التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ١

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

أضف إلى ذلك ما ورد عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام من التفسير المأثور (١) المستند إلى جدّهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عدد وفير ، يضاف إلى ذلك الكثير الوارد عن غير طرقهم.

وبعد ، فإنها تكون مجموعة كبيرة من التفسير المستند إلى صاحب الرسالة ، لها شأن في عالم التفسير عبر القرون.

أوجه بيان النبيّ لمعاني القرآن

قد عرفت كلام السيوطي : إنّ السنّة بجنب القرآن شارحة له وموضّحة له. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» يعني السنّة الشريفة (٢).

قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : «إن الله أنزل على رسوله الصلاة ولم يسمّ لهم : ثلاثا ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي فسّر ذلك لهم. وأنزل الحج فلم ينزل : طوفوا أسبوعا ، حتى فسّر ذلك لهم رسول الله ـ وفي رواية أخرى زيادة قوله ـ فنزلت عليه الزكاة فلم يسمّ الله : من كل أربعين درهما درهما ، حتى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك لهم ...» (٣).

ومعنى ذلك أن الفرائض والسنن والأحكام إنما جاءت في القرآن بصورة إجمال في أصل تشريعاتها ، أمّا التفصيل والبيان فقد جاء في السنّة في تفاصيل

__________________

(١) قام زميلنا الفاضل السيد محمد برهاني ـ نجل العلامة المحدث السيد هاشم البحراني صاحب تفسير البرهان ـ بجمع ما أسند إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التفسير ، المروي عن طرق أهل البيت عليهم‌السلام فبلغ لحدّ الآن حوالي أربعة آلاف حديث ، ولا يزال يزيد ، ما دام العمل مستمرا ، وفّقه الله.

(٢) الإتقان ، ج ٤ ، ص ١٧٤.

(٣) الكافي الشريف ، ج ١ ، ص ٢٨٦. والعياشي ، ج ١ ، ص ٢٤٩ ـ ٢٥١ ، رقم ١٦٩ و ١٧٠. والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ١٤٩.

١٨١

الشريعة ، التي بيّنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته الكريمة. فكانت السنّة إلى جنب القرآن تفسيرا لمواضع إجماله ، وشارحة لمواضع إبهامه.

روى القرطبي بالإسناد إلى عمران بن حصين ، أنه قال لرجل ـ كان يزعم كفاية الكتاب عن السنّة ـ : إنك رجل أحمق ، أتجد الظهر في كتاب الله أربعا لا يجهر فيها بالقراءة! ثم عدّد عليه الصلاة والزكاة ونحو هذا. ثم قال : أتجد هذا في كتاب الله مفسّرا! إن كتاب الله تعالى أبهم هذا ، وإنّ السنّة تفسّر هذا.

وعن حسّان بن عطية قال : كان الوحي ينزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحضره جبرئيل بالسنّة التي تفسّر ذلك. وعن مكحول قال : «القرآن أحوج إلى السنّة من السنّة إلى القرآن» ، وقال يحيى بن أبي كثير : «السنّة قاضية على الكتاب وليس الكتاب بقاض على السنّة» ، قال الفضل بن زياد : سمعت أحمد بن حنبل ـ وسئل عن هذا الحديث الذي روي أن «السنّة قاضية على الكتاب» ـ فقال : ما أجسر على هذا أن أقوله ، ولكنّي أقول : إنّ السنّة تفسّر الكتاب وتبيّنه (١).

وبعد ، فإن تبيين مجملات القرآن ، من تفاصيل واردة في السنّة ، يمكن على وجوه :

الأوّل : ما ورد في القرآن بصورة تشريعات كليّة ، لا تفصيل فيها ولا تبيين عن شرائطها وأحكامها ، فهذا يجب طلب تفاصيلها من السنّة ، في أقوال الرسول وأفعاله وتقاريره ، كما في قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(٢) ، وقوله :

__________________

(١) تفسير القرطبي ـ المقدمة ـ ج ١ ، ص ٣٩.

(٢) البقرة / ٤٣.

١٨٢

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)(١) وما شابه ، من تكاليف عباديّة جاء تشريعها في القرآن بهذا الوجه الكلي. فلا بدّ لمعرفة أعداد الصلاة وركعاتها وأفعالها وأذكارها وسائر شروطها وأحكامها (٢) ، من مراجعة السنّة ، وفيها البيان الوافي بجميع هذه التفاصيل ، وهكذا مسألة الزكاة المفروضة والحج الواجب.

وهكذا ما جاء في مختلف أبواب المعاملات ، من قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(٣) فإن للبيع الجائز أنواعا ، وللربا أحكاما ، ينبغي طلبها من السنّة ، فهي التي تحدّد موضوع كل معاملة وتبيّن الشرائط التي فرضتها الشريعة في تفاصيل هذه المعاملات.

الوجه الثاني : عمومات ذوات تخصيص ، جاء العام في القرآن وكانت موارد تخصيصه في السنّة. وهكذا مطلقات ذوات تقييد ، جاء الإطلاق في القرآن وكان التقييد في السنّة. ولا شكّ أن التخصيص وكذا التقييد بيان للمراد الجدّي من العام وكذا من المطلق ، وهذا الذي دلّ عليه العام في ظاهر عمومه والمطلق في ظاهر إطلاقه ، إنما هو المعنى الاستعمالي المستند إلى الوضع أو دليل الحكمة. والذي يكشف عن الجدّ في المراد هو الخاصّ الوارد بعد ذلك ، وكذا القيد المتأخّر.

وهذا معروف في علم الأصول.

__________________

(١) آل عمران / ٩٧.

(٢) مثلا قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) (النساء / ١٠٣) ما هذا الوقت المحدّد للصلاة؟ فقد أحيل بيان ذلك إلى السنّة. وهكذا بيان الأوقات الخمسة التي جاءت الإشارة إليها إجماليا في قوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ...) (الإسراء / ٧٨)

(٣) البقرة / ٢٧٥.

١٨٣

ومثال الأول قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(١) وهذا عام لمطلق المطلّقات. وفي السنّة تخصيص هذا الحكم بالمدخول بهنّ ، أما غير المدخول بهنّ فلا اعتداد لهنّ. وكذلك قوله ـ بعد ذلك ـ : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) مخصوص بالرجعيّات.

مثال الثاني : (تقييد المطلق) قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً)(٢) وقد تقيّد هذا الإطلاق بما إذا لم يتب ، وكان قد قتله لإيمانه ، كما رواه العياشي عن الإمام الصادق عليه‌السلام (٣).

وقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)(٤) ؛ إذ ليس المراد مطلق الظلم ، بل هو «الشرك» خاصّة. روي ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) ، وهكذا فسّر اليد (في القطع بالسرقة (٦)) باليمين من مفصل الأصابع. ومثله جلد الزاني المتقيد بغير المحصن.

وأيضا قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ)(٧). فقد كان الميراث بعد إخراج ما أوصى به الميت وكذا دينه. فالدين مطلق ، أما الوصية فقيّدت بما إذا لم تتجاوز ثلث التركة بعد وضع الدين. فهذا التقييد تعرّضت له السنّة ، وكان

__________________

(١) البقرة / ٢٢٨.

(٢) النساء / ٩٣.

(٣) راجع : مجمع البيان للطبرسي ، ج ٣ ، ص ٩٢ ـ ٩٣. والعياشي ، ج ١ ، ص ٢٦٧.

(٤) الأنعام / ٨٢.

(٥) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٣٢٧.

(٦) الآية رقم ٣٨ من سورة المائدة.

(٧) النساء / ١٢.

١٨٤

قد أبهم في القرآن إبهاما.

الوجه الثالث : ما إذا ورد عنوان خاص في القرآن ، وكان متعلقا لتكليف ، أو قيدا في عبادة مثلا ، ولكنه كان مصطلحا شرعيا من غير أن يكون مفهومه العام مرادا ، فهذا أيضا مما يجب تبيينه من السنّة. وهذا في جميع المصطلحات الشرعية ـ أي الحقائق الشرعية على حدّ تعبيرهم ـ مما لم تكن لها سابقة في العرف العام.

وهذا كما في الصلاة والزكاة والحج والجهاد وما شاكل ، إنها مصطلحات شرعية خاصة ، (١) لا بدّ لمعرفة حقائقها وماهيّاتها من مراجعة الشريعة ، كما كان يجب الرجوع إليها لمعرفة أحكامها وشرائطها ؛ إذ ليست الصلاة مطلق الدعاء والمتابعة ـ كما هي في اللغة والعرف العام غير الإسلامي ـ بل عبادة خاصة ذات كيفية وأفعال وأذكار خاصة ، أعلن بها الشرع الحنيف ، وتصدّى لبيانه الرسول الكريم ، قال : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي».

وهكذا ليست الزكاة مطلق النموّ ، بل إنفاق خاصّ في كيفية خاصّة ، توجب تنمية المال بفضل الله تعالى إن وقعت عن صدق وإخلاص ، الأمر الذي جاء تبيينه في السنّة الشريفة. ومثلها الحج ليس مطلق القصد ، وكذا الجهاد ليس مطلق الاجتهاد والسعي ، وهكذا ..

وكذلك موضوع الخطأ والعمد في القتل ، تعرّضت السنّة لبيانهما ، وليس مطلق ما يفهم من هذين اللفظين لغة أو في المتفاهم العام ، فقد جاء في السنّة أن الخطأ محضا هو ما لم يكن المقتول مقصودا أصلا. أما إذا كان مقصودا ولكن

__________________

(١) المقصود بالشرع : مطلق الشرائع الإلهية وليس شرع الإسلام فحسب. نعم لم تكن هذه المفاهيم مما وضعه العرف العام ولا اللغة ، وإنما هو أمر جاء به الشرع في مصطلحه الخاص.

١٨٥

لم يقصد قتله ـ بأن لم يكن العمل الذي وقع عليه مما يقتل به غالبا ـ فوقع قتله اتفاقا ، فهو شبيه العمد. أما إذا كان مقصودا بالقتل فهو العمد محضا. فهذا التفصيل والبيان إنما تعرضت له السنّة تفسيرا لما أبهم في القرآن من بيان هذه المفاهيم.

الوجه الرابع : موضوعات تكليفيّة تعرّض لها القرآن من غير استيعاب ولا شمول ؛ إذ لم يكن الاستقصاء مقصودا بالكلام ، وإنما هو بيان أصل التشريع وذكر جانب منه ، مما كان موضع الابتلاء ذلك الحين ومن ثم يبدو ناقصا غير مستقصى ، ومجملا في الشمول والبيان.

أما الاستقصاء والشمول فالسنّة الشريفة موردها ، ففيها البيان والكمال ، كما لم تأت في القرآن شريعة (رجم المحصن) وإنّما فصّلته السنّة عن مطلق حكم الزاني الوارد في القرآن.

ومثل أحكام الخطأ والعمد في القتل لم يتعرّض لها القرآن باستيعاب ؛ إذ هناك خطأ محض ، وشبه العمد ، والعمد المحض. ليترتب على الأول أنّ الدية على العاقلة ، وعلى الثاني كانت الدية على القاتل ، وفي الثالث كان تشريع القصاص هو الأصل إلّا إذا رضي الأولياء بالدية أو العفو.

فهذا الاستيعاب والاستقصاء إنما تعرضت له السنّة ، فأكملت بيان القرآن ورفعت من إبهامه ، في هذا الجانب الذي كان يبدو مجملا لو كان بصدد البيان ولم يكن أصل التشريع مقصودا فقط.

الوجه الخامس : بيان الناسخ من المنسوخ في أحكام القرآن ؛ إذ في القرآن أحكام أوّليّة منسوخة ، وأحكام أخر هي ناسخة نزلت متأخرا ؛ فلتمييز الناسخ من المنسوخ لا بدّ من مراجعة السنّة. أما القرآن ذاته فلا تمييز فيه بين ناسخه ومنسوخه ، ولا سيّما والترتيب الراهن بين الآيات والسور قد تغير عمّا كان عليه النزول في البعض على الأقل. إذن لم يبق لمعرفة وجه التمايز بين الحكم المنسوخ

١٨٦

والحكم الناسخ إلّا مراجعة نصوص الشريعة. ومن ثم قال مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام لقاض مرّ عليه بالكوفة : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ فهاب الإمام وأجاب بالنفى! فقال له الإمام : إذن هلكت وأهلكت. (١)

فمن ذلك قوله تعالى ـ بشأن المتوفّى عنها زوجها ـ : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ، وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ)(٢) كانت الشريعة في البدء أن المرأة المتوفّى عنها زوجها لا ميراث لها سوى الإمتاع في التركة حولا كاملا ، وكان ذلك عدّتها أيضا. لكنها نسخت بآية المواريث (٣) وبآية التّربّص أربعة أشهر وعشرا (٤) (وآية التربّص الناسخة مثبتة في سورة البقرة قبل آية الحول المنسوخة).

هكذا ورد في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام (٥).

ومن ذلك أيضا آية جزاء الفحشاء ، فما في سورة النساء (١٥ ـ ١٦) منسوخة بشريعة الجلد (سورة النور / ٢) والرجم ، هكذا ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام (٦).

ونظير ذلك كثير ، ولا سيّما إذا عمّمنا النسخ ليشمل التخصيص والاستثناء وسائر القيود أيضا ، وقد كان معهودا ذلك الحين.

__________________

(١) تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ١٢ ، رقم ٩. والإتقان ، ج ٢ ، (ط ١) ، ص ٢٠.

(٢) البقرة / ٢٤٠.

(٣) النساء / ١٢.

(٤) البقرة / ٢٣٤.

(٥) راجع : بحار الأنوار ، ج ٩٣ ، ص ٦. والصافي ، ج ١ ، ص ٢٠٤.

(٦) العياشي ، ج ١ ، ص ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

١٨٧

نماذج من تفاسير مأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قلنا : إن الصحابة كانوا في غنى ـ في الأغلب ـ عن مساءلة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشأن معاني القرآن ، أو كانوا يحتشمون سؤاله ، لما كان القرآن قد نزل بلغتهم وفي مناسبات كانوا هم حضور مشهدها. وأحيانا إذا كان إبهام في وجه آية ، أو خفي المراد من سياقها ، كانوا يراجعونه لا محالة ، وفي الأكثر كانوا يترصّدون أسئلة الأعراب أو الطارئين فيتبادرون إلى تفهّم ما يجري بينهم وبين الرسول بشأن معاني القرآن ، حتى قالوا : إنّ الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم. (١)

وبعد فقد جمع من هذا وذاك حشد كبير من تفاسير مأثورة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواها أئمة الحديث في أمهات الجوامع الحديثية المعروفة.

والأكثر سؤالا إنما وقع عن مرادات القرآن ، بعد وضوح الكلمة في مفهومها اللغوي ؛ حيث ظاهر اللّفظ ينبئ عن شيء ، لكن المراد غير هذا الظاهر المفهوم حسب دلالة الوضع ، أو يشك في إرادة هذا الظاهر ، لقرائن حاليّة أو مقالية ، تبعث على السؤال عن المراد الواقعي.

* فقد سئل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن «السّائحين» في قوله تعالى : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ)(٢) ، فقال : هم الصائمون (٣). فلا غموض في معنى السياحة ، ولكن أيّ مصاديق السياحة مقصودة هنا؟ ولعلّ هنا استعارة جاءت لأمر معنويّ ، مما يدعو إلى السؤال عنه ومراجعة أهل الذكر. قال الطبرسي : السائح من : ساح في الأرض يسيح سيحا ، إذا استمر في الذهاب ، ومنه

__________________

(١) سبق ذلك في أول الفصل.

(٢) التوبة / ١١٢.

(٣) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٣٣٥.

١٨٨

السيح للماء الجاري ، ومن ذلك يسمّى الصائم سائحا ، لاستمراره على الطاعة في ترك المشتهى. قال : وروي عن النبي أنه قال : «سياحة أمّتي الصيام» (١).

* وسئل عن الاستطاعة في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٢) قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الزاد والراحلة» (٣). فإن مفهوم الاستطاعة عام يشمل أيّ نحو من الاستطاعة وبأيّ وسيلة مقدورة وكانت بالإمكان ، غير أن هذا غير المراد بالاستطاعة إلى الحجّ الواجب ، فبيّن عليه‌السلام أنه القدرة على الزاد والراحلة ، إن كان ذلك بوسعه من غير تكلّف. وهذا كناية عن الاستطاعة المالية ، كما فهمه الفقهاء رضوان الله عليهم.

* وهكذا لما سألته عائشة عن الكسوة الواجبة في كفّارة الأيمان ، في قوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ، أَوْ كِسْوَتُهُمْ)(٤) أجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عباءة لكلّ مسكين» (٥).

* وسأله رجل من هذيل عن قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٦) قال : يا رسول الله ، من تركه فقد كفر؟! نظرا لأن هذا العنوان «من كفر» أطلق على من ترك الحج! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من تركه لا يخاف عقوبته ولا يرجو مثوبته» (٧) كناية عمّن تركه جحودا لا يؤمن بعاقبته ، فهذا كافر بالمعاد وبيوم الجزاء

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٧٥ و ٧٦.

(٢) آل عمران / ٩٧.

(٣) الإتقان ، ج ٤ ، ص ٢١٨.

(٤) المائدة / ٨٩.

(٥) الإتقان ، ج ٤ ، ص ٢٢١.

(٦) آل عمران / ٩٧.

(٧) الإتقان ، ج ٤ ، ص ٢١٨.

١٨٩

والحساب ، الأمر الذي يعود إلى إنكار ضروريّ للدين وإنكار الشريعة رأسا ، أما الذي تركه لا عن نكران فهو فاسق عاص وليس بكافر جاحد.

وهكذا روي عن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام حينما سأله أخوه عليّ بن جعفر : من لم يحجّ منّا فقد كفر؟! قال : لا ، ولكن من قال : ليس هذا هكذا فقد كفر (١).

* وسئل عن قوله تعالى : (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ)(٢) ، ما معنى «عضين»؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «آمنوا ببعض وكفروا ببعض» (٣).

فالآية الكريمة إنكار على الذين فرّقوا بين أجزاء القرآن. الأمر يثير السؤال عن المراد من هذه التجزئة المستنكرة؟ ومن ثمّ كان الجواب : إنها التفرقة في الإيمان بالبعض والكفر بالبعض.

* وسئل عن قوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ)(٤) ، كيف يشرح صدره؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نور يقذف به فينشرح له وينفسح!» قالوا : فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال : «الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت» (٥).

* وسأله عبادة بن الصامت (٦) عن قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

__________________

(١) الصافي ـ الفيض الكاشاني ـ ج ١ ، ص ٢٨٢.

(٢) الحجر / ٩١.

(٣) الإتقان ، ج ٤ ، ص ٢٣٤. عضون : جمع عضة بمعنى عضو ، كقولهم : ثبة وظبة ، والجمع : ثبون وظبون.

ومعنى العضين : جعله عضوا عضوا ، أي في أجزاء متفرقة كالتعضية ، بمعنى التفرقة ، فهو تجزئة الأعضاء.

(٤) الأنعام / ١٢٥.

(٥) الإتقان ، ج ٤ ، ص ٢٢٢.

(٦) كان ممن جمع القرآن على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يعلم أهل الصفة القرآن وشهد المشاهد كلها مع

١٩٠

وَفِي الْآخِرَةِ)(١) ، ما ذا تكون تلك البشارة؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل ، أو ترى له» (٢).

وروى الكليني في الكافي والصدوق في الفقيه بإسنادهما عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «البشرى في الحياة الدنيا هي الرؤيا الحسنة يراها المؤمن فيبشّر بها في دنياه». وزاد في الفقيه : «وأما قوله : (فِي الْآخِرَةِ) ، فإنها بشارة المؤمن عند الموت ، يبشّر بها عند موته : أنّ الله عزوجل قد غفر لك ولمن يحملك إلى قبرك ...». وقال عليّ بن إبراهيم القمّي : و (فِي الْآخِرَةِ) عند الموت ، وهو قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٣).

* وسئل عن قوله تعالى : (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً)(٤) كيف يحشر أهل النار على وجوههم؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم» (٥).

وبهذا المعنى آية أخرى أوضحت الحشر على الوجوه بالسحب على وجوههم ، قال تعالى : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ، ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)(٦) ، وقوله : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا)(٧).

__________________

رسول الله. واستعمله النبي على بعض الصّدقات ، وكان نقيبا في الأنصار. كان طويلا جسيما جميلا. توفّي سنة ٧٢.

(١) يونس / ٦٤.

(٢) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٣٤٠.

(٣) النحل / ٣٢ ؛ تفسير الصافي ، ج ١ ، ص ٧٥٨.

(٤) الفرقان / ٣٤.

(٥) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٤٠٢.

(٦) القمر / ٤٨.

(٧) الإسراء / ٩٧.

١٩١

* وأخرج الحاكم بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة ـ وقال : إنه أحسن الروايات في هذا الباب ـ عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : لما نزلت الآية (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)(١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرئيل ، ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربّي؟ قال : إنها ليست بنحيرة ، ولكنه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع ؛ فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع (٢). وفي رواية أخرى زيادة قوله : إنّ لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة رفع الأيدي. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع الأيدي من الاستكانة التي قال الله ـ عزوجل ـ : (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ)(٣).

* وسألته أمّ هانئ (بنت أبي طالب) عن المنكر الذي كان قوم لوط يأتونه في ناديهم ؛ حيث قوله تعالى : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ)(٤)؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كانوا يخذفون أهل الطريق ويسخرون» (٥).

ولعل هذا كان بعض أعمالهم المنكرة ، ففي المجمع : كانت مجالسهم تشتمل على أنواع من المناكير والقبائح ، مثل الشتم والسخف والصفع والقمار ، وضرب المخارق وخذف الأحجار على المارّين وضرب المعازف والمزامير ، وكشف العورات واللواط ، وقيل : كانوا يتضارطون من غير حشمة ولا حياء (٦).

__________________

(١) الكوثر / ٢.

(٢) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٥٣٢.

(٣) المؤمنون / ٧٦. المستدرك ، ج ٢ ، ص ٥٣٨.

(٤) العنكبوت ٢٩.

(٥) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٤٠٩.

(٦) مجمع البيان للطبرسي ، ج ٨ ، ص ٢٨٠.

١٩٢

* وربما سألوه عن عموم حكم وشموله لبعض ما اشتبه عليهم أمره ، فقد سأله جرير بن عبد الله الجبلي (١) عن نظرة الفجأة ، وقد قال تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ..)(٢) ، فهل يشمل عموم الأمر بالغضّ لما إذا كانت النظرة فجأة ، وهي غير إراديّة؟

قال جرير : فأمرني صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أصرف بصري (٣) ، أي لا يداوم في النظرة ، ويصرف ببصره من فوره.

* وعن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسأله عن أمر اليتامى ؛ حيث قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) إلى قوله : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا ، وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ، وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ...). (٤) فقال : يا رسول الله ، إن أخي هلك وترك أيتاما ولهم ماشية ، فما يحلّ لي منها؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن كنت تليط حوضها ، وتردّ ناديتها ، وتقوم على رعيّتها ، فاشرب من ألبانها ، غير مجتهد ولا ضارّ بالولد ، والله يعلم المفسد من المصلح (٥). إشارة إلى قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ

__________________

(١) أسلم قبل وفاة النبي بأربعين يوما. كان سيد قومه وجيها حسن الصورة وكان يلقب بيوسف هذه الأمة. ولما دخل على النبي رحب به وأكرمه ، وقال : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. وبعثه في مائة وخمسين فارسا إلى ذي الخلصة ليهدم بيت صنم كان هناك لخثعم ، ودعا له ، وقال : اللهم اجعله هاديا مهديا. توفي سنة ٥١.

(٢) النور / ٣٠.

(٣) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٣٩٦.

(٤) النساء / ٢ و ٦. والحوب : الإثم.

(٥) العياشي ، ج ١ ، ص ١٠٧ ، رقم ٣٢١. لاط الحوض : مدره لئلا ينشف الماء. والنادية : النوق

١٩٣

لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ...)(١).

وأحيانا كانت الأسئلة لغويّة ، على ما أسبقنا أن القرآن أخذ من لغات القبائل كلّها ، وربما كانت اللفظة المتداولة في قبيلة ، غير معروفة عند الآخرين.

* من ذلك ما سأله قطبة بن مالك الذبياني (٢) عن معنى «البسوق» من قوله تعالى : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ)(٣) قال : ما بسوقها؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طولها (٤). قال الراغب : باسقات ، أي طويلات. والباسق هو الذاهب طولا من جهة الارتفاع ، ومنه بسق فلان على أصحابه : علاهم.

* وسأله عبد الله بن عمرو بن العاص عن الصور في قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) ، (٥) قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو قرن ينفخ فيه (٦).

* وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى : (فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)(٧) ـ الإحسار : الإقتار. (٨)

الحسر : كشف الملبس عما عليه. والحاسر : من لا درع له ولا مغفر. وناقة

__________________

المتفرّقة.

(١) البقرة / ٢٢٠.

(٢) كان من الصحابة الذين سكنوا الكوفة. روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن زيد بن أرقم وغيره.

(٣) ق / ١٠.

(٤) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٤٦٤.

(٥) الزمر / ٦٨.

(٦) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٤٣٦.

(٧) الإسراء / ٢٩.

(٨) تفسير العياشي ، ج ٢ ، ص ٢٨٩.

١٩٤

حسير : انحسر عنها اللحم والقوّة. والحاسر : المعيا ، لانكشاف قواه.

إذن فالمحسور : من افتقد أسباب المعيشة التي أهمها المال ، وليس من الحسرة كما توهّم ، فصحّ تفسير المحسور بالمقتر ؛ لأنّ القتر فقد النفقة أو تقليلها ، والمقتر : الفقير.

وربما كانت الآية شديدة الوطأة ، قد تجعل المسلمين في قلق ، لو لا مراجعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليفسّرها لهم بما يرفع عنهم ألم اليأس وقلق الاضطراب.

من ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : لما نزلت الآية : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ)(١) ، قال بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أشدّها من آية! فقال لهم رسول الله : أما تبتلون في أموالكم وأنفسكم وذراريكم؟ قالوا : بلى ، قال : هذا مما يكتب الله لكم به الحسنات ويمحو به السيئات (٢).

* وسئل فيما النجاة غدا؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجاة أن لا تخادعوا الله فيخدعكم ، فإنه من يخادع الله يخدعه ويخلع منه الإيمان ، ونفسه يخدع لو يشعر».

فقيل : كيف يخادع الله؟ قال : «يعمل بما أمره الله ثم يريد به غيره ، فاتّقوا الله فاجتنبوا الرياء فإنه شرك بالله.» (٣) ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ). (٤)

__________________

(١) النساء / ١٢٣.

(٢) تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ٢٧٧. رقم ٢٧٨.

(٣) تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ٢٨٣ ، رقم ٢٩٥.

(٤) النساء / ١٤٢.

١٩٥

* ولما نزلت الآية : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)(١) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين إذا تولّينا استبدلوا بنا؟! ـ وسلمان إلى جنبه ـ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هم الفرس ، هذا وقومه. وفي رواية الطبري : فضرب على منكب سلمان وقال : من هذا وقومه. والذي نفسي بيده لو أن الدين تعلّق بالثريّا لنالته رجال من أهل فارس. وفي رواية البيهقي : لو كان الإيمان منوطا بالثريّا لتناوله رجال من فارس (٢).

* وربما سألوه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن غير الأحكام مما جاء ذكره في القرآن إجمالا ، ليبعثهم حبّ الاستطلاع على السؤال عنه. من ذلك سؤال فروة بن مسيك المرادي (٣) عن «سبأ» : رجل أو امرأة أم أرض؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو رجل ولد عشرة من الولد ، ستة من ولده باليمن ، وأربعة بالشام. فأمّا اليمانيّون فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير ، خير كلها ، وأما الشاميّون فلخم وجذام وعاملة وغسّان. (٤)

__________________

(١) محمد / ٣٨.

(٢) راجع : المستدرك للحاكم ، ج ٢ ، ص ٤٥٨. والطبري في التفسير ، ج ٢٦ ، ص ٤٢. والدر المنثور ، ج ٦ ، ص ٦٧.

(٣) قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة عشر فأسلم ، فبعثه على مراد وزبيد ومذحج. قال ابن إسحاق : فلما انتهى إلى رسول الله ، قال له ـ فيما بلغنا ـ : يا فروة ، هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم؟ قال : يا رسول الله ، ومن ذا الذي يصيب قومه ما أصاب قومي يوم الردم ولا يسوؤه؟! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرا.(أسد الغابة ، ج ٤ ، ص ١٨٠)

(٤) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٤٢٣ ـ ٤٢٤.

١٩٦

قال الطبرسي : سبأ ، هو أبو عرب اليمن كلها ، وقد تسمّى به القبيلة (١) ، وهو الظاهر من عود ضمير العقلاء إليهم في قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ، جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ ، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ ، وَاشْكُرُوا لَهُ. بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)(٢).

* وسأله أبو هريرة عن قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)(٣) ، قال : أنبئنى عن «كل شيء»؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل شيء خلق من الماء» (٤) ، بمعنى أن الماء أصل الحياة ، حيوانا كان أم نباتا. وورد في الحديث : أوّل ما خلق الله الماء. (٥)

* وأحيانا كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتصدّى لتفسير آية أو آيات لغرض العظة أو الاعتبار ، كالذي رواه أبو سعيد الخدري (٦) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ)(٧) قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تشويها النار فتتقلّص شفاهها العليا حتى تبلغ وسط الرءوس ، وتسترخي شفاهها السفلى حتى تبلغ الأسرّة.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٨ ، ص ٣٨٦.

(٢) سورة سبأ / ١٥.

(٣) الأنبياء / ٣٠.

(٤) الإتقان ، ج ٤ ، ص ٢٣٨.

(٥) كتاب التوحيد ، للصدوق ، ص ٦٧ ، رقم ٨٢.

(٦) هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري. كان من الحفّاظ للحديث المكثرين ، ومن العلماء الفضلاء النبلاء. غزا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن خمس عشرة سنة ، مات سنة ٧٤. (أسد الغابة ، ج ٢ ، ص ٢٨٩ وج ٥ ، ص ٢١١)

(٧) المؤمنون / ١٠٤.

١٩٧

أخرجه الحاكم ، وقال : صحيح الإسناد (١).

* وعن أبي هريرة ، قال : قرأ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) ثم قال : أتدرون ما أخبارها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم! قال : أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، تقول : عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا (٢).

* وعن أبي الدرداء (٣) قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ، فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ، ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ..)(٤) ثم قال : «السابق والمقتصد يدخلان الجنّة غير حساب ، والظالم لنفسه يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة» (٥).

* وهكذا روى عمران بن حصين (٦) قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحدثنا عامّة ليله عن بني إسرائيل ، لا يقوم إلّا لعظيم صلاة (٧).

__________________

(١) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٣٩٥.

(٢) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٥٣٢.

(٣) هو عويمر بن مالك بن زيد. كان من أفاضل الصحابة وفقهائهم وحكمائهم ، وكان مشاهده الخندق. مات سنة ٣٢.

(٤) فاطر / ٣٢.

(٥) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٤٢٦.

(٦) أسلم عام خيبر ، وغزا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غزوات. بعثه عمر على البصرة ليفقّه أهلها ويتولّى قضاءها. فاستعفى بعد قليل عن ولاية القضاء ، وكان من فضلاء الصحابة ، ولم يكن بالبصرة من يفضّل عليه. ابتلى بمرض الاستسقاء ودام به المرض ثلاثين يوما ، وهو مسجّى على سريره. توفّي سنة ٥٢. (أسد الغابة ، ج ٤ ، ص ١٣٧.)

(٧) المستدرك ، ج ٢ ، ص ٣٧٩.

١٩٨

ولعله ذات ليلة أو ليالي معدودة كانت معهودة.

هذا غيض من فيض ورشف من رشح ، فاضت به ينبوع الحكمة ومهبط الوحي الكريم ، ولا زالت بركاته متواصلة عبر الخلود.

١٩٩
٢٠٠