تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

و [ له ] (١) خيار الرؤية إذا لم يجده على الوصف.

ب ـ لو وجده بخلاف الوصف ، فله الخيار قولا واحدا ، ويسمّى خيار الخلف في الصفة ، لأنّه وجد الموصوف بخلاف الصفة ، فلم يلزمه ، كالسّلم.

ج ـ لو اختلفا فقال البائع : لم تختلف صفته. وقال المشتري : قد اختلفت ، قدّم قول المشتري ، لأصالة براءة ذمّته من الثمن ، فلا يلزمه ما لم يقرّ به أو يثبت بالبيّنة.

مسألة ٣٤ : يصحّ بيع الغائب إذا كانا قد شاهداه ولا يتطرّق إليه التغيير غالبا‌ ، كالأرض وأواني الحديد ، أو كان ممّا لا يتغيّر في المدّة المتخلّلة بين الرؤية والعقد ، ذهب إليه علماؤنا ـ وهو قول عامّة العلماء (٢) ـ لوجود المقتضي ـ وهو العقد ـ خاليا عن مفسدة الجهالة ، فيثبت الحكم ، كما لو شاهداه حالة العقد ، إذ الشرط العلم ، ولا يحصل بالمشاهدة زيادة فيه.

وللشافعي قول آخر : إنّه لا يصحّ ، واشترط مقارنة الرؤية للعقد ـ وهو رواية أخرى عن أحمد ، وهو محكي عن الحكم وحمّاد ـ لأنّ ما كان شرطا في صحّة العقد يجب أن يكون موجودا حال العقد ، كالقدرة على التسليم (٣).

والجواب : القول بالموجب ، فإنّ الشرط العلم ، وهو ثابت حال العقد.

وينتقض بما لو شاهدا دارا ووقفا في بيت منها وتبايعا ، أو أرضا‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : كونه. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) المغني ٤ : ٨٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، المغني ٤ : ٨٩ ـ ٩٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

٦١

ووقفا في طرفها ، صحّ إجماعا مع عدم المشاهدة للكلّ في الحال.

فروع :

أ ـ لو رآه وقد تغيّر عمّا كان ، لم يتبيّن بطلان البيع‌ ـ وهو أصحّ وجهي الشافعي (١) ـ لكن للمشتري الخيار. وإن لم يتغيّر ، لزم البيع قولا واحدا.

ب ـ لو كان المبيع ممّا يتغيّر في مثل تلك المدّة غالبا ، لم يصحّ البيع ، لأنّه مجهول ، وبه قال الشافعي وأحمد (٢).

وإن احتمل التغيّر وعدمه أو كان حيوانا ، فالأقرب عندي : جواز بيعه ـ وهو أصحّ وجهي الشافعي (٣) ـ لأنّ الظاهر بقاؤه بحاله ، ولم يعارضه ظاهر غيره. فإن وجده متغيّرا ، فله الخيار.

ويقدّم قول المشتري لو ادّعى التغيّر ، لأنّ البائع يدّعي عليه الاطّلاع على المبيع على هذه الصفة والرضا به ، والمشتري ينكره ، وهو أحد قولي الشافعي (٤).

وأضعفهما : تقديم قول البائع ، لأصالة عدم التغيّر واستمرار العقد (٥).

وفي أضعف وجهي الشافعي : بطلان البيع ، لما فيه من الغرر (٦).

__________________

(١) المجموع ٩ : ٢٩٦ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ـ ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، المغني ، ٤ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، وانظر : الحاوي الكبير ٥ : ٢٦.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٢٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ٢٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥.

(٦) انظر : المصادر في الهامش (٣).

٦٢

ج ـ لو شاهده أحدهما دون الآخر ، ثبت الخيار للآخر مع الوصف عندنا ، ومطلقا عند من جوّز بيع الغائب (١).

مسألة ٣٥ : البيع بالصفة نوعان :

بيع عين معيّنة ، كقوله : بعتك عبدي التركي ، ويذكر صفاته ، فيصحّ العقد عليه ، وينفسخ بردّه على البائع ، وتلفه قبل قبضه ، لكون المعقود عليه معيّنا ، فيزول العقد بزوال محلّه. ويجوز التفرّق قبل قبض ثمنه وقبضه ، كبيع الحاضر.

وبيع موصوف غير معيّن ، مثل : بعتك عبدا تركيّا ، ويستقصي في الوصف كالسّلم ، فإن سلّم إليه غير ما وصف فردّه أو على ما وصف فأبدله ، لم يفسد العقد ، إذ لم يقع على عين هذا فلا ينفسخ بردّه ، كالسّلم.

وهل يجب قبض الثمن أو المبيع قبل التفرّق؟ الوجه : المنع.

وقال الشافعي وأحمد : لا يجوز التفرّق قبل قبض أحد العوضين ، كالسّلم (٢).

ونمنع المساواة ، لأنّه بيع الحالّ ، فأشبه بيع العين.

مسألة ٣٦ : لا يصحّ بيع اللبن في الضرع ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وإسحاق وأحمد ، ونهى عنه ابن عباس وأبو هريرة ، وكرهه طاوس ومجاهد (٣) ـ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يباع صوف على ظهر أو لبن‌

__________________

(١) انظر : المغني ٤ : ٨٢ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٢) المغني ٤ : ٨٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ١١٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٢ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨.

٦٣

في ضرع (١).

وسأله سماعة عن اللبن يشترى وهو في الضرع ، قال : « لا » (٢) والظاهر أنّ المسئول الصادق عليه‌السلام.

ولجهالة قدره ووصفه. ولأنّه يحدث شيئا فشيئا.

وقال مالك : إذا عرفا قدر الحلاب في كلّ دفعة ، صحّ وإن باعه أيّاما معلومة (٣).

وأجازه الحسن وسعيد بن جبير ومحمّد بن مسلمة (٤) ، كلبن الظئر (٥).

والحاجة فارقة.

تذنيب : سوّغ الشيخ بيع اللبن في الضرع إذا ضمّ إليه ما يحتلب منه مع مشاهدة المحلوب‌ (٦) ، لقول سماعة : « إلاّ أن يحلب في سكرّجة (٧) فيقول : أشتري منك هذا اللبن في السكرّجة وما في ضرعها (٨) بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضرع (٩) شي‌ء ، كان ما في السكرّجة » (١٠).

__________________

(١) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ ، ٤٠ ـ ٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٠ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٤ ، ٦ ، الفقيه ٣ : ١٤١ ، ٦٢٠ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ ، ٥٣٨ ، الإستبصار ٣ : ١٠٤ ، ٣٦٤.

(٣) المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١ ، حلية العلماء ٤ : ١١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩.

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : محمّد بن مسلم. والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٥) المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

(٦) النهاية : ٤٠٠.

(٧) سُكُرُّجَة : إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الاُدْم. لسان العرب ٢ : ٢٩٩ « سكرج ».

(٨ و ٩) فيما عدا الاستبصار : « ضروعها ... الضروع ».

(١٠) انظر : المصادر في الهامش (٢).

٦٤

والأشهر عندنا : البطلان ، إذ ضمّ المعلوم إلى المجهول لا يصيّره معلوما.

مسألة ٣٧ : اختلف علماؤنا في بيع الصوف على ظهور الغنم‌ ، والأشهر : المنع ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد (١) ـ لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يباع صوف على ظهر (٢).

ولأنّه متّصل بالحيوان ، فلم يجز إفراده بالعقد ، كأعضائه.

وقال بعض (٣) علمائنا بالجواز ـ وبه قال مالك والليث بن سعد ، وهو رواية أخرى عن أحمد (٤) ـ وهو الأقوى عندي ، لما رواه إبراهيم الكرخي ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما؟ قال : « لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف » (٥) وهو يدلّ على المطلوب ، لأنّ ضمّ المجهول إلى مثله لا يؤثّر في العلم ، فبقي أن يكون الصوف مقصودا بالذات والحمل بالعرض.

ولأنّه مبيع مملوك مشاهد يجوز بيعه بعد تناوله ، فجاز بيعه قبل‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ١٦٨ ، مختصر المزني : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٧ و ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٣ :٤٠ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ١١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨.

(٢) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ ، ٤٠ ـ ٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٠.

(٣) انظر : المقنعة : ٦٠٩ ، والسرائر : ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

(٤) المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠ ، المجموع ٩ : ٣٢٨.

(٥) الكافي ٥ : ١٩٤ ، ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٦ ، ٦٤٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، ٥٣٩.

٦٥

تناوله ، كالثمار. ولوجود المقتضي وعدم المانع ـ وهو الجهالة ـ كالرطبة ، بخلاف الأعضاء ، لتعذّر تسليمها مع سلامة الحيوان.

ولا فرق بين بيعه قبل التذكية وبعدها ، خلافا للشافعي ، لعدم الإيلام حينئذ (١).

مسألة ٣٨ : لا يجوز بيع الملاقيح ـ وهي ما في بطون الأمّهات ـ ولا المضامين‌ ـ وهي ما في أصلاب الفحول ـ جمع ملقوح ، يقال : لقحت الناقة والولد ملقوح به ، إلاّ أنّهم استعملوه بحذف الجارّ. وقيل : جمع ملقوحة من قولهم : لقحت ، كالمجنون من جنّ. وجمع مضمون ، يقال : ضمن الشي‌ء ، أي : تضمّنه واستسرّه. ومنهم من عكس التفسيرين.

ولا نعرف خلافا بين العلماء في فساد هذين البيعين ، للجهالة ، وعدم القدرة على التسليم ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الملاقيح والمضامين (٢) ، ولا خلاف فيه.

تذنيب : لو باع الحمل مع امّه ، جاز إجماعا‌ ، سواء كان في الآدمي أو غيره.

ولو ضمّ الحمل إلى الصوف ، قال الشيخ : يجوز (٣) ، كما لو ضمّ إلى الأمّ.

ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن ذلك : « لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف » (٤).

__________________

(١) المجموع ٩ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠.

(٢) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١١ : ٢٣٠ ، ١١٥٨١.

(٣) النهاية : ٤٠٠.

(٤) الكافي ٥ : ١٩٤ ، ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٦ ، ٦٤٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، ٥٣٩.

٦٦

وفيه إشكال أقربه : الجواز إن كان الحمل تابعا للمقصود ، وإلاّ فلا.

مسألة ٣٩ : يحرم بيع عسيب الفحل ـ وهو نطفته‌ ـ لأنّه غير متقوّم ولا معلوم ولا مقدور عليه. ولا نعلم فيه خلافا ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنه (١).

أمّا إجارة الفحل للضراب فعندنا مكروهة وليست محرّمة ـ وهو أضعف وجهي الشافعي ، وبه قال مالك (٢) ـ لأنّها منفعة مقصودة يحتاج إليها في كلّ وقت ، فلو لم يجز الإجارة فيها ، تعذّر تحصيلها ، لعدم وجوب البذل على المالك.

وقال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ وجهيه ، وأحمد : أنّها محرّمة ، لأنّه عليه‌السلام نهى عن عسيب الفحل (٣).

ولأنّه لا يقدر على تسليمه ، فأشبه إجارة الآبق. ولأنّه متعلّق باختيار الفحل وشهوته. ولأنّ القصد هو الماء ، وهو ممّا لا يجوز إفراده بالبيع (٤).

ونحن نقول بموجب النهي ، لتناوله البيع ، أو التنزيه. ونمنع انتفاء القدرة ، والعقد وقع على الإنزاء ، والماء تابع ، كالظئر.

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ٢٦٧ ، ٣٤٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٧٢ ، ١٢٧٣ ، سنن النسائي ٧ : ٣١٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٩ ، سنن الدار قطني ٣ : ٤٧ ، ١٩٥ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٤٢ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٧ : ١٤٥ ، ٢٦٨٢.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٠١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ١٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٢ ، منهاج الطالبين : ٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٢ ، و ٥ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠١ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٢٤ ، المغني ٤ : ٣٠٠.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (١).

(٤) المغني ٤ : ٣٠٠ ، و ٦ : ١٤٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٧٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٢٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٠١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ١٢٣ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٠ ، و ٥ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٢.

٦٧

فروع :

أ ـ الإنزاء غير مكروه ، والنهي غير متوجّه إلى الضراب ، بل إلى العوض عليه ، وقد سئل الرضا عليه‌السلام عن الحمر (١) تنزيها على الرّمك (٢) لتنتج البغال أيحلّ ذلك؟ قال : « نعم أنزها » (٣).

ب ـ إذا استأجر للضراب ، فالوجه : عدم الاستحقاق إلاّ مع إنزال الماء في فرج الدابّة ، لأنّه وإن كان تابعا لكنّه المقصود ، كالاستئجار على الإرضاع.

ج ـ حرّم أحمد أخذ الأجرة على الضراب دون إعطائها ، لأنّه بذل ماله لتحصيل مباح يحتاج إليه (٤).

وليس بجيّد ، إذ تسويغ الإعطاء يستلزم تسويغ الأخذ.

د ـ لو اعطي صاحب الفحل هديّة أو كرامة من غير إجارة ، جاز ، وبه قال الشافعي وأحمد (٥) ، وهو ظاهر على مذهبنا ، لأنّه سبب مباح ، فجاز أخذ الهديّة عليه.

وعن أحمد رواية بالمنع (٦).

ه ـ نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حبل الحبلة (٧).

__________________

(١) في المصدر : الحمير.

(٢) الرَّمَكة : الفرس والبِرْذَوْنَة التي تتّخذ للنسل ، والجمع : رَمَك. لسان العرب ١٠ : ٤٣٤ « رمك ».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨٤ ، ١١٣٧ ، الإستبصار ٣ : ٥٧ ، ١٨٥.

(٤) المغني ٤ : ٣٠٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٢ ، المغني ٤ : ٣٠٠ ، و ٦ : ١٤٩ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٥.

(٦) المغني ٤ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٢.

(٧) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ ، ١٥١٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٠ ، مسند أحمد ١ : ٤٧٩ ، ٢٦٤٠.

٦٨

وفسّر بأمرين : نتاج النتاج ، وهو بيع حمل ما تحمله الناقة ، وجعله أجلا كان أهل الجاهليّة يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة.

وهو بمعنييه باطل ، لجهالته ، وجهالة الأجل.

مسألة ٤٠ : بيع الملامسة والمنابذة والحصاة باطل بالإجماع‌ ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك كلّه (١).

والملامسة : أن يبيعه شيئا ولا يشاهده على أنّه متى لمسه وقع البيع.

وهو ظاهر كلام أحمد ومالك والأوزاعي (٢).

وله تفاسير ثلاثة :

أن يجعل اللمس بيعا بأن يقول صاحب الثوب للراغب : إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا.

وهو باطل ، لما فيه من التعليق.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه من صور المعاطاة (٣).

وأن يأتي بثوب مطويّ له في ظلمة فيلمسه الراغب ، ويقول صاحب الثوب : بعتك بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام النظر ، ولا خيار لك إذا رأيته. فسّره الشافعي (٤).

قال بعض الشافعيّة : إن أبطلنا بيع الغائب ، بطل ، وإلاّ صحّ تخريجا من تصحيح شرط نفي الخيار (٥).

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١١٥١ ، ١٥١١ ، و ١١٥٣ ، ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٣ ، ٢١٧٠ ، و ٧٣٩ ، ٢١٩٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥٣ و ٢٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٦ ، ٧٦.

(٢) المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ ـ ٣٣ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣.

٦٩

وأن يبيعه على أنّه إذا لمسه وجب البيع وسقط خيار المجلس وغيره. ويبطل عنده (١) ، لفساد الشرط (٢).

والوجه عندي : صحّته إن كان قد نظره.

والمنابذة قيل : أن يجعل النبذ بيعا بأن يقول : أنبذ إليك ثوبي بعشرة ثمّ ينبذه ، ويكتفيان به بيعا. وقيل : أن يقول : بعتك كذا بكذا على أنّي إذا نبذته إليك فقد وجب البيع ، قالهما الشافعيّة (٣).

وظاهر كلام أحمد ومالك والأوزاعي أن يقول : إذا (٤) نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا (٥).

وقيل : طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه (٦).

والحصاة أن يقول : ارم هذه الحصاة فعلى أيّ ثوب وقعت فهو لك بكذا.

وقيل أن يقول : بعتك من هذه الأرض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا (٧).

وقيل : أن يقول : بعتك هذا بكذا على أنّي متى رميت هذه الحصاة وجب البيع (٨).

ولا نعلم خلافا في بطلان الجميع.

__________________

(١) أي : عند الشافعي.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣ و ٦٤ ، منهاج الطالبين : ٩٧.

(٤) في « ق ، ك‍ » : « إن » بدل « إذا ». وفي المغني والشرح الكبير هكذا : أيّ ثوب نبذته ..

(٥) المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ ـ ٣٣ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٨.

(٦) المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

(٧) المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

(٨) المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

٧٠

مسألة ٤١ : يجب ذكر جنس المبيع أو مشاهدته‌ ، عند علمائنا أجمع بأن يقول : بعتك عبدي أو فرسي ، ولا يكفي أن يقول : بعتك ما في كمّي أو خزانتي أو ما ورثته من أبي ، مع جهالة المشتري ـ وهو أحد قولي الشافعي (١) ـ للجهالة.

وله آخر : الجواز ، لأنّ المعتبر في بيع الغائب كون المبيع متعيّنا ، والجهالة لا تزول بذكر الجنس ، فلا معنى لاشتراطه (٢).

ولا يكفي ذكر الجنس ، بل لا بدّ من ذكر النوع بأن يقول : عبدي التركي. وهو ظاهر قول الشافعي (٣).

ولا يكفي ذكرهما عندنا إلاّ مع ذكر الصفات الرافعة للجهالة ـ وبه قال مالك (٤) ـ للجهالة معه. وهو أضعف وجهي الشافعي (٥).

وأصحّهما ـ وبه قال أبو حنيفة ـ الاكتفاء. نعم ، لو كان له عبدان من ذلك النوع ، فلا بدّ وأن يزيد ما يقع به التمييز (٦).

ويشترط ذكر صفات السّلم لترتفع الجهالة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وبه قال أحمد (٧).

وأظهرهما : الاكتفاء بمعظم الصفات (٨).

مسألة ٤٢ : يجب العلم بالقدر‌ ، فالجهل به فيما في الذمّة ثمنا كان أو‌

__________________

(١) المجموع ٩ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١.

(٢) المجموع ٩ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ١٤٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، حلية العلماء ٤ : ٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢.

(٥) المجموع ٩ : ٢٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٦) الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، المجموع ٩ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، حلية العلماء ٤ : ٨٥ ـ ٨٦ ، المجموع ٩ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، حلية العلماء ٤ : ٨٥ ـ ٨٦ ، المجموع ٩ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

٧١

مثمنا مبطل. فلو قال : بعتك مل‌ء هذا البيت حنطة أو بزنة هذه الصنجة ذهبا ، لم يصحّ السّلم ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (١) ـ للغرر.

ولو قال : بعتك ثوبي هذا بما باع به فلان فرسه ، وهما لا يعلمانه أو أحدهما ، لم يصحّ ـ وهو أظهر وجهي الشافعي (٢) ـ للجهالة.

وله آخر : الجواز ، لإمكان الاستكشاف (٣).

وثالث : إن حصل العلم قبل التفرّق ، صحّ العقد (٤).

ولو قال : بعتك بألف من الدراهم والدنانير ، بطل ، للجهل بقدر كلّ منهما ، إذ لا فرق بينه وبين : بعتك بألف بعضها ذهب وبعضها فضّة. وبه قال الشافعي وأحمد (٥).

وعن أبي حنيفة أنّه يصحّ ويتساويان فيه ، كالإقرار (٦).

ويبطل بأنّه لو فسّره بغير التسوية ، صحّ ، ولو اقتضى التسوية ، لم يصحّ.

ولو باع الثوب برقمه ، وهو الثمن المكتوب عليه ، فإن علماه (٧) ، صحّ إجماعا ، لأنّه بيع بثمن معلوم قدره. وكرهه طاوس (٨). ولو لم يعلماه ، بطل.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣١١ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٠٧.

(٢) المجموع ٩ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦.

(٣) المجموع ٩ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦.

(٤) المجموع ٩ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١ ، المجموع ٩ : ٣٣٩ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٠٢ ، ١١٧٨.

(٦) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٠٢ ، ١١٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨.

٧٢

ولو قال : بعتك بمائة دينار إلاّ عشرة دراهم ، لم يصحّ ، إلاّ أن يعلما قيمة الدينار بالدراهم. وكذا لو قال : بعتك بدينار غير درهم ، أو : إلاّ درهما.

مسألة ٤٣ : يجب العلم بنوع الثمن من ذهب أو فضّة بالدراهم‌ ، ولا يصحّ لو كان مجهولا.

ولو أطلق وفي البلد نقد واحد يعلمانه ، انصرف الإطلاق إليه ، عملا بالظاهر. وكذا لو تعدّدت وغلب أحدها وإن كان فلوسا ، إلاّ أن يعيّن غيرها.

ولو تعدّدت وتساوت ، وجب التعيين. فإن أبهم ، بطل ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (١) ـ للجهالة.

وكما ينصرف المطلق إلى الجنس الغالب أو المتّحد كذا ينصرف في الوصف إلى الغالب بأن تختلف النقود ، كالراضية والرضويّة وإن اتّحد النوع. وكذا الصحيح والمكسّر. ولو لم يكن هناك غالب ، وجب التعيين ، وإلاّ بطل البيع ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لما تقدّم.

مسألة ٤٤ : لو كان لكلّ منهما عبد فباعاهما صفقة واحدة بثمن واحد ، صحّ البيع ، سواء كانا متساويين في القيمة أو لا ، ويتقسّط الثمن على القيمتين ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه (٣) ـ لأنّ جملة المبيع معلومة ، والعقد وقع عليها ، فصحّ ، كما لو كانا لواحد ، أو كما لو باعا عبدا واحدا لهما أو قفيزين من صبرة واحدة.

__________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٩ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ ـ ٤٧ ، الكتاب ـ بشرح اللباب ـ ١ : ٢٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢.

(٣) المغني ٤ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥.

٧٣

والثاني له : لا يصحّ ـ وهو قول للشيخ (١) أيضا ـ لأنّ كلّ واحد منهما مبيع بقسطه من الثمن ، وهو مجهول ، بخلاف ما لو كانا لواحد ، فإنّ جملة المبيع مقابلة بجملة الثمن من غير تقسيط ، والثمن يتقسّط على العبد المشترك والقفيزين بالأجزاء ، فلا جهالة فيه (٢).

ونحن نمنع الجهالة في المبيع ، إذ مقتضاه مقابلة الجملة بالجملة لا الأجزاء بالأجزاء ، ووجوب التقويم والبسط ليعرف كلّ واحد حقّه بعد البيع ، فلا يقتضي بطلانه.

مسألة ٤٥ : ذهب علماؤنا إلى أنّه لا يصحّ بيع المكيل والموزون جزافا ، لأنّه غرر. ولقول الصادق عليه‌السلام : « ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة » (٣).

ولإفضائه إلى التنازع لو وجب ضمانه.

ولأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الطعام مجازفة وهو يعلم كيله (٤). وكذا إذا لم يعلم كيله بل هو أبلغ في المنع ، إذ الجهالة لمّا أبطلت من أحد الطرفين كان إبطالها من الطرفين أولى.

وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد ـ ولا نعرف لهم مخالفا من الجمهور ـ : إنّه يصحّ ، لقول ابن عمر : كنّا نشتري الطعام من الركبان جزافا ، فنهانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه. ولأنّه معلوم بالرؤية ، فصحّ بيعه ، كالثياب (٥).

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٣٥ ، المسألة ١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، المغني ٤ : ٣١٦.

(٣) التهذيب ٧ : ١٢٢ ، ٥٣٠ ، الإستبصار ٣ : ١٠٢ ، ٣٥٥.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ٢٤٧ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٥) المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٦.

٧٤

ونمنع الرواية ونقول بموجبها ، فإنّه عليه‌السلام نهاهم عن بيعها إلاّ بعد نقلها ، وهو يستلزم معرفتها غالبا. والثوب غير مكيل ولا موزون.

فروع :

أ ـ حكم المعدود حكم الموزون والمكيل ، فلا يصحّ بيعه جزافا ، لأنّه مقدار يعرف به كمّيّة المبيع ، فلا يصحّ بدونها ، كالوزن والكيل.

ب ـ لو تعذّر الوزن أو العدد ، كيل [ بعضه ] (١) بمكيال ووزن أو عدّ ، ونسب إليه الباقي ، لقول الصادق عليه‌السلام ـ وقد سئل عن الجوز لا يستطيع أن يعدّه فيكال بمكيال ثمّ يعدّ ما فيه ثمّ يكال ما بقي على حساب ذلك من المعدود (٢) ـ : « لا بأس به » (٣).

وسئل عليه‌السلام : أشتري مائة راوية زيتا فأعترض راوية أو اثنتين فأزنهما ثمّ أخذ سائره على قدر ذلك ، فقال : « لا بأس » (٤).

ولأنّه يحصل المطلوب ، وهو العلم.

ومنع أحمد من ذلك. (٥).

وقال الثوري : كان أصحابنا يكرهون هذا ، لاختلاف المكاييل ، فيكون في بعضها أكثر من بعض ، والجوز يختلف عدده ، فيكون في أحد المكيلين أكثر من الآخر (٦).

وهو غلط ، فإنّه إذا جاز بيعه جزافا ، كان هذا أولى.

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) كذا ، وفي المصادر : العدد.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٣ ، ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ ـ ١٤١ ، ٦١٧ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ ، ٥٣٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٩٤ ، ٧ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ ، ٦٢٥ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ ـ ١٢٣ ، ٥٣٤ ، الاستبصار ٣ : ١٠٢ ، ٣٥٧ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٥ و ٦) المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

٧٥

ج ـ لو باعه جزافا ، بطل. وكان القول قول المشتري في المقدار ، سواء كان باقيا أو تالفا.

د ـ لا فرق بين الثمن والمثمن في الجزاف في الفساد عندنا والصحّة عندهم ، إلاّ مالكا ، فإنّه قال : لا يجوز الجزاف في الأثمان ، لأنّ لها خطرا ، ولا يشقّ وزنها ولا عددها ، فأشبه الرقيق والثياب (١). ومع هذا فإنّه جوّز بيع النقرة والتبر والحليّ جزافا (٢).

مسألة ٤٦ : وكما لا يصحّ بيع الصبرة جزافا فكذا أجزاؤها المشاعة‌ ، كالنصف والثّلث والربع ، لوجود المانع من الانعقاد ، وهو الجهالة.

وجوّزه الجمهور كافّة ، لأنّ ما جاز بيع جملته جاز بيع بعضه ، كالحيوان. ولأنّ جملتها معلومة (٣) بالمشاهدة فكذا أجزاؤها (٤).

ونحن نمنع الأصلين.

أمّا لو باع جزءا معلوم القدر ، كالقفيز ، فإنّه يصحّ عندنا وعند الجمهور (٥) ـ إلاّ داود (٦) ـ إذا علما اشتمالها على ذلك ، لأنّه معلوم مشاهد ، فصحّ بيعه كغيره.

احتجّ بأنّه غير مشاهد ولا موصوف (٧).

ويبطل بأنّه قياس ، وهو لا يقول به. ونمنع عدم المشاهدة ، فإنّ مشاهدة الجملة تستلزم مشاهدة البعض.

__________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : معلوم. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٢ ، المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٥ و ٦) المغني ٤ : ٢٤٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٥.

(٧) المغني ٤ : ٢٤٩.

٧٦

فروع :

أ ـ لو قال : بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم ، فإن علما قدر القفزان ، صحّ البيع ، وإلاّ بطل ، للجهالة.

وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمّد : يصحّ ، لأنّه معلوم بالمشاهدة ، والثمن معلوم ، لإشارته إلى ما يعرف [ مبلغه ] (١) بجهة لا تتعلّق بالمتعاقدين ، وهو أن تكال الصبرة ويقسّط الثمن على قدر قفزانها فيعلم مبلغه (٢).

ونحن نمنع العلم ، وقد سبق.

وقال أبو حنيفة : يصحّ البيع في قفيز واحد ، ويبطل فيما سواه ، لجهالة الثمن ، كما لو باع المتاع برقمه (٣).

ولو قال : بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب كلّ ذراع بدرهم ، أو : هذه الأغنام كلّ رأس بدرهم ، لم يصحّ عندنا ، وبه قال أبو حنيفة أيضا وإن سوّغ البيع في قفيز واحد من الصبرة (٤).

وقال الشافعي : يصحّ ، سواء كانت الجملة معلومة أو مجهولة (٥).

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطيّة والحجرية : ثمنه. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٢) المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٥ ، المجموع ٩ : ٣١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٥٨ ـ ١٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨ ، المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٤٨ ، المجموع ٩ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣ ـ ٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨.

٧٧

ولو قال : بعتك عشرة من هذه الأغنام بكذا ، لم يصحّ إجماعا وإن علم الجملة ، بخلاف الصبرة والأرض والثوب ، لاختلاف قيمة الشاة ، فلا يدري كم العشرة من الجملة.

ب ـ لو قال : بعتك من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم ، ولم يعلما أو أحدهما القدر ، بطل البيع عندنا ، لما مرّ. وكذا عند أحمد ، لأنّ « من » للتبعيض و « كلّ » للعدد ، وهو مجهول. وله آخر : الصحّة (١).

وللشافعيّة وجهان :

البطلان ، لأنّه لم يبع جميع الصبرة ولا بيّن المبيع منها.

والصحّة في صاع واحد ، كما لو قال : بعتك قفيزا من الصبرة بدرهم (٢).

ج ـ لو قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم على أن أزيدك قفيزا ، أو أنقصك على أنّ لي الخيار فيهما ، لم يصحّ عندنا ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٣) ـ لأنّه لا يدري أيزيده أم ينقصه.

ولو قال : على أن أزيدك قفيزا ، لم يجز ، لأنّ القفيز مجهول.

فإن قال : على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة الأخرى أو وصفه وصفا يرفع الجهالة ، صحّ عندهم ، إذ معناه : بعتك هذه الصبرة وقفيزا من الأخرى بعشرة (٤).

وإن قال : على أن أنقصك قفيزا ، لم يصحّ ، لأنّ معناه : بعتك هذه‌

__________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١١.

(٢) حلية العلماء ٤ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٣١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١١ ، وانظر : المجموع ٩ : ٣١٥.

(٤) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩.

٧٨

الصبرة إلاّ قفيزا كلّ قفيز بدرهم وشي‌ء مجهول.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من الأخرى ، لم يصحّ ، لإفضائه إلى جهالة الثمن في التفصيل ، لأنّه يصير قفيزا وشيئا بدرهم.

ولو قصد أنّي أحطّ ثمن قفيز من الصبرة لا أحتسب به ، لم يصحّ ، للجهالة.

ولو قال : هذه الصبرة عشرة أقفزة بعتكها كلّ قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من الأخرى ، صحّ ، إذ معناه : بعتك كلّ قفيز وعشر قفيز بدرهم.

ولو جعله هبة ، صحّ عندنا ، خلافا لأحمد (١).

وإن أراد أنّي لا أحتسب عليك بثمن قفيز منها ، صحّ ، لعلمهما بجملة القفزان ، فعلما قدر النقصان من الثمن.

ولو قال : على أن أنقصك قفيزا ، صحّ ، لأنّ معناه : بعتك تسعة أقفزة بعشرة دراهم ، كلّ قفيز بدرهم وتسع.

د ـ لو قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كلّ صاع بدرهم ، فإن علما القدر ، صحّ.

وقال الشافعي : يصحّ البيع إن خرج كما ذكر ، لأنّه لم يشترط علم القدر.

وإن خرج زائدا أو ناقصا ، فأصحّ قوليه : البطلان ، لامتناع الجمع بين بيع الكلّ بعشرة ومقابلة كلّ واحد بدرهم ، لأنّه باع جملة الصبرة بالعشرة‌

__________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩.

٧٩

بشرط مقابلة كلّ صاع منها بدرهم والجمع بين هذين الأمرين عند الزيادة والنقصان محال.

والثاني : يصحّ ، لإشارته إلى الصبرة ، ويلغى الوصف ، فإن خرج ناقصا ، فللمشتري الخيار. فإن أجاز فبجميع الثمن ، لمقابلة الصبرة به ، أو [ بالقسط ] (١) ، لمقابلة كلّ صاع بدرهم؟ وجهان.

وإن خرج زائدا ، ففي مستحقّ الزيادة وجهان :

أظهرهما : أنّها للمشتري ، لأنّ جملة الصبرة مبيعة منه ، فلا خيار له.

وفي خيار البائع وجهان ، أصحّهما : العدم ، لأنّه رضي ببيع جميعها.

والثاني : أنّ الزيادة للبائع ، فلا خيار له. وفي المشتري وجهان ، أصحّهما : ثبوت الخيار ، إذ لم يسلم له جميع الصبرة (٢).

هـ ـ لو قال : بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة سواء بسواء ، فإن علما القدر منهما ، صحّ ، وإلاّ بطل ، خلافا للجمهور.

و ـ إنّما يصحّ بيع الصبرة إذا تساوت أجزاؤها ، فإن اختلفت ـ كصبرة ممتزجة من جيّد وردي‌ء ـ لم يصحّ إلاّ بعد المشاهدة للجميع. ولو باعه نصفها أو ثلثها ، فكذلك. وبه قال بعض الحنابلة (٣). وبعضهم سوّغه ، لأنّه اشترى جزءا مشاعا ، فاستحقّ من جيّدها ورديئها (٤).

ز ـ لو اشترى الصبرة جزافا ، قال مالك : يجوز له بيعها قبل نقلها ،

__________________

(٢) المجموع ٩ : ٣١٣ ـ ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٤) المغني ٤ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

٨٠