تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

والرمي وغيرهما ـ فحكمها حكم المساجد.

ب ـ الوجه : أنّه يجوز إجارة بيوت مكة. وقال الشيخ : لا يجوز لأحد منع الحاجّ عن دورها ، لقوله تعالى : ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (١) (٢).

وفيه نظر.

ج ـ إذا بنى بمكة بآلة مجتلبة من غير أرض مكة ، جاز بيعها ، كما يجوز بيع أبنية الوقوف إجماعا. وإن كانت من تراب الحرم وحجارته ، فعلى الخلاف.

مسألة ٢١ : ولا يجوز بيع الحرّ بالإجماع ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى ثمّ غدر ، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره » (٣).

ولو سرقه فباعه ، قطع ( لإفساده ، لا حدّا ) (٤).

مسألة ٢٢ : يشترط في الملك التماميّة ، فلا يصحّ بيع الوقف ، لنقص الملك فيه ، إذ القصد منه التأبيد. نعم ، لو كان بيعه أعود عليهم ، لوقوع خلف بين أربابه ، وخشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه ، جوّز أكثر علمائنا بيعه ، خلافا للجمهور ، وسيأتي.

ولا يصحّ بيع أمّ الولد بالإجماع وعندنا إلاّ في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها ، ولا وجه له سواها. وفي اشتراط موته حينئذ خلاف ، لما رواه‌

__________________

(١) الحجّ : ٢٥.

(٢) النهاية : ٢٨٤ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٨٤.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨١٦ ، ٢٤٤٢.

٤١

أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام في رجل اشترى جارية فوطئها (١) فولدت له فمات ، قال : « إن شاءوا أن يبيعوها باعوها في الدّين الذي يكون على مولاها من ثمنها ، فإن كان لها ولد قوّمت على ولدها من نصيبه ، وإن كان ولدها صغيرا انتظر (٢) به حتى يكبر ثمّ يجبر على قيمتها ، فإن مات ولدها بيعت في الميراث إن شاء الورثة » (٣).

ولو مات ولدها ، جاز بيعها مطلقا ، لهذه الرواية. وكذا لو كانت مرهونة ، وسيأتي.

ولا يصحّ بيع الرهن ، لتعلّق حقّ المرتهن به ، ونقصان ملك الراهن ما لم يجز المرتهن ، لأنّ الحقّ لا يعدوهما بلا خلاف.

ولو باع ولم يعلم المرتهن ففكّ ، لزم البيع ، لانتفاء المعارض ، ومن أبطل بيع الفضولي لزمه الإبطال هنا.

مسألة ٢٣ : الأقوى بين علمائنا صحّة بيع الجاني‌ ، سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ ، أوجبت القصاص أولا ، على النفس أو ما دونها ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه (٤) ـ لأنّه حقّ غير مستقرّ في [ الجاني ] (٥) يملك أداءه من غيره ، فلم يمنع البيع ، كالزكاة ، ولو أوجبت‌

__________________

(٣) التهذيب ٧ : ٨٠ ، ٣٤٤.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ١٥٦ ، المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢ ، مختصر المزني : ٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٩٤ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨ ـ ٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٨.

٤٢

قصاصا ، فهو يرجى سلامته ويخشى تلفه ، فأشبه المريض.

وقال بعض علمائنا : لا يصحّ بيعه (١). وهو القول الآخر للشافعي ، لأنّه تعلّق برقبته حقّ آدميّ فمنع صحّة بيعه ، كالرهن ، بل حقّ الجناية آكد ، لتقدّمها عليه (٢).

والفرق : أنّ الحقّ منحصر في الرهن لا يملك سيّده إبداله ، ثبت فيه برضاه وثيقة الدّين ، فلو أبطله بالبيع ، بطل حقّ الوثيقة ، الذي التزمه برضاه.

وللشافعي قول ثالث : وقوعه موقوفا إن فدى لزم ، وإلاّ فلا (٣).

إذا عرفت هذا ، فإن باعه وأوجبت الأرش أو القود فعفي إلى مال ، فداه السيّد بأقلّ الأمرين عند أكثر علمائنا ، وعند الباقين بالأرش ، ويزول الحقّ عن رقبة العبد ببيعه ، لأنّ الخيار للسيّد ، فإذا باعه فقد اختار الفداء ، فيتعيّن عليه ، ولا خيار للمشتري ، لعدم الضرر ، فإنّ الرجوع على غيره.

هذا مع يسار المولى ، وبه قال أحمد وأبو حنيفة وبعض الشافعيّة (٤).

وقال بعضهم : لا يلزم السيّد فداؤه ، إذ أكثر ما فيه أنّه التزم الفداء ، فلا يلزمه ، كما لو قال الراهن : أنا أقضي الدّين من غير (٥) الرهن (٦).

والفرق : أنّه أزال ملكه عن الجاني ، فلزمه الفداء ، كما لو قتله ، بخلاف الرهن.

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦ ، المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦.

(٤) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

(٦) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

٤٣

وإن كان معسرا ، لم يسقط حقّ المجنيّ عليه من الرقبة ما لم يجز البيع أوّلا ، فإنّ البائع إنّما يملك نقل حقّه عن رقبته بفدائه ولا يحصل من ذمّة المعسر ، فيبقى الحقّ مقدّما على حقّ المشتري ، ويتخيّر المشتري الجاهل في الفسخ ، فيرجع بالثمن معه أو مع الاستيعاب ، لأنّ أرش مثل هذا جميع ثمنه. وإن لم تستوعب ، رجع بقدر أرشه. ولو علم تعلّق الحقّ به ، فلا رجوع.

ولو اختار المشتري الفداء ، فله ، والبيع بحاله ، لقيامه مقام البائع في التخيّر ، وحكمه في الرجوع فيما فداه به على البائع حكم قضاء الدّين عنه.

وللشافعي في المعسر قولان : البطلان ، صيانة لحقّ المجنيّ عليه ، وإثبات الخيار للمجنيّ عليه ، فينفسخ البيع ويباع في الجناية (١).

وإن أوجبت قصاصا ، تخيّر المشتري الجاهل بين الردّ والأرش ، فإن اقتصّ منه ، احتمل تعيّن الأرش ، وهو قسط قيمة ما بينه جانيا وغير جان ، ولا يبطل البيع من أصله ـ وبه قال أحمد وبعض الشافعيّة (٢) ـ لأنّه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه ، فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن ، كالمريض والمرتدّ.

وقال أبو حنيفة والشافعي : يرجع بجميع الثمن ، لأنّ تلفه لمعنى استحقّ عليه عند البائع ، فجرى مجرى إتلافه (٣).

وينتقض بالردّة والمرض ، والتلف غير الإتلاف.

ولو أوجبت قطع عضو فقطع عند المشتري ، فقد تعيّب في يده ، فإنّ‌

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٢) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨.

(٣) المغني ٤ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨.

٤٤

استحقاق القطع دون حقيقته.

وفي منع ردّه بعيبه إشكال.

وعن أحمد روايتان (١).

ولو اشتراه عالما بعيبه ، فلا ردّ ولا أرش ، وبه قال الشافعي وأحمد (٢).

مسألة ٢٤ : المرتدّ إن كان عن فطرة ، ففي صحّة بيعه نظر‌ ينشأ من تضادّ الحكمين ، ومن بقاء الملك ، فإنّ كسبه لمولاه. أمّا عن غير فطرة ، فالوجه : صحّة بيعه ، لعدم تحتّم قتله ، لاحتمال رجوعه إلى الإسلام.

وكذا القاتل في المحاربة إذا تاب قبل القدرة عليه ، فإن لم يتب إلاّ بعدها ، فالأقرب : صحّة بيعه ، لأنّه قنّ يصحّ إعتاقه ويملك استخدامه ، فصحّ بيعه ، كغير القاتل. ولإمكان الانتفاع به إلى حين القتل ويعتق فينجرّ ولاء أولاده ، فصحّ بيعه ، كالمريض المأيوس من برئه.

ويحتمل العدم ، لتحتّم قتله وإتلاف ماليّته وتحريم إبقائه ، فصار بمنزلة ما لا نفع فيه ، والمنفعة [ المفضية ] (٣) إلى قتله لا يتمهّد بها محلاّ للبيع ، كمنفعة الميتة في سدّ بثق (٤) وإطعام كلب.

والأقوى الأوّل ، لثبوت أحكام الحياة ، ووجوب القتل غير مانع ، كمرض المأيوس من برئه ، والميتة لم يكن لها نفع سابق ولا لاحق.

__________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

(٣) ورد بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : التامة. ولم نتحصّل لها معنىً هنا. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) كذا ، والظاهر : « رمق » بدل « بثق ». والبثق : موضع كسر شطّ النهر لينشقّ الماء. لسان العرب ١٠ : ١٣ « بثق ».

٤٥

وللحنابلة قولان (١) كالوجهين.

مسألة ٢٥ : لا يجوز بيع المكاتب‌ ، لانتفاء السلطنة عليه إلاّ بالاستيفاء ، سواء كان مطلقا أو مشروطا ما لم يعجز المشروط ، فإن عجز ، ففي اشتراط تقديم الفسخ إشكال.

ويصحّ بيع المدبّر ، لبقاء الملك فيه ، ويبطل تدبيره حينئذ ، خلافا للشيخ (٢) ، وسيأتي.

وكذا يصحّ بيع الموصى به.

أمّا الموهوب مع جواز الرجوع وذو الخيار : فإنّه يوجب فسخ السابق.

وهل يصحّ؟ قال بعض علمائنا : نعم (٣). وهو الأقوى ، وإلاّ لم يكن مبطلا ، إذ لا أثر للفاسد ، فيتضمّن الحكمين.

وقال بعضهم بالنفي ، لعدم مصادفة الملك (٤).

مسألة ٢٦ : العبد إن لم يكن مأذونا له في التجارة ، لم يمض بيعه ولا شراؤه بعين المال‌ ، لأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه.

وهل يقع باطلا أو موقوفا على رضا السيّد؟ الأقرب عندي : الثاني ـ وهو أحد وجهي الحنابلة (٥) ـ كالفضولي.

والآخر : البطلان ، لأنّه تصرّف من المحجور عليه (٦).

وأمّا الشراء بثمن في الذمّة : فالأقوى المنع ، لأنّه لو صحّ ، فإمّا أن‌

__________________

(١) المغني ٤ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٦ : ١٧١.

(٣) كما في شرائع الإسلام ٢ : ٢٣١.

(٤) انظر : شرائع الإسلام ٢ : ٢٣١.

(٥ و ٦) المغني ٤ : ٣٢٢.

٤٦

يثبت الملك له ، وهو ليس أهلا له ، أو لسيّده فإمّا بعوض على السيّد وهو لم يرض به ، أو على العبد فكيف يحصل أحد العوضين لغير من يلزمه الثاني!؟

ويحتمل الصحّة ، لتعلّقه بالذمّة ولا حجر على ذمّته.

وللشافعي قولان (١).

فإن قلنا بها ، احتمل أن يكون للسيّد ، لأنّه أحقّ بما في يد عبده منه ، كالصيد. والبائع إن علم رقّه ، انتظر العتق ، وليس له الرجوع في العين فيكون كهلاكه في يد العبد. وإن جهل فإن شاء صبر ، وإن شاء فسخ ، ورجع في العين ، لإعساره. وأن يكون للعبد ، فللسيّد إقراره عليه وانتزاعه ، وللبائع الرجوع في عين المبيع ما دام في يد العبد. وإن تلف في يد العبد ، صبر إلى العتق. وإن انتزعه السيّد ، ملكه ، لما مرّ.

وهل يرجع البائع؟ وجهان للشافعي (٢).

والأقرب عندي : الرجوع مع الجهل برقّه لا مع العلم.

وإن تلف ، استقرّ الثمن في ذمّته دون السيّد مع العلم بالرقّ. وفي الجهل إشكال.

وإن قلنا بالبطلان ، فللبائع أخذه من يد السيّد أو العبد. وإن كان تالفا ، فله القيمة أو المثل ، فإن تلف في يد السيّد ، رجع عليه ، لتلف ماله في يده ، وإن شاء انتظر العتق ، لأنّه الآخذ.

وإن تلف في يد العبد ، فالرجوع عليه يتبع به بعد العتق ، وبه قال الشافعي (٣) ، وهو إحدى روايتي أحمد. وفي الأخرى : يتعلّق برقبته (٤).

__________________

(١ ـ ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣.

(٤) المغني ٤ : ٣٢٣.

٤٧

واقتراض العبد كشرائه.

وأمّا المأذون له فيصحّ تصرّفه فيما أذن له فيه ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

الشرط الرابع : القدرة على التسليم.

وهو إجماع في صحّة البيع ليخرج البيع عن أن يكون بيع غرر.

والقدرة قد تنتفي حسّا كالآبق ، وشرعا كالرهن.

والمشهور عند علمائنا أنّه لا يصحّ بيع الآبق منفردا وإن عرفا مكانه ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي (١) ـ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الغرر (٢) ، وهذا غرر.

وفي الصحيح عن رفاعة عن الكاظم عليه‌السلام ، قلت له : يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة فأعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ فقال : « لا يصلح شراؤها إلاّ أن تشتري معها منهم شيئا ثوبا أو متاعا فتقول لهم : أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما ، فإنّ ذلك جائز » (٣).

__________________

(١) المدوّنة الكبرى ٤ : ١٥٥ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٥ : ٤١ ، مختصر المزني : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٨٢ ـ ٨٣ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ ، ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ ، ٢١٩٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ ، ١٢٣٠ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٥٤ ، ٣٣٧٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥١ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٤ ، ٧٥ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٦ : ١٣٢ ، ٥٥٠ و ٥٥٣ ، مسند أحمد ١ : ٤٩٧ ، ٢٧٤٧ ، و ٢ : ٣١٢ ، ٦٢٧١ و ٣٣٢ ، ٦٤٠١.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٤ ، ٩ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ، ٥٤١.

٤٨

ولأنّه غير مقدور على تسليمه ، فأشبه الطير في الهواء.

وقال بعض علمائنا بالجواز (١) ، وبه قال شريح وابن سيرين (٢) ـ واشترى ابن عمر من بعض ولده بعيرا شاردا (٣) ـ لأنّه مملوك ، فصحّ.

فروع :

أ ـ لو باع الآبق على من هو في يده أو على من يتمكّن من أخذه ، صحّ ، لانتفاء المانع.

ب ـ لو باع الآبق منضمّا إلى غيره ، صحّ ، فإن لم يظفر به ، لم يكن له رجوع على البائع بشي‌ء ، وكان الثمن في مقابلة الضميمة ، لقول الصادق عليه‌السلام : « فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه » (٤).

ج ـ الضالّ يمكن حمله على الآبق ، لثبوت المقتضي ، وهو : تعذّر التسليم. والعدم ، لوجود المقتضي لصحّة البيع ، وهو العقد. فعلى الأوّل يفتقر إلى الضميمة ، ولو تعذّر تسليمه ، كان الثمن في مقابلة الضميمة.

وعلى الثاني لا يفتقر ، ويكون في ضمان البائع إلى أن يسلّمه أو يسقط عنه.

ومنع الشافعي من بيع الضالّ كالآبق ، لتعذّر التسليم (٥) (٦).

__________________

(١) السيّد المرتضى في الانتصار : ٢٠٩.

(٢) المحلّى ٨ : ٣٩١ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧ ، حلية العلماء ٤ : ٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦.

(٣) المحلّى ٨ : ٣٩١ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٤) الفقيه ٣ : ١٤٢ ، ٦٢٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ، ٥٤٠.

(٥) في « ك » زيادة : حسّاً.

(٦) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣.

٤٩

مسألة ٢٧ : لا يصحّ بيع السمك في الماء‌ ، وهو قول أكثر العلماء ، كالإماميّة والشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد والحسن والنخعي وأبي يوسف وأبي ثور (١) ، ولا نعلم لهم مخالفا.

وإنّما يصحّ بشروط ثلاثة : كونه مملوكا ، وكون الماء رقيقا لا يمنع المشاهدة ، وإمكان صيده.

فإن كان في بركة لا يمكنه الخروج منها وهي صغيرة ، صحّ البيع ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لإمكان التسليم فيه.

ولو كانت البركة كبيرة واحتيج في أخذه إلى تعب شديد ، فالأقوى صحّة البيع ، وهو أضعف وجهي الشافعي (٣).

والأظهر عنده : المنع كالآبق (٤).

والفرق : علم القدرة مع المشقّة هنا.

ولو كان في أجمة ، لم يجز بيعه ، عند أكثر العلماء (٥).

وقال ابن أبي ليلى وعمر بن عبد العزيز فيمن له أجمة يحبس السمك فيها : يجوز بيعه ، لأنّه يقدر على تسليمه ظاهرا ، فأشبه ما يحتاج إلى مئونة في كيله ونقله (٦).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، حلية العلماء ٤ : ٨٢ ـ ٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، الجامع الصغير ـ للشيباني ـ : ٣٢٨ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧ ـ ٢٨ ، الخراج ـ لأبي يوسف ـ : ٨٧.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٧ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦.

(٣) المجموع ٩ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤.

(٤) المجموع ٩ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤.

(٥) المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٦) المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨.

٥٠

وهو خطأ ، لأنّه مجهول ، فأشبه بيع اللبن في الضرع.

ولو ضمّه مع القصب ، فأقوى الوجهين لنا : البطلان ، إلاّ مع العلم بهما وإمكان التسليم.

وروي لنا : الجواز (١).

مسألة ٢٨ : لا يصحّ بيع الطير في الهواء ، سواء كان مملوكا أو غيره‌ إجماعا ، لأنّه في المملوك وغيره غرر وقد نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر (٢) ، وفسّر بأنّه بيع السمك في الماء والطير في الهواء (٣).

ولو باع الحمام المملوك وهو طائر ، فإن كان يألف الرجوع ، فالأقوى : الجواز ـ وهو أضعف وجهي الشافعي (٤) ـ للقدرة على التسليم ، كالعبد المنفذ في شغل.

والأقوى عنده : المنع ـ وبه قال أحمد ـ إذ لا قدرة في الحال ، وليس له وازع يوثق به (٥).

وينتقض بالغائب ، فإنّه غير مقدور عليه في الحال.

وإن كان في البرج ، قال الشيخ : إن كان مفتوحا ، لم يصحّ بيعه ، لأنّه إذا قدر على الطيران لم يمكن تسليمه ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٦) ـ وإن كان مغلقا ، جاز (٧) إجماعا.

__________________

(١) كما في المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٥٧ ، والسرائر : ٢٣٣.

(٢) انظر : المصادر في الهامش (٢) من ص ٤٨.

(٣) كما في المغني ٤ : ٢٩٤ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٦) المجموع ٩ : ٢٨٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٧) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٥٧.

٥١

مسألة ٢٩ : لو باع ماله المغصوب ، فإن كان يقدر على استرداده وتسليمه ، صحّ البيع‌ ـ كالوديعة ـ إجماعا. وإن لم يقدر ، لم يصحّ بيعه ممّن لا يقدر على انتزاعه من يد الغاصب ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لعدم القدرة على التسليم.

ولو باعه ممّن يقدر على انتزاعه من يده ، فالأقوى عندي : الصحّة ـ وهو أصحّ وجهي الشافعي (٢) ـ لأنّ القصد الحصول للمشتري.

والأضعف : البطلان ، لعجز البائع (٣).

وعلى قولنا إن علم المشتري حال البيع ، فلا خيار له. وبه قال الشافعي (٤).

ولو عرض له عجز ، فكذلك ـ وهو أحد وجهي الشافعي (٥) ـ لسقوطه حال البيع ، فلا يتجدّد بعده ، لعدم موجبه.

والآخر : الثبوت (٦).

وإن جهل ، فله الخيار ، إذ ليس عليه تحمّل كلفة الانتزاع.

ولو علم بالغصب وعجز البائع فاشتراه كذلك ، فالوجه عندي : الصحّة ، ولا خيار له ، سواء قدر على انتزاعه أو لا.

مسألة ٣٠ : لو باع عضوا من عبد أو شاة ، لم يصحّ ، لتعذّر التسليم حسّا‌ ، إذ لا يمكن إلاّ بفصله ، وهو يفسد ماليّته أو ينقصها. وكذا لو باع‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٥ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤.

(٢) الوسيط ٣ : ٢٤ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ـ ٩٥.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٨٥.

(٤ ـ ٦) المجموع ٩ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤.

٥٢

نصفا معيّنا من سيف أو إناء ، لأنّ التسليم لا يمكن إلاّ بالقطع والكسر ، وفيه نقص وتضييع للمال ، وهو ممنوع منه. وكذا قال الشافعي (١).

والوجه : اعتبار المصلحة ، فإن اقتضت فعله بأن يحتاج البائع إلى الثمن ، فيجوز أن ينقص ماليّة نفسه لمصلحته.

ولو باع نصفا معيّنا من ثوب ينقص قيمته بالقطع ، فالأقوى عندي : الجواز ـ وهو أضعف وجهي الشافعيّة (٢) ـ كما لو باع ذراعا معيّنا من أرض.

وأظهرهما : المنع ، لحصول الضرر في التسليم (٣).

ولو كان لا ينقص بالقطع ، جاز ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٤) ـ لزوال المانع.

الشرط الخامس : العلم بالعوضين.

مسألة ٣١ : أجمع علماؤنا على أنّ العلم شرط فيهما ليعرف ما الذي ملك بإزاء ما بذل‌ فينتفي الغرر ، فلا يصحّ بيع الغائب ما لم تتقدّم رؤيته مع عدم تغيّره أو وصفه وصفا يرفع الجهالة ـ وبه قال الشعبي والنخعي والأوزاعي والحسن البصري وعبيد الله بن الحسن العنبري ومالك وإسحاق والشافعي في أصحّ القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين (٥) ـ لنهيه عليه‌السلام عن‌

__________________

(١) المجموع ٩ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥.

(٤) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

(٥) المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ،

٥٣

الغرر (١).

ولأنّه باع ما لم يره ولم يوصف فلم يصحّ ، كبيع النوى في التمر.

ولأنّه نوع بيع فلم يصحّ مع الجهل بصفة المبيع ، كالسلم.

وقال أبو حنيفة والشافعي في القول الثاني ، وأحمد في الرواية الثانية بالصحّة ، لقوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢).

ولأنّه عقد معاوضة ، فلا تفتقر صحّته إلى رؤية المعقود عليه ، كالنكاح (٣).

والآية ليست للعموم ، إذ ليست من صيغه. سلّمنا ، لكنّه مخصوص بما تقدّم.

والنكاح لا يقصد فيه المعاوضة ، ولا يفسد بفساد العوض ولا بترك ذكره ، ولا يدخله شي‌ء من الخيارات ، وفي اشتراط لزومه مشقّة على المخدّرات وإضرار بهنّ.

فروع :

أ ـ القائلون بالجواز اختلفوا ، فأثبت أبو حنيفة للمشتري خيار‌

__________________

المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ و ٣٠١ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٤٨ الهامش (٢).

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) المحلّى ٨ : ٣٤٢ ، المغني ٤ : ٧٧ ـ ٧٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، المجموع ٩ : ٣٠١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٥.

٥٤

الرؤية ، وهو رواية عن أحمد (١). وفي الأخرى : لا يثبت (٢) ، أمّا البائع فلا يثبت له عند أبي حنيفة خيار (٣).

ب ـ من الشافعيّة من طرّد القولين فيما إذا لم يره البائع ، لأنّه المالك للتصرّف ، واجتناب هذا الغرر يسهل عليه (٤).

والقولان في البيع والشراء يجريان في إجازة الغائب ، والصلح عليه ، وجعله رأس مال السّلم ، وفي صحّة إصداقه والخلع عليه ، وفي هبة الغائب ورهنه ، وهما أولى عندهم بالصحّة ، إذ ليسا من عقود المغابنات (٥).

وفي بيع الأعمى وشرائه طريقان ، أحدهما : أنّه على قولين. والثاني : القطع بالمنع (٦). وقد تقدّم (٧).

ج ـ يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع ، كداخل الثوب ، فلو باع ثوبا مطويّا أو عينا حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله ، كان كبيع الغائب يبطل إن لم يوصف وصفا يرفع الجهالة ، وهو قول المشترطين (٨).

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٣٢ ، المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٨٨ ، المجموع ٩ : ٣٠١.

(٢) المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٣٣ ، المغني ٤ : ٨٢ ـ ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٤) المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ٩٧.

(٧) تقدّم في ص ٢٤ ، المسألة ٧.

(٨) المغني ٤ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

٥٥

ولو كان ممّا يستدلّ برؤية بعضه على الباقي ، كظاهر صبرة الحنطة والشعير ، صحّ البيع ، لأنّ الغالب عدم تفاوت أجزائها.

ثمّ إن خالف الظاهر الباطن ، فله الخيار ، وهو قول الشافعي (١) تفريعا على اشتراط الرؤية.

وعنه قول آخر : إنّه لا تكفي رؤية ظاهر الصّبرة ، بل يجب تقليبها ليعلم حال باطنها (٢).

وكذا صبرة الجوز واللوز والدقيق والمانعات في الظروف.

ولا تكفي رؤية ظاهر صبرة البطّيخ والرمّان وأعلى سلّة العنب والخوخ ، للتفاوت غالبا.

د (٣) ـ لو أراه أنموذجا وقال : بعتك من هذا النوع كذا ، فهو باطل ، إذ لم يعيّن مالا ولا وصف ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السّلم ، وهو أصحّ وجهي الشافعي (٤).

هـ ـ لو أراه أنموذجا وبنى أمر البيع عليه ، نظر‌ إن قال : بعتك من هذا النوع كذا ، فهو باطل ، لأنّه لم يعيّن مالا و [ لا ] (٥) راعى شروط السّلم ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السّلم ـ وهو أصحّ وجهي الشافعي (٦) ـ لأنّ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٦ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ـ ٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٦ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٣) لاحظ فرعي « د » و « هـ » فإنّ الظاهر إنّهما متّحدان.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « لو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) انظر المصادر في الهامش (٤).

٥٦

اللفظ والوصف يمكن الرجوع إليه عند الإشكال.

ولو قال : بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا الأنموذج منها ، فإن لم يدخل الأنموذج في البيع ، لم يصحّ ـ وهو أصحّ وجهي الشافعي (١) ـ لأنّ المبيع غير مرئيّ ، ولا يمكن الرجوع إليه عند الإشكال ، بخلاف استقصاء الأوصاف.

والثاني : الصحّة ، تنزيلا له منزلة استقصاء الوصف (٢).

وإن أدخله ، صحّ على أصحّ وجهي الشافعي ، كما لو رأى بعض الصّبرة (٣).

وعندي في الفرق إشكال.

و ـ لو كان البعض المرئي لا يدلّ على الباقي‌ لكن كان صوانا (٤) له خلقة ، كقشر الرمّان والعفص ، كفت رؤيته وإن كان المقصود مستورا ، لأنّ صلاحه في بقائه فيه.

وكذا الجوز واللوز في قشرهما الأعلى ـ وهو قول الشافعي (٥) ـ ويباع بشرط الصحّة ، فإن ظهر معيبا بعد كسره ، فإن كان له حينئذ قيمة ، فللمشتري الأرش خاصّة ، وإلاّ فله الثمن أجمع.

وهل يصحّ بيع اللبّ وحده؟ الأقرب عندي : جوازه ، للأصل السالم عن معارضة الغرر ، لأنّا إنّما نجوّزه على تقدير ظهور الصحّة.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٥) الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨ ـ ٣٩ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

٥٧

وقال الشافعي : لا يجوز ، إذ لم يمكن تسليمه إلاّ بكسر القشر ، وفيه تغيير عين المبيع (١). وليس بجيّد.

ز ـ لا تكفي رؤية المبيع من وراء زجاجة مع قصور الرؤية ، إذ لا يتعلّق صلاحه بكونه فيها. ويجوز بيع الأرض المغشيّة بالماء إذا لم يمنع مشاهدتها.

مسألة ٣٢ : يشترط رؤية البائع والمشتري جميعا أو وصفه لهما أو لأحدهما ورؤية الآخر‌ ، فلو لم يرياه أو أحدهما ولا وصف له ، بطل.

والقائلون بصحّة البيع مع عدم الرؤية والوصف اختلفوا.

فذهب الشافعي إلى ثبوت الخيار للبائع ، لأنّه جاهل بصفة العقد ، فأشبه المشتري ، وبه قال أحمد (٢).

وقال أبو حنيفة : لا خيار له ، لأنّا لو جعلنا له الخيار لثبت لتوهّم الزيادة ، والزيادة في المبيع لا تثبت الخيار (٣).

فروع :

أ ـ كلّ موضع يثبت الخيار‌ إمّا مع الوصف عندنا أو مطلقا عند المجوّزين فإنّما يثبت عند رؤية المبيع على الفور ، لأنّه خيار الرؤية ، فيثبت عندها ، وبه قال أحمد (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٨٨ ، المغني ٤ : ٨٢ ـ ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٣٣ ، حلية العلماء ٤ : ٨٩ ، المغني ٤ : ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٤) المغني ٤ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

٥٨

وله آخر : أنّه يتقيّد بالمجلس الذي وجدت الرؤية فيه ، لأنّه خيار ثبت بمقتضى العقد من غير شرط ، فيقيّد بالمجلس ، كخيار المجلس (١).

والوجهان للشافعيّة ، وأصحّهما عندهم : الثاني (٢).

ب ـ لو اختار الفسخ قبل الرؤية مع الوصف عندنا ، لم يكن له ذلك ، إذ الفسخ منوط بالمخالفة بين الموجود والموصوف.

ومن جوّز بيعه من غير وصف قال أحمد منهم : انفسخ ، لأنّ العقد غير لازم في حقّه ، فملك الفسخ ، كحالة الرؤية. وهو أصحّ وجهي الشافعي. وفي الآخر : لا ينفسخ (٣).

ج ـ إذا اختار إمضاء العقد قبل الرؤية ، لم يلزم ، لتعلّق الخيار بالرؤية ، وبه قال أحمد والشافعي في أظهر الوجهين (٤).

د ـ لو تبايعا بشرط عدم الخيار للمشتري ، لم يصحّ الشرط ، وبه قال أحمد والشافعي في أظهر الوجهين (٥).

وهل يفسد البيع؟ الأقوى عندي : ذلك ، وسيأتي.

مسألة ٣٣ : يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع‌ وصفا يكفي‌

__________________

(١) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٣) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢.

(٤) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، وانظر : المجموع ٩ : ٢٩٣.

٥٩

في السّلم عندنا ، وإذا فعل ذلك ، صحّ البيع في قول أكثر العلماء (١) ، لانتفاء الجهالة بذكر الأوصاف ، فصحّ ، كالسّلم.

وعن أحمد والشافعي وجهان ، أحدهما : أنّه لا يصحّ حتى يراه ، لأنّ الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع ، فلم يصحّ البيع بها (٢).

ويمنع عدم المعرفة مع ذكر الأوصاف.

أمّا ما لا يصحّ السّلم فيه فلا يصحّ بيعه بالصفة ، لعدم ضبطه.

فروع :

أ ـ إذا وصفه ووجده على الصفة ، لم يكن له الفسخ ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال محمّد بن سيرين وأحمد وأيّوب ومالك والعنبري وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر (٣) ـ لأنّه سلم له المعقود بصفاته ، فلم يكن له خيار ، كالمسلم فيه. ولأنّه مبيع موصوف ، فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الأحوال ، كالسّلم.

وقال الثوري وأصحاب الرأي : له الخيار بكلّ حال ، لأنّه يسمّى خيار الرؤية (٤).

وللشافعيّة وجهان (٥) ، كالمذهبين.

__________________

(١) المغني ٤ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٢) المغني ٤ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٣) المغني ٤ : ٨٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، المدوّنة الكبرى ٤ : ٢٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢.

(٤) المغني ٤ : ٨٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المغني ٤ : ٨٥ ـ ٨٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

٦٠