وصايا الرّسول لزوج البتول عليهم السلام

السيد علي الحسيني الصدر

وصايا الرّسول لزوج البتول عليهم السلام

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الأخلاق
الناشر: دار الامام الرضا عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-92482-1-8
الصفحات: ٦٥٥

وأدّى النصيحَة لأهلِ بيتِ نبيِّه (١٠٥).

يا عليُّ ، لَعَنَ اللّهُ ثلاثةً (١٠٦) ، آكل زادِه وحدَه ، وراكب الفلاتِ وحدَه ، والنائم في بيت وحدَه.

يا عليُّ ، ثلاثة يُتخوَّفُ منهنَّ الجنون ، التغوُّطُ بين القبور ،

______________________________________________________

٥ ـ الإستغفارات المفصّلة التي تلاحظها في كتب الأدعية الشريفة ، كالإستغفارات السبعين لأمير المؤمنين عليه‌السلام بعد ركعتي الفجر الواردة في البلد الأمين (١).

(١٠٥) النصح ، ضدّ الغشّ ، وأصل النصيحة في اللغة هو الخلوص ، وأهل البيت هم أهل آية التطهير وأولادهم الأئمّة المعصومون عليهم‌السلام ، وأداء النصح لهم هو مودّتهم ومعرفة أنّهم منصورون من قبل الله تعالى وأنّهم معصومون وأنّ طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله ، وأنّهم أولى بنا من أنفسنا (٢) والإنقياد لهم في أوامرهم ونواهيهم وآدابهم وأعمالهم وحفظ شرائعهم وإجراء أحكامهم وعدم الخروج عليهم سلام الله عليهم (٣).

(١٠٦) اللعن من الله تعالى هو الطرد والإبعاد من الرحمة .. وفعل المكروه يُبعِّد الإنسان من رحمة الله تعالى لذلك ورد اللعن في الطوائف الثلاثة الآتية لأنّها تفعل المكروه ، والزاد هو الطعام ، والفلات هي الصحراء القفر التي لا ماء فيها ، والبيت واحد البيوت وهي المساكن.

__________________

١ ـ البلد الأمين ، ص ٣٨.

٢ ـ لاحظ روضة المتّقين ، ج ١٢ ، ص ١٠٤.

٣ ـ مرآة العقول ، ج ٩ ، ص ١٤٢.

٤١

والمشيُ في خُفّ واحد ، والرّجلُ ينام وحدَه (١٠٧).

يا علي ، ثلاثٌ يحسن فيهنّ الكذب ، المكيدةُ في الحرب ، وعِدَتُك زوجتَك ، والإصلاحُ بينَ الناس (١٠٨) ،

______________________________________________________

(١٠٧) جاء هذا الحديث في فروع الكافي (١) أيضاً في باب كراهية أن يبيت الإنسان وحده وهذه الخصال منهيٌّ عنها لعلّة مخوفة وجاء في نظيره من أحاديث الباب بيان أنّ الشيطان أسرع ما يكون إلى الإنسان وهو على بعض هذه الحالات .. وأنّه يهمّ به الشيطان.

(١٠٨) فإنّه وإن كان أصل الكذب من المعاصي الكبائر بل ممّا عدّ من مخرّبات الإيمان إلاّ أنّه استثنيت هذه الموارد الثلاثة لما لها من أهميّة المصلحة وأقوائية الملاك وإرتكاب أقلّ القبيحين عند التزاحم فيتغيّر حكمه وتزول حرمته ويحكم العقل بحسنه ويرفع الشارع عقوبته.

فيكيد في الحرب لنصرة الدين ، ويُعِد زوجته ليرضيها ولا يفي بوَعده ليتخلّص من الحرام أو الإسراف ، ويكذب للإصلاح بين المؤمنين.

وجاء في اُصول الكافي (٢) ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، « كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلاّ في ثلاثة » ؛ وعدّ هذه الموارد وأفاد في مرآة العقول (٣) ، انّ مضمون هذا الحديث متّفق عليه بين الخاصّة والعامّة .. ثمّ نقل عن بعض الإتيان بالكذب في هذه الموارد بصورة التورية مثل أن يعد زوجته بأن يفعل لها ويحسن إليها بنيّة أنّه إن

__________________

١ ـ فروع الكافي ، ج ٦ ، باب كراهية أن يبيت الإنسان وحده ... ، ص ٥٣٣.

٢ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٤٢ ، باب الكذب ، ح ١٨.

٣ ـ مرآة العقول ، ج ١٠ ، ص ٣٤١.

٤٢

وثلاثةٌ مجالستُهم تُميتُ القلب (١٠٩) ، مجالسةُ الأنذال (١١٠) ، ومجالسةُ الأغنياء ، والحديثُ مع النساء.

يا عليُّ ، ثلاثٌ من حقائقِ الإيمان (١١١) ، الإنفاقُ من الإقتار (١١٢) ، وإنصافُك الناسَ من نفسِك (١١٣) ، وبذلُ العلمَ للمتعلّم (١١٤).

______________________________________________________

قدّر الله ذلك ، أو يقول لعدوّه في مكيدة الحرب ، انحلّ حزام سرجك ويريد فيما مضى. وهكذا.

(١٠٩) فتؤثّر في الروح وتوجب زوال حيويّتها ونورانيّتها بواسطة التوجّه إلى الاُمور الدنيويّة الخسيسة والإنصراف عن الاُمور الربانيّة الخالصة.

(١١٠) الأنذال جمع نذل بسكون الذال وهو الخسيس المحتَقَر من الناس في جميع أحواله.

(١١١) أي لهنّ مدخليّة في حقيقة الإيمان ، بحيث إنّ الإيمان الحقيقي لا يحصل إلاّ بوجود هذه الخصال.

(١١٢) الإقتار هي القلّة والتضييق على الإنسان في الرزق .. فينفق على المستحقّ مع الإقتار على نفسه ، ويؤثرِ المستحقّين على نفسه ولو كان به خصاصة.

(١١٣) الإنصاف هي المعاملة بالقسط والعدل .. وفي حديث عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، سيّد الأعمال ثلاثة ، وعَدَّ منها ، « إنصاف الناس من نفسك حتّى لا ترضى بشيء إلاّ رضيت لهم مثله ... » (١).

(١١٤) حيث إنّه قد أخذ به العهد وهو زكاة العلم ، كما في الأحاديث (٢).

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٤٤ ، باب الإنصاف والعدل ، ح ٣.

٢ ـ اُصول الكافي ، ج ١ ، ص ٤١ ، باب بذل العلم ، الأحاديث.

٤٣

يا عليُّ ، ثلاثٌ من لم يكنّ فيه لم يتمّ عملُه (١١٥) ، ورعٌ يحجزُه عن معاصي اللّه ، وخُلُقٌ يداري به الناسَ ، وحِلمٌ يردُّ به جهلَ الجاهل (١١٦).

يا عليُّ ، ثلاثُ فرحات للمؤمن في الدنيا (١١٧) ، لقاءُ الاخوان ، وتفطيرُ الصائم ، والتهجّدُ من آخرِ الليل (١١٨).

يا عليُّ ، أنهاكَ عن ثلاثِ خصال (١١٩) ، الحسد (١٢٠) ،

______________________________________________________

(١١٥) أي كانت أعماله ناقصة غير كاملة ، أو غير مقبولة .. فالورع مؤثّر في قبول الطاعات ، كما وأنّ صفتي الحلم والمدارات الأخلاقية مؤثّرتان في كمال ومقبوليّة الأعمال في المعاشرات.

(١١٦) أي سفاهته ، وفي بعض النسخ ، « وحلم يردّ به جهل الجهّال ».

(١١٧) حيث يعلم المؤمن عظيم ثوابها وفوائدها فيكون مسروراً بها.

(١١٨) أي التيقّض فيه بالعبادة وقراءة القرآن وصلاة الليل ، وفي بعض النسخ ، « والتهجّد في آخر الليل ».

(١١٩) لعلّ تخصيصها بالذكر من بين الصفات الذميمة من حيث كونها من اُمّهات الرذائل ومن أعظم الكبائر وهي آفة الدين وقد توجب الكفر بربّ العالمين .. وقد وردت في ذمّها أحاديث كثيرة عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم نشير إليها فيما يلي عند ذكرها.

(١٢٠) الحسد هو تمنّي زوال النعمة عن صاحبها .. بينما الغبطة تمنّي النعمة لنفسه مثل ما لصاحبها مع عدم إرادة زوالها عنه وتلاحظ باب أحاديث ذمّ الحسد في اُصول الكافي (١).

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٠٦ ، باب الحسد.

٤٤

والحِرص (١٢١) ، والكِبر (١٢٢).

______________________________________________________

من ذلك الحديث الثاني من الباب عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب ».

(١٢١) الحرص هو الحثّ على شيء من اُمور الدنيا وطلب الزيادة عمّا يكفيه ، وتلاحظ أحاديث ذمّه في اُصول الكافي (١).

منها الحديث الأوّل من الباب عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « رأس كلّ خطيئة حبُّ الدنيا ».

(١٢٢) الكبر بكسر الكاف وسكون الباء مصدر مجرد للتكبّر والإستكبار الذي هو في اللغة بمعنى طلب الترفّع (٢) ، وهي الحالة التي يتخصّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه ، ويرى نفسه أكبر من غيره .. (٣).

وأعظم التكبّر هو التكبّر على الله تعالى بالإمتناع من قبول الحقّ والإذعان له بالعبادة ..

وبعده التكبّر على الرسل والأوصياء عليهم‌السلام بعدم الإيمان بهم.

وبعده التكبّر على العباد بأن يستعظم نفسه ويستحقر غيره فتأبى نفسه عن الإنقياد لهم ، وتدعوه نفسه إلى الترفّع عليهم فيزدريهم ويستصغرهم ويأنف عن مساواتهم ويتقدّم عليهم في مضائق الطرق ويرتفع عليهم في المحافل وينتظر أن يبدؤوه بالسلام ، وإن وُعظ أنف من القبول ، وإن وَعظَ عَنَّف في النصح ، وإن رُدّ عليه شيء غضب ، وإن عَلَّمَ لم يرفق بالمتعلّمين واستذلّهم وانتهرهم وامْتَنّ عليهم

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣١٥ ، باب حبّ الدنيا والحرص عليها.

٢ ـ مجمع البحرين ، مادّة كبر ، ص ٢٩٨.

٣ ـ سفينة البحار ، ج ٧ ، ص ٤٠١.

٤٥

يا عليُّ ، أربعُ خصال من الشَقاوة (١٢٣) ، جمودُ العين (١٢٤) ، وقساوةُ القلب (١٢٥) ، وبُعدُ الأمل (١٢٦) ، وحبُّ البقاء (١٢٧).

______________________________________________________

واستخدمهم ... وتلاحظ أحاديث ذمّ التكبّر في اُصول الكافي (١).

ومنها الحديث الثالث من الباب المروي عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال : « العزّ رداء الله والكبر إزارُه فمن تناول شيئاً منه أكبّه الله في جهنّم ».

(١٢٣) الشقاوة بفتح الشين خلاف السعادة ، وهذه الخصال الذميمة توجب أن يكون المتّصف بها شقيّاً غير سعيد ، وسيأتي تفصيل معنى الشقي في وصيّة ابن القاساني الآتية عند قوله ، وللشقي ثلاث خصال ...

(١٢٤) جمود العين قلّة مائها وعدم الدمع فيها .. بمعنى عدم البكاء وهو ملازم لقسوة القلب .. كما أنّ في عكسه يكون البكاء ملازماً لرقّة القلب.

(١٢٥) القساوة بفتح القاف ، والإسم منها القسوة وهي غلظة القلب وصلابته وقلّة الرحمة فيه وهذه الصفات توجب القساوة وعدم خشوع القلب وعدم قبول المواعظ وعدم الخوف من الله تعالى ، بل توجب البُعد من الله تعالى ، ففي حديث فيما ناجى الله عزّوجلّ موسى عليه‌السلام ، « يا موسى لا تطوّل في الدنيا أملك فيقسو قلبك والقاسي القلب منّي بعيد » (٢).

(١٢٦) أي طول الأمل في الدنيا والاُمور الدنيوية فإنّه ينسي الآخرة .. وهو ملازم للقساوة أيضاً.

(١٢٧) أي حبّ البقاء في هذه الدنيا الدنيّة بحيث لا يشتاق إلى جوار الله ورحمته.

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٠٩ ، باب الكبر.

٢ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٢٩ ، باب القسوة ، ح ١.

٤٦

يا عليُّ ، ثلاثٌ درجات ، وثلاثٌ كفّارات ، وثلاثٌ مهلكات ، وثلاثٌ منجيات ، فأمّا الدرجات (١٢٨) ، فإسباغُ الوضوءِ في الَسبِرات (١٢٩) ، وإنتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاة (١٣٠) ، والمشيُ بالليلِ والنهارِ إلى الجماعات (١٣١) ، وأمّا الكفّارات (١٣٢) ، فإفشاءُ السَّلام (١٣٣) ، وإطعامُ الطعام ، والتهجّدُ بالليلِ والناسُ نيام (١٣٤). وأمّا المهلكات (١٣٥) ،

______________________________________________________

(١٢٨) أي الاُمور التي توجب إرتفاع كمالات الإنسان في الدنيا وإرتقاء مقاماته في الآخرة.

(١٢٩) إسباغ الوضوء إتمامه وإكماله وإيفاء كلّ عضو حقّه كما مضى ، والسبرات جمع سبرة بسكون الباء هي شدّة البرد.

(١٣٠) كانتظار الفريضة بعد إتيان النافلة ، أو إنتظار الفريضة الثانية بعد أداء الفريضة الاُولى.

(١٣١) أي المشي إلى صلاة الجماعة في الصلوات الليلية والنهارية.

(١٣٢) أي الاُمور التي تكفّر الذنوب يعني تسترها وتمحوها وتغطّيها مأخوذة من الكفر بفتح الكاف وهي التغطية.

(١٣٣) ورد الإفشاء في اللغة بمعنى الإظهار والإكثار والإنتشار ، وإستظهر في معنى إفشاء السلام بأن يسلّم الإنسان على كلّ مسلم ، ويُسمع سلامه المسلَّم عليه ، ويجهر بسلامه.

(١٣٤) مرّ أنّ التهجّد هو التيقّض في الليل بالعبادة وتلاوة القرآن وصلاة الليل.

(١٣٥) أي الاُمور التي توجب الهلاك والعطب والفساد في الإنسان ، وتوجب إستحقاقه العقاب والبعد من رحمة الله تعالى.

٤٧

فشُحٌّ مُطاع (١٣٦) ، وهَوىً مُتّبع (١٣٧) ،

______________________________________________________

(١٣٦) الشُحّ ، بضمّ الشين هو البخل مع الحرص فيكون أشدّ من البخل ، لأنّ البخل يكون في المال بينما الشحّ يكون في المال وفعل المعروف ، ومنه قوله تعالى : ( أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ) (١) ، وعليه فالشحّ هو اللؤم وكون النفس حريصة على المنع (٢) ، والشحّ المطاع هو اللؤم في النفس يطيعه الإنسان ويعمل به .. وأمّا إذا خالفه فهو من الطاعات.

(١٣٧) أي ما تميل إليه النفس وتحبّه ، يطيعه الإنسان ويعمل به فيكون هوىً متّبعاً وهو يصدّ عن الحقّ ويضلّ عن سبيل الله تعالى .. والهوى ، ميل النفس إلى الشهوة ، ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة ، وقيل ، سمّي بذلك لأنّه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كلّ داهية وفي الآخرة إلى الهاوية .. (٣).

وقد عقد له ثقة الإسلام الكليني قدس‌سره باباً في أحاديثه فلاحظ (٤).

واعلم أنّه قد أوضح العلاّمة المجلسي (٥) ، أنّ ما تهواه النفس ليس كلّه مذموماً وما لا تهواه النفس ليس كلّه ممدوحاً ..

بل المعيار هو أنّ كلّ ما يرتكبه الإنسان لمحض الشهوة النفسانية واللذّة الجسمانية والمقاصد الدنيوية الفانية ولم يكن الله مقصوداً له في ذلك بل كان تابعاً للنفس الأمّارة بالسوء فهو من الهوى المذموم ..

__________________

١ ـ سورة الأحزاب ، الآية ١٩.

٢ ـ مجمع البحرين ، مادّة شحح ، ص ١٨٠.

٣ ـ المفردات ، ص ٥٤٨.

٤ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٣٥ ، باب اتّباع الهوى.

٥ ـ مرآة العقول ، ج ١٠ ، ص ٣١١.

٤٨

وإعجابُ المرءِ بنفسه (١٣٨).

______________________________________________________

وأمّا ما يرتكبه الإنسان لإطاعة أمر الله تعالى وتحصيل رضاه وإنْ كان ممّا تشتهيه نفسه وتهواه فليس من الهوى المذموم كمن يأكل ويشرب لأمره تعالى بهما أو لتحصيل القوّة على العبادة ، وكذا من يجامع لتحصيل الأولاد الصالحين أو لئلاّ يبتلى بالحرام ، فهذه لذّة لا يلزم إجتنابها ، بل كثير من العلماء يلتذّون بعلمهم أكثر ممّا يلتذّ الفسّاق بفسقهم .. فليس كلّ ما تهواه النفس مذموماً ..

وفي مقابل ذلك ليس كلّ ما لا تهواه النفس ممدوحاً يحسن إرتكابه كأكل القاذورات أو الزنا بالجارية القبيحة فذمّ الهوى مطلقاً امّا مبني على انّ الغالب فيما تشتهيه الأنفس مخالفة لما ترتضيه العقول.

أو على أنّ المراد بالنفس هي النفس الأمّارة بالسوء الداعية إلى الشرّ.

أو على أنّ الهوى صار حقيقة شرعية في الاُمور القبيحة والمعاصي التي تدعو النفس إليها.

(١٣٨) بأن تروقه نفسه ، ويرى نفسه خارجاً عن حدّ التقصير.

والعُجب إستعظام العمل الصالح وإستكثاره والإبتهاج له والإدلال به .. وأمّا السرور به مع التواضع لله تعالى وشكره على التوفيق لذلك وطلب الإستزادة منه فهو حسن ممدوح.

والمعجب بنفسه يغترّ بنفسه ويأمن من مكر الله وعذابه ، ويظنّ أنّ له على الله منّة وحقّاً بأعماله التي هي نعمة من نعمه وعطيّة من عطاياه.

والعجب يفسد الطاعات ويدعو إلى نسيان الذنوب والإستنكاف عن الإستفادة والإستشارة وسؤال من هو أعلم إلى غير ذلك من الآفات الكثيرة (١).

__________________

١ ـ مرآة العقول ، ج ١٠ ، ص ٢١٨.

٤٩

وأمّا المنجيات (١٣٩) ، فخوفُ اللّهِ في السرِّ والعلانية ، والقصدُ في الغنى والفقر (١٤٠) ، وكلمةُ العدلِ في الرضا والسَخَط (١٤١).

يا عليُّ ، لا رضاعَ بعد فِطام (١٤٢) ، ولا يُتْمَ بعد إحتلام (١٤٣).

______________________________________________________

(١٣٩) أي الاُمور التي تنجي من الهلاك وتوجب الخلاص وتقتضي النجاة من المعاصي والعقوبات.

(١٤٠) القصد هو الإعتدال والتوسّط بين التبذير والتقتير ، وعدم الإفراط والتفريط.

(١٤١) العدل خلاف الجور ، ومن المنجيات أن لا يجور الإنسان في كلامه في كلتا حالتي الرضا والسخط.

(١٤٢) من الفطم وهو فصل الولد عن الرضاع وفَسّر هذا الحديث ثقة الإسلام الكليني بقوله ، فمعنى قوله ، « لا رضاع بعد فطام » أنّ الولد إذا شرب من لبن المرأة بعد ما تفطمه لا يحرّم ذلك الرضاع التناكح. ذكر هذا بعد القواعد الفقهية الشريفة الواردة في حديث منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « لا رضاع بعد فطام ، ولا وصال في صيام ، ولا يُتْمَ بعد إحتلام ، ولا صمت يوم إلى الليل ، ولا تعرُّب بعد الهجرة ، ولا هجرة بعد الفتح ، ولا طلاق قبل النكاح ، ولا عتق قبل ملك ، ولا يمين للولد مع والده ولا للمملوك مع مولاه ولا للمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة » (١).

(١٤٣) أي لا يترتّب أحكام اليتم على اليتيم أي فاقد الأب بعد إحتلامه فينقطع اليتم بعد بلوغ الحُلُم.

__________________

١ ـ فروع الكافي ، ج ٥ ، ص ٤٤٣ ـ ٤٤٤ ، باب أنّه لا رضاع بعد فطام ، ح ٥.

٥٠

يا علي ، سِرْ سنتَين برَّ والديك (١٤٤) ، سِر سنةً صِل رحمك ، سِر ميلا عُدْ مريضاً ، سِر ميلين شيّعْ جنازة ، سِرْ ثلاثةَ أميال أجبْ دعوة ، سِر أربعةَ أميال زُرْ أخاً في اللّه ، سِرْ خمسةَ أميال أجبْ المَلهوف (١٤٥) ، سِرْ ستّة أميال أُنصر المظلوم ، وعليكَ بالإستغفار.

يا عليُّ ، للمؤمن (١٤٦) ثلاثُ علامات ، الصلاةُ والزكاةُ والصيامُ ، وللمتكلِّف (١٤٧) ثلاث علامات ، يتملّقُ إذا حضر (١٤٨) ، ويغتابُ إذا غاب ، ويشمتُ بالمصيبةِ ، وللظالم ثلاث علامات ، يَقْهرُ من دونَه بالغلبة ومن فوقَه بالمعصية ، ويُظاهرُ الظَلَمة (١٤٩) ،

______________________________________________________

(١٤٤) أي أنّه إن كان برّ الوالدين يتوقّف على طيّ مسافة تقطع في سنتين فسِر هذه المسافة وبرّ والديك .. وكذا في البواقي.

(١٤٥) الملهوف واللهفان واللاهف هو المضطرب الذي يستغيث.

(١٤٦) أي المؤمن الحقيقي ، ومقابله المتكلِّف الذي يأتي ذكره وهو من ليس إيمانه حقيقيّاً.

(١٤٧) المتكلِّف هو الذي يدّعي الشيء وليس بذاك الشيء كمن يدّعي العلم وليس بعالم .. والمتكلّف هنا هو من يدّعي الإيمان الحقيقي .. وليس بمؤمن حقيقي.

(١٤٨) التملُّق هو إظهار المحبّة والمودّة الكاذبة .. والمتملِّق هو من يعطي بلسانه ما ليس في قلبه.

فالمتكلّف يتملَّق للإنسان إذا حضر عنده ، بينما يغتابه إذا غاب عنه ، ويشمت به ويفرح إذا أصابته مصيبة.

(١٤٩) أي يعين الظالمين ، من المظاهرة بمعنى المعاونة .. والظهير هو المعين.

٥١

وللمرائي (١٥٠) ثلاث علامات ، يَنْشط إذا كان عندَ الناس ، ويكسَلْ إذا كانَ وحدَه ، ويُحبُّ أن يُحْمَدَ في جميع اُمورِه ، وللمنافق (١٥١) ثلاث علامات ، ...

______________________________________________________

(١٥٠) وهو المتّصف بصفة الرياء المعبَّر عنه بالشرك الأصغر المبطل للعمل والمنافي للإخلاص والمقرون بالخدعة.

وعن بعض المحقّقين أنّ الرياء مشتقّ من الرؤية ، وأصل الرياء طلب الجاه والمنزلة في قلوب الناس بإرائتهم خصال الخير .. ويجب التحرّز عنه فإنّه يلحق العمل بالمعاصي (١).

ونبّه الشهيد الأوّل على أنّ كلّ عبادة اُريد بها غير الله تعالى ليراه الناس فهي مشتملة على الرياء سواء اُريد مع ذلك القرب إلى الله تعالى بها أم لا ..

وأمّا إذا كان للعمل غاية دنيويّة شرعيّة أو اُخرويّة فأراده الإنسان مع القربة فإنّه لا يُسمّى رياءً كطلب الغازي الجهاد لله وللغنيمة ، وقراءة الإمام للصلاة وللتعليم ، والصيام لله وللصحّة ، والوضوء للقربة والتبرّد (٢).

ثمّ إنّ نشاط المرائي في هذا الحديث بمعنى نشاطه في العمل فيعمل كثيراً بطيب النفس إذا كان أمام الناس (٣).

(١٥١) أفاد المحدّث القمّي (٤) أنّ المنافق يطلق على معان ، منها أن يظهر الإيمان ويبطن الكفر وهو معناه المشهور ، ومنها أن يظهر الحبّ ويكون في الباطن عدوّاً ،

__________________

١ ـ مرآة العقول ، ج ١٠ ، ص ٨٧.

٢ ـ القواعد والفوائد ، ص ٢٤٨ ، القاعدة ١٩٦.

٣ ـ روضة المتّقين ، ج ١٢ ، ص ١٣٨.

٤ ـ سفينة البحار ، ج ٨ ، ص ٣٠٦.

٥٢

إذا حَدّثَ كَذِب ، وإذا وَعَدَ أخلَف ، وإذا ائتُمِنَ خان.

يا عليُّ ، تسعةُ أشياء تورث النِسيان (١٥٢) ، أكلُ التفاحِ الحامض ، وأكلُ الكُزْبُرة (١٥٣) ،

______________________________________________________

ومنها أن يُظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقاً ، ومنها أن يدّعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه ولم يتّصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها فكان باطنه مخالفاً لظاهره وكأنّ هذا المعنى الأخير هو المراد هنا في مثل هذا الحديث ..

وأفاد الشيخ الطريحي (١) ، أنّ المنافق مأخوذ من النَّفْق وهو السرب في الأرض خفية ، وقيل ، مأخوذ من نافَقَ اليربوع ، إذا طُلب من النافقاء خرج من القاصعاء وبالعكس ، وهما جُحرتا اليربوع.

(١٥٢) النسيان ، بكسر النون ضدّ الذُكْر والحفظ .. وهي الحالة التي تعرض على الإنسان فلا يضبط ما استودع.

(١٥٣) الكُزْبُرة ، بضمّ الكاف وسكون الزاء وضمّ الباء ، وقد تفتح الكاف والباء ، عربية أو معربة من كزبرناء بالسرياينة وهي بالفارسية « گشنيز » ، كما قاله في القرابادين (٢) ، ذاكراً أنّ الإكثار منها يورث النسيان وإختلاط الذهن ، بل في المعتمد ، أنّ بذرها أيضاً إذا شرب منه شيء كثير خلط الذهن فينبغي أن يُحترز من إدمانه والإستكثار منه (٣).

وقال العلاّمة المجلسي ، أنّه إختلف الأطباء في طبعها فقيل بارد .. ، وقيل إنّها مركّبة القوى ، وذكروا لها فوائد كثيرة شرباً وضماداً ، لكن ذكروا أنّ إدمانها

__________________

١ ـ مجمع البحرين ، مادّة نفق ، ص ٤٤٦.

٢ ـ القرابادين ، ص ٣٥٨.

٣ ـ المعتمد ، ص ٤٢٣.

٥٣

والجُبُن (١٥٤) ، وسؤُر الفأرة ، وقراءةُ كتابةِ القبور ، والمشيُ بين امرأتين ، وطرحُ القُمّلة (١٥٥) ، والحجامةُ في النُقرة (١٥٦) ،

______________________________________________________

والإكثار منها يخلِّط الذهن ، ويظلم العين ، ويجفِّف المني ، ويسكِّن الباه ، ويورث النسيان ، ولا يبعد حمل الأخبار المستفاد منها الذمّ على الإكثار (١).

(١٥٤) في المصباح ، أنّ الجبن المأكول فيه ثلاث لغات رواها أبو عبيدة عن يونس بن حبيب سماعاً ، عن العرب أجودها سكون الباء ـ أي مع ضمّ الجيم ـ ، والثانية ضمّها للاتباع ، والثالثة وهي أقلّها التثقيل .. ومنهم من يجعل التثقيل من ضرورة الشعر (٢).

وفي القرابادين (٣) ، ذكر له فوائد ومضارّ وأفاد أنّه يصلحه الجوز ..

بل في الحديث عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال : « الجبن والجوز إذا اجتمعا في كلّ واحد منهما شفاء ، وإن افترقا كان في كلّ واحد منهما داء ».

وعنه عليه‌السلام في الجبن ، « هو ضارّ بالغداة ، نافع بالعشيّ » (٤).

(١٥٥) الطرح ، بفتح الطاء وسكون الراء هو الرمي يقال : طرحته أي رميته ، والقُمَّل بضمّ القاف وتشديد الميم المفتوحة هو الحيوان المعروف ، وفُسِّر بطرح القمل والقاءه حيّاً على الأرض.

(١٥٦) النقرة ، بضمّ النون وسكون القاف هي الحفرة خلف الرأس تقرب من أصل الرقبة.

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٦٦ ، ص ٢٤٤.

٢ ـ المصباح المنير ، مادّة جَبَنَ.

٣ ـ القرابادين ، ص ١٥٢.

٤ ـ طبّ الأئمّة للسيّد الشبّر ، ص ١٩٠.

٥٤

والبول في الماءِ الراكد (١٥٧).

يا عليُّ ، العيشُ في ثلاثة ، دار قَوراء (١٥٨) ، وجارية حَسناء ، وفرس قَبّاء (١٥٩).

______________________________________________________

(١٥٧) ذكر المحقّق الطوسي ، أنّ ممّا يورث النسيان أيضاً ، المعاصي ، وكثرة الهموم والأحزان في اُمور الدنيا ، وكثرة الإشتغال والعلائق الدنيوية ، والنظر إلى المصلوب ، والمرور بين قطار الجمل ، وكلّ ما يزيد في البلغم (١).

(١٥٨) القوراء ، بفتح القاف يعني الواسعة مؤنث الأقور بمعنى الواسع.

(١٥٩) القباء ، بفتح القاف وتشديد الباء .. الفرس الاُنثى الضامر بطنها ، وضمور البطن من محاسن الفرس وممّا يساعده على سرعة العَدْوِ في السير .. وللشيخ الصدوق هنا كلامٌ مفسّر للقباء بهذا الضمور إستشهاداً بالشعر.

قال رحمه‌الله ، [ سمعت رجلا من أهل المعرفة باللغة بالكوفة يقول : الفرس القبّاء ، الضامر البطن ، يقال : فرس أقبّ وقبّاء ، لأنّ الفرس يذكّر ويؤنّث ، ويقال للاُنثى ، قبّاء لا غير ، قال ذو الرمّة (٢) :

تَنَصّبَتْ حولَه يوماً تراقبُه

صُحرٌ سماحيج في أحشائِها قِبَبُ

الصحر ، جمع أصحر وهو الذي يضرب لونه إلى الحمرة ، وهذا اللون يكون في الحمار الوحشي ، والسماحيج الطوال ، واحدها سمحج (٣) ، والقبب الضمر ].

__________________

١ ـ آداب المتعلّمين ، ص ١٣٣.

٢ ـ ذو الرِّمة ، هو أبو حرث غيلان بن عقبة أحد فحول الشعراء العرب قيل في حقّه ، فُتح الشعر بامرىء القيس وخُتم بذي الرِّمة. لاحظ الكنى والألقاب ، ج ٢ ، ص ٢٢٧.

٣ ـ السمحج ، الأتان الطويلة الظهر وكذلك الفرس ولا يقال للذكر ، كذا قاله الجوهري. مجمع البحرين ، مادّة سمحج ، ص ١٦٦.

٥٥

يا عليُّ ، واللّهِ لو أنّ الوضيعَ في قعرِ بئر لبعثَ اللّهُ عزّوجلّ إليه ريحاً ترفعه فوقَ الأخيار في دولةِ الأشرار (١٦٠).

يا عليُّ ، من انتمى إلى غير مواليه (١٦١) فعليه لعنةُ اللّه ، ومن منع أجيراً أجرَه فعليه لعنةُ اللّه ، ومن أحدَثَ حَدَثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنةُ اللّه ، فقيل ، يا رسولَ اللّهِ وما ذلكَ الحَدَث؟ قال : القَتْل.

يا علي ، المؤمنُ مَن أمنهُ المسلمون على أموالِهم ودمائِهم ، والمسلمُ مَن سَلِمَ المسلمونَ من يدِه ولسانِه ، والمهاجرُ مَن هَجَر السيّئات (١٦٢).

يا عليُّ ، أوثقُ عرى الإيمان (١٦٣) الحبُّ في اللّهِ ، والبغضُ في اللّه.

يا عليُّ ، من أطاعَ امرأتَه أكبَّهُ اللّهُ عزّوجلّ على وجهِه في النار ،

______________________________________________________

(١٦٠) الوضيع من الناس هو الدني الذي فيه خسّة وضعة .. وهذا بيان ترفع الأدنياء على الأخيار في دولة الأشرار وترفيع الأدنين الساقطين في دولتهم.

(١٦١) أي إنتسب إلى غير مواليه الذين جعلهم الله تعالى مواليه الذين هم الهداة المعصومون أهل الدين صلوات الله عليهم أجمعين ، كما يستفاد من حديث المعاني (١).

(١٦٢) هذا بيان المهاجرة الكاملة الحقيقيّة التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن المسلم المهاجر في سبيل الله تعالى.

(١٦٣) العُرى ، جمع عروة .. وهي التي يتمسّك بها .. وهذا على التشبيه بالعروة التي يتمسّك بها ، وعروتا الإيمان هما الحبّ في الله والبغض في الله فيلزم التمسّك والأخذ بهما وأن يكون في المؤمن كلاهما.

__________________

١ ـ معاني الأخبار ، ص ٣٧٩ ، ح ٣.

٥٦

فقال علي عليه‌السلام ، وما تلكَ الطاعة؟ قال : يأذن لها في الذهاب إلى الحمّاماتِ والعرساتِ والنائحاتِ ، ولبسِ الثيابِ الرِّقاق (١٦٤).

يا عليُّ ، إنَّ اللّهَ تباركَ وتعالى قد أذهبَ بالإسلام نَخوةَ (١٦٥) الجاهلية وتفاخرَها بَآبائِها (١٦٦) ، ألا إنّ الناسَ من آدم وآدم من تراب ،

______________________________________________________

(١٦٤) أي الثياب الرقيقة التي تشفّ عمّا تحتها ، وقد حمل المحدّث الحرّ العاملي حرمة ذلك على صورة الريبة والتهمة والمفسدة كما يستفاد من عنوان ذلك في بابه في الوسائل (١) ، فلاحظ.

(١٦٥) النخوة ـ بفتح النون وسكون الخاء ـ ، الإفتخار والتعظّم وادّعاء العظمة والكبر والشرف.

(١٦٦) فإنّه مذموم مردوع وكفى واعظاً وزاجراً عنه ما يلي :

قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر وأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُم ) (٢).

وقول سيّدنا الإمام الباقر في الحديث الذي رواه عقبة بن بشير الأسدي قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ، أنا عقبة بن بشير الأسدي وأنا في الحسب الضخم من قومي ، قال : فقال : « ما تمنّ علينا بحسبك ، إنّ الله رفع بالإيمان مَن كان الناسِ يسمّونه وضيعاً إذا كان مؤمناً ، ووضع بالكفر مَن كان الناس يسمّونه شريفاً إذا كان كافراً ، فليس لأحد فضل على أحد إلاّ بالتقوى » (٣).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٣٧٥ ، باب ١٦.

٢ ـ سورة الحجرات ، الآية ١٣.

٣ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٢٨ ، باب الفخر والكبر ، ح ٣.

٥٧

وأكرمُهم عندَ اللّهِ أتقاهُم.

يا عليُّ ، من السُحْتِ (١٦٧) ثمنُ الميتة ، وثمنُ الكلب (١٦٨) ، وثمنُ الخَمر ، ومهرُ الزانية (١٦٩) ، والرشوةُ في الحكم (١٧٠) ،

______________________________________________________

(١٦٧) السحت ـ بضمّ السين وسكون الحاء ـ ، وكذلك يقرأ بضمّتين ، يطلق على المحظور الذي يلزم صاحبه العار كأنّه يسحت دينه ومروئته (١).

وهو كلّ ما لا يحلّ كسبه ، وإشتقاقه من السَحْت وهو الإستيصال ، يقال : سَحَته وأسحَته أي استأصله ، ويسمّى الحرام به لأنّه يعقّب عذاب الإستيصال ، وقيل ، لأنّه لا بركة فيه ، وقيل ، لأنّه يسحت أي يستأصل مروّة الإنسان (٢)

(١٦٨) أي كلب الهراش كما حمل عليه وفسّر به بقرينة الأحاديث الاُخرى التي استثنت من حرمة البيع بيع مثل كلب الصيد كحديث العامري قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد؟ فقال : « سُحت ، وأمّا الصيود فلا بأس به » (٣).

وقد اُفيد الإجماع على إستثناء كلب الصيد ، وفي الجواهر ، أنّ الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي من اللاخلاف والإجماع في المسألة مستفيض أو متواتر كالنصوص.

(١٦٩) أي اُجرة الزانية التي تأخذها على فجورها.

(١٧٠) الرشوة ـ مثلثة الراء وساكنة الشين ـ ، هي ما يعطيه الشخص للحاكم

__________________

١ ـ مفردات الراغب ، ص ٢٢٥.

٢ ـ مجمع البحرين ، مادّة سَحَتَ ، ص ١٤٥.

٣ ـ وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٨٣ ، باب ١٤ ، ح ١.

٥٨

وأجرُ الكاهن (١٧١).

______________________________________________________

وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريده ، وأصلها من الرشاء يعني الحبل الذي يتوصّل به إلى الماء كما أفاده الشيخ الطريحي (١) ، أو من رشا الفرخ إذا أمدّ رأسه إلى اُمّه لتزقّه كما نقله ابن منظور عن أبي العبّاس المبرّد (٢).

وفسّر في الفقه بالمال الذي يجعله المتحاكمين للحاكم ، كما يستفاد من المحقّق الثاني (٣).

وأفاد الشيخ الأنصاري ، أنّه لا تختصّ الرشوة بما يُبذل على خصوص الحكم بالباطل ، بل يعمّ ما يبذل لحصول غرضه وهو الحكم بنفعه حقّاً كان أو باطلا (٤).

وقطع بالعموم الميرزا الآشتياني في كتاب القضاء (٥) ، والمحقّق الكني في قضائه (٦) ، بل نسبه السيّد الجواد إلى الأصحاب في المفتاح (٧).

(١٧١) الكاهن ويسمّى بالعرّاف أيضاً هو فاعل الكهانة ..

والكهانة ـ بالفتح والكسر ـ ، تعاطي الإخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان وادّعاء معرفة الأسرار (٨).

وقد اُفيد فقهاً حرمتها بإجماع المسلمين بل في حديث أبي بصير ، عن أبي

__________________

١ ـ مجمع البحرين ، مادّة رشا ، ص ٣٨.

٢ ـ تاج العروس ، ج ١٠ ، ص ١٥٠.

٣ ـ جامع المقاصد ، ج ١ ، ص ٢٠٦.

٤ ـ المكاسب ، ج ٢ ، ص ٣٩٦.

٥ ـ كتاب القضاء للآشتياني ، ص ٣٩.

٦ ـ كتاب القضاء للكني ، ص ١١.

٧ ـ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٩١.

٨ ـ مجمع البحرين ، مادّة كَهَنَ ، ص ٥٦٩.

٥٩

..................................................................................

______________________________________________________

عبدالله عليه‌السلام قال : « من تكهَّن أو تُكهِّن له فقد برىء من دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

وقد إختلفت الأقوال في منشأ إخبارات الكاهن .. والقول الحقّ في منشئها هو ما جاء في حديث الإحتجاج ، قال عليه‌السلام :

« إنّ الكهانة كانت في الجاهلية في كلّ حين فترة من الرسل ، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الاُمور بينهم ، فيخبرهم عن أشياء تحدث ، وذلك من وجوه شتّى ، فراسة العين ، وذكاء القلب ، ووسوسة النفس ، وفتنة الروح ، مع قذف في قلبه ، لأنّ ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤدّيه إلى الكاهن ، ويخبره بما يحدث في المنازل والأطراف.

وأمّا أخبار السماء فإنّ الشياطين كانت تقعد مقاعد إستراق السمع إذ ذاك ، وهي لا تُحجب ، ولا تُرجم بالنجوم ، وإنّما مُنعت من إستراق السمع لئلاّ يقع في الأرض سبب يُشاكل الوحي من خبر السماء ، فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله ، لإثبات الحجّة ، ونفي الشبهة.

وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها ، ثمّ يهبط بها إلى الأرض ، فيقذفها إلى الكاهن ، فإذا قد زاد كلمات من عنده ، فيخلط الحقّ بالباطل ، فما أصاب الكاهن من خبر ممّا كان يخبر به فهو ما أدّاه إليه الشيطان لما سمعه ، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه.

فمنذ مُنعت الشياطين عن إستراق السمع إنقطعت الكهانة ، واليوم إنّما تؤدّي الشياطين إلى كهّانها أخباراً للناس بما يتحدّثون به ، وما يحدثونه ، والشياطين

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٠٨ ، باب ٢٦ ، ح ٢.

٦٠