التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ١

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

.. قال : وأتى عليّ بن الحسين عليهما‌السلام يوما الحسن البصري ، وهو يقصّ عند الحجر ، فقال : أترضى يا حسن نفسك للموت؟ قال : لا ، قال : فعملك للحساب؟ قال : لا ، قال : فثمّ دار للعمل غير هذه الدار؟ قال : لا ، قال : فلله في أرضه معاذ غير هذا البيت؟ قال : لا ، قال : فلم تشغل النّاس عن التّطواف؟ (١).

ورواه ابن خلكان بتبديل لفظ «يا حسن» ب «يا شيخ» ، وعقّبه : فما قصّ الحسن بعدها (٢).

وذكر أبو محمد الحسن بن علي ابن شعبة الحرّاني (من أعلام القرن الرابع) كتابا للحسن البصري ، بعث به إلى الإمام السبط الأكبر الحسن بن علي عليه‌السلام يسأله عن رأيه في القدر والاستطاعة ، وفي مفتتح الكتاب ما ينبئ عن ولاء صميم وعقيدة ثابتة كان يحملها لآل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء فيه :

«أمّا بعد فإنكم ـ معشر بني هاشم ـ الفلك الجارية في اللّجج الغامرة ، والأعلام النيّرة الشاهرة ، أو كسفينة نوح التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون.

كتبت إليك يا ابن رسول الله عند اختلافنا في القدر ، وحيرتنا في الاستطاعة. فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك عليهم‌السلام فإنّ من علم الله علمكم ، وأنتم شهداء على الناس ، والله الشاهد عليكم ، ذرّية بعضها من بعض ، والله سميع عليم (٣).

__________________

(١) أمالي المرتضى ، ج ١ ، ص ١٥٣ و ١٦٢.

(٢) وفيات الأعيان ، ج ٢ ، ص ٧٠.

(٣) تحف العقول (غفاري) ، ص ٢٣١ وذكر الكراجكي في كنز الفوائد ، ص ١٧٠ مع اختلاف يسير.

٣٨١

وروى الصدوق بإسناده في أماليه عن أبي مسلم ، قال : خرجت مع الحسن البصري وأنس بن مالك حتى أتينا باب أمّ سلمة. فقعد أنس على الباب ودخلت مع الحسن ، فسمعت الحسن وهو يقول :

السلام عليك يا أمّاه ورحمة الله وبركاته! فقالت : وعليك السلام ، من أنت يا بنيّ؟

فقال الحسن : أنا الحسن البصري.

فقالت : فيما جئت يا حسن!

فقال لها : جئت لتحدّثيني بحديث سمعتيه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

فقالت أم سلمة : والله لأحدثنّك بحديث سمعته أذناي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلّا فصمّتا ، ورأته عيناي وإلّا فعميتا ، ووعاه قلبي وإلّا فطبع الله عليه ، وأخرس لساني إن لم يكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام :

«يا علي ، ما من عبد لقي الله يوم يلقاه جاحدا لولايتك إلا لقي الله بعبادة صنم أو وثن».

قال أبو مسلم : فسمعت الحسن البصري وهو يقول : الله أكبر ، أشهد أنّ عليّا مولاي ومولى المؤمنين.

فلما خرج قال له أنس بن مالك : ما لي أراك تكبّر؟! قال : سألت أمّنا أمّ سلمة أن تحدّثني بحديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ ، فقالت لي : كذا وكذا ... فقلت : الله أكبر أشهد أنّ عليا مولاي ومولى كلّ مؤمن.

قال أبو مسلم : فسمعت عند ذاك أنس بن مالك وهو يقول : أشهد على رسول

٣٨٢

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال هذه المقالة ثلاث مرات أو أربع مرات (١).

وأمّا القول بالقدر ، ـ حسبما يفسّره أهل العدل ـ (٢) فقد عرفت من السيّد نسبته إليه ، قال : «وأحد من تظاهر من المتقدمين بالقول بالعدل الحسن البصري ؛ قال : كل شيء بقضاء الله وقدره إلّا المعاصي» (٣).

ولكن الأشاعرة ـ وهم جمهور أهل السنّة ـ لم يرقهم ذلك بشأن مثل الحسن البصري الإمام المعترف به لدى الجميع ، فجعلوا يتأوّلون كلامه في ذلك أو يحملونه على رأيه القديم ، وقد تاب منه ورجع إلى رأي الجماعة ، كما زعموا.

قال أبو عبد الله الذهبي : وأما مسألة «القدر» فصحّ عنه الرجوع عنها ، وأنها كانت زلقة لسان (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٤٢ ، ص ١٤٢ ـ ١٤٣ رقم ٤ عن أمالي الصدوق مجلس ٤٧ (ط نجف) ، ص ٣٨٩.

(٢) وهم المعتزلة والإمامية من الشيعة. قالوا : كل شيء بقضاء الله وقدره ، وحتى أفعال العباد الاختياريّة ، إنما تقع بإقداره تعالى ، وإن كانت المعاصي إنما تقع منهيّا عنها غير مرضيّة لديه تعالى ، وإن المكلّفين إنما يرتكبونها عن اختيارهم وعن إقداره تعالى ، اختبارا لهم وتصحيحا للتكليف. وهذا معنى قول الحسن : «كل شيء بقضاء الله وقدره إلّا المعاصي» ، لأنّ الله لا يرضى لعباده الكفر ، فكيف يجبرهم عليه؟! (وقد عرفت فيما نقلناه عن الكراجكي في كتابه إلى الحجاج) فالمعصية إنّما تقع لا عن رضى الله وكانت منهيّا عنها البتة ، غير أنّ الله تعالى أقدر العباد على فعلها اختبارا ، ولولاه لم يصحّ التكليف ولا الذمّ والعقاب.

أما الأشاعرة فراقهم القول بأن «الخير والشر» كليهما من الله ، يقعان وفق إرادته تعالى ، السابقة على إرادة العباد. وأنّ كل ذلك من فعل الله وليس من فعل العبد في شيء.! (الملل والنحل للشهرستاني ، ج ١ ، ص ٩١ ـ الأشعرية ـ)

(٣) أمالي المرتضى ، ج ١ ، ص ١٥٣.

(٤) ميزان الاعتدال ، ج ١ ، ص ٤٨٣ عند ترجمة سميّة البغدادي برقم ١٨٢٨.

٣٨٣

وروى ابن سعد عن حماد بن زيد عن أيّوب ، قال : نازلت الحسن في القدر غير مرّة ، حتى خوّفته السلطان ، فقال : لا أعود فيه بعد اليوم. وعن أبي هلال ، قال : سمعت حميدا وأيّوب يتكلّمان ، فسمعت حميدا يقول لأيّوب : لوددت أنّه قسم علينا غرم ، وأن الحسن لم يتكلم بالذي تكلّم به ، قال أيّوب : يعني في القدر! (١).

قال عبد الكريم الشهرستاني : ورأيت رسالة نسبت إلى الحسن البصري كتبها إلى عبد الملك بن مروان (٢) وقد سأله عن القول بالقدر والجبر ، فأجابه فيها بما يوافق مذهب القدرية. واستدل فيها بآيات من الكتاب ودلائل من العقل. قال : ولعلّها لواصل بن عطاء ، فما كان الحسن ممّن يخالف السلف في أن القدر خيره وشرّه من الله تعالى. فإن هذه الكلمات كالمجمع عليها عندهم. قال : والعجب أنه حمل هذا اللفظ (الخير والشر كلّه من الله) الوارد في الخبر ، على البلاء والعافية ، والشدة والرخاء ، والمرض والشفاء ، والموت والحياة ، إلى غير ذلك من أفعال الله تعالى ، دون الخير والشر ، والحسن والقبيح ، الصادرين من اكتساب العباد ، وكذلك أورده جماعة من المعتزلة في المقالات عن أصحابهم (٣).

وللحسن البصري آراء معروفة في التفسير ، وكانت روايته المشهورة عن طريق عمرو بن عبيد المعتزلي (توفّي سنة ١٤٤) ، واستخدمه الثعلبي في كتابه

__________________

(١) الطبقات ، ج ٧ ، ق ١ ، ص ١٢٢.

(٢) ينسب له القاضي عبد الجبار رسالة في العدل والتوحيد ، أرسلها إلى عبد الملك بن مروان. (هامش الأصول الخمسة ، ص ١٣٧) قال المحقق التستري : والرسالة رأيتها في مكتبة الطهراني بكربلاء ، وهي كما قال الشهرستاني رسالة حسنة مشتملة على أدلّة متقنة. (قاموس الرجال ، ج ٣ ، ص ١٣٧)

(٣) الملل والنحل ، ج ١ ، ص ٤٧.

٣٨٤

«الكشف والبيان». وتوجد منه بقايا في تاريخ الطبري بهذه الرواية : «حدّثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن ...». قال شواخ : ويبدو أن الطبري كان يستخدم نقول ابن إسحاق ، كما قال فؤاد سزكين. وتوجد بقايا كثيرة من هذا الكتاب في كتب التفسير (١).

وله أيضا «نزول القرآن» وكتاب «العدد في القرآن» ، على ما ذكره الشيخ حسن خالد (٢).

١٠ ـ علقمة بن قيس

أبو شبل أو أبو شبيل النخعي الكوفي ، كنّاه بذلك عبد الله بن مسعود ؛ إذ كان علقمة عقيما لا يولد له. ولد في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، روى عن علي عليه‌السلام وابن مسعود ـ وكان خصّيصا به ـ وحذيفة وأبي الدرداء وسلمان (رضي الله عنهم) وروى عنه ابن أخيه الأسود بن يزيد بن قيس ، وابن اخته إبراهيم بن يزيد النخعي ، وإبراهيم بن سويد النخعي ، وعامر الشعبي ، وأبو وائل شقيق بن سلمة.

وشهد صفّين مع علي عليه‌السلام ، وقاتل حتى خضب سيفه دما ، وعرجت رجله ، وأصيب أخوه أبيّ بن قيس. وكان يقال له : أبيّ الصلاة ، قيل له ذلك لكثرة صلاته.

قال نصر بن مزاحم : وقطعت رجل علقمة بن قيس الفقيه ، فكان يقول : ما أحبّ ؛ أن رجلي أصحّ ما كانت ، لما أرجو بها من حسن الثواب من ربّي. ولقد كنت أحب أن أبصر في نومي أخي وبعض إخواني ، فرأيت أخي في النوم ، فقلت له : يا أخي ، ما ذا قدمتم عليه؟ فقال : التقينا نحن والقوم فاحتججنا عند الله عزّ

__________________

(١) معجم مصنفات القرآن الكريم ، ج ٢ ، ص ١٦١ رقم ٩٩٦.

(٢) معجم المفسرين ، ج ١ ، ص ١٤٨.

٣٨٥

وجلّ فحججناهم. فما سررت بشيء مذ عقلت ، كسروري بتلك الرؤيا (١).

قال الخطيب : وكان علقمة مقدّما في الفقه والحديث ، وورد المدائن في صحبة علي عليه‌السلام ، وشهد معه حرب الخوارج بالنهروان. وعن الأعمش عن مسلم البطين ، قال : رؤي علقمة خاضبا سيفه يوم النهروان مع علي عليه‌السلام ، كما شهد صفين أيضا مع علي عليه‌السلام (٢).

وغزا خراسان وأقام بخوارزم سنتين ، ودخل مرو فأقام بها مدّة. قال ابن سعد : كانت سنتين أيضا.

كان علقمة أعلم الناس بعبد الله بن مسعود ، وكان أحد الستّة من أصحاب عبد الله الذين يقرءون الناس ويعلّمونهم السنّة ، ويصدر الناس عن رأيهم (٣). وكان أشبه الناس بابن مسعود ، هديا وسمتا ودلّا. قال أبو المثنى رياح : إذا رأيت علقمة فلا يضرّك أن لا ترى عبد الله ، أشبه الناس به سمتا وهديا. وإذا رأيت إبراهيم فلا يضرّك أن لا ترى علقمة. وكان من الربانيين ، على حدّ تعبيرهم.

وكان ابن مسعود تعجبه قراءة علقمة ، كان حسن الصوت. فكان يقول له : زدنا فداك أبي وأمّي ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : حسن الصوت زينة للقرآن. وكان يقول : رتّل فداك أبي وأمّي! وكان عبد الله يقول : ما أقرأ شيئا ولا أعلّمه إلّا علقمة يقرؤه ويعلّمه. قال الشعبي : إن كان أهل بيت خلقوا للجنة

__________________

(١) وقعة صفين لنصر بن مزاحم ، ص ٢٨٧.

(٢) تاريخ بغداد ، ج ١٢ ، ص ٢٩٧.

(٣) وهم : علقمة بن قيس ، والأسود بن يزيد ، ومسروق بن الأجدع ، وعبيدة بن قيس بن عمرو السلماني ، وعمرو بن شرحبيل ، والحارث بن قيس الجعفي ، قتل مع عليّ (ع) (تاريخ بغداد ، ج ١٢ ، ص ٢٩٩)

٣٨٦

فهم أهل هذا البيت علقمة والأسود.

كان علقمة قويّ الحافظة ، قال : ما حفظت وأنا شابّ فكأنما أقرأه في ورقة.

وكان يتحاشا فضول الأمراء والسلاطين. كان يقول : لا أصيب من دنياهم شيئا إلّا أصابوا من ديني أفضل منه.

أخرج ابن سعد بإسناده إلى إبراهيم النخعي : أن أبا بردة (ابن أبي موسى الأشعري) كتب علقمة في الوفد إلى معاوية. فكتب إليه علقمة : امحني ، امحني. ولمّا جمعت لابن زياد البصرة والكوفة ، سأل أبا وائل أن يصحبه ، قال فأتيت علقمة ، فقال لي : اعلم أنك لا تصيب منهم شيئا إلّا أصابوا منك أفضل منه.

كان يقول : تذاكروا العلم ، فإن حياته ذكره. وكان ثقة كثير الحديث ، مجمعا على وثاقته.

ومن حسن معاشرته مع أهله أنه كان يقول لامرأته : اطعمينا من ذلك الهنيء المريء ، إشارة إلى قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)(١).

توفّي بالكوفة سنة (٦٢) في ولاية عبيد الله بن زياد في خلافة يزيد (٢).

وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) قال الكشّي :

__________________

(١) النساء / ٤.

(٢) الطبقات ، ج ٦ ، ص ٥٧ ـ ٦٢. وتهذيب التهذيب ، ج ٨ ، ص ٢٧٧ ـ ٢٧٨. وتاريخ بغداد ، ج ١٢ ، ص ٢٩٦ ـ ٣٠٠.

(٣) رجال الطوسي ، ص ٥٠ رقم ٧٢ وص ٥٣ رقم ١١٥ وفيه : قتل بصفين وأخوه أبي بن قيس.

وهكذا نقل عنه ابن داود (ص ١٣٤ رقم ١٠٠٧) وزاد : هو وأخوه. وهكذا العلّامة في الخلاصة

٣٨٧

وكان علقمة فقيها في دينه ، قارئا لكتاب الله ، عالما بالفرائض. شهد صفّين وأصيبت إحدى رجليه فعرج منها. وكان الحارث أخوه أيضا فقيها جليلا ، وكان أعور. وأما أخوه الآخر أبيّ بن قيس فقتل يوم صفّين (١).

كان علقمة بن قيس من الثقات العشرة الذين خصّوا بالإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد روى ثقة الإسلام الكليني في كتاب الرسائل عن عليّ بن إبراهيم القمي بإسناده ، قال : كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام كتابا بعد منصرفه من النهروان ، أعرب فيه عن موضعه في إمرة المؤمنين. وأشهد عليه ثقاته من أصحابه المقرّبين ، وأمر كاتبه عبيد الله بن أبي رافع أن يقرأه على ملإ من الناس.

قال : فدعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع ـ وكان أبو رافع كاتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فقال له : أدخل عليّ عشرة من ثقاتي ، فقال : سمّهم لي يا أمير المؤمنين ، فقال : أدخل : أصبغ بن نباتة ، وأبا الطفيل عامر بن واثلة الكناني ، وزرّ بن حبيش الأسدي ، وجويرية بن مسهّر العبدي ، وخندف بن زهير الأسدي ، وحارثة بن مضرب الهمداني ، والحارث بن عبد الله الأعور الهمداني ، (ومصباح النخعي (٢)) وعلقمة بن قيس ، وكميل بن زياد ، وعمير بن زرارة ، فدخلوا عليه

__________________

(ص ١٢٩ رقم ٥).

قلت : والظاهر زيادة الواو في نسخة الشيخ زيادة من نساخ الكتاب. لأن علقمة أصيب برجله في صفين ولم يقتل. وتوفّي سنة (٦٢ أو ٧٢) والمقتول أخوه أبيّ بن قيس. فالصحيح في العبارة : «قتل بصفّين أخوه أبيّ بن قيس» والله العاصم.

(١) رجال الكشّي ، ص ٩٣ رقم ٣٦ و ٣٧ و ٣٨.

(٢) زيادة في طبعة النجف. ليست في نسخة صاحب الوسائل ، وهي الصحيحة ، لأنه زيادة على العشرة. ولم يعهد من أصحابه عليه‌السلام من يحمل هذا الاسم ، لكن في عبارة المامقاني ما يدلّ على أنه

٣٨٨

الخ (١).

وعدّه الفضل بن شاذان من التابعين الكبار ومن رؤسائهم وزهّادهم. روى الكشّي عنه قال : ومن التابعين الكبار ورؤسائهم وزهّادهم : جندب بن زهير ، وعبد الله بن بديلة ، وحجر بن عديّ ، وسليمان بن صرد ، والمسيّب بن نجيّة ، وعلقمة ، والأشتر ، وسعيد بن قيس ، وأشباههم كثير. أفناهم الحرب ، ثم كثروا بعد ذلك حتى قتلوا مع الحسين عليه‌السلام ، وبعده (٢).

١١ ـ محمد بن كعب القرظي (٣)

أبو حمزة ، وقيل : أبو عبد الله ، المدني. سكن الكوفة ثم المدينة. وقال في الخلاصة : المدني ثم الكوفي أحد العلماء. قال ابن عون : ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي (٤). وقال ابن سعد ـ في ترجمة أبي بردة ـ : روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : سيخرج من الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد بعده. قال ربيعة : فكنّا نقول : هو محمد بن كعب القرظي ، والكاهنان قريظة والنضير (٥).

__________________

وصف لعلقمة هكذا : ومصباح النخع علقمة بن قيس ، وهو من أجمل الأوصاف وصفه به الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام على ذلك الفرض. راجع : تنقيح المقال ، ج ٢ ، ص ٢٥٩ رقم ٨٠٧١.

(١) كشف المحجة للسيد رضي الدين أبي القاسم ابن طاوس ، ص ١٧٣ (ط نجف) ورواه صاحب الوسائل (ج ٢٠ ، ص ٨٩) في الفائدة السابعة من الخاتمة.

(٢) رجال الكشّي ، ص ٦٥ رقم ١٩.

(٣) كان أبوه من سبي قريظة ممن لم يحتلم ولم ينبت فخلّوا سبيله. تهذيب التهذيب ، ج ٩ ، ص ٤٢٢ نقلا عن البخاري.

(٤) خلاصة تهذيب التهذيب ، ص ٣٥٧.

(٥) طبقات ابن سعد ، ج ٧ ، ق ٢ ، ص ١٩٣.

٣٨٩

قال ابن حجر : روى عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي ذر ، وأبي الدرداء ، وزيد بن أرقم ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ابن أبي طالب ، والبراء بن عازب ، وجابر بن عبد الله ، وأنس وغيرهم. وعن ابن سعد : كان ثقة عالما كثير الحديث ورعا. وقال العجلي : مدنيّ تابعيّ ثقة ، رجل صالح ، عالم بالقرآن. وقال ابن حبّان : كان من أفاضل أهل المدينة ، علما وفقها.

توفّي سنة (١٠٨) وهو ابن (٧٨) قيل : مات في حادث سقوط سقف المسجد ، فمات هو وجماعة معه تحت الهدم (١).

ملحوظة : قال الترمذي : سمعت قتيبة يقول : بلغني أنّ محمد بن كعب ولد في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال ابن حجر : وهذا لا حقيقة له ، إنما الذي ولد في عهده هو أبوه. أما هو فقد ولد في آخر خلافة علي عليه‌السلام سنة (٤٠) (٢).

قلت : روايته عن علي وابن مسعود وأبي ذر وأمثالهم تدل على سبق ولادته سنة (٤٠) بكثير ، ولا سيّما مع التصريح بأنه مات سنة (١٠٨) وهو ابن (٧٨) فيبدو أنّ ولادته كانت في خلافة عمر سنة (٢٠)

وأيضا روى ابن شهرآشوب بإسناده إلى محمد بن منصور السرخسي عن محمد بن كعب القرظي ، أنه رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام ، وأعطاه (١٨) تمرة ، فتأوّل أنه يعيش (١٨) سنة. فنسي ذلك ، حتى رأى يوما ازدحام الناس على الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه‌السلام وهو في طريقه إلى خراسان ، وبين يديه طبق تمر ، فناوله الإمام (١٨) تمرة. فسأله الزيادة ، فقال : لو زادك جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) تهذيب التهذيب ، ج ٩ ، ص ٤٢٠ ـ ٤٢٢ رقم ٦٨٩.

(٢) المصدر نفسه ، ص ٤٢١ ـ ٤٢٢.

٣٩٠

لزدناك. انتهى ملخّصا (١).

قلت : ولعل هذه القصّة منسوبة إلى ابنه حمزة أو عبد الله أو أحد أحفاده ؛ لأن سفرة الإمام إلى خراسان كانت في سنة (٢٠٠) (٢).

نعم روى الصدوق رحمه‌الله هذه الرواية ناسبا لها إلى أبي حبيب النباجي (٣).

١٢ ـ أبو عبد الرحمن السّلمي

هو عبد الله بن حبيب الكوفي. كان من أصحاب ابن مسعود ، وشهد مع عليّ عليه‌السلام صفّين. كان ثقة كثير الحديث. قال ابن عبد البرّ : هو عند جميعهم ثقة ، وكان قارئا ومعلّما للقرآن (٤). وكان عاصم قد أخذ عنه القراءة عن عليّ عليه‌السلام.

وأخرج ابن عساكر بإسناده إلى أبي بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : «ما رأيت أحدا أقرأ لكتاب الله من عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٥).

وقد ذكرنا حديثه عن تعلّم الصحابة لتفسير القرآن عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦). توفّي سنة (٧٢)

١٣ ـ مسروق بن الأجدع

أبو عائشة الهمداني الوادعي الكوفي ، الفقيه العابد. أخذ العلم عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ولم يتخلّف عن حروبه. وهكذا روى عن ابن مسعود ، وكان خصّيصا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ، ج ٤ ، ص ٣٤٢. والبحار ، ج ٤٩ ، ص ١١٨ ـ ١١٩ رقم ٥ (ط بيروت)

(٢) تتمة المنتهى ، ص ٢٩٤.

(٣) البحار ، ج ٤٩ ، ص ٣٥ رقم ١٥. وعيون أخبار الرضا ، ج ٢ ، ص ٢١٠ ـ ٢١١ (ط نجف)

(٤) تهذيب التهذيب ، ج ٥ ، ص ١٨٣ رقم ٣١٧.

(٥) جامع الأخبار والآثار للأبطحي ، ج ١ ، ص ٢٧٢.

(٦) راجع : الطبري ـ التفسير ـ ، ج ١ ، ص ٢٧ و ٢٨ و ٣٠.

٣٩١

بالتلمذة لديه. وروى عن معاذ بن جبل ، والخبّاب بن الأرت ، وأبيّ بن كعب. كان أبوه الأجدع بن مالك أفرس فارس باليمن ، وكان عمرو بن معديكرب خاله.

قال الشعبي : ما رأيت أطلب للعلم منه. وكان أعلم بالفتوى من شريح ، ومن ثم كان شريح يستشيره إذا أعوزه الرأي.

قال عليّ بن المديني : ما أقدّم على مسروق من أصحاب عبد الله بن مسعود أحدا. وكان من أصحابه الذين يعلّمون الناس السنّة. كان مقرئا ومفتيا معا. قال ابن حجر : مناقبه كثيرة ، (١) مات سنة (٦٣).

وكان على غزارة من العلم ، حريصا على الأخذ من كبار العلماء من صحابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد تقدّم حديث اجتماعه مع أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدهم كالإخاذ ، يروي الواحد الرجل ، ويروي الرجلين ، والعشرة ، والمائة. والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم (٢) ، يعني عليا عليه‌السلام.

واتّهم بالانحراف عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولابن أبي الحديد بشأنه وشأن الأسود بن يزيد الآتي ، وكذا مرّة الهمداني والشعبي كلام ننقله بتفصيله :

قال : ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه‌الله ووجدته أيضا في كتاب «الغارات» لإبراهيم بن هلال الثقفي : وقد كان بالكوفة من فقهائها من يعادي عليّا عليه‌السلام ويبغضه ، مع غلبة التشيّع على الكوفة.

فمنهم مرّة الهمداني. روى أبو نعيم الفضل بن دكين عن فطر بن خليفة ، قال : سمعت مرّة يقول : لأن يكون عليّ جملا يستقي عليه أهله خير له مما كان عليه!

__________________

(١) تهذيب التهذيب ، ج ١٠ ، ص ١٠٩ ـ ١١١.

(٢) مرّ ذلك في صدر الكلام عن تفاوت الصحابة في العلم.

٣٩٢

وعن عمرو بن مرّة ، قال : قيل لمرّة : كيف تخلّفت عن عليّ؟ قال : سبقنا بحسناته ، وابتلينا بسيّئاته.

وروى ابن دكين عن الحسن بن صالح ، قال : لم يصلّ أبو صادق (١) على مرّة الهمداني. وقال ـ في أيام حياته ـ : والله لا يظلّني وإيّاه سقف بيت أبدا. قال : ولما مات لم يحضره عمرو بن شرحبيل (٢) ، قال : لا أحضره لشيء كان في قلبه على عليّ بن أبي طالب. قال إبراهيم بن هلال : فحدّثنا المسعودي عن عبد الله بن نمير بهذا الحديث. قال : ثم كان عبد الله بن نمير (٣) يقول : وكذلك أنا ، والله لو مات رجل في نفسه شيء على عليّ عليه‌السلام لم أحضره ، ولم أصل عليه.

قال : ومنهم الأسود بن يزيد ، ومسروق بن الأجدع. روى سلمة بن كهيل : أنهما كانا يمشيان إلى بعض أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقعان في عليّ عليه‌السلام. فأما الأسود فمات على ذلك. وأما مسروق فلم يمت حتى كان لا يصلّي لله تعالى صلاة إلّا صلّى بعدها على عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، لحديث سمعه من عائشة في فضله (٤).

__________________

(١) ذكر الشيخ فيمن عرف بكنيته من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام أبا صادق. وهو ابن عاصم ابن كليب الجرمي ، عربي كوفي (رجال الطوسي ، ص ٦٣ رقم ١٢) وقال ابن حجر : أزدي كوفي ، اسمه مسلم أو عبد الله. ذكره ابن حبّان في الثقات وكان ورعا مستقيم الحديث. (تهذيب التهذيب ، ج ١٢ ، ص ١٣٠)

(٢) أبو ميسرة الهمداني الكوفي صاحب ابن مسعود ، العابد الزاهد الثقة الجليل مات سنة ٦٣. (تهذيب التهذيب ، ج ٨ ، ص ٤٧)

(٣) أبو هاشم الهمداني الكوفي. قال ابن سعد : كان ثقة. كثير الحديث صدوق. مات سنة ١٩٩ (تهذيب التهذيب ، ج ٦ ، ص ٥٧ ـ ٥٨)

(٤) في مسند أحمد بن حنبل بإسناده عن مسروق قال : قالت لي عائشة : إنك من ولدي ومن أحبّهم

٣٩٣

عن ليث بن أبي سليم ، قال : كان مسروق يقول : كان عليّ كحاطب ليل. قال : فلم يمت مسروق حتى رجع عن رأيه هذا.

وروى سلمة بن كهيل ، قال : دخلت أنا وزبيد اليمامي على امرأة مسروق بعد موته ، فحدّثتنا ، قالت : كان مسروق والأسود بن يزيد يفرطان في سبّ عليّ بن أبي طالب ، ثم ما مات مسروق حتى سمعته يصلّي عليه. وأمّا الأسود فمضى لشأنه. قال : فسألناها : لم ذلك؟ قالت : شيء سمعه من عائشة ، ترويه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمن أصاب الخوارج.

وعن أبي إسحاق ، قال : ثلاثة لا يؤمنون على عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : مسروق ، ومرّة ، وشريح ، وروى أنّ الشعبي رابعهم.

وعن الشعبي : أن مسروقا ندم على إبطائه عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

وروى الكشّي عن أبي الحسن عليّ بن محمد بن قتيبة صاحب الفضل بن

__________________

إليّ ، فهل عندك علم من المخدج؟ (هو ذو الخويصرة ذو الثدية رأس الخوارج) فقلت : نعم ، قتله عليّ ابن أبي طالب ، على نهر يقال لأعلاه : تأمّرا ولأسفله النهروان ، بين لخاقيق وطرفاء. قالت : ابغني على ذلك بيّنة ، فأقمت رجالا شهدوا عندها بذلك ، قال : فقلت لها : سألتك بصاحب القبر ، ما الذي سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم؟ فقالت : نعم سمعته يقول : «إنهم شر الخلق والخليقة ، يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأقربهم عند الله وسيلة».(شرح النهج لابن أبي الحديد ، ج ٢ ، ص ٢٦٧) ،

وفي كتاب صفّين للمدائني ، عن مسروق ، أن عائشة قالت له ـ لما عرفت أنّ عليا عليه‌السلام قتل ذا الثدية ـ : لعن الله عمرو بن العاص ، فإنه كتب إلي يخبرني أنه قتله بالإسكندرية ، ألا إنه ليس يمنعني ما في نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «يقتله خير أمّتي من بعدي».(شرح النهج ، ج ٢ ، ص ٢٦٨)

(١) شرح النهج ، ج ٤ ، ص ٩٦ ـ ٩٨.

٣٩٤

شاذان ، وتلميذه وراوية كتبه ، قال : سئل أبو محمد الفضل بن شاذان عن الزهّاد الثمانية ، فعدّ منهم أربعة كانوا مع عليّ عليه‌السلام زهّادا أتقياء ، وهم : الربيع بن خثيم ، وهرم بن حيّان ، وأويس القرني ، وعامر بن عبد قيس. والأربعة الباقون لم يكونوا على تلك الصفة ، أحدهم مسروق بن الأجدع ، قال : وكان عشّارا لمعاوية. ومات في عمله ذلك ، بموضع أسفل من واسط على دجلة ، يقال له : الرصافة ، وقبره هناك (١).

وروى الطبري الإمامي ـ في المسترشد ـ : أن مسروقا ومرّة الهمداني رغبا عن الخروج مع عليّ عليه‌السلام وأخذا أعطياتهما منه ، وخرجا إلى قزوين. وكان مسروق يلي الخيل لعبيد الله بن زياد. ومات عاشرا ، وأوصى أن يدفن مع مقابر اليهود. وكان يعلّل ذلك بأنه سوف يخرج من قبره وليس من يؤمن بالله ورسوله سواه. قال : وكان من المحرّضين لنصرة عثمان ، ويقول لأهل الكوفة : انهضوا إلى خليفتكم وعصمة أمركم (٢).

وروى الثعلبي ـ في تفسيره ـ أنه وقف ـ في صفّين ـ بين الصّفّين ، وتلا قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً)(٣).

هذا كل ما ذكر بشأن الرجل والقدح فيه ، ولننظر مدى صحته :

أما مسألة إبطائه عن عليّ ـ على ما روي عن الشعبي (٤) ـ أو تخلّفه عن

__________________

(١) رجال الكشّي ذيل ترجمة عوف العقيلي ، رقم ٣٤ ، ص ٩٠ ـ ٩١ (ط نجف)

(٢) قاموس الرجال ، ج ٨ ، ص ٤٧٥ ـ ٤٧٦.

(٣) النساء / ٢٩. القاموس ، ج ٨ ، ص ٤٧٦.

(٤) أخرج عنه ابن سعد في الطبقات (ج ٦ ، ص ٥١) قال : ولم يكن شهد معه شيئا من مشاهده!

٣٩٥

صفّين (١) ـ على ما ذكره الطبري الإمامي ـ فتتنافى مع نصّ أصحاب التراجم وغيرهم ، على أنه شهد مشاهده كلّها ؛ قال ابن حجر العسقلاني : قال وكيع (٢) وغيره : «لم يتخلّف مسروق عن حروب عليّ عليه‌السلام» (٣).

وأخرج ابن سعد بإسناده عن محمد بن المنتشر عن مسروق بن الأجدع ، قال : كان فسطاطي أيام الحكمين إلى جنب فسطاط أبي موسى الأشعري ، فأصبح الناس ذات يوم قد لحقوا بمعاوية من اللّيل. فلما أصبح أبو موسى رفع رفرف فسطاطه ، فقال : يا مسروق ، إن الإمرة ما اؤتمر فيها ، وأن الملك ما غلب عليه بالسيف (٤).

قال الخطيب : وكان مسروق ممّن حضر مع عليّ عليه‌السلام حرب الخوارج بالنهروان. وأخرج بإسناده عن ابن أبي ليلى ، قال : شهد مسروق النهر مع عليّ ،

__________________

(١) جاء في كامل ابن الأثير ، ج ٣ ، ص ٢٧٨ ـ ٢٧٩ (ط دار صادر بيروت) : أن عليا عليه‌السلام لمّا عسكر بالنخيلة ، تخلّف عنه نفر من أهل الكوفة ، منهم : مرّة الهمداني ومسروق ، وأخذا أعطياتهما وقصدا قزوين. فأما مسروق فإنه كان يستغفر الله من تخلّفه عن عليّ بصفّين.

(٢) هو : وكيع بن الجرّاح بن مليح الرواسي الكوفي. كان حافظا ثقة مأمونا وعابدا ناسكا صدوقا ، وكان جهبذا من العلماء الأعلام ، ما رؤي أخشع منه ولا أرغب منه عن الدنيا. وقد أجمع على صدقه وأمانته ووثاقته الأئمّة من أصحاب الحديث ، وكان معروفا بالتشيّع لآل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال ابن معين : رأيت عند مروان بن معاوية لوحا مكتوبا فيه أسماء الشيوخ ونعوتهم ، وكان فيه : «ووكيع رافضي». وقال محمد بن مروان : ما وصف لي أحد إلّا رأيته دون الصفة إلّا وكيع ، فإني رأيته فوق ما وصف لي. ولد سنة (١٢٨) ، وتوفّي سنة (١٩٦) مات يوم عاشوراء في طريقه راجعا من حج بيت الله الحرام. (تهذيب التهذيب ، ج ١١ ، ص ١٢٥ ـ ١٣٠)

(٣) تهذيب التهذيب ، ج ١٠ ، ص ١١١.

(٤) الطبقات ، ج ٤ ، ق ١ ، ص ٨٤. عند ترجمة أبي موسى (ط ليدن)

٣٩٦

فلما قتلهم قام عليّ وفي يده قدوم فضرب بابا ، وقال : صدق الله ورسوله (١).

قلت : هذا الذي روى عن الشعبي ، لعلّه كسائر ما روي عنه أنه لم يشهد الجمل من الصحابة سوى عليّ وعمّار وطلحة والزبير. قالوا ـ إن صحّت الرواية ـ : فهذا من أفحش كذبه (٢) ، والظاهر أنه مكذوب عليه ؛ لأنه هو القائل عن تثاقل أهل المدينة للخروج مع عليّ عليه‌السلام في واقعة الجمل : ما نهض في تلك الفتنة إلّا ستة بدريّون ، منهم : أبو الهيثم ابن التّيهان ، وخزيمة بن الثابت ذو الشهادتين وغيرهما (٣).

وأما ما ذكروه من أنه وقف بين الصّفّين في صفّين ، وجعل يثبّط الناس عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وتلا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ. وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ. إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً)(٤) ، ففيه مواضع من الخلط والاشتباه :

أولا : إن هذا متناف مع قولهم : إنه تخلّف عن حرب صفّين ، في نفر من أهل الكوفة ، وخرج إلى قزوين يرافقه مرّة الهمداني (٥). والأرجح ـ إن صح الخبر ـ أنه مسروق العكّي ، كانت له رؤية ، وكان مع معاوية يحرّضه على عدم الطاعة لعلي عليه‌السلام (٦).

__________________

(١) تاريخ بغداد ، ج ١٣ ، ص ٢٣٢. القدوم : آلة للنحت والنجر.

(٢) قاموس الرجال ، ج ٥ ، ص ١٩٠.

(٣) الكامل في التاريخ ، ج ٣ ، ص ٢٢١.

(٤) النساء / ٢٩.

(٥) قاموس الرجال ، ج ٨ ، ص ٤٧٥ ـ ٤٧٦. وكامل ابن الأثير ، ج ٣ ، ص ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٦) ذكره ابن حجر في الإصابة ، ج ٣ ، ص ٤٠٨ ، رقم ٧٩٣٤.

٣٩٧

وثانيا : هذا من كلام أبي موسى الأشعري لأهل الكوفة ، كان يثبّطهم عن النهوض مع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام عند ما أتاهم رسل الإمام لينهضوا بهم إلى حرب الجمل. وقد ذكره الطبري في حوادث سنة (٣٦) فكان فيما قال : أيّها الناس ، إنها فتنة صمّاء ، النائم فيها خير من اليقظان ، والقاعد فيها خير من القائم. فأغمدوا السيوف ، وانصلوا الأسنّة. وقد جعلنا الله إخوانا ، وحرّم علينا دماءنا وأموالنا ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ .. وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً). وقال : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ)(١).

وثالثا : إنّ هذا الموضوع عن لسانه ، قد حصل فيه خلط غريب ، بموجب أن الكذوب تخونه ذاكرته!

فقد أخرج ابن سعد عن الشعبي ـ وكان يزعم أنه لم يخرج في شيء من حروب عليّ عليه‌السلام ـ قال : كان مسروق إذا قيل له : أبطأت عن عليّ وعن مشاهده؟ ولم يكن شهد معه شيئا من مشاهده ، فأراد أن يناصّهم الحديث ، قال : أذكّركم بالله ، أرأيتم لو أنه حين صفّ بعضكم لبعض ، وأخذ بعضكم على بعض السلاح ، يقتل بعضكم بعضا ، فتح باب من السماء ، وأنتم تنظرون ، ثم نزل منه ملاك حتى إذا كان بين الصّفّين ، قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) أكان ذلك حاجزا بعضكم عن بعض؟ قالوا : نعم ، قال : فو الله لقد فتح لها بابا من السماء ، ولقد نزل بها ملك كريم على لسان نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنها لمحكمة في المصاحف ،

__________________

(١) الطبري ـ التاريخ ـ (ط دار المعارف مصر) ، ج ٤ ، ص ٤٨٢ ـ ٤٨٣. والآيات من سورة النساء (رقم ٢٩ و ٩٣)

٣٩٨

ما نسخها شيء.

هكذا روى ابن سعد روايتين بهذا اللفظ ، أسندهما إلى الشعبي.

ثم أخرج عن عاصم رواية مرسلة ، قال : وذكر أن مسروقا بنفسه أتى صفّين فوقف بين الصّفّين ثم قال : يا أيّها الناس ، أرأيتم لو أن الخ ثم انساب بين الناس فذهب!

ولعل ذاكر الخبر ـ وهو مجهول الهويّة ـ اشتبه عليه لفظة «حتى إذا كان بين الصّفّين ..» في الخبر المزعوم ، فزعم أنّ الضمير يعود إلى مسروق ، في حين أنه عائد إلى الملك ، حسب المزعومة! (١)

ويحتمل أن مسروقا هذا هو العكّي صاحب معاوية. كان من وجوه أهل الشام وكانت له صحبة. كان يحرّض معاوية على الخروج من الطاعة والقيام بطلب دم عثمان ، فكان شديدا على الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في تلك المواقف. ذكره ابن حجر في الإصابة (٢).

وأما القول بأنه كان عشّارا لمعاوية (٣) ، وأن زيادا استعمله على السلسلة ، ومات بها سنة (٦٢ أو ٦٣) (٤) ، وكان مسروق متذمّرا من عمله ذلك ، وكان يقول :

لم يدعني ثلاثة : زياد ، وشريح ، والشيطان ، اكتنفوني ولم يزالوا يزينونه لي حتى أوقعوني فيه. وكان يقول : ما عملت عملا قط أخوف عليّ من أن يدخلني النار من

__________________

(١) راجع : طبقات ابن سعد ، ج ٦ (ط ليدن) ، ص ٥١ ـ ٥٢.

(٢) الإصابة ، ج ٣ ، ص ٤٠٨ ، رقم ٧٩٣٤.

(٣) الكشّي ، ص ٩٠ ـ ٩١ رقم ٣٤. وقاموس الرجال ، ج ٨ ، ص ٤٧٦.

(٤) تهذيب التهذيب ، ج ١٠ ، ص ١١١.

٣٩٩

عملي هذا. وكان بها حتى مات. قال ابن سعد : ومات بالسلسلة بواسط ، وقبره هناك يزار (١). وأخرج عن أمّ قيس ، قالت : مررت على مسروق بالسلسلة ، ومعي ستّون ثورا تحمل الجبنّ والجوز ، فسألها مسروق ، قال : ما أنت؟ قالت : مكاتبة. قال : خلّوا سبيلها فليس في مال المكاتب زكاة (٢).

وروى الكشّي عن الفضل بن شاذان : أن مسروقا كان عشّارا لمعاوية ، ومات في عمله ذلك بموضع أسفل من واسط على دجلة يقال له : الرصافة ، وقبره هناك (٣).

فهذا كله مما لا نستطيع الموافقة عليه ، حيث مخالفته مع واقع التاريخ :

أولا : إذا كانت السنتان اللتان استعمله زياد فيهما على السلسلة ، هما الأخيرتان من حياة مسروق ؛ إذ قد توفّي في عمله ذلك ، فهذا يعني بعد عام الستين ، الأمر الذي لا ينسجم مع كون هلاك زياد في سنة (٥٣) المتّفق عليه عند أرباب التاريخ (٤).

فلعلّ مسروقا هذا غير ابن الأجدع المتوفّى سنة (٦٣) إما ابن وائل الحضرمي (٥) ، أو العكّي (٦) ، أو غيرهما.

__________________

(١) الطبقات ، ج ٦ ، ص ٥٥ ـ ٥٦ (ط ليدن)

(٢) المصدر نفسه ، ج ٨ ، ص ٣٦٤ (ط ليدن)

(٣) رجال الكشّي ، ص ٩١.

(٤) الكامل في التاريخ ، ج ٣ ، ص ٤٩٣ حوادث سنة ٥٣ (ط دار صادر)

(٥) وقد كان في أوائل الخيل لعبيد الله بن زياد في واقعة الطفّ. وسنذكره.

(٦) ذكره ابن حجر في الإصابة (ج ٣ ، ص ٤٠٨ رقم ٧٩٣٤) وكان من وجوه أهل الشام عند معاوية ، وقد أتاه رسل الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بالطاعة ، فكان مسروق العكّي ممّن هدّد معاوية لو أجاب ، وجعل يحرضه على التمرّد والطلب بدم عثمان!

٤٠٠