تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

الأوّل : اللبن معظم منفعته في حال رطوبته ، وبقاء رطوبته من مصلحته ، بخلاف الرطب ، فإنّ رطوبته تفسده ، ومعظم منفعته إذا جفّ.

الثاني : الرطب ينتهي إلى حال الجفاف بنفسه ، فاعتبرت تلك الحال ، واللبن لا ينتهي إلى حال الجفاف بنفسه ، بل ربما يطرح معه غيره ليتجفّف ، فلم ينتظر به هذه الحال.

ج ـ يجوز بيع الجنس بعضه ببعض إذا لم يخالطه غيره ، فإن خالطه ماء أو ملح أو إنفحة وإن كان كثيراً ، لم يؤثّر في الجواز ، خلافا للشافعي (١).

لنا : أنّه مع الممازجة إن كان التساوي في الجنس باقيا ، جاز البيع مع التساوي قدرا ، وإن زال وحصل الاختلاف ، جاز مع التساوي قدرا ، وعدمه.

ولو باع حليبا بلبن قد حمض وتغيّر ولم يخالطه غيره ، جاز عندنا وعنده (٢) ، لأنّ تغيّر الصفة لا يمنع من جواز البيع ، كالجودة والرداءة.

مسألة ٨٣ : الأدهان تتبع أصولها ، وكذا الخلول والأدقّة والسمون‌ والعصير والدبوس والبيوض إن اعتبرنا العدد ، فدهن الشيرج والبزر ودهن اللوز والجوز أجناس مختلفة يباع بعضها ببعض متماثلا ومتفاضلا نقدا ، وفي النسيئة الأقوى : الكراهة ، لأنّها فروع أجناس مختلفة ، فتختلف باختلافها.

وخلّ العنب وخلّ التمر جنسان ، وكذا عصير العنب مع عصير الرطب جنسان ، ودبسهما جنسان أيضا.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

١٦١

ودقيق الحنطة ودقيق الشعير جنس واحد ، أمّا دقيق أحدهما مع دقيق الدخن أو الذرّة أو الباقلاء فجنسان.

وسمن الغنم وسمن البقر وسمن الإبل أجناس متعدّدة باختلاف أصولها.

وكذا السمن والزيت ، لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ وقد سئل عن الزيت بالسمن اثنين بواحد ، قال : « يدا بيد لا بأس » (١).

وبيض الدجاج والنعام والطيور أجناس مختلفة باختلاف الأصول ، وهو المشهور من مذهب الشافعي (٢).

وفي الأدقّة حكاية قول عن أمالي حرملة أنّها جنس واحد (٣).

وأبعد منه وجه ذكره الشافعيّة في الخلول والأدهان ، ويجري مثله في عصير العنب وعصير الرطب (٤).

وبيوض الطيور أجناس عندهم إن قالوا بتعدّد اللّحمان ، وإلاّ فوجهان ، أصحّهما : التعدّد في البيوض عندهم (٥).

والزيت المعروف مع زيت الفجل ـ وهو دهن يتّخذ من بزر الفجل يسمّى زيتا ـ جنسان ، لأنّه يصلح لبعض ما لا يصلح له الزيت.

ومن الشافعيّة من ألحقهما (٦) باللّحمان (٧).

والتمر من النخل مع التمر الهندي جنسان ، لاختلافهما في الحقيقة‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٤ ، ٣٩٩ ، و ٩٧ ، ٤١٦ ، و ١٢١ ، ٥٢٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٦) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : ألحقها. والصحيح ما أثبتناه.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧.

١٦٢

والأصول.

وعن [ ابن القطان ] (١) من الشافعيّة وجه : أنّهما واحد (٢).

والبطّيخ المعروف مع الهندي مختلفان.

وللشافعيّة فيه قولان (٣).

وكذا القثّاء مع الخيار.

والبقول ـ كالهندباء والنعنع وغيرهما ـ أجناس ، لاختلافهما حقيقة وجنسا.

مسألة ٨٤ : الأصل مع كلّ فرع له واحد‌ ، وكذا فروع كلّ أصل واحد ـ وذلك كاللبن الحليب مع الزّبد والسمن والمخيض واللّبإ والشيراز (٤) والأقط والمصل (٥) والجبن والترجين (٦) والكشك والكامخ ، والسمسم مع الشيرج والكسب والراشي ، وبزر الكتّان مع حبّه ، والحنطة مع الدقيق والخبز على اختلاف أصنافه من الرقاق والفرن وغيرهما ومع الهريسة ، والشعير مع السويق ، والتمر مع السيلان والدبس والخلّ منه والعصير منه ، والعنب مع دبسه وخلّه ، والعسل مع خلّه ، والزيت مع الزيتون وغير ذلك ـ عند علمائنا‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : أبي العطاف. وذلك تصحيف. وما أثبتناه كما في المصدر ، وهو الموافق لما في تاريخ بغداد ٤ : ٣٦٥ ، ٢٢٢٩ ، وطبقات الفقهاء ـ للشيرازي ـ : ١٢١ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٢١٤ ، ٣٢٧ ، وطبقات الشافعيّة ـ للاسنوي ـ ٢ : ١٤٦ ، ٩١٧ ، وطبقات الشافعيّة ـ لابن قاضي شهبة ـ ١ : ١٢٤ ، ٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٤) الشيراز : اللبن الرائب المستخرج ماؤه. تاج العروس ٤ : ٤٣ « شرز ».

(٥) المصل : ما سال من الأقط إذا طبخ ثمّ عصر. لسان العرب ١١ : ٤٢٦ « مصل ».

(٦) ارتجن الزّبد : طبخ فلم يصف وفسد. لسان العرب ١٣ : ١٧٦ « رجن ».

١٦٣

أجمع ، فلا يجوز التفاضل بين اللبن والزّبد والسمن والمخيض واللّبإ والأقط وغير ذلك ممّا تقدّم ، بل يجب التماثل نقدا ، ولا يجوز نسيئة لا متماثلا ولا متفاضلا. ولا فرق في ذلك بين أن يباع الأصل مع فرعه ، أو بعض فروعه مع البعض.

ومنع الشافعي من بيع الزّبد والسمن باللبن متساويا نقدا ، لأنّهما مستخرجان من اللبن ، ولا يجوز عنده بيع ما استخرج من شي‌ء بأصله (١) ، كما لا يجوز بيع الشيرج بالسمسم ، والزيت بالزيتون (٢).

وهو غلط ، لأنّهما إن تساويا في الحقيقة ، جاز البيع فيهما مع التساوي قدرا ونقدا. وإن اختلفا ، جاز مطلقا.

قال أبو إسحاق ـ ممّا حكي عنه في التعليل ـ : إنّ الزّبد لا يخلو من لبن فيكون بيع لبن مع غيره بلبن (٣).

ولا يرد بيع اللبن بمثله ، لأنّ الزّبد لا حكم له ما دام في أصله ولم ينفرد ، فإنّ بيع السمسم بالسمسم يجوز مع تفاضل الدهن ولا يجوز بيع الشيرج بالسمسم.

وهذا الأصل عندنا باطل ، لأنّه عندنا يجوز بيع السمسم بالشيرج متساويا نقدا لا نسيئة.

ومنع الشافعي أيضا من بيع المخيض باللبن ، لأنّ اللبن فيه زبد‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ١ : ٣٥٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ١٢١.

١٦٤

والمخيض لا زبد فيه فيؤدّي إلى تفاضل اللبنين (١).

وما ذكرناه أحقّ ، لعدم الانفكاك من التماثل والاختلاف ، وعلى كلا التقديرين يجوز.

وقد علّل (٢) أيضا بأنّ في المخيض أجزاء مائيّة ، ولا يجوز بيع المشوب بالماء بالخالص. وهو ممنوع أيضا.

ومنع أيضا من بيع اللّبإ والشيراز بالحليب ، لانعقاد أجزائها ، فلا يمكن كيلها ، ولا يجوز بيع اللبن وزنا (٣). وهو ممنوع.

ومنع أيضا من بيع اللبن بالمصل والجبن والكشك ، لانعقاد أجزائها ، ومخالطة الملح والإنفحة (٤).

وهو ممنوع ، لأنّ الأجزاء اليسيرة لا اعتبار لها في حصول الاختلاف ، ولو حصل ، جاز أيضا.

وأمّا المطبوخ فإن لم تنعقد أجزاؤه وإنّما يسخن ، فإنّه يجوز عنده بيع بعضه ببعض ، كالعسل المصفّى بالشمس والنار (٥). وإن طبخ حتى انعقدت أجزاؤه ، فوجهان عنده : الجواز ، كما يجوز بيع الدهن بالدهن ، والمنع ، لما فيه من لبن وغيره ، فكان كبيع لبن وغيره بلبن (٦). والأصل ممنوع.

والسمن يجوز بيع بعضه ببعض ، لأنّه لا يخالطه غيره. قال : وبيعه‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ١ : ٣٥٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ٥ : ١٢٢.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢١.

(٥) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٣ و ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

(٦) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

١٦٥

وزنا أحوط (١).

وأمّا المخيض فإن خالطه ماء ، لم يجز بيع بعضه ببعض عنده ، لجواز تفاضل اللبنين أو الماءين ، وإن لم يخالطه ماء ، جاز (٢).

وعندنا يجوز مطلقا.

وأمّا الأقط والمصل والجبن والكامخ فلا يجوز بيع الواحد منها بواحد من نوعه عنده ، لانعقاد أجزائها ، والكيل مختلف فيها والكيل أصلها ، وفيها ما خالطه غيره (٣).

ولا اعتبار عندنا بذلك بل يجوز.

وأمّا بيع نوع منها بنوع آخر ـ كالسمن بالزّبد والمخيض ، والزّبد بالمخيض ـ فإنّه جائز عندنا.

ومنع الشافعي من السمن بالزّبد ، لأنّ السمن مستخرج منه ، وجوّز الباقي ، وإنّما أجاز المخيض بالسمن ، لأنّ المخيض ليس فيه سمن ، فكانا بمنزلة الجنسين (٤).

ثمّ اعترض على نفسه في المنع من بيع الشيرج بالكسب ، والمخيض والسمن بمنزلته.

وأجاب : بأنّ الكسب لا ينفرد عن الشيرج ، ولا بدّ أن يبقى فيه شي‌ء ،

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧ ـ ٥٨.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢١ و ١٢٢.

١٦٦

بخلاف اللبن ، فإنّ المخيض لا يبقى فيه سمن (١).

وعندنا أنّ المخيض والسمن جنس يجوز بيع بعضه ببعض متماثلا لا متفاضلا.

وأمّا الزّبد بمثله يجوز بيعه به.

وحكي عن أبي إسحاق أنّه لا يجوز ، لأنّه إذا كان في الزّبد لبن ، لم يجز بيعه باللبن عنده (٢).

والصحيح عندهم : الجواز ـ كمذهبنا ـ لأنّ ذلك القدر يسير لا يتبيّن إلاّ بالنار والتصفية ، فلم يكن له حكم (٣).

فروع :

أ ـ دهن السمسم وكسبه جنس واحد عندنا ، لما بيّنّا من أنّ الفروع المستندة إلى أصل واحد جنس واحد ، فلا يجوز بيع الشيرج بالكسب متفاضلا.

وقال الشافعي : إنّهما جنسان ، كالمخيض والسمن (٤).

والأصل عندنا ممنوع.

ب ـ عصير العنب مع خلّه وعصير التمر مع خلّه‌ بل والعنب مع خلّه والتمر مع خلّه جنس واحد في كلّ واحد منها ، فلا يجوز بيع عصير العنب بخلّ العنب متفاضلا ، ولا عصير التمر بخلّ التمر متفاضلا.

__________________

(١) لم نعثر على الاعتراض والجواب فيما بين أيدينا من المصادر.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ وفيه الصحيح عدم الجواز من دون نسبته إلى أبي إسحاق ، وكذا في بقيّة المصادر.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ وفيه الصحيح عدم الجواز من دون نسبته إلى أبي إسحاق ، وكذا في بقيّة المصادر.

(٤) التذهيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

١٦٧

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّهما جنسان ، لاختلافهما في الوصف والاسم والمقصود (١). وهو ممنوع.

ج ـ الشيرج مع دهن ما يضاف إليه جنس واحد يحرم التفاضل فيه‌ ويجب التساوي نقدا ، كالشيرج ودهن البنفسج ودهن النيلوفر.

مسألة ٨٥ : يجوز بيع عسل النحل بعضه ببعض متساويا نقدا‌ ، ولا يجوز نسيئة ولا متفاضلا مطلقا قبل التصفية من الشمع وبعدها ، لأصالة الإباحة ، وورود النصّ (٢) بها مع سلامته عن معارضة الربا ، لما يأتي من جواز بيع الشيئين المختلفين بجنسيهما ، وبعد التصفية يكونان مثلين.

ومنع الشافعي من بيع بعضه ببعض قبل التصفية متساويا ومتفاضلا ، لأدائه إلى تفاضل العسلين ، لأنّ الشمع قد يكون في أحدهما أكثر (٣).

ثمّ اعترض أصحابه بجواز بيع التمر بعضه ببعض وإن جاز أن يكون النوى في أحدهما أكثر ، وكذا بيع قديد اللحم بقديد وإن كان فيه عظام.

ثمّ أجابوا بأنّ النوى والعظام من مصلحة التمر واللحم فلم يكلّف نزعه ، للضرورة ، فجاز بيعه معه ، بخلاف الشمع. ولأنّ العظام والنوى غير مقصودين ، بخلاف الشمع ، ولا يجوز ما فيه الربا بجنسه ومعه ما يقصد بالبيع (٤). وهو ممنوع.

وأمّا إن صفّي فإن صفّي بالشمس ، جاز بيع بعضه ببعض ، لأنّ الشمس لا يختلف تأثيرها فيه. وإن صفّي بالنار ، فوجهان ، أصحّهما :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) الامّ ٣ : ٢٤ ، مختصر المزني : ٧٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٨.

(٤) انظر : الحاوي الكبير ٥ : ١١٨.

١٦٨

الجواز ، لقلّة الاختلاف. والبطلان ، لاختلاف أثر النار ، فربما عقدت أجزاء بعضه دون بعض (١).

والحقّ ما قلناه نحن.

فروع :

أ ـ عسل الطّبرزد وعسل القصب جنس واحد ، وهما جميعا من قصب السكر. ويجوز بيع أحدهما بالآخر وبعض منه ببعض عند علمائنا.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما ، لخفّة أثر النار فيهما. والثاني : المنع ، لأجل الطبخ (٢).

وعندنا لا أثر للنار في المنع.

ب ـ يجوز بيعهما بعسل النحل ، لأنّهما جنسان مختلفان باختلاف أصولهما ، فجاز التساوي فيهما والتفاضل نقدا ، وفي النسيئة خلاف.

ج ـ يجوز بيع السّكّر بالسّكّر متساويا نقدا لا نسيئة. وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : المنع ، لأنّ النار تدخله (٣). وقد بيّنّا أنّ ذلك غير مانع.

د ـ يجوز بيع السّكّر بعسل النحل متفاضلا ، لاختلافهما في الجنس.

ويجوز بيع السّكّر بعسله عندنا ، خلافا للشافعي (٤).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٤.

(٢) حكى الوجهين السبكي في تكملة المجموع ١١ : ٩٧ عن القاضي أبي الطيّب وغيره.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

(٤) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفّرة لدينا.

١٦٩

هـ ـ يباع العسل بالعسل وزنا وكيلا ، لعدم التفاوت بينهما ، وثبوت التقارب فيهما.

وقال الشافعي : يباع وزنا (١).

وقال أبو إسحاق : يباع كيلا ، لأنّ أصله الكيل (٢).

و ـ السكّر والنبات والطّبرزد جنس واحد ، وبه قال الشافعي (٣).

والسّكّر الأحمر ـ وهو القواليب (٤) ـ عكر (٥) الأبيض ومن قصبه جنس من السّكّر والنبات أيضا.

قال الجويني : الأظهر أنّه من جنس السّكّر (٦).

وللشافعيّة وجهان (٧).

مسألة ٨٦ : قد بيّنّا أنّ أصل كلّ شي‌ء وفرعه واحد يباع أحدهما بالآخر متساويا‌ لا متفاضلا ، نقدا ، ولا يجوز نسيئة مطلقا إذا كان ممّا يكال أو يوزن ، فيجوز بيع الحنطة بدقيقها ودقيق الشعير وسويقها والسويق بالدقيق متساويا ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك وربيعة والليث والنخعي وقتادة وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، لكن بعض أصحابه أنكر هذا القول عنه ، وعن أحمد روايتان (٨) ـ عملا بالأصل السالم عن‌

__________________

(١ و ٢) كما في الخلاف ـ للشيخ الطوسي ـ ٣ : ٥٨ ، المسألة ٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧.

(٤) القلبة ـ بالضمّ ـ : الحمرة. وقلبت البسرة : إذا احمرّت. تاج العروس ١ : ٤٣٧ « قلب ».

(٥) ورد في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « عكس » بدل « عكر » وذلك تصحيف. وما أثبتناه هو الصحيح. والعكر : درديّ كلّ شي‌ء وآخره وخاثره. لسان العرب ٤ : ٦٠٠ « عكر ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٨) المغني ٤ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٣٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٠٨ و ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ و ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

١٧٠

معارضة الربا ، لوجوب التساوي الرافع للربا.

وقول الباقر عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « الدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به » (١) ومثله عن الصادق (٢) عليه‌السلام.

ولأنّ الدقيق نفس الحنطة ، وإنّما تفرّقت أجزاؤه ، فصار بمنزلة الحنطة الدقيقة مع السمينة.

والمشهور عن الشافعي : المنع ـ وهو محكيّ عن الحسن البصري ومكحول والحكم وحمّاد وأحمد في الرواية الأخرى ـ لأنّ التماثل معتبر في ذلك بحالة الكمال والادّخار ، لأنّ النبي عليه‌السلام سئل عن بيع الرطب بالتمر ، فقال : « أينقص الرطب إذا يبس؟ » قالوا : نعم ، قال : « فلا إذن » (٣) فإذا باع الدقيق بالحنطة ، لم يعلم تساويهما حنطتين ، فلم يجز (٤).

والجواب : المنع من التفاوت ، لأصالة بقاء التساوي.

وقال أبو ثور (٥) : يجوز بيع الدقيق بالحنطة متفاضلا ، لأنّهما بمنزلة الجنسين ، لاختلافهما في الاسم ، فإنّه لو حلف لا يأكل أحدهما ، لم يحنث‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٧٨ ، ٨٠٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ ، ٤٠١.

(٢) دعائم الإسلام ٢ : ٤٢ ، ٩٨.

(٣) سنن الدار قطني ٣ : ٥٠ ، ٢٠٦ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٣٨ ، المغني ٤ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦ ، المغني ٤ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ١٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٢.

١٧١

بأكل الآخر.

والجواب : الاختلاف بالاسم لا يوجب الاختلاف في الحقيقة ، لأنّ (١) أفراد النوع تختلف في الاسم وإن استوى حكمه. وينتقض ببيع اللحم بالحيوان ، مع أنّ النصّ عن أهل البيت عليهم‌السلام المنع ، ولم يقولوا ذلك إلاّ عن وحي.

فروع :

أ ـ قد بيّنّا أنّه يجوز بيع الحنطة بالسويق متساويا نقدا ، لأنّهما جنس واحد.

ومنع الشافعي (٢) منه ، بل جعلوه أبعد من الحنطة بالدقيق في الجواز ، لأنّ النار تدخله ، ومنه ما ينقع بالماء ثمّ يجفّف ثمّ يقلى.

والكلّ عندنا جائز متساويا نقدا ، لقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل عن البرّ بالسويق ، فقال : « مثلا بمثل لا بأس به » (٣).

ب ـ يجوز بيع الحنطة بالخبز متساويا نقدا ، ولا يجوز نسيئة ولا متفاضلا.

لنا : أنّ الخبز فرع الحنطة ، فكان حكمها حكم الجنس الواحد.

وقال الشافعي (٤) : لا يجوز بيع الحنطة بالخبز ـ وبه قال أحمد (٥) ـ لأنّه‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : فإنّ ، بدل لأنّ.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦ ، المغني ٤ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٩ ، ٩ ، التهذيب ٧ : ٩٥ ، ٤٠٤.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(٥) الشرح الكبير ٤ : ١٦٠.

١٧٢

متنوّع أصل يحرم فيه الربا ، فلم يجز بيعه بالدقيق مع الحنطة.

والجواب : المنع من حكم الأصل.

وقال أبو حنيفة : يجوز بيع الخبز بالحنطة متفاضلا (١) ـ وهو قياس قول أبي ثور (٢) ـ لأنّ بالصنعة صار في حكم الجنسين.

والجواب : زيادة الصفة غير مؤثّرة في الاتّحاد بالحقيقة.

ج ـ يجوز بيع الخبز بالخبز ، سواء كانا رطبين أو يابسين أو بالتفريق ، مثلا بمثل ، نقدا لا نسيئة ـ وبه قال أحمد (٣) ـ للأصل ، ولأنّ معظم منفعتهما في حال رطوبتهما ، فجاز بيع أحدهما بالآخر ، كاللبن باللبن.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع أحدهما بالآخر ، إذا كانا رطبين أو أحدهما ، لأنّهما جنس يجري فيه الربا ، بيع بعضه ببعض على صفة يتفاضلان في حال الكمال والادّخار.

وإن كانا يابسين مدقوقين بحيث يمكن كليهما ، فقولان :

قال في كتاب الصرف : لا يجوز ، لأنّه قد خالطه الملح ، فقد يكثر في أحدهما دون الآخر.

وروى عنه حرملة أنّه يجوز ، لأنّ ذلك حالة كمال وادّخار ، وليس للملح موضع للمكيال ، فإنّ الملح يطرح مع الماء فيصير صفة فيه (٤).

والحقّ ما قدّمناه من الجواز مطلقا.

__________________

(١) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٤.

(٢) حلية العلماء ٤ : ١٨٤.

(٣) المغني ٤ : ١٥٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٣ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٤.

(٤) الام ٣ : ٨٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ و ٩١.

١٧٣

د ـ بيع الحنطة بالفالوذج جائز عندنا. ومنع الشافعي (١) من بيعه بالحنطة كالدقيق ، لأنّه نشأ ، وهو من الحنطة ، وكذا كلّ ما يعمل من الحنطة لا يجوز بيعه بالحنطة ، وكذا ما يعمل من التمر لا يباع بالتمر ، وكلّ ما يجري فيه الربا كذلك.

وعندنا يجوز متساويا مع الاتّفاق ، ومتفاضلا لا معه.

هـ ـ بيع الدقيق بالدقيق جائز إذا اتّحد أصلهما ، كدقيق الحنطة بمثله أو بدقيق الشعير ، لأنّهما جنس على ما تقدّم (٢). ولا فرق بين الناعم بالناعم أو الخشن بالناعم ، ومع الاختلاف في الأصل يجوز متفاضلا نقدا ، ويكره نسيئة ، كدقيق الحنطة بدقيق الذرّة ، وبه قال أحمد (٣).

واختلف قول الشافعي في الدقيق بالدقيق مع اتّحاد الجنس ، فقال في القديم والجديد معا : لا يجوز ، لإمكان تفاضلهما حال الكمال والادّخار ، لإمكان كون أحدهما من حنطة ثقيلة الوزن ، والآخر من خفيفة ، فيستويان دقيقا ناعما ولا يستويان حنطة (٤).

والمعتبر إنّما هو حالة البيع ، على أنّ التجويز لا ينافي المعلوم.

ونقل البويطي والمزني معا عنه الجواز (٥).

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٠.

(٢) في ص ١٦٢ ، المسألة ٨٣.

(٣) المغني ٤ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦ ، المغني ٤ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢.

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

١٧٤

وقال أبو حنيفة : يجوز بيع الناعم بالناعم والخشن بالخشن ، ولا يجوز بيع الناعم بالخشن (١).

وقد سبق (٢) أنّ الاختلاف في الأوصاف لا يؤثّر في الاتّحاد في الحقيقة.

و ـ يجوز بيع الدقيق بالسويق متساويا نقدا ، ولا يجوز متفاضلا ولا نسيئة ، لاتّحادهما في الحقيقة.

ولقول الباقر عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « الدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به » (٣).

وقال الشافعي : لا يجوز ، لدخول النار في السويق (٤). ونمنع المانعيّة.

وقال مالك وأبو يوسف ومحمّد : يجوز بيع الدقيق بالسويق متفاضلا (٥). ورواه أبو يوسف عن أبي حنيفة (٦).

وروايته الأصل أنّه لا يجوز ، لأنّ السويق صار بالصنعة جنسا آخر ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٣ ، المغني ٤ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢.

(٢) في ص ١٧٣.

(٣) الفقيه ٣ : ١٧٨ ، ٨٠٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ ، ٤٠١.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٠ ، المغني ٤ : ١٥٣ ـ ١٥٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢.

(٥) المدوّنة الكبرى ٤ : ١٠٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٨ ، المغني ٤ : ١٥٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢.

(٦) نقله الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٥٤ ، المسألة ٧٦.

١٧٥

فصار كالجنسين (١).

وهو ممنوع ، ومنتقض بالدقيق مع الحنطة ، فإنّه قد زال عنه اسمها بالصنعة ولم يصر جنسا آخر.

مسألة ٨٧ : الخلول إن اتّحدت أصولها ، جاز بيع بعضها ببعض متساويا نقدا‌ ، ولا يجوز نسيئة. وإن اختلفت ، جاز التفاضل نقدا ، ويكره نسيئة ، فيجوز بيع خلّ العنب بخلّ العنب متساويا ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّ تلك حال ادّخاره ، فصار كبيع الزبيب بالزبيب.

وكذا يجوز بيع خلّ العنب بعصيره متساويا عندنا وعنده (٣) ، لأنّه لا ينقص إذا صار خلاّ ، فهما متساويان في حال الادّخار.

ويجوز بيع خلّ العنب بخلّ التمر عندنا وعنده (٤) ، لأنّهما جنسان.

ويجوز بيع خلّ العنب بخلّ الزبيب عندنا ـ خلافا له (٥) ـ لاتّحاد أصلهما.

احتجّ بأنّ في خلّ الزبيب ماء.

وهو غير مانع ، لأنّه إن أفاد اختلاف الحقيقة ، جاز متفاضلا ، وإلاّ متساويا.

ويجوز بيع خلّ الزبيب عندنا ، لاتّحاد جنسهما.

__________________

(١) فتاوى قاضى خان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٧٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٧.

(٢) الام ٣ : ٨١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٣) المجموع ١١ : ١٥٠.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ١١٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ١١٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

١٧٦

وقال الشافعي : لا يجوز ، لأنّ في كلّ واحد منهما ماء ، فإن قلنا : في الماء ربا ، لم يجز ، لمعنيين : جواز تفاضل الزبيب والعنب ، وجواز تفاضل الماء (١). وليس بشي‌ء.

وكذا يجوز بيع خلّ التمر بخلّ التمر عندنا ، خلافا له ، لاشتمالهما على الماء عنده (٢).

فأمّا خلّ التمر بخلّ الزبيب (٣) فإنّه يجوز عندنا متساويا ومتفاضلا.

وعنه وجهان : إن قلنا : في الماء ربا ، لم يجز. وإن قلنا : لا ربا فيه ، جاز ، لاختلاف جنسي الزبيب والتمر (٤).

وأمّا بيع الدبس بالدبس فيجوز عندنا متساويا مع اتّفاق أصله ، كدبس التمر بدبس التمر ، ومع الاختلاف يجوز التفاضل ، كدبس التمر بدبس العنب.

ومنع الشافعي من جوازه وإن تساويا قدرا وجنسا ، لاشتماله على الماء وقد دخلته النار (٥).

ويجوز عندنا بيع الدبس بالتمر مع اتّحاد الأصل متساويا نقدا ، ولا يجوز نسيئة.

وقال الشافعي : لا يجوز مطلقا ، لما تقدّم (٦).

__________________

(١ و ٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٣) في « ق ، ك‍ » : خلّ الزبيب بخلّ التمر.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.

(٥) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

(٦) انظر : التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٠.

١٧٧

مسألة ٨٨ : يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز‌ وإن كان عليهما قشر ، لأنّ صلاحه فيه. والجوز موزون ، لأنّه أكبر من التمر وربما تجافى في المكيال. وأمّا اللوز فإنّه مكيل ، وهذا مذهب الشافعي (١).

وحكى القاضي ابن كج عن نصّ الشافعي أنّه لا يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز في القشر (٢).

ويجوز عندنا بيع لبّ الجوز بلبّ الجوز ولبّ اللوز بلبّ اللوز ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ عملا بالأصل.

وعند الشافعيّة وجه آخر : أنّه لا يجوز بيع اللبّ باللبّ ، لخروجه عن حال الادّخار (٤).

ويجوز بيع البيض بالبيض وإن كان أحدهما أكبر أو أزيد من الآخر.

وللشافعي قولان : أحدهما : المنع ، كما في الجوز بالجوز. والثاني ـ وهو المشهور ـ : الجواز مع التساوي (٥). والمعيار فيه الوزن عنده (٦).

وليس بشي‌ء.

مسألة ٨٩ : الأدهان أربعة :

أ ـ ما يعدّ للأكل ، كالزيت والشيرج ودهن الجوز واللوز (٧) ودهن الصنوبر وما أشبه ذلك ، فهذا يجري فيه الربا بشرط التساوي جنسا ، وإنّما يتساوى الجنس باعتبار اتّحاد الأصول على ما تقدّم ، فيجوز بيع الشيرج‌

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، وانظر روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٣ ـ ٥) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٧) في « ق ، ك‍ » : اللوز والجوز.

١٧٨

بالشيرج متساويا نقدا ، ولا يجوز نسيئة ، وهو ظاهر مذهب الشافعيّة (١).

وحكي عن أبي إسحاق أنّه قال : الشيرج لا يباع بعضه ببعض ، لأنّه يطرح في طبخه الماء والملح (٢).

وليس بصحيح ، لأنّ الماء لا يختلط به ويتميّز مع كسبه ، وكذا الملح وإن أثّر طعمه فيه دون جسمه ، على أنّ هذا المزج لا يغيّر الحقيقة عن التساوي.

ويجوز بيع جنس بجنس آخر متساويا ومتفاضلا نقدا ، ويكره نسيئة ، كدهن الشيرج بدهن اللوز ، وبه قال الشافعي (٣).

ب ـ ما يعدّ للتطيّب ، كدهن الورد والبنفسج والبان. وعندنا يجري فيه الربا ، لأنّه موزون سواء اختلف ما يضاف إليه أو لا.

وللشافعي قولان ، أحدهما : أنّه لا ربا فيه ، لأنّه لا يعدّ للأكل. والثاني : فيه الربا ، لأنّ أصله السمسم ، وإنّما يعدّ لأعظم منفعته ، لأنّه ليس بمأكول ، وحينئذ فكلّه واحد ، لأنّ أصله واحد وإنّما اختلفت الرائحة (٤).

وقال أبو حنيفة : يجوز بيع المتطيّب متفاضلا وإن كان أصله واحدا إذا اختلف طيبه ، لاختلاف المقصد بهما ، فصارا كالجنسين (٥).

وقالوا أيضا : يجوز بيع المتطيّب بغير المتطيّب متفاضلا (٦).

والكلّ باطل ، لأنّها فروع أصل واحد فيه الربا ، فلا يجوز التفاضل‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، المجموع ١١ : ١٣٩.

(٣) انظر : الام ٣ : ١٩.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦ ، المغني ٤ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٢.

(٥) المغني ٤ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٥.

(٦) حلية العلماء ٤ : ١٨٥.

١٧٩

فيها.

ج ـ ما يعدّ للتداوي ، كدهن الخوخ واللوز المرّ وحبّة الخضراء وما أشبه ذلك ، فإنّه يجري فيه الربا ، لأنّه مكيل أو موزون. وعلّل الشافعي بأنّه يؤكل للتداوي (١).

د ـ ما يعدّ للاستصباح ، كالبزر ودهن السمك. ويجري فيهما الربا ، لأنّه مكيل أو موزون ، فيباع كلّ واحد منهما بجنسه متساويا نقدا لا نسيئة ، وبصاحبه متفاضلا نقدا ونسيئة.

وللشافعيّة وجهان (٢) ، أحدهما : جريان الربا فيه ، لأنّه يؤكل ، وأصله حبّ الكتّان ، وهو مأكول يطرح في الملح. والثاني : لا يجري ، لأنّه لا يؤكل في عادة الناس ، ولهذا لا يستطاب ، وأكله سفه.

مسألة ٩٠ : يجوز بيع المطبوخ بالني‌ء من جنسه ومن غير جنسه‌ ، وكذا المطبوخ بالمطبوخ ، لكن يعتبر في المتّحد جنسه تساوي القدر والحلول دون غيره ، عند علمائنا ، عملا بالأصل.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع المطبوخ بالني‌ء (٣) مع اتّحاد الجنس مطلقا ، لأنّ النار تعقد أجزاءه فتختلف فيؤدّي ذلك إلى التفاضل بينهما لو كانا على حالة الادّخار (٤).

__________________

(١) انظر : المجموع ٩ : ٣٩٨ ، و ١٠ : ١٨٥.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥.

(٣) في نسختين من التذكرة ، المرموز لهما بـ « خ ، ه‍ » المعتمدتين في تحقيق قسم البيع ( الجزء السابع ) منها المطبوع بمطبعة النجف عام ١٣٧٤ ه‍ زيادة : ولا بيع المطبوخ بالمطبوخ.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

١٨٠