تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

هذا إذا قلنا بأنّه يرجع بأكثر القيم ، وإن قلنا : يرجع بالقيمة يوم التلف لا غير ، فإن كانت قيمته حينئذ أقلّ من قيمتها مع الأوّل ، رجع بها خاصّة ، وإن كانت أكثر ، رجع بها على الثاني ، ولا يرجع الثاني على الأوّل بشي‌ء.

هذا كلّه فيما إذا كانت العين من ذوات القيم ، وإن كانت من ذوات الأمثال ، رجع بالمثل على من شاء ، ويكون الحكم ما تقدّم. فإن تعذّر المثل ، رجع بالقيمة حين الإعواز. ولو كان المشتري الثاني قد دفع إلى الأوّل الثمن ، رجع به عليه.

تنبيه : إذا كان البيع فاسدا وتقابضا الثمن والمثمن وأتلف البائع الثمن‌ ، لم يكن للمشتري إمساك العبد عليه ، بل يجب ردّه على البائع ، ويكون المشتري من جملة الغرماء ، لأنّه لم يقبضه وثيقة ، وإنّما قبضه على أنّه يملكه ، فإذا بان بخلاف ذلك (١) ، وجب ردّه ، وبه قال بعض الشافعيّة (٢).

وقال أبو حنيفة : للمشتري إمساك العبد ويكون أحقّ به من بين سائر الغرماء ، فيستوفي منه الثمن (٣).

مسألة ١٣٠ : لو فسد العقد بشرط فاسد ثمّ حذفا الشرط‌ ، لم ينقلب العقد صحيحا ، سواء كان الحذف في المجلس أو بعده ـ وبه قال الشافعي في أحد القولين (٤) ـ لأنّه وقع باطلا ، ولا موجب لتصحيحه ، والأصل بقاء ما كان على ما كان. ولأنّ العقد الفاسد لا عبرة به ، فلا يكون لمجلسه‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : « بخلافه » بدل « بخلاف ذلك ».

(٢) حلية العلماء ٤ : ١٣٦ ، المغني ٤ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٥ ، وفيها نسبة القول إلى الشافعي.

(٣) حلية العلماء ٤ : ١٣٦ ، المغني ٤ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٧ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

٣٠١

حكم ، بخلاف الصحيح.

وقال أبو حنيفة : إن كان الحذف في المجلس ، انقلب صحيحا. وهو القول الآخر للشافعي (١).

مسألة ١٣١ : لو زاد في الثمن أو المثمن أو زاد شرط الخيار أو الأجل أو قدرهما‌ ، فإن كان بعد لزوم العقد ، لم يلحق بالعقد ، لأنّ زيادة الثمن لو التحقت بالعقد ، لوجب على الشفيع كلّ ذلك ، والتالي باطل إجماعا. وكذا الحكم في رأس مال السّلم والمسلم فيه والصداق وغيرها. وكذا لو نقص في مدّة الخيار من الثمن وغيره ، لا يلتحق بالعقد حتى يأخذ الشفيع بما سمّي في العقد لا بما بقي بعد الحطّ ، وبه قال الشافعي (٢).

وقال أبو حنيفة : الزيادة في المثمن والصداق ورأس المال في السّلم تلزم ، وكذا في الثمن إن كان باقيا. وإن كان تالفا ، فله مع أصحابه اختلاف فيه ، ولا يثبت في المسلم فيه على المشهور. وشرط الأجل يلتحق بالعقد في الثمن والأجرة والصداق وسائر الأعواض.

قال : فأمّا الحطّ : فإن حطّ البعض ، يلتحق بالعقد دون حطّ الكلّ (٣).

وإن كانت هذه الإلحاقات قبل لزوم العقد بأن كانت في مجلس العقد أو في زمن الخيار المشروط ، فعندنا لا تلتحق كما لا تلتحق بعد لزوم العقد ، لتمام العقد ، كما بعد اللزوم.

وللشافعي ثلاثة أقوال ، هذا أحدها.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٧ ـ ٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٤ ـ ١٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٥.

٣٠٢

والثاني : أنّها تلحق في خيار المجلس دون خيار الشرط ، لأنّ مجلس العقد كنفس العقد ، ألا ترى أنّه يصلح لتعيين رأس مال السّلم والعوض في عقد الصرف ، بخلاف زمان الخيار المشروط؟

والثالث : أنّها تلحق. أمّا في مجلس العقد : فلما ذكرناه. وأمّا في زمن الخيار المشروط : فلأنّه في معناه من حيث إنّ العقد غير مستقرّ بعد ، والزيادة قد يحتاج إليها لتقرير (١) العقد ، فإنّ زيادة العوض من أحدهما تدعو الآخر إلى إمضاء العقد.

ثمّ اختلف أصحابه.

فقال بعضهم : هذا الجواز مطلق.

وقال بعضهم : بل هو مفرّع على قولنا : إنّ الملك في زمن الخيار للبائع ، فأمّا إذا قلنا : إنّه للمشتري ، أو قلنا : إنّه موقوف وأمضينا (٢) العقد ، لم يلتحق ، كما بعد اللزوم. وإن قلنا : إنّه موقوف واتّفق الفسخ ، فيلحق ، ويرتفع بارتفاع العقد ، لأنّا إذا قلنا : إنّ الملك للمشتري ، فالزيادة في الثمن لا يقابلها شي‌ء من المثمن. وكذا الأجل والخيار لا يقابلهما شي‌ء من العوض ، وحينئذ يمتنع الحكم بلزومهما.

وإذا قالوا : إنّها تلتحق ، فالزيادة تجب على الشفيع كما تجب على المشتري. وفي الحطّ قبل اللزوم مثل هذا الخلاف. فإن الحق بالعقد ، انحطّ عن الشفيع أيضا. وعلى هذا الوجه ما يلتحق بالعقد من الشروط الفاسدة‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : لتقدير. والصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : وإمضاء. والصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

٣٠٣

قبل انقضاء الخيار بمثابة ما لو اقترنت بالعقد في إفساده. وإن حطّ جميع الثمن ، كان كما لو باع بغير ثمن (١).

وقد قلنا ما عندنا في ذلك.

وقد بقي من المناهي ما يذكر في مظانّه ، كالمحاقلة والمزابنة ، ويذكران في بيع الثمار ، لتعلّقهما بها ، وغير ذلك من المناهي المحرّمة والمكروهة يذكر إن شاء الله تعالى في لو أحق البيع.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

٣٠٤

المقصد الثاني :

في أنواع البيع‌

وفيه فصول :

الأوّل : في الحيوان.

وفيه مطلبان :

الأوّل : الأناسي من أنواع الحيوان إنّما يملكون بسبب الكفر الأصلي‌ إذا سبوا ثمّ يسري الرقّ إلى ذرّيّة المملوك وأعقابه وإن أسلموا ما لم يتحرّروا بسبب من أسباب التحرير.

سئل الصادق عليه‌السلام عن قوم مجوس خرجوا على ناس من المسلمين في أرض الإسلام هل يحلّ قتالهم؟ قال : « نعم وسبيهم » (١).

وسئل الكاظم عليه‌السلام عن القوم يغيرون على الصقالبة (٢) والنّوبة (٣) فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ثمّ يبعثون إلى بغداد إلى التجّار ، فما ترى في شرائهم ونحن نعلم أنّهم مسروقون ، إنّما أغاروا (٤) عليهم من غير حرب كانت بينهم؟ فقال : « لا بأس بشرائهم ، إنّما أخرجوهم (٥) من الشرك إلى دار الإسلام » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٦١ ، ٢٩٤.

(٢) الصقالبة : جيل تتاخم بلادهم بلاد الخزر بين بلغر وقسطنطنية. القاموس المحيط ١ : ٩٣ « صقلب ».

(٣) النّوبة : جيل من السودان. لسان العرب ١ : ٧٧٦ « نوب ».

(٤ و ٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : أغار .. أخرجهم. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٦ : ١٦٢ ، ٢٩٧.

٣٠٥

ولو التقط الطفل من دار الحرب ولا مسلم فيها ، ملك ، ولا يملك لو التقط من دار الإسلام ولا من دار الحرب إذا كان فيها مسلم ، لجواز أن يكون منه ، لقول الصادق عليه‌السلام : « المنبوذ حرّ » (١).

وسئل الباقر عليه‌السلام عن اللقيطة ، فقال : « حرّة لا تباع ولا توهب » (٢).

فإذا انتفى هذا التجويز ، ملك.

ولو أقرّ اللقيط من دار الإسلام ـ بعد بلوغه ـ بالرقّيّة ، قبل ، لقوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٣).

وقيل : لا يقبل ، للحكم بحرّيّته أوّلا شرعا ، فلا يتعقّبه الرقّ (٤).

أمّا لو كان معروف النسب ، فإنّه لا يقبل إقراره بالرقّيّة قطعا.

وبالجملة ، كلّ من أقرّ على نفسه بالعبوديّة وكان بالغا رشيدا مجهول النسب ، حكم عليه بها ، سواء كان المقرّ له مسلما أو كافرا ، وسواء كان المقرّ مسلما أو كافرا.

ولو رجع بعد إقراره عنه ، لم يلتفت إلى رجوعه ، لاشتماله على تكذيب إقراره ، ودفع ما يثبت عليه عنه بغير موجب.

ولو أقام بيّنة ، لم تسمع ، لأنّه بإقراره أوّلا قد كذّبها.

أمّا لو اشترى عبدا فادّعى الحرّيّة ، قبلت دعواه مع البيّنة ، وإلاّ فلا.

سئل الصادق عليه‌السلام عن شراء مماليك (٥) أهل الذمّة إذا أقرّوا لهم بذلك ، فقال : « إذا أقرّوا لهم بذلك فاشتر وانكح » (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٤ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٧٨ ، ٣٣٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٧٨ ، ٣٣٤.

(٣) لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا.

(٤) ممّن قال به ابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٥٤.

(٥) في الكافي : مملوكي. وفي التهذيب : مملوك.

(٦) الكافي ٥ : ٢١٠ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ٧٠ ، ٢٩٩.

٣٠٦

مسألة ١٣٢ : العبد الذي يوجد في الأسواق يباع ويشترى يجوز شراؤه. وإن ادّعى الحرّيّة ، لم يقبل منه ذلك إلاّ بالبيّنة. وكذا الجارية ، لأنّ ظاهر التصرّف يقتضي بالرقّيّة.

ولما رواه حمزة بن حمران ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادق عليه‌السلام ، قال : أدخل السوق وأريد أشتري جارية ، فتقول : إنّي حرّة ، فقال : « اشترها إلاّ أن تكون لها بيّنة » (١).

وفي الصحيح عن العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مملوك ادّعى أنّه حرّ ولم يأت ببيّنة على ذلك ، أشتريه؟ قال : « نعم » (٢).

أمّا لو وجد في يده (٣) وادّعى رقّيّته ولم يشاهد شراؤه له ولا بيعه إيّاه ، فإن كان كبيرا ، فإن صدّقه ، حكم عليه بمقتضى إقراره. وإن كذّبه ، لم تقبل دعواه الرقّيّة إلاّ بالبيّنة ، عملا بأصالة الحرّيّة. وإن سكت من غير تصديق ولا تكذيب ، فالوجه : أنّ حكمه حكم التكذيب ، إذ قد يكون السكوت لأمر غير الرضا.

وإن كان صغيرا ، فإشكال أقربه أصالة الحرّيّة فيه.

مسألة ١٣٣ : يملك الرجل كلّ بعيد وقريب ، سوى أحد عشر : الأب والامّ ، والجدّ والجدّة لهما أو لأحدهما وإن علوا ، والولد ذكرا كان أو أنثى ، وولد الولد كذلك وإن نزل ، والأخت ، والعمّة والخالة وإن علتا ، كعمّة الأب وخالته وعمّة الجدّ وخالته وهكذا في التصاعد ، سواء كانتا لأب أو لأمّ أو لهما ، وبنت الأخ وبنت الأخت وإن نزلتا ، سواء كانت الاخوّة من الأبوين أو‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١١ ، ١٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ ، ٦١٣ ، التهذيب ٧ : ٧٤ ، ٣١٨.

(٢) الفقيه ٣ : ١٤٠ ، ٦١٤ ، التهذيب ٧ : ٧٤ ، ٣١٧.

(٣) أي : في يد المتصرّف.

٣٠٧

من أحدهما ، فمن ملك أحد هؤلاء عتق عليه.

أمّا المرأة فتملك كلّ أحد ، سوى الأب والامّ والجدّ والجدّة وإن علوا ، والأولاد وإن نزلوا.

مسألة ١٣٤ : الرضاع يساوي النسب في تحريم النكاح إجماعا. وهل يساويه في تحريم التملّك؟ لعلمائنا قولان أحدهما : نعم ـ وهو الأقوى ـ لما رواه ابن سنان ـ في الصحيح ـ قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام ـ وأنا حاضر ـ عن امرأة أرضعت غلاما مملوكا لها من لبنها حتى فطمته هل يحلّ لها بيعه؟ قال : فقال : « لا ، هو ابنها من الرضاعة حرم عليها بيعه وأكل ثمنه » قال : ثمّ قال : « أليس قد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟ » (١).

وعن السكوني عن الصادق عن الباقر عليهما‌السلام « أنّ عليّا عليه‌السلام أتاه رجل ، فقال : إنّ أمتي أرضعت ولدي وقد أردت بيعها ، فقال : خذ بيدها وقل : من يشتري منّي أمّ ولدي؟ » (٢).

فيحرم على الرجل أن يملك من الرضاع ما يحرم أن يملكه من النسب ، كالأب وإن علا ، والامّ والبنت وإن نزلت وغيرهم ممّا تقدّم.

وكذا المرأة يحرم عليها أن تملك من الرضاع ما يحرم عليها من النسب.

مسألة ١٣٥ : يكره للإنسان أن يملك القريب غير من ذكرناه‌ ، كالأخ والعمّ والخال وأولادهم. وتتأكّد في الوارث.

ويصحّ أنّ يملك كلّ من الزوجين صاحبه ، لعدم المقتضي للمنع ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٢٦ ، ١٣٤٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٠٩ ، ١٤٨٨ ، التهذيب ٧ : ٣٢٥ ، ١٣٤٠.

٣٠٨

لكن الزوجيّة تبطل. ولو ملك كلّ منهما بعض صاحبه ، بطل النكاح أيضا.

وما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام فهو للإمام خاصّة ، للرواية (١) ، لكن رخّصوا عليهم‌السلام لشيعتهم خاصّة في حال غيبة الإمام عليه‌السلام التملّك والوطء وإن كانت للإمام أو بعضها ، ولا يجب إخراج حصّة غير الإمام منها ، لتطيب مواليد الشيعة.

ولا فرق بين أن يسبيهم المسلم أو الكافر ، لأنّ الكافر من أهل التملك ، والمحلّ قابل للملكيّة.

وكلّ حربيّ قهر حربيّا فباعه صحّ بيعه وإن كان أخاه أو زوجته أو ابنه أو أباه ، وبالجملة كلّ من ينعتق عليه وغيرهم ، لأنّ الصادق عليه‌السلام سئل عن رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته فيتّخذها ، قال : « لا بأس » (٢).

ولأنّ الصادق عليه‌السلام سئل عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتّخذها ، قال : « لا بأس » (٣).

أمّا غير من ينعتق عليه : فلأنّ القاهر مالك للمقهور بقهره إيّاه.

وأمّا من ينعتق عليه : ففيه إشكال ينشأ من دوام القهر المبطل للعتق لو فرض. ودوام القرابة الرافعة للملك بالقهر.

والتحقيق : صرف الشراء إلى الاستنقاذ وثبوت الملك للمشتري بالتسلّط ، ففي لحوق أحكام البيع حينئذ نظر.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٥ ، ٣٧٨.

(٢) التهذيب ٧ : ٧٧ ، ٣٣٠ ، الاستبصار ٣ : ٨٣ ، ٢٨١.

(٣) التهذيب ٧ : ٧٧ ، ٣٢٩ ، الاستبصار ٣ : ٨٣ ، ٢٨٠.

٣٠٩

المطلب الثاني : في الأحكام.

مسألة ١٣٦ : كما يصحّ ابتياع جملة الحيوان كذا يصحّ ابتياع أبعاضه بشرطين : الإشاعة ، وعلم النسبة ، كالنصف والثلث ، إجماعا ، لوجود المقتضي خاليا عن المعارض.

ولا يصحّ بيع الجزء المعيّن ، فلو باعه يده أو رجله أو نصفه الذي فيه رأسه أو الآخر ، بطل ، لعدم القدرة على التسليم.

وكذا لا يصحّ أن يبيع جزءا مشاعا غير معلوم القدر ، مثل أن يبيعه جزءا منه أو نصيبا أو شيئا أو حظّا أو قسطا أو سهما ، بطل ، للجهالة.

ويصحّ لو باعه نصفه أو ثلثه أو غير ذلك من الأجزاء المشاعة المعلومة.

ويحمل مطلقه على الصحيح ، كما لو باعه النصف ، فإنّه يحمل على الجزء المشاع ، لأصالة صحّة العقد.

أمّا المذبوح : فالأقوى عندي جوازه فيه ، لزوال المانع هناك ، فإنّ القدرة على التسليم ثابتة هنا ، فيبقى المقتضي للصحّة خاليا عن المانع.

مسألة ١٣٧ : لو استثنى البائع الرأس والجلد في الحيّ ، فالأقرب : بطلان البيع‌ في السفر والحضر ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (١).

وقال أحمد : يجوز ذلك. وتوقّف في استثناء الشحم (٢).

وقال مالك : يجوز ذلك في السفر ، ولا يجوز في الحضر ، لأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط. فجوّز له أن يشتري اللحم‌

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٢٢٣ ، المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٧٥.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٢٣ ، المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

٣١٠

دونها (١).

وهو خطأ ، لجواز انتفاعه ببيعها وغيره من الطبخ وشبهه.

وقال بعض (٢) علمائنا : يكون للبائع بنسبة ثمن الرأس والجلد إلى الباقي.

وكذا لو اشترك اثنان في شراء شاة وشرط أحدهما الرأس والجلد ، لم يصحّ ، وكان له بقدر ما له ، لرواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام قال : « اختصم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجلان اشترى أحدهما من الآخر بعيرا واستثنى البيّع الرأس والجلد ثمّ بدا للمشتري أن يبيعه ، فقال للمشتري : هو شريكك في البعير على قدر الرأس والجلد » (٣).

وعن هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق عليه‌السلام في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم فجاء واشترك فيه رجل آخر بدرهمين بالرأس والجلد فقضي أنّ البعير بري‌ء فبلغ ثمانية دنانير ، فقال : « لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ ، فإن قال : أريد الرأس والجلد فليس له ذلك ، هذا الضرار ، و، قد أعطي حقّه إذا اعطي الخمس » (٤).

فروع :

أ ـ قد نقلنا الخلاف في الصحّة والبطلان. والأقرب عندي : التفصيل ، وهو صحّة أن يستثني البائع الرأس والجلد في المذبوح ، والبطلان في الحيّ.

__________________

(١) المدوّنة الكبرى ٤ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٣ ، المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

(٢) الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٩٢ ، المسألة ١٤٩.

(٣) الكافي ٥ : ٣٠٤ ، ١ ، التهذيب ٧ : ٨١ ، ٣٥٠.

(٤) الكافي ٥ : ٢٩٣ ، ٤ ، التهذيب ٧ : ٧٩ ، ٣٤١ بتفاوت.

٣١١

ب ـ لا فرق بين الرأس والجلد وغيرهما من الأعضاء. ولو استثنى الشحم ، بطل البيع في الحيّ والمذبوح. وكذا لو استثنى عشرة أرطال من اللحم فيهما معا.

ج ـ لو اشترك اثنان في شراء حيوان أو غيره وشرط أحدهما لنفسه الشركة في الربح دون الخسران ، فالأقرب : بطلان الشرط. ولو شرطا أن يكون لأحدهما رأس المال ، والربح والخسران للآخر ، احتمل الجواز.

د ـ لو قال إنسان لغيره : اشتر حيوانا أو غيره بشركتي أو بيننا ، فاشتراه كذلك ، صحّ البيع لهما ، وعلى كلّ منهما نصف الثمن ، لأنّه عقد يصحّ التوكيل فيه ، فيلزم الموكّل حكم ما فعله الوكيل ، فإن أدّى أحدهما الجميع بإذن الآخر في الإنقاد عنه ، لزمه قضاؤه ، لأنّه أمره بالأداء عنه. ولو لم يأذن له في الأداء عنه بل تبرّع بذلك ، لم يجب عليه القضاء ، وكان شريكا في العين. ولو تلفت العين ، كانت بينهما ، ثمّ رجع الآخر على الآمر بما نقده عنه بإذنه.

مسألة ١٣٨ : لو اشترى اثنان جارية ، حرم على كلّ واحد منهما وطؤها. فإن وطئها أحدهما لشبهة ، فلا حدّ ، لقوله عليه‌السلام : « ادرءوا الحدود بالشبهات » (١).

ولو كان عالما بالتحريم ، سقط من الحدّ بقدر نصيبه ، وحدّ بقدر نصيب شريكه.

__________________

(١) تاريخ بغداد ٩ : ٣٠٣ ، إحكام الفصول في أحكام الأصول : ٦٨٦ ، كنز العمّال ٥ : ٣٠٥ ، ١٢٩٥٧ نقلا عن أبي مسلم الكجي عن عمر بن عبد العزيز مرسلا.

٣١٢

فإن حملت ، قوّم عليه حصّة الشريك وانعقد الولد حرّا وإن كان عالما بالتحريم ، لتمكّن الشبهة فيه بسبب الملكيّة التي له فيها ، وعلى أبيه قيمة حصّة الشريك منه يوم الولادة ، لأنّه وقت الحيلولة وأوّل أوقات التقويم.

إذا تقرّر هذا ، فإنّه لا تقوّم هذه الأمة على الواطئ الشريك بدون الحمل ، خلافا لبعض (١) علمائنا ، لعدم المقتضي له.

ويحتمل التقويم بمجرّد الوطء ، لإمكان العلوق منه ، وتحفّظا من اختلاط الأنساب.

وفي رواية ابن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجال اشتركوا في أمة ، فائتمنوا بعضهم على أن تكون الأمة عنده ، فوطئها ، قال : « يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما له فيها من النقد ، ويضرب بقدر ما ليس له فيها ، وتقوّم الأمة عليه بقيمة ويلزمها ، فإن كانت القيمة أقلّ من الثمن الذي اشتريت به الجارية ألزم ثمنها الأوّل ، وإن كان قيمتها في ذلك اليوم الذي قوّمت فيه (٢) أكثر من ثمنها الزم ذلك الثمن وهو صاغر ، لأنّه استفرشها » قلت : فإن أراد بعض الشركاء شراءها دون الرجل ، قال : « ذلك له ، وليس له أن يشتريها حتى تستبرأ ، وليس على غيره أن يشتريها إلاّ بالقيمة » (٣).

وهذه الرواية غير دالّة على المطلوب من وجوب التقويم بنفس الوطء ، لأنّه سوّغ لغيره من الشركاء شراءها ، فلو وجب التقويم ، لم يجز ذلك.

إذا ثبت هذا ، فنقول : لو أراد الواطئ شراءها بمجرّد الوطء ، لم تجب‌

__________________

(١) الشيخ الطوسي في النهاية : ٤١١ ـ ٤١٢.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « بها » بدل « فيه ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٧ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٧٢ ، ٣٠٩.

٣١٣

إجابته لكن تستحبّ ، ومع الحمل يجب التقويم ، فإذا قوّمت عليه بمجرّد الوطء ، فلا يخلو إمّا أن تكون قيمة الجارية حينئذ أقلّ من الثمن الذي اشتريت به أو أكثر أو مساويا. ولا إشكال في المساوي والأكثر بل في الأقلّ ، فنقول : لا يجب عليه زيادة عن القيمة ، وتحمل الرواية على ما إذا نقصت القيمة بالوطي ، وأنّه يجب عليه تمام الثمن إذا كانت الجارية تساويه لولاه. ويؤيّده تعليله عليه‌السلام بقوله : « لأنّه استفرشها » ولو أراد أحد الشركاء شراءها وأجيب إليه ، لم يجب عليه أكثر من القيمة ، لعدم وقوع نقصان منه للعين وأوصافها.

مسألة ١٣٩ : لو اشترى حيوانا ، ثبت له الخيار مدّة ثلاثة أيّام على ما يأتي. فلو باعه حيوانا ثمّ تجدّد فيه بعد الشراء عيب قبل القبض ، كان المشتري بالخيار بين الفسخ والإمضاء ، وكذا غير الحيوان ، فإن اختار الفسخ ، فلا بحث. وإن اختار الإمضاء ، أمسك بجميع الثمن على رأي ، ومع الأرش على الأقوى ، لأنّ الجميع مضمون على البائع وكذا أبعاضه.

ولو تلف الحيوان بعد القبض في يد المشتري ، فضمانه على البائع أيضا إذا لم يحدث فيه المشتري حدثا ولا تصرّف فيه إذا كان التلف في الثلاثة ، لأنّ الخيار فيها للمشتري ، فالضمان على البائع.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة ، فهو من مال البائع » (١).

أمّا لو أحدث فيه وتصرّف ثمّ تلف ، لم يكن له الرجوع على البائع بشي‌ء. وكذا لو تلف بعد الثلاثة وإن لم يتصرّف ، لسقوط الخيار حينئذ.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٢٧ ، ٥٥٥ ، التهذيب ٧ : ٦٧ ، ٢٨٨.

٣١٤

وكذا لو تلف غير الحيوان بعد القبض ولا خيار هناك ، فمن ضمان المشتري.

ولو تجدّد في الحيوان عيب في الثلاثة من غير جهة المشتري ، تخيّر ـ كالأوّل ـ في الردّ والإمساك مجّانا أو مع الأرش على الأقوى ، لما تقدّم من أنّ جميعه مضمون على البائع فكذا أبعاضه.

ولو كان العيب سابقا ، كان له الردّ مع عدم التصرّف مطلقا ، سواء كان حيوانا أو غيره ، ذا خيار أو غيره ، وله الأرش مخيّرا فيهما. ولو تصرّف ، لم يكن له الردّ مطلقا إلاّ مع وطئ الأمة الحامل وحلب الشاة المصرّاة خاصّة ، لكن يثبت له الأرش. وإذا ردّ ، لم يلزمه ـ سوى العين ـ شي‌ء ، لأنّ العيب مضمون على البائع ، ولا يمنع العيب المتجدّد من الردّ بالعيب السابق.

أمّا لو تجدّد بعد الثلاثة أو كان المشتري قد تصرّف في العين ، لم يكن له الردّ لا مع الأرش ولا بدونه.

ووافقنا مالك على أنّ عهدة الرقيق ثلاثة أيّام إلاّ في الجنون والجذام والبرص ، فأيّها إذا ظهر في السنة يثبت (١) الخيار (٢) ، كما قلناه نحن.

ومنع الشافعي (٣) من ذلك.

مسألة ١٤٠ : لو باع أمة أو دابّة وكانت حبلى ، فإن شرط دخول الحمل في البيع‌ بأن قال : بعتك هذه الأمة وحملها ، لم يصح ، لأنّه مجهول على ما‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : ثبت.

(٢) الاستذكار ١٩ : ٣٧ ، المعونة ٢ : ١٠٦٤ ، التلقين ١ ـ ٢ : ٣٩٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٩٨ ، ١١٧٦ ، معالم السنن ـ للخطّابي ـ ٥ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢٤٢.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٢٤١ ، الاستذكار ١٩ : ٤٠ ـ ٤١ ، ٢٨٠٥١ ، معالم السنن ـ للخطّابي ـ ٥ : ١٥٧ ، المعونة ٢ : ١٠٦٤.

٣١٥

تقدّم (١).

وإن شرطه فقال : بعتك هذه الأمة بكذا والحمل لك ، دخل الحمل في البيع ، وكان مستحقّا للمشتري ، كما لو اشترط دخول الثمرة.

وإن استثناه البائع ، لم يدخل في البيع ، وكان باقيا على ملكه. وإن أطلق ، فكذلك يكون للبائع ، لأنّه ليس جزءا من الامّ ، فلا يدخل في مسمّاها.

وقال الشافعي : لو أطلق ، دخل الحمل في البيع تبعا ، لأنّه كالجزء منه (٢). وهل يقابله قسط من الثمن؟ له خلاف [ و ] (٣) أقوال تأتي. ولو استثنى البائع الحمل ، ففي صحّة البيع عنده وجهان (٤).

إذا تقرّر هذا ، فلو علم وجود الحمل عند البائع ، كان الولد له ما لم يشترطه المشتري. ولو أشكل ولم يعلم أنّه هل تجدّد عند المشتري أو كان عند البائع ، حكم به للمشتري ، لأصالة العدم السابق.

فلو وضعت الجارية الولد لأقلّ من ستّة أشهر ، فهو للبائع ، ولو كان لأزيد من مدّة الحمل ، فهو للمشتري. ولو كان بينهما ، فكذلك.

فإن اختلفا في وقت إيقاع البيع فادّعى المشتري تقدّمه على ستّة أشهر والبائع تأخّره عن ستّة أشهر ، قدّم قول البائع مع عدم البيّنة واليمين.

ولو سقط الولد قبل قبضه أو في الثلاثة من غير فعل المشتري وكان‌

__________________

(١) في ص ٢٧٥ ، المسألة ١٢٥.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٤ ، الاستذكار ١٩ : ١٤ ، ٢٧٩١١.

(٣) أضفناها لأجل السياق.

(٤) الوسيط ٣ : ٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

٣١٦

الولد مشترطا في البيع ، قوّمت حاملا وحائلا ، وأخذ من الثمن بنسبة التفاوت.

ولو اشترى الدابّة أو الأمة على أنّها حامل فلم تكن كذلك ، فله الردّ مع عدم التصرّف ، والأرش مع التصرّف.

مسألة ١٤١ : العبد والأمة لا يملكان شيئا عند أكثر (١) علمائنا‌ ـ سواء ملّكهما مولاهما شيئا أو لا ـ لا أرش جناية ولا فاضل ضريبة ولا غيرهما.

ووافقنا الشافعي في ذلك إذا لم يملّكه مولاه ، فإن ملّكه مولاه ، فقولان :

أحدهما ـ القديم ـ : أنّه يملك ، وبه قال مالك إلاّ أنّه قال : يملك وإن لم يملّكه مواليه و [ إليه ] (٢) ذهب داود وأهل الظاهر وأحمد في إحدى الروايتين.

والثاني للشافعي ـ الجديد ـ : أنّه لا يملك ـ كما قلناه نحن ـ وبه قال أبو حنيفة والثوري وأحمد في الرواية الأخرى ، وإسحاق (٣) ، وهو مذهب الشيخ أبي جعفر من علمائنا. وقال أيضا : إنّه يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية (٤).

__________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٢١ ، المسألة ٢٠٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٥٣ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ٥٨.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٠٤ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٦٥ و ٢٦٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ ، المحلّى ٨ : ٣٢٠ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٣ : ١١٦٥ ، الجامع لأحكام القرآن ١٠ : ١٤٧ ، المعونة ٢ : ١٠٦٩ ، المغني ٤ : ٢٧٧.

(٤) النهاية : ٥٤٣.

٣١٧

لنا : قوله تعالى ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (١) وقوله تعالى ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ ) (٢) نفى عن المماليك ملكيّة شي‌ء البتّة.

ولأنّه مملوك فلا يكون مالكا ، لتوقّف ملكيّته لغيره على ملكيّته لنفسه. ولأنّه مال فلا يصلح أن يملك شيئا ، كالدابّة.

احتجّوا بما رواه العامّة عنه عليه‌السلام « من باع عبدا وله مال فماله للعبد إلاّ أن يستثنيه السيّد » (٣).

ومن طريق الخاصّة بما رواه زرارة قال : سألت الصادق عليه‌السلام : الرجل يشتري المملوك وماله ، قال : « لا بأس به » قلت : فيكون مال المملوك أكثر ممّا اشتراه به ، قال : « لا بأس » (٤).

ولأنّه آدميّ حيّ فأشبه الحرّ.

والجواب عن الأوّل : أنّه غير ثابت عندهم ، ومعارض بما رواه العامّة ، وهو قوله عليه‌السلام : « من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلاّ أن يشترطه المبتاع » (٥) ولو ملكه العبد ، لم يكن للبائع ، فلمّا جعله للبائع دلّ على انتفاء ملكيّة العبد.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه محمّد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن‌

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) الروم : ٢٨.

(٣) سنن الدارقطني ٤ : ١٣٣ ـ ١٣٤ ، ٣١ ، وفيه : « من أعتق عبدا .. » ‌

(٤) الكافي ٥ : ٢١٣ ، ٣ ، الفقيه ٣ : ١٣٩ ، ٦٠٦ ، التهذيب ٧ : ٧١ ، ٣٠٥.

(٥) سنن أبي داود ٣ : ٢٦٨ ، ٣٤٣٣ و ٣٤٣٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٢٤ ، مسند أحمد ٢ : ٧٣ ، ٤٥٣٨ ، و ٤ : ٢٣١ ، ١٣٨٠٢.

٣١٨

أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا ، فقال : « المال للبائع ، إنّما باع نفسه ، إلاّ أن يكون شرط عليه أنّ ما كان له من مال أو متاع فهو له » (١) والتقريب ما تقدّم.

لا يقال : لو لم يملك العبد شيئا ، لم تصحّ الإضافة إليه. ولأنّه يملك النكاح.

لأنّا نقول : الإضافة إلى الشي‌ء قد تصحّ بأدنى ملابسة ، كقولك لأحد حاملي الخشبة : خذ طرفك. وقال الشاعر :

إذا كوكب الخرقاء ...

......... (٢)

أضاف الكوكب إليها ، لشدّة سيرها فيه.

وملك النكاح ، للحاجة إليه والضرورة ، لأنّه لا يستباح في غير ملك.

ولأنّه لمّا ملكه لم يملك السيّد إزالة يده عنه ، بخلاف المال ، فافترقا.

فروع :

أ ـ قال الشيخ ; : إذا باع العبد وله مال ، فإن كان البائع يعلم أنّ له مالا ، دخل المال في البيع. وإن لم يعلم ، لم يدخل وكان للبائع (٣) ، لما رواه زرارة ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يشتري المملوك وله مال لمن ماله؟ فقال : « إن كان علم البائع أنّ له مالا ، فهو‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٣ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٧١ ، ٣٠٦.

(٢) المحتسب ٢ : ٢٢٨ ، المخصّص ٦ : ٤ ، شرح المفصّل ، المجلّد ١ ، الجزء ٣ ، الصفحة ٨ ، المقرّب : ٢٣٥ ، لسان العرب ١ : ٦٣٩ « غرب ». وتمام البيت هكذا :

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

سهيل أذاعت غزلها في الغرائب

(٣) النهاية : ٥٤٣.

٣١٩

للمشتري ، وإن لم يكن علم ، فهو للبائع » (١).

والجواب : أنّه محمول على ما إذا شرطه المشتري ، عملا بالأصل ، وبما تقدّم (٢) في رواية محمّد بن مسلم.

والحقّ أنّ المال للبائع ، سواء علم به أو لا ما لم يشترطه المشتري.

ب ـ لو اشتراه وماله جميعا ، صحّ البيع بشرطين : العلم بمقداره ، وأن لا يتضمّن الربا. فلو كانت معه مائة درهم واشتراه مع ماله بمائة درهم ، لم يصحّ البيع ، لأنّه ربا. ولو اشتراه بمائة ودرهم ، صحّ البيع ، وكان المائة مقابلة المائة ، والدرهم في مقابلة العبد. وكذا لو اشتراه بغير الجنس أو لم يكن الثمن ربويّا أو لم يكن المال الذي معه ربويّا.

ولو اشتراه وماله مع جهله بالمال ، لم يصحّ ، لأنّه جزء من المبيع مقصود فوجب العلم به.

ج ـ لو اشتراه وشرط ماله ، فكذلك. فإن كانا ربويّين ، شرطت زيادة الثمن ، وإلاّ فلا ، إلاّ في شي‌ء واحد ، وهو العلم بقدر المال ، فإنّه ليس شرطا هنا ، لأنّه تابع للمبيع ليس مقصودا بالذات ، فكان كماء الآبار وخشب السقوف.

وقال (٣) بعض الشافعيّة : إنّما تجوز الجهالة فيما كان تبعا (٤) إذا لم يمكن إفراده بالبيع ، وإنّما تجوز الجهالة في مال العبد ، لأنّه ليس بمبيع ، وإنّما يبقى على ملك العبد ، والشرط يفيد عدم زوال ملكه إلى‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٣ ، ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٨ ، ٦٠٥ ، التهذيب ٧ : ٧١ ، ٣٠٧.

(٢) في ص ٣١٩.

(٣) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : وبه قال. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : بيعا. والصحيح ما أثبتناه.

٣٢٠