تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

النخل ، قدّم مصلحة المشتري.

ولا يجب على البائع صاحب الأصول في كلّ حال سقي ثمرة المشتري ، لأصالة براءة ذمّته ، بل التمكين منه.

وقال الشافعي : يجب على البائع سقي الثمرة قبل التخلية وبعدها قدرا تنمو به الثمار وتسلم عن التلف والفساد ، لأنّ التسليم واجب عليه ، والسقي من تتمّة التسليم ، كالكيل في المكيلات والوزن في الموزونات ، فيكون على البائع (١).

ونحن نمنع كون السقي من تتمّة التسليم ، لأنّ التسليم هو التخلية وقد حصل ، فلا يجب عليه إنماء المبيع كغذاء الحيوان.

فروع :

أ ـ قد بيّنّا أنّ السقي ليس واجبا على البائع بل التمكين (٢) ، فإن منعه منه حتى تلفت أو عابت ، ضمن الأرش ، لأنّه سبّب في الإتلاف ، والأرش في العيب هو قدر قيمة التفاوت بين كونها حالة الأخذ وكونها بالغة حدّ الكمال إلى وقت أخذها بمجرى العادة. مثلا : إذا باعها وهي بسر واحتاجت إلى سقي حتى تصير رطبا فمنعه البائع منه فلم تبلغ كماليّة الترطيب ، كان‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٧٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٨٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : التمكّن. والصحيح ما أثبتناه.

٣٨١

عليه أرش التفاوت بين كونها رطبا كاملا وناقصا. وفي التلف يجب عليه قيمة البسر.

ب ـ لو احتاج المشتري في السقي إلى آلة ، لم يجب على البائع إقامتها. ولو كان للبائع آلة ، كدولاب ودالية ، لم يجب عليه تمكين المشتري من السقي بها. ويجي‌ء على قول الشافعي الوجوب.

ج ـ قال الشافعي : السقي يجب على البائع ، فلو شرط على المشتري ، بطل العقد ، لأنّه خلاف مقتضاه (١). وهو ممنوع.

مسألة ١٨٢ : لو باع الأصول والثمرة للبائع ثمّ أراد سقيها بالماء وكان ذلك لا يضرّ النخل‌ ، وجب على المشتري تمكينه منه ، لأنّه ممّا ينفع ثمرته ويبقيها ، وكان عليه تمكينه منه كتركها على الأصول ، وبه قال الشافعي (٢).

ثمّ اعترض أصحابه على أنفسهم بأنّ البائع لو باع الثمرة بعد بدوّ صلاحها وعطشت ، وجب على البائع سقيها عندهم ، لأنّه صاحب الأصول ، فألاّ قلتم هنا : يجب السقي على المشتري ، لأنّه صاحب الأصول؟

والجواب : أنّهم لم يقولوا : إنّه يجب عليه السقي ، لأنّه صاحب الأصول ، بل وجب عليه السقي ، لأنّه يجب عليه تسليم الثمرة كاملة ، وذلك إنّما يكون بالسقي ، وهنا لم يلزمه تسليم الثمرة ولم يملكها من جهته (٣).

وإن كان السقي ينفعهما معا ، لم يكن لأحدهما منع الآخر منه. وإن كان يضرّهما معا ، لم يكن لأحدهما السقي إلاّ برضا الآخر.

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٨٥ ـ ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٨.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣٨٢

وأمّا إن كان السقي يضرّ بالأصول ، فإن استغنت الثمرة عنه ، منع صاحب الثمرة منه.

وإن استضرّت الثمرة بتركه ، أو كان المشتري يريد سقي الأصول ، لحاجتها إليه وكان ذلك يضرّ بالثمرة ، قال بعض الشافعيّة : إن رضي أحدهما بإدخال الضرر عليه ، أقرّ العقد بينهما. وإن لم يرض واحد منهما ، فسخ العقد ، لتعذّر إمضائه إلاّ بضرر أحدهما (١).

وقال بعضهم : أيّهما احتاج إلى السقي ، أجبر الآخر عليه وإن أضرّ به ، لأنّه دخل معه في العقد على ذلك ، لأنّ مشتري الأصول اقتضى عقده تبقية الثمرة ، والسقي من تبقيتها ، والبائع اقتضى العقد في حقّه تمكين المشتري من حفظها وتسلّمها ، ويلزم كلّ واحد منهما ما أوجبه العقد للآخر وإن أضرّ به (٢).

إذا تقرّر هذا ، فإنّما له أن يسقي القدر الذي له فيه صلاحه ، فإن اختلفا في ذلك ، رجع إلى أهل الخبرة ، فما احتاج إليه أجبر عليه ، وأيّهما طلب السقي ، فالمئونة عليه ، لأنّه لحاجته.

تذنيب : لو كانت الثمرة مؤبّرة ، فهي للبائع. فإن عطشت وتعذّر سقيها فطالبه المشتري بقطعها ، لتضرّر الأصول ببقائها عليها ، فإن كان الضرر يسيرا ، لم يلزمه القطع. وان كان كثيراً يخاف من جفاف النخل أو نقصان حملها ، أجبر المشتري على تركه ـ وهو أحد قولي الشافعي (٣) ـ لأنّه‌

__________________

(١ و ٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٧١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٥.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٧١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

٣٨٣

دخل في العقد على ذلك.

والثاني له : يجبر البائع على قطعها ، لأنّ الضرر يلحقها وإن بقيت ، والأصول تسلم بقطعها. ولأنّ ضرر الأصول أكثر لتعذّر أمثال الثمرة في المستقبل بذلك (١). وهذا القول لا بأس به عندي.

مسألة ١٨٣ : إذا (٢) باع الأصل خاصّة وعليه ثمرة ظاهرة ، فالثمرة للبائع‌ ، والأصل للمشتري في غير النخل ، وفيه مع التأبير أو اشتراطه ، وللمشتري مع عدمه ، ولا يجب على البائع قلع الثمرة مع الإطلاق ، بل يجب على المشتري تبقيتها إلى أوان الجذاذ ـ وبه قال مالك وأحمد والشافعي (٣) ـ لأنّ النقل والتفريغ إنّما يجب بحسب العادة والعرف ، فإنّ بائع الدار يجب عليه نقل الأقمشة والأطعمة على حسب العرف نهارا لا ليلا شيئا بعد شي‌ء ، كذا هنا تفريغ النخل من الثمرة إنّما يكون في أوان تفريغها في العادة ، وهو وقت الجذاذ.

وقال أبو حنيفة : يلزمه قطعها في الحال وتفريغ النخل ، لأنّ المبيع مشغول بملك البائع ، فلزمه (٤) نقله وتفريغه ، كما لو باع دارا فيها قماش (٥).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٧١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « لو » بدل « إذا ».

(٣) المغني ٤ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٠٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢٠٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

(٤) في الطبعة الحجريّة : فيلزمه.

(٥) المغني ٤ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٠٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

٣٨٤

والجواب ما تقدّم.

فروع :

أ ـ لو شرط قطع الثمرة في الحال ، وجب على البائع قطعها في الحال ، عملا بـ « الشروط » وقد قال عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١).

ب ـ لو شرط الإبقاء ، صحّ عندنا ، لأنّه مقتضى البيع على الإطلاق ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد (٢).

وقال أبو حنيفة : يفسد البيع (٣). وليس بجيّد.

ج ـ المرجع في وقت القطع إلى العادة ، فما كانت العادة فيه أن يقطع قبل نضجه كالمكتوم يؤخذ بسرا ، كلّف البائع القطع بمجرى العادة ، ولا يكلّفه قطع الجميع إذا لم يتّفق بيعه دفعة. وإذا جاء وقت الجذاذ ، لم يمكّن من أخذها على التدريج ، ولا أن يؤخّر إلى نهاية النضج ، بل يؤخذ بالعادة في ذلك كلّه. هذا مع الإطلاق ، وأمّا مع الشرط فبحسبه.

د ـ لو تعذّر السقي ، لانقطاع الماء ، أو تعذّر الآلة وعظم ضرر النخل ولم يكن في الإبقاء منفعة لصاحب الثمرة ، فالأقوى عندي : إلزام صاحب الثمرة بقطعها على ما تقدّم.

وللشافعي قولان تقدّما (٤).

هـ ـ لو أصاب الثمار آفة ولم يكن في إبقائها فائدة ، فإن لم يتضرّر‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ ، المغني ٤ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٠٦.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

(٤) في ص ٣٨٣ ، تذنيب المسألة ١٨٢.

٣٨٥

صاحب النخل ، كان لصاحب الثمرة الإبقاء ، عملا بالإطلاق ، وانتفاء الضرر. وإن كان يتضرّر ، فالأقوى : إلزامه بالقطع ، دفعا للضرر مع انتفاء الفائدة.

وللشافعي قولان (١).

و ـ لو احتاج صاحب الثمرة إلى السقي ، وجب على صاحب الأصل تمكينه منه مع انتفاء ضرره على ما تقدّم ، ومن الدخول إلى البستان لذلك ، فإن لم يأمنه ، نصب الحاكم أمينا للسقي ، ومئونته على البائع.

ويحتمل تمكين البائع من السقي ، وعلى المشتري مراقبته. وهو الوجه عندي.

ز ـ لو لم يسق البائع وتضرّر المشتري ببقاء الثمار ، لامتصاصها رطوبة الأشجار ، أجبر البائع على السقي أو القطع ، فإن تعذّر السقي ، لانقطاع الماء ، فالاحتمالان السابقان.

ح ـ لو قضت العادة بأخذ بعض الثمرة بسرا والباقي رطبا ، وجب اتّباعها. ولو قضت بأخذها كلّها بسرا ، فعليه نقلها. ولو أراد إبقاءها ليأخذها شيئا فشيئا ليكون أنفع له ، لم يكن له ذلك ، بل يأخذها وينقلها عند إمكان نقلها. وإذا استحكمت حلاوته ، فعليه نقله. ولو قضت العادة بأخذها تمرا أو قسبا (١) ، اتّبعت العادة.

ط ـ لو كان النخل ممّا يعتاد التخفيف منه بقطع بعض ثمرته وباع الأصل‌ واستثنى الثمرة أو باع الثمرة خاصّة ، لم يجب التخفيف هنا ، عملا بأصالة سلامة الملك على مالكه ، فليس لغيره التصرّف فيه بشي‌ء.

__________________

(١) الوسيط ٣ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

(٢) القسب : التمر اليابس يتفتّت في الفم. لسان العرب ١ : ٦٧٢ « قسب ».

٣٨٦

ولو باع الثمرة واشترط تخفيفها ، احتمل بطلان البيع ، لجهالة الباقي من المبيع.

والوجه : الصحّة ، لأنّ المبيع غير مجهول ، أقصى ما في الباب أنّه شرط قطع البعض ، فيبني في ذلك على العادة.

أمّا لو باع الثمرة ، فالوجه : أنّه لا يجب على المشتري تخفيفها ، سواء تضرّر النخل أو الثمرة أو لا.

ي ـ لو باع الأصل دون الثمرة وكانت عادة أولئك القوم قطع الثمار قبل إدراكها ، كما لو كان الكرم في البلاد الشديدة البرد لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة واعتاد أهلها قطع الحصرم ، ففي إلحاق العرف الخاصّ بالعامّ نظر : من حيث إنّ إطلاق العقد يحمل على المعتاد ، فيكون المعهود كالمشروط ، ومن حيث إنّ تواطؤ قوم معيّنين ليس حجّة ، بخلاف العادة العامّة الثابتة في زمان النبيّ عليه‌السلام.

يأ ـ لو تبايعا بشرط القطع ، وجب الوفاء به ، فإن تراضيا على الترك ، جاز ، فكان بدوّ الصلاح بمنزلة كبر العبد الصغير.

وقال أحمد : يبطل البيع ، وتعود الثمرة إلى البائع (١). ولا وجه له.

مسألة ١٨٤ : ولا فرق بين الثمرة وغيرها من المبيعات‌ ، فلو اشترى ثمرة بعد بدوّ صلاحها أو قبله بشرط القطع أو مطلقا على ما اخترناه ، وبالجملة ، على وجه يصحّ البيع فتلفت ، فإن كان التلف قبل القبض ، فهو من ضمان البائع ، وانفسخ العقد. ولو تلف البعض ، انفسخ فيه خاصّة ، وتخيّر المشتري في أخذ الباقي بحصّته ، وفي الفسخ فيه أيضا.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧.

٣٨٧

وإن كان ذلك بعد القبض ـ وهو التخلية بين المشتري وبينها ـ فهي من ضمان المشتري ـ ولا فرق بين أن يكون التلف بأمر سماوي ، كالريح والثلج والبرد ، أو بغير سماوي ، كالسرقة والحريق ، ولا بين أن يكون التالف أقلّ من الثلث أو أكثر ـ وبه قال أبو حنيفة ، وهو الجديد من قولي الشافعي (١) ، لأنّ امرأة أتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : إنّ ابني اشترى ثمرة من فلان ، فأذهبتها الجائحة ، فسأله أن يضع عنه ، فتألّى (٢) أن لا يفعل ، فقال عليه‌السلام : « تألّى فلان أن لا يفعل خيرا » (٣) ولو كان ذلك واجبا عليه ، لأجبره عليه.

ولأنّ التخلية يتعلّق بها جواز التصرّف فيغلب الضمان ، كالنقل والتحويل.

وقال في القديم : إذا تلفت بعد القبض ، فهي من ضمان البائع أيضا ـ فإن تلفت كلّها ، انفسخ العقد. وإن تلف بعضها ، انفسخ فيه. وهل ينفسخ في الباقي؟ مبنيّ على قولي تفريق الصفقة ـ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بوضع الجوائح ، ونهى عن بيع السنين (٤).

ولأنّ التخلية ليست بقبض صحيح ، ولهذا لو عطشت الثمرة ، كان من ضمان البائع إذا تلفت (٥).

__________________

(١) المغني ٤ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩.

(٢) أي : حلف ، مشتقّ من الألية ، وهي اليمين.

(٣) الموطّأ ٢ : ٦٢١ ، ١٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٥ ، مسند أحمد ٧ : ٢٥٢ ، ٢٤٢٢١ ، المغني ٤ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣.

(٤) سنن الدار قطني ٣ : ٣١ ، ١١٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٦.

(٥) الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٩٣ ،

٣٨٨

وقال مالك : إن كان التالف أقلّ من الثلث ، كان من ضمان المشتري.

وإن كان قدر الثلث فما زاد ، كان من ضمان البائع ، لأنّ الثمرة لا بدّ وأن يأكل منها الطائر ويسقط منها الريح ، فلم يكن بدّ من حدّ فاصل بين ذلك وبين الجائحة ، فقدّر بما دون الثلث (١).

وقال أحمد : إن تلفت بأمر سماويّ ، كان من ضمان البائع. وإن تلفت بنهب أو سرقة ، كان من ضمان المشتري ، لأنّ ما يتلفه الآدمي يرجع إلى بدله منه ، فلهذا كان من ضمانه ، بخلاف الجائحة (٢).

والجواب : أنّ الحديث استضعفه الشافعي (٣) ، فلا يجوز أن يحتجّ به.

ويحتمل أن يكون أراد بذلك في بيع السنين ، أو قال ذلك ندبا لا واجبا.

والتخلية قبض صحيح ، لأنّه يتعلّق بها جواز التصرّف ، ولا يمكن نقلها ، فأشبهت العقار.

وأمّا عطش الثمرة فيمنع أنّه من ضمان البائع. ولو قلنا به ، فهو مبنيّ على قوله : إنّ العقد يقتضي أن يكون سقيها على البائع ، كما اقتضى تركها على الأصول إلى أوان الجذاذ ، فإن عجز عن تسليم الماء ، ثبت للمشتري‌

__________________

روضة الطالبين ٣ : ٢١٩ ، المغني ٤ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧١ و ٢٧٣ و ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٤ ، المغني ٤ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨١ ـ ٢٨٣ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٠.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٣٤٥ ، وانظر : المغني ٤ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٧١ و ٢٧٨ ـ ٢٨٠.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

٣٨٩

الخيار.

وقول مالك ليس بصحيح ، لأنّ ما يأكله الطير لا يؤثّر في العادة ولا يبلغ ما حدّه به إلاّ أن يقع عليه الجذاذ ، فيكون ذلك من جملة الجوائح.

وينتقض ما قاله أحمد بالعبد إذا مات في يد البائع أو قتل ، فإنّهما سواء وإن كان يرجع في أحدهما إلى الضمان.

فروع :

أ ـ لو تلفت الثمرة بعد التخلية وبلوغ أوان الجذاذ وإمكانه من المشتري ، فعلى ما قلناه الضمان على المشتري ، لأنّا نوجبه عليه وإن لم يبلغ أوان الجذاذ فمع بلوغه وإمكان الجذاذ منه يكون أولى. وكذا على جديد الشافعي (١).

وعلى قديمه قولان :

أحدهما : أنّه يكون من ضمان البائع أيضا ، لأنّ الآفة أصابته قبل نقله فكان كما لو أصابته قبل أوان الجذاذ. ولأنّ التسليم لا يتمّ ما دامت الثمار متّصلة بملك البائع.

والثاني : أنّها من ضمان المشتري ، لأنّه بتركه (٢) النقل مع قدرته عليه يكون مفرّطا ، فانتقل الضمان إليه. ولانقطاع العلقة بينهما ، إذ لا يجب السقي على البائع حينئذ (٣).

__________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٢٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٤ و ٣٤٦.

(٢) في الطبعة الحجريّة : بترك.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩.

٣٩٠

ب ـ لو تلف بعض الثمار ، فكالكلّ ، إلاّ أن يتلف قبل التخلية ، فإنّه يثبت للمشتري الخيار في التسليم.

ولو عابت الثمار بالجائحة ولم تتلف ، فإن كان بعد التخلية ، فلا خيار للمشتري ، وهو جديد الشافعي (١). وعلى قديمه يكون له الخيار (٢).

وإن كان قبلها ، فمن ضمان البائع.

ج ـ لو ضاعت الثمار بغصب أو سرقة ، فإن كان قبل التخلية ، فمن ضمان البائع. وإن كان بعدها ، فمن المشتري.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّها من ضمان البائع ، لأنّ التسليم لا يتمّ بالتخلية ، على القديم.

والثاني : أنّها من ضمان المشتري ، على القديم أيضا ، لتمكّنه من الاحتراز عنه بنصب الحفاظ. ولأنّ الرجوع على الجاني بالضمان يتيسّر (٣).

د ـ لو اختلفا في الجائحة أو في قدرها ، فالقول قول البائع‌ ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّ الثمن قد لزم بالبيع ، والأصل أن لا جائحة.

هـ ـ إذا لم يمكّن البائع المشتري من السقي أو لم يسقه عند من أوجب السقي عليه ، أو شرطه عند من لا يوجبه وأخلّ به وعرض في الثمار آفة بسبب العطش ، فإن تلفت ، وجب على البائع الضمان ، لأنّه سبب في الإتلاف.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩ ، المغني ٤ : ٢٣٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٠.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٢٢٠.

٣٩١

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّ في انفساخ البيع قولين.

وأصحّهما : القطع بالفسخ ، لأنّ استحقاق السقي بالعقد قبل التخلية ، وما يستند إلى سبب سابق على القبض فهو بمنزلة ما لو سبق بنفسه. وعلى تقدير عدم الفسخ فعلى البائع الضمان للقيمة أو المثل ، وإنّما يجب ضمان ما تلف ، ولا ينظر إلى ما كان ينتهي إليه لو لا العارض (١).

ولو تعيّبت ولم تفسد ، تخيّر المشتري وإن جعلنا الجائحة من ضمانه ، لأنّ الشرع ألزم البائع تنمية الثمار بالسقي إمّا بالشرط عندنا أو مطلقا عند الشافعي (٢) ، فالعيب الحادث بترك السقي كالعيب المتقدّم على القبض.

ولو أفضى التعيّب إلى تلفه ، نظر إن لم يشعر به المشتري حتى تلف ، عاد البحث في الانفساخ ، ولزم الضمان على البائع إن قلنا بعدم الفسخ ، ولا خيار بعد التلف.

وإن شعر به ولم يفسخ حتى تلف ، فوجهان : أحدهما : يغرم البائع ، لعدوانه. وعدمه ، لتقصير المشتري بترك الفسخ مع القدرة عليه (٣).

و ـ لو باع الأصل والثمرة معا فتلفت الثمرة بجائحة قبل التخلية ، بطل العقد فيها ، ويتخيّر المشتري في الأشجار مع إمضاء البيع بقدر حصّتها من الثمن ، وفسخ البيع فيها أيضا.

وللشافعي في بطلان بيع الأصول قولان (٤).

__________________

(١ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٠.

٣٩٢

وإن تلفت بعد التخلية ، فهي من ضمان المشتري عندنا وعند الشافعي (١) أيضا قولا واحدا ، لانقطاع العلائق هنا ، والثمرة متّصلة بملك المشتري.

ز ـ لو اشترى طعاما مكايلة وقبضه جزافا فهلك في يده ، فهو من ضمان المشتري ، لحصول القبض. وإن جعلنا الكيل شرطا فيه ، فالأقرب أنّه من ضمان البائع.

وللشافعي وجهان ، لبقاء الكيل بينهما (٢).

ح ـ ليس للبائع تكليف مشتري الثمرة قطعها قبل بدوّ صلاحها إلاّ أن يشرطه ، بل يجب عليه تبقيتها إلى أوان أخذها عرفا بالنسبة إلى جنس الثمرة ، فما قضت العادة بأخذه بسرا اقتصر عليه ، وما قضت بأخذه رطبا أو قسبا أخّر إلى وقته. وكذا لو باع الأصل واستثنى الثمرة وأطلق ، وجب على المشتري إبقاؤها.

ط ـ لو أتلف الثمرة أجنبيّ قبل التخلية ، تخيّر المشتري بين فسخ البيع وإلزام المتلف. والأقرب : إلحاق البائع به ، فيتخيّر المشتري بين فسخ البيع وإلزام البائع بالمثل ، أو القيمة ، سواء زادت عن الثمن المسمّى المدفوع إلى البائع أو نقصت عنه.

ولو تلفت المشتري ، فكالقبض يكون من ضمانه.

مسألة ١٨٥ : يجوز بيع الثمرة بجميع العروض والأثمان إلاّ بالثمرة‌ ، وهي المزابنة ، وبيع الزرع كذلك إلاّ بالحبّ ، وهي المحاقلة ، هذا هو المشهور من تفسير المحاقلة والمزابنة.

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٠.

٣٩٣

والمحاقلة مأخوذة من الحقل ، وهي الساحة التي تزرع ، سمّيت محاقلة ، لتعلّقها بزرع في حقل. والمزابنة مأخوذة من الزّبن ، وهو الدفع ، سمّيت بذلك ، لأنّها مبنيّة على التخمين ، والغبن فيها ممّا يكثر فيريد المغبون دفعه والغابن إمضاءه فيتدافعان.

والأصل في تحريم المحاقلة والمزابنة النصّ.

روى جابر أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة.

فالمحاقلة : أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق (١) من حنطة. والمزابنة : أن يبيع الثمرة بمائة فرق من تمر (٢).

وهذا التفسير إن كان من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذاك. وإن كان من الراوي ، فهو أعرف بتفسير ما رواه.

ولأنّه مجهول المقدار بيع بجنسه وهما ربويّان فلم يصحّ ، لجواز زيادة أحدهما على صاحبه ، بل هو الغالب ، لندور التساوي.

مسألة ١٨٦ : قد عرفت أنّ المحاقلة هي بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة الصافية‌ على وجه الأرض ، والمزابنة : بيع الرطب على رأس النخل بالتمر على وجه الأرض ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد (٣).

وقال مالك : المحاقلة إكراء الأرض ببعض ما يخرج منها من الثلث أو‌

__________________

(١) الفرق : مكيال ضخم لأهل المدينة ، معروف. لسان العرب ١٠ : ٣٠٥ « فرق ».

(٢) مختصر المزني : ٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، وفي سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٢ ، ٢٢٨٦ ، وسنن النسائي ٧ : ٣٧ ، وسنن البيهقي ٥ : ٣٠٧ ، بدون التفسير.

(٣) الوجيز ١ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٨ و ٣٥٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٩٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢١٢ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩٤ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٤٤ ، المغني ٤ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٥.

٣٩٤

الربع أو غيرهما (١). ونقل عنه أيضا ما يقاربه ، وهو أنّ المحاقلة إكراء الأرض للزرع بالحبّ (٢) ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة ، والمحاقلة : كراء الأرض (٣).

وذكر ابن المنذر في بعض ألفاظه : والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة (٤).

وليس بجيّد ، لأنّ إكراء الأرض بالحنطة إنّما هو بذل الحنطة في مقابلة المنفعة ، والمنفعة ليست بحنطة. وإذا باع السنبل بالحنطة ، فقد باع حنطة بحنطة مع الجهالة بالتساوي ، وهو غير جائز.

والمزابنة هي ضمان الصّبرة بقدر معلوم بأن يقول الشخص لغيره في صبرة مشاهدة : ضمنت لك صبرتك هذه بمائة قفيز ، فيقول المالك : هي أقلّ من ذلك ، فيقول لمالكها : يكال الآن إن زاد فلي ، وإن نقص فعليّ.

وهذا ليس عقدا وإنّما هو قمار. والقصد النهي عن عقده ، فالمشهور ما تقدّم.

مسألة ١٨٧ : هل يشترط في المحاقلة والمزابنة اتّحاد الثمن والمثمن أم لا؟ قيل : نعم (٥). فيكون النهي متناولا لبيع الحنطة الثابتة في السنابل‌

__________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ٢٢٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣١٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٥.

(٢) كما في الخلاف ـ للشيخ الطوسي ـ ٣ : ٩٤ ، المسألة ١٥٢.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١١٧٩ ، ١٥٤٦ ، سنن الدار قطني ٣ : ٧٥ ـ ٧٦ ، ٢٨٥ ، مسند أحمد ٣ : ٣٦٥ ، ١١١٨٣.

(٤) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر ، وفي المغني ـ لابن قدامة ـ ٤ : ٢٩٨ نقله عن أبي سعيد.

(٥) قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٤١٦.

٣٩٥

بحبّ منها معيّن المقدار. ولبيع ثمرة النخل ، الثابتة عليها بثمرة منها ، فيجوز بيع كلّ منهما بتمر موضوع على الأرض من غير تلك الثمرة ، وبحبّ موضوع على الأرض من غير تلك السنابل ، للأصل.

ولما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل ، فيقول أحدهما لصاحبه : [ اختر ] إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمّى وتعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص ، وإمّا أن آخذه أنا بذلك وأردّ عليك ، قال : « لا بأس » (١).

وفي الحسن عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في رجل قال لآخر : بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقلّ أو أكثر يسمّي ما شاء فباعه ، فقال : « لا بأس به » (٢).

وقال بعض (٣) علمائنا : لا يشترط ذلك ، بل يحرم بيع الزرع بالحنطة الموضوعة على الأرض وبيع الثمرة في النخلة بالتمر الموضوع على الأرض ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ حذرا من الربا ، لأنّ كلّ واحد منهما بيع مال الربا بجنسه (٥) من غير تحقّق المساواة في المعيار (٦) الشرعي ، لأنّ المعتاد فيهما الكيل ، ولا يمكن كيل الحنطة في السنابل ولا الثمرة على رأس النخل.

والتخمين بالخرص لا يغني ، كما لو كان كلّ واحد منهما على وجه الأرض.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٩١ ، ٣٨٩ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، ١٠ ، التهذيب ٧ : ٨٩ ، ٣٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٩١ ، ٣١٠.

(٣) ابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٦٧.

(٤) الام ٣ : ٦٢ ـ ٦٣ ، الوجيز ١ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٨ و ٣٥٢.

(٥) في الطبعة الحجريّة : من جنسه.

(٦) في « ق ، ك‍ » : العيار.

٣٩٦

ونمنع الربا ، لأنّه لا يثبت إلاّ في المكيل أو الموزون ، ولا شي‌ء من الثمرة على رأس (١) النخل ولا من الزرع في السنابل بمكيل أو موزون.

وقد روى ابن رباط عن أبي الصباح الكناني قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : « إنّ رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر وكان له نخل فقال له : خذ ما في نخلي بتمرك ، فأبى أن يقبل ، فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله إنّ لفلان عليّ خمسة عشر وسقا من تمر ، فكلّمه يأخذ ما في نخلي بتمره ، فبعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا فلان خذ ما في نخله بتمرك ، فقال : يا رسول الله لا يفي وأبى أن يفعل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لصاحب النخل : اجذذ نخلك ، فجذّه فكال له خمسة عشر وسقا » فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط ولا أعلم إلاّ أنّي قد سمعته منه أنّ أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : « إنّ ربيعة الرأي لمّا بلغه هذا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : هذا ربا ، قلت : أشهد بالله إنّه من الكاذبين ، قال : صدقت » (٢).

فروع :

أ ـ لو اختلف الجنس ، جاز البيع إجماعا ، كأن يبيع الشعير في سنبله بالدخن الموضوع على الأرض ، أو ثمرة النخل فيها بعنب أو زبيب موضوع على الأرض.

واشترط الشافعي التقابض هنا بالنقل لما على وجه الأرض ، وبالتخلية فيما على الشجر (٣). وهو بناء على مذهبه من وجوب التقابض في‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : رءوس.

(٢) التهذيب ٧ : ٩١ ـ ٩٢ ، ٣٩٠ ، الاستبصار ٣ : ٩٢ ، ٣١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٥.

٣٩٧

الربويّات مع اختلاف الجنس ، وقد سلف بحثه (١).

ب ـ إن جعلنا العلّة في المحاقلة والمزابنة الربا ، لم يجز بيع غير النخل والزرع بجنسه‌ الموضوع على الأرض ، فلا يجوز بيع العنب في أصله بزبيب أو عنب موضوع على الأرض ، وكذا غيره من الفواكه ، ولا بيع الدخن في سنبله بحبّ دخن موضوع على الأرض ، عملا بتعميم الحكم عند تعميم علّته. وإن لم نجعل العلّة ذلك ، جاز جميع ذلك.

ج ـ الحنطة والشعير عندنا أنّهما جنس واحد في الربا‌ على ما تقدّم (٢) ، خلافا للشافعي (٣). فعلى أصلنا هذا إذا جعلنا العلّة الربا ، لم يجز بيع الحنطة في السنبل بالشعير الموضوع على الأرض وبالعكس ، وإلاّ جاز.

د ـ في أكثر تفاسير المحاقلة أنّها بيع الحنطة في السنبل بحنطة‌ إمّا منها أو من غيرها على ما تقدّم ، فهل يدخل فيه الشعير الثابت في سنبله بالشعير المصفّى؟ إن جعلناه من جنس الحنطة أو قلنا : العلّة الربا ، شمل التحريم ، وإلاّ فلا ، لكن لا يكون محاقلة إن لم يكن من الجنس وإن قلنا بالتحريم لعلّة الربا فيه.

أمّا غير الشعير والحنطة كالدخن يباع في سنبله بحبّ مصفّى إمّا منه أو من غيره ، والذرّة والأرز وغير ذلك من أنواع الزرع فهل يكون محاقلة؟

في بعض ألفاظ علمائنا أنّ المحاقلة هي بيع الزرع بالحبّ من جنسه (٤) ، فيكون ذلك كلّه محاقلة. وإن لم نجعل ذلك محاقلة بل خصّصنا اسم‌

__________________

(١) في ص ١٤٧ ، الفرع ( ه‍ ) من المسألة ٧٧.

(٢) في ص ١٤٨ ، المسألة ٧٨.

(٣) الامّ ٣ : ٣١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٣٥ ، المحلّى ٨ : ٤٩٢ ، المغني ٤ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٩.

(٤) كشف الرموز ١ : ٥٠٦ ـ ٥٠٧ ، وكما في شرائع الإسلام ٢ : ٥٤.

٣٩٨

المحاقلة بالحنطة ، هل يثبت التحريم؟ إن جعلنا العلّة في الحنطة الربا ، ثبت هنا ، وإلاّ فلا.

أمّا الثمرة فالمشهور اختصاص المزابنة بثمرة النخل منها دون غيرها ، لكن في التحريم إن جعلناه معلّلا بالربا ، ثبت في غير النخل ، وإلاّ فلا.

هـ ـ لو باع الزرع قبل ظهور الحبّ بالحبّ ، فلا بأس‌ ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّه حشيش ، وهو غير مطعوم ولا مكيل ، سواء تساويا جنسا أو اختلفا. ولا يشترط التقابض في الحال.

و ـ قد بيّنّا أنّ بيع الصّبرة باطل إلاّ مع العلم بقدرها ، فلو باع صبرة بأخرى مجهولتين من جنس واحد ، لم يجز مطلقا عندنا على ما تقدّم (٢).

وقال الشافعي : إن أطلقا البيع ، لم يجز ، لأنّ التساوي شرط ، والجهل به كالعلم بالتفاضل ، فيكون البيع باطلا.

وإن قال : بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلا بكيل أو مثلا بمثل ، فإن كيلتا وتساويتا ، صحّ البيع. وإن تفاوتتا ، فقولان ، أحدهما : الفساد ، لتفاضلهما. والثاني : الصحّة ، ويأخذ بقدر صبرته.

وإن اختلف الجنس وأطلقا ، صحّ البيع. وإن شرطا التساوي ، فإن خرجتا متساويتين ، صحّ البيع. وإن تفاضلتا ، قيل للّذي له الفضل : أترضى بتسليمه؟ فإن أجاب ، لزم البيع. وإن أبى ، قيل للآخر : أتأخذ بقدر صبرتك؟ فإن رضي ، لزم البيع. وإن أبى ، فسخ العقد بينهما (٣).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٥ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٧.

(٢) في ص ٧٤ ، المسألة ٤٥ ، وص ٨٠ ، الفرع ( ه‍ ) من المسألة ٤٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢ ، المغني ٤ : ١٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٨.

٣٩٩

وهذا عندنا كلّه باطل ، لما تقدّم.

مسألة ١٨٨ : واستثني من المزابنة العرايا ، وهي جمع عريّة‌ ، والعريّة : النخلة تكون في دار الإنسان أو في بستانه ، فيباع ثمرتها رطبا بخرصها تمرا كيلا ، فلا تجوز العرايا في أكثر من نخلة واحدة في عقد واحد.

والشافعي أطلق الجواز في بيع العرايا ، وهو أن يبيع الرطب على رءوس النخل بخرصه تمرا فيما دون خمسة أوسق ، سواء تعدّدت النخلة أو اتّحدت. ولا يجوز عنده فيما زاد على خمسة أوسق قولا واحدا. وفي خمسة أوسق قولان ـ وبه قال أحمد ـ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخّص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق (١). الشكّ من الراوي (٢).

وقال أبو حنيفة : لا يجوز بيع العرايا مطلقا بحال البتّة ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المزابنة (٣). وهي بيع التمر بالتمر كيلا ، وبيع العنب بالزبيب كيلا. ولأنّه لا يجوز فيما زاد على خمسة أوسق كذلك في خمسة أوسق ، كما لو كان على وجه الأرض (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٩٩ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٧١ ، ١٥٤١ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٥٢ ، ٣٣٦٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٩٥ ، ١٣٠١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١١ ، الموطّأ ٢ : ٦٢٠ ، ١٤.

(٢) الوجيز ١ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٤٠١ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٤ ـ ١٧٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢١٦ ، المغني ٤ : ١٩٦ ـ ١٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١١٧١ ، ١٥٤٢ ، الموطّأ ٢ : ٦٢٤ ـ ٦٢٥ ، ٢٣ ـ ٢٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٢ ، ٢٢٦٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٩٤ ، ١٣٠٠ ، سنن النسائي ٧ : ٣٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٧.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٧٤ ـ ١٧٦ ، المغني ٤ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٥.

٤٠٠