تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

وزنا ، لأنّ معظم منافع هذه الأشياء في حالة الرطوبة ، فأشبهت بيع اللبن باللبن.

فعلى هذا إن لم يمكن كيله كالبطّيخ والقثّاء ، بيع وزنا. وإن أمكن ، كالتفّاح والتين ، ففي بيعه وزنا وجهان للشافعيّة ، أصحّهما : الوزن ، لأنّه أحصر. وعلى الوجهين لا بأس بتفاوت العدد فيه (١).

د ـ كما لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا كذا لا يجوز بيعه مكيلا ، إلاّ إذا علم عدم التفاوت فيه. وكذا المكيل لا يجوز بيعه جزافا ولا موزونا ، إلاّ مع علم عدم التفاوت.

هـ ـ لو كانا في حكم الجنس الواحد واختلفا في التقدير ، كالحنطة المقدّرة بالكيل ، والدقيق المقدّر بالوزن ، احتمل تحريم البيع بالكيل أو الوزن (٢) ، للاختلاف قدرا. وتسويغه بالوزن.

و ـ يجوز بيع الخبز بمثله وإن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائيّة. وكذا الخلّ بمثله ، لعدم الأصالة.

[ الأمر الثاني ] (٣) : في الأحكام.

مسألة ٩٨ : لو دعت الضرورة إلى بيع الربويّات متفاضلا مع اتّحاد الجنس ، وجب توسّط عقد بينهما‌ ، فيباع الناقص بجنس مخالف ثمّ يشتري الزائد بذلك الجنس ، فلو أرادا بيع دراهم أو دنانير صحاح بمكسّرة أكثر وزنا ، بيع الدراهم الصحاح بدنانير أو بجنس آخر كالثياب ثمّ اشتري بتلك الدنانير أو الثياب الدراهم المكسّرة أو بالعكس ، لانتفاء الربا هنا ، لعدم‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١ ـ ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) في « ق ، ك‍ » : بالوزن.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : المطلب الثالث. وما أثبتناه مطابق لما قسّمه المؤلّف قدس‌سره.

٢٠١

شرطه ، وهو اتّحاد الجنس.

وروى أبو سعيد الخدري أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمّر أخا عديّ على خيبر ، فأتى بتمر جيّد ، فقال : « أوتمر خيبر كلّه هكذا؟ » فقال : لا ، ولكنّا نبيع الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة ، فقال : « لا تفعلوا ولكن بيعوا تمركم بعوض ثمّ اشتروا بثمنه من هذا التمر » (١).

ومن طريق الخاصّة : رواية سماعة ، قال : سألته عن الطعام والتمر والزبيب ، فقال : « لا يصلح شي‌ء منه اثنان بواحد إلاّ إن كان صرفته نوعا إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد وأكثر » (٢).

فروع :

أ ـ لا فرق بين أن يتّخذ ذلك عادة أو لا‌ ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ للأصل.

وقال مالك : يجوز مرّة واحدة ، ولا يجوز أن يجعله عادة (٤).

وهو غلط ، لأنّ المقتضي إن كان كونه ربا ، لم يجز ولا مرّة. وإن كان غيره ، فلا بدّ من بيانه.

ب ـ يجوز توسّط غير البيع ، وذلك بأنّ يقترض الزائد ثمّ يستقرض الآخر منه الناقص ثمّ يتبارءان ، أو يهب كلّ واحد منهما ماله من صاحبه ، أو‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٠٢ و ٢٢٩ ، و ٥ : ١٧٨ ، و ٩ : ١٣٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢١٥ ، ١٥٩٣ ، سنن النسائي ٧ : ١٧١ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٧ ، ٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٥ و ٢٩١ ، الموطّأ ٢ : ٦٢٣ ، ٢٠ و ٢١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٧٨ ، ٨٠٤ ، التهذيب ٧ : ٩٥ ، ٤٠٦ بتفاوت في بعض الألفاظ.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨ ، المغني ٤ : ١٩٣.

٢٠٢

يبيع الصحاح بمثل وزنها من المكسّرة ويهب صاحب المكسّرة الزيادة منه ، فيجوز جميع ذلك سواء شرط في إقراضه وهبته وبيعه ما يفعله الآخر أو لا ، خلافا للشافعي ، فإنّه سوّغ مع عدم الشرط لا معه (١).

لنا : عموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٢).

ج ـ لو باع النصف الشائع من دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة ، جاز ، ويسلّم إليه الكلّ ليحصل تسليم النصف ، ويكون النصف الآخر أمانة في يده. أمّا لو كان له عشرة على غيره فأعطاه عشرة عددا فوزنت فكانت أحد عشر ، كان الدرهم الزائد للمقبوض منه على الإشاعة ، ويكون مضمونا عليه ، لأنّه قبضه لنفسه. ثمّ إذا سلّم الدراهم الخمسة ، فله أن يستقرضها ويشتري بها النصف الآخر ، فيكون جميع الدينار له ، وعليه خمسة.

ولو باعه بعشرة وليس مع المشتري إلاّ خمسة فدفعها إليه ثمّ استقرض منه خمسة أخرى وردّها إليه عن باقي الثمن ، جاز ، وبه قال الشافعي (٣). أمّا لو استقرض الخمسة المدفوعة إليه ، جاز عندنا ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٤).

مسألة ٩٩ : القسمة تمييز أحد النصيبين من الآخر وإفراز الحقوق بعضها من بعض‌ ، وليست بيعا ـ وهو أحد قولي الشافعي (٥) ـ لأنّ لها اسما‌

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ١٢٦ و ١٢٧ ، وانظر : التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٤٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١.

٢٠٣

يخصّها ، وتدخل فيها القرعة ، ولا تفتقر إلى لفظ بيع أو تمليك ، ولا يجوز إلاّ بقدر الحقّين ، ولا يثبت بها الشفعة.

والقول الأصحّ : أنّها بيع ، لأنّ كلّ جزء من ذلك مشترك بينهما ، فإذا تعيّن لأحدهما شي‌ء بالقسمة ، فقد اشترى نصيب شريكه فيما تعيّن له بنصيبه ممّا تعيّن لشريكه ، فكان ذلك بيعا (١). وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فنقول : إذا كان المقسوم ممّا يدخل فيه الربا ، جازت القسمة كيلا ووزنا ، وقسمة المكيل بالوزن وبالعكس ، وما لا يباع بعضه ببعض عنده (٢) ، كالرطب بمثله والعنب بمثله ، متساويا ومتفاضلا ، نقدا ونسيئة وإن كان يمنع ذلك في البيع.

وكذا يجوز أن يأخذ أحدهما الرطب أو العنب والآخر التمر أو الزبيب.

ويجوز قسمة الثمرة على رءوس النخل.

وللشافعي قولان مبنيّان على أنّ القسمة بيع أم لا ، فإن كانت بيعا ، لم تجز ، كما لا يجوز بيع الثمرة على أصلها بمثلها.

ونحن نمنع ذلك ، لجواز بيع الثمرة على رءوس النخل بمثلها. نعم ، الممنوع بيعها بخرصها تمرا.

وإن لم تكن عنده بيعا وإنّما هي إفراز حقّ ، فقولان ، أحدهما : المنع مطلقا. والثاني : الجواز في الرطب والعنب خاصّة دون باقي الثمار ، لأنّ للخرص مدخلا فيهما ، ولهذا جاز خرصهما على الفقراء ، فجازت‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٢٦ و ١٢٧ ، وانظر : التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٤٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٤٣ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ و ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ و ٥٥.

٢٠٤

قسمتهما بين الشركاء ، بخلاف باقي الثمار (١).

والحقّ عندنا الجواز مطلقا.

مسألة ١٠٠ : قد بيّنّا أنّ الجيّد والردي‌ء في الجنس الواحد واحد‌ لا يباع أحدهما بالآخر متفاضلا ، لأنّ الصادق عليه‌السلام سئل عن رجل استبدل قوصرتين (٢) فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها مشقّق ، فقال : « هذا مكروه ، لأنّ عليّا عليه‌السلام كان يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، ولم يكن [ عليّ ] (٣) عليه‌السلام يكره الحلال » (٤).

مسألة ١٠١ : يجوز بيع العصير بالبختج (٥) مثلا بمثل نقدا‌ ، لأنّ خالد بن أبي الربيع (٦) سأل الصادق عليه‌السلام : ما ترى في التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال : « لا بأس » قلت : فالبختج والعصير (٧) مثلا بمثل؟ قال : « لا بأس » (٨).

واعلم أنّ هذا الحديث يدلّ على جواز بيع التمر بالبسر الأحمر.

والمراد به البسر المطبوخ بالنار ، لذهاب رطوبته ، ومساواته للتمر في عدم‌

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وانظر روضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) القوصرّة ـ بالتشديد ـ : هذا الذي يكنز فيه التمر من البواري. وقد يخفّف. الصحاح ٢ : ٧٩٣ « قصر ».

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) الكافي ٥ : ١٨٨ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ٩٦ ـ ٩٧ ، ٤١٢.

(٥) البختج : العصير المطبوخ. وأصله بالفارسيّة : مى پخته ، أي : عصير مطبوخ. النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ١٠١ « بختج ».

(٦) كذا ، وفي المصدر : عن خالد عن أبي الربيع.

(٧) في التهذيب : « العنب » بدل « العصير ».

(٨) الكافي ٥ : ١٩٠ ، ١٨ ، التهذيب ٧ : ٩٧ ـ ٩٨ ، ٤١٨.

٢٠٥

النقصان عند الجفاف ، بخلاف الرطب بالتمر.

مسألة ١٠٢ : قد بيّنّا جواز بيع البرّ بالسويق متساويا نقدا‌ ، ولا يجوز متفاضلا ولا نسيئة ، لاتّحاد الأصل فيهما ، ولا اعتبار بزيادة الرّيع (١) في أحدهما ، لما رواه محمّد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه‌السلام ، قال : ما تقول في البرّ بالسويق؟ فقال : « مثلا بمثل لا بأس به » قال : قلت له : إنّه يكون له ريع أو يكون له فضل ، فقال : « ليس له مئونة؟ » قلت : بلى ، قال : « فهذا بذا » وقال : « إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد » (٢).

مسألة ١٠٣ : لو دفع إلى الطحّان طعاما وقاطعه على أن يعطيه به طحينا أنقص‌ ، أو دفع إلى العصّار سمسما وقاطعه على شيرج أنقص ، لم يجز.

وكذا مع التساوي فيهما. أمّا الأوّل : فلربا الفضل ، وأمّا الثاني : فلربا النسيئة.

وسأله محمّد بن مسلم عن الرجل يدفع إلى الطحّان الطعام فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكلّ عشرة اثنتي عشرة دقيقا ، فقال : « لا » قال : فقلت : فالرجل يدفع السمسم إلى العصّار ويضمن له لكلّ صاع أرطالا مسمّاة ، قال : « لا » (٣).

مسألة ١٠٤ : يكره أن يدفع الإنسان إلى غيره البقر والغنم‌ على أن يدفع إليه كلّ سنة من ألبانها وأولادها شيئا معلوما. وإن فعل ذلك ، كان ضريبة غير لازمة.

وكذا يكره أن يدفع الغنم والإبل إلى غيره على أن يبدل له ـ إذا‌

__________________

(١) الرّيع : النماء والزيادة. لسان العرب ٨ : ١٣٧ « ريع ».

(٢) الكافي ٥ : ١٨٩ ، ٩ ، التهذيب ٧ : ٩٥ ، ٤٠٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٩ ، ١١ ، التهذيب ٧ : ٩٦ ، ٤١١.

٢٠٦

ولدت ـ الذكور بالإناث وبالعكس.

لأنّ الصادق عليه‌السلام سئل عن رجل قال لرجل : ادفع إليّ غنمك وإبلك تكون معي فإذا ولدت أبدلت لك إن شئت إناثها بذكورها أو ذكورها بإناثها ، فقال : « إنّ ذلك فعل مكروه ، إلاّ أن يبدلها بعد ما تولّد ويعزلها ».

قال : وسألته عن الرجل يدفع إلى الرجل بقرا وغنما على أن يدفع اليه كلّ سنة من ألبانها وأولادها كذا وكذا ، قال : « ذلك مكروه » (١).

مسألة ١٠٥ : لا ربا بين الولد ووالده‌ ، فلكلّ واحد منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه ، لأنّ مال الولد في حكم مال الوالد. وكذا بين السيّد وعبده المختصّ به ، لأنّ مال العبد لمولاه. ولا بين الرجل وزوجته ، ولكلّ منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه. ولا بين المسلم والحربيّ ، فيأخذ منهم الفضل ولا يعطيهم إيّاه ، لأنّهم في الحقيقة في‌ء للمسلمين.

ولقول الباقر عليه‌السلام : « ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين أهله ربا ، إنّما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك » قلت : والمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال : « نعم » قلت : فإنّهم مماليك ، فقال : « إنّك لست تملكهم ، إنّما تملكهم مع غيرك ، أنت وغيرك فيهم سواء ، والذي بينك وبينهم ليس من ذلك ، لأنّ عبدك ليس مثل عبد غيرك » (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس بين السيّد وعبده ربا » (٣).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٢٠ ـ ١٢١ ، ٥٢٦ ، وفي الكافي ٥ : ١٩١ ، ٩ بدون الذيل.

(٢) الاستبصار ٣ : ٧١ ، ٢٣٦ ، وفي الكافي ٥ : ١٤٧ ، ٣ ، والتهذيب ٧ : ١٧ ، ٧٥ بزيادة يسيرة.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٧ ، ١ ، التهذيب ٧ : ١٨ ، ٧٦.

٢٠٧

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، فإنّا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم ونأخذ منهم ولا نعطيهم » (١).

فروع :

أ ـ لا فرق في تحريم الربا بين المسلمين بين دار الحرب ودار الإسلام ، فلا يجوز للمسلم أن يربي على المسلم في الدارين ـ وبه قال مالك وأحمد والشافعي وأبو يوسف (٢) ـ للعموم (٣).

وقال أبو حنيفة : لا ربا بين مسلمين (٤) إذا أسلما في دار الحرب (٥).

ب ـ لا ربا عندنا بين المسلم والحربيّ سواء كان ذا أمان أو لا ، وسواء كان في دار الإسلام أو دار الحرب ـ وبه قال أبو حنيفة (٦) ـ للأحاديث السابقة.

وروى الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب » (٧) ونحن لم نشرط الدار.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٧ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨ ، ٧٧ ، الإستبصار ٣ : ٧٠ ـ ٧١ ، ٢٣٥.

(٢) المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٢ ، الوسيط ٣ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) في « ق ، ك‍ » : المسلمين.

(٥) المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٦) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩.

(٧) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ١٧٦ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٠٠ نقلا عن مكحول.

٢٠٨

ولأنّه في الحقيقة في‌ء للمسلمين وقد بذل ماله بإذنه للمسلم فجاز (١) له أخذه منه حيث أزال أمانه عنه ببذله له.

وقال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف : يثبت الربا بين المسلم والحربيّ مطلقا كثبوته بين المسلمين ، للعموم (٢) (٣).

ج ـ هل يثبت الربا بين الجدّ وولد الولد؟ إشكال ، أقربه : الثبوت ، عملا بالعموم الدالّ على التحريم ، وأصالة إرادة الحقيقة ، وولد الولد يسمّى ولدا مجازا.

وكذا يثبت بينه وبين زوجته بالعقد المنقطع ، لأنّ التفويض في مال الرجل إنّما يثبت (٤) في حقّ العقد الدائم ، فإنّ للزوجة أن تأخذ من مال الرجل المأدوم.

ولا فرق بين الولد الذكر والأنثى ، لشمول اسم الولد لهما.

د ـ يثبت الربا بين السيّد وعبده المشترك بينه وبين غيره ، لخروج حصّة الغير عن ملكه في نفس العبد وفيما في يده ، وعليه دلّ حديث الباقر (٥) عليه‌السلام.

هـ ـ في ثبوت الربا بين المسلم والذمّيّ خلاف أقربه : الثبوت ، لعصمة أموالهم ، وعموم الأحاديث والنصوص الدالّة على تحريم مطلق الربا.

مسألة ١٠٦ : يجب على آخذ الربا المحرّم ردّه على مالكه إن عرفه‌ ، لأنّه مال له لم ينتقل عنه إلى الآخذ ، ويده يد عادية ، فيجب دفعه إلى المالك‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : فجائز.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١ ، المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٨ ـ ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩٢.

(٤) في « ق ، ك‍ » : ثبت.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٧ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ١٧ ، ٧٥ ، الاستبصار ٣ : ٧١ ، ٢٣٦.

٢٠٩

كالغصب. ولو لم يعرف المالك ، تصدّق به عنه ، لأنّه مجهول المالك. ولو وجد المالك قد مات ، سلّم إلى الوارث ، فإن جهلهم ، تصدّق به إذا لم يتمكّن من استعلامهم. ولو لم يعرف المقدار وعرف المالك ، صالحه. ولو لم يعرف المالك ولا المقدار ، أخرج خمسه ، وحلّ له الباقي.

هذا إذا فعل الربا متعمّدا ، وأمّا إذا فعله جاهلا بتحريمه ، فالأقوى أنّه كذلك.

وقيل : لا يجب عليه ردّه (١) ، لقوله تعالى ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) (٢) وهو يتناول المال الذي أخذه على وجه الربا.

وسئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنّه له حلال (٣) ، قال : « لا يضرّه حتى يصيبه متعمّدا [ فإذا أصابه متعمّدا ] (٤) فهو بمنزلة الذي قال الله عزّ وجلّ » (٥).

وفي الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : « أتى رجل إلى أبي عليه‌السلام (٦) ، فقال : إنّي قد (٧) ورثت مالا وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي وقد عرفت أنّ فيه ربا وأستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز ، فقالوا : لا يحلّ لك أكله‌

__________________

(١) قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٧٦.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : أنّ له حلالا. وما أثبتناه من المصدر.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٤ ـ ١٤٥ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ١٥ ، ٦٦.

(٦) في « ق ، ك » : أتى رجل أبي عليه‌السلام. وفي الطبعة الحجريّة والتهذيب : أتى رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام. وهو كما ترى.

(٧) كلمة « قد » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

٢١٠

من أجل ما فيه ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : إن كنت تعرف أنّ فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك ، وإن كان مختلطا فكله هنيئا ، فإنّ المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وضع ما مضى من الربا وحرّم عليهم ما بقي ، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ، ووجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه ، كما يجب على من يأكل الربا » (١).

إذا تقرّر هذا ، فإنّما أباح عليه‌السلام له الربا مع امتزاجه بناء على أنّ الميّت ارتكبه بجهالة ، وتمام الحديث يدلّ عليه.

القسم الثالث : الغرر. وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر (٢) ، كبيع عسيب الفحل ، وبيع ما ليس عنده ، وبيع الحمل في بطن امّه ، لنهيه عليه‌السلام عنه (٣). ولأنّه غرر ، لعدم العلم بسلامته وصفته وقد يخرج حيّا أو ميّتا ، ولا يقدر على تسليمه عقيب العقد ولا الشروع فيه ، بخلاف الغائب.

ومن الغرر بيع الملاقيح والمضامين. والملاقيح ما في بطون الأمّهات ، والمضامين ما في أصلاب الفحول. وكانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة وما يضربه الفحل في عام أو أعوام (٤).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦ ، ٧٠ ، وبتفاوت في بعض الألفاظ في الكافي ٥ : ١٤٦ ضمن الحديث ٩ ، والفقيه ٣ : ١٧٥ ، ٧٨٩.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ ، ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ ، ٢١٩٤ و ٢١٩٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٥٤ ، ٣٣٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ ، ١٢٣٠ ، سنن الدار قطني ٣. ١٥ ، ٤٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥١ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٤ ، ٧٥ ، مسند أحمد ١ : ٤٩٧ ، ٢٧٤٧.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ و ٣٤١ ، غريب الحديث ـ للهروي ـ ١ : ٢٠٦ ، الاستذكار ـ لابن عبد البرّ ـ ٢٠ : ٩٨ ، ٢٩٤٠٠.

(٤) كما في المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

٢١١

ومنه بيع المجر ، لنهيه عليه‌السلام عنه (١). ولأنّه غرر.

قال أبو عبيدة : هو بيع ما في الأرحام (٢). وقيل : القمار (٣) ، وقيل : المحاقلة والمزابنة (٤).

ويجوز أن يبيع الدابّة ويشترط حملها ، لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٥) والجهالة هنا لا تضرّ ، لأنّه تابع ، فأشبه أساسات الحيطان ، وهو أحد قولي الشافعيّة بناء منه على أنّ الحمل له حكمه (٦) ، فيجوز اشتراطه. وفي الثاني : لا يجوز بناء على أنّه لا حكم للحمل (٧).

ولو باعها على أنّها تضع بعد شهر أو مدّة بعينها ، بطل العقد ـ وبه قال الشافعي (٨) ـ لأنّه شرط غير مقدور.

مسألة ١٠٧ : لو باع شاة على أنّها لبون ، صحّ‌ ـ وبه قال الشافعي في أحد‌

__________________

(١) غريب الحديث ـ للهروي ـ ١ : ٢٠٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤١ ، الاستذكار ـ لابن عبد البرّ ـ ٢٠ : ٩٨ ، ٢٩٤٠٠.

(٢) حكاه عنه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٤.

(٣ و ٤) المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١. واختلف في معنى المحاقلة ، فقيل : هي اكتراء الأرض بالحنطة. وقيل : هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما. وقيل : هي بيع الطعام في سنبلة بالبرّ. وقيل : بيع الزرع قبل إدراكه. النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ٤١٦ « حقل ». وأمّا المزابنة فهي بيع الرطب في رءوس النخل بالتمر. وأصله من الزبن ، وهو الدفع ، كأنّ كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقّه بما يزداد منه. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٢ : ٢٩٤ « زبن ».

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٦) في الطبعة الحجريّة : حكم.

(٧) الوسيط ٣ : ٨٥ ، الوجيز ١ : ١٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣.

٢١٢

القولين (١) ـ لأنّه يتحقّق وجوده في الحيوان ، ويأخذ قسطا من الثمن ، فجاز شرطه.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ، لأنّه لا يصحّ بيعه في الضرع فلا يصحّ اشتراطه ، كالحمل (٢).

وبطلان التالي ممنوع. والفرق : عدم العلم بوجود الحمل ، بخلاف اللبن ، فإنّه معلوم الوجود.

أمّا لو شرط أنّها تحلب قدرا معلوما في كلّ يوم ، فإنّه لا يصحّ ، لتعذّر الوفاء به ، ولعدم ضبط اللبن.

مسألة ١٠٨ : يجوز بيع البيض المنفصل إذا كان ممّا يؤكل لحمه‌ ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّ المقصود وإن كان مستورا إلاّ أنّه لمصلحته ، كالجوز.

وإن كان غير ما يؤكل لحمه ، جاز عندنا أيضا إذا كان ممّا ينتفع به بأن يصير فرخا ، لأنّه لا ينتفع به في الأكل ، وهو أحد قولي الشافعي بناء على أنّ منيّة نجس أم لا ، فإن كان نجسا ، لم يجز بيعه ، وإلاّ جاز (٤).

وأمّا إذا كان متّصلا بالحيوان ، فلا يجوز بيعه منفردا ، كالحمل ، ويجوز اشتراطه.

وإن انفصل من الحيوان بعد موته ، فإن كان قد اكتسى الجلد الفوقاني الصلب ، كان مباحا. وإن لم يكتس الجلد الصلب ، كان حراما ، لأنّه مائع‌

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٢٦ ، الوسيط ٣ : ٨٤ ، المجموع ٩ : ٣٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥.

(٣) انظر : المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٦٩.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢.

٢١٣

فينجس بها ، وهو قول بعض الشافعيّة (١).

وقال بعضهم : إنّه لا يحلّ (٢) ، لأنّه بمنزلة لحمها. وهو ممنوع.

ويجوز بيع بزر القزّ عندنا ، لأنّه طاهر ينتفع به ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : لا يجوز بناء على بيض ما لا يؤكل لحمه (٣).

مسألة ١٠٩ : ومن الغرر بيع الطير في الهواء والسمك في الماء‌ وقد سلف (٤). ولا يجوز استئجار برك الحيتان لأخذ السمك منها ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأنّ العين لا تملك بالإجارة. وبيع السمك فيها لا يجوز ، لأنّه غرر.

فإن استأجرها ليحبس السمك فيها ويأخذه ، جاز ، كما يجوز إجارة الشبكة للصيد. ولأنّه عقد على منفعة مقصودة ، فجاز العقد عليها ، وبه قال أكثر الشافعيّة (٦).

وقال أبو حامد (٧) في التعليق : لا يجوز. وفرّق بين البركة والشبكة ، فإنّ الشبكة تحبس الصيد ، والاصطياد يكون بها ، وأمّا البركة فإنّ الصيد‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ١٨ ، المجموع ١ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ١ : ١١٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ١ : ١٨٦ ، روضة الطالبين ١ : ١٢٨.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ١ : ١٨٦ ، المجموع ١ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ١ : ١٢٨ ، حلية العلماء ١ : ١١٩ ـ ١٢٠.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤.

(٤) في ص ٥٠ و ٥١ ، المسألتان ٢٧ و ٢٨.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢٥.

(٧) هو أحمد بن محمّد الأسفرائيني ، المتوفّى سنة ٤٠٦ ه‍ ، له مصنّفات منها :

التعليقة الكبرى في الفروع. كشف الظنون ١ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤. وانظر ترجمته في طبقات الفقهاء ـ للشيرازي ـ : ٢٢٣ ، وتاريخ بغداد ٤ : ٣٦٨ ـ ٣٧٠ ، ٢٢٣٩ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٢٠٨ ـ ٢١٠. وكتابه هذا لم يتوفّر لدينا.

٢١٤

ينحصر فيها بغيرها.

وهذا لا معنى له ، لأنّ البركة بها يمكن الاصطياد ويحبس كالشّرك (١) ، والانتفاع المقصود حاصل بها.

فروع :

أ ـ لو استأجر أرضا للزراعة فدخل إليها السمك‌ ثمّ نضب الماء منها وبقي السمك ، لم يملكه المستأجر بذلك ، بل كان أحقّ به ، لأنّ غيره ليس له التخطّي في الأرض ولا الانتفاع بها ، فلو تخطّى أجنبيّ فأخذ السمك ، ملكه بالأخذ.

ب ـ لو طفرت سمكة إلى سفينة فيها ركّاب ، لم يملكها صاحب السفينة ، وهي لآخذها ، وليس صاحب السفينة أحقّ بها من الركّاب ، لأنّ لهم التخطّي فيها.

ج ـ لو عشّش الطائر في دار أو أرض وفرّخ فيها ، أو توحّل الظبي في أرضه ، لم يملكه بذلك ما لم يثبت يده عليه ، ويكون صاحب الأرض أحقّ بذلك. وكذا إذا سقط ثلج في أرض إنسان ، لم يملكه بذلك ، وكان أحقّ به. ولو دخل الماء في أرضه ، لم يملكه. فإن نصب شبكة فوقع فيها صيد ، ملكه وإن كانت في غير أرضه ، لأنّها بمنزلة يده. وكذا لو غرف الماء بدلوه ولو من أرض غيره ، ملكه. وهذه الفروع كلّها موافقة للشافعيّة (٢).

مسألة ١١٠ : بيع الفضولي جائز عندنا لكن يكون موقوفا على إجازة المالك‌ ، فإن أجاز البيع ، لزم ، وإلاّ بطل. ولا يقع فاسدا في أصله ولا لازما.

__________________

(١) الشّرك : حبائل الصائد. لسان العرب ١٠ : ٤٥٠ « شرك ».

(٢) لم نعثر على تلك الفروع في مظانّها من المصادر المتوفّرة لدينا.

٢١٥

ولا فرق بين البيع والشراء ـ وبه قال مالك والشافعي في القديم (١) ـ لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه ، وله مجيز في حال وقوعه ، فجاز أن يقف على إجازته ، كالوصيّة.

ولأنّه عليه‌السلام دفع إلى عروة البارقي دينارا يشتري به شاة ، فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وجاء بشاة ، ودينار ، فقال النبيّ عليه‌السلام : « بارك الله في صفقة يمينك » (٢) فأجاز عليه‌السلام بيع الشاة وشراء الشاتين ، ولو كان بيع الفضولي وشراؤه باطلين ، لما أقرّه عليه‌السلام على ذلك.

وقال أبو حنيفة : يقف البيع على إجازة المالك ، ولا يقف الشراء على إجازة المشتري له ، بل يقع للوكيل (٣).

وعن أحمد روايتان في البيع والشراء جميعا (٤).

وقال الشافعي في الجديد : يبطل البيع من أصله (٥) ، لقوله عليه‌السلام لحكيم ابن حزام : « لا تبع ما ليس عندك » (٦).

__________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٧٢ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٥٩ و ٢٦١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٦ و ٧٧ ، الوسيط ٣ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٣٠ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ ، ١٢٥٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠ ، ٢٩.

(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦٨ و ٦٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٨ و ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦ ، حلية العلماء ٤ : ٧٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٤) المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧٢.

(٥) الوسيط ٣ : ٢٢ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٣٠ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٥٩ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ ، ٢١٨٧ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٨٣ ، ٣٥٠٣ ، سنن النسائي

٢١٦

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك ، وعن ربح ما لم يضمن » (١).

ولأنّ بيع الآبق غير صحيح مع كونه مملوكا ، لعدم القدرة على التسليم ، فبيع ما لا ملك فيه ولا قدرة على تسليمه أولى.

والجواب : النهي لا يدلّ على الفساد في المعاملات. ونمنع التعليل في الآبق بما ذكر ، سلّمنا لكنّ الفرق ظاهر ، فإنّ القدرة في المتنازع موجودة إذا أجاز المالك.

فروع :

أ ـ هذا الخلاف الواقع في بيع الفضولي أو شرائه ثابت في النكاح على الأقوى‌ وإن كان للشيخ قول بأنّ النكاح لا يقع موقوفا بل إمّا لازم أو باطل (٢).

أمّا الطلاق فللشافعي القولان فيه وكذا في العتق (٣).

وأمّا الإجارة والهبة فعندنا يقعان موقوفين على الإجازة. وللشافعي القولان (٤).

ب ـ لو اشترى الفضولي لغيره شيئا بعين مال الغير ، وقف على الإجازة‌

__________________

٧ : ٢٨٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ ، مسند أحمد ٤ : ٤٠٣ ، ١٤٨٨٧ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٣ : ٢١٧ ، ٣٠٩٧.

(١) التهذيب ٧ : ٢٣٠ ، ١٠٠٥.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٤ : ١٦٣ ، الخلاف ٤ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، المسألة ١١.

(٣ و ٤) المجموع ٩ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

٢١٧

عندنا ، وهو القديم للشافعي ، وعلى الجديد لا يصحّ (١).

وإن اشترى في الذمّة ، فإن أطلق ونوى كونه للغير ، وقف على الإجازة ، فإن ردّ ، نفذ في حقّه ، وهو القديم للشافعي ، وعلى الجديد يقع للمباشر (٢).

ولو أضاف فقال : اشتريت لفلان بألف في ذمّته ، فهو كما لو اشترى بعين ماله. ولو قال : اشتريت لفلان بألف ، ولم يضف الثمن إلى ذمّة الغير ، وقف على إجازة الغير ، فإن ردّ ، احتمل نفوذه في حقّه. والبطلان.

وعلى قول الشافعي في القديم : يقف على الإجازة ، فإن ردّ ، فالاحتمالان (٣). وعلى الجديد وجهان : إلغاء التسمية فيقع العقد عن المباشر. والبطلان (٤).

ج ـ لو اشترى الفضولي لغيره شيئا بمال نفسه ، فإن لم يسمّه ، وقع العقد عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أو لا. وإن سمّاه ، فإن لم يأذن له ، لغت التسمية ، وبه قال الشافعي (٥).

وهل يقع عنه أو يبطل من أصله؟ احتمال. وللشافعي وجهان (٦).

وإن أذن له ، فهل تلغو التسمية؟ للشافعي وجهان ، فإن قلنا به ، ففي‌

__________________

(١ و ٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٣) في « ق ، ك‍ » ، والطبعة الحجريّة : فالاحتمالات. وما أثبتناه موافق لما في المصادر.

(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٣٠ ـ ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ـ ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٥ و ٦) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

٢١٨

بطلان العقد أو وقوعه عن العاقد وجهان. وإن قلنا : لا ، وقع عن الآذن (١).

والثمن المدفوع هل يكون قرضا أو هبة؟ فيه للشافعي وجهان (٢).

والأقرب : البطلان فيما لو أذن ، إذ ليس للإنسان أن يملك شيئا والثمن على غيره.

وقال أبو حنيفة في البيع والنكاح : إنّه يقف عقد الفضولي فيه على الإجازة. وأمّا الشراء فقد قال في صورة الشراء المطلق : يقع عن العاقد ، ولا يقع موقوفا (٣).

وعن أصحابه اختلاف فيما إذا سمّى الغير (٤).

د ـ شرط الوقف (٥) عند أبي حنيفة أن يكون للعقد مجيز في الحال‌ سواء كان مالكا أو لا حتى لو أعتق عن الطفل أو طلّق امرأته ، لا يتوقّف على إجازته بعد البلوغ. والمعتبر إجازة من يملك التصرّف عند العقد حتى لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز ، لم ينعقد. وكذا لو باع مال الغير ثمّ ملكه وأجاز (٦).

والمعتمد : أنّ الطلاق لا يقع موقوفا.

هـ ـ لو غصب مالا وباعه وتصرّف في ثمنه مرّة بعد اخرى ، كان ذلك موقوفا على اختيار المالك في إجازة الجميع أو أيّها شاء ، وفسخ الجميع أو أيّها شاء ، وله تتبّع العقود الكثيرة ، فيراعي مصلحته ، وهذا أضعف‌

__________________

(١ و ٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٨ ـ ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٤) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

(٥) أي : توقّف صحّة تصرّف الفضولي على الإجازة.

(٦) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

٢١٩

قولي الشافعي ، والأصحّ عنده : البطلان (١).

وكذا الخلاف لو ربح الغاصب في المغصوب ، يكون الربح له أو للمالك؟ (٢).

والحقّ عندنا أنّه إن اشترى بعين المال ، كان للمالك الربح مع الإجازة. وإن لم يجز ، بطل البيع من أصله. وإن اشترى في الذمّة ، فللغاصب الربح ، لأنّه نقد المال دينا عليه.

و ـ لو باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيّ وأنّه فضوليّ فظهر بعد العقد أنّه كان ميّتا‌ وأنّ الملك كان للبائع ، فإنّه يصحّ البيع ، لصدوره من المالك في محلّه ، وهو أصحّ قولي الشافعي (٣). وهذا بخلاف ما لو أخرج مالا وقال : إن مات مورّثي فهذا زكاة ما ورثته منه ، وكان قد ورث ، فإنّه لا يجزئه ، لأنّ النيّة شرط في الزكاة ، ولم يبن نيّته على أصل ، أمّا البيع فلا حاجة له إلى النيّة.

والثاني للشافعي : البطلان ، فإنّه وإن كان منجّزا في الصورة إلاّ أنّه معلّق في المعنى. والتقدير : إن مات مورّثي فقد بعتك. ولأنّه كالعابث حيث باشر العقد مع اعتقاده (٤) أنّه لغيره ، والعبث لا عبرة به في نظر الشرع (٥).

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٣ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٤) في « ق ، ك‍ » : اعتقاد.

(٥) الوسيط ٣ : ٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ـ ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

٢٢٠