تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

عليه بقيمة الولد ، فإنّه يرجع به على الغاصب ، لأنّه دخل معه على أن لا يكون الولد مضمونا عليه ، ولم يحصل من جهته إتلاف ، بل المتلف الشرع بحكم بيع الغاصب منه ، وبه قال الشافعي (١).

الثالث : ما اختلف فيه ، وهو مهرها واجرة منفعتها ، فهنا إشكال‌ تقدّم.

وللشافعي قولان :

ففي القديم : يرجع ، لأنّه دخل في العقد على أن يتلفه بغير عوض فقد غرّه.

وقال في الجديد : لا يرجع ـ وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ـ لأنّه غرم ما استوفى به له ، فلم يرجع به (٢).

ولو أمسكها ولم يستخدمها وتلفت المنفعة تحت يده ، ففي الرجوع للشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه يرجع بأجرتها ، لأنّه لم يستوف بدل ما غرم ، ودخل في العقد على أن لا يضمنها.

والثاني : لا يرجع ، لأنّ تلفها تحت يده بمنزلة إتلافها (٣).

مسألة ١٥٣ : يصحّ بيع الحامل بحرّ ، لأنّها مملوكة‌ ، وحرّيّة الحمل لا تخرج الرقّيّة عن الملكيّة ، فيصحّ بيعها ، لوجود المقتضي السالم عن المعارض.

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٤٢٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٠.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٥ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥١.

(٣) الوسيط ٣ : ٤٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥١.

٣٤١

مسألة ١٥٤ : العبد المرتدّ إمّا أن يرتدّ عن فطرة أولا‌ ، فإن لم يكن عن فطرة ، صحّ بيعه ، لأنّه مملوك لا يجب قتله في الحال ، ويمكن بقاؤه بردّه إلى الإسلام ، فصحّ (١) بيعه ، كالقاتل.

وأمّا إن كانت عن فطرة ، ففي جواز بيعه إشكال ينشأ من تضادّ الأحكام ، إذ وجوب القتل ينافي جواز البيع ، ومن بقاء الملكيّة.

أمّا المرتدّة فإنّه يجوز بيعها مطلقا ، سواء كانت عن غير فطرة أو عنها ، لعدم وجوب قتلها بالارتداد. ووجوب الحبس ـ إن أثبتناه في حقّها ـ لا ينافي الملكيّة والانتفاع.

وكذا يجوز بيع المريض المأيوس من برئه لفائدة الإعتاق ، أمّا ما لا يستقرّ فيه الحياة فالأقوى بطلان بيعه وعتقه.

مسألة ١٥٥ : من اشترى جارية من وليّ اليتيم ، صحّ الشراء‌ ، وجاز له نكاحها واستيلادها عملا بالمقتضي السالم عن المعارض ، وقول الكاظم عليه‌السلام وقد سئل في رجل ترك أولادا صغارا ومماليك غلمانا وجواري ولم يوص فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية يتّخذها أمّ ولد؟ وما ترى في بيعهم؟

فقال : « إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم وينظر لهم كان مأجورا فيهم » قلت : فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها أمّ ولد؟ قال : « لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم لهم الناظر لهم فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم » (٢).

مسألة ١٥٦ : إذا اشترى الإنسان ثلاث جوار ثمّ دفعهنّ إلى البيّع‌ وقوّم‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فيصحّ.

(٢) الكافي ٥ : ٢٠٨ ، ١ ، الفقيه ٤ : ١٦١ ـ ١٦٢ ، ٥٦٤ ، التهذيب ٧ : ٦٨ ـ ٦٩ ، ٢٩٤ بتفاوت وزيادة فيها.

٣٤٢

عليه كلّ جارية بقيمة معيّنة ، وقال له : بع هؤلاء الجواري ولك نصف الربح ، فباع البيّع جاريتين وأحبل المالك الثالثة ، لم يكن عليه شي‌ء فيما أحبل ، وكان عليه للبيّع اجرة مثل عمله فيما باع.

وقال الشيخ في النهاية : يكون عليه فيما باع نصف الربح (١) ، تعويلا على رواية أبي علي بن راشد ، قال : قلت له : إنّ رجلا اشترى ثلاث جوار قوّم كلّ واحدة بقيمة فلمّا صاروا إلى البيّع جعلهنّ بثمن ، فقال للبيّع : لك عليّ نصف الربح ، فباع جاريتين بفضل على القيمة وأحبل الثالثة ، قال : « يجب عليه أن يعطيه نصف الربح فيما باع ، وليس عليه فيما أحبل شي‌ء » (٢).

وهذه الرواية غير مسندة إلى إمام.

وتحمل هذه الرواية على ما إذا عيّن قدر الربح ، وكان القول على سبيل الجعالة.

__________________

(١) النهاية : ٤١٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٨٢ ، ٣٥٢.

٣٤٣
٣٤٤

الفصل الثاني

في الثمار‌

وفيه مطلبان :

الأوّل : في أنواعها. وهي ثلاثة :

الأوّل : في ثمرة النخل.

إذا باع ثمرة النخل ، فلا يخلو إمّا أن يكون قبل ظهورها أو بعده. فإن كان قبل ظهورها فلا يخلو إمّا أن يبيعها منفردة أو منضمّة إلى الغير إمّا الأصول أو ثمرة سنة أخرى ، أو غيرهما.

فإن باعها منفردة ، لم يصحّ إجماعا ، لأنّه غير موجود ولا معلوم الوجود ، ولا يمكن تسليمه ، ولا يعلم حقيقته ولا وصفه ، فكان كبيع الملاقيح والمضامين ، بل هو هو في الحقيقة.

وروت العامّة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي ، قيل : يا رسول الله وما تزهي؟ قال : « حتى تحمرّ » (١).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر ، فقال : « لا ، حتى يزهو » قلت : وما الزهو؟ قال : « حتى يتلوّن » (٢).

وإن باعها منضمّة إلى الأصول ، فالوجه عندي : البطلان ، إلاّ أن يجعل‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٠ ، الموطّأ ٢ : ٦١٨ ، ١١.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٦ ، ٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ ، ٣٥٩ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ ، ٢٩٤.

٣٤٥

انضمامها على سبيل التبعيّة فلا يضرّ فيها الجهالة ، كأساسات الحيطان وأصول الأشجار ، أمّا إذا جعلت جزءا مقصودا من المبيع ، ففيه الإشكال ، يقتضي النصّ الجواز.

وإن باعها منضمّة إلى شي‌ء غير الثمرة ، فإنّه يجوز. وينبغي أن يكون ذلك على سبيل التبعيّة لا الأصالة ، لما تقدّم ، لكنّ إطلاق النصّ يقتضي إطلاق الجواز.

روى سماعة قال : سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال : « لا ، إلاّ أن يشتري معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا ، فيقول : أشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا ، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل » (١).

والوجه عندي : المنع. وهذه الرواية مع ضعف سندها لم تسند إلى إمام ، فلا تعويل عليها.

وإن باعها منضمّة إلى ثمرة سنة أخرى ، فلا يخلو إمّا أن تكون السنة الأخرى سابقة ثمرتها موجودة أو لا حقة ، فإن كانت سابقة ، صحّ إجماعا.

وإن كانت لا حقة أو كانت سابقة لم تخرج ، جاز أيضا ، لما رواه الحلبي ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سئل عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين ، قال : « لا بأس به يقول : إن لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل » (٢).

وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن شراء‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٦ ، ٧ ، الفقيه ٣ : ١٣٣ ، ٥٧٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ ، ٣٦٠ ، الإستبصار ٣ : ٨٦ ـ ٨٧ ، ٢٩٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٥ ، ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ ، ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٥ ، ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ ، ٢٩٩.

٣٤٦

النخل ، فقال : « كان أبي يكره شراء النخل قبل أن تطلع ثمرة السنة ، ولكن السنتين والثلاث ، كان يقول : إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى » (١).

ويحتمل قويّا : المنع ، لأنّه مبيع غير مشاهد ولا معلوم الوصف والقدر ، فيكون باطلا ، للغرر. ولأنّه كبيع الملاقيح والمضامين. ويحمل قوله عليه‌السلام : « إن لم يخرج في هذه السنة » أي إن لم تدرك ، أو أراد إن لم تخرج في بعض السنة المتأخّرة عن سنة البيع.

ويؤيّد هذا : ما رواه أبو الربيع الشامي عن الصادق عليه‌السلام قال : « كان الباقر عليه‌السلام يقول : إذا بيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا يباعنّ حتى تبلغ ثمرته ، وإذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شي‌ء من الخضرة » (٢) وتعليق الحكم على وصف يقتضي نفيه عند عدمه.

مسألة ١٥٧ : ولو باع الثمرة بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها‌ ، فإمّا أن يبيعها منفردة أو منضمّة ، فإن باعها منفردة ، فإمّا أن يبيعها بشرط القطع أو بشرط التبقية أو مطلقا.

فإن باعها بشرط القطع ، صحّ البيع إجماعا ، لأنّ مع شرط القطع يظهر أنّ غرض المشتري هو الحصرم والبلح وأنّه حاصل.

وإن باعها بشرط التبقية ، فالأقوى عندي : الجواز ، لعموم ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) السالم عن صلاحيّة المعارض للمعارضة ، لأنّ المعارض ليس إلاّ تجويز العاهة والتلف عليها ، لكن ذلك التجويز متطرّق إلى غير الثمار ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٨٧ ، ٣٧٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ ، ٢٩٢.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، ٦٩٠ ، التهذيب ٧ : ٨٧ ، ٣٧٢ ، الإستبصار ٣ : ٨٦ ، ٢٩٣.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

٣٤٧

كالحيوان وشبهه ، فلو كان مانعا من بيع الثمرة ، لكان مانعا من بيع الحيوان ، والتالي باطل بالإجماع ، فالمقدّم مثله. ولأنّه مال مملوك طاهر منتفع به فجاز بيعه. ولأنّه يجوز بيعه بشرط القطع إجماعا ، فجاز بشرط التبقية ، كما لو باعه بعد بدوّ الصلاح بشرط التبقية.

ولما رواه الحلبي ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سئل عن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض فتهلك تلك (١) الأرض كلّها ، فقال : « اختصموا في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانوا يذكرون ذلك فلمّا رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرّمه ، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم » (٢).

وعن الباقر عليه‌السلام قال : « خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمع ضوضاء (٣) ، فقال : ما هذا؟ فقيل : تبايع الناس بالنخل فقعد (٤) النخل العام ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل العام حتى يطلع فيه شي‌ء. ولم يحرّمه » (٥).

ومنع جماعة (٦) من علمائنا هذا البيع ـ وهو مذهب الفقهاء الأربعة (٧) ـ

__________________

(١) في الكافي والفقيه : ثمرة تلك.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٥ ، ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ ، ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٥ ، ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ ، ٢٩٩.

(٣) الضوضاة : أصوات الناس وجلبتهم. الصحاح ٦ : ٢٤١٠ « ضوا ».

(٤) في « ق ، ك‍ » : ففقد. وقعدت النخلة : حملت سنة ولم تحمل اخرى. القاموس المحيط ١ : ٣٢٨ « قعد ».

(٥) الكافي ٥ : ١٧٤ ـ ١٧٥ ، ١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ ، ٣٦٦ ، الاستبصار ٣ : ٨٨ ، ٣٠١.

(٦) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٤١٤ ـ ٤١٥ ، والمبسوط ٢ : ١١٣ ، والخلاف ٣ : ٨٥ ، المسألة ١٤٠ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ٥٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٠.

(٧) بداية المجتهد ٢ : ١٤٩ ، المعونة ٢ : ١٠٠٥ ، التلقين ٢ : ٣٧٣ ، الحاوي الكبير ٥ :

٣٤٨

للحديث (١) الذي رواه العامّة أوّلا ، وما رواه الخاصّة أيضا ، وقد سبق (٢).

وأيضا ما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا يشترى (٣) النخل حولا واحدا حتى يطعم إن كان يطعم ، وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل » (٤).

وسأل الحسن بن علي الوشّاء الرضا عليه‌السلام : هل يجوز بيع النخل إذا حمل؟ فقال : « لا يجوز بيعه حتى يزهو » قلت : وما الزهو جعلت فداك؟

قال : « يحمرّ ويصفرّ وشبه ذلك » (٥).

والجواب : حمل النهي على الكراهة ، جمعا بين الأدلّة خصوصا وقد نصّ الإمام عليه‌السلام على ذلك.

وإن باعها مطلقا ولم يشترط القطع ولا التبقية ، فالأقوى عندي : الجواز ـ وبه قال أبو حنيفة (٦) ـ لأنّه لو شرط القطع ، جاز إجماعا ، ولو شرط التبقية ، جاز على الأقوى ، والإطلاق لا يخلو عنهما ، فكان الجواز أقوى. ولما تقدّم من الأدلّة. ولأنّ القطع تفريغ ملك البائع ونقل المبيع‌

__________________

١٩٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ و ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ١٨١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠ ، المغني ٤ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١.

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٣٤٥ ، الهامش (١).

(٢) في ص ٣٤٥.

(٣) في المصدر : « لا تشتر ».

(٤) التهذيب ٧ : ٨٨ ، ٣٧٤ ، الإستبصار ٣ : ٨٥ ، ٢٩٠.

(٥) الكافي ٥ : ١٧٥ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ٨٥ ، ٣٦٣ ، الإستبصار ٣ : ٨٧ ، ٢٩٨.

(٦) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٢٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٩ ، المعونة ٢ : ١٠٠٦ ، المغني ٤ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١.

٣٤٩

عنه ، وليس ذلك شرطا في البيع.

ومنع جماعة (١) من أصحابنا إطلاق البيع هنا ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق (٢) ـ لأنّ الإطلاق يقتضي التبقية ، وهو منهيّ عنها.

ولأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطلق النهي عن بيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها (٣) ، وهذا يقتضي النهي عن بيع مطلق. ولأنّ النقل في الثمار إنّما يكون عند بلوغ الثمرة في العرف والعادة ، فينصرف إليه مطلق البيع كإطلاق الثمن مع العرف في نقد (٤) البلد ، فإنّه ينصرف إليه.

والجواب : لا نسلّم النهي عن التبقية. وما ورد (٥) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك فقد بيّنّا أنّه للكراهة. ونحن نسلّم عود الإطلاق إلى التبقية ، ونمنع التحريم فيها ، لما بيّنّا من جواز اشتراطها.

تذنيب : إذا باعها مطلقا ، وجب على البائع الإبقاء مجّانا إلى حين أخذها عرفا‌ ، كما فيما بعد بدوّ الصلاح.

وقال أبو حنيفة : المطلق يقتضي القطع في الحال ، فهو بمنزلة ما لو شرط القطع عنده ، ولهذا جوّز المطلق ، لأنّ بيعه قبل بدوّ الصلاح بشرط‌

__________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ١١٣ ، والخلاف ٣ : ٨٥ ، المسألة ١٤٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٠.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠ ، الوسيط ٣ : ١٨١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٢ ـ ٢١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ و ٣٤٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٩ ، المعونة ٢ : ١٠٠٦ ، التلقين ٢ : ٣٧٣ ، المغني ٤ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٦٧ ، ٥٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، الموطّأ ٢ : ٦١٨ ، ١٠ ، مسند أحمد ٢ : ٧٠ ، ٤٥١١ ، و ١٧٠ ، ٥٢٧٠.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « إطلاق » بدل « نقد ».

(٥) في الطبعة الحجريّة : وما روي.

٣٥٠

التبقية عنده باطل (١).

وإن باعها قبل بدوّ الصلاح منضمّة إلى شي‌ء أو إلى ثمرة سنة أخرى ، فإنّه يجوز إجماعا منّا ، لرواية يعقوب بن شعيب ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعا » (٢).

مسألة ١٥٨ : لو باع بستانا بدا صلاح بعضه ولم يبد صلاح الباقي‌ ، فعلى ما اخترناه نحن يجوز ، لأنّا جوّزنا بيع ما لم يبد صلاحه منفردا فمنضمّا إلى ما بدا صلاحه أولى.

أمّا القائلون بالمنع من علمائنا فإنّه يجوز عندهم أيضا ، لأنّ العاهة قد أمنت فيما بدا صلاحه ، فجاز بيعه ، وما لم يبد صلاحه يجوز بيعه منضمّا إليه تبعا ، كما لو باعه مع الزرع.

ولما رواه يعقوب بن شعيب ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام : « إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعا » (٣).

وهل يشترط اتّحاد البستان؟ قال الشيخ : نعم ، بمعنى أنّه لو كان بستان قد بدا صلاحه والبستان الآخر لم يبد صلاح شي‌ء منه ، لم يجز بيعهما صفقة واحدة. ولو كان بعض نخل البستان الواحد قد بدا صلاحه والبعض الآخر لم يبد صلاحه ، جاز بيعه أجمع في عقد واحد (٤).

وهذا القول لا اعتبار به عندنا.

والشافعي فصّل هنا ، فقال : إن كانت النخلة واحدة بأن بدا صلاح‌

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٢٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩١ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، المغني ٤ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١ ـ ٢٣٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٥ ، ٥ ، التهذيب ٣ : ٨٥ ، ٣٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٨٧ ، ٢٩٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٥ ، ٥ ، التهذيب ٣ : ٨٥ ، ٣٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ ، ٢٩٧.

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١١٤.

٣٥١

بعض طلعها وبعضه لم يبد صلاحه ، جاز بيع ثمرتها أجمع صفقة واحدة ، لعسر التمييز والفرق بينهما. وإن تعدّد النخل وكان بعضه قد بدا صلاحه دون البعض ، فإن كان البستان واحدا وضمّ أحدهما إلى الآخر في الصفقة ، جاز ، كما في النخلة الواحدة وإن كان ما بدا صلاحه نخلة واحدة.

وإن أفرد ما بدا صلاحه بالبيع ، صحّ إجماعا. وإن أفرد ما لم يبد صلاحه بالبيع ، ففي اشتراط شرط القطع وجهان ، سواء اتّحد نوع النخل أو اختلف :

أحدهما : أنّه يشترط ، إذ ليس في المبيع شي‌ء قد بدا صلاحه ، فيتبعه في عدم شرط القطع.

والثاني : أنّه لا يشترط ، ويكون ما لم يبد صلاحه تابعا لما بدا ، لدخول وقت بدوّ الصلاح ، فكأنّه موجود بالفعل.

ولو اختلف نوع الثمرة ـ كالبرني والمعقلي ـ في البستان الواحد فأدرك نوع دون آخر وباعهما صفقة واحدة ، ففي الجواز وجهان أحدهما : أنّه يجوز ، لأنّه إذا كان يضمّ بعض النوع إلى بعض آخر ضمّ نوع إلى نوع آخر من جنسه كالزكاة. والثاني : لا يضمّ ، لأنّه قد يتباعد إدراكهما ، فصارا كالجنسين.

ولو اختلف جنس الثمرة فكان أحدهما رطبا والآخر عنبا وبدا صلاح أحد الجنسين وضمّهما في البيع ، وجب شرط القطع فيما لم يبد صلاحه منهما ، ولا يتبع أحد الجنسين الآخر. وإن تعدّد البستان فبدا صلاح أحدهما دون الآخر ، فإنّه لا يتبع أحدهما الآخر (١) ، بل يجب شرط القطع فيما لم يبد صلاحه ـ وبه قال أحمد ـ لأنّه إنّما جعل ما لم يبد صلاحه تابعا في‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فإنّه لا يتبعه أحدهما.

٣٥٢

البستان الواحد ، لما فيه من اشتراك الأيدي والتضرّر به ، أمّا ما كان في قراح آخر فوجب أن يعتبر بنفسه (١).

وقال مالك : يجوز ضمّ أحد البستاين إلى الآخر وإن أدرك أحدهما خاصّة دون البستان الآخر من غير شرط القطع إذا كان مجاورا له وكان الصلاح معهودا لا منكرا (٢).

وربما نقل (٣) عنه الضبط في المجاور ببساتين البلدة الواحدة ، لأنّ الغرض الأمن من العاهة ، وما جاوره بمنزلة ما في هذا القراح.

مسألة ١٥٩ : لو كان الذي بدا صلاحه من النخل لواحد وما لم يبد صلاحه لآخر‌ ، فباع مالك ما لم يبد صلاحه ثمرة ملكه ، جاز عندنا مطلقا وعند جماعة من علمائنا والجمهور بشرط القطع.

وللشافعي قول آخر ، وهو : أنّه فصّل فقال : لا يخلو إمّا أن يكونا معا في بستان واحد أو نخل كلّ واحد منهما في بستان منفرد.

فإن كانا في بستان واحد ، فوجهان مع اتّحاد المالك على ما تقدّم.

وأمّا مع تعدّده فقولان :

أحدهما : طرد الوجهين هنا.

والثاني : القطع بالمنع ، إذ لا يتعدّى حكم أحد المالكين إلى الآخر ، فيجب شرط القطع.

وإن كانا في بستانين ، فقولان :

__________________

(١) انظر العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢١١ ـ ٢١٢.

(٢) بداية المجتهد ٢ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٥ ، المغني ٤ : ٢٢٣.

(٣) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٩.

٣٥٣

أحدهما : القطع بأنّه لا عبرة به ، ولا نظر إلى بدوّ الصلاح في بستان غير البائع.

والثاني : أنّه إذا لم يفرق فيما إذا بدا فيه الصلاح من ذلك البستان ولم يدخل في البيع بين أن يكون ملك البائع أو ملك غيره ، فقياسه أن لا يفرق فيما بدا فيه الصلاح في بستان آخر أيضا إذا لم يشترط اتّحاد البستان (١).

مسألة ١٦٠ : إذا باعه الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع ، جاز‌ إجماعا على ما تقدّم ، ويجب الوفاء به على المشتري ( إذا لم يشترطه ) (٢) على البائع.

ولو تراضيا على الترك جاز إجماعا منّا ، وبه قال الشافعي (٣) ، وكان بدوّ الصلاح بمنزلة كبر العبد الصغير.

وقال أحمد : يبطل البيع وتعود الثمرة إلى البائع (٤). وليس (٥) ..

ولو أبقاه المشتري ولم ينكر البائع أو أنكر ، فعلى المشتري أجرة المثل عن مدّة الإبقاء.

تذنيب : لا فرق بين ما إذا اشترط القطع في مقطوع ينتفع به أو لا ينتفع به‌ ، عملا بالأصل ، فلو شرط القطع فيما لا منفعة فيه ـ كالجوز والكمّثرى ـ جاز.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز البيع بشرط القطع إلاّ إذا كان المقطوع‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٢.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك‍ » : إلاّ أن يشترطه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠.

(٤) المغني ٤ : ٢٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧.

(٥) كذا في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة. والظاهر : « ليس بجيّد ».

٣٥٤

ممّا ينتفع به ، كالحصرم واللوز (١).

مسألة ١٦١ : لو كانت الأشجار للمشتري فباع الثمرة عليه بأن يبيع الشجرة من إنسان بعد ظهور الثمرة‌ ويبقي الثمرة له ثمّ يبيع الثمرة من مشتري الشجرة ، أو يوصي بالثمرة لإنسان ثمّ يبيع الموصى له الثمرة من الوارث ، لم يشترط اشتراط القطع عندنا ، لما مرّ.

وأمّا المشترطون فقد اختلفوا هنا.

فقال أكثر الشافعيّة : إنّه يشترط شرط القطع في صحّة البيع ، لشمول الخبر ، وللمعنى أيضا ، فإنّ المبيع هو الثمرة ، ولو تلفت لم يبق في مقابلة الثمن شي‌ء لكن يجوز له الإبقاء ، ولا يلزمه الوفاء بالشرط هنا ، إذ لا معنى لتكليفه قطع ثماره من أشجاره (٢).

وقال بعضهم : لا حاجة إلى شرط القطع ، لأنّه يجمعهما ملك مالك واحد ، فأشبه ما لو اشتراهما معا (٣).

ولو باع الشجرة وعليها ثمرة مؤبّرة ، بقيت للبائع ، فلا حاجة إلى شرط القطع ، لأنّ المبيع هو الشجرة وليست متعرّضة للعاهات ، والثمرة مملوكة بحكم الدوام.

ولو كانت الثمرة غير مؤبّرة فاستثناها البائع لنفسه ، صحّ عندنا ، ولم يجب شرط القطع.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ، لأنّ الثمار والحال هذه مندرجة لو لا الاستثناء ، فكان كملك مبتدأ.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠.

٣٥٥

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يجب ، لأنّه في الحقيقة استدامة ملك ، فعلى هذا له الإبقاء إلى وقت الجذاذ. ولو صرّح بشرط الإبقاء ، جاز ، وعلى الأوّل لا يجوز (١).

مسألة ١٦٢ : لو باع الثمار مع الأصول قبل بدوّ الصلاح من غير شرط القطع ، جاز إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : « من باع نخلا بعد أن تؤبّر فثمرتها للبائع إلاّ أن يشترط المبتاع » (٢) دلّ على أنّه لو اشترطها ، كانت للمشتري ، وذلك هو بيع الثمرة مع الأصول. ولأنّ الثمرة هنا تتبع الأصل ، والأصل غير معرّض للعاهة. ويحتمل في التابع (٣) ما لا يحتمل في غيره إذا أفرد بالتصرّف ، كالحمل في البطن ، واللبن في الضرع ، والسقف مع الدار وأساسات الحيطان.

ولو شرط بائع الأصل والثمرة قطع الثمرة قبل بدوّ الصلاح ، لم يجز ، لتضمّنه الحجر عليه في ملكه.

مسألة ١٦٣ : لو باع الثمرة بعد بدوّ صلاحها ، جاز مطلقا وبشرط القطع إجماعا‌ ، للأصل السالم عن معارضة تطرّق الآفة.

ولو باعها حينئذ بشرط التبقية ، جاز عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد (٤) ـ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١١.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٢٦٨ ، ٣٤٣٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٤٦ ، ١٢٤٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٧ ، مسند الحميدي ٢ : ٢٧٧ ، ٦١٣.

(٣) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : البائع. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ ، التلقين ٢ : ٣٧٢ ، المعونة ٢ : ١٠٠٦ ، المغني ٤ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٦٣.

٣٥٦

تزهي (١) ، وقد ثبت أنّه إنّما نهى عنه قبل أن تزهي عن بيع يتضمّن التبقية ، لأنّه يجوز شرط القطع عند أبي حنيفة مطلقا (٢) ، فثبت أنّ الذي أجازه هو الذي نهى عنه (٣).

ولأنّ النقل والتحويل يجوز في البيع بحكم العرف ، فإذا شرط جاز ، كما لو شرط أن ينقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان ، فإنّه يجوز.

ولأنّ النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ، والحكم بعد الغاية يخالف الحكم قبلها.

ثمّ عند الإطلاق يجوز الإبقاء [ إلى ] (٤) أوان الجذاذ ، للعرف. وشرط التبقية تصريح بما هو من مقتضيات العقد.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يجوز بشرط التبقية ، ويجب القطع في الحال في صورة الإطلاق ، إلاّ أنّ محمّدا يقول : إذا تناهى عظم الثمرة ، جاز فيها شرط التبقية ، لأنّ هذا شرط الانتفاع بملك البائع على وجه لا يقتضيه العقد ، كما لو شرط تبقية الطعام في منزله (٥).

والجواب : نسلّم الملازمة ، ونمنع بطلان التالي ، وما لا يقتضيه العقد يجوز اشتراطه إذا لم يناف العقد ولا الشرع. وشرط تبقية الطعام في منزله جائز عندنا.

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٠ ، الموطّأ ٢ : ٦١٨ ، ١١.

(٢) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٢٥ ، المغني ٤ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

(٣) كذا ورد قوله : « وقد ثبت .. نهى عنه » في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة ، فلا حظ.

(٤) أضفناها لأجل السياق.

(٥) المغني ٤ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٣ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦.

٣٥٧

مسألة ١٦٤ : يجوز عندنا بيع الثمار بعد بدوّ صلاحها مع ما يحدث بعدها في تلك السنة أو سنة أخرى‌ ـ وبه قال مالك (١) ـ لما تقدّم (٢) من قول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين : « لا بأس به » وإذا جاز (٣) ذلك قبل بدوّ الصلاح فبعده أولى.

ومنع الشافعي منه (٤) وليس بجيّد.

مسألة ١٦٥ : حدّ بدوّ الصلاح في ثمرة النخل تغيّر اللون من الخضرة‌ ـ التي هي لون البلح ـ إلى الحمرة أو الصفرة ـ وهو قول أكثر الجمهور (٥) ـ لما رواه العامّة من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حتى تزهي » قيل : يا رسول الله وما تزهي؟ قال : « حتى تحمرّ أو تصفرّ » (٦).

وفي حديث آخر : « حتى تحمارّ أو تصفارّ » (٧).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « حتى يزهو » قلت : وما الزهو؟ قال : « حتى يتلوّن » (٨).

وعن الرضا عليه‌السلام : « حتى يزهو » قال الراوي : قلت : وما الزهو جعلت فداك؟ قال : « يحمرّ ويصفرّ وشبه ذلك » (٩).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦.

(٢) في ص : ٣٤٦.

(٣) في « ق ، ك‍ » : أجاز.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٩.

(٥) المغني ٤ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠١ ـ ٣٠٧.

(٦) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٥ : ١٩٤ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٠.

(٧) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، المغني ٤ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١٠.

(٨) الكافي ٥ : ١٧٦ ، ٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ ، ٣٥٩ ، الإستبصار ٣ : ٨٦ ، ٢٩٤.

(٩) الكافي ٥ : ١٧٥ ، ٣ ، الفقيه ٣ : ١٣٣ ، ٥٨٠ ، التهذيب ٧ : ٨٥ ، ٣٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ ، ٢٩٨.

٣٥٨

وحكي عن بعض الفقهاء أنّه قال : بدوّ الصلاح في الثمار بطلوع الثريّا (١) ، لأنّ ابن عمر روى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة ، فقال له عثمان بن عبد الله بن سراقة : متى ذلك؟ قال : إذا طلع الثريّا (٢).

والجواب : هذه التتمّة من قول ابن عمر لا من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا عبرة به ، وإنّما قال ذلك بناء على عادة أهل تلك البلاد أنّ طلوع الثريّا إنّما يكون عند بلوغ الثمرة ، وإلاّ فهو مختلف في البلاد. والغرض ببلوغ الثمرة زوال الغرر الحاصل من تطرّق العاهة ، وذلك يحصل ببلوغها لا بطلوع الثريّا.

الثاني : في ثمرة الأشجار.

مسألة ١٦٦ : لا يجوز بيع ثمرة الشجرة (٣) قبل ظهورها عاما واحدا‌ إجماعا ، لأنّها معدومة ، فكانت كبيع الملاقيح والمضامين ، إذ لا فرق بينهما ، فإنّ كلّ واحد منهما نماء وثمرة مستكنّ في أصله لم يبرز إلى الخارج.

وهل يجوز بيعها قبل ظهورها عامين؟ الأقوى عندي : المنع ، وقد تقدّم البحث فيه في ثمرة النخل ، والخلاف هنا كما هو ثمّ.

وكذا لو باع الثمرة قبل ظهورها منضمّة إلى شي‌ء آخر.

مسألة ١٦٧ : ويجوز بيع ثمرة الشجرة (٤) بعد ظهورها وإن لم يبد صلاحها سنة‌ ، وبعده بشرط القطع ومطلقا وبشرط التبقية ، لما مرّ.

__________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٥١.

(٢) مسند أحمد ٢ : ١٤٦ ، ٥٠٨٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٠.

(٣) في « ق ، ك‍ » : الشجر.

(٤) في « ق ، ك‍ » : الشجر.

٣٥٩

والخلاف هنا كالخلاف هناك.

وكذا يجوز بيعها قبل بدوّ الصلاح سنتين فصاعدا.

ويجوز بيعها منضمّة إلى الأصول قبل بدوّ الصلاح وبعده وبشرط القطع وعدمه.

وكذا يجوز منضمّة إلى غيرها مطلقا قبل انعقادها وبعده ، سواء كان بارزا كالتفّاح والمشمش والعنب ، أو في قشر يحتاج إليه لادّخاره ، كالجوز في القشر الأسفل ، واللوز ، أو في قشر لا يحتاج إليه ، كالقشر الأعلى للجوز والباقلاء (١) الأخضر والهرطمان (٢) والعدس.

وكذا السنبل يجوز بيعه ، سواء كان بارزا كالشعير ، أو مستترا كالحنطة ، وسواء بيع منفردا أو مع أصله ، وسواء كان قائما أو حصيدا من غير اعتبار كيل أو وزن ، إلاّ إذا كان البيع بعد التصفية.

مسألة ١٦٨ : بدوّ الصلاح في ثمرة الأشجار الانعقاد ، وفي الزرع عند اشتداد الحبّ‌ ، لأنّ عمّار بن موسى سأل الصادق عليه‌السلام عن الكرم متى يحلّ بيعه؟ فقال : « إذا عقد وصار عنقودا (٣) ـ والعنقود اسم الحصرم بالنبطيّة ـ » (٤).

وعن محمّد بن شريح عن الصادق عليه‌السلام في ثمر الشجر « لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته » فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : « إذا عقد بعد سقوط ورده » (٥).

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : والباقلي.

(٢) الهرطمان : حبّ متوسّط بين الشعير والحنطة نافع للإسهال والسّعال. القاموس المحيط ٤ : ١٨٩.

(٣) في المصدر : عقودا.

(٤) التهذيب ٧ : ٨٤ ، ٣٥٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٩١ ، ٣٨٨ ، الاستبصار ٣ : ٨٩ ، ٢٠٣.

٣٦٠