تذكرة الفقهاء - ج ١٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥

والحسن والحكم وحمّاد بن أبي سليمان (١) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه (٢).

وقول الصادق عليه‌السلام : « ما لم يكن فيه (٣) كيل أو وزن فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه إلاّ أن يوليه الذي قام عليه » (٤).

والمنع في الطعام‌ خاصّة ـ وبه قال مالك وأحمد في رواية (٥) ـ لما تقدّم في الحديثين.

قال ابن عبد البرّ : الأصحّ عن أحمد بن حنبل أنّ الذي منع من بيعه قبل قبضه هو الطعام (٦).

وقال [ ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى ينقله من مكانه (٧).

وقال ] (٨) أصحاب الرأي : بيع المنقول قبل القبض لا يجوز.

وأمّا العقار فقال محمّد بن الحسن : لا يجوز قبل قبضه (٩).

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : يجوز ، لأنّ عدم القبض في المنقول‌

__________________

(١) المغني ٤ : ٢٣٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، المجموع ٩ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢.

(٢) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١١ : ١٢ ، ١٠٨٧٥.

(٣) كلمة « فيه » لم ترد في المصدر ، كما سبق الحديث بدونها في ص ١٠١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٥ ، ١٤٦.

(٥) بداية المجتهد ٢ : ١٤٤ ، المحلّى ٨ : ٥٢١ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٤ : ٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٧٠ ، المغني ٤ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٤.

(٦) المغني ٤ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥.

(٧) المجموع ٩ : ٢٧٠ ، المغني ٤ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥.

(٨) ما بين المعقوفين لم يرد في « ق ».

(٩) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٧.

١٢١

مانع من الجواز ، لخطر انفساخ البيع بهلاك المعقود عليه ، وهذا لا يتحقّق في العقار (١).

ولنا قول خامس : المنع من المكيل والموزون خاصّة إلاّ تولية ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلاّ أن توليه ، فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه » (٢).

والأقرب عندي : الكراهيّة إلاّ في الطعام فالمنع أظهر‌ وإن كان فيه إشكال.

فروع :

أ ـ المبيع إن كان دينا ، لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين ، لأنّ المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع عدمه أولى ، فلا يجوز بيع [ المسلم فيه ] (٣) قبل قبضه ولا الاستبدال به ، وبه قال الشافعي (٤).

ب ـ تجوز الحوالة بالمسلم فيه بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقّه‌ على من له عليه دين من قرض أو إتلاف. وعليه بأن يحيل المسلم من له عليه دين من قرض أو إتلاف على المسلم [ إليه ] (٥) لأنّ الحوالة إيفاء‌

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨١ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٧٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ و ٢٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، المغني ٤ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٧ ـ ١٢٨.

(٢) الفقيه ٣ : ١٢٩ ، ٥٦٠ ، التهذيب ٧ : ٣٥ ـ ٣٦ ، ١٤٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : السّلم. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٠٨ ، المجموع ٩ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، منهاج الطالبين : ١٠٣ ، الوجيز ١ : ١٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : فيه. والصحيح ما أثبتناه.

١٢٢

واستيفاء ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

وآخر : تجوز الحوالة به ، لأنّ الواجب على المسلم إليه توفير الحقّ على المسلم وقد فعل ، ولا تجوز الحوالة عليه ، لأنّها بيع سلم بدين.

وأصحّها (١) : المنع ، لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره (٢).

ج ـ لو كان الدّين ثمنا ـ كما لو باع بدراهم أو دنانير في الذمّة‌ ـ ففي الاستبدال عنها لنا روايتان بالجواز ـ وهو جديد الشافعي (٣) ـ لأنّ ابن عمر قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير فآخذ مكانها الورق ، وأبيع بالورق فآخذ مكانها الدنانير ، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : « لا بأس به بالقيمة » (٤).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن رجل باع طعاما بدراهم إلى أجل ، فلمّا بلغ الأجل تقاضاه ، فقال : ليس عندي دراهم خذ منّي طعاما ، قال : « لا بأس به إنّما له دراهم يأخذ بها ما شاء » (٥).

والقديم : المنع ، للنهي عن بيع ما لم يقبض. ولأنّه عوض في معاوضة ، فأشبه المسلم فيه (٦).

د ـ لو باع بغير الدراهم والدنانير في الذمّة ، فجواز الاستبدال عنه مبنيّ على أنّ الثمن ما ذا؟ والمثمن ما ذا؟

والوجه : أنّ الثمن هو ما ألصق به « الباء » والمثمن ما يقابله ، وهو‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : أصحّهما. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) المجموع ٩ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ ـ ٣٠٢.

(٣) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ـ ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٥٤٤ ، ١٢٤٢ ، مسند أحمد ٢ : ٢٠٦ ، ٥٥٣٤.

(٥) الكافي ٥ : ١٨٦ ، ٨ ، الفقيه ٣ : ١٦٦ ، ٧٣٤ ، التهذيب ٧ : ٣٣ ، ١٣٦ ، الاستبصار ٣ : ٧٧ ، ٢٥٦.

(٦) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢.

١٢٣

أحد وجهي (١) الشافعية (٢).

والثاني : أنّ الثمن هو النقد ، والمثمن ما يقابله ، فلو باع نقدا بنقد ، فلا مثمن فيه. ولو باع عرضا بعرض ، فلا ثمن فيه (٣).

وأصحّهما (٤) : أنّ الثمن هو النقد ، فإن لم يكن أو كانا نقدين ، فالثمن ما ألصق به « الباء » (٥).

وعلى الأوّل ـ وهو أنّ الثمن ما ألصق به « الباء » ـ يجوز الاستبدال عن غير الدراهم والدنانير كما (٦) يجوز الاستبدال عنهما. وعلى الآخر لا يجوز عنده (٧).

هـ ـ لو استبدل عن أحد النقدين الآخر ، لم يشترط قبض البدل في المجلس ـ قاله الشيخ (٨) ، للرواية (٩) ـ لأنّ النقدين من واحد.

ومنعه ابن إدريس (١٠) ، وهو قول الشافعي (١١) ، وكذا قال الشافعي لو استبدل عن الحنطة شعيرا على تقدير تسويغه (١٢).

و ـ لا يشترط تعيين البدل في العقد‌ ـ وهو أصحّ وجهي الشافعي (١٣) ـ ويكفي الإحضار في المجلس ، كما لو تصارفا في الذمّة ثمّ عيّنا وتقابضا في المجلس.

__________________

(١) كذا ، والظاهر : وجوه. كما يستفاد من المصادر.

(٢ و ٣) المجموع ٩ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١.

(٤) كذا ، والظاهر : أصحّها.

(٥) المجموع ٩ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١.

(٦) في « ك‍ » : كما أنّه.

(٧) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢.

(٨) النهاية : ٣٨٠.

(٩) الكافي ٥ : ٢٤٥ ، ٢ ، الفقيه ٣ : ١٨٦ ، ٨٣٧ ، التهذيب ٧ : ١٠٢ ـ ١٠٣ ، ٤٤١.

(١٠) السرائر : ٢١٨.

(١١ ـ ١٣) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٣.

١٢٤

وأضعفهما : الاشتراط ، لئلاّ يكون بيع دين بدين (١).

ز ـ لو استبدل عنها ما لا يوافقها في علّة الربا ، كما لو استبدل عن الدراهم طعاما أو ثيابا ، فإن عيّن ، جاز.

وفي اشتراط قبضه في المجلس للشافعي وجهان :

الاشتراط ، لأنّ أحد العوضين دين ، فيشترط قبض الثاني ، كرأس مال المسلم في السلم.

وأصحّهما ـ وبه نقول ـ : المنع ، كما لو باع ثوبا بدرهم في الذمّة لا يشترط قبض الثوب في المجلس (٢).

وإن لم يعيّن البدل بل وصف والتزم في الذمّة ، فعلى الوجهين عنده (٣).

والوجه عندنا : الجواز.

ح ـ ما ليس بثمن ولا مثمن من الديون‌ ـ كدين القرض والإتلاف ـ يجوز الاستبدال عنه إجماعا ، لاستقراره في الذمّة. وفي تعيين البدل والقبض في المجلس على ما تقدّم للشافعي (٤).

ط ـ يجوز بيع الدّين من غير من عليه الدّين ، كما لو كان له على زيد مائة فاعتاض عن عمرو عبدا ليكون المائة له ، عندنا ـ وهو أضعف قولي الشافعي (٥) ـ كما يجوز بيعه ممّن عليه ، وهو الاستبدال.

وأصحّهما : المنع ، لعدم القدرة على التسليم (٦). وهو ممنوع.

وعلى الأوّل يشترط أن يقبض مشتري الدّين [ الدّين ] (٧) ممّن عليه‌

__________________

(١ ـ ٣) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٣.

(٤) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، منهاج الطالبين : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٤.

(٧) أضفناها لأجل السياق.

١٢٥

في المجلس عند الشافعي (١) ، وأن يقبض بائع الدّين العوض في المجلس حتى لو توفّي قبل قبض أحدهما ، بطل العقد.

ي ـ لو كان له دين على إنسان ولآخر دين على ذلك الإنسان‌ فباع أحدهما ما له عليه بما لصاحبه عليه وقبل الآخر ، لم يصحّ ، اتّفق الجنس أو اختلف ، لنهيه عليه‌السلام عن بيع الكالئ بالكالئ (٢).

يأ ـ لو باع شيئا بدراهم أو دنانير معيّنة فوجدها معيبة ، لم يكن للمشتري إبدالها. ولو تلفت قبل القبض ، انفسخ البيع ، كما في طرف المبيع ، وبه قال الشافعي (٣).

وقال أبو حنيفة : لا تتعيّن (٤). وسيأتي.

مسألة ٦٧ : وهل يصحّ بيعه من بائعه؟ أمّا المجوّزون فإنّهم جزموا بالجواز هنا. واختلف المانعون ، فبعضهم منع ـ وهو أصحّ وجهي الشافعي (٥) ـ كبيعه من غيره. وبعضهم جوّز ـ وهو الثاني (٦) ـ كبيع المغصوب من الغاصب.

قال بعض الشافعيّة : الوجهان فيما إذا باع بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقيصة ، وإلاّ فهو إقالة بصيغة البيع (٧).

ولو ابتاع شيئا يحتاج إلى قبض فلقيه ببلد آخر ، فالأقرب : أنّ له أخذ بدله.

ومنع منه الحنابلة وإن تراضيا ، لأنّه مبيع لم يقبض (٨).

__________________

(١) المجموع ٩ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٤.

(٢) سنن الدار قطني ٣ : ٧١ ، ٢٦٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٩٠ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٥٧.

(٣) المجموع ٩ : ٢٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

(٨) المغني ٤ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٩.

١٢٦

وإن كان ممّا لا يحتاج إلى قبض ، جاز.

مسألة ٦٨ : والأقرب عندي : أنّ النهي يتعلّق بالبيع لا بغيره من المعاوضات. ومنع الشيخ من إجارته قبل القبض فيما لا يجوز بيعه قبل قبضه ، لأنّ الإجارة ضرب من البيوع (١).

وللشافعيّة وجهان : المنع ، لأنّ التسليم مستحقّ فيها ، كما في البيع.

والجواز ، لأنّ موردها غير مورد البيع ، فلا يتوالى ضمانا عقدين من جنس واحد (٢).

ومنع الشيخ من الكتابة ، لأنّها نوع بيع (٣). وهو ممنوع.

وأمّا الرهن فجوّزه الشيخ (٤) ، وهو حقّ ، لأنّه ملكه ، فصحّ منه التصرّف فيه.

وللشافعي قولان : الصحّة ، لأنّ التسليم غير لازم فيه. والمنع ، لضعف الملك ، فإنّه كما يمنع البيع يمنع الرهن ، كالمكاتب لا يرهن كما لا يباع (٥).

ويجري القولان وعلّتهما في الهبة (٦).

وعلى تقدير الصحّة فنفس العقد ليس قبضا ، بل يقبضه المشتري من البائع ثمّ يسلّمه إلى المرتهن والمتّهب.

وفي العتق للشافعي وجهان :

أصحّهما : النفوذ ، ويصير قابضا ، لقوّة العتق وغلبته ، ولهذا جاز عتق‌

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢٠.

(٢) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، الوسيط ٣ : ١٤٧ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٣ و ٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢٠.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥.

١٢٧

الآبق دون بيعه.

وأضعفهما : المنع ، لأنّه إزالة ملك ، فأشبه البيع (١).

وأمّا تزويج الأمة فجوّزه الشيخ (٢) ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٣).

قال الشيخ : ويكون وطؤ المشتري أو الزوج قبضا (٤). وبه قال أبو حنيفة (٥).

وقال الشافعي : وطؤ الزوج لا يكون قبضا (٦).

وأمّا السّلم فحكمه حكم البيع ، وكذا التولية ، إلاّ على ما تقدّم من رواية منع البيع وجواز التولية.

وعن مالك جواز التولية (٧) ، وهو وجه للشافعيّة (٨).

وأمّا الاشتراك فإنّه عندنا إنّما يكون بالمزج أو بأحد العقود الناقلة للنصف ، والأوّل يستدعي القبض ، والثاني تابع.

وجوّز مالك الشركة قبل القبض (٩).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ٧٩.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢٠.

(٣) الوسيط ٣ : ١٤٧ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨.

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢٠.

(٥) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٨٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٦) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٧) بداية المجتهد ٢ : ١٤٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٨) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٩) بداية المجتهد ٢ : ١٤٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

١٢٨

وخالف فيه الشافعي ـ إلاّ في وجه ـ وأبو حنيفة وأحمد ، لأنّها بيع بعض المبيع بقسطه من الثمن (١).

وأمّا الإقالة فإنّها جائزة قبل القبض ـ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (٢) ـ لأنّها ليست بيعا على ما يأتي.

وقال مالك : إنّها بيع مطلقا (٣).

وقال أبو حنيفة : إنّها بيع في حقّ غير المتعاقدين ، وفسخ في حقّهما (٤). وسيأتي.

والقائلون بأنّها بيع أوجبوا القبض (٥).

مسألة ٦٩ : والمنتقل بغير البيع يجوز بيعه قبل قبضه‌ ، فلو ورث مالا ، جاز له بيعه قبل قبضه ـ وبه قال الشافعي (٦) ـ عملا بالأصل ، إلاّ أن يكون المورّث قد اشتراه ومات قبل قبضه ، فليس للوارث بيعه عند المانعين (٧) ، كما لم يكن للمورّث.

ولو أوصى له بمال فقبل الوصيّة بعد الموت ، فله بيعه قبل أخذه ،

__________________

(١) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، الحجّة على أهل المدينة ٢ : ٧٠٦ ، المغني ٤ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤ ، المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٣) المدوّنة الكبرى ٤ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٤) تحفة الفقهاء ٢ : ١١٠ ـ ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٣٠٦ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٥٤ ـ ٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٥) المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٦ و ٧) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٧.

١٢٩

وبه قال الشافعي (١).

وإن باع بعد الموت وقبل القبول ، فكذلك إن قلنا : الوصيّة تملك بالموت.

وإن قلنا : تملك بالقبول أو هو موقوف ، قال الشافعي : لا يصحّ (٢).

ويحتمل الصحّة ، لأنّ القبول قد يكون بالفعل.

والمال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة أو مع التفريط ـ ويسمّى ضمان اليد ـ يجوز بيعه قبل قبضه ، لتمام الملك فيه.

ولو باع عبدا وسلّمه ثمّ فسخ المشتري ، لعيب ، فللبائع بيعه قبل قبضه ، لأنّه الآن صار مضمونا بالقيمة.

ولو فسخ السّلم ، لانقطاع المسلم فيه ، فللمسلم بيع رأس المال قبل استرداده. وكذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بإفلاس المشتري قبل قبضه.

وبهذا كلّه قال الشافعي (٣).

أمّا ما هو مضمون في يد الغير بعوض في عقد معاوضة فالوجه : جواز بيعه قبل قبضه ، كمال الصلح والأجرة المعيّنة ، لما تقدّم.

وقال الشافعي : لا يصحّ ، لتوهّم الانفساخ بتلفه ، كالمبيع (٤) (٥).

وأمّا الصداق فيجوز للمرأة بيعه قبل قبضه ، نصّ عليه الشيخ (٦).

__________________

(١) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٢) المجموع ٩ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٣) المجموع ٩ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ـ ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : كالبيع. وما أثبتناه من المصادر.

(٥) المجموع ٩ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٦) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢٠ ، الخلاف ٣ : ٩٨ ، المسألة ١٦٠.

١٣٠

وللشافعي قولان مبنيّان على أنّه مضمون في يد الزوج ضمان العقد أو ضمان اليد؟

فعلى الأوّل ـ وهو أصحّهما عنده ـ لا يصحّ.

ويجريان في بيع الزوج بدل الخلع قبل القبض ، وبيع العافي عن القود المال المعفوّ عليه عنده (١).

وعندنا يجوز ذلك كلّه.

وأمّا الأمانات فيصحّ بيعها قبل قبضها ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ فلمالك الوديعة بيعها قبل قبضها ، وكذا بيع مال الشركة والقراض في يد الشريك والعامل ، وبيع المال في يد الوكيل والمرتهن بعد الفكّ ، والمال في يد الولي بعد بلوغ الصبي ورشده ، وما احتطبه العبد واكتسبه وقبله بالوصيّة قبل أن يأخذه السيّد ، لتمام الملك عليها ، وحصول القدرة على التسليم.

ومنع الشيخ من بيع الصرف قبل قبضه (٣).

ومال الغنيمة إذا تعيّن عليه ملكه. صحّ بيعه قبل قبضه ، قاله الشيخ (٤). وهو جيّد.

مسألة ٧٠ : قد بيّنّا أنّ السّلم نوع من البيع‌ ، فمن منع من بيع غير المقبوض منعه هنا. ومن جوّزه هناك جوّزه هنا.

فلو أسلم في طعام ثمّ باعه من آخر ، قال الشيخ : لا يصحّ إلاّ أن يجعله وكيله في القبض ، فإذا قبض عنه ، صار حينئذ قبضا عنه (٥).

__________________

(١) المجموع ٩ : ٢٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٢) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٧.

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢٠.

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢٠ ـ ١٢١.

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢١.

١٣١

وإذا حلّ عليه الطعام بعقد السّلم فدفع إلى المسلم دراهم وقال : خذها بدل الطعام ، قال الشيخ : لم يجز ، لأنّ بيع المسلم فيه لا يجوز قبل القبض ، سواء باعه من المسلم إليه أو من أجنبي (١).

وإن قال : اشتر بها الطعام لنفسك ، قال : لم يصحّ ، لأنّ الدراهم باقية على ملك المسلم إليه ، فلا يصحّ أن يشتري بها طعاما لنفسه ، فإن اشترى بالعين ، لم يصحّ ، وإن اشترى في الذمّة ، ملك الطعام وضمن الدراهم (٢).

ولو كان عليه طعام قرضا فأعطاه من جنسه ، فهو نفس حقّه.

وإن غايره فإن كان في الذمّة وعيّنه قبل التفرّق وقبضه ، جاز ، وإن فارقه قبل قبضه ، قال الشيخ : لا يجوز ، لأنّه يصير بيع دين بدين (٣).

وإن كان معيّنا وفارقه قبل القبض ، جاز.

مسألة ٧١ : لو كان له في ذمّة غيره طعام فباع منه طعاما بعينه‌ ليقبضه الطعام الذي في ذمّته منه ، لم يصحّ ، لأنّه شرط قضاء الدّين الذي في ذمّته من هذا الطعام بعينه ، وهذا لا يلزم ، ولا يجوز أن يجبر على الوفاء به ، فيفسد الشرط فيفسد البيع ، لاقترانه به ، لأنّ الشرط يحتاج أن يزيد بقسط من الثمن وهو مجهول ففسد البيع. ولو قلنا : يفسد الشرط ويصحّ البيع ، كان قويّا. هذا كلّه كلام الشيخ (٤).

والوجه عندي : صحّتهما معا ، لأنّه شرط لا ينافي الكتاب والسّنّة.

قال الشيخ : ولو باع منه طعاما بعشرة دراهم على أن يقبضه الطعام‌

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢١.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢١.

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢٢ ـ ١٢٣.

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢٣.

١٣٢

الذي له عليه أجود منه ، لم يصحّ ، لأنّ الجودة لا يجوز أن تكون ثمنا بانفرادها ، وإن قضاه أجود ليبيعه طعاما بعينه بعشرة ، لم يجز (١).

والوجه عندي : الجواز في الصورتين ، لأنّه شرط في البيع ما هو مطلوب للعقلاء سائغ فكان مشروعا ، وليست الجودة هنا ثمنا بل هي شرط.

مسألة ٧٢ : إذا باع طعاما بعشرة مؤجّلة فلمّا حلّ الأجل أخذ بها طعاما ، جاز‌ إن أخذ مثل ما أعطاه. وإن أخذ أكثر ، لم يجز. وقد روي أنّه يجوز على كلّ حال. هذا قول الشيخ (٢).

والوجه عندي ما تضمّنته الرواية ، لأنّه صار مالا له ، فجاز له بيعه بمهما أراد ، كغيره.

القسم الثاني : الربا.

وتحريمه معلوم بالضرورة من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالمبيح له مرتدّ.

قال الله تعالى ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٣) وقال تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اجتنبوا السبع الموبقات » قيل : يا رسول الله وما هي؟ قال : « الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرّم الله إلاّ‌

__________________

(١ و ٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٢٣.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) البقرة : ٢٧٨ و ٢٧٩.

١٣٣

بالحقّ ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولّي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات » (١).

ولعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : « درهم ربا أعظم عند الله تعالى من سبعين زنية كلّها بذات محرم » (٣).

وأجمعت الأمّة على تحريمه.

وهو لغة : الزيادة (٤). واصطلاحاً : بيع أحد المثلين بالآخر مع الزيادة ، وانضمام شرائط تأتي إن شاء الله تعالى.

وهو قسمان : ربا الفضل ، وربا النسيئة ، وقد أجمع العلماء على تحريمهما.

وقد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة ، فحكي عن ابن عباس وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم وابن الزبير أنّ الربا في النسيئة خاصّة ، لقوله عليه‌السلام : « لا ربا إلاّ في النسيئة » (٥) (٦) ثمّ رجع ابن عباس إلى قول‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٩٢ ، ١٤٥ ، سنن أبي داود ٣ : ١١٥ ، ٢٨٧٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٢٨٤ ، و ٨ : ٢٠ و ٢٤٩ ، المغني ٤ : ١٣٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٣.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٢٤٤ ، ٣٣٣٣ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٦ : ٥٥٩ ، ٢٠٤٢ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٨ : ٣١٥ ـ ٣١٦ ، ١٥٣٥١ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٤ ، ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٤ ، ٧٨٢ ، التهذيب ٧ : ١٤ ، ٦١ بتفاوت يسير.

(٤) الصحاح ٦ : ٢٣٤٩ ، تهذيب اللغة ١٥ : ٢٧٢.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٩٨ ، سنن النسائي ٧ : ٢٨١ ، مسند أحمد ٦ : ٢٦٢ ، ٢١٢٥٥ ، المعجم الصغير ـ للطبراني ـ ٢ : ١٨ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١ : ١٧٢ ، ٤٢٩ و ٤٣١ ـ ٤٣٣.

(٦) الحاوي الكبير ٥ : ٧٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٤.

١٣٤

الجماعة (١) ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاّ مثلا بمثل » (٢).

والنظر فيه يتعلّق [ بأمرين ] (٣):

الأوّل : الشرائط‌ ، وهي اثنان : الاتّفاق في الجنس ، ودخول التقدير ، فهنا مطلبان :

الأوّل : في الجنس. والمراد به الماهيّة ، كالحنطة والأرز وإن اختلفت صفاتها. وهو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها ، والنوع الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها ، وقد ينقلب كلّ منهما إلى صاحبه ، فكلّ نوعين اجتمعا في اسم خاصّ فهما جنس ، كالتمر كلّه جنس وإن كثرت أنواعه كالبرنيّ والمعقليّ.

مسألة ٧٣ : وقد أجمع المسلمون على ثبوت الربا في الأشياء الستّة ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الذهب بالذهب مثلا بمثل ، والفضّة بالفضّة مثلا بمثل ، والتمر بالتمر مثلا بمثل ، والبرّ بالبرّ مثلا بمثل ، والملح بالملح مثلا بمثل ، والشعير بالشعير مثلا بمثل ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى ، بيعوا الذهب بالفضّة كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا البرّ بالتمر كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد » (٤).

واختلف فيما سواها ، فحكي عن طاوس وقتادة وداود وبعض نفاة القياس الاقتصار عليها ، ولا يجري في غيرها ، وهي على أصل الإباحة ، لقوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٥).

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٤.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٤٣ ، ١٢٤١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٢٩٠ ، ٢١٨١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : بأمور ثلاثة. وما أثبتناه مطابق لما قسّمه المؤلّف قدس‌سره.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٥٤١ ، ١٢٤٠.

(٥) المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٥ ، والآية ٢٧٥ من سورة البقرة.

١٣٥

وعند الإماميّة أنّ الضابط الكيل أو الوزن أو العدد على خلاف في الأخير ، فأين وجد أحدها ثبت الربا ، لأنّه الزيادة ، وهي إنّما تثبت في المقدّر بأحد المقادير.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن » (١).

وقوله تعالى ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٢) يقتضي تحريم كلّ زيادة إلاّ ما أجمعنا على تخصيصه.

مسألة ٧٤ : واتّفق العلماء على أنّ ربا الفضل لا يجري إلاّ في الجنس الواحد‌ ، إلاّ سعيد بن جبير ، فإنّه قال : كلّ شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ، كالحنطة بالشعير ، والتمر بالزبيب ، والذرّة بالدخن ، لتقارب نفعهما ، فجريا مجرى نوعي جنس واحد (٣).

أمّا الأوّلان : فسيأتي البحث فيهما. وأمّا الثالث وشبهه : فهو باطل ، لقوله عليه‌السلام : « بيعوا الذهب بالفضّة كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا البرّ بالتمر كيف شئتم » (٤) مع أنّ الذهب والفضّة متقاربان.

مسألة ٧٥ : والربا عندنا ثابت في الصّور بالنصّ‌ ، فإنّا إنّما نثبته في المقدّر بأحد المقادير المذكورة ، وهي : الكيل ، والوزن ، والعدد على خلاف فيه ، إذ القياس عندنا باطل.

أمّا القائلون بالقياس فقد اتّفقوا على أنّه لعلّة ، ثمّ اختلفوا.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٦ ، ١٠ ، الفقيه ٣ : ١٧٥ ، ٧٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ ، ٧٤ ، و ١٩ ، ٨١ ، و ٩٤ ، ٣٩٧ ، و ١١٨ ، ٥١٥ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ ، ٣٥٠.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) المغني ٤ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٥٤١ ، ١٢٤٠.

١٣٦

فقال النخعي والزهري والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وأحمد في رواية : إنّ علّة الذهب والفضّة كونه موزون جنس ، وعلّة الأعيان الأربعة الباقية مكيل جنس ، فيجري الربا في كلّ مكيل أو موزون بجنسه ، مطعوما كان أو غيره (١).

وهو الذي ذهبنا إليه ، فيجري في الحبوب والثّوم والقطن والصوف والكتّان والحنّاء والحديد والنورة والجصّ وغير ذلك ممّا يدخله الكيل والوزن دون ما عداه وإن كان مطعوما ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن الرجل يبيع الفرس بالأفراس ، فقال : « لا بأس إذا كان يدا بيد » (٢).

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه‌السلام : « البعير بالبعيرين والدابّة بالدابّتين يدا بيد ليس به بأس » (٣).

ولأنّ قضيّة البيع المساواة ، والمؤثّر في تحقيقها الكيل والوزن والجنس ، فإنّ الكيل والوزن سوّى بينهما صورة ، والجنس سوّى بينهما معنى.

وقال الشافعي في الجديد : العلّة في الأربعة أنّها مطعومة في جنس واحد ، فالعلّة ذات وصفين ، وفي النقدين : جوهر الثمنيّة غالبا. وهو رواية عن أحمد ـ وعن بعض الشافعيّة أنّه لا علّة في النقدين (٤) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٦ ، تحفة الفقهاء ٢ : ٢٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨٣ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦١ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٨ و ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢.

(٢) مسند أحمد ٢ : ٢٥٢ ، ٥٨٥١.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٠ ، ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٧ ، ٧٩٧ ، التهذيب ٧ : ١١٨ ، ٥١١ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ ، ٣٤٧.

(٤) المجموع ٩ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.

١٣٧

نهى عن بيع الطعام إلاّ مثلا بمثل (١) ، وهو عامّ في المكيل وغيره. ولأنّ الطعم وصف شرف ، فإنّ به قوام الأبدان ، والثمنيّة وصف شرف ، فإنّ بها قوام الأموال ، فيجري الربا في كلّ مطعوم دخله الكيل والوزن أولا ، كالبطّيخ والأترج والسفرجل والخيار والبيض ، وسواء أكل نادرا ، كالبلّوط ، أو غالبا ، وسواء أكل وحده أو مع غيره ، وسواء أكل تقوّتا أو تأدّما أو تفكّها أو غيرها ممّا يقصد للطعم غالبا دون ما ليس بمطعوم وإن كان موزونا ، كالحديد والرصاص والأشنان ـ ويبطل بقول الصادق عليه‌السلام : « لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن » (٢) ـ لأنّ قوله عليه‌السلام : « الطعام بالطعام مثل بمثل » (٣) علّق الحكم باسم الطعام ، والحكم المعلّق بالاسم المشتقّ معلّل بما منه الاشتقاق ، كالقطع المعلّق باسم السارق ، والحدّ المعلّق باسم الزاني (٤).

وقال الشافعي في القديم : العلّة في الأربع كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا ، فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن ، ولا فيما ليس بمطعوم. وبه قال سعيد بن المسيّب وأحمد في رواية ، لأنّ سعيد بن المسيّب روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا ربا إلاّ فيما كيل أو وزن ممّا يؤكل أو‌

__________________

(١) أورد نصّه ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٧ ، وانظر : صحيح مسلم ٢ : ١٢١٤ ، ١٥٩٢ ، وسنن الدار قطني ٣ : ٢٤ ، ٨٤.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٣٦ ، الهامش (١).

(٣) صحيح مسلم ٢ : ١٢١٤ ، ١٥٩٢ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٤ ، ٨٤.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٣٤ ـ ٣٣٧ ، المجموع ٩ : ٣٩٣ و ٣٩٥ و ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤ ـ ٤٥ و ٤٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ و ٧٤ و ٧٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٣٢.

١٣٨

يشرب » (١) (٢).

ويضعّف بقول الدار قطني : الصحيح أنّه من قول سعيد بن المسيّب ، ومن رفعه فقد وهم (٣).

وقال مالك : العلّة القوت أو ما يصلح به القوت من جنس واحد من المدّخرات (٤) ، فإنّ علّة الطعم لا تستقيم ، لثبوت الطعم لكلّ شي‌ء ، فينبغي أن يعلّل بالقوت الذي يعلّل به الزكاة ، كما أنّ الجواهر لم يجر الربا إلاّ فيما تجب الزكاة ، وهو الذهب والفضّة.

ويبطل بالملح ، فإنّه لا يقتات ، والإدام يصلح به القوت ، والنار والحطب.

وقال ربيعة بن عبد الرحمن : الاعتبار بما تجب فيه الزكاة (٥) ، فكلّ ما وجبت فيه الزكاة جرى فيه الربا ، فلا يجوز بيع بعير ببعيرين ولا بقرة ببقرتين.

ويبطل بما تقدّم ، وبالملح ، فإنّه لا تجب فيه الزكاة ، ويجري فيه الربا.

__________________

(١) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ ، ٣٩.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٣٧ ، المجموع ٩ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ ، المغني ٤ : ١٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٧.

(٣) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ ذيل الحديث ٣٩ ، وحكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٤ : ١٣٨ ، والشرح الكبير ٤ : ١٣٧.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٣٧ ، المجموع ٩ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٨.

(٥) المجموع ٩ : ٤٠١ ، حلية العلماء ٤ : ١٥١ ، الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٨.

١٣٩

وقال ابن سيرين : الجنس الواحد هو العلّة (١).

وليس بصحيح ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أن يؤخذ البعير بالبعيرين لمّا أنفذ بعض الجيوش وقد نفدت الإبل (٢).

وهذا البحث ساقط عنّا ، لأنّا نعتبر النصّ لا القياس ، فمهما دلّ على شي‌ء عملنا به ، وقد سئل الصادق عليه‌السلام عن البيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس به » والثوب بالثوبين ، قال : « لا بأس به » والفرس بالفرسين ، فقال : « لا بأس به » ثمّ قال : « كلّ شي‌ء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن ولا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد » (٣).

مسألة ٧٦ : قد بيّنّا أنّ كلّ مكيل أو موزون يجري فيه الربا مع الشرائط سواء أكل أو لا.

أمّا الشافعي حيث علّل بالطعم اعتبره ، فكلّ موضع لا يثبت فيه الطعم لا يثبت فيه الربا إلاّ النقدين.

ولا فرق عنده بين أن يؤكل للتداوي ، كالهليلج والسقمونيا وغيرهما ، وبين ما يؤكل لسائر الأغراض.

وقسّم المطعومات إلى أربعة : ضرب يؤكل قوتا ، وآخر يؤكل تأدّما ، وثالث يؤكل تفكّها ، ورابع يؤكل تداويا. ويجري الربا في ذلك كلّه لا في مأكول الدوابّ ، كالقضب والحشيش والنوى (٤).

وحكي وجه للشافعيّة : أنّ ما يهلك كثيره ويستعمل قليله في الأدوية‌

__________________

(١) المجموع ٩ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢. المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٨.

(٢) علل الحديث ١ : ٣٩٠ ، ١١٦٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٧.

(٣) التهذيب ٧ : ١١٩ ، ٥١٧ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ ، ٣٥١.

(٤) المجموع ٩ : ٣٩٧ و ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ و ٧٣.

١٤٠