التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ١

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

العربي : وأما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة ؛ لأنها أبيحت في صدر الإسلام ، ثم حرّمت يوم خيبر ، ثم أبيحت في غزوة أوطاس ، ثم حرّمت بعد ذلك ، واستقر الأمر على التحريم. وليس لها أخت في الشريعة إلّا مسألة القبلة ؛ لأن النسخ طرأ عليها مرّتين ، ثم استقرت بعد ذلك.

وقال غيره ـ ممّن زعم أنه جمع طرق الأحاديث في ذلك ـ : إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات.

وقال جماعة : لا ناسخ لها سوى أنّ عمر نهى عنها ... وروى عطاء عن ابن عباس ، قال : ما كانت المتعة إلّا رحمة من الله رحم بها عباده ، ولو لا نهي عمر عنها ما زنى إلّا شقيّ (١).

وهكذا روى ابن جرير الطبري بإسناده إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شقيّ» (٢). ويروى «إلّا شفى» بالفاء المفتوحة ، أي قليل من الناس (٣).

قال ابن حزم الأندلسي : كان نكاح المتعة ـ وهو النكاح إلى أجل ـ حلالا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نسخها الله تعالى على لسان رسوله ، نسخا باتّا إلى يوم القيامة.

وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من السلف ، منهم من

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٥ ، ص ١٣٠ ـ ١٣٢.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٥ ، ص ٩.

(٣) قال ابن الأثير : من قولهم : غابت الشمس إلّا شفى ، أي قليلا من ضوئها عند غروبها. وقال الأزهري : «إلّا شفى» أي إلّا أن يشفى ، يعني يشرف على الزّنى ولا يواقعه. فأقام الاسم وهو الشفى مقام المصدر الحقيقي ، وهو الإشفاء على الشيء.

٥٢١

الصحابة : أسماء بنت أبي بكر (١) ، وجابر بن عبد الله الأنصاري (٢) ، وابن مسعود (٣) ، وابن عباس (٤) ، وعمرو بن حريث (٥) ، وأبو سعيد الخدري (٦) ، وسلمة ومعبد ابنا أميّة بن خلف (٧).

__________________

(١) أخرج أبو داود الطيالسي في مسنده ، ص ٢٢٧ عن مسلم القريّ قال : دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء ، فقالت : فعلناها على عهد النبيّ. (الغدير ، ج ٦ ، ص ٢٠٩) وفي محاورة جرت بين ابن عباس وعروة بن الزبير في المتعة ، فقال له ابن عباس : سل أمّك يا عريّة. (زاد المعاد لابن قيم الجوزي ، ج ١ ، ص ٢١٣) وكذا بينه وبين عبد الله ، فقال له ابن عباس : أول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير (العقد الفريد ، ج ٤ ، ص ١٤) وفي محاضرات الراغب (ج ٢ ، ص ٩٤) : عيّر عبد الله بن الزبير عبد الله بن عباس بتحليله المتعة ، فقال له : سل أمّك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك : فسألها ، فقالت : ما ولدتك إلّا في المتعة.

راجع تفصيل القصّة في مروج الذهب للمسعودي (ج ٣ ، ص ٩٠ ـ ٩١) وراجع أيضا صحيح مسلم (ج ٤ ، ص ٥٥ ـ ٥٦)

(٢) يأتي الحديث عنه ، وهو الذي أعلن صريحا أنها كانت مباحة منذ عهد الرسول فإلى النصف من خلافة عمر ، حتى نهى عنها عمر لأسباب يأتي ذكرها. ويفنّد من زعم أنه كان بمنع رسول الله أيّام حياته.

(٣) فقد ذكر النووي عنه أنه قرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل. (شرح مسلم ، ج ٩ ، ص ١٧٩)

(٤) وهو المشتهر بفتواه الإباحة في ربوع مكة ، وسارت عنه الركبان في سائر البلدان (فتح الباري ، ج ٩ ص ١٤٨)

(٥) وهو الذي استمتع بموالاة فأحبلها في أيام عمر. (فتح الباري ، ج ٩ ، ص ١٤٩)

(٦) وهو الذي واكب جابرا في الإعلان بإباحة المتعة منذ عهد الرسول. (عمدة القارئ للعيني ، ج ٨ ص ٣١٠) و (فتح الباري ، ج ٩ ، ص ١٥١)

(٧) نسب ذلك إلى كل منهما ؛ أخرج عبد الرزاق بسند صحيح : أنه لم يرع عمر إلّا أمّ أراكة قد خرجت

٥٢٢

قال : ورواه جابر عن جميع الصحابة ، مدّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدّة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافته.

قال : ومن التابعين : طاوس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكّة (١).

وبعد ، فالذي يشهد به التاريخ ومتواتر الحديث ، أنّ المتعة (النكاح المؤقّت) كانت ممّا أحلّه الكتاب وجرت به السنّة وعمل بها الأصحاب ، منذ عهد الرسالة وتمام عهد أبي بكر ونصفا من خلافة عمر ، حتى نهى عنها وشدّد عليه لأسباب وعلل ، كان يرى أنّها تخوّله صلاحية المنع.

أخرج مسلم من طريق عبد الرزّاق قال : أخبرنا ابن جريج عن عطاء ، قال : قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة ، فقال : نعم ، استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر ...

وأيضا عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق ، الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (٢).

وفي حديث قيس عنه قال : رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ... ثم قرأ عبد الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(٣).

__________________

حبلى فسألها عمر ، فقالت : استمتع بي سلمة ، وفي أخرى : معبد. (فتح الباري ، ج ٩ ، ص ١٥١) و (الإصابة ، ج ٢ ، ص ٦٣)

(١) المحلّى لابن حزم ، ج ٩ ، ص ٥١٩ ـ ٥٢٠ رقم ١٨٥٤.

(٢) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ١٣١.

(٣) المصدر نفسه ، ص ١٣٠. والآية من سورة المائدة / ٨٧.

٥٢٣

وكان استشهاده بهذه الآية تدليلا على أنّ الله يحبّ أن يؤخذ برخصه ، ولا سيّما الطيّبات ، ما لم ينه عنه الشارع الحكيم ذاته. إشارة إلى أنّ نهي مثل عمر لا تأثير له في حكم شرعي مستدام بذاته.

أما قضية عمرو بن حريث فهو ما أخرجه الحافظ عبد الرزاق في مصنّفه عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير عن جابر قال : قدم عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة ، فأتي بها عمر وهي حبلى ، فسأله فاعترف ، قال : فذلك حين نهى عنها عمر (١).

وقريب منها قصّة سلمة ومعبد ابني أميّة بن خلف :

أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس ، قال : لم يرع عمر إلّا أمّ أراكة قد خرجت حبلى ، فسألها عمر ، فقالت : استمتع بي سلمة بن أميّة (٢).

وذكر ابن حجر ـ في الإصابة ـ أنّ سلمة استمتع من سلمى مولاة حكيم بن أميّة الأسلمي فولدت له فجحد ولدها.

وزاد الكلبي : فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة ، وروى أيضا أنّ سلمة استمتع بامرأة فبلغ عمر فتوعّده (٣).

قال ابن حجر : القصة بشأن سلمة ومعبد ابني أميّة واحدة ، أختلف فيها هل وقعت لهذا أو لهذا (٤).

__________________

(١) فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر (ج ٩ ، ص ١٤٩) وأخرجه عبد الرزاق في مصنّفه عن ابن جريج (الغدير ، ج ٦ ، ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧)

(٢) فتح الباري ، ج ٩ ، ص ١٥١.

(٣) الإصابة في تمييز الصحابة ، ج ٢ ، ص ٦٣ رقم ٣٣٦٣.

(٤) فتح الباري ، ج ٩ ، ص ١٥١.

٥٢٤

وأخرج مالك وعبد الرزاق عن عروة بن الزبير : أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب ، فقالت : إنّ ربيعة بن أميّة استمتع بمرأة مولّدة فحملت منه. فخرج عمر بن الخطاب ـ يجرّ رداءه فزعا ، فقال : هذه المتعة! ولو كنت تقدّمت فيها لرجمت (١) ، أي لو أعلنت بالمنع قبل ذلك.

وأخرج أبو جعفر الطبري في تاريخه بالإسناد إلى عمران بن سوادة ، قال : صلّيت الصبح مع عمر ، ثم انصرف وقمت معه ، فقال : أحاجة؟ قلت : حاجة. قال : فالحقّ ، فلحقت. فلما دخل أذن لي ، فإذا هو على سرير ليس فوقه شيء. فقلت : نصيحة؟ فقال : مرحبا بالناصح غدوّا وعشيّا. قلت : عابت أمّتك عليك أربعا! فوضع رأس درّته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه ، ثم قال : هات :

فذكر أولا : أنه حرّم العمرة في أشهر الحج (٢). ولم يفعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا أبو بكر ، وهي حلال ، فاعتذر عمر : أنهم لو اعتمروا في أشهر الحج لرأوها مجزية عن حجّهم.

والثاني : أنه حرّم متعة النساء ، وقد كانت رخصة من الله. نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث ، فاعتذر عمر : أن رسول الله أحلها في زمان ضرورة ، والآن قد

__________________

(١) الدر المنثور ، ج ٢ ، ص ١٤١.

(٢) كانت العرب في الجاهلية يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور (البخاري ، ج ٢ ، ص ١٧٥) و (مسلم ، ج ٤ ، ص ٥٦) وقد كافح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه العادة الجاهلية وأصرّ على معارضتها ونقضها قولا وعملا ، ومن ثمّ فإنّ ما قام به عمر كانت محاولة لإعادة رسم غابر خالف شريعة الإسلام.

راجع : الغدير (ج ٦ ، ص ٢١٧) تجد الدعوة إلى الاعتمار في غير أشهر الحج عودا إلى الرأي الجاهلي عن قصد أو غير قصد.

٥٢٥

رجع الناس إلى السعة.

والثالث : أنه حكم بعتاق الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها (١). فقال عمر : ألحقت حرمة بحرمة وما أردت إلّا الخير ، واستغفر الله.

والرابع : أنه يأخذ الرعية بالشدّة والعنف ، فأجاب عمر بما حاصله : أن ذلك ممّا لا بدّ منه في انتظام الرعيّة (٢).

قصّة المنع من المتعتين

والذي يبتّ من الأمر بتّا أن عمر هو الذي حال دون تداوم شريعة المتعة ، وأنها كانت محلّلة حتى أصدر الخليفة المنع منها لا عن سابقة نسخ أو تحريم. تلك قولته المعروفة : «متعتان كانتا على عهد رسول الله ، وأنا محرّمهما ومعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج».

وهذا الكلام وإن كان ظاهره منكرا ـ كما قال ابن أبي الحديد المعتزلي (٣) ـ فله مخرج وتأويل اختلف الفقهاء فيه.

وفي ذلك يقول الإمام الرازي : ظاهر قول عمر : وأنا أنهى عنهما ، أنهما مشروعتان غير منسوختين ، وأنه هو الذي نسخهما. وما لم ينسخه الرسول فلا ناسخ له أبدا.

ثم أخذ في تأويل كلامه بأن المراد : أنا أنهى عنهما لما ثبت عندي أنّ النبيّ نسخها. قال : لأنه لو كان مراده أن المتعة كانت مباحة في شرع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا

__________________

(١) الأمّة ذات الولد لا تباع ولا تنقل لتتحرّر بعد موت سيّدها ، وتكون من نصيب ولدها في الإرث.

(٢) لخّصناه عن الطبري ، ج ٤ ، ص ٢٢٥ ، حوادث سنة ٢٣ (ط المعارف) ونقله ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج ١٢ ، ص ١٢١) عن الطبري وشرح الغريب من ألفاظه رواية عن ابن قتيبة.

(٣) شرح النهج ، ج ١ ، ص ١٨٢.

٥٢٦

أنهى عنها ، لزم تكفيره وتكفير كل من لم يحاربه ، ويفضي ذلك إلى تكفير أمير المؤمنين ؛ حيث لم يحاربه ولم يرد عليه ذلك القول (١).

وأغرب القسطلاني في شرحه على البخاري ، حيث قوله : إنّ نهي عمر كان مستندا إلى نهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان خافيا على سائر الصحابة ، فبيّنه عمر لهم ؛ ولذلك سكتوا أو وافقوا!! (٢).

اللهمّ إنّ هذا إلّا تخرّص بالغيب ، وتفسير كلام بما لا يرضى صاحبه.

وأشدّ غرابة ما ذكره القوشجي ـ في شرحه على تجريد الاعتقاد للخواجه نصير الدين الطوسي ـ قال : إن عمر قال على المنبر : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب عليهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحيّ على خير العمل ، ثم اعتذر بأنّ ذلك ليس ممّا يوجب قدحا فيه ، فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع!! (٣)

انظر إلى هذا الرجل العالم المتجاهل ، كيف يجعل من صاحب الرسالة الذي لا ينطق إلّا عن وحي يوحى إليه ، كيف يجعله عدلا لفرد من آحاد أمّته ، ولا سيّما مثل ابن الخطاب الذي أعلن صريحا ومرارا : كلّ الناس أفقه منه (٤).

وبعد ، فلنعطف الكلام عن حديث المتعتين الذي أعلن به عمر على رءوس

__________________

(١) التفسير الكبير ج ١٠ ، ص ٥٣ ـ ٥٤.

(٢) إرشاد الساري بشرح البخاري للقسطلاني ، ج ١١ ، ص ٧٧.

(٣) شرح التجريد آخر مباحث الإمامة.

(٤) وقد عقد ابن أبي الحديد (شرح النهج ، ج ١ ، ص ١٨١) بابا ذكر فيه موارد أفتى فيها عمر ثم نقضها ، وراجع أيضا نوادر الأثر في علم عمر للعلّامة الأميني (الغدير ، ج ٦ ، ص ٨٣ ـ ٣٢٥) وكان مستقانا في هذا العرض.

٥٢٧

الأشهاد :

١ ـ أخرج البيهقي في سننه بالإسناد إلى أبي نضرة قال : قلت لجابر بن عبد الله الأنصاري : إن ابن الزبير ينهى عن المتعة وإنّ ابن عباس يأمر بها! قال : على يديّ جرى الحديث ، تمتّعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع أبي بكر ، فلما ولّي عمر خطب الناس فقال :

«إنّ رسول الله هذا الرسول ، وإنّ هذا القرآن هذا القرآن. وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، إحداهما : متعة النساء ، ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلّا غيّبته بالحجارة ، والأخرى : متعة الحج» (١).

٢ ـ واخرج مسلم في صحيحه أيضا عن أبي نضرة ، قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها ، فذكرت ذلك لجابر ، فقال : على يديّ دار الحديث. تمتّعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما قام عمر قال : «إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله ، فأتمّوا الحج والعمرة لله كما أمر الله ، وأبتّوا نكاح هذه النساء ، فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلّا رجمته بالحجارة» (٢).

٣ ـ وأخرج أبو بكر الجصّاص بإسناده إلى شعبة عن قتادة ، قال : سمعت أبا نضرة يقول : كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر فقال : على يديّ دار الحديث ، تمتّعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما قام عمر قال : «إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء ، فأتموا الحج والعمرة كما أمر

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ، ج ٧ ، ص ٢٠٦.

(٢) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ٣٨.

٥٢٨

الله ، وانتهوا عن نكاح هذه النساء ، لا أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلّا رجمته.

قال الجصّاص : فذكر عمر الرجم في المتعة ، وجائز أن يكون على جهة الوعيد والتهديد لينزجر الناس عنها (١).

٤ ـ وذكر بشأن متعة الحج ، وهي إحدى المتعتين اللّتين قال عمر بن الخطاب : «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أنهى عنهما وأضرب عليهما : متعة الحج ومتعة النساء» (٢).

وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله بن القيم الجوزي ، قال : ثبت عن عمر أنه قال (٣).

وقال شمس الدين السرخسي : وقد صحّ أن عمر نهى الناس عن المتعة ، فقال : متعتان كانتا ... (٤).

وذكره القرطبي بنفس اللفظ (٥) ، والفخر الرازي بلفظ : «متعتان كانتا مشروعتين ...» (٦).

إلى غير ذلك من تصريحات أعلام الفقه (٧) والتفسير ، تنبؤك عن تواتر حديث

__________________

(١) أحكام القرآن للجصّاص ، ج ٢ ، ص ١٤٧ واستند السرخسي في المبسوط (ج ٥ ، ص ١٥٣) إلى ما روي عن عمر أنه قال : «لا أوتي برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلّا رجمته ولو أدركته ميّتا لرجمت قبره».!

(٢) أحكام القرآن للجصّاص ، ج ١ ، ص ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٣) زاد المعاد ، ج ٢ ، ص ١٨٤.

(٤) المبسوط للسرخسي ، ج ٤ ، ص ٢٧.

(٥) تفسير القرطبي ، ج ٢ ، ص ٣٩٢.

(٦) التفسير الكبير ، ج ١٠ ، ص ٥٢ ـ ٥٣.

(٧) راجع : المحلّى لابن حزم ، ج ٧ ، ص ١٠٧.

٥٢٩

منع المتعتين منعا مستندا إلى عمر بالذّات ، وليس مستندا إلى شريعة السماء.

الأمر الذي دعا بكثير من النبهاء أن يأخذوا من قولة عمر هذه دليلا على الجواز ، استنادا إلى روايته تاركين رأيه إلى نفسه ، أو لا حجيّة لرأي في مقابلة الشريعة ، كما لا اجتهاد في مقابلة النصّ.

يذكر ابن خلكان ـ في ترجمة يحيى بن أكثم ـ أن المأمون العباسي أمر فنودي بتحليل المتعة. فدخل عليه ابن أكثم فوجده يستاك ، ويقول ـ وهو مغتاظ ـ : متعتان كانتا على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما! ومن أنت يا جعل؟! (١)

وفي لفظ الخطيب : ومن أنت يا أحول حتى تنهى عما فعله النبيّ وأبو بكر؟! (٢)

وذكر الراغب أن يحيى بن أكثم ـ وكان قاضيا في البصرة نصبه المأمون ـ قال لشيخ بالبصرة : بمن اقتديت في جواز المتعة؟ قال : بعمر بن الخطاب! قال : كيف ، وعمر كان أشد الناس فيها؟ قال : لأنّ الخبر الصحيح أنه صعد المنبر ، فقال : إن الله ورسوله قد أحلّا لكم متعتين وإنّي محرّمهما عليكم ومعاقب عليهما. فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه! (٣)

وهناك من الصحابة والتابعين من ثبتوا على القول بالتحليل الأول منذ عهد

__________________

(١) تاريخ ابن خلكان (وفيات الأعيان) ، ج ٦ ، ص ١٤٩ ـ ١٥٠ ، وجعل معناه : لجوج.

(٢) تاريخ بغداد ، ج ١٤ ، ص ١٩٩.

(٣) محاضرات الراغب الأصبهاني ، ج ٢ ، ص ٩٤ (الغدير ، ج ٦ ، ص ٢١٢)

٥٣٠

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يستسلموا لنهي عمر ، وجاهروا في مخالفته إما في حياته أو بعد مماته.

هذا جابر بن عبد الله الأنصاري هو أوّل من جاهر بالتحليل ، وأعلن بالمخالفة لنهي عمر.

وهذا أبو سعيد الخدري قد عرفت مواكبته مع جابر في إعلام المخالفة.

وعبد الله بن مسعود قرأ : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ...) بملاء من الناس.

وأبيّ بن كعب كان يقرأ قراءة ابن مسعود.

وسعيد بن جبير ، وطاوس ، وعطاء ، ومجاهد ، وسائر فقهاء مكة ، وأضرابهم حسبما تقدم الكلام عنهم.

ويقول الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شفى ـ أو ـ إلّا شقيّ ، (١) على ما سبق بيانه.

وكذلك ابن عباس في قوله : يرحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلّا رحمة من الله رحم بها أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو لا نهيه ما احتاج إلى الزنى إلّا شقيّ ـ أو ـ إلّا شفى (٢).

وقد عرّض ابن الزبير بابن عباس في قوله : إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة ، فناداه ابن عباس : إنّك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتّقين ـ يريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فقال له ابن الزبير : فجرّب بنفسك فو الله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك (٣).

__________________

(١) فتح الباري ، ج ٥ ص ٩.

(٢) الدر المنثور ، ج ٢ ، ص ١٤١.

(٣) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ١٣٣. والنووي ، ج ٩ ، ص ١٨٨.

٥٣١

وهذا ابنه عبد الله تراه لا يكترث بنهي نهاه أبوه تفاديا دون سنّة سنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونطق بها الكتاب. فقد أخرج أحمد في مسنده عن أبي الوليد ، قال : سأل رجل ابن عمر عن المتعة وأنا عنده (متعة النساء) ، فقال : والله ما كنّا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زانين ولا مسافحين (١).

وهكذا نجد كبار الصحابة والتابعين ومن ورائهم الفقهاء ، لم يأبهوا بنهي عمر عن متعة الحج ، مع تصريحه بالمنع وإردافه لها مع متعة النساء. وما ذلك إلّا من جهة عدم اعتبار أيّ اجتهاد في مقابلة نصّ الشريعة.

هذا ابن عمر نراه كما لم يكترث بنهي أبيه عن متعة النساء ، كذلك لم يكترث بنهيه عن متعة الحج :

روى الترمذي بإسناده إلى ابن شهاب أنّ سالما حدّثه أنه سمع رجلا من أهل الشام ، وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال عبد الله : هي حلال. فقال الشامي : إن أباك قد نهى عنها! فقال عبد الله : أرأيت إن كان أبي نهى عنها ، وصنعها رسول الله ، أأمر أبي نتّبع ، أم أمر رسول الله؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : لقد صنعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وكذلك روى ابن إسحاق عن الزهري عن سالم ، قال : إني لجالس مع ابن عمر في المسجد ؛ إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال ابن عمر : حسن جميل. قال : فإنّ أباك كان ينهى عنها! فقال : ويلك ، فإن كان أبي نهى عنها وقد فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمر به ، أفبقول أبي آخذ أم بأمر رسول

__________________

(١) مسند الإمام أحمد ، ج ٢ ، ص ٩٥.

(٢) جامع الترمذي ، ج ٣ ، ص ١٨٥ ـ ١٨٦ رقم ٨٢٤ كتاب الحج.

٥٣٢

الله؟ قم عني. قال القرطبي : أخرجه الدار قطني (١).

وهكذا نرى سعد بن أبي وقّاص لم يأبه بمنع عمر تجاه سنّة سنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رواه الترمذي أيضا بإسناده إلى شهاب ، عن محمد بن عبد الله بن الحارث : أنه سمع سعد بن أبي وقّاص والضحّاك بن قيس ، وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحّاك : لا يصنع ذلك إلّا من جهل أمر الله. فقال سعد : بئس ما قلت ، يا ابن أخي! فقال الضحّاك : فإن عمر قد نهى عن ذلك ، فقال سعد : قد صنعها رسول الله ، وصنعناها معه. (٢)

وهذا عمران بن الحصين يحذو حذوهما في جرأة وصراحة ، يقول : «إنّ الله أنزل في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى. وأمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمتعة وما نهانا عنها ، قال رجل فيها برأيه ما شاء» ، يريد عمر بن الخطاب ، على ما صرّح به الرازي (٣) وابن حجر (٤). أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم (٥).

وأخرجه أيضا أحمد في مسنده عنه قال : «نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى ، وعملنا بها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تنزل آية تنسخها ، ولم ينه

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٢ ، ص ٣٨٨.

(٢) جامع الترمذي ، ج ٣ ، ص ١٨٥ رقم ٨٢٣.

(٣) أورده الإمام الرازي بشأن متعة النساء (التفسير الكبير ، ج ١٠ ، ص ٥٣)

(٤) قال ابن حجر : لأنه أول من نهى عنها وكأنّ من بعده (عثمان ومعاوية) كان تابعا له في ذلك. (فتح الباري ، ج ٣ ، ص ٣٤٥)

(٥) الدر المنثور ، ج ١ ، ص ٢١٦. وراجع : صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ٤٨ ـ ٤٩ أورده بألفاظ مختلفة ومتقاربة تماما. وأورده البخاري في تفسير سورة البقرة باب فمن تمتّع (ج ٦ ، ص ٣٣) وفي كتاب الحجّ باب التمتع على عهد رسول الله (ج ٢ ، ص ١٧٦)

٥٣٣

عنها النبيّ حتى مات (١).

وعمران هذا من فضلاء الصحابة وفقهائهم ، وقد بعثه عمر ليفقّه أهل البصرة ، ثقة بمكان فقهه وأمانته. قال ابن سيرين : كان أفضل من نزل البصرة من الصحابة (٢).

قال الشيخ أبو عبد الله المفيد ـ في جواب من سأله عن قول مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام «ليس منّا من لم يقل بمتعتنا» ـ : إنّ المتعة التي ذكرها الإمام الصادق عليه‌السلام هي النكاح المؤجّل الذي كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباحها لأمّته في حياته ونزل بها القرآن أيضا ، فتؤكّد ذلك بإجماع الكتاب والسنّة فيه ؛ حيث يقول الله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)(٣) ، فلم يزل على الإباحة بين المسلمين لا يتنازعون فيها ، حتى رأى عمر بن الخطاب النهي عنها ، فحظرها وشدّد في حظرها وتوعّد على فعلها ، فتبعه الجمهور على ذلك. وخالفهم جماعة من الصحابة والتابعين فأقاموا على تحليلها إلى أن مضوا لسبيلهم ، واختص بإباحتها جماعة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من آل محمّد عليهم‌السلام ، فلذلك أضافها الصادق عليه‌السلام بقوله : متعتنا (٤).

__________________

(١) مسند الإمام أحمد ، ج ٤ ، ص ٤٣٦.

(٢) الإصابة لابن حجر ، ج ٣ ، ص ٢٦ ـ ٢٧.

(٣) النساء / ٢٤.

(٤) المسائل السروية (المسألة الأولى) المطبوعة ضمن رسائل المفيد ، ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٥٣٤

لا نسخ ولا تحريم

وبعد ، إذ عرفت أنّ القوم لم يكد أن يصدّقوا منع عمر ذاته لشريعة سنّها الكتاب والسنّة ، التمسوا لتبرير موقفه ذاك معاذير وتعاليل ، لا تكاد تشفي العليل ولا تروي الغليل.

قال الشيخ محمد عبده : والعمدة عند أهل السنّة في تحريمها وجوه :

أوّلها : ما علمت من منافاتها لظاهر القرآن في أحكام النكاح والطلاق والعدّة ، إن لم نقل لنصوصه.

ثانيها : الأحاديث المصرّحة بتحريمها تحريما مؤبّدا إلى يوم القيامة ، وقد جمع متونها وطرقها مسلم في صحيحه.

ثالثها : نهي عمر عنها في خلافته ، وإشادته بتحريمها على المنبر ، وإقرار الصحابة له على ذلك.

قال : وكان إسناد التحريم إلى نفسه (أنا محرّمهما) فمجاز ، ومعناه : أنه مبيّن لتحريمهما.

وقد شاع مثل هذا الإسناد ، كما يقال : حرّم الشافعي النبيذ وأحلّه أو أباحه أبو حنيفة. لم يعنوا إنهما شرّعا ذلك من عند أنفسهما ، وإنما يعنون أنهم بيّنوه بما ظهر لهم من الدليل. قال : وقد كنّا قلنا : إن عمر منع المتعة اجتهادا منه ، ثم تبيّن لنا أن ذلك خطأ ، فنستغفر الله منه (١).

ولننظر في هذه البنود باختصار :

أما التنافي مع ظاهر الكتاب أو نصّه ، فلم يتبيّن وجهه بوضوح ؛ إذ المتمتّع بها زوجة عند القائل بها ، ولها أحكام تغاير أحكام الدائمة ، فطلاقها انقضاء أجلها ،

__________________

(١) تفسير المنار ، ج ٥ ، ص ١٥ ـ ١٦.

٥٣٥

وعدّتها كعدّة الأمة (١) : نصف عدّة الحرّة الدائمة.

قال المحقق : ولا يقع بها طلاق ، وتبين بانقضاء المدّة ، وعدّتها : حيضتان أو خمسة وأربعون يوما ، ولا يثبت بينهما ميراث ، إلّا إذا شرط على الأشهر. ولو أخلّ بالمهر مع ذكر الأجل بطل العقد ، ولو أخلّ بالأجل بطل متعة ، وانعقد دائما (٢).

وذكر الشيخ محمد عبده وجها آخر للتنافي مع القرآن ؛ حيث قوله عزوجل في صفة المؤمنين : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ، إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ)(٣) ، قال : والمرأة المتمتّع بها ليست زوجة ليكون لها مثل الذي عليها بالمعروف ، والشيعة أنفسهم لا يعطونها أحكام الزوجة ولوازمها ، فلا يعدّونها من الأربع ، ولا يكون بها إحصان ، وذلك قطع منهم بأنه لا يصدق على المستمتعين «محصنين غير مسافحين» ، وليس لها ميراث ولا نفقة ولا طلاق ولا عدّة (٤).

لكن أسبقنا أنها زوجة وإن كانت تخالف أحكامها أحكام الدائمة. واستدل الشهيد الثاني (٥) على أنها زوجة بنفس الآية ؛ حيث عدّ ابتغاء ما وراء الزوجة وملك ليمين سفاحا. والسورة مكيّة ، نزلت قبل الهجرة بفترة طويلة ؛ حيث نزلت

__________________

(١) راجع : شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي ، ج ٣ ، ص ٤١. وبداية المجتهد لابن رشد ، ج ٢ ، ص ١٠١.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

(٣) المؤمنون / ٥ و ٦.

(٤) تفسير المنار ، ج ٥ ، ص ١٣ ـ ١٤.

(٥) راجع : الروضة بشرح اللمعة لزين الدين الشهيد الثاني ، ج ٥ ، ص ٢٩٩ وج ٥ ، ص ٣٣٦ (ط نجف)

٥٣٦

بعدها ـ وهي برقم ٧٤ ـ اثنتا عشرة سورة إلى تمام العدد (٨٦) السورة المكية ، ولا شكّ إنها كانت محلّلة ذلك العهد ، وآخر تحريمها ـ على الفرض ـ بعد سنة الفتح (عام أوطاس سنة ٨ للهجرة) ، ولازمه أنّ المسلمين كانوا مسافحين في تلك الفترة ، إذا لم يكن المتمتع بها زوجة ؛ إذ لم تكن ملك يمين أيضا.

كما أن تحليل الأمة عند القائل بإباحته داخل في ملك يمين ، بنفس دليل الحصر في الآية (١).

نعم ذكرنا أن طلاقها انقضاء أمدها ، وأن لها عدّة نصف عدّة الدائمة ، ونفقتها أجرتها. والميراث حكم تعبّدي خاص ، يمكن أن لا يجعله الشارع في موارد ، منها : القاتل ، وخارج الملّة ، والمتقرب بالأب مع وجود المتقرب بالأبوين أو الأم ، وغير ذلك ممّا هو تخصيص في عموم الكتاب.

على أنّ فقهاء أهل السنّة يجيزون نكاح الكتابيّة ولا يقولون بالتوارث بينهما ، (٢) وذلك تخصيص في عموم الكتاب ، كما هنا حرفا بحرف. كما أنهم لا يرون الإحصان بملك يمين (٣) ، فكذلك المتعة عندنا ، وهو حكم خاص ثابت في الشريعة بالتعبّد.

أما مسألة العدّة فقد عرفت أن الشيخ اشتبه عليه الأمر ، فتدبّر.

وأما الأحاديث التي هي عمدة استدلالهم على التحريم ، فقد ادّعى ابن رشد

__________________

(١) الروضة بشرح اللمعة لزين الدين الشهيد الثاني ، ج ٥ ، ص ٢٩٩ وج ٥ ، ص ٣٣٦ (ط نجف)

(٢) ابن رشد في بداية المجتهد ج ٢ ، ص ٣٨١ و ٤٧٠.

(٣) المصدر نفسه.

٥٣٧

الأندلسي تواترها (١). لكنه كلام ملقى على عواهنه ؛ إذ لا تعدو رواية التحريم إسنادها إلى ثلاثة من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١ ـ علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

٢ ـ سلمة بن الأكوع.

٣ ـ سبرة بن معبد الجهني.

أما الرواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام فمفتعلة عليه بلا شكّ ؛ لأنه عليه‌السلام كان من أشد الناقمين على عمر في تحريمه المتعة ، ولو لا نهيه ما زنى إلّا شفى ، فكيف يؤنّب على عمر أمرا سبقه تحريم رسول الله ، لا سيما وروايته هو بذلك؟!

على أنّ الراوي في ذلك ـ حسب إسناد البخاري (٢) ـ هو سفيان بن عيينة المعروف بالكذب والتدليس عن لسان الثقات (٣).

وكذا الرواية عن سلمة أيضا لا أصل لها ، وإنما هي فرية ألصقوها بصحابي كبير. ومن ثمّ لم يورد البخاري رواية التحريم عنه ، بل العكس أورد عنه رواية الإباحة ، رغم عقد الباب للتحريم (٤).

فقد أسند عنه وجابر ، قالا : كنّا في جيش فأتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا. وأيضا عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيما

__________________

(١) ابن رشد في بداية المجتهد ج ٢ ، ص ٦٣.

(٢) راجع : صحيح البخاري ، ج ٧ ، ص ١٦ (ط مشكول) اقتصر عليه باعتباره أحسن الأسانيد.

(٣) قال ابن حجر : وكان ربما دلّس لكن عن الثقات (تقريب التهذيب ، ج ١ ، ص ٣١٢ رقم ٣١٨) وهكذا قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (ج ٢ ، ص ١٧٠)

(٤) قال ابن حجر : وليس في أحاديث الباب التي أوردها التصريح بذلك ، لكن قال في آخر الباب : إن عليا بيّن أنّه منسوخ (فتح الباري ، ج ٩ ، ص ١٤٣)

٥٣٨

رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال ، فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا.

وهنا يأتي البخاري ليجتهد في الموضوع قائلا : قال أبو عبد الله : وبيّنه عليّ عن النبيّ أنه منسوخ!! وكذلك روى مسلم عن سلمة وجابر ـ إلى قوله ـ «أذن لكم أن تستمتعوا» فقال مسلم : يعني متعة النساء (١).

نعم تفرّد مسلم عن البخاري في إسناد حديث النهي إلى سلمة ، عن طريق فيه ضعف ، تركه البخاري لذلك.

روى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس بن محمد عن عبد الواحد ابن زياد عن أبي عميس عن إياس بن سلمة عن أبيه قال : «رخّص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثمّ نهى عنها» (٢).

وأبو بكر بن أبي شيبة هذا ، هو عبد الرحمن بن عبد الملك الحزامي. ضعّفه أبو بكر بن أبي داود ، وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالمتين عندهم. وابن حبّان مع عدّه في الثقات وصفه بأنه ربما أخطأ (٣). وفي لفظ ابن حجر : ربما خالف. قال : ولم يخرج عنه البخاري سوى حديثين (٤).

وكذا عبد الواحد بن زياد ، كان مدلّسا ، يدلّس في حديثه عن الأعمش. قال أبو داود الطيالسي : عمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها كلّها ، وقد بيّنه

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ١٣٠.

(٢) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ١٣١.

(٣) ميزان الاعتدال للذهبي ، ج ٢ ، ص ٥٧٨ رقم ٤٩١٤. والمغني في الضعفاء أيضا له ، ج ٢ ، ص ٣٨٣ رقم ٣٥٩٨.

(٤) تهذيب التهذيب ، ج ٦ ، ص ٢٢٢.

٥٣٩

القطاني. وقال ابن معين : ليس بشيء ، وكانت له مناكير نقمت عليه. ووصفه الذهبي بأنه صدوق ، يغرب! (١).

وهكذا حديث سبرة الجهني ، لم يروه عنه سوى ابنه الربيع ، ومن ثمّ لم يخرّجه البخاري ، (٢) وإنما أخرجه مسلم بإسناده إلى عبد الملك بن الربيع بن سبرة ، عن أبيه عن جدّه قال : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكّة ، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها (٣).

كما لم يخرّج مسلم للربيع عن أبيه حديثا غير حديث المتعة ، ولم يأت ذكره في غير هذا الباب (٤).

الأمر الذي يثير الريب بشأن الربيع ، وحديثه ذلك عن أبيه حديثا لم يروه عنه غيره إطلاقا؟!

قال ابن قيّم الجوزي ـ بعد تقسيمه للناس إلى طائفتين بشأن حديث المتعة ، طائفة تقول : إن عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها ـ قال : ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة ، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جدّه. وقد تكلّم فيه ابن معين ، ولم ير البخاري إخراج

__________________

(١) المغني في الضعفاء ، ج ٢ ، ص ٤١٠ رقم ٣٨٦٧. وميزان الاعتدال ، ج ٢ ، ص ٦٧٢ رقم ٥٢٨٧.

(٢) إذ لم يخرّج عن الربيع في صحيحه شيئا ، ولا عن أبيه سبرة ، سوى ما علّقه في أحاديث الأنبياء فقال : ويروى عن سبرة بن معبد وأبي الشموس أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بإلقاء الطعام ، يعني من أجل مياه ثمود. ووصله الطبراني من طريق الحميدي عن حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة (تهذيب التهذيب ، ج ٣ ، ص ٤٥٣ وج ٦ ، ص ٣٣٦)

(٣) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ١٣٢ ـ ١٣٣.

(٤) راجع : الجمع بين رجال الصحيحين ، ج ١ ، ص ١٣٥.

٥٤٠