وصايا الرّسول لزوج البتول عليهم السلام

السيد علي الحسيني الصدر

وصايا الرّسول لزوج البتول عليهم السلام

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الأخلاق
الناشر: دار الامام الرضا عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-92482-1-8
الصفحات: ٦٥٥

يا علي ، صِلةُ الرَّحِمِ تَزيدُ في العُمر (٢٩٠).

______________________________________________________

صدقة اللسان ، قيل يا رسول الله وما صدقة اللسان؟ قال : الشفاعة تفكّ بها الأسير ، وتحقن بها الدم ، وتَجرُّبها المعروف إلى أخيك ، وتدفع بها الكريهة .. ».

ج ـ صدقة الرأي .. وهي المشورة .. وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « تصدّقوا على أخيكم بعلم يُرشده ، ورأي يُسدّده ».

د ـ صدقة الوساطة بين الناس والسعي فيما يكون سبباً لإطفاء النائرة وإصلاح ذات البين.

هـ ـ صدقة العلم ، وهي بذله لأهله ونشره على مستحقّه .. وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « من الصدقة أن يتعلّم العلم ويعلّمه الناس » ، وعن الصادق عليه‌السلام ، « لكلّ شيء زكاة وزكاة العلم أن يعلّمه أهله » (١).

(٢٩٠) ففي الحديث ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « إنّ الرجل ليصل رحمه وقد بقى من عمره ثلاث سنين فيصيّرها الله عزّوجلّ ثلاثين سنة ، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيّرها الله ثلاث سنين » (٢).

وقد ورد لها من محاسن الآثار الاُخرى الكثيرة ما تلاحظها في الأحاديث الشريفة (٣).

ومن محاسن آثار صلة الرحم المستفادة منها ، أنّها توجب وفرة المال وزيادة الرزق ، ومحبّة الأهل ، وعمران الديار ، وتيسير الحساب ، والوقاية من ميتة السوء ، وتزكية الأعمال ، ودفع البلاء ، وتحسين الخُلُق ، وسماحة الكفّ ، وتطييب النفس ،

__________________

١ ـ عدّة الداعي ، ص ٦٢.

٢ ـ أمالي الشيخ الطوسي ، ص ٣٢٤ ، ح ١٠٤٩.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ٨٧ ـ ١٣٩ ، باب ٣ ، المشتمل على ١١٠ حديثاً.

١٠١

يا علي ، إفتتحْ بالملِح واختتم بالملِح ، فإنّ فيهِ شفاءٌ من إثنينَ وسبعينَ داء (٢٩١).

______________________________________________________

والنور في القيامة ، وأجر مائة شهيد ، ويكون لواصل الرحم بكلّ خطوة يخطوها أربعون ألف حسنة ، ويُمحى عنه أربعون ألف سيّئة ، ويُرفع له أربعون ألف درجة .. ويكون كمن عَبَد الله مائة سنة صابراً محتسباً.

هذا وللشهيد الأوّل قدس‌سره (١) بيان لطيف ، يحسن الإلفات إليه في معنى الرحم ، ومعنى صلته ، ومحقّقات الصلة ، والصلة الواجبة والمستحبّة ، خلاصتها :

أ ـ أنّ رحم الإنسان هو من عرف بنسبته له وإن كانت النسبة بعيدة.

ب ـ أنّ المرجع في صلة الرحم المخرجة عن القطيعة هو بحسب العرف ، وهو يختلف باختلاف العادات ، وبُعد المنازل وقربها.

ج ـ أنّ الصلة لفقراء الأرحام تتحقّق باعطاء المال ، وللأغيناء بالهديّة ، وأعظم الصلة هو ما كان بالنفس ، ثمّ بدفع الضرر عنهم ، ثمّ بجلب النفع لهم .. وأدنى الصلة السلام بنفسه ثمّ برسوله ، والدعاء بظهر الغيب ، والثناء في المحضر.

د ـ أنّ الصلة قد تكون واجبة وهو ما يخرج عن قطيعة الرحم ، وقد تكون مستحبّة وهو ما زاد على ذلك.

(٢٩١) وتلاحظ بيان فضيلته وفائدته ومصالحه ودفعه للأضرار في الأخبار (٢).

من ذلك قولهم سلام الله عليهم مضافاً إلى هذه الوصيّة :

« لو يعلم الناس ما في الملح ما احتاجوا معه إلى ترياق ».

__________________

١ ـ القواعد والفوائد ، ص ٢١٣.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٦٦ ، ص ٣٩٤ ، باب ١٣ ، الأحاديث السبعة والعشرون.

١٠٢

يا علي ، لو قد قُمتُ (٢٩٢) على المقامِ المحمود (٢٩٣) لشَفَعْتُ في أَبي وأُمّي وعَمّي وأخٌ كانَ لي في الجاهليّة (٢٩٤).

______________________________________________________

و « عليك بالملح ، فإنّه شفاء من سبعين داء أدناها الجذام والبرص والجنون ».

و « من ذرَّ على أوّل لقمة من طعامه الملح ذهب عنه نمش الوجه ».

و « انّ في الملح دواء وجع الحلق والأضراس ووجع البطن ».

و « أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى بن عمران عليه‌السلام مُرْ قومك يفتتحوا بالملح ويختتموا به ، وإلاّ فلا يلوموا إلاّ أنفسهم ».

(٢٩٢) في مكارم الأخلاق والبحار ، « لو قدمت المقام المحمود ».

(٢٩٣) المقام المحمود فُسّر بالشفاعة (١).

وفُسّر أيضاً بالمنبر الذي ينصب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة ، ويوضع لواء الحمد في يده ، ويأتيه رضوان بمفاتيح الجنّة ، ومالك بمفاتيح النار ، فيضعها في يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢). وتلاحظ تفصيل بيانه في باب المعاد من كتابنا العقائد الحقّة.

(٢٩٤) فإنّه ما من أحد من الأوّلين والآخرين حتّى أولياء الله المقرّبين إلاّ وهو محتاج إلى شفاعة محمّد وآله الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ، كما تلاحظه في الأحاديث المتظافرة (٣).

كما وأنّ الشفاعة تكون لمن إرتضى الله تعالى دينه ، وهو المؤمن دون الكافر كما تلاحظه في أحاديث الشفاعة (٤).

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٨ ، ص ٤٨ ، باب ٢١ ، ح ٥٢.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧ ، ص ٣٣٥ ، باب ١٧ ، ح ٢١.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٨ ، ص ٣٨ ، باب ٢١ ، ح ١٦ ـ ٣١.

٤ ـ بحار الأنوار ، ج ٨ ، ص ٣٤ ، باب ٢١ ، ح ٤ ـ ١٨.

١٠٣

يا علي ، أنا ابنُ الذَّبيحَين (٢٩٥).

______________________________________________________

وهذا الحديث بنفسه دليل على إيمان هؤلاء الذين يشفع لهم الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم أبوه عبدالله ، وأُمّه آمنة ، وعمّه أبو طالب ، وأخوه قبل البعثة الجلاّس بن علقمة إذ الشفاعة لا تنال الكافرين.

بل أفاد التقي المجلسي أنّ الشفاعة في مثل أبيه واُمّه وعمّه تكون في علوّ درجاتهم (١).

وذكر الشيخ الصدوق حديث شفاعة النبيّ لخمسة وهو ما رواه هارون بن خارجة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام « قال : هبط جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمّد إنّ الله عزّوجلّ قد شَفّعك في خمسة ، في بطن حَمَلك وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف ، وفي صُلب أنزلك وهو عبدالله بن عبدالمطلّب ، وفي حِجر كَفَلك وهو عبدالمطلّب بن هاشم ، وفي بيت آواك وهو عبد مناف بن عبدالمطلّب ( أبو طالب ) ، وفي أخ كان لك في الجاهلية .. قيل ، يا رسول الله مَن هذا الأخ؟ فقال : كان أُنسي وكنتُ أُنسه وكان سخيّاً يُطعم الطعام » (٢).

(٢٩٥) ورد في الحديث الرضويّ الشريف تفسير الذبيحين بجدّه إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، وأبيه عبدالله بن عبدالمطلّب حيث تقرّر ذبحهما ففُدي إسماعيل بذبح عظيم ، وفُدي عبدالله بمائة من الإبل ، والعلّة في رفع الذبح عنهما كون النبي والأئمّة في ذرّيتهما فلاحظ مفصّل الحديث عن ذلك في الخصال (٣).

__________________

١ ـ روضة المتّقين ، ج ١٢ ، ص ٢٢٩.

٢ ـ الخصال ، ص ٢٩٣ ، باب الخمسة ، ح ٥٩.

٣ ـ الخصال ، ص ٥٥ ، باب الإثنين ، ح ٧٨.

١٠٤

يا علي ، أنا دَعوةُ أبي إبراهيم (٢٩٦).

يا علي ، العقلُ ما اكتُسِبَ به الجنّةُ ، وطُلبَ به رِضى الرحمان (٢٩٧).

يا علي ، إنّ أوّلَ خلق خَلَقَه اللّهُ عزّوجلَّ العقل (٢٩٨) ،

______________________________________________________

(٢٩٦) إشارة إلى قوله عزّ إسمه حكاية عن سيّدنا إبراهيم سلام الله عليه : ( رَبَّنَا وَابعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزكِّيهِمْ إنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) (١) وقوله تعالى أيضاً : ( فاجْعَلْ أفئِدَةً منَ النّاسِ تَهْوي إليهِم وارْزُقْهُم مِنَ الثَمَراتِ لَعلَّهُم يَشْكُرون ) (٢).

(٢٩٧) فالعقل هي القوّة الدرّاكة للخير والشرّ والتمييز بينهما .. التي تدعو إلى إختيار الخير والنفع ، وإجتناب الشرّ والضرر .. ويكون العقل داعياً لإختيار خير الخير وهو رضى الله والجنّة. فيكون العقل الكامل هو الذي يُكتسب به الجنّة ، ويُطلب به رضى الرحمان ..

وهذا تعريف بالخواص والآثار التي هي من أوضح التعاريف عند العرف ..

وجاء في حديث محمّد بن عبدالجبّار ، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له ، ما العقل؟ قال : « ما عُبِد به الرحمان واكتُسب به الجنان .. قال : فالذي [ فما الذي ] كان في معاوية؟ قال : تلك النكراء .. تلك الشيطنة ، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل » (٣).

(٢٩٨) وهو أوّل خلق من الروحانيين .. أي من الأجسام اللطيفة كما يستفاد من حديث سماعة بن مهران (٤) ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية ١٢٩.

٢ ـ سورة إبراهيم عليه‌السلام ، الآية ٣٧.

٣ ـ اُصول الكافي ، ج ١ ، ص ١١ ، ح ٣.

٤ ـ اُصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢١ ، ح ١٤.

١٠٥

فقال له ، أَقبِلْ فأقبَلَ ، ثمّ قالَ لهُ ، أَدبِرْ فأدبَرَ (٢٩٩) فقال : وعزّتي وجلالي ما خلقتُ خلقاً هو أحبُ إليّ منكَ بِكَ ، آخذ وبِكَ أُعطي وبكَ أُثيبُ وبكَ أُعاقب (٣٠٠).

يا علي ، لا صدقةَ وذو رَحِم محتاج (٣٠١).

يا علي ، درهمٌ في الخضاب (٣٠٢) خيرٌ من ألفِ درهم ينفق في سبيلِ اللّه ،

______________________________________________________

(٢٩٩) الأمر بالإقبال والإدبار يمكن أن يُراد به ظاهره فيكون مفاد الحديث إطاعة العقل وإنتهائه ، وإنقياده لأمر الله تعالى ونهيه ..

ويمكن أن يراد بالإقبال ترقّيه إلى مراتب الكمال ، وبالإدبار التنزّل إلى البدن ..

ويمكن أن يراد بالإقبال ، الإقبال إلى الخَلق ، وبالإدبار الرجوع إلى عالم القدس (١).

(٣٠٠) فيكون العقل هو الملاك والمدار في الأخذ والعطاء والثواب والعقاب. وفسّر الأخذ بالعقوبة والحبس والمنع ، كما فُسّر العطاء بإعطاء الجنّة والمراتب العالية.

(٣٠١) أي لا صدقة كاملةً ، إذ الأقربون أولى بالمعروف .. فلا تكمل الصدقة لغير الرحم مع وجود رحم محتاج.

(٣٠٢) خضب يخضب خضباً .. الشيء تلوّن .. وخَضَّبَ ، لَوَّن .. والخضاب هو ما يخضب به الشعر وغيره كالحناء والوسمة ونحو ذلك .. والخضاب من سنن المرسلين كما تلاحظ ذلك في أحاديثه (٢).

__________________

١ ـ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٣٠.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٦ ، ص ٩٧ ، باب ٩ ، الأحاديث.

١٠٦

وفيه أربعُ عشر خصلة (٣٠٣) ، يطرد الريح من الاُذنين ، ويجلُو البصَر ، ويلين الخياشيم (٣٠٤) ، ويطيب النكهة (٣٠٥) ، ويشدّ اللثّة ، ويذهب بالضّنا (٣٠٦) ، ويقلّ وسوسةَ الشيطان ، وتفرح بهِ الملائكة ، ويستبشر بهِ المؤمن ، ويغيظُ به الكافر وهو زينةٌ ، وطِيب ، ويستحيي منه منكرٌ ونكير ، وهو براءةٌ لهُ في قبره.

يا علي ، لا خيرَ في القول إلاّ مع الفعل (٣٠٧) ، ولا في المنظرِ إلاّ مع المَخبرَ (٣٠٨) ،

______________________________________________________

(٣٠٣) جاءت الخصال الأربعة عشرة في كتاب الخصال (١) أيضاً وهي آثار مباركة توجبها هذه السنّة الشريفة.

(٣٠٤) الخياشيم ـ جمع خيشوم ـ ، وهو أقصى الأنف ، ومنهم من يُطلقه على الأنف ، وعن الصدوق رحمه‌الله أنّ الخيشوم هو الحاجز بين المنخرين (٢).

(٣٠٥) النكهة هي رائحة الفمّ.

(٣٠٦) الضّناء ـ بالفتح والمدّ ـ ، هو المرض والهزال والضعف. وفي الكافي (٣) ، « الغشيان » بدل الضنا.

(٣٠٧) أي لا ينفع القول بدون الفعل ، والعلم بدون العمل.

(٣٠٨) أي لا عبرة بما يظهر من شخص للإنسان في بادىء النظر إلاّ بعد الإختبار والإمتحان.

وفي المكارم ( منظر ) بدون الألف واللام ، وفي حاشية البحار نقل عن نسخة

__________________

١ ـ الخصال ، ص ٤٩٧ ، أبواب الأربعة عشر ، ح ١ و ٢.

٢ ـ مجمع البحرين ، مادّة خشم ، ص ٥١٤.

٣ ـ فروع الكافي ، ج ٦ ، ص ٤٨٢ ، ح ١٢.

١٠٧

ولا في المال إلاّ مع الجُود (٣٠٩) ، ولا في الصِدقِ إلاّ مع الوفاء (٣١٠) ، ولا في الفقهِ إلاّ مع الوَرع (٣١١) ، ولا في الصدقةِ إلاّ مع النيّة (٣١٢) ، ولا في الحياة إلاّ مع الصحّة (٣١٣) ، ولا في الوطنِ إلاّ مع الأمنِ والسرور (٣١٤).

يا علي ، حُرّمَ من الشاةِ سبعةُ أشياء (٣١٥) ، الدمُ والمذاكيرُ ،

______________________________________________________

( ولا في نظر إلاّ مع الخبرة ).

(٣٠٩) أي لا خير في المال إلاّ مع الجود به وإنفاقه في المورد المطلوب المشروع.

(٣١٠) فإنّه حتّى لو كان الوعد مقروناً بنيّة الوفاء ليكون وعد صدق .. لا خير فيه إلاّ مع الوفاء فيه والعمل به.

(٣١١) أي الورع والكفّ عن محارم الله تعالى ، ليكون فقهاً مع العمل ، وفقيهاً بلا زلل ..

وفي المكارم : ( ولا في العفّة إلاّ مع الورع ).

(٣١٢) أي نيّة القربة ، والتقرّب بالصدقة إلى الله تعالى .. لتكون ممّا قال الله تعالى فيها : ( وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ فأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ ) (١).

(٣١٣) أي صحّة الدين حتّى تكون حياة دينية صحيحة ، أو صحّة البدن حتّى تكون حياة طيّبة مع الصحة .. وإن كان مرض المؤمن كفّارة لذنبه.

(٣١٤) الأمن ضدّ الخوف ، والسرور ضدّ الحزن .. فالتواجد في الوطن لا ينفع مع إقترانه بالخوف والحزن .. بل كماله يكون في صورة وجود الأمن والسرور.

(٣١٥) رواه في الخصال (٢) أيضاً.

__________________

١ ـ سورة الروم ، الآية ٣٩.

٢ ـ الخصال ، ص ٣٤١ ، باب السبعة ، ج ٣.

١٠٨

والمثانةُ ، والنخاعُ ، والغُدَدُ ، والطِحالُ ، والمَرارة (٣١٦).

يا علي ، لا تماكِسْ (٣١٧) في أربعةِ أشياء (٣١٨) ، في شراءِ الأُضحية ، والكَفَن ،

______________________________________________________

(٣١٦) الدم معروف ، والمذاكير جمع ذَكَر على خلاف القياس وهو القضيب. والمثانة هي مجتمع البول تقع تحت الكلى والحالبين.

والنخاع هو الحبل الأبيض داخل عظم الرقبة الممتدّ في الإنسان إلى الصلب وأصل الظهر وفي الحيوان إلى أصل الذَنَب ، ويكون في جوف الفقرات يضمّ سلسلتها ولا قوام للإنسان والحيوان بدونه ويسمّى بالوتين.

والغدد جمع غدّة وهي النتوءات المستديرة التي تكون في اللحم وتكثر في الشحم.

والطحال بكسر الطاء معروف ويقال له بالفارسية ، اسپُرز.

والمرارة هي كيس الصفراء الملتصق بالكبد.

وتلاحظ في أخبار الباب (١) اُمور اُخرى لا تؤكل من الذبيحة كالاُنثيين وهما الخصيتان ، والحياء وهو الفرج ، والمشيمة وهي موضع الولد ، والفرث وهو الروث في جوفها .. تلاحظها بتفصيلها في الأحاديث تحت عنوان ما يحرم من الذبيحة وما يكره (٢).

(٣١٧) المماكسة في البيع إنتقاص الثمن وإستحطاطه.

(٣١٨) وردت في الخصال (٣) أيضاً.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٤٣٧ ، باب ٣١ ، الأحاديث.

٢ ـ وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٤٣٧ ، ب ٣١ ، الأحاديث العشرون.

٣ ـ الخصال ، ص ٢٤٥ ، باب الأربعة ، ح ١٠٢ ـ ١٠٣.

١٠٩

والنَسَمة (٣١٩) ، والكرى إلى مكّة (٣٢٠).

يا علي ، ألا أُخبركم بأشبهكم بي خُلقاً (٣٢١) قال : بلى يا رسول اللّه قال : أحسنكُم خُلقاً ، وأعظمُكم حلماً ، وأبرُّكم بقرابتِه ، وأشدُّكم من نفسِه إنصافاً.

يا علي (٣٢٢) ، أمانٌ لأُمّتي مِن الغرق إذا هم ركبوا السفن فقرأوا ، ...

( بسم اللّهِ الرحمن الرحيم وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ والسَّماوَاتُ مَطْوّيَاتٌ بِيَمِينِهِ ...

______________________________________________________

(٣١٩) أي ثمن النسمة أي العبد أو الأمة.

(٣٢٠) أي أُجرة الإكراء والسفر .. فهذه الاُمور الأربعة لا يماكس فيها لأنّه كلّما كان الثمن فيها أكثر كان الثواب أوفر .. فلا يكون دافع الثمن الأكثر مغبوناً.

(٣٢١) الخلق ـ بالضمّ ـ ، الطبيعة والسجيّة .. وأشبه الناس سجيّةً برسول الله هو من كان أكثر الناس تخلّقاً بأخلاقه من حيث الأخلاق الحسنة ، والحلم العظيم ، والبرّ الوافي ، والإنصاف الكثير ..

وغير خفي أنّ أشبه الناس به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم أهل بيته الطاهرون سلام الله عليهم أجمعين.

(٣٢٢) شروع في توصيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخواص ثُلَّة من الآيات الشريفة لجملة من الأغراض والمهام ، وقد رُوي عنهم سلام الله عليهم الكثير من ذلك في كتاب القرآن من البحار (١) .. ، وقد أُحصيت بالفارسية في كتاب ( خواص آيات ) للمولى محمّد تقي الاصفهاني فلاحظ.

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٩٢ ، ص ٢٦٢ ـ ٣٨٥ ، باب ٣٠ ـ ١٢٧.

١١٠

سُبْحَانَهُ وَتَعالَى عَمّا يُشْرِكُونَ ) (٣٢٣) ( بسمِ اللّهِ مَجْريها وَمُرْسَيها إنّ رَبّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (٣٢٤).

يا علي ، أمان لاُمّتي من السَرَق ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُو الرَّحْمنَ أَيّاً ما تَدعُو فلهُ الأسماءُ الحُسنى ) (٣٢٥) إلى آخر السورة (٣٢٦).

يا علي ، أمان لاُمّتي من الهَدم : ( إنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَد مِّن بَعْدِهِ إنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) (٣٢٧).

يا علي ، أمان لاُمّتي من الهَمِّ : ( لا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللّهِ العليّ العظيم لا ملجأَ ولا منجا من اللّهِ إلاّ إليه ) (٣٢٨).

______________________________________________________

(٣٢٣) سورة الزمر ، الآية ٦٧.

(٣٢٤) سورة هود ، الآية ٤١.

(٣٢٥) سورة الإسراء ، الآية ١١٠.

(٣٢٦) تمامه قوله عزّ اسمه : ( وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخاَفِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلا * وَقُلِ الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرا ).

(٣٢٧) سورة فاطر ، الآية ٤١.

(٣٢٨) فإنّه التجاء إلى حول الله تعالى وقوّته الغالبتين على كلّ شيء .. وقد أُفيد أنّ هذا الدعاء جُرِّب نفعه لكلّ أمر مهم ..

وفي حديث جابر الجعفي ، عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن معنى لا حول ولا قوّة إلاّ بالله؟ فقال : « معناه ، لا حول لنا عن معصية الله إلاّ بعون الله ، ولا قوّة

١١١

يا علي ، أمان لأُمّتي من الحرق : ( إنَّ وَلييَّ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) (٣٢٩) ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (٣٣٠) الآية.

يا علي ، من خاف من السّباع (٣٣١) فليقرأ : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) (٣٣٢) ...

______________________________________________________

لنا على طاعة الله إلاّ بتوفيق الله عزّوجلّ » (١).

وأضاف الشيخ الطريحي أنّه ورد في الحديث ( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله كنز من كنوز الجنّة ) قيل ، الحول الحركة ، فكأنّ القائل يقول : لا حركة ولا إستطاعة لنا على التصرّف إلاّ بمشيّة الله تعالى ، وقيل ، الحول القدرة ، أي لا قدرة لنا على شيء ولا قوّة إلاّ بإعانة الله سبحانه ، وقد يُفَسَّر الحول بالحيلة أي لا يُوصَل إلى تدبير أمر وتغيير إلاّ بمشيّتك ومعرفتك (٢).

(٣٢٩) سورة الأعراف ، الآية ١٩٦.

(٣٣٠) سورة الأنعام ، الآية ٩١ ، وتمامها قوله عزّ اسمه : ( إذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَر مِّن شَيْء قُلْ مَنْ أنزَلَ الكِتابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُم قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُم فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ).

(٣٣١) تطلق السباع في اللغة على كلّ حيوان مفترس له ناب يعدُو خلف فريسته كالأسد والنمر والذئب ونحوها.

(٣٣٢) سورة التوبة ، الآية ١٢٨.

__________________

١ ـ معاني الأخبار ، ص ٢١ ، ح ١.

٢ ـ مجمع البحرين ، ص ٤٧٠ ، مادّة حَوَلَ.

١١٢

إلى آخر السورة (٣٣٣).

يا علي ، من استصعَبَتْ عليه دابّتُه (٣٣٤) فليقرءْ في أُذنِها اليمنى : ( وَلهُ أسلَمَ مَن في السّماواتِ والأرضِ طَوْعاً وكَرْهاً وإليهِ يُرجَعُون ) (٣٣٥).

يا علي ، مَنْ كان في بطنِه ماءٌ أصفر (٣٣٦) فليكتُب على بطنِه آيةَ الكرسي وليشربْه (٣٣٧) فإنّه يَبرأُ بإذنِ اللّهِ عزّوجلّ.

يا علي ، من خاف ساحراً أو شيطاناً فليقرء : ( إنّ ربَّكُمُ اللّهُ الذي خَلَقَ السماواتِ والأرضَ ) (٣٣٨) الآية.

______________________________________________________

(٣٣٣) وتمام الآية إلى آخر السورة قوله عزّ اسمه : ( حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لاَ إلَهَ إلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ).

(٣٣٤) الدابّة الصعبة ، خلاف الذلول ـ وفي بعض النسخ ( استعصت ).

(٣٣٥) سورة آل عمران ، الآية ٨٣.

(٣٣٦) فسّر بالصفراء التي تتكوّن في البطن وتندفع مع البول .. كما فُسّر أيضاً بماء الاستسقاء الذي يحصل في البطن ثمّ يدخل إلى سائر الأعضاء.

(٣٣٧) أي يشرب غسيل كتابة آية الكرسي المباركة ، بأن يكتبها أيضاً في إناء نظيف بزعفران مثلا ثمّ يغسل الكتابة بماء طاهر ويشربه.

(٣٣٨) سورة الأعراف ، الآية ٥٤ ، وهي آية السخرة قوله عزّ شأنه : ( إنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ العَالَمِينَ ).

١١٣

يا علي ، حقُ الولدِ على والدِه أن يُحسنَ اسمَه وأدبَه ويضعه موضعاً صالحاً (٣٣٩) ، وحقُ الوالدِ على ولدِه أن لا يسمّيه بإسمِه (٣٤٠) ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس أمامَه (٣٤١) ، ولا يدخل معهُ في الحَمّام (٣٤٢).

يا علي ، ثلاثةٌ من الوَسواس (٣٤٣) ، أكلُ الطّين ، وتقليمُ الأظفارِ بالأسنان ، وأكلُ اللحية.

يا علي لَعن اللّهُ والديْن حَملا ولَدهما على عُقوقهما (٣٤٤).

______________________________________________________

(٣٣٩) فيسمّيه بالأسماء الحسنة المستحبّة كأسماء المعصومين عليهم‌السلام ، ويحسّن أدبه بالآداب الإسلامية الكريمة ، ويحلّه المحلّ المناسب له ، الموافق لشأنه ، الصالح في حدّ ذاته من حيث فعاله وأعماله.

(٣٤٠) وذلك لما فيه من التحقير ، وترك التعظيم والتوقير عرفاً ، وإنّما يسمّيه بالكنية ، أو الألقاب المشتملة على التكريم كقوله ، يا أبة أو يا أبتاه.

(٣٤١) ففيهما إهانة الأب وهي مبغوضة.

(٣٤٢) فإنّ فيه شيء من المهانة والخفّة للأب في حالات العرى.

(٣٤٣) أي من وسوسة الشيطان ، أو من تسويل الشيطان المسمّى بالوسواس.

(٣٤٤) بأن يكلّفاه تكليفاً يشقّ إتيانه على الولد حتّى يبرّهما ، أو يفعلا فعلا أو يقولا قولا يسبّب عقوقه لهما.

والعقوق هو العصيان وترك الإحسان وأصله العقّ وهو الشقّ والقطع يقال : عقّ الولد أباه ، إذا آذاه وعصاه وترك الإحسان إليه (١).

__________________

١ ـ مجمع البحرين ، مادّة عقق ، ص ٤٤١.

١١٤

يا علي ، يلزم الوالدين من عُقوق وِلدهِما ما يلزمُ الوَلدُ لهما من عُقوقِهما (٣٤٥).

يا علي ، رحَم اللّهُ والديْن حَملا ولَدَهما على بِرّهِما (٣٤٦).

يا علي ، من أحزَنَ والديْه فقد عَقَّهما (٣٤٧).

______________________________________________________

(٣٤٥) فإنّ للولد على الوالدين أيضاً حقوقاً إذا لم يأت بها الأبوان كانا عاقّيْن للولد ..

وفي رسالة الحقوق الجامعة التي رواها أبو حمزة الثمالي عن مولانا الإمام السجّاد عليه‌السلام جاء ما نصّه ، « وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه ، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّوجلّ ، والمعونة له على طاعته ، فأعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مُثاب على الإحسان إليه ، معاقب على الإساءة إليه » (١).

وفي الحديث النبوي الشريف ، « من حقّ الولد على والده ثلاثة ، يحسن إسمه ، ويعلّمه الكتابة ، ويزوّجه إذا بلغ » (٢).

(٣٤٦) بحسن التأديب ، ويُسر التكليف ، وإعانتهما على برّ الوالدين.

(٣٤٧) فإنّ قول : ( اُفٍ ) فقط عقوق للوالدين فكيف بأن يقول أو يفعل ما يحزنهما .. وقد ورد هذا البيان في حديث الأربعمائة الشريف أيضاً جاء فيه ، « من أحزن والديه فقد عقّهما » (٣).

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ٦ ، باب ١ ، ح ١.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ٨٠ ، باب ١ ، ح ٨٢.

٣ ـ الخصال ، ص ٦٢١ ، باب الأربعمائة ، ح ١٠.

١١٥

يا علي ، مَن اغتيبَ عندَه أخُوهُ المسلمُ فاستطَاع نصرَه فلم ينصْره خَذَلهُ اللّهُ في الدنيا والآخرةِ (٣٤٨).

______________________________________________________

(٣٤٨) فإنّه قد استفاضت الأخبار الشريفة بردّ الغيبة ، وتحريم سماعها بدون الردّ كما تلاحظها في الوسائل (١) في باب مستقل يشتمل على أحاديث ثمانية.

وكذا في باب حرمة الغيبة نظير حديث الحسين بن زيد ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فيه ، « ألا من تطوَّل على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردّها عنه ردّ الله عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة ، فإنْ هو لم يردّها وهو قادر على ردّها كان عليه كوزر من إغتابه سبعين مرّة » (٢).

قال الشيخ الأعظم الأنصاري ، « ولعلّ وجه زيادة عقابه أنّه إذا لم يردّه تجرّأ المغتاب على الغيبة فيصرّ على هذه الغيبة وغيرها » ..

ثمّ أضاف واستظهر أنّ الردّ الواجب للغيبة أمر زائد على النهي عن الغيبة .. وأنّ الردَّ هو الإنتصار للمغتاب .. فإن كان عيباً دنيوياً انتصر له بأنّ العيب ليس إلاّ ما عاب الله به من المعاصي التي أكبرها ذكرك أخاك بما يكرهه ممّا لم يعبأ الله به.

وإن كان عيباً دينياً وجّهه بمحامل تخرجه عن المعصية.

وإن لم يكن ذلك العيب الديني قابلا للتوجيه انتصر له بأنّ المؤمن قد يبتلى بالمعصية ، فينبغي أن تستغفر له لا أن تعيّره (٣).

وسيأتي ان شاء الله تعالى بيان حرمة أصل الغيبة بالأدلّة الأربعة عند بيان وصيّة تحف العقول عند قوله ، يا علي ، إحذر الغيبة والنميمة .. فإنّ الغيبة تفطر ، والنميمة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، ج ٨ ، ص ٦٠٦ ، باب ١٥٦ ، الأحاديث.

٢ ـ وسائل الشيعة ، ج ٨ ، ص ٦٠٠ ، باب ١٥٢ ، ح ١٣.

٣ ـ المكاسب المحرّمة ، ج ٤ ، ص ٦٩.

١١٦

يا علي ، من كفى يتيماً في نفقتِه بمالِه حتّى يَستغني وجَبَت لهُ الجَنّةُ الَبتّة (٣٤٩).

يا علي ، من مسَحَ يدَه على رأسِ يتيم ترحّماً له أعطاهُ اللّهُ عزّوجَلّ بكلِّ شَعْرة نُوراً يومَ القيامة.

يا علي ، لا فقَر أشدُّ من الجَهل (٣٥٠) ، ولا مالَ أعودُ من العقل (٣٥١) ، ولا وحشَة أَوْحَشُ من العُجْب (٣٥٢) ، ولا عقلَ كالتدبير (٣٥٣) ،

______________________________________________________

توجب عذاب القبر.

(٣٤٩) وقد عقد في البحار (١) ، باباً في العِشرة مع اليتامى ، يشتمل على خمسة وأربعين حديثاً منها الحديث الرابع من الباب عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « من كفل يتيماً ، وكفل نفقته كنت أنا وهو في الجنّة كهاتين ، وقرن بين إصبعيه المسبّحة والوسطى ».

(٣٥٠) فإنّ فقر عدم العلم أشدّ من فقر عدم المال لأشرفية العلم من المال ، فيكون فقده أعظم من فقد المال.

(٣٥١) العائدة هي المنفعة .. والأعود هو الأنفع .. ومنافع العقل أكثر من منافع المال .. بل إنّ إستيفاء المنافع من المال يكون بالعقل .. فالعقل أعود.

(٣٥٢) فإنّ إعجاب المرىء بنفسه يستلزم ترفّعه على الناس وذلك يسبّب إنفراده عنهم وإستيحاشه منهم.

(٣٥٣) أي تدبير الاُمور للدنيا والآخرة .. أو تدبير المعاش بالاقتصاد وعدم الإسراف.

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٥ ، ص ١ ، باب ٣١ ، الأحاديث.

١١٧

ولا ورعَ كالكفِّ عن محارمِ اللّهِ تعالى (٣٥٤) ، ولا حَسَبَ كحُسنِ الخُلُق (٣٥٥) ،

______________________________________________________

(٣٥٤) فإنّه أحسن الورع .. بل في حديث أبي سارة الغزّال (١) ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : « قال الله عزّوجلّ : ابن آدم اجتنب ما حرّمت عليك تكن من أورع الناس ».

وأفاد في شرحه العلاّمة المجلسي ، وكأنّ الأورع يكون بالنسبة إلى من يجتنب المكروهات ، ويأتي بالسنن ، لكن يجترىء على المحرّمات وترك الطاعات كما هو الشائع بين الناس ..

أو هو تعريض بأرباب البدع الذين يحرّمون ما أحلّ الله على أنفسهم ويسمّونه ورعاً ..

أو هو تنبيه على أنّ الورع إنّما هو بترك المعاصي لا بالمبالغة في الطاعات والإكثار منها (٢).

(٣٥٥) الحَسَب هي الشرافة بالآباء وبما يُعدّ من مفاخرهم .. وشرافة حسن الخُلُق جامعة بين خير الدنيا والآخرة .. إذ أنّها جمعت بين هنائة العيش وسيادة الناس ، وبين رضوان الله والجنّة في الآخرة ، فلا تصل إليها المفاخر الدنيوية والمكارم الآبائية ، ولا يكون حَسَب أشرف من حسن الخُلُق.

وفي حديث جبلّة الإفريقي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أنا زعيم ببيت في رَبض الجنّة ـ الربض ، النواحي ـ وبيت في وسط الجنّة ، وبيت في أعلى الجنّة لمن ترك

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٧٧ ، ح ٧.

٢ ـ مرآة العقول ، ج ٨ ، ص ٦٠.

١١٨

ولا عبادةَ مثلُ التفكّر (٣٥٦).

______________________________________________________

المراء محقّاً ، ولمن ترك الكذب وإن كان هازلا ، ولمن حسن خُلُقه (١).

وأمّا معنى حسن الخُلُق ففي الحديث ، قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام ، ما حدّ حسن الخُلُق؟ قال : « تلين جانبك ، وتطيّب كلامك وتلقى أخاك ببُشر حسن » (٢).

ويطلق حسن الخُلُق غالباً على ما يوجب حسن المعاشرة ، ومخالطة الناس بالجميل (٣).

(٣٥٦) فالتفكّر في آيات الله وعظمته وقدرته يقرّب الإنسان إلى الله تعالى بأحسن القرب الحاصل بالعبادة ..

وقد دلّ ودعى الكتاب والسنّة إلى هذا التفكّر.

أمّا الكتاب : ففي آيات كثيرة مثل قوله تعالى في صفة اُولي الألباب : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا ما خَلَقْتَ هذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنا عَذَابَ النّارِ ) (٤).

وأمّا السنّة : ففي أحاديث عديدة تلاحظها في اُصول الكافي (٥) ، والبحار (٦). دلّت على أنّ أفضل العبادة إدمان التفكّر في قدرة الله وصنعه ومواعظه ، فإنّه يدعو إلى البرّ والعمل.

__________________

١ ـ الخصال ، ص ١٤٤ ، ح ١٧٠.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٣٨٩ ، باب ٩٢ ، ح ٤٢.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٣٧٣.

٤ ـ سورة آل عمران ، الآية ١٩١.

٥ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٥٤ ، باب التفكّر ، الأحاديث.

٦ ـ بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٣١٤ ، باب ٨٠ ، الأحاديث.

١١٩

يا علي ، آفةُ الحديثِ الكذب (٣٥٧) ...

______________________________________________________

واعلم أنّ التفكّرات الصحيحة تدعو إلى البرّ والعمل كما جاء في الحديث فمثلا ، التفكّر في عظمة الله يدعو إلى خشيته وطاعته ، والتفكّر في فناء الدنيا ولذّاتها يدعو إلى تركها ، والتفكّر في عواقب من مضى من الصالحين يدعو إلى إقتفاء آثارهم ، والتفكّر فيما انتهى إليه أمر المجرمين يدعو إلى إجتناب أطوارهم ، والتفكّر في عيوب النفس يدعو إلى إصلاحها ، والتفكّر في أسرار العبادة يدعو إلى السعي في تكميلها ، والتفكّر في درجات الآخرة يدعو إلى تحصيلها ، والتفكّر في مسائل الشريعة يدعو إلى العمل بها ، والتفكّر في حسن الأخلاق الحسنة وحسن آثارها يدعو إلى تحصيلها ، والتكفّر في قبح الأخلاق السيّئة وسوء آثارها يدعو إلى تجنّبها ، والتفكّر في نقص أعماله يدعو إلى السعي في إصلاحها ، والتفكّر في عقوبات سيّئاته يدعو إلى تداركها بالتوبة والندم .. وهكذا (١).

وأفاد المحدّث القمّي قدس‌سره ، ينبغي أن يتعلّم الإنسان التفكّر الممدوح من ( تمليخا ) أحد أصحاب الكهف قي قصّة اهتدائه ببركة التفكّر ثمّ ذكر القصّة فلاحظ (٢).

(٣٥٧) الآفة هي العاهة والنقص والبليّة الشديدة .. والآفة التي يُبتلى بها الحديث يعني الكلام هو الكذب .. وهو أشدّ بليّة تعرض الكلام خصوصاً إذا كان كذباً على الله أو رسوله أو أوليائه.

فالكذب يخرّب الإيمان وقد قال عزّ اسمه : ( إنَّما يَفْتَرِي الكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (٣).

__________________

١ ـ مرآة العقول ، ج ٧ ، ص ٣٤٢.

٢ ـ سفينة البحار ، ج ٧ ، ص ١٤٥.

٣ ـ سورة النحل ، الآية ١٠٥.

١٢٠