وصايا الرّسول لزوج البتول عليهم السلام

السيد علي الحسيني الصدر

وصايا الرّسول لزوج البتول عليهم السلام

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الأخلاق
الناشر: دار الامام الرضا عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-92482-1-8
الصفحات: ٦٥٥

يا علي ، يأتي على شاربِ الخمرِ ساعةً لا يعرفُ فيها ربَّه عزّوجَلّ (٢٣).

يا علي ، إنّ إزالةَ الجبالِ الرواسي أهونُ (٢٤) ...

______________________________________________________

والداء الدفين هو الداء المستتر ، ولعلّه إشارة إلى الأمراض الخطيرة التي يُورثها إدمان الخمر كالصرع والرعشة ، والفالج ، وتورّم الأحشاء ، والتهاب الكبد والكلى ، وترهّل البدن ، وإختلال الأعصاب ، وذات الرئة ، وسرطان جهاز الهضم ، وضياع المعدة وغيرها من المساوىء التي صرّحت بها الكتب الطبية وكشفتها المؤسّسات العالمية (١).

(٢٣) في حديث الإحتجاج سأل زنديقٌ أبا عبدالله عليه‌السلام ، لِمَ حرّم الله الخمر ولا لذّة أفضل منها؟ فقال : « حرّمها لأنّها اُمّ الخبائث ، ورأس كلّ شرّ ، يأتي على شاربها ساعة يُسلب لُبّه ، فلا يعرف ربّه ، ولا يترك معصية إلاّ ركبها ، ولا يترك حرمة إلاّ إنتهكها ، ولا رحماً ماسّة إلاّ قطعها ، ولا فاحشةً إلاّ أتاها ، والسكران زمامه بيد الشيطان ، إن أمره أن يسجد للأوثان سجد ، وينقاد حيثما قاده » (٢).

وما أحلى هذا الحديث من بيان ، وكشف الحقيقة للإنسان ، في تعرفة الآثار السيّئة ، والعواقب الرديئة ، بإرتكاب الشنائع والإتيان بالفجائع التي تجرّ الندم الدائم والشرّ الهائم في العباد والبلاد.

(٢٤) أي الجبال الثابتة في أماكنها التي هي راسخة لا تزول لعظمتها وأهون بمعنى أيسر.

__________________

١ ـ راجع كتاب المعتمد ، ص ١٣٦. ونسخة العطّار ، ص ٥٣٨.

٢ ـ الإحتجاج ، ج ٢ ، ص ٩٢.

٢١

من إزالةِ مَلِك مؤجّل لم تنقضِ أيّامُه (٢٥).

يا علي ، مَن لم تنتفعْ بدينِه ولا دنياه فلا خيرَ لكَ في مجالستِه (٢٦) ،

______________________________________________________

(٢٥) فإذا إنقضت أيّامه وإنتهت مدّته حصل أسباب زواله.

(٢٦) فانّه تضييع للعمر بل تعرّض للضرر الدنيوي أو الاُخروي غالباً .. وقد ورد في أحاديثهم الشريفة ذكر من ينبغي إجتناب مصاحبته وبيان من ينبغي إختيار صحبته.

أمّا الأوّل : ففي حديث محمّد بن مسلم أو أبي حمزة ، عن أبي عبدالله الصادق ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال لي علي بن الحسين صلوات الله عليهما ، يابنيَّ انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا توافقهم في طريق فقلت ، يا أبة من هم؟ قال : إيّاك ومصاحبة الكذّاب فإنّه بمنزلة السراب يقرِّب لك البعيد ويباعد لك القريب ، وإيّاك ومصاحبة الفاسق فإنّه بايعُكَ بأُكلة أو أقلّ من ذلك ، وإيّاك ومصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه ، وإيّاك ومصاحبة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك ، وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله عزّوجلّ في ثلاث مواضع ، قال الله عزّوجلّ : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * اُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (١) وقال : ( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٢) وقال في سورة البقرة : ( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِه وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ

__________________

١ ـ سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الآية ٢٢ ـ ٢٣.

٢ ـ سورة الرعد ، الآية ٢٥.

٢٢

ومن لم يوجبْ لكَ فلا توجبْ له ولا كرامة (٢٧).

يا علي ، ينبغي أن يكونَ في المؤمنِ ثمانُ خصال ، وقارٌ عندَ الهزاهز (٢٨) ، وصبرٌ عندَ البلاء ، وشكرٌ عندَ الرَّخاء ، وقنوعٌ بما رزقه اللّهُ عزّوجَلّ (٢٩) ، لا يظلمُ الأعداءَ (٣٠) ،

______________________________________________________

بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ ) (١) ـ (٢).

وأمّا الثاني : فقد ورد في حديث جابر بن عبدالله الأنصاري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا تجلسوا إلاّ عند كلّ عالم يدعوكم من خمس إلى خمس ، من الشكّ إلى اليقين ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الرغبة إلى الرهبة ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن الغشّ إلى النصيحة » (٣).

وقال الحواريون لعيسى عليه‌السلام ، « مَن نجالس؟ فقال : من يذكّركم الله رؤيته ، ويرغّبكم في الآخرة عمله ، ويزيد في منطقكم علمه » (٤).

(٢٧) أي من لا يعرف حقّك ولا يعظّمك فلا يجب عليك تعظيمه وتكريمه ..

(٢٨) أي يكون له حلم ورزانة وتثبّت عند الهزاهز وهي الفتن وتحريكات الحروب.

(٢٩) من القناعة بمعنى الرضا بما قُسم له.

(٣٠) فيلزم أن لا يخرج المؤمن عن حقّه ولا يفضى به سخطه إلى التعدّي إلى ما ليس له بحقّ حتّى على عدوّه.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية ٢٧.

٢ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٧٦ ، باب مجالسة أهل المعاصي ، ح ٧.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ١٨٨ ، ب ١٢ ، ح ١٨.

٤ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ١٨٩ ، ب ١٣.

٢٣

ولا يتحاملُ على الأصدقاءِ (٣١) ، بدنُه منه في تَعَب ، والناسُ منه في راحة (٣٢).

يا علي ، أربعةٌ لا تُردُّ لهم دعوة (٣٣) ، إمامٌ عادل ، ووالدٌ لولدِه ، والرجلُ يدعو لأخيهِ بظهرِ الغيب ، والمظلوم ، يقول اللّه عزّوجلّ ، وعزّتي وجَلالي لأنتصرنَّ لكَ ولو بَعد حين.

______________________________________________________

(٣١) أي لا يُلقي كَلَّه على أصدقائه ولا يكلّفهم ما لا يطيقون ، وفي حديث الكافي ، « ولا يتحامل للأصدقاء » باللام ، أي لا يتحمّل الآثام كشهادة الزور والحكم بالباطل وإرتكاب المعاصي لأجلهم.

(٣٢) هذه هي الصفات الفاضلة التي ينبغي أن يتحلّى بها المؤمن بوصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجدر في المقام التدبّر في صفات المؤمنين المتّقين أيضاً التي بيّنها وصيّه الحقّ أمير المؤمنين في خطبة همّام الواردة في نهج البلاغة (١).

(٣٣) وبمضمونه أحاديث كثيرة اُخرى يستفاد منها أنّ أدعية هؤلاء لا تحجب عن السماء فيستجيب الله عزّوجلّ لهم. وحبّذا لو روعيت آداب الدعاء والداعي مثل طيب المكسب ، والوثوق بالله تعالى ، وعدم القنوط ، والإقبال بالقلب ، والإلحاح في المسألة ، ورفع اليد بالدعاء ، والبكاء أو التباكي ، والإبتداء في الدعاء بحمد الله تعالى وذكر نعمه التي أنعم بها على الداعي ثمّ شكره ، ثمّ الصلاة على محمّد وآل محمّد ثمّ تذكّر الداعي ذنوبه والإستعاذة أو الإستغفار منها ثمّ يدعو ثمّ يصلّي بعد الدعاء أيضاً على النبي والآل ، ويكون الدعاء في صلاة الوتر أو بعد الفجر أو عند الزوال أو بعد الظهر أو بعد المغرب أو عند قراءة القرآن أو عند الأذان أو عند

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، ص ٣٠٣ ، الخطبة ١٩٣.

٢٤

يا علي ، ثمانيةٌ إن أُهينوا فلا يلومُوا إلاّ أنفسَهم (٣٤) ، الذاهبُ إلى مائدة لم يُدعَ إليها ، والمتأمّرُ (٣٥) على ربِّ البيت ، وطالبُ الخيرِ من أعدائِه ، وطالبُ الفضلِ من اللئام (٣٦) ، والداخلُ بين إثنين في سرّ لم يُدخلاهُ فيه ، والمستخفُّ بالسُلطان ، والجالسُ في مجلس ليس له بأهل (٣٧) ، والمقبلُ بالحديثِ على من لا يسمعُ منه.

يا علي ، حَرّمَ اللّهُ الجنّةَ على كلِّ فاحش بذيّ (٣٨) لا يُبالي ما قال ولا ما قيل له.

______________________________________________________

نزول الغيث أو عند التقاء الصفّين للشهادة ، أو في سحر ليلة الجمعة ممّا تلاحظها في أبواب الدعاء.

(٣٤) حيث انّهم عرّضوا أنفسهم للإهانة في موردها فكان إقداماً منهم على إهانة النفس.

(٣٥) أي المتسلّط بالأمر بإحضار شيء أو إبعاد شيء.

(٣٦) اللئام ـ جمع اللئيم ـ ، وهو من كان دنيء الأصل وخسيس النفس.

(٣٧) أي ليس من شأنه الجلوس في ذلك المجلس والمكان .. مثل أن يكون المجلس أرفع من شأنه وأعلى من قدره.

(٣٨) البذيء على وزن فعيل أي بذيء اللسان من قولهم ، بذا على القوم أي سفه عليهم وأفحش في منطقه وليس هو من صفات الكرام ففي حديث الإمام الباقر عليه‌السلام ، « سلاح اللئام قبيح الكلام » (١).

__________________

١ ـ سفينة البحار ، ج ٧ ، ص ٣١.

٢٥

يا علي ، طُوبى (٣٩) لمن طالَ عُمرهُ وحَسُنَ عملُه (٤٠).

يا علي ، لا تمزحْ فيذهب بهاؤُك ، ولا تكذب فيذهب نورُك ، وإيّاكَ وخصلتين ، الضجر (٤١) والكسل ، فانّك إن ضجرتَ لم تصبر على حقّ ، وإن كسلت لم تؤدِّ حقّاً.

يا علي ، لكلّ ذنب توبة إلاّ سوءُ الخُلُق ، فإنّ صاحبَه كلّما خرج من ذنب دَخَل في ذنب (٤٢).

يا علي ، أربعةٌ أسرعُ شيء عقوبةً ، رجلٌ أحسنتَ إليه فكافأك بالإحسانِ إساءة ، ورجلٌ لا تبغي عليه وهو يبغي ...

______________________________________________________

(٣٩) طوبى ، على وزن فُعلى بالضمّ ، مأخوذة من الطيب ، مصدر طاب ، مثل بُشرى مصدر بَشِرَ ، دعاء الخير بأطيب العيش وأحسنه في الجنّة ، وهي في أصل المعنى شجرة مباركة في الجنّة أصلها في دار رسول الله وأمير المؤمنين سلام الله عليهما وآلهما ، وفي دار كلّ مؤمن في الجنّة غصن منها ، لا يخطر على قلب المؤمن ما يشتهيه إلاّ وأتاه به ذلك الغصن (١).

(٤٠) فتكثر أعماله الحسنة بكثرة سني عمره.

(٤١) الضَجَر ، القلق من الشيء والإغتمام منه ، والمنهي عنه هنا هو إظهاره ، فانّ المؤمن حزنه في قلبه وبُشره في وجهه ، مع أنّه يمكن رفع الهمّ والقلق وتسكين النفس بالمواعظ الربّانية .. ( أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ ) (٢).

(٤٢) يُدخله في ذلك سوء خُلُقه ويدعوه إليه رذالة أخلاقه .. وفي بعض النسخ [ في ذنب آخر ].

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٨ ، ص ١١٧ ، ب ٢٣ ، ح ٢ ـ ٣. ومجمع البحرين ، ص ١٢٥.

٢ ـ سورة الرعد ، الآية ٢٨.

٢٦

عليك (٤٣) ، ورجلٌ عاهدتَه على أمر فوفيت له وغدرَ بك (٤٤) ، ورجلٌ وَصَل قرابتَه فقطعوه.

يا علي ، من استولى عليه الضجَر رحلت عنهُ الرّاحة.

يا علي ، إثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجلِ المسلمِ أن يتعلّمها على المائدة ، أربعٌ منها فريضة ، وأربعٌ منها سنّة ، وأربعٌ منها أدَب (٤٥) ، فأمّا الفريضةُ ، فالمعرفةُ بما يأكل (٤٦) والتسميةُ والشكرُ والرضا ، وأمّا السنّةُ ، فالجلوسُ على الرِّجْلِ اليُسرى ، والأكلُ بثلاثِ أصابع ، وأن يأكلَ ممّا يليه ، ومصُّ الأصابع ، وأمّا الأدبُ ، فتصغيرُ اللقمةِ ، والمضغُ الشديدُ ، وقلّةُ النظرِ في وجوهِ الناس ، وغسلُ اليدين.

يا علي ، خَلَقَ اللّه عزّوجلّ الجنّةَ من لبنتين ، لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ، وجعل حيطانَها الياقوت وسقفَها الزَّبرجد ، وحصاها اللؤلؤ ، وترابُها الزعفران والمسكُ الأذفر (٤٧) ، ثمّ قال لها ، تكلّمي فقالت :

______________________________________________________

(٤٣) من البغي بمعنى الظلم والفساد والتجاوز والإعتداء.

(٤٤) الغدر ، نقض العهد وترك الوفاء.

(٤٥) أي من محاسن الأخلاق والسجايا الطيّبة.

(٤٦) فيلزم أن يعرف أنّه ممّا يحلّ له أكله ويجوز له تناوله ، ويكون طيّباً غير خبيث ، وطاهراً غير نجس ، وحكي عن بعض النسخ [ فالمعرفة ] بدون قوله ، بما يأكل ، وفسّر بمعرفة المنعم أو الحلال والحرام.

(٤٧) المسك هو الطيب المعروف والأذفر بمعنى الجيّد .. وهو المسك الذي تفوح منه الرائحة الطيّبة الشديدة .. من الذَفَر بمعنى شدّة ذكاء الرائحة.

٢٧

لا إله إلاّ اللّهُ الحيُّ القيّومُ قد سَعَدَ من يدخلني ، قال اللّهُ جلّ جلالُه ، وعزّتي وجَلالي لا يدخُلها مدمنُ خمر (٤٨) ، ولا نمّام (٤٩) ، ولا دَيّوث (٥٠) ، ولا شُرطيُّ (٥١) ، ولا مُخنّث (٥٢) ، ولا نَبّاش (٥٣) ، ولا عَشّار (٥٤) ، ولا قاطعُ رَحِم (٥٥) ، ولا قَدَري (٥٦).

______________________________________________________

(٤٨) يقال : فلان مدمن خمر أي مداوم على شربها ، وفي الحديث ، « ليس مدمن الخمر الذي يشربها كلّ يوم ولكن يوطّنُ نفسه إذا وجدها شربها » (١).

(٤٩) من النميمة وهي نقل الحديث من شخص إلى شخص أو من قوم إلى قوم على وجه السعاية والإفساد والفتنة.

(٥٠) الديّوث هو الذي تزني امرأته وهو يعلم بها ، ومن يدخل الرجل على زوجته ، ومن لا غيرة له على أهله.

(٥١) الشرطي هو المنسوب إلى الشرطة وهم أعوان الظلمة والسلاطين والولاة.

(٥٢) المخنّث هو من يوطىءُ في دبره .. مأخوذ من الإنخناث بمعنى اللين والتكسّر.

(٥٣) أي من ينبش القبور ويسرق من الموتى.

(٥٤) هو آخذ العُشر من أموال الناس بأمر الظالم.

(٥٥) أي من لا يصل أرحامه وأقاربه ويأتي إن شاء الله تعالى بيان معنى الرحم وصلته وقطعه عند قوله عليه‌السلام (٢) ، « سرّ سنة صل رحمك ».

(٥٦) القدريّة هم الذين يقولون ، أنّ العبد مستقل بنفسه في الأفعال ولا مَدْخل لتوفيق الله تعالى فيها فكانوا بضلالتهم من المفوّضة.

__________________

١ ـ مجمع البحرين ، مادّة دَين ، ص ٥٥٧.

٢ ـ الآتي في صفحة ٤٨ من هذا الكتاب.

٢٨

يا علي ، كَفَرَ باللّهِ العظيم (٥٧) من هذه الاُمّة عشرةٌ ، القتّاتُ (٥٨) ، والساحرُ ، والديّوثُ ، وناكحُ المرأةِ حراماً في دبرِها (٥٩) ، وناكحُ البهيمةِ ، ومن نكح ذاتَ مَحْرم ، والساعي في الفتنةِ (٦٠) ، وبايعُ السلاحِ من أهلِ الحربِ ، ومانعُ الزكاةِ ، ومَن وجدَ سعةً فمات ولم يَحجّ.

يا علي ، لا وليمة (٦١) إلاّ في خمس :

______________________________________________________

(٥٧) الكفر في هذه الموارد يكون مع الإستحلال أو الجحود .. بأن يرى حليّة النميمة مثلا أو يجحد وجوب الحجّ فرضاً كما يستفاد من الشيخ الطوسي (١) في تفسير قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلا وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمَينَ ) (٢).

وقال والد المجلسي قدس‌سره ، « الظاهر أنّه كفر الكبائر وإطلاقه عليه شائع » (٣).

(٥٨) وهو النمّام وقد تقدّم معناه كما تقدّم معنى الديّوث أيضاً.

(٥٩) التقييد بالدبر لعلّه لدفع توهّم أنّ الوطي في الدبر ليس بزنا ، ولأجل كونه أقبح بواسطة إجتماع الحرمة والكراهة فيه وتخيّل الواطىء الحليّة كان كفراً بالإستحلال.

(٦٠) أي الساعي في الشرّ والفساد والعداوة بين المؤمنين.

(٦١) الوليمة في اللغة تطلق على طعام العرس ، وكلّ إطعام سُنّة لدعوة وغيرها ، وكلّ طعام يتّخذ لجمع ونحوه.

__________________

١ ـ التبيان ، ج ٢ ، ص ٥٣٧.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية ٩٧.

٣ ـ روضة المتّقين ، ج ١٢ ، ص ٦٣.

٢٩

في عِرس أو خُرس أو عذار أو وكار أو ركاز ، فالعرس التزويج ، والخرس النفاس بالولد ، والعذار الختان ، والوكار في بناء الدار وشرائها ، والركاز الرجل يقدم من مكّة (٦٢).

يا علي ، لا ينبغي للعاقلِ أن يكونَ ظاعناً (٦٣) إلاّ في ثَلاث ، مرمّةٌ لمعاش (٦٤) ،

______________________________________________________

(٦٢) أفاد الشيخ الصدوق هنا ما نصّه ، « قال مصنّف هذا الكتاب رحمه‌الله ، سمعت بعض أهل اللغة يقول في معنى الوكار ، يقال للطعام الذي يدعى إليه الناس عند بناء الدار أو شرائها : ( الوكيرة ) والوكار منه ، والطعام الذي يتّخذ للقدوم من السفر يقال له : ( النقيعة ) ويقال له : ( الركاز ) أيضاً ، والرِّكاز الغنيمة كأنّه يريد أنّ في اتّخاذ الطعام للقدوم من مكّة غنيمة لصاحبه من الثواب الجزيل ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ) » (١).

وجاء هذا الكلام منه في معاني الأخبار وأضاف عليه ما يلي ، « وقال أهل العراق ، الركاز ، المعادن كلّها ، وقال أهل الحجاز ، الركاز ، المال المدفون خاصّة ممّا كنزه بنو آدم قبل الإسلام ، كذلك ذكره أبو عبيدة ... أخبرنا بذلك أبو الحسين محمّد ابن هارون الزنجاني فيما كتب إليّ عن علي بن عبدالعزيز ، عن أبي عبيدة القاسم بن سلام » (٢).

(٦٣) الظعن على وزن نفع هو السير والإرتحال .. والظاعن هو السائر في السفر وغيره.

(٦٤) رممت الشيء بمعنى أصلحته ومرمّة المعاش هو إصلاح المعيشة واُمورها.

__________________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ، ج ٤ ، ص ٣٥٦.

٢ ـ معاني الأخبار ، ص ٢٧٢.

٣٠

أو تزوّدٌ لمعاد (٦٥) ، أو لذّةٌ في غير مُحَرَّم.

يا علي ، ثلاثٌ من مكارمِ الأخلاق في الدنيا والآخرة (٦٦) ، أن تعفَو عمّن ظَلَمك ، وتصلَ من قطعكَ ، وتَحْلُم عمّن جَهِلَ عليك.

يا علي ، بادر بأربع (٦٧) قبل أربع ، شبابَك قبل هرمِك ، وصحّتَك قبل سُقمِك ، وغناكَ قبل فَقرِك ، وحياتَك قبل موتِك.

يا علي ، كره اللّه عزّوجلّ لاُمّتي (٦٨) ...

______________________________________________________

(٦٥) أي حمل الزاد للمعاد والعمل لثواب الآخرة ، وخير الزاد للدار الاُخرى هو التقوى.

(٦٦) أي من محاسن الأخلاق والسجايا والطبايع الطيّبة التي تكون عزّةً للإنسان في الدنيا ومثوبةً في الاُخرى.

(٦٧) من المبادرة بمعنى المسارعة أي سارع فيها واغتنمها وإسع للخير فيها قبل أن تأتي الاُمور التي لا يمكن السعي للخير فيها .. فالعقل يدعو إلى إنتهاز الفرصة وعدم تأخير عمل الخير لحظة .. فانّه قد يحصل المانع وتعرض الطوارىء لذلك ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، « إذا هممت بخير فبادِر فإنّك لا تدري ما يَحدُث » (١).

(٦٨) يقال : كره الأمر كراهة فهو كريه مثل قبيح وزناً ومعنىً ، والشيء المكروه هو ضدّ المحبوب .. والمكروه هنا أعمّ من أن تكون فيه مفسدة فيحرم ، أو فيه حزازة فيكره إصطلاحاً ، فبعض ما ذكر هنا محظور وبعضه مكروه بالإصطلاح الفقهائي .. وكلّها يكرهها الله تعالى لما فيها من فساد أو سوء.

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٤٢ ، باب تعجيل فعل الخير ، ح ٣.

٣١

العبثَ في الصلاةِ (٦٩) ، والمَنَّ في الصدقةِ (٧٠) ، وإتيانَ المساجد جنباً (٧١) ، والضحكَ بين القُبور (٧٢) ، والتطلّعَ في الدُور (٧٣) ، والنظَر إلى فروجِ النساءِ لأنّه يُورثُ العمى ، وكره الكلامَ عند الجماع لأنّه يورثُ الخرس ، وكرَه النوم بين العشائين لأنّه يُحرم الرزق ، وكره الغسلَ تحت السماءِ إلاّ بمئزر ، وكره دخول الأنهارِ إلاّ بمئزر فإنّ فيها سُكّاناً من الملائكة ، وكره دخولَ الحمّامِ إلاّ بمئزر ، وكره الكلامَ بين الأذانِ والإقامةِ في صلاةِ الغَداة ، وكره ركوبَ البحرِ في وقت هَيَجانهِ ، وكره النومَ فوقَ سطح ليسَ بمُحَجّر (٧٤) ، وقال : من نامَ على سطح غير مُحجَّر فقد برئَت ...

______________________________________________________

(٦٩) العبث هو اللعب وعمل ما لا فائدة فيه كأن يلعب بشعر لحيته أو رأسه في الصلاة ، وهو يكشف عن عدم التوجّه والخشوع.

(٧٠) فانّه يبطل الصدقة ويذهب بأجرها. ذكر الشيخ الطريحي ، أنّ المنّ في الصدقة هو أن يقول : ألم اُعطك ، ألم اُحسن إليك؟ ونحو ذلك (١).

(٧١) فانّه محرّم إلاّ أن يكون بنحو الإجتياز والعبور من غير مكث إلاّ في المسجد الحرام والمسجد النبوي فلا يجوز للجنب حتّى إجتيازهما والعبور منهما.

(٧٢) فانّه خلاف الإعتبار والإتّعاظ بالموت الذي هو المطلوب في هذه الأماكن.

(٧٣) التطلّع هو الإشراف من علوّ للإطلاع على ما في الدور ، وقد يحصل بالإشراف كشف عورات المؤمنين ، وهو قبيح.

(٧٤) أي ليس له حائط من حجر ونحوه بحيث يقي عن السقوط من شاهق.

__________________

١ ـ مجمع البحرين ، ص ٥٧٢.

٣٢

منه الذِّمّة (٧٥) وكره أن ينامَ الرجلُ في بيت وحَده ، وكره أن يغشي (٧٦) الرجلُ امرأتَه وهي حائض فإن فعل وخرج الولد مجذوماً أو به برص فلا يلومنَّ إلاّ نفسَه ، وكره أن يكلّم الرجلُ مجذوماً إلاّ أن يكون بينه وبينه قدرِ ذراع وقال عليه‌السلام ، « فرَّ من المجذوم فرارَك من الأسد » ، وكره أن يأتي الرجلُ أهلَه وقد احتلم حتّى يغتسلَ من الإحتلام فإن فَعَل ذلك وخرج الولدُ مجنوناً فلا يلومنَّ إلاّ نفسَه ، وكره البولَ على شطّ نهر جار (٧٧) ، وكره أن يُحدث الرجلُ تحت شجرة أو نخلة قد أثمَرت ، وكره أن يُحدث الرجلُ وهو قائم ، وكره أن يتنعّلَ (٧٨) الرجل وهو قائم ، وكره أن يدخُلَ الرجلُ بيتاً مظلماً إلاّ مع السراج.

يا علي ، آفةُ الحَسَبِ (٧٩) الإفتخار.

______________________________________________________

(٧٥) قال في المجمع ، معناه أنّ لكلّ أحد من الله عهداً بالحفظ والكلاءة فإذا ألقى بيده إلى التهلكة أو فعل ما حرّم أو خالف ما أمر به خذلته ذمّة الله (١).

(٧٦) غشى الرجل المرأة غشياناً أي جامعها.

(٧٧) أي في جانب ذلك النهر .. من الشاطيء وهو جانب النهر وحافّته.

(٧٨) التنعّل هو لبس النعل ، والنعل هي ما تقي القدم من الأرض ومنها النعل العربية والسندية.

(٧٩) الحَسَب بفتحتين هو الشرف الثابت بالآباء ، ويطلق على الفعال الصالح ، مقابل النَسَب وهو الأصل. وشرافة الآباء بنفسها من المحاسن إلاّ أنّ التفاخر بها من الآفات.

__________________

١ ـ مجمع البحرين ، مادّة بَرَأ ، ص ١٠.

٣٣

يا علي ، من خافَ اللّهَ عزَّوجلّ خاف منه كلُّ شيء (٨٠) ، ومن لم يَخَفِ اللَّهَ عزّوجلّ أخافه اللّهُ من كلِّ شيء (٨١).

يا علي ، ثمانيةٌ لا يقبل اللّهُ منهم الصلاةَ ، العبدُ الآبق (٨٢) حتّى يرجعَ إلى مَولاه ، والناشزُ (٨٣) وزوجُها عليها ساخِط ، ومانعُ الزكاةِ ، وتاركُ الوضوءِ ، والجاريةُ المدركةُ تصلّي بغير خمار ، وإمامُ قوم يصلّي بهم وهم له كارهون ، والسكرانُ والزَّبين (٨٤) ـ وهو الذي يدافع البولَ والغائط ـ.

______________________________________________________

(٨٠) فبالخوف من الله تعالى تحصل هذه المعنوية والهيبة الربّانية.

(٨١) وهذا من أثر عدم الخوف منه تعالى ، فلابدّ أن يكون العبد خائفاً من الله تعالى إلى جانب رجائه وإلاّ لخاف من غير الله تعالى.

وفي الكافي ، عن الحارث بن المغيرة أو أبيه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « قلت له ، ما كان في وصيّة لقمان؟ قال : كان فيها الأعاجيب وكان أعجب ما كان فيها أن قال لإبنه ، خف الله عزّوجلّ خيفةً لو جئته ببرِّ الثقلين لعذّبك ، وارج الله رجاءاً لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك ، ثمّ قال أبو عبدالله عليه‌السلام ، كان أبي يقول : انّه ليس من عبد مؤمن إلاّ وفي قلبه نوران ، نور خيفة ونور رجاء ، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا » (١).

(٨٢) وهو العبد الذي فرّ من مولاه.

(٨٣) نشوز المرأة ، معصيتها لزوجها وتعاليها عمّا أوجب الله تعالى عليها من طاعة الزوج كأن تمتنع على زوجها إذا دعاها إلى الإستمتاع.

(٨٤) الزّبين على وزن سكّين هو مدافع الأخبثين البول والغائط مأخوذ من

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٦٧ ، باب الخوف والرجاء ، ح ١.

٣٤

يا علي ، أربعٌ من كنّ فيه بنى اللّهُ تعالى له بيتاً في الجنّة ، من آوى (٨٥) اليتيم ، ورحِمَ الضعيف ، وأشفَقَ (٨٦) على والديه ، ورفق (٨٧) بمملوكه.

يا علي ، ثلاثٌ من لقى اللّه عزّوجلّ بهنّ (٨٨) فهو من أفضلِ الناس ، من أتى اللّهَ بما افترضَ عليه فهو من أعبدِ الناس (٨٩) ،

______________________________________________________

الزَبَن وهو الدفع.

(٨٥) الإيواء هو الإسكان ، والمأوى هو المنزل .. أي اسكن اليتيم في مسكن ومنزل.

(٨٦) من الشفقة بمعنى الحنان .. أي حنَّ على والديه.

(٨٧) الرفق ، لين الجانب وهو ضدّ العنف ، أي يليّن الجانب ويحسن العمل ولا يخرق بمملوكه.

(٨٨) أي أتى في حياته بهذه الخصال حتّى مات عليها ولقى الله تعالى بها.

(٨٩) أي يأتي بالواجبات التي فرضها الله تعالى عليه فيُعدّ من أعبد الناس ، حيث يكون أعبد ممّن يفعل المستحبّات ويترك بعض الواجبات .. ومن المعلوم انّ الفرائض هي أحبّ إلى الله تعالى وأحقّ بأن يتعبّد بها .. وقد ورد في الحديث ، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال علي بن الحسين صلوات الله عليهما ، « من عمل بما إفترض الله عليه فهو من خير الناس ».

وعن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « إعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس ».

وعن محمّد الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال الله تبارك وتعالى ، « ما

٣٥

ومن ورِعَ عن محارمِ اللّهِ عزّوجلّ فهو من أورعِ الناس (٩٠) ، ومن قنع بما رزقُه اللّهُ فهو من أغنى الناسِ (٩١).

______________________________________________________

تحبّب إليَّ عبدي بأحبّ ممّا إفترضت عليه » (١).

(٩٠) الورع في أصل اللغة بمعنى الكفّ عن المحارم والتحرّز منها ثمّ إستعمل للكفّ المطلق .. فإذا كفّ الإنسان عن المحرّمات عُدّ أورع الناس ، ويكون أورع ممّن يجتنب المكروهات مع إجترائه على المحرّمات .. والمحارم أولى بالترك فيكون تاركها أورع .. وقد ورد بهذا أحاديث عديدة.

فعن أبي سارة الغزال ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال الله عزّوجلّ : « إبن آدم إجتنب ما حرَّمت عليك ، تكن من أورع الناس ».

وعن الفضيل بن يسار قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام ، « إنّ أشدّ العبادة الورع ».

وعن يزيد بن خليفة قال : وعظنا أبو عبدالله عليه‌السلام فأمر وزهَّد ، ثمّ قال : « عليكم بالورع ، فإنّه لا ينال ما عند الله إلاّ بالورع » (٢).

(٩١) القناعة بفتح القاف هو الرضا بما رزقه الله تعالى وإن كان يسيراً ، والقانع برزقه من أغنى الناس لأنّ الغناء هو عدم الحاجة والقانع بما رزقه الله لا يحتاج إلى السؤال عن غير الله تعالى فيكون من أغنى الناس.

فعن أبي حمزة ، عن أبي جعفر أو أبي عبدالله عليهما‌السلام قال : « من قنَع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس ».

وعن الهيثم بن واقد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « من رضي من الله باليسير من المعاش رضي الله منه باليسير من العمل » (٣).

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٨١ ، باب أداء الفرائض ، الأحاديث ١ و ٤ و ٥.

٢ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٧٧ ، باب الورع ، الأحاديث ٧ و ٥ و ٣.

٣ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٣٧ ، باب القناعة ، الأحاديث ٣ و ٩.

٣٦

يا علي ، ثلاثٌ لا تطيقُها هذه الاُمّة (٩٢) ، المواساةُ للأخ في مالِه (٩٣) ، وإنصافُ الناسِ من نفسِه (٩٤) ، وذكرُ اللّهِ على كلِّ حال ، وليس هو سبحانَ اللّهِ والحمدُ للّه ولا إلَه إلاّ اللّهُ واللّهُ أكبر ، ولكن إذا وَرَدَ على ما يحرمُ عليه خافَ اللّهَ عزّوجلّ عندَه وتَرَكَه (٩٥).

______________________________________________________

(٩٢) وفي نسخة البحار ، « لا يطيقها أحد من هذه الاُمّة » أي لا يطيقونها لصعوبتها فلابدّ من بذل الجهد فيها والإهتمام بها.

لذلك ورد في حديث الحسن البزاز قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام ، « ألا اُخبرك بأشدِّ ما فرض الله على خلقه [ ثلاث ]؟ قلت ، بلى قال : إنصاف الناس من نفسك ، ومؤاساتك أخاك ، وذكر الله في كلّ موطن ، أما إنّي لا أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله اكبر وإن كان هذا من ذاك ولكن ذكر الله جلّ وعزّ في كلّ موطن ، إذا هجمت على طاعة أو على معصية » (١).

(٩٣) مواساة الأخ هو تشريكه وإسهامه في الرزق والمعاش والمساواة معه.

(٩٤) الإنصاف هي المعاملة بالقسط والعدل ، وإنصاف الناس من نفسه هو أن يعترف بالحقّ فيما له أو عليه ، حتّى أنّه لا يرضى لنفسه بشيء إلاّ رضي لهم مثله.

(٩٥) فانّ ذكر الله تعالى حسن في كلّ حال وبكلّ ذكر ، وهو كثير وفير كما تلاحظه مجموعاً في السفينة (٢) إلاّ أنّ الذكر الذي لا تطيقه الاُمّة من حيث الصعوبة هو أن يذكر الله تعالى عند ما يهمّ بالمعصية وتسوّل له نفسه اللذّة المحرّمة فيتركها ، فهذا يكون ذكراً لله تعالى.

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٤٥ ، باب الإنصاف والعدل ، ح ٨.

٢ ـ سفينة البحار ، ج ٣ ، ص ٢٠٠.

٣٧

يا علي ، ثلاثةٌ إن أنصفتَهم ظلمُوك (٩٦) ، السفلةُ (٩٧) وأهلُك وخادمُك ، وثلاثةٌ لا ينتصفونَ من ثلاثة (٩٨) ، حرٌّ من عَبد ، وعالمٌ من جاهل ، وقويٌّ من ضَعيف (٩٩).

يا علي سبعةٌ من كنّ فيه فقد استكملَ حقيقةَ الإيمان وأبوابَ الجنّة مفتّحةٌ له ، من أَسَبغَ وضوءَه (١٠٠) ،

______________________________________________________

(٩٦) ليس معنى هذا الدعوة إلى عدم الإنصاف .. بل المستفاد منه بيان الحقيقة والواقع من روحيات مثل الأهل والخادم والسفلة بأنّهم حتّى إن أنصفتهم ولم تظلمهم ظلموك ولم ينصفوك.

ويشهد له أنّ في نسخة من البحار ، « وإن أنصفتهم ظلموك ».

(٩٧) السِفلة بكسر السين وسكون الفاء أو فتحه هو الساقط من الناس كما ذكره في المجمع (١) ، ثمّ نقل عن الفقيه أنّه جاءت الأخبار في السفلة على وجوه منها ، أنّ السفلة هو الذي لا يبالي بما قال ولا ما قيل له ، ومنها ، أنّه هو من يضرب بالطنبور ، ومنها ، أنّه هو من لم يسره الإحسان ولم تسؤه الإسائة ، ومنها ، أنّه هو من ادّعى الإمامة بغير حقّ.

(٩٨) الإنتصاف هو أخذ الحقّ كاملا يقال : إنتصفت منه وتنصّفت ، أخذت حقّي كَمَلا (٢).

(٩٩) أي أنّ هذه الأصناف ينبغي أن لا ينتصف منهم ولا يقابلوا بما اجترموا بل يُعفى عنهم لعدم التكافؤ.

(١٠٠) إسباغ الوضوء ، إتمامه وإكماله ، فيأتي بالوضوء التامّ الكامل .. وفسّره

__________________

١ ـ مجمع البحرين ، مادّة سفل ، ص ٤٧٨.

٢ ـ المحيط في اللغة ، ج ٨ ، ص ١٥٧.

٣٨

وأحسنَ صلاته (١٠١) ، وأدّى زكاةَ مالِه ، وكفَّ غضبَه (١٠٢) ،

______________________________________________________

في المجمع (١) بقوله ، إتمامه على ما فرض الله تعالى ، وإكماله على ما سَنَّهُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنه أسبغوا الوضوء بفتح الهمزة أي أبلغوه مواضعه وأوفوا كلّ عضوحقَّه.

(١٠١) برعاية واجباتها ومندوباتها والإخلاص بها وحضور القلب عندها والخشوع فيها كما في الصلاة الجامعة التي صلاّها الإمام الصادق عليه‌السلام التي وردت في صحيحة حمّاد البيانية (٢) فلاحظها فانّها ممّا ينبغي ملاحظتها والتدبّر فيها.

(١٠٢) كفّ الغضب ، منعه ، والغضب مفتاح كلّ شرّ ومفسد للإيمان .. فيكون تركه موجباً لإستكمال حقيقة الإيمان فيمنع غضبه ويسكن فورته بمثل العفو عن المسيء وتبديل الحال.

ففي حديث حبيب السجستاني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « مكتوب في التوراة فيما ناجى الله عزّوجلّ به موسى عليه‌السلام ، يا موسى أمسك غضبك عمّن ملّكتُك عليه أكفُّ عنك غضبي ».

وفي حديث ميسر قال : ذُكر الغضب عند أبي جعفر عليه‌السلام فقال : « إنّ الرّجل ليغضب فما يرضى أبداً حتّى يدخل النار ، فأيّما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك ، فإنّه سيذهب عنه رجز الشيطان ، وأيّما رجل غضب على ذي رحم فليَدْنُ منه فليمسّه ، فانَّ الرَّحم إذا مُسَّت سكنت » (٣).

__________________

١ ـ مجمع البحرين ، مادّة سبغ ، ص ٣٩٧.

٢ ـ وسائل الشيعة ، ج ٤ ، ص ٦٧٣ ، ب ١ ، ح ١.

٣ ـ اُصول الكافي ، ج ٧ ، ص ٣٠٣ ، باب الغضب ، الأحاديث ٢ و ٧.

٣٩

وسَجَنَ لسانَه (١٠٣) ، واستغفَر لذنبِه (١٠٤) ،

______________________________________________________

(١٠٣) أي سجن لسانه وحفظه عن الباطل وعمّا لا يعنيه وعن الكذب والغيبة والنميمة والفحش ، فإنّ اللسان قد يكون مفتاحاً للشرّ ووسيلةً لسفك الدم أو نهب المال أو هتك العرض ، فيلزم على الإنسان أن يختم لسانه بختم الحفاظ كي يحفظ إيمانه ..

ولذلك ورد في الحديث ، « أنّه جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله أوصني ، فقال : إحفظ لسانك ، قال : يا رسول الله أوصني ، قال : احفظ لسانك ، قال : يا رسول الله أوصني ، قال : إحفظ لسانك ، ويحك وهل يكبُّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم » (١).

(١٠٤) بأن يستغفر لساناً ويندم قلباً ويتدارك ما كان يلزم فيه التدارك عملا .. والله هو الغفور الرحيم يستر عليه ذنبه ، ويمحو سيّئته ، وتُرفع صحيفة عمله بيضاء نقيّة ، فانّ الإستغفار من الحسنات التي تذهب بالسيّئات عن المؤمن.

ويحسن ملاحظة صيغ الإستغفار الواردة في الأحاديث الشريفة ومنها :

١ ـ « أستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم الغفور الرحيم ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه ».

٢ ـ « أستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم » ثلاث مرّات.

٣ ـ « أستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام وأسأله أن يصلّي على محمّد وآل محمّد وأن يتوب عليّ ».

٤ ـ « اللّهمّ إنّي أستغفرك ممّا تبت إليك منه ».

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١١٥ ، باب الصمت وحفظ اللسان ، ح ١٤.

٤٠