التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ١

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

ثانيا : إنّ سلسل ، طسّوج (١) من ثمانية طساسيج كورة شاذقباذ ، وتسمّى كورة دجلة. قال ياقوت : كورة بشرقي بغداد ، وتشتمل على ثمانية طساسيج : رستقباذ ، ومهروذ ، وسلسل ، وجلولاء ، والبنديجين ، وبراز الروز ، والدسكرة ، والرستاقين. قال : ويضاف إلى كل واحدة من هذه لفظة «طسّوج» أي ناحية كذا (٢).

وعليه فمن البعيد جدا أن يستعمل مثل مسروق بن الأجدع ـ العالم الكبير والراوي القدير ـ لمثل تلك المنطقة الصغيرة البعيدة عن مراكز العلم والثقافة ، ولا سيّما إذا كان العمل مثل عمل العشّارين! الأمر الذي لا نكاد نصدقه بشأن مثل ابن الأجدع الإمام القدوة الذي هو أحد الأعلام. ومن ثم رجّحنا أن يكون العامل غير هذا.

وثالثا : ذكر الخطيب البغدادي : أن مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني ثم الوادعي ، ويكنّى أبا عائشة ، توفّي سنة (٦٣) بالكوفة ، وكان له (٦٣) سنة (٣).

غير أن ابن الأثير قال : وتوفّي بمصر مسروق بن الأجدع سنة (٦٢ أو ٦٣) (٤). كما ذكر ابن حجر أنه توفّي بسلسل (٥). فهناك ثلاثة أقوال في موضع قبره ، والصحيح هو القول الأول ، بدليل الاعتبار. أما الذي توفّي بمصر فلعله العكّي صاحب معاوية. أما العامل بسلسلة العشار فيحتمل كونه ابن وائل ، والله العالم.

__________________

(١) بفتح الطاء وتشديد السين المضمومة ، بمعنى الناحية. قال الفيروزآبادي : بلدة بشاطئ دجلة.

(٢) معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥. وقال في ص ٢٣٦ : سلسل نهر في سواد العراق ، يضاف إلى طسّوج من محافظة شاذقباذ من الجانب الشرقي.

(٣) تاريخ بغداد ، ج ١٣ ، ص ٢٣٥.

(٤) الكامل في التاريخ ، ج ٤ ، ص ١١٠.

(٥) تهذيب التهذيب ، ج ١٠ ، ص ١١١.

٤٠١

وأما أنه كان على الخيل لعبيد الله بن زياد ـ على ما جاء في المسترشد (١) ـ فلعلّه من الوهن بمكان ؛ لأنّ ذاك هو مسروق بن وائل الحضرمي من أجناد الكوفة ، الذين خرجوا لقتال الحسين بن عليّ عليهما‌السلام في واقعة الطفّ بكربلاء. قال أبو مخنف عن عطاء بن السائب عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي عن أخيه مسروق بن وائل ، قال : كنت في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين ، فقلت : أكون في أوائلها لعلّي أصيب رأس الحسين ، فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد ... (٢). وكان قد أدرك حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقدم عليه في وفد حضرموت (٣).

أمّا دفاعه عن عثمان فلعله كان لمحض الحفاظ على الوحدة دون تفرقة الكلمة ، وليس عن عقيدة بشأنه في نفسه ، ومن ثم ذكروا أنه روى عن أبي بكر وعمر وعليّ وابن مسعود وأبيّ بن كعب ، ولم يرو عن عثمان شيئا (٤).

وكذا احترامه لعائشة كان لموضع حرمتها من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محضا ، وقد كان من المعترضين عليها في اضطراب موقفها بشأن عثمان. أخرج ابن سعد عن الأعمش عن خيثمة عن مسروق عن عائشة ، قالت حين قتل عثمان : تركتموه كالثوب النقيّ من الدنس ، ثم قرّبتموه تذبحونه كما يذبح الكبش ، هلّا كان هذا قبل هذا؟ فقال لها مسروق : هذا عملك ، أنت كتبت إلى الناس تأمرينهم بالخروج إليه ،

__________________

(١) قاموس الرجال ، ج ٨ ، ص ٤٧٥.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٥ ، ص ٤٣١ (ط دار المعارف)

(٣) الإصابة ، ج ٣ ، ص ٤٠٨ رقم ٧٩٣٣. والاستيعاب بهامشه ، ج ٣ ، ص ٥٣١ ـ ٥٣٢. وأسد الغابة ج ٤ ، ص ٣٥٤.

(٤) طبقات ابن سعة ، ج ٦ ، ص ٥١ (ط ليدن)

٤٠٢

فأنكرت!! (١)

ومن غريب الأمر أن المامقاني ذكر مسروق بن الأجدع تارة بعنوان أنّه أحد الزّهاد الثمانية ، وعدّه من المذمومين. وأخرى وصفه بالهمداني الكوفي ، وعدّه من الأعلام والفقهاء ، ورجّح حسن حاله (٢).

واعترض عليه التستري بأنهما واحد ، ولا وجه للافتراق في الشخصيّة والوصف (٣).

١٤ ـ الأسود بن يزيد

أبو عبد الرحمن النخعي الكوفي ، من كبار التابعين المخضرمين ، من أصحاب عبد الله بن مسعود. وروى عن حذيفة وبلال وعليّ عليه‌السلام ، كان على جانب عظيم من الفهم لكتاب الله ، ثقة صالح ، ورع ناسك. ذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال : كان فقيها زاهدا. روى عنه ابنه عبد الرحمن ، وأخوه عبد الرحمن ، وابن اخته إبراهيم بن يزيد النخعي وغيرهم. وذكره جماعة ممّن صنّف في الصحابة ، لإدراكه. توفّي سنة (٧٥).

قال ابن سعد : روى عن عمر وعليّ وابن مسعود وسلمان ، ولم يرو عن عثمان شيئا (٤).

ولم يسلم الأسود ممّا رمى به زميله ابن الأجدع ، والكلام فيه قدحا ومدحا

__________________

(١) الطبقات ، ج ٣ ، ق ١ ، ص ٥٧ ، س ٢٠ ـ ٢٥.

(٢) تنقيح المقال ، ج ٣ ، ص ٢١١ برقم ١١٧٠٢ و ١١٧٠٣.

(٣) قاموس الرجال ، ج ٨ ، ص ٤٧٥ ـ ٤٧٦.

(٤) تهذيب التهذيب ، ج ١ ، ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣ والطبقات ، ج ٦ ، ص ٤٦ ـ ٥٠.

٤٠٣

ما مرّ في مسروق. وسنذكر أن عامة الكوفيين ، ولا سيّما أصحاب عبد الله بن مسعود ، كان الغالب عليهم الميل مع علي عليه‌السلام ، حسب تربية شيخهم وكبيرهم الصحابي الجليل (١).

١٥ ـ مرّة الهمدانى

أبو إسماعيل ابن شراحيل الهمداني السكسكي الكوفي ، المعروف بمرّة الطيب ومرّة الخير ، لقّب بذلك لعبادته. روى عن أبي ذرّ وحذيفة وابن مسعود وعليّ عليه‌السلام. وعنه إسماعيل السدّي والشعبي وعطاء بن السائب وعمرو بن مرّة وطائفة.

قال العجلي : تابعي ثقة ، كان عابدا ناسكا كثير السجود والركوع. قيل : أدرك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يره. مات سنة (٧٦) (٢).

وقد استوفينا الكلام في مسروق ما يتضح به حال مرّة أيضا ، كشأن سائر الكوفيين من أصحاب ابن مسعود ، كانوا مع عليّ عليه‌السلام ، ومن ثمّ أصبحوا عرضة السهام.

١٦ ـ عامر الشعبيّ

أبو عمرو عامر بن شراحيل الحميري الكوفي ، من شعب همدان. روى عن مسروق بن الأجدع وابن عباس وعليّ عليه‌السلام ، وكثير من الصحابة والتابعين. كان فقيها بارعا ، قويّ الحافظة. قال : ما كتبت سوداء على بيضاء ، ولا حدّثني رجل

__________________

(١) راجع : الطبقات لابن سعد ، ج ٦ ، ص ٥ ، س ٤ : كان أصدق الناس عند الناس على عليّ عليه‌السلام أصحاب عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وعنهم.

(٢) الطبقات ، ج ١٠ ، ص ٨٨ ـ ٨٩ والخلاصة ، ص ٣٧٢.

٤٠٤

بحديث إلّا حفظته ، ولا حدّثني رجل بحديث فأحببت أن يعيده عليّ. قال العجلي : سمع من (٤٨) صحابيا ، ولا يكاد يرسل إلّا صحيحا.

قال ابن أبي حاتم عن أبيه : وسئل عن الفرائض التي رواها الشعبي عن عليّ عليه‌السلام ، فقال : هذا عندي ما قاسه على قول عليّ ، وما أرى عليّا كان يتفرّغ لهذا.

قال ابن حبّان في ثقات التابعين : كان فقيها شاعرا ، مولده سنة (٢٠) ومات سنة (١٠٩) ، وكان فيه دعابة. وقال أبو جعفر الطبري : كان ذا أدب وفقه وعلم. وقال أبو اسحاق : كان واحد زمانه في فنون العلم (١).

هذا ، ولم يكن حظ الشعبي من التهم بأحسن من سابقيه ، كسائر الكوفيين كانوا معرض التهم.

١٧ ـ عمرو بن شرحبيل

أبو ميسرة الهمداني الوادعي الكوفي. روى عن عليّ عليه‌السلام وعبد الله بن مسعود ، وكان من أصحابه ، ومن النفر الستة الذين كانوا يقرءون الناس ويعلّمونهم السنّة ، ويصدر الناس عن رأيهم (٢). وهكذا روى عن حذيفة وسلمان وقيس بن سعد بن عبادة وأشباههم من خلّص الأصحاب. قال عاصم بن بهدلة عن أبي وائل : ما اشتملت همدانية على مثل أبي ميسرة. كان صوّاما قوّاما ، ناسكا زاهدا ، من أفاضل أصحاب ابن مسعود. وكان إمام مسجد بني وادعة بالكوفة.

كان موضع ثقة ابن مسعود ، سأله يوما قال : ما تقول يا أبا ميسرة في (الْخُنَّسِ ،

__________________

(١) تهذيب التهذيب ، ج ٥ ، ص ٦٥ ـ ٦٩.

(٢) تاريخ بغداد ، ج ١٢ ، ص ٢٩٩.

٤٠٥

الْجَوارِ الْكُنَّسِ)(١)؟ قال عمرو : قلت : لا أعلمها إلّا بقر الوحش. قال : وأنا لا أعلم فيها إلّا ما قلت. توفّي سنة (٦٣) في ولاية عبيد الله بن زياد (٢).

قال الشهيد الثاني ـ في درايته ـ : تابعي فاضل من أصحاب ابن مسعود (٣).

وكانت له صحبة أو رؤية ، كان ممن روى حديث الغدير ، حسبما ذكره الخوارزمي (٤).

وذكر ابن حجر في الإصابة عن الطبراني أنه أخرج من رواية عبد العزيز بن عبد الله القرشي عن سعيد بن أبي عروبة عن القاسم بن عبد الغفّار عن عمرو بن شرحبيل ، قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «اللهم أنصر من نصر عليا ، اللهم أكرم من أكرم عليا ، اللهم أخذل من خذل عليّا ...» (٥).

وفي نسخة الإصابة : شراحيل ، بدل شرحبيل. وهو خطأ في النسخة ؛ إذ لم يرد لشراحيل والد عمرو ، ذكر في كتب التراجم إطلاقا. مع أنه ذكره ابن عبد البرّ (٦) ، وكذا ابن الأثير ، (٧) بهذا العنوان : عمرو بن شرحبيل. فيبدو أن نسخة الإصابة قد أصابها تصحيف.

نعم ذكر ابن عبد البر أنه غير عمرو بن شرحبيل الهمداني ، أبي ميسرة صاحب ابن مسعود ، وذكر أنه لم يقف على نسبه ، لكن رجّح ابن الأثير كونهما واحدا.

__________________

(١) التكوير / ١٥.

(٢) الطبقات لابن سعد ، ج ٦ ، ص ٧١ ـ ٧٤ وتهذيب التهذيب ، ج ٨ ، ص ٤٧.

(٣) قاموس الرجال ، ج ٧ ، ص ٢١١.

(٤) الغدير للعلامة الأميني ، ج ١ ، ص ٥٧ رقم ٩٣.

(٥) الإصابة في معرفة الصحابة ، ج ٢ ، ص ٥٤٣ رقم ٥٨٦٩.

(٦) الاستيعاب بهامش الإصابة ، ج ٢ ، ص ٥٢٦.

(٧) أسد الغابة ، ج ٤ ، ص ١١٤.

٤٠٦

قلت : وهو الصحيح ؛ لأنّ ولادته كانت في أوائل الهجرة أو قبلها ، فهو وإن كان تابعيّا ، لكنه أدرك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم تكن له صحبة لصغر سنّه ، غير أنّه يجوز سماعه منه وهو صبي مراهق.

١٨ ـ زيد بن وهب

أبو سليمان الجهني الكوفي. رحل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهاجر إليه فلم يدركه ، قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في الطريق. وهو معدود في كبار التابعين ، روى عن عليّ عليه‌السلام وابن مسعود وحذيفة وأبي الدرداء وأبي ذرّ ، وروى عنه خلق كثير ، منهم الأعمش ، قال : إذا حدّثك زيد بن وهب عن أحد ، فكأنّك سمعته من الذي حدّثك عنه. وقد وثّقه أصحاب التراجم. أخرج ابن حجر عن ابن خراش قال : كوفي ثقة وروايته عن أبي ذرّ صحيحة (١).

سكن الكوفة ، وكان في الجيش الذي مع عليّ عليه‌السلام في حربه الخوارج. وهو أوّل من جمع خطب عليّ عليه‌السلام في الجمع والأعياد وغيرها. توفّي سنة (٩٦) وقد عمّر طويلا.

١٩ ـ أبو الشعثاء الكوفي

هو سليم بن أسود المحاربي الكوفي. روى عن أبي ذرّ وحذيفة وسلمان وابن عباس وابن مسعود ، وكان خصّيصا به. قال أبو حاتم : لا يسأل عن مثله. وذكره ابن حبان في الثقات.

__________________

(١) تهذيب التهذيب ، ج ٣ ، ص ٤٢٧. أسد الغابة ، ج ٢ ، ص ٢٤٢. الإصابة ، ج ١ ، ص ٥٨٣ رقم ٣٠٠١. الشافي ٤ / ٢٨٨ ، الهامش ٣. قاموس الرجال ، ج ٤ ، ص ٢٨١.

٤٠٧

قال الواقدي : شهد مع عليّ عليه‌السلام مشاهده. توفّي سنة (٨٢) (١).

٢٠ ـ أبو الشعثاء الأزدي

هو جابر بن زيد الأزدي اليحمدي الجوفي (٢) البصري. روى عن ابن عباس وعكرمة وغيرهما. قال ابن عباس : لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علما من كتاب الله. قال العجلي : تابعي ثقة. قال ابن سعد : مات سنة (١٠٣) قال قتادة ـ لما مات جابر بن زيد ـ : اليوم مات أعلم أهل العراق. وكان يخلف الحسن في الفتوى (٣).

٢١ ـ الأصبغ بن نباتة

التميمي ثم الحنظلي ، أبو القاسم الكوفي. من أصحاب عليّ والحسن بن علي عليهما‌السلام.

قال العجلي : كوفي تابعي ثقة. قال ابن سعد : كان شيعيّا ، وكان على شرطة عليّ عليه‌السلام.

قال ابن حبّان : فتن بحبّ عليّ ، فأتى بالطامّات (٤) فاستحق الترك. قال ابن عديّ : وإذا حدّث عنه ثقة فهو عندي لا بأس بروايته ، وإنما أتى الإنكار من جهة من روى عنه (٥).

قال سيدنا الخوئي ـ دام ظله ـ : هو من المتقدمين من سلفنا الصالحين ، ذكره

__________________

(١) تهذيب التهذيب ، ج ٤ ، ص ١٦٥.

(٢) نسبة إلى درب الجوف ، محلة بالبصرة.

(٣) تهذيب التهذيب ، ج ٢ ، ص ٣٨ رقم ٦١. وراجع : الحلية لأبي نعيم ، ج ٣ ، ص ٨٥.

(٤) قال العقيلي : كان يقول بالرجعة!

(٥) تهذيب التهذيب ، ج ١ ، ص ٣٦٢ رقم ٦٥٨.

٤٠٨

النجاشي. وقال الأصبغ بن نباتة المجاشعي : كان من خاصّة أمير المؤمنين عليه‌السلام وعمّر بعده ، روى عنه عهد الأشتر ، ووصيّته إلى محمد ابنه.

وهو من العشرة الذين دعاهم الإمام أمير المؤمنين للحضور لديه. فقد روى ابن طاوس من كتاب الرسائل للكليني أنه عليه‌السلام دعا كاتبه عبد الله بن أبي رافع ، فقال : أدخل عليّ عشرة من ثقاتي. فقال : سمّهم لي يا أمير المؤمنين. فقال : أدخل : أصبغ بن نباتة ، وأبا الطفيل عامر بن واثلة الكناني ، وزرّ بن حبيش ، وجويريّة بن مسهّر ... حسبما أوردناه في ترجمة علقمة بن قيس (١).

٢٢ ـ زرّ بن حبيش

الأسدي أبو مريم الكوفي مخضرم أدرك الجاهلية. كان من أصحاب ابن مسعود ، ومن ثقات الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام على ما ذكرنا من حديث العشرة في ترجمة علقمة. قال ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث. قال عاصم : كان زرّ من أعرب الناس. وكان ابن مسعود يسأله عن العربيّة. قال : كان أبو وائل (٢) عثمانيا وكان زرّ علويّا ، وكان مصلّاهما في مسجد واحد ، وكان أبو وائل معظّما لزرّ. قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب : كان قارئا فاضلا. قال أبو جعفر البغدادي : قلت لأحمد : فزرّ وعلقمة والأسود؟ قال : هؤلاء أصحاب ابن مسعود ، وهم الثبت فيه. مات سنة (٨٣) ، وكان ابن (١٢٧) (٣).

__________________

(١) معجم رجال الحديث ، ج ٣ ، ص ٢١٩ رقم ١٥٠٩.

(٢) هو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي. أدرك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يره. قال عاصم : قيل لأبي وائل : أيهما أحب إليك ، عليّ أو عثمان؟ قال : كان عليّ أحب إليّ ثم صار عثمان! مات بعد الجماجم سنة (٨٢) (تهذيب التهذيب ، ج ٤ ، ص ٣٦١ رقم ٦٠٩)

(٣) تهذيب التهذيب ، ج ٣ ، ص ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، رقم ٥٩٧.

٤٠٩

٢٣ ـ ابن أبي ليلى

هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري ، أبو عبد الرحمن الكوفي الفقيه ، قاضي الكوفة. قال أبو حاتم ، عن أحمد بن يونس ، ذكره زائدة ، فقال : كان أفقه أهل الدنيا. وقال العجلي كان فقيها صاحب سنّة ، صدوقا جائز الحديث ، وكان عالما بالقرآن ، وكان من أحسب الناس ، وكان جميلا نبيلا. وأوّل من استقضاه على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي. قيل : كان سيّئ الحفظ ولا سيما عند ما اشتغل بالقضاء فساء حفظه. قالوا : لا يتّهم بشيء من الكذب ، وإنما ينكر عليه كثرة الخطاء. قال الساجي : كان سيّئ الحفظ لا يتعمد الكذب ، فكان يمدح في قضائه ، فأمّا في الحديث فلم يكن حجة. قال : وكان الثوري يقول : فقهاؤنا ابن أبي ليلى وابن شبرمة. وقال ابن خزيمة ليس بالحافظ ، وإن كان فقيها عالما. توفّي سنة (١٤٨) (١).

٢٤ ـ عبيدة بن قيس بن عمرو السلماني

كان من أصحاب عليّ عليه‌السلام وابن مسعود. أسلم قبل وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسنتين ، ولم يلقه. كان ابن سيرين من أروى الناس عنه : وكان يقول : أدركت الكوفة وبها أربعة ممّن يعدّ في الفقه ، وعدّه ابن المديني في الفقهاء من أصحاب ابن مسعود. قال ابن نمير : وكان شريح إذا أشكل عليه الأمر كتب إلى عبيدة. توفّي سنة (٧٢) (٢).

__________________

(١) تهذيب التهذيب ، ج ٩ ، ص ٣٠١ ـ ٣٠٣ رقم ٥٠١.

(٢) المصدر ، ج ٧ ، ص ٨٤ رقم ١٨٥.

٤١٠

٢٥ ـ الربيع بن أنس البكري

ويقال : الحنفي البصري ثم الخراساني. روى عن أنس بن مالك وأبي العالية والحسن البصري ، وأرسل عن أمّ سلمة. وعنه أبو جعفر الرازي والأعمش ومقاتل بن حيان وغيرهم. قال العجلي وأبو حاتم : صدوق. وقال ابن معين : كان يتشيّع فيفرط. وذكره ابن حبّان في الثقات. توفّي سنة (١٣٩ أو ١٤٠) (١).

٢٦ ـ الحارث بن قيس الجعفي الكوفي

من أصحاب ابن مسعود ، وكانوا معجبين به قال. عليّ بن المديني : قتل مع عليّ عليه‌السلام ، وعدّه ابن حبان في الثقات (٢).

٢٧ ـ قتادة بن دعامة

قتادة بن دعامة ، أبو الخطاب السّدوسي البصري ، ولد أكمه (٣). كان تابعيّا وعالما كبيرا ، كان فقيه أهل البصرة عالما بالأنساب وأشعار العرب. قال أبو عبيدة : كان أجمع الناس ، وكان ينيخ على باب داره كل يوم من يأتيه فيسأله عن خبر أو نسب أو شعر (٤). وكان أحفظ الناس ، لا ينسى ما حفظه أو قرئ عليه ولو مرة واحدة. قال عليّ بن المديني : انتهى علم البصرة إلى يحيى بن أبي كثير ، وقتادة. كما انتهى علم الكوفة إلى أبي إسحاق ، والأعمش. وانتهى علم الحجاز إلى ابن شهاب ، وعمرو بن دينار (٥).

__________________

(١) تهذيب التهذيب ، ج ٣ ، ص ٢٣٨ رقم ٤٦١.

(٢) المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ١٥٤ رقم ٢٦٦.

(٣) الأكمه : الذي ولد أعمى.

(٤) وفيات الأعيان لابن خلكان ، ج ٤ ، ص ٨٥ رقم ٥٤١.

(٥) المصدر نفسه ، ج ٦ ، ص ١٤٠ رقم ٧٩١.

٤١١

قال مطر بن الورّاق : ما زال قتادة متعلّما حتى مات (١). قال قتادة : ما قلت لمحدّث قطّ : أعد عليّ. وما سمعت أذناي شيئا قطّ ، إلّا وعاه قلبي. وقال : ما في القرآن آية إلّا قد سمعت فيها بشيء.

قال أبو حاتم : سمعت أحمد بن حنبل وذكر قتادة ، فأطنب في ذكره ، فجعل ينشر من علمه وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير ، ووصفه بالحفظ والفقه. وقال : قلّما تجد من يتقدّمه ، أمّا المثل فلعلّ. وقال الأثرم : سمعت أحمد يقول : كان قتادة أحفظ أهل البصرة ، لم يسمع شيئا إلّا حفظه. وقرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها ، وكان يقول : الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر. وقال له سعيد بن المسيّب ـ لما رأى منه العجيب من حفظه ـ : ما كنت أظنّ أنّ الله خلق مثلك.

وقال ابن حبّان ـ في الثقات : كان من علماء الناس بالقرآن والفقه ومن حفّاظ أهل زمانه (٢).

كانت ولادته سنة (٦١) قال أبو إسحاق إبراهيم بن علي الذهلي : ولد عمر بن عبد العزيز ، وهشام بن عروة ، والزهري ، وقتادة ، والأعمش ، ليالي قتل الحسين ابن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام ، وكانت شهادته عليه‌السلام يوم عاشوراء سنة (٦١) للهجرة (٣). وتوفّي بواسط في الطاعون سنة (١١٨).

وغمز فيه بأنه كان يقول بالقدر. قال ابن سعد : كان ثقة ، مأمونا ، حجّة في

__________________

(١) تهذيب التهذيب ، ج ٨ ، ص ٣٥٣ رقم ٦٣٥. والجرح والتعديل ، ج ٧ (ج ٣ ، ق ٢) ، ص ١٣٣ ـ ١٣٥. رقم ٧٥٦.

(٢) تهذيب التهذيب ، ج ٨ ، ص ٣٥٤ ـ ٣٥٥. وطبقات ابن سعد ، ج ٧ ، ق ٢ ، ص ١.

(٣) الوفيات ، ج ٦ ، ص ٨٠ رقم ٧٨١.

٤١٢

الحديث ، وكان يقول بشيء من القدر. وأخرج ابن خلكان عن أبي عمرو بن العلاء ، قال : حسبك قتادة ، فلولا كلامه في القدر (١).

ولكن مع ذلك فقد اعتمده القوم واعتبروه حجة في الحديث ، كما قال ابن سعد. قال عليّ بن المديني : قلت ليحيى بن سعيد : إنّ عبد الرحمن يقول : أترك كل من كان رأسا في بدعة ، يدعو إليها. قال : كيف تصنع بقتادة ، وابن أبي رواد ، وعمر ابن ذرّ؟! وذكر قوما ، ثم قال يحيى : إن تركت هذا الضرب ، تركت ناسا كثيرا (٢).

قلت : رميه بالقدر ، أو شيء من القدر ، إنّما جاء من قبل قوله بالعدل ، حسبما كان يقوله شيخه الحسن البصري ، على ما تقدم في ترجمته. وكانت العامّة ممّن تأثّروا بمذهب أبي موسى الأشعري وحفيده أبي الحسن الأشعري ، كانوا يرون خلاف ذلك ، وأنّ الأفعال كلها مخلوقة لله وعن إرادته ، وليس للعبد اختيار في عمله ... عقيدة جاهلية أولى ، كانت تمكّنت من نفوس العرب ، ولم تكد تنخلع بعد ، ما دامت العامة وعلى رأسهم الأشعريّان ، منحرفين عن تعاليم آل بيت الرسول ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ.

هذا ، وقد عرف قتادة السدوسي بالولاء لأهل البيت وعلى رأسهم الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وفي التاريخ منه مواقف مشرّفة سجّلها أهل السير والحديث :

أخرج ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني بإسناده عن أبان بن عثمان البجلي ، قال : حدّثني الفضيل البرجمي ، قال : كنت بمكة ، وخالد بن عبد الله

__________________

(١) الطبقات ، ج ٧ ، ق ٢ ، ص ١. والوفيات ، ج ٤ ، ص ٨٥.

(٢) تهذيب التهذيب ، ج ٨ ، ص ٣٥٣.

٤١٣

القسري (١) أمير ، وكان في المسجد عند زمزم ، فقال : ادعوا لي قتادة ، فجاء شيخ أحمر الرأس واللّحية ، فدنوت لأسمع.

فقال خالد : يا قتادة ، أخبرني بأكرم وقعة كانت في العرب ، وأعزّ وقعة كانت في العرب ، وأذلّ وقعة كانت في العرب!

فقال قتادة : أصلح الله الأمير ، أخبرك بأكرم وقعة ، وأعزّ وقعة ، كانت في العرب واحدة!

فقال خالد : ويحك ، واحدة؟! قال : نعم ، أصلح الله الأمير. قال : أخبرني؟

قال قتادة : بدر! قال : وكيف ذا؟ قال : إن بدرا أكرم الله بها الإسلام وأهله ، وبها أعزّ الله الإسلام وأهله. فلما قتلت قريش يومئذ ، ذلّت العرب ؛ فكانت أذلّ وقعة في العرب.

فقال له خالد : كذبت لعمر الله ، إن كان ، في العرب يومئذ من هو أعزّ منهم (٢).

ثم قال خالد : ويلك يا قتادة ، أخبرني ببعض أشعارهم؟

قال : خرج أبو جهل يومئذ ، وقد أعلم ليرى مكانه ، وعليه عمامة حمراء ، وبيده ترس مذهّب ، وهو يقول :

ما تنقم الحرب الشموس منّي

بازل عامين حديث السنّ

لمثل هذا ولدتني أمّي

__________________

(١) كان عاملا لهشام بن عبد الملك على العراقين. وكان ملحدا زنديقا مخنّثا عدوّا للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام. كان يقول : لو أمرني هشام بتخريب الكعبة لهدّمتها ونقلت حجارتها إلى الشام. كان أبوه من أصل يهود تيماء. وكان أبوه عبد الله بن يزيد مع معاوية في صفّين. وكانت أمّه رومية نصرانية ، كان بنى لها قبّة في مسجد الكوفة ، وكان إذا أذن المؤذّن ضرب لها الناقوس ، وإذا خطب الخطيب رفع النصارى أصواتهم حولها. (سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٤٠٦ ـ خ ل د)

(٢) غلبته حميّة جاهلية ، فلم يرضه الاعتراف بمذلّة العرب يومذاك.

٤١٤

فقال خالد : كذب عدوّ الله ، إن كان ، ابن أخي لأفرس منه ، يعني خالد بن الوليد ، وكانت أمه من بني قسر. ويلك يا قتادة ، من الذي كان يقول : أوفي بميعادي وأحمي عن حسب؟

فقال : أصلح الله الأمير ، ليس هذا يومئذ ، هذا يوم أحد ، خرج طلحة بن أبي طلحة ، فخرج إليه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وهو يقول :

أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب

وهاشم المطعم في العام السغب

أوفي بميعادي وأحمي عن حسب وهنا لم يتحمل خالد سماع منقبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام فقال ـ مغضبا ـ : كذب لعمري أبو تراب ، ما كان كذلك.

فعند ذلك قام قتادة ، وقال : أيها الأمير ، ائذن لي في الانصراف ، فجعل يفرج بيده ويخرج وهو يقول : زنديق وربّ الكعبة ، زنديق وربّ الكعبة (١).

قال المحدّث القمّي : هذا ينبؤك عن ولاء قتادة للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

وله أيضا مع الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام مواقف نذكر منها :

أخرج الكليني أيضا بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي ، قال : كنت جالسا في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل رجل ، فقال لي : أتعرف أبا جعفر؟ قلت : نعم ، فما حاجتك؟ قال : هيّأت له أربعين مسألة أسأله عنها ، فما كان من حق أخذته ، وما كان من باطل تركته. فما انقطع كلامه حتى أقبل أبو جعفر وحوله أهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحجّ. فمضى حتى جلس مجلسه ، وجلس الرجل

__________________

(١) روضة الكافي (ج ٨ ، ص ١١١ ـ ١١٣) الحديث رقم ٩١. والبحار ، ج ١٩ ، ص ٢٩٨ ـ ٣٠٠.

(٢) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٤٠٥ (ق ت د)

٤١٥

قريبا منه. فلما انصرف الناس ، التفت أبو جعفر إليه ، فقال له : من أنت؟ قال : أنا قتادة بن دعامة البصري.

فقال له أبو جعفر : أنت فقيه أهل البصرة؟ قال : نعم ، فقال : ويحك يا قتادة ، إن الله تعالى خلق خلقا من خلقه ، فجعلهم حججا على خلقه ، وهم أوتاد في أرضه ، قوّام بأمره ، نجباء في علمه ، اصطفاهم قبل خلقه أظلّة عن يمين عرشه.

فسكت قتادة طويلا ، ثم قال : أصلحك الله ، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء ، وقدّام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ، ما اضطرب قدّامك! فقال أبو جعفر : أتدري أين أنت؟ بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال ، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فأنت ثمّ ونحن أولئك! فقال قتادة : صدقت والله ، جعلني الله فداك ، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين (١).

وأخرج ـ أيضا ـ عن زيد الشحّام ، قال : دخل قتادة على أبي جعفر عليه‌السلام وجرى بينهما كلام حتى انتهى إلى تأويل قوله تعالى : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ. سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ)(٢) ، فقال له الإمام : ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال ، يروم هذا البيت ، عارفا بحقّنا ، يهوانا قلبه ، كما قال عزوجل :

__________________

(١) الكافي الشريف ، ج ٦ ، ص ٢٥٦ من كتاب الأطعمة. والبحار ، ج ١٠ ، ص ١٥٤ ، رقم ٤ وج ٢٣ ص ٣٢٩ رقم ١٠.

(٢) سبأ / ١٨.

٤١٦

(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)(١). ولم يعن البيت فيقول إليه : فنحن والله دعوة إبراهيم عليه‌السلام من هوانا قلبه قبلت حجّته. يا قتادة ، فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنّم يوم القيامة.

قال قتادة : لا جرم ، والله لا فسّرتها إلّا هكذا. فقال له أبو جعفر : يا قتادة ، إنما يعرف القرآن من خوطب به (٢).

قلت : هذا النمط من الكلام يعدّ من أسرار الولاية ، لا يبوحون به إلّا لأصحاب السرّ ... ولا سيّما مع إذعان قتادة لهذا الخطاب وتحمّله هذا العتاب واستسلامه للأمر. ولعلّ انقداحة حصلت في نفسه بعد هذا التقريع ، وهكذا تفعل الموعظة بأهلها إن صادقت نفوسا مستعدّة.

له كتاب في التفسير. ويرى فؤاد سزكين أنه ربّما كان تفسيرا كبيرا ضخما. فقد استخدمه الخطيب البغدادي ، كما في مشيخته. قال شواخ : واستخدمه الطبري أكثر من (٣٠٠٠) ثلاثة آلاف مرة. وربّما نقل كل مادته نقلا ، بالرواية التالية : «حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة». وقد عرف الثعلبي عدا ذلك روايتين أخريين لهذا الكتاب ، كما يظهر من كتابه «الكشف والبيان» (٣).

٢٨ ـ زيد بن أسلم

أبو أسامة العدوي المدني ، الفقيه المفسّر ، أحد الأعلام. كان مولى عمر بن

__________________

(١) إبراهيم / ٣٧.

(٢) روضة الكافي (ج ٨ ، ص ٣١١ ـ ٣١٢) حديث رقم ٤٨٥ ـ والبحار ، ج ٢٤ ، ص ٢٣٧ رقم ٦ ، وج ٤٦ ، ص ٣٤٩ رقم ٢.

(٣) معجم مصنّفات القرآن الكريم ، ج ٢ ، ص ١٦٣ رقم ٩٩٩.

٤١٧

الخطاب ، وبرع حتى أصبح من كبار التابعين المرموقين ، كانت له حلقة في مسجد المدينة ، يحضرها جلّ الفقهاء ، وربّما بلغوا أربعين فقيها. قال الذهبي : ولزيد تفسير يرويه عنه ولده عبد الرحمن ، وكان من العلماء الأبرار. قال ابن عجلان : ما هبت أحدا هيبتي زيد بن أسلم (١).

قال ابن حجر : أخذ العلم من جماعة ، منهم عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ، قال : وقال يعقوب بن شيبة : ثقة من أهل الفقه والعلم وكان عالما بتفسير القرآن (٢). وقد عدّه الشيخ أبو جعفر الطوسي من أصحاب الإمام السجاد عليه‌السلام ، وقال : كان يجالسه كثيرا (٣) ، وله رواية عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام.

فقد روى ابنه عبد الرحمن عنه عن عطاء بن يسار عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ مسكر حرام ، وكلّ مسكر خمر» (٤).

وروى عبد الرحمن (وفي نسخة عبد الله) عن أبيه زيد بن أسلم عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ، ألا إنّ الله يحبّ بغاة العلم» (٥). ومن ثم عدّه الشيخ في رجال الصادق أيضا (٦).

واستغرب سيدنا الأستاذ الإمام الخوئي ـ دام ظلّه ـ أن يكون زيد مولى عمر ،

__________________

(١) طبقات المفسرين للداودي ، ج ١ ، ص ١٧٦ ـ ١٧٧ رقم ١٧٥. وتقريب ابن حجر ، ج ١ ، ص ٢٧٢.

(٢) تهذيب التهذيب ، ج ٣ ، ص ٣٩٥ و ٣٩٦ رقم ٧٢٨.

(٣) رجال الطوسي ، ص ٩٠ رقم ٥.

(٤) الكافي الشريف ، ج ٦ ، ص ٤٠٨ ، رقم ٣.

(٥) المصدر نفسه ، ج ١ ، ص ٣٠ أول حديث في فرض العلم وفضله.

(٦) رجال الطوسي ، ص ١٩٧ رقم ٢٢.

٤١٨

ويدرك الصادق عليه‌السلام (١).

لكن زيدا توفّي سنة (١٣٦) (٢). وكانت إمامة مولانا الصادق عليه‌السلام بعد وفاة أبيه الباقر عليه‌السلام من سنة (١١٤) حتى نهاية عام (١٤٨) هذا ، وقد أخذ على زيد أنه كان يكثر من التفسير برأيه. قال الذهبي : تناكد (٣) ابن عديّ بذكره في الكامل ، فإنه ثقة حجّة ، فروى عن حماد بن زيد ، قال : قدمت المدينة وهم يتكلّمون في زيد بن أسلم ، فقال لي عبيد الله بن عمر : ما نعلم به بأسا إلّا أنه يفسّر القرآن برأيه (٤).

وقال مالك : كان زيد يحدّث من تلقاء نفسه ، فإذا قام فلا يجترئ عليه أحد! وثّقه أحمد (٥).

قلت : وهذا نظير ما كان يؤخذ على الحسن البصري كثرة إرساله ، والمحذور نفس المحذور ، فتنبّه.

٢٩ ـ أبو العالية

رفيع بن مهران الرياحي البصري ، أدرك الجاهلية ، وأسلم بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسنتين. قال العجلي : تابعي ثقة من كبار التابعين المشهورين بالتفسير. روى عن عليّ عليه‌السلام وعبد الله بن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وعبد الله بن عباس ، وحذيفة ، وأبي ذر ، وأبي أيّوب ، وغيرهم من أكابر الأصحاب ، وهو

__________________

(١) معجم رجال الحديث ، ج ٧ ، ص ٣٣٥ رقم ٤٨٣٣.

(٢) تهذيب التهذيب ، ج ٣ ، ص ٣٩٦.

(٣) التناكد : التضايق والتعاسر.

(٤) ميزان الاعتدال ، ج ٢ ، ص ٩٨ رقم ٢٩٨٩.

(٥) خلاصة تذهيب التهذيب ، ص ١٢٧.

٤١٩

مجمع على وثاقته.

قال ابن أبي داود : ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقراءة من أبي العالية ، وبعده سعيد بن جبير ، وبعده السدّي ، وبعده الثوري. مات سنة (٩٣) ، وهو أوّل من أذّن بما وراء النهر (١).

وقال الحافظ شمس الدين الداودي : قرأ القرآن على أبيّ بن كعب وغيره ، وسمع من ابن مسعود وعليّ وطائفة. وعنه قتادة وخالد الحذّاء والربيع بن أنس وأبو عمرو بن العلاء وطائفة.

وعن أبي خلدة عنه قال : كان ابن عباس يرفعني على سريره ، وقريش أسفل منه ، ويقول : هكذا العلم ، يزيد الشريف شرفا ، ويجلس المملوك على الأسرّة.

قال : ثقة كثير الإرسال ، وله تفسير رواه عنه الربيع بن أنس البكري ، خرّج حديثه الجماعة (٢).

وقال السيوطي : وتروى عن أبيّ بن كعب نسخة كبيرة في التفسير ، يرويها أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبيّ. قال : وهذا إسناد صحيح ، وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم منها كثيرا. وكذا الحاكم في مستدركه ، وأحمد في مسنده (٣).

قال الدكتور شوّاخ ـ عند الكلام عن تفسير الربيع بن أنس البكري البصري الخراساني المتوفّى سنة (١٣٩) : وقد أخذ منه الثعلبي في كتابه «الكشف والبيان»

__________________

(١) تهذيب التهذيب ، ج ٣ ، ص ٢٨٤ ـ ٢٨٦.

(٢) طبقات المفسرين ، ج ١ ، ص ١٧٢ ـ ١٧٣ رقم ١٧٠.

(٣) الإتقان ، ج ٤ ، ص ٢٠٩ ـ ٢١٠.

٤٢٠