تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

جاز بيعها بجنسها بشرط زيادة في السليم يقابل الغشّ ليخلص من الربا لو بيع بقدر الصافي منها ، ويجوز بيعها بغير الجنس مطلقا. وإن لم يعلم مقدار الغشّ ، وجب أن تباع بغير جنسها حذرا من الربا ، لإمكان أن يتساوى الصافي والثمن في القدر ، فيبقى الغشّ زيادة في أحد المتساويين.

ولما رواه ابن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن شراء الفضّة فيها الرصاص بالورق ، وإذا خلّصت نقصت من كلّ عشرة درهمين أو ثلاثة ، قال : « لا يصلح إلاّ بالذهب » وسألته عن شراء الذهب فيه الفضّة والزئبق والتراب بالدنانير والورق ، فقال : « لا تصارفه إلاّ بالورق » (١).

ولو بيع بوزن المغشوش ، فإنّه يجوز ، إذ الفاضل عن الصافي مقابل الغشّ.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا يجوز إنفاقه إلاّ بعد إبانته وإيضاح حاله ، إلاّ أن يكون معلوم الصرف بين الناس ، لاشتماله على الغشّ المحرّم.

ولما رواه المفضل بن عمر الجعفي ، قال : كنت عند الصادق عليه‌السلام ، فالقي بين يديه دراهم فألقى إليّ درهما منها ، فقال : « ما هذا؟ » فقلت : ستوق ، فقال : « وما الستوق؟ » فقلت : طبقتان فضّة وطبقة من نحاس وطبقة من فضّة ، فقال « اكسرها فإنّه لا يحلّ بيع هذا ولا إنفاقه » (٢).

أمّا مع الإيضاح والبيان فلا بأس ، لانتفاء الغشّ.

ولما رواه علي بن رئاب ـ في الصحيح ـ قال : لا أعلمه إلاّ عن محمّد ابن مسلم ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٠٩ ، ٤٦٨.

(٢) التهذيب ٧ : ١٠٩ ، ٤٦٦ ، الاستبصار ٣ : ٩٧ ، ٣٣٣ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

٤٢١

النحاس أو غيره ثمّ يبيعها ، قال : « إذا بيّن ذلك فلا بأس » (١).

وكذا إذا كان يجوز بين الناس ، لانتفاء الغشّ أيضا فيه.

ولما رواه محمّد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه‌السلام ، قال : جاءه رجل من سجستان ، فقال له : إنّ عندنا دراهم يقال لها : الشاهيّة ، يحمل على الدرهم دانقين ، فقال : « لا بأس به إذا كان يجوز » (٢).

مسألة ٢٠٩ : تراب معدن أحد النقدين يباع بالآخر‌ ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ احتياطا وتحرّزا من الربا. ولو جمعا ، بيعا بهما صرفا لكلّ منهما إلى غير جنسه ، والأصل حمل العقد على الصحّة مهما أمكن.

ولما رواه أبو عبد الله مولى عبد ربّه عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن الجوهر الذي يخرج من المعدن وفيه ذهب وفضّة وصفر جميعا كيف نشتريه؟ قال : « اشتر بالذهب والفضّة جميعا » (٤).

وقال الشافعي : لا يجوز ، لجهالة المقصود (٥). وهو ممنوع.

مسألة ٢١٠ : تراب الصياغة يباع بالجوهرين معا أو بجنس غيرهما لا بأحدهما‌ ، تحرّزا من الربا ، كما قلنا في تراب معدن أحد الجوهرين ، خلافا للشافعي (٦) ، كما تقدّم في تراب المعدن.

وإذا بيع ، تصدّق بثمنه ، لأنّ أربابه لا يتميّزون. ولو عرفوا ، صرف إليهم ، لما رواه علي بن ميمون الصائغ ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عمّا يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟ فقال : « تصدّق به فإمّا لك وإمّا‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٠٩ ، ٤٦٧ ، الاستبصار ٣ : ٩٧ ، ٣٣٤.

(٢) التهذيب ٧ : ١٠٨ ، ٤٦٥‌

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٩٥.

(٤) الكافي ٥ : ٢٤٩ ، ٢٢ ، التهذيب ٧ : ١١١ ، ٤٧٨.

(٥) المجموع ٩ : ٣٠٧.

(٦) المجموع ٩ : ٣٠٧.

٤٢٢

لأهله » قلت : فإنّ فيه ذهبا وفضّة وحديدا فبأيّ شي‌ء أبيعه؟ قال : « بعه بطعام » قلت : فإن كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال : « نعم » (١).

مسألة ٢١١ : يجوز بيع الرصاص وإن كان فيه فضّة يسيرة بالفضّة‌ ، وبيع النحاس بالذهب وإن اشتمل على ذهب يسير ، ولا اعتبار بهما ، لأنّه تابع غير مقصود البتّة بالبيع ، فأشبه الحلية على سقوف الجدران.

ولما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه‌السلام في الأسرب (٢) يشترى بالفضّة ، فقال : « إذا كان الغالب عليه الأسرب فلا بأس » (٣).

مسألة ٢١٢ : المصاغ من النقدين معا إن جهل قدر كلّ واحد منهما‌ ، بيع بهما معا أو بجنس غيرهما أو بالأقلّ إن تفاوتا مع الزيادة عليه حذرا من الربا. وإن علم قدر كلّ واحد منهما ، بيع بأيّهما شاء مع زيادة الثمن على جنسه. ولو بيع بهما أو بغيرهما ، جاز مطلقا ، لأصالة الجواز ، وزوال مانعيّة الربا هنا.

ولما رواه إبراهيم بن هلال ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام : جام فيه ذهب وفضّة أشتريه بذهب أو فضّة؟ فقال : « إن كان تقدر على تخليصه فلا ، وإن لم تقدر على تخليصه فلا بأس » (٤).

مسألة ٢١٣ : الدراهم والدنانير إذا كانا خالصين ، جاز مصارفة كلّ واحد منهما بجنسه متساويا‌ وبغير جنسه مطلقا ، سواء اتّفقت صفتهما أو لا.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٠ ، ٢٤ ، التهذيب ٧ : ١١١ ، ٤٧٩.

(٢) الأسرب : الرصاص ، أعجميّ. لسان العرب ١ : ٤٦٦ « سرب ».

(٣) الكافي ٥ : ٢٤٨ ، ١٥ ، التهذيب ٧ : ١١١ ـ ١١٢ ، ٤٨١.

(٤) الكافي ٥ : ٢٥ ، ٢٦ ، التهذيب ٧ : ١١٢ ، ٤٨٤.

٤٢٣

وإن كان فيهما غشّ ، فإن كان له قيمة ـ كالرصاص والنحاس ـ جاز بيع بعضها ببعض صرفا للخالص إلى الغشّ ، والغشّ إلى الخالص ، وحملا على صحّة البيع مهما أمكن.

ولما رواه عمر بن يزيد عن الصادق عليه‌السلام : قلت له : الدراهم بالدراهم مع أحدهما الرصاص وزنا بوزن ، فقال : « لا بأس » (١) وبه قال أبو حنيفة (٢).

وقال الشافعي : لا يجوز ، لجهل التساوي بين الفضّتين ، لإمكان اختلاف الغشّ ، والجهل بالتساوي فيما فيه الربا كالعلم بالتفاضل ، وهو مبني على مقابلة الجنس بمثله (٣).

وهو ممنوع ، بل إمّا أن يقابل بمخالفه ، أو تقابل الجملة بالجملة ، والمركّب من المساوي والمختلف مخالف للمركّب من المساوي والمختلف ، كالأنواع المندرجة تحت جنس واحد.

وإن كان الغشّ ممّا يستهلك ، كالزرنيخيّة والاندرانيّة في الفضّة التي تطلي على النورة ، والزرنيخ المستهلك بدخوله النار ، جاز البيع ، عندنا أيضا على ما تقدّم ، خلافا للشافعي ، للجهل بتساوي الفضّتين (٤). وقد بيّنّا عدم اشتراط العلم بهما.

تذنيب : يجوز أن يشتري بكلّ واحد من هذين القسمين متاعا غير أحد النقدين ، لأنّه لمّا جاز شراء النقدين بهما فبغيرهما أولى ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (٥) ـ لأنّ عمر قال : من زافت دراهمه فليدخل السوق‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٨٤ ـ ١٨٥ ، ٨٣٣ ، التهذيب ٧ : ١١٤ ، ٤٩٣ بتفاوت يسير.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٩٦.

(٣) حلية العلماء ٤ : ١٥٨.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٨.

(٥) حلية العلماء ٤ : ١٥٨.

٤٢٤

فليشتر بها سحق الثياب (١).

ومن طريق الخاصّة : قول عمر بن يزيد : سألت الصادق عليه‌السلام عن إنفاق الدراهم المحمول عليها ، فقال : « إذا جازت الفضّة المثلين (٢) فلا بأس » (٣) وهو محمول على العلم بحالها والتعامل بمثلها.

ولأنّ المنع من ذلك يؤدّي إلى الإضرار ، لأنّه لا يمكنه الانتفاع بها جملة.

وأمّا إذا اشترى بها ذهبا ، كان بيعا وصرفا ، فيكون هذا العقد قد اشتمل على أمرين مختلفي الأحكام.

وفيه قولان للشافعي : المنع ، والجواز (٤).

والثاني (٥) : المنع ، لجهالة المقصود (٦). وهو ممنوع.

مسألة ٢١٤ : السيوف المحلاّة أو المراكب المحلاّة وغيرها بأحد النقدين‌ إن علم مقدار الحلية ، جاز البيع بجنسها مع زيادة الثمن في مقابلة السيف أو المركب ليخلص من الربا ، أو مع اتّهاب المحلّى من غير شرط.

ويجوز بيعها بالجنس الآخر أو بغير النقدين مطلقا ، سواء ساواه أو زاد أو نقص ، لقوله عليه‌السلام : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (٧).

وإن جهل مقدار الحلية ، بيع بالجنس الآخر من النقدين أو بغيرهما أو‌

__________________

(١) أورده السبكي في تكملة شرح المهذّب ( المجموع ) ١٠ : ٤٠٩ بتفاوت يسير.

(٢) في الاستبصار : « الثلثين ».

(٣) التهذيب ٧ : ١٠٨ ، ٤٦٣ ، الإستبصار ٣ : ٩٦ ، ٣٣٠.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٥٩.

(٥) أي : الوجه الثاني للشافعيّة ، المتقدّم أوّلهما في صدر التذنيب.

(٦) حلية العلماء ٤ : ١٥٨.

(٧) الجامع لأحكام القرآن ١٠ : ٨٦.

٤٢٥

بالجنس مع الضميمة ، تحرّزا من الربا.

ولما رواه منصور الصيقل عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن السيف المفضّض يباع بالدراهم؟ فقال : « إذا كانت فضّته أقلّ من النقد فلا بأس ، وإن كانت أكثر فلا يصلح » (١) والأكثريّة هنا تتناول المساوي جنسا وقدرا ، لحصولها بانضمام المحلّى إليها.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع المحلّى بالفضّة بالدراهم (٢) ، لما تقدّم.

وقد أبطلناه. فإن باعه بذهب ، فقولان ، لأنّ العقد جمع بين عوضين مختلفي الأحكام ، أحدهما : لا يجوز ، لأنّه صرف وبيع ، وهما مختلفا الأحكام. والثاني : الجواز (٣). وهو الحقّ عندنا ، لأنّ كلّ واحد منهما يصحّ العقد عليه ، فجاز جمعهما فيه.

وإن اختلف الحكمان ، كما لو باع شقصا وثوبا صفقة واحدة ، فإنّ حكمهما مختلف ، لثبوت الشفعة في الشقص دون الثوب.

ولو باعه بغير الذهب والفضّة ، جاز إجماعا ، لانتفاء مانعيّة الربا واختلاف الأحكام.

ولو اشترى خاتما من فضّة له فصّ بفضّة ، جاز عندنا مع زيادة الثمن على الفضّة أو اتّهاب الفصّ.

ومنعه الشافعي ، لأدائه إلى الربا إذا قسّمت الفضّة على الفضّة والفصّ (٤).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١١٣ ، ٤٨٨ ، الإستبصار ٣ : ٩٨ ، ٣٣٨.

(٢) الأم ٣ : ٣٣ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٧١ ، المسألة ١١٧.

(٣) الأم ٣ : ٣٣ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٧١ ، المسألة ١١٨.

(٤) الأم ٣ : ٣٣ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٧٢ ، المسألة ١١٩.

٤٢٦

وهو ممنوع ، لأنّا شرطنا زيادة الثمن.

ولو باعه بذهب ، جاز مطلقا عندنا.

وللشافعي قولان ، لأنّه بيع وصرف (١).

تذنيب : لو باع السيف المحلّى بالنسبة بمساوئ الحلية في النقد‌ أو بالنقد الآخر ، فإن نقد مقابل الحلية ، جاز ، وإلاّ فلا ، لأنّ القبض في المجلس شرط في الصرف لا في السيف.

ولما رواه أبو بصير ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن بيع السيف المحلّى بالنقد ، فقال : « لا بأس » قال : وسألته عن بيع النسيئة ، فقال : « إذا نقد مثل ما في فضّته فلا بأس » (٢).

ولو كان الثمن غير النقدين ، جاز نسيئة من غير شرط قبض شي‌ء البتّة ، لانتفاء شرطيّة القبض هنا ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس ببيع السيف المحلّى بالفضّة بنساء إذا نقد عن فضّته ، وإلاّ فاجعل ثمنه طعاما ، ولينسه إن شاء » (٣).

مسألة ٢١٥ : الدراهم والدنانير تتعيّنان بالتعيين‌ ، فلو باعه بهذه الدراهم أو بهذه الدنانير ، لم يجز للمشتري الإبدال بمثلها ، بل يجب عليه دفع تلك العين ، كالمبيع. ولو تلفت قبل القبض ، انفسخ البيع ، ولم يكن له دفع عوضها وإن ساواه مطلقا ، ولا للبائع طلبه.

وإن وجد البائع بها عيبا ، لم يستبدلها ، بل إمّا أن يرضى بها ، أو يفسخ العقد ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٤) ـ لاختلاف الأغراض باختلاف‌

__________________

(١) الام ٣ : ٣٣ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٧٢ ، المسألة ١٢٠.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، ٢٣ ، التهذيب ٧ : ١١٢ ، ٤٨٥ ، الاستبصار ٣ : ٩٧ ، ٣٣٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١١٢ ، ٤٨٦ ، الإستبصار ٣ : ٩٧ ، ٣٣٦.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٥ ـ ١٥٦ ، المغني ٤ : ١٨١ ـ ١٨٢ و ١٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨٢ و ١٩٠.

٤٢٧

الأشخاص ، كالمبيع. ولأنّها عوض يشار إليه بالعقد (١) ، فوجب أن يتعيّن كسائر الأعواض. ولأنّ الدراهم والدنانير تتعيّن في الغصب والوديعة فكذا هنا.

ولو أبدلها بمثلها أو بغير جنسها برضا البائع ، فهو كبيع المبيع من البائع.

وقال أبو حنيفة : لا تتعيّن بالعقد ، بل تتعيّن بالقبض ، ويجوز إبدالها بمثلها. وإذا تلفت قبل القبض ، لا ينفسخ العقد. وإذا وجد بها عيبا ، كان له الاستبدال ، لأنّه يجوز إطلاقه في العقد ، وما يجوز إطلاقه لا يتعيّن بالتعيين ، كالمكيال والصنجة. ولأنّه عوض في أعيانها (٢).

والجواب : أنّ جواز الإطلاق ثبت لأنّ له عرفا ينصرف إليه يقوم في بيانه مقام الصفة. والمكيال المراد (٣) به تقدير المعقود عليه ، وكلّ مكيال قدّر به فهو مقدّر بمثله ، ولا يختلف ذلك ، وهنا تختلف أعيانها فافترقا.

والعوض ينتقض بما بعد القبض وبالوديعة وبالغصب وبالإرهان وكلّ متساوي الأجزاء.

مسألة ٢١٦ : إذا تقابضا الصرف ثمّ وجد أحدهما بما صار إليه عيبا ، فهو (٤) قسمان.

الأوّل : أن يكونا معيّنين. فإمّا أن يكون العيب من غير الجنس ـ كأنّ يشتري فضّة فيخرج رصاصا ، أو ذهبا فيخرج نحاسا ـ أو من الجنس ، كأن‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : في العقد.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ٢١٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٦ ، المغني ٤ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٠.

(٣) في الطبعة الحجريّة : والمراد ، بزيادة الواو.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : وهو. وما أثبتناه من تصحيحنا.

٤٢٨

تكون الفضّة سوداء أو خشنة أو مضطربة السكّة مخالفة لسكّة السلطان.

فإن كان الأوّل ، بطل البيع ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّه غير ما اشتراه.

وكذا في غير الصرف لو باعه ثوبا على أنّه كتّان فخرج صوفا ، أو بغلة فخرجت حمارة ، لوقوع العقد على غير هذا الجنس. ويجب ردّ الثمن ، وليس له الإبدال ، لوقوع العقد على عين شخصيّة لا يتناول غيرها.

ولا الأرش ، لعدم وقوع الصحيح على هذه العين.

وقال بعض الشافعيّة : البيع صحيح ، ويتخيّر المشتري ، لأنّ البيع وقع على عينه (٢). وليس بجيّد.

ولو كان البعض من غير الجنس ، بطل فيه ، وكان المشتري أو البائع بالخيار في الباقي بين الفسخ وأخذه بحصّته من الثمن بعد بسطه على الجنس وعلى الآخر لو كان منه ، لتبعّض الصفقة عليه.

وللشافعي فيه قولان : الصحّة والبطلان (٣).

وإن كان الثاني ، تخيّر من انتقل إليه بين الردّ والإمساك ، وليس له المطالبة بالبدل ، لوقوع العقد على عين شخصيّة.

ثمّ إن كان العيب في الكلّ ، كان له ردّ الكلّ أو الإمساك ، وليس له ردّ البعض ، لتفرّق الصفقة على صاحبه.

وإن كان العيب في البعض ، كان له ردّ الجميع أو إمساكه.

وهل له ردّ البعض؟ الوجه : ذلك ، لانتقال الصحيح بالبيع ، وثبوت‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٦ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٥ ، المغني ٤ : ١٧٨ ـ ١٧٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨٢.

(٢) حلية العلماء ٤ : ١٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ١٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٥.

٤٢٩

الخيار في الباقي لا يوجب فسخ البيع فيه.

ويحتمل المنع ، لتبعّض الصفقة في حقّ صاحبه.

وللشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة ، فإن قلنا : لا تفرّق ، ردّ الكلّ أو أمسكه. وإن قلنا : تفرّق ، ردّ المعيب وأمسك الباقي بحصّته من الثمن (١).

ويجي‌ء على مذهب الشافعيّة البطلان لو اشترى دراهم بدراهم فوجد في بعضها عيبا ، لأدائه إلى التفاضل ، لأنّ المعيب يأخذ من الثمن أقلّ ما يأخذ السليم ، فيكون الباقي متفاضلا (٢).

ثمّ إن اتّفق الثمن والمثمن في الجنس ، كالدراهم بمثلها ، والدنانير بمثلها ، لم يكن له الأرش ، لما بيّنّا من أنّ جيّد الجوهر ورديئه جنس واحد ، فلو أخذ الأرش ، بقي ما بعده مقابلا لما هو أزيد منه مع اتّحاد الجنس ، فيكون ربا.

وإن كان مخالفا ، كالدراهم بالدنانير ( كان له ) (٣) المطالبة بالأرش مع الإمساك ما داما في المجلس ، فإن فارقاه فإن أخذ الأرش من جنس السليم ، بطل فيه ، لأنّه قد فات شرط الصرف ، وهو التقابض في المجلس. وإن كان مخالفا ، صحّ ، لأنّه لا يكون صرفا.

القسم الثاني : أن يكونا غير معيّنين‌ بأن يتبايعا الدراهم بالدراهم أو الدنانير بالدنانير أو الدراهم بالدنانير في الذمّة ولا يعيّنان واحدا من العوضين وإنّما يعيّنانه في المجلس قبل التفرّق ، سواء وصفا العوضين أو‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٤٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٥ ـ ١٥٦ ، المغني ٤ : ١٨١ ـ ١٨٢.

(٢) انظر : المغني ٤ : ١٨٢.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك‍ » : فله.

٤٣٠

أطلقا إذا كان للبلد نقد غالب ، مثل أن يقول : بعتك عشرة دراهم مستعصميّة بدينار مصريّ ، أو يقول : بعتك عشرة دراهم بدينار ، وكان لكلّ من الدراهم والدنانير نقد غالب ، فإنّه يصحّ إجماعا.

ولو لم يكن في البلد نقد غالب ، لم يصحّ الإطلاق ، ووجب بيان النوع ، فإذا تصارفا ، وجب تعيين ذلك في المجلس بتقابضهما.

فإن تقابضا ثمّ وجد أحدهما أو هما عيبا فيما صار إليه ، فإن كان قبل التفرّق ، كان له مطالبته بالبدل ، سواء كان المعيب من جنسه أو من غير جنسه ، لوقوع العقد على مطلق سليم.

وإن كان بعد التفرّق ، فإن كان العيب من غير الجنس في الجميع ، بطل العقد ، للتفرّق قبل التقابض. وإن كان في البعض ، بطل فيه ، وكان في الباقي بالخيار.

وللشافعي قولا تفريق الصفقة (١).

وإن كان العيب من جنسه ، كان له الإبدال ـ وبه قال الشافعي في أحد قوليه ، وأبو يوسف ومحمّد وأحمد (٢) ـ لأنّه لمّا جاز إبداله قبل التفرّق جاز بعده ، كالمسلم فيه.

وفي الثاني : ليس له الإبدال ـ وهو قول المزني ـ وإلاّ لجاز التفرّق في الصرف قبل القبض ، وهو باطل (٣).

والملازمة ممنوعة ، لحصول القبض ، ولهذا لو رضي بالعيب ، لزم‌

__________________

(١) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٤ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٥٦.

(٢) حلية العلماء ٤ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٦.

(٣) مختصر المزني : ٧٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٥ ـ ١٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٦.

٤٣١

البيع. فلو لم يكن اسم المبيع صادقا عليه ، لما كان كذلك.

وهل له فسخ البيع؟ الوجه : أنّه ليس له ذلك إلاّ مع تعذّر تسليم الصحيح ، لأنّ العقد تناول (١) أمرا كلّيّا.

ويحتمل ثبوته ، لأنّ المطلق يتعيّن بالتقابض وقد حصل.

وله الإمساك مجّانا وبالأرش مع اختلاف الجنس لا مع اتّفاقه ، وإلاّ لزم الربا.

ومع الردّ هل يشترط أخذ البدل في مجلس الردّ؟ إشكال.

ولو كان العيب في بعضه ، كان له ردّ الكلّ أو المعيب خاصّة ـ خلافا للشافعي في أحد قوليه (٢) ـ أو إمساكه مجّانا وبالأرش مع اختلاف الجنس.

وإذا ردّه ، كان له المطالبة بالبدل ، والخلاف كما تقدّم في ظهور عيب الجميع.

وهل له فسخ العقد؟ على ما تقدّم من الاحتمال.

وقال الشافعي : إذا جوّزنا الإبدال ، لم يكن له الفسخ ، كالعيب في المسلم فيه. وإن لم نجوّزه ، كان له الخيار في الردّ والفسخ في الجميع.

وهل له ردّ البعض؟ مبنيّ على تفريق الصفقة (٣).

وهل يشترط أخذ البدل في مجلس الردّ؟ إشكال ينشأ من أنّه صرف في البدل والمردود ، ومن عدمه.

ولو ظهر العيب بعد التقابض وتلف المعيب من غير الجنس ، بطل‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : يتناول.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ١٤٠ ـ ١٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٦.

٤٣٢

الصرف ، ويردّ الباقي ، ويضمن التالف بالمثل أو القيمة. ولو كان من الجنس ، كان له أخذ الأرش إن اختلف الجنس ، وإلاّ فلا ، لأنّه يكون ربا ، بل ينفسخ العقد بينهما ، ويردّ مثل التالف أو قيمته إن لم يكن له مثل ، ويسترجع الثمن الذي من جهته.

تذنيب : نقص السعر أو زيادته لا يمنع الردّ بالعيب‌ ، فلو صارفة دراهم ـ وهي تساوي عشرة ـ بدينار ، فردّها وقد صارت تسعة بدينار أو أحد عشر ، صحّ الردّ ولا ربا ، وليس للغريم الامتناع من الأخذ ، إذ العبرة في الردّ بالعين لا بالقيمة.

مسألة ٢١٧ : يجوز إخلاد أحد المتعاقدين إلى الآخر في قدر عوضه‌ ، فيصحّ البيع فيما يشترط فيه القبض في المجلس قبل اعتباره ، لأصالة صدق العاقل ، واقتضاء عقله الامتناع من الإقدام على الكذب.

إذا تقرّر هذا ، فلو أخبره بالوزن فاشتراه ، صحّ العقد ، لأنّه كبيع المطلق ، لكن يخالفه في التعيين. فإن قبضه ثمّ وجده ناقصا بعد العقد ، بطل الصرف مع اتّحاد الثمن والمثمن في الجنس ، سواء تفرّقا أو لا ، لاشتماله على الربا حيث باع العين الشخصيّة الناقصة بالزائدة.

أمّا لو اختلف الجنس فإنّ البيع لا يبطل من أصله ، لقبول هذا العقد التفاوت بين الثمن والمثمن ، فكان بمنزلة العيب ، بل يتخيّر من نقص عليه بين الردّ والأخذ بحصّته من الثمن أو بالجميع على ما تقدّم.

ولو وجد زائدا واتّحد الجنس ، فإن عيّن بأن قال : بعتك هذا الدينار بهذا الدينار ، بطل البيع ، لاشتماله على الربا. ولو لم يعيّن بأن قال : بعتك دينارا بدينار ، ثمّ دفع إليه الزائد ، صحّ البيع ، لعدم تعيين هذا الزائد هنا ، لوقوع العقد على مطلق ، وتكون الزيادة في يد قابضها أمانة ، لوقوعها في‌

٤٣٣

يده من غير تعدّ منه بل بإذن مالكها.

ويحتمل أن تكون مضمونة ، لأنّه قبض الدينار الزائد على أنّه عوض ديناره ، والمقبوض بالبيع الصحيح أو الفاسد مضمون على قابضه.

نعم ، لو دفع إليه أزيد من الثمن ليكون وكيله في تحقيق الزيادة أو ليزن حقّه منه في وقت آخر ثمّ يردّ الزائد ، فإن الزيادة هنا أمانة قطعا.

ولو كان الثمن والمثمن متغايرين في الجنس ، صحّ البيع على ما تقدّم ، والزيادة لصاحبها. ولو كانت الزيادة لاختلاف الموازين ، فإنّها لقابضها ، لعدم الاعتداد بمثلها ، ولإمكان القبض في البعض.

تذنيب : لقابض الزيادة فسخ البيع للتعيّب بالشركة‌ إن منعنا الإبدال مع التفرّق. ولو أسقطها الدافع ، لم يسقط الخيار ، إذ لا يجب عليه قبول الهبة. وكذا لدافعها الخيار ، إذ لا يجب عليه أخذ العوض. ولو تفرّقا (١) ، ردّ الزائد وطالب بالبدل.

مسألة ٢١٨ : قد بيّنّا أنّ جيّد الجوهر ورديئه جنس واحد‌ ، وكذا صحيحه ومكسوره ، فيجوز بيع أحدهما بالآخر متساويا ، خلافا للشافعي على ما تقدّم (٢).

ولا يجوز التفاضل ، فلو أراده ، وجب إدخال مخالف في الجنس بينهما. فلو أراد أن يشتري بدراهم صحاح دراهم مكسورة أكثر وزنا منها ، لم يجز إجماعا ، لاشتمالها على الربا.

فإن باعها بذهب وقبضه ثمّ اشترى به مكسورة أو صحيحة أكثر ، جاز ذلك ، سواء كان ذلك عادة أو لا ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي‌

__________________

(١) كذا في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة ، والظاهر : ولو لم يتفرّقا.

(٢) في ص ٤١٩ ، المسألة ٢٠٧.

٤٣٤

وأبو حنيفة (١) ـ لما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أكلّ تمر خيبر هكذا؟ » فقال : لا والله يا رسول الله إنّا لنأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة ، فقال : « لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم وابتع بالدراهم جنيبا » (٢). والجنيب : أجود التمر. والجمع : كلّ لون من التمر لا يعرف له اسم.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه إسماعيل بن جابر عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل يجي‌ء إلى صيرفيّ ومعه دراهم يطلب أجود منها ، فيقاوله على دراهم تزيد كذا وكذا بشي‌ء قد تراضيا عليه ، ثمّ يعطيه بعد بدراهمه دنانير ، ثمّ يبيعه الدنانير بتلك الدراهم على ما تقاولا عليه أوّل مرّة ، قال : « أليس ذلك برضا منهما معا؟ » قلت : بلى ، قال : « لا بأس » (٣).

وقال مالك : إن فعل ذلك مرّة واحدة ، جاز. وإن تكرّر ، لم يجز ، لأنّ ذلك يضارع الربا ويؤدّي إليه (٤).

وهو ممنوع ، لأنّه باع الجنس بغيره نقدا فجاز ، كما لو كان مرّة. ولو كان ذلك ربا ، كان حراما مرّة وأكثر.

مسألة ٢١٩ : إذا باع الصحاح أو الأكثر وزنا بالذهب وتقابضا‌ ثمّ اشترى بالذهب المكسّرة أو الأقلّ وزنا ، صحّ البيع عندنا ، لعموم قوله عليه‌السلام : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (٥) سواء تفرّقا بعد التقابض قبل العقد‌

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٠٢ و ١٢٩ ، و ٥ : ١٧٨ ـ ١٧٩ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢١٥ ، ٩٥ ، سنن النسائي ٧ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٩١.

(٣) التهذيب ٧ : ١٠٦ ، ٤٥٥.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨ ، المغني ٤ : ١٩٣.

(٥) الجامع لأحكام القرآن ١٠ : ٨٦.

٤٣٥

الثاني أو لا ، وسواء تخايرا بينهما أو لا ـ وبه قال ابن سريج من الشافعيّة (١) ـ لأنّ دخولهما في العقد رضا به ، فجرى مجرى التخاير ، فيلزم الأوّل وينعقد الثاني.

وقال القفّال منهم : إنّه لا ينعقد البيع الثاني إلاّ بعد التفرّق بعد التقابض قبل العقد الثاني أو التخاير بينهما ، إلاّ على القول الذي يقول : إنّ الخيار لا يمنع انتقال الملك ، فأمّا إذا قلنا : يمنع انتقال الملك ، فلا يصحّ ، لأنّه باعه غير ملكه إلاّ أنّ ذلك يكون قطعا للخيار ، ويستأنفان العقد. والأوّل أصحّ ، لأنّ قصدهما للتبايع رضا به ، وجار مجرى التخاير ، لما فيه من الرضا باللزوم (٢).

وكذا لو اشترى جارية من رجل ثمّ زوّجها به في مدّة الخيار ، صحّ النكاح عندنا وعند أبي العباس بن سريج (٣) ، ويجري عند القفّال على الأقوال في الملك (٤).

فروع :

أ ـ لو باعه من غير بائعه قبل التفرّق والتخاير ، صحّ عندنا ، لأنّ الملك قد حصل بالعقد ، ولهذا يكون النماء للمشتري ، وتزلزله لا يمنع من تصرّف المشتري.

وقال الشافعي : لا يصحّ ، لأنّه يسقط خيار البائع ، وليس له ذلك (٥).

وهو ممنوع ، لأنّ صحّة البيع لا تنافي ثبوت الخيار لغير المتعاقدين.

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨.

(٢ و ٤) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨.

٤٣٦

ب ـ لو باعه (١) الصحاح بعوض غير النقدين ثمّ اشترى به المكسّرة ، صحّ مطلقا ، سواء تقابضا في المجلس أو لا ، تخايرا أو لا.

ج ـ تجوز الحيلة في انتقال الناقص بالزائد بغير البيع أيضا‌ بأن يقرضه الصحاح ويقترض منه المكسّرة بقدر قيمتها ثمّ يبرئ كلّ واحد منهما صاحبه ، لانتفاء البيع هنا ، فلا صرف ولا ربا. وكذا لو وهب كلّ منهما لصاحبه العين التي معه. وكذا لو باعه الصحاح بوزنها ثمّ وهب له الباقي من غير شرط. ولو جمع بينهما في عقد ، فالأقرب الجواز ، خلافا للشافعي (٢).

د ـ لو اشترى نصف دينار قيمته عشرون درهما ومعه عشرة دفعها‌ وقبض الدينار بأجمعه ليحصل قبض النصف ، ويكون نصفه له بالبيع والآخر أمانة في يده ويسلّم الدراهم ، صحّ ، وبه قال الشافعي (٣).

فإن اشتراه بأجمعه بعشرين ، دفع العشرة ثمّ استقرضها منه ، فيثبت في ذمّته مثلها.

وللشافعي فيه قولان :

أحدهما : هذا ، وهو الأصحّ ، لأنّ هذه الدراهم دفعها لما عليه من الدّين ، وذلك تصرّف ، كما لو اشترى بها النصف الآخر من الدينار ، فإنّه يجوز ، ويكون ذلك تصرّفا.

والثاني : المنع ، لأنّ القرض يملك بالتصرّف ، وهذه الدراهم لم يتصرّف فيها وإنّما ردّها (٤) إليه على حالها ، فكان ذلك فسخا‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : باع.

(٢) لم نعثر على قوله في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : ردّه. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٤٣٧

للقرض (١). وهو ممنوع.

أمّا لو استقرض عشرة غيرها ودفعها عوضا عن باقي الثمن ، جاز إجماعا.

هـ ـ لو كان معه تسعة عشر درهما وأراد شراءه بعشرين ، فعلى ما تقدّم ، فإن لم يقرضه البائع وتقابضا وتفرّقا قبل تسليم الدرهم ، فسد الصرف فيه خاصّة ، وكان للبائع نصف عشر الدينار.

وللشافعي (٢) قولان في الفساد في الباقي ، فإن سوّغ تفريق الصفقة ، صحّ ، وإلاّ فلا. نعم ، يثبت الخيار.

فإن أراد الخلاص من الخيار عندنا والفسخ عنده ، تفاسخا العقد قبل التفرّق ثمّ تبايعا تسعة عشر جزءا من عشرين جزءا من الدينار بتسعة عشر درهما ، وسلّم (٣) الدينار ليكون الباقي أمانة.

و ـ لو كان عليه دين عشرة دنانير فدفع عشرة عددا فوزنها فكانت أحد عشر دينارا ، كان الزائد مضمونا على القابض مشاعا ، لأنّه قبض ذلك على أن يكون بدلا من دينه ، وما يقبض على سبيل المعاوضة يكون مضمونا ، بخلاف الباقي لبائع الدينار في البيع في الفرع السابق ، لأنّه قبضه لصاحبه ، فكان أمانة في يده.

ثمّ إن شاء طالبه بالدينار ، وإن شاء أخذ عوضه دراهم وقبضها في الحال ، وإن شاء أخذ عينا غير النقدين ، وإن شاء أسلمه إليه في موصوف.

وهل له الاستعادة ودفع القدر لا غير؟ الأقرب : ذلك.

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٩.

(٢) لم نعثر على قوله فيما بين أيدينا من المصادر.

(٣) في الطبعة الحجريّة : يسلّم.

٤٣٨

مسألة ٢٢٠ : تجوز المصارفة بما في الذمم‌ ، فلو كان له على غيره ألف درهم وللغير عليه مائة دينار فتصارفا بهما ، صحّ الصرف. وكذا لو اتّفق الجنس وتساوى القدر وإن اختلفت الصفات ، عملا بالأصل والنصوص.

وبما رواه عبيد بن زرارة ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون له عند الصيرفيّ مائة دينار ويكون للصيرفي عنده ألف درهم ، فيقاطعه عليها ، قال : « لا بأس » (١).

ولا يشترط هنا التقابض ، لحصوله قبل البيع ، لكن لا يخلو من إشكال منشؤه اشتماله على بيع دين بدين.

ولو تباريا أو تصالحا ، جاز قطعا.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يجوز أيضا اقتضاء أحد النقدين من الآخر ويكون مصارفة عين بدين بأن يكون له على غيره ألف درهم فيشتريها الغير منه بمائة دينار يدفعها إليه في المجلس ، لما تقدّم.

ولما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون عليه دنانير ، فقال : « لا بأس أن يأخذ بثمنها دراهم » (٢).

وسأله في الرجل يكون له الدّين دراهم معلومة إلى أجل فجاء الأجل وليس عند الذي حلّ عليه دراهم ، قال له : خذ منّي دنانير بصرف اليوم ، قال : « لا بأس » (٣).

ولو لم يحصل قبض العين في المجلس حتى تفارقا قبله ، بطل الصرف ، لانتفاء شرطه.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٠٣ ، ٤٤٣.

(٢) التهذيب ٧ : ١٠٢ ، ٤٣٧ ، الاستبصار ٣ : ٩٦ ، ٣٢٧.

(٣) التهذيب ٧ : ١٠٢ ، ٤٣٨ ، الإستبصار ٣ : ٩٦ ، ٣٢٨.

٤٣٩

مسألة ٢٢١ : لو دفع قضاء الدّين على التعاقب من غير مساعرة ولا محاسبة ، كان له الإندار‌ بسعر وقت القبض وإن كان مثليّا ، لأنّه بإقباضه له عيّن حقّه فيه ، فيندر ما يساوي من مخالفه في تلك الحال من الدّين الذي عليه.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يكون له على الرجل الدنانير فيأخذ منه دراهم ثمّ يتغيّر السعر ، قال : « فهي له على السعر الذي أخذها يومئذ » (١).

وعن يوسف بن أيّوب عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون له على رجل دراهم فيعطيه دنانير ولا يصارفه فتصير الدنانير بزيادة أو نقصان ، قال : « له سعر يوم أعطاه » (٢).

إذا ثبت هذا ، فإنّه يحسب كلّ مقبوض في يوم بسعر ذلك اليوم ، سواء كان مثليّا ، كالدراهم والدنانير والحنطة والشعير ، أو غير مثليّ ، وهو فيه أظهر.

أمّا لو لم يكن الدفع على وجه القضاء بأن يكون له عند صيرفيّ دينار فيأخذ منه دراهم لا على وجه الاقتضاء ولم يجر بينهما معاملة ولا بيع ، كان الدينار له والدراهم عليه ، فإن تباريا ذلك بعد أن يصير في ذمّة كلّ واحد منهما ما أخذه ، جاز ، وبه قال الشافعي (٣).

مسألة ٢٢٢ : لو كان عنده دينار وديعة فاشتراه من صاحبه بدراهم‌ ، صحّ إذا دفع الدراهم في المجلس ، ولا يشترط ردّ الدينار وقبضه ثانيا ، لأنّه‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٨٤ ، ٨٢٩ ، التهذيب ٧ : ١٠٧ ، ٤٥٩.

(٢) التهذيب ٧ : ١٠٨ ، ٤٦١.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ١٥٢.

٤٤٠