تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

إخراجه (١). وسبب الردّ في البعض يكفي في ردّ الكلّ ، كما لو وجد البعض معيبا.

د ـ لو كان شيئين (١) فرأى أحدهما دون الآخر ، فإن وصف له وصفا يرفع الجهالة ، صحّ البيع ، وإلاّ بطل ، عند علمائنا ، للجهالة.

أمّا الشافعي فإنّه جوّز بيع الغائب من غير وصف في قول ، وأبطله في آخر ، فعلى البطلان لا يصحّ البيع فيما لم يره ، وفيما يراه قولا تفريق الصفقة.

وعلى الصحّة ففي صحّة العقد فيهما قولان ، أحدهما : البطلان ، لأنّه جمع في صفقة واحدة بين مختلفي الحكم ، لأنّ ما رآه لا خيار فيه ، وما لم يره يثبت فيه الخيار ، فإن صحّحناه ، فله ردّ ما لم يره وإمساك ما رآه (٣).

وعلى مذهبنا إذا خرج ما لم يره على غير الوصف ، كان بالخيار في الفسخ والإمضاء.

هـ ـ لو خرج الموصوف على خلاف الوصف ، فللمشتري الخيار في طرف الرداءة ، وللبائع في طرف الزيادة على ما تقدّم.

ومن جوّز بيع الغائب من غير وصف ـ كالشافعي ـ أثبت له الخيار هنا عند الرؤية ، سواء شرطه أولا ، لأنّه شرط شيئا ولم يحصل ، فثبت الخيار (٤).

وقال بعض الشافعيّة : لو خرج على غير الوصف ، لم يثبت الخيار إلاّ أن يشترطه (٥).

وهل له الخيار قبل الرؤية؟ مقتضى مذهبنا أنّه ليس له ذلك ، إذ ثبوت‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١.

(٢) أي : لو كان المبيع شيئين.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٦.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

٢٤١

الخيار منوط بخروجه على خلاف (١) الوصف.

أمّا الشافعي فظاهر مذهبه ـ على قوله بمنع بيع الغائب ـ أنّ الإجازة لا تنفذ ، لأنّ الإجازة رضا بالعقد والتزام له ، وذلك يستدعي العلم بالمعقود عليه وهو جاهل بحاله. ولو كفى قوله : أجزت ، مع الجهل ، لأغنى قوله في الابتداء : اشتريت (٢).

وله وجه آخر بالنفوذ تخريجا من تصحيح الشرط إذا اشترى بشرط أنّه لا خيار (٣).

وأمّا الفسخ فوجهان عنده بناء على نفوذ الإجازة ، فإن قال بنفوذها ، فالفسخ أولى ، وإن منع من نفوذها ، ففي الفسخ وجهان : عدم النفوذ ، لأنّ الخيار في الخبر (٤) منوط بالرؤية. وأصحّهما عنده : النفوذ ، لأنّ حقّ الفسخ ثابت له عند الرؤية مغبوطا كان أو مغبونا ، فلا معنى لاشتراط الرؤية في نفوذه (٥).

و ـ لو كان البائع قد رآه ، فإن زادت صفته وقت العقد ، تخيّر في الفسخ والإمضاء. ولو لم تزد ، فلا خيار.

والشافعي أطلق وذكر وجهين : ثبوت الخيار كما للمشتري ، لأنّه كخيار المجلس يشتركان فيه. وأصحّهما : لا ، لأنّه أحد المتبايعين ، فلا يثبت له الخيار مع تقدّم الرؤية كالمشتري (٦).

ولو كان البائع لم يره ، فإن كان قد وصف له وصفا يرفع الجهالة‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « غير » بدل « خلاف ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : في الجزء. وذلك تصحيف.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ـ ٦٣.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

٢٤٢

ولم يزد ، فلا خيار ، وإن زاد فله الخيار. ولو لم يوصف له ، بطل البيع.

وقال الشافعي على تقدير جواز بيع الغائب : في ثبوت الخيار للبائع وجهان : المنع ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّ جانب البائع بعيد عن الخيار ، بخلاف جانب المشتري. والثبوت ، لأنّه جاهل بالمعقود عليه فأشبه المشتري (١).

ز ـ الأقرب ثبوت خيار المجلس مع خيار الرؤية ، لتعدّد السبب ، فيتعدّد المسبّب ، وكما في شراء الأعيان الحاضرة.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : لا يثبت ، للاستغناء بخيار الرؤية عنه ، فعلى الأوّل يكون خيار الرؤية على الفور ، وإلاّ لثبت خيار مجلسين ، وعلى الثاني يمتدّ بامتداد مجلس الرؤية (٢).

ح ـ لو اشترى موصوفا ثمّ تلف في يده قبل الرؤية ، لم يبطل البيع‌ إلاّ أن يثبت المشتري الخلاف ويختار الفسخ. وللشافعي قولان (٣).

ولو باعه قبل الرؤية بوصف البائع ، صحّ عندنا ـ خلافا للشافعي (٤) ـ كما لو باعه في زمن خيار الشرط ، فإنّه يجوز على أصحّ القولين عنده ، لأنّه يصير مجيزا للعقد (٥).

ط ـ لا يشترط الرؤية مع الوصف الرافع للجهالة‌ ـ وهو أحد قولي‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٣٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ـ ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ـ ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

٢٤٣

الشافعي (١) ـ لانتفاء الغرر ، فلا يشترط ذوق الطعم في المطعوم ، ولا الشمّ في المشموم ، ولا اللمس في الملموس.

وعلى قول الشافعي باشتراط الرؤية يشترط في هذه الإدراك بهذه المشاعر ، لأنّ كيفيّاتها المقصودة إنّما تعرف بهذه الطرق (٢).

وله قول آخر على اشتراط الرؤية أيضا : عدم الاشتراط (٣).

ى ـ لو كان غائبا في غير بلد التبايع ، سلّمه في ذلك البلد. ولو شرط تسليمه في بلد التبايع ، جاز عندنا ، كالسّلم.

ومنع بعض الشافعيّة وإن جوّزه في السّلم ، لأنّ السّلم مضمون في الذمّة ، والعين الغائبة غير مضمونة في الذمّة ، فاشتراط نقلها يكون بيعا وشرطا (٤).

ونمنع بطلان اللازم على ما يأتي.

يأ ـ لو رأى ثوبين ثمّ سرق أحدهما وجهل بعينه ثمّ اشترى الباقي ، فإن تساويا صفة وقدرا وقيمة ، احتمل صحّة البيع ، لكونه معيّنا مرئيّا معلوما. والعدم ، كبيع أحدهما. والأوّل أقرب.

ولو اختلفا في شي‌ء من ذلك ، لم يصحّ عندنا قطعا ، لأنّ الرؤية لم تفد شيئا ، فإنّ المشتري لا يدري الباقي هل هو الطويل أو القصير؟ فلم يستفد من الرؤية حال المبيع عند العقد ، وهو أحد قولي الشافعي. وفي الثاني : يجوز ، لأنّه لا يقصر عن بيع الغائب في العلم (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ـ ٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٢١ ـ ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٤.

٢٤٤

يب ـ لو اختلفا فقال المشتري : ما رأيت المبيع. وقال البائع : بل رأيته ، قدّم قول البائع ، عملا بصحّة البيع. ولأنّ للمشتري أهليّة الشراء وقد أقدم عليه ، فكان ذلك اعترافا منه بصحّة العقد. وهو أحد قولي الشافعي (١) بناء على القول باشتراط الرؤية.

أمّا على القول بعدمه (٢) فوجهان ، هذا أحدهما ، لأنّه اختلاف في سبب الخيار ، فأشبه ما لو اختلفا في قدم العيب. وأظهرهما عندهم : تقديم قول المشتري ، كما لو اختلفا في اطّلاعه على العيب (٣).

القسم الرابع : النهي عن بيع وشرط.

اعلم أنّ عقد البيع قابل للشروط التي لا تنافيه ، أمّا ما ينافيه فلا يقبلها.

روى الجمهور أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع وشرط (٤).

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عمّار عن الصادق عليه‌السلام قال : « بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا من أصحابه واليا ، فقال له : إنّي بعثتك إلى أهل الله ـ يعني أهل مكة ـ فانههم عن بيع ما لم يقبض ، وعن شرطين في بيع ، وعن ربح ما لم يضمن » (٥).

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : الشافعيّة.

(٢) أي : عدم اشتراط الرؤية. وفي « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : بعدمها. والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ـ ٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٩٤.

(٤) معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، المغني ٤ : ٣٠٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٣١ ، ١٠٠٦.

٢٤٥

وهذان النصّان ليسا على الإطلاق إجماعا ، لما يأتي من جواز الشرط في العقد ، وقبول عقد البيع للشرط.

إذا تقرّر هذا ، فكلّ شرط يخالف الكتاب والسنّة فإنّه باطل إجماعا.

وفي بطلان البيع ببطلانه بحث سيأتي ، وما لا يخالف الكتاب والسنّة فإنّه جائز ما لم يتضمّن ما ينافي العقد ، فأقسام الشرط أربعة :

أ ـ ما يوافق مقتضى العقد ويؤكّده ، مثل أن يشترط التسليم أو خيار المجلس أو التقابض أو ما أشبه ذلك ، فهذا لا يؤثّر في العقد نفعا ولا ضرّا.

ب ـ شرط لا يقتضيه العقد لكن يتعلّق به مصلحة المتعاقدين للعقد. وهو قد يتعلّق بالثمن ، كالأجل والرهن والضمان ، أو بالمثمن ، كاشتراط صفة مقصودة في السلعة ، كالصناعة والكتابة ، أو بهما معا ، كالخيار. وهو جائز.

فهذه الشروط لا تفسد العقد ، وتصحّ في أنفسها عندنا وعند الشافعي (١).

ج ـ ما لا يتعلّق به مصلحة المتعاقدين لكنّه ممّا بني على التغليب والسراية ، كشرط العتق. وهو جائز أيضا.

د ـ ما لم يبن على التغليب والسراية ولا يتعلّق به مصلحة المتعاقدين ولا يقتضيه العقد ، فهذا عندنا جائز إن لم يخالف المشروع ولم يناف مقتضى العقد ، وذلك مثل أن يبيعه دارا ويشترط سكناها سنة ، وبه قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق (٢).

وإن خالف المشروع ، مثل أن يبيع جارية بشرط أن لا ينتفع بها‌

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧١ ، المجموع ٩ : ٣٦٤.

(٢) المغني ٤ : ٣٠٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٨.

٢٤٦

المشتري ، فهذا باطل.

والشافعي أبطل هذين القسمين معا (١) ، وسيأتي.

مسألة ١١٧ : قد بيّنّا أنّ كلّ شرط ينافي مقتضى العقد‌ فإنّه يكون باطلا ، مثل أن يشتري جارية بشرط أن لا خسارة عليه ، ومعناه أنّه متى خسر فيها فضمانه على البائع. وكذا لو شرط عليه أن لا يبيعها على إشكال ، أو لا يعتقها على إشكال ، أو لا يطأها ، فإنّ هذه الشروط باطلة ، لمنافاتها مقتضى العقد ، فإنّ مقتضاه ملك المشتري والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الناس مسلّطون على أموالهم » (٢).

وسأل عبد الملك بن عتبة [ الكاظم ] (٣) عليه‌السلام عن الرجل ابتاع منه طعاما أو ابتاع متاعا على أن ليس عليّ منه وضيعة هل يستقيم هذا؟ وكيف يستقيم وحدّ ذلك (٤)؟ قال : « لا ينبغي » (٥).

وإذا بطلت الشروط ، بطل البيع ـ خلافا لبعض (٦) علمائنا ـ لأنّ التراضي إنّما وقع على هذا الشرط ، فبدونه لا تراضي ، فتدخل تحت قوله تعالى ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٧) وبه قال الشافعي والنخعي والحسن البصري وأبو حنيفة وأحمد‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٨ و ٣٦٩ و ٣٧٦ و ٣٧٨.

(٢) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، المسألة ٢٩٠.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : الرضا. وما أثبتناه موافق لما في المصدر.

(٤) في التهذيب : وكيف يستقيم وجه ذلك؟

(٥) التهذيب ٧ : ٥٩ ، ٢٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٤ ، ٢٨٤.

(٦) الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ١٤٩.

(٧) النساء : ٢٩.

٢٤٧

ابن حنبل (١).

وقال ابن شبرمة : البيع جائز والشرط جائز أيضا (٢) ، لأنّ جابرا قال : ابتاع منّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعيرا بمكة ، فلمّا نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة (٣).

وقال ابن أبي ليلى : البيع صحيح والشرط باطل ـ وهو رواية أبي ثور عن قول للشافعي (٤) ـ لأنّ عائشة اشترت بريرة بشرط أن تعتقها ويكون ولاؤها لمواليها ، فأجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيع وأبطل الشرط (٥) (٦).

والجواب عن الأوّل : أنّا نقول بموجبه ، وإنّما يرد على الشافعي حيث أبطل مثل هذا الشرط على ما تقدّم في التقسيم.

وعن الثاني : جاز أن يكون شرط الولاء في العتق ، فلا يبطل ببطلانه ، بخلاف البيع.

__________________

(١) مختصر المزني : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣١٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٨ و ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٩ ، الوسيط ٣ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٥ ـ ١١٦ و ١٢٠ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ ، المغني ٤ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦١.

(٢) معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٣١ ، المجموع ٩ : ٣٧٦.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٢٤٨ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٣ ، ١١٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٧ بتفاوت.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٩.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٢٥١ ، صحيح مسلم ٢ : ١١٤١ ، ١٥٠٤ ، وراجع أيضا المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٥٠.

(٦) معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٣١ ، المجموع ٩ : ٣٧٦ ، المغني ٤ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦١.

٢٤٨

وقسّم بعض الشافعيّة الشرط إلى صحيح وفاسد ، ففي الأوّل العقد صحيح قطعا ، وفي الثاني إن لم يكن شيئا يفرد بعقد ولا يتعلّق به غرض يورث تنازعا ، لم يؤثّر في البيع ، كما لو عيّن الشهود وقلنا : لا يتعيّنون ، لم يفسد به العقد ، لأنّا (١) إذا ألغينا تعيين (٢) الشهود ، أخرجناه عن أن يكون من مقاصد العقد. وإن تعلّق به غرض ، فسد العقد بفساده ، للنهي عن بيع وشرط (٣). ولأنّه يوجب الجهل بالعوض.

وإن كان ممّا يفرد بعقد ، كالرهن والكفيل ، ففي فساد البيع بشرطهما على نعت الفساد قولان : الفساد ـ وبه قال أبو حنيفة ـ كسائر الشروط (٤) الفاسدة. والصحّة ـ وبه قال المزني ـ لأنّه يجوز إفراده عن البيع ، فلا يوجب فساده فساد البيع ، كالصداق لا يوجب فساده فساد النكاح (٥).

قال عبد الوارث بن سعيد : دخلت مكة فوجدت بها ثلاثة فقهاء كوفيّين : أبو حنيفة وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، فصرت إلى أبي حنيفة فسألته عمّن باع بيعا وشرط شرطا ، فقال : البيع والشرط فاسدان ، فأتيت ابن أبي ليلى فسألته ، فقال : البيع جائز والشرط باطل ، فأتيت ابن شبرمة فسألته ، فقال : البيع والشرط جائزان ، فرجعت إلى أبي حنيفة فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك ، فقال : لست أدري ما قالا ، حدّثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع وشرط. ثمّ أتيت ابن أبي ليلى ، فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك ، فقال : ما أدري ما قالا ، حدّثني هشام بن‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : ولأنّا. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : تعيّن. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٤٥ ، الهامش (٤).

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « العقود » بدل « الشروط ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٠ ـ ١٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٥ ـ ٧٦.

٢٤٩

عروة عن أبيه عن عائشة أنّها قالت : لمّا اشتريت بريرة جاريتي شرطت عليّ مواليها أن أجعل ولاءها لهم إذا أعتقتها ، فجاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « الولاء لمن أعتق » فأجاز البيع وأفسد الشرط ، فأتيت ابن شبرمة فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك ، فقال : ما أدري ما قالا ، حدّثني مسعر عن محارب عن جابر قال : ابتاع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ منّي ] (١) بعيرا بمكة ، فلمّا نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة ، فأجاز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشرط والبيع (٢).

مسألة ١١٨ : ومن الشروط الجائزة عندنا أن يبيعه شيئا‌ ويشترط في متن العقد أن يشتري منه شيئا أو يبيعه شيئا آخر أو يقرضه شيئا أو يستقرض منه ، لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٣).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز » (٤).

وقال عليه‌السلام : « من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترطه عليه ، والمسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب الله عزّ وجلّ » (٥).

وهذه الشروط كلّها سائغة لا تخالف كتاب الله تعالى ، فوجب جوازها ولزومها وصحّة العقد معها.

وقال الشافعي : لا يجوز ذلك ، لأنّه جعل الثمن والرفق بالعقد الثاني‌

__________________

(١) أضفناها من كتاب الخلاف للشيخ الطوسي ، وكما ورد سابقا في ص ٢٤٨.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٩ ـ ٣٠ ، المسألة ٤٠ ، معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٣ : ١٣ ـ ١٤ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ ـ ٤١٦.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٧ ، ٥٥٣ ، التهذيب ٧ : ٢٢ ، ٩٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٩ ، ١ ، التهذيب ٧ : ٢٢ ، ٩٤ ، وفيهما : « .. فيما وافق .. ».

٢٥٠

ثمنا ، واشتراط العقد الثاني فاسد ، فبطل (١) بعض الثمن ، وليس له قيمة يتعلّق به حتى يفرض التوزيع عليه وعلى الباقي (٢).

والجواب : المنع من جعل الرفق بالعقد الثاني جزءا من الثمن.

ولا نسلّم بطلان اشتراط العقد الثاني ، فإنّه المتنازع. ثمّ ينتقض بشرط العتق وما حكم بجوازه من الشروط.

فروع :

أ ـ لو تبايعا بشرط أن يبيعه شيئا آخر ، فقد قلنا : إنّه يصحّ عندنا ، خلافا للشافعي (٣). وينصرف الثاني إلى البيع الصحيح ، فإذا باعه الثاني صحيحا ، صحّ ، ووفى بالشرط. وإن باعه باطلا ، لم يعتدّ به ، ووجب عليه استئناف عقد صحيح ، عملا بمقتضى الشرط وتحصيلا له.

ب ـ لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إيّاه ، لم يصحّ ، سواء (٤) اتّحد الثمن قدرا ووصفا وعينا أو لا ، وإلاّ جاء الدور ، لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيّته له ، المتوقّفة على بيعه ، فيدور.

أمّا لو شرط أن يبيعه على غيره ، فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب والسنّة.

لا يقال : ما ألزمتموه من الدور آت هنا.

لأنّا نقول : الفرق ظاهر ، لجواز أن يكون جاريا على حدّ التوكيل أو‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فيبطل.

(٢ و ٣) الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ و ٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٦٨ و ٣٧٣ ، المغني ٤ : ٣١٤.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : وسواء. والصحيح ما أثبتناه.

٢٥١

عقد الفضولي ، بخلاف ما لو شرط البيع على البائع.

ج ـ لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه آخر (١) أو يقرضه بعد شهر أو في الحال ، لزمه الوفاء بالشرط ، فإن أخلّ به ، لم يبطل البيع ، لكن يتخيّر [ البائع ] (٢) بين فسخه للبيع وبين إلزامه بما شرطه ، فإن فسخ البيع ، فالنماء المتجدّد بين العقد والفسخ للمشتري ، أمّا المتّصل فللبائع ، لأنّه تابع للعين.

د ـ لو باعه شيئا بشرط أن يقرضه أو يبيعه أو يؤجره ، صحّ عندنا على ما قلناه ، خلافا للشافعي ، فعلى قوله لو تبايعا البيع الثاني ، فإن كانا يعلمان بطلان الأوّل ، صحّ ، وإلاّ فلا ، لإتيانهما به على حكم الشرط الفاسد (٣).

وقال بعض أصحابه : يصحّ أيضا (٤).

وهذا التفريع لا يتأتّى على قولنا إلاّ فيما لو كان البيع الأوّل فاسدا ، كما لو قال : بعتك هذا بما شئت بشرط أن تبيعني كذا بكذا ، فحينئذ نقول : إن كانا يعلمان بطلان الأوّل وتبايعا الثاني صحيحا ، كان لازما ، لأنّه كابتداء العقد ، إذ لا عبرة بالشرط الفاسد مع علم فساده. وإن لم يعلما بطلانه ، صحّ أيضا إن اثبت لهما الخيار إن قصدا معا بالذات البيع الأوّل ، وإلاّ اختصّ بالخيار من قصده بالذات دون من قصده بالعرض.

هـ ـ لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه على زيد بكذا ، فباعه بأزيد ، فإن قصد إرفاق زيد أو غرضا معتبرا عند العقلاء ، تخيّر بين الفسخ والإمضاء ،

__________________

(١) أي : شيئا آخر.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : المشتري. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٣.

٢٥٢

لمخالفة الشرط ، فإن فسخ ، رجع بالعين ، وليس لزيد خيار. وإن لم يقصد ، فلا خيار.

ولو باعه بأقلّ ، تخيّر ، إلاّ مع تعلّق الغرض.

ولو أطلق الثمن ، باع بما شاء ولا خيار.

ولو باعه على عمرو ، تخيّر ، سواء باعه بثمن عيّنه أو بأزيد أو بأنقص أو بأقلّ من ثمن المثل أو أطلق.

ولو عيّن الثمن وأطلق المشتري فباع بأقلّ أو أزيد ، تخيّر مع تعلّق الغرض ، وإلاّ فلا.

و ـ لو شرط أن يبيعه على زيد فامتنع زيد من شرائه ، احتمل ثبوت الخيار‌ بين الفسخ والإمضاء. والعدم ، إذ تقديره : بعه على زيد إن اشتراه.

مسألة ١١٩ : من الشروط الفاسدة شرط ما لا يدخل تحت قدرة البائع عليه‌ ، فلو اشترى الزرع بشرط أن يجعله سنبلا ، أو البسر بشرط أن يجعله تمرا ، بطل ويبطل البيع على ما اخترناه ، خلافا لبعض (١) علمائنا.

نعم ، يجوز اشتراط تبقيته في الأرض أو على رءوس النخل إلى أوان ذلك.

وكذا يصحّ اشتراط ما يدخل تحت قدرة البائع من منافعه ، مثل أن يشتري ثوبا ويشترط خياطته عليه ، أو غزلا ويشترط نساجته ، أو فضّة ويشترط عليه صياغتها ، أو طعاما ويشترط عليه طحنه (٢) أو خبزه ، أو قزّا ويشترط سلّه (٣) ، وكذا كلّ منفعة مقصودة ، عملا بالعمومات السالمة عن‌

__________________

(١) لم نتحقّقه.

(٢) في الطبعة الحجريّة : طبخه.

(٣) السّلّ : انتزاع الشي‌ء وإخراجه في رفق. لسان العرب ١١ : ٣٣٨ « سلل ».

٢٥٣

معارضة مخالفة فعل هذه الشروط للكتاب والسنّة.

وكذا لو اشترى زرعا وشرط على بائعه أن يحصده ، أو اشترى ثوبا وشرط صبغه ، أو لبنا وشرط عليه طبخه ، أو نعلا على أن ينعل به دابّته ، أو عبدا رضيعا على أن يتمّ إرضاعه ، أو متاعا على أن يحمله إلى بيته والبائع يعرف البيت ، فهذا كلّه سائغ لازم عندنا ، لما تقدّم.

وللشافعيّة أقوال :

أحدها : أنّه يفسد قطعا ، لأنّه شراء للعين واستئجار للبائع على العمل ، فقد شرط العمل في العين كالزرع قبل أن يملكه ، فأشبه ما لو استأجره لخياطة ثوب لم يملكه. ولأنّ الحصاد ـ مثلا ـ يجب على المشتري ، فإذا شرطه على البائع ، فقد شرط ما لا يقتضيه العقد. ولأنّه شرط تأخير التسليم ، لأنّ معنى ذلك أن يسلّمه إليه مقطوعا.

والثاني : أنّ الاستئجار يبطل ، وفي البيع قولا تفريق الصفقة.

والثالث : أنّهما باطلان ، أمّا شرط العمل : فلما تقدّم. وأمّا البيع : فلأنّ الشرط إذا فسد فسد البيع (١).

والجواب : لا نسلّم أنّه استئجار وإن أفاد فائدته ، بل هو شرط لزم البائع بعقد البيع ، ثمّ إنّه يبطل بشرط الرهن مع الثمن في المبيع.

والثاني باطل ، لأنّ هذا يصحّ إفراده بالعقد ، فخالف سائر الشروط.

وكذا الثالث إنّه ليس بتأخير ، لأنّه يمكن تسليمه خاليا عن العمل ويسلّم الزرع قائما. ولأنّ الشرط من التسليم ، فلم يكن ذلك تأخيرا للتسليم.

__________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ـ ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤.

٢٥٤

فروع :

أ ـ يشترط في العمل المشروط في العقد على البائع أن يكون محلّلا ، فلو اشترى العنب على شرط أن يعصره البائع خمرا ، لم يصحّ الشرط والبيع على إشكال ينشأ من جواز إسقاط المشتري الشرط عن البائع والرضا به خاليا عنه ، وهو المانع من صحّة البيع ، ومن اقتران البيع بالمبطل.

وبالجملة ، فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من أصله بحيث لو رضي صاحبه بإسقاطه لا يرجع البيع صحيحا ، أو إيقاف البيع إن لم يرض بدونه بطل ، وإلاّ صحّ؟ نظر.

ب ـ لو اشترط شرطا مجهولا ، كما لو باعه بشرط أن يعمل فيه ما يأمره به بعد العقد ، أو يصبغ له ثوبا ويطلقهما أو أحدهما ، فالوجهان.

ج ـ لا فرق في الحكم بين اقتران البيع والعمل في الثمن وتعدّده‌ بأن يقول : بعتك هذا الثوب بعشرة و [ استأجرني ] (١) على خياطته بدرهم ، أو يقول : بعتك هذا الثوب وآجرتك نفسي على خياطته بعشرة ، فيقول : قبلت.

وللشافعيّة الأقوال (٢) السابقة.

د ـ لو اشترى حطبا على ظهر بهيمة مطلقا ، صحّ ، ويسلّمه إليه في موضعه.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : استأجرتك. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٣ و ٣٧٤.

٢٥٥

وللشافعيّة قولان ، هذا أحدهما. والثاني : لا يصحّ البيع حتى يشترط تسليمه إليه في موضعه ، لأنّ العادة قد تقتضي حمله إلى داره (١).

والمعتمد : الأوّل ، فعلى هذا لو شرط حمله إلى داره ، صحّ عندنا وعندهم بمقتضى الثاني.

هـ ـ لو شرط على البائع عملا سائغا ، تخيّر المشتري‌ بين الفسخ والمطالبة به أو بعوضه إن فات وقته وكان ممّا يتقوّم ، كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا فأتاه به غير مصبوغ وتلف في يد المشتري. ولو لم يكن ممّا يتقوّم ، تخيّر بين الفسخ والإمضاء مجّانا.

و ـ لو كان الشرط على المشتري ، مثل أن باعه داره بشرط أن يصبغ المشتري له ثوبه ، فتلف الثوب ، تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء بقيمة الفائت إن كان ممّا له قيمة ، وإلاّ مجّانا.

مسألة ١٢٠ : لو اشترى بشرط تأجيل الثمن عليه إلى مدّة معيّنة ، صحّ ، وهو بيع النسيئة ، عند علمائنا ـ وهو قول الشافعي (٢) أيضا وإن منع من شرط غير الأجل (٣) ـ لورود النصّ فيه.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا والآخر نظرة فليسمّ أحدهما قبل الصفقة » (٤).

إذا ثبت هذا ، فشرط الأجل المشروط في البيع أن يكون مضبوطا محروسا من الزيادة والنقصان ، فلو شرط قدوم الحاجّ أو نزول المطر أو‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٧٤.

(٢) الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦.

(٤) الكافي ٥ : ٢٠٦ ( باب الشرطين في البيع ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٤٧ ، ٢٠١.

٢٥٦

إقباض المبيع ، بطل العقد والشرط ، لاشتماله على الغرر وقد نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه (١).

ولو شرط تأجيل الثمن إلى ألف سنة مثلا ، فالأقوى الجواز ، عملا بالعموم الدالّ على تسويغ مثله. والقطع بالموت قبله باطل ، لمنعه أوّلا ، ولمنع صلاحيّته للتأثير ـ كشكّ حياته ـ في المدّة القليلة ، فكما لا يمنع الشكّ كذا اليقين.

وقال بعض الشافعيّة : لو أجّل الثمن إلى ألف سنة ، بطل العقد ، للعلم بأنّه لا يبقى إلى هذه المدّة (٢).

ولو سلّم ، لم يقتض المنع ، لجواز انتقاله عنه إلى وارثه.

فروع :

أ ـ إذا أجّل الثمن إلى مدّة معلومة ، سقط الأجل بموت من عليه‌ على ما يأتي.

وهل يثبت للورثة الخيار؟ إشكال ينشأ من زيادة الثمن في مقابلة الأجل ولم يسلم لهم الارتفاق به ، ومن لزوم البيع وانعقاده وانتقال السلعة إلى المشتري ، فلا يبطل بالتعجيل المستند إلى حكم الشرع مطلقا.

ب ـ لو آجر ثوبا ألف سنة ، لم يصحّ ، لا باعتبار زيادة الأجل ، بل للعلم بفساد العين وعدم الانتفاع به طول المدّة.

ج ـ لا فرق بين أن يشترط الأجل في الثمن المعيّن المشخّص‌ أو‌

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ ، ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ ، ٢١٩٤ و ٢١٩٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٥٤ ، ٣٣٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ ، ١٢٣٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٦ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٢ ، ٦٢٧١ ، و ٣ : ٧١ ، ٨٦٦٧ ، و ٢٨٤ ، ١٠٠٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

٢٥٧

الثابت في الذمّة ، فلو شرط ثمنا معيّنا ، كهذه الدنانير ، وتأديتها في أجل معلوم ، صحّ. وكذا لو شرط تسليم المبيع المعيّن في مدّة معيّنة كأن يشتري منه هذا الثوب بعشرة بشرط أن يسلّم الثوب بعد شهر ، صحّ عند علمائنا أجمع ، خلافا للشافعي فيهما ، فإنّه قال : يفسد لو كان الأجل في المبيع أو الثمن المعيّن ، لأنّ الأجل رفق اثبت ليحصل الحقّ في الذمّة والمعيّن حاصل (١). وليس بجيّد.

د ـ لو حلّ الأجل فأجّل البائع المشتري مدّة أو زاد في الأجل قبل حلول الأجل المضروب أوّلا ، فهو وعد غير لازم ، لعدم وجود المقتضي له ، إذ الوعد غير موجب ، وبه قال الشافعي (٢).

وقال أبو حنيفة : يلزم (٣). ويبطل على قوله ببدل الإتلاف ، فإنّه لا يتأجّل وإن أجّله (٤).

وقال مالك : يتأجّل (٥).

هـ ـ لو أوصى من له دين حالّ على إنسان بإمهاله مدّة ، فعلى ورثته إمهاله تلك المدّة ، للزوم التبرّعات بعد الموت ، والوصيّة هنا لم تتناول العين ، فلا تخرج من الثلث على إشكال.

و ـ لو كان عليه دين مؤجّل فأسقط المديون الأجل ، لم يسقط ، وليس للمستحقّ مطالبته في الحال ، لأنّ الأجل صفة تابعة والصفة لا تفرد بالإسقاط ، ولهذا لو أسقط مستحقّ الحنطة الجيّدة أو الدنانير الصحاح الجودة أو الصحّة ، لم تسقط.

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧.

٢٥٨

وللشافعي وجهان (١).

مسألة ١٢١ : يصحّ اشتراط الخيار على ما يأتي‌ ، وشرط وثيقة بالرهن والكفيل والشهادة ، وبه قال الشافعي (٢) أيضا ، فيصحّ البيع بشرط أن يرهن المشتري بالثمن أو يتكفّل به كفيل أو يشهد عليه ، سواء كان الثمن حالاّ أو مؤجّلا.

وكذا يجوز أن يشترط المشتري على البائع كفيلا بالعهدة ، عملا بعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٣) السالم عن معارضة مخالفته للكتاب والسنّة ، بل هي موافقة لهما ، لقوله تعالى ( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (٤) ( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) (٥).

وهل يجوز أن يشترط المشتري على البائع رهنا على عهدة الثمن المقبوض لو خرج المبيع مستحقّا؟ الأقرب ذلك.

ولا بدّ من تعيين الرهن بالمشاهدة أو الوصف ، كما يوصف المسلم فيه ـ وبه قال الشافعي (٦) ـ دفعا للغرر ، وحسما لمادّة التنازع.

وقال مالك : لا يشترط التعيين ، بل ينزّل المطلق على ما يصلح أن يكون رهنا لمثل ذلك في العادة (٧).

وقال أبو حنيفة : لو قال : رهنتك أحد هذين العبدين ، جاز ، كالبيع (٨).

وقد تقدّم بطلانه.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٢) الوسيط ٣ : ٧٤ ، الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) البقرة : ٢٨٣.

(٥) البقرة : ٢٨٢.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٧ و ٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠.

٢٥٩

ولا يشترط أن يكون مشخّصا ، فلو شرط ارتهان عبد حبشي موصوف بصفات السّلم ، جاز وإن لم يكن له عبد في الحال.

ويشترط في الكفيل التعيين إمّا بالمشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب.

وهل يكفي الوصف مثل أن يقول : رجل موسر ثقة؟ الأقرب ذلك ، فإنّ الاكتفاء بالصفة أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله ، خلافا للشافعي حيث شرط تعيين شخصه (١) ، وبعض الشافعيّة حيث لم يشترط التعيين مطلقا ، بل إذا أطلق أقام من شاء (٢).

فروع :

أ ـ الأقرب أنّه لا يشترط تعيين الشهود لو شرط الإشهاد ، لأنّ المطلوب في الشهود العدالة لإثبات الحقّ عند الحاجة ، بخلاف الرهن والكفيل ، لتفاوت الأغراض فيهما.

وقال بعض الشافعيّة : يشترط أيضا كالرهن والكفيل ، وتفاوت الأغراض هنا متحقّق ، فإنّ بعض العدول أوجه ، وقوله أسرع قبولا ، وعدالته أشهر وأوضح ، فتتفاوت الأغراض في أعيانهم (٣).

وليس بجيّد ، إذ لا اعتبار بهذه الجزئيّات ، لعدم انضباطها.

ب ـ لو عيّن الشهود في الشرط ، تعيّنوا ، عملا بالشرط ، إذ لا منافاة فيه للكتاب والسنّة. وللشافعي قولان (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٣) الوسيط ٣ : ٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨.

٢٦٠