ ـ وبه قال أحمد (١) ـ لأنّ الملك يقع للموكّل.

ولو انعكس ، فالأقرب : الصحّة ـ وهو أحد وجهي أحمد (٢) ـ لأنّ المانع ثبوت السبيل ، والملك هنا للمسلم.

والآخر له : لا يصحّ ، لأنّ ما منع من شرائه منع من التوكيل فيه ، كالمحرم في الصيد (٣).

والفرق : الممنوع هنا الإعانة.

ج ـ لو كان المسلم ممّن ينعتق على الكافر ، فالأقرب عندي : صحّة البيع ، لأنّه يستعقب العتق وإن كرهه ، فلا إذلال ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٤) ، وإحدى روايتي أحمد (٥).

__________________

٣٨٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٤ ، المجموع ٩ : ٣٥٥ و ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١١ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ : ٤٢١.

(١ ـ ٣) المغني ٤ : ٣٣٢.

(٢) المغني ٤ : ٣٣٢.

(٣) المغني ٤ : ٣٣٢.

(٥) الوجيز ١ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧ ، الوسيط ٣ : ١٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٤ ، المجموع ٩ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١ ، المغني ٤ : ٣٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣.

٢٠