مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٧

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣١

وفي اسباب النزول ايضا عن جابر بن عبد الله الانصاري قال : «جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بابنتين لها فقالت يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس ـ أو قالت سعد بن الربيع ـ قتل معك يوم أحد وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما فلم يدع لهما مالا إلا أخذه فما ترى يا رسول الله؟ فو الله ما تنكحان ابدا إلا ولهما مال فقال يقضى الله في ذلك فنزلت سورة النساء وفيها : «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ـ الآية» فقال لي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ادع لي المرأة وصاحبها فقال لعمهما : أعطهما الثلثين واعط أمهما الثمن وما بقي فلك».

أقول : الرواية لا تتعرض لحكم الزائد عن السهام وهناك روايات اخرى تتعرض له وان الزائد يرد على البنتين.

ويمكن أن يكون منشأ النزول متعددا والنزول واحدا ولا بأس بذلك.

وفي الدر المنثور عن ابن أبي حاتم عن السدي قال : «كان اهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان لا يرث الرجل من والده إلا من أطاق القتال فمات عبد الرحمن ـ أخو حسان الشاعر ـ وترك امرأة له يقال لها أم كحة وترك خمس جواري فجاءت الورثة فأخذوا ماله فشكت أم كحة ذلك إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فانزل الله تعالى هذه الآية (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ثم قال في أم كحة : (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ)».

وفيه ايضا عن ابن عباس قال : «لما نزلت آية الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس أو بعضهم وقالوا : تعطى المرأة الربع أو الثمن ، وتعطى الابنة

٣٤١

النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس من هؤلاء احد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية لا يعطون الميراث الا لمن قاتل القوم ويعطونه الأكبر فالأكبر».

أقول : يعلم ان منشأ افتعال التعصيب في الإسلام وجذوره كانت من الجاهلية كما يعلم من ذلك ان قوله تعالى : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) كان ردا على جميع هذه الخرافات والافتعالات الجاهلية منها وما كانت في الإسلام.

وفي الدر المنثور اخرج الحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال : «أول من أعال الفرائض عمر تدافعت عليه وركب بعضها بعضا قال : والله ما ادري كيف اصنع بكم؟ والله ما ادري أيكم قدم الله وأيكم أخر؟ وما أجد في هذا المال شيئا احسن من ان اقسمه عليكم بالحصص؟ ثم قال ابن عباس : وأيم الله لو قدّم من قدم الله وأخّر من أخّر الله ما عالت فريضة فقيل له وايها قدم الله؟ قال : كل فريضة لم يهبطها الله من فريضة إلا الى فريضة فهذا ما قدم الله وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي فتلك التي أخّر الله فالذي قدم كالزوجين والام ، والذي أخر كالاخوات والبنات فإذا اجتمع من قدم الله وأخر بدئ بمن قدم فأعطي حقه كاملا فان بقي شيء كان لهن وان لم يبق شيء فلا شيء لهن».

وفيه ايضا اخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال. «ا ترون الذي احصى رمل عالج عددا جعل في المال نصفا وثلثا وربعا؟ إنما هو نصفان وثلاثة أثلاث واربعة أرباع».

وفي الكافي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : «جالست ابن عباس فعرض ذكر الفرائض من المواريث فقال ابن عباس

٣٤٢

سبحان الله العظيم أترون الذي احصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا وثلثا؟! فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر بن أوس البصري يا أبا العباس فمن أول من أعال هذه الفرائض فقال عمر بن الخطاب لما التفّت عنده الفرائض ودفع بعضها بعضا قال : والله ما ادري أيكم قدم الله وأيكم أخر؟ وما أجد شيئا أوسع من ان أقسم عليكم هذا المال بالحصص وأدخل على كل ذي حق حقه فادخل عليه من عول الفرائض. وايم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت الفريضة فقال له زفر بن أوس : وأيهما قدم وأيهما أخر؟ كل فريضة لم يهبطها الله عن فريضة إلا الى فريضة فهذا ما قدم الله واما ما أخر الله فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها ما بقي فتلك التي أخر ، فاما التي قدم فالزوج له النصف فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شيء والزوجة لها الربع فإذا زالت إلى الثمن لا يزيلها عنه شيء ، والام لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلى السدس ولا يزيلها عنه شيء فهذه الفرائض التي قدم الله عزوجل ، واما التي أخر ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لها إلا ما بقي فتلك التي أخر الله فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر بدئ بما قدم الله فاعطي حقه كاملا فان بقي شيء كان لمن أخر وإن لم يبق شيء فلا شيء له فقال له زفر فما منعك ان تشير بهذا الرأي على عمر؟ فقال هبته».

أقول : الروايات في مضمون ذلك كثيرة ونفي العول مذهب اهل البيت (عليهم‌السلام).

وفي الكافي عن أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام) في حديث قال :

٣٤٣

«كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يقول : ان الذي احصى رمل عالج ليعلم ان السهام لا تعول على ستة لا تبصرون وجهها لم تجز ستة».

وفيه ايضا عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الحمد لله الذي لا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم. ثم ضرب بإحدى يديه على الاخرى ثم قال يا أيتها الامة المتحيرة بعد نبيها لو كنتم قدمتم من قدّم الله وأخّرتم من أخر الله وجعلتم الولاية والورثة حيث جعلها الله ما عال ولي الله ولا عال سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله ولا تنازعت الأمة في شيء من امر الله ألا وعند علي علمه من كتاب الله ، فذوقوا وبال أمركم وما فرضتم فيما قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».

أقول : الروايات في رد العول متضافرة ، واما كيفية تقسيم التركة على الوارث إذا كانت السهام اكثر منها فهي مذكورة في كتب الحديث والفقه فليراجع إليها.

وفي الكافي عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «لا تحجب الام عن الثلث إلا اخوان أو أربع أخوات لاب وأم أو لاب».

أقول : الاخبار في ذلك كثيرة وقد تقدم ما يستفاد ذلك من الآية ايضا.

وفي التهذيب عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «أول شيء يبدأ به من المال الكفن ، ثم الدين ، ثم الوصية ، ثم الميراث».

أقول : الروايات في مضمون ذلك كثيرة وهي متفقة على ان الدين مقدم على الوصية وهي مقدمة على الميراث والكفن من شؤون

٣٤٤

الميت نفسه فلا بد من إخراجه أولا.

وفي المجمع في قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وانكم تقرأون في هذه الآية الوصية قبل الدين وان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قضى بالدين قبل الوصية.

أقول : رواه السيوطي وغيره ايضا وتقدم الوجه في تقديم الدين على الوصية.

وفي تفسير العياشي عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «ان الله ادخل الزوج والمرأة على جميع اهل المواريث فلم يقصها من الربع والثمن».

أقول : هذه الاخبار ونظائرها دليل على عدم العول والتعصيب بالنسبة إليهما واما الرد إليهما ففيه كلام ذكرناه في الفقه ومن شاء فليرجع إلى (مهذب الاحكام).

وفي الكافي في معنى الكلالة عن الصادق (عليه‌السلام) : «من ليس بوالد ولا ولد».

أقول : تقدم معنى الكلالة وذكرنا ان ذلك مستفاد من نفس الآية الشريفة.

بحث فقهي

يستفاد من الآيات المتقدمة ـ التي فرض الله تعالى فيها السهام بضميمة الآيات الاخرى الواردة في الإرث منها الآية التي تقدم تفسيرها (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) والآية التي

٣٤٥

في آخر هذه السورة وغيرها ـ احكام مهمة تعتبر كليات باب الفرائض والمواريث وقد اعتمد عليها الفقهاء في كتبهم الفقهية ونحن نذكر المهم منها في ضمن مسائل.

المسألة الاولى : قاعدة : «تفضيل الذكر على الأنثى» التي هي من القواعد في الفرائض والإرث والأصل فيها قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فإنها تقضي تقسيم التركة إذا اجتمع الذكور والإناث من الورثة ولم يكن لواحد فرض على تفضيل الذكر على الأنثى في النصيب. وإذا تأملنا في الفرائض التي فرضها الله تعالى في الإرث للرجال والنساء نرى ان سهم النساء ينقص عن سهام الرجال مطلقا إلا في مورد واحد وهو الأبوان إذا اجتمعا فان سهم الام قد يزيد على سهم الأب ، كما إذا اجتمع الأب والام والبنت الواحدة فان للبنت الواحدة النصف ، وللأب وللام السدسان والباقي يرد على البنت والام دون الأب فيزيد سهم الام على الأب حينئذ ، ولعل الوجه في ذلك ان الأم أمس رحما للولد من الأب لما تتحمله من المصاعب وتقاسي من الهموم في سبيل تربيته وحضانته ، فلها المنزلة العظمى في الإسلام وفي غير هذا المورد يكون نصيب المرأة اقل من نصيب الرجل ، فالزوج له النصف مع عدم الولد للزوجة والربع مع وجوده ، واما الزوجة فلها الربع مع عدم وجود الولد للزوج والثمن لها مع وجوده ونحو ذلك.

واما وجه الحكمة في كون سهم الرجل ضعف سهم الأنثى في الجملة فانه يبتني على أمرين : أحدهما اجتماعي اقتصادي والآخر يرجع إلى الخلق والتكوين ويشير إلى كلا الأمرين قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ)

٣٤٦

النساء ـ ٣٤ فان المراد من الفضل الوارد فيها هو تعقل الرجال واستيلاء روح التعقل بحسب الطبع والتكوين عليهم وما يمتاز به الرجل من زيادة البأس ، والصلابة والشدة ، والغلظة والخشونة. فان جميع ذلك امور يتطلبها المجتمع الانساني في مواطن الدفاع والأعمال الشاقة ، وفي تحمل الشدائد والمحن ، والثبات في الأهوال ونحو ذلك مما هو ضروري في الحياة فالرجال على الأكثر يقومون بهذه الشؤون.

واما المرأة فهي متصفة بالاحساسات والعواطف التي لا غنى للمجتمع عنها فان لهما آثارا عجيبة في الإنسان لما يتطلبه من الوداعة في العيش والسكن والمحبة والانس والرحمة والرأفة مضافا إلى تحمل المرأة أثقال الحمل والوضع والحضانة وخدمة البيوت ولا يصلح لهذا الجانب إلا الرحمة والرأفة والاحساس اللطيف والعاطفة الرقيقة ، فالرجل والمرأة يتبادلان هذين الأمرين الضروريين ويتعادل بهما الحياة وينتظم شؤونها فإنها يتقوم بهما.

واما الوضع الاجتماعي فان وضع الرجل الاجتماعي يقتضي الصرف وادارة المعاش والسعي فيهما ويجب عليه الانفاق غالبا وذلك يتطلب التدبير المالي في الإنتاج والاسترباح فهذا إلى روح التعقل انسب إذ لا فائدة للاحساس والعواطف التي هي إلى روح التصرف والمصرف انسب ولذا كانت المرأة اكثر من الرجل فكانا متعاكسين في الملك والمصرف فإذا ملك الرجل الثلثين فان المرأة تذهب بنصف هذين الثلثين بينما تملك المرأة الثلث ولكنها تملك زمام ملكه ومصرفه. ويستفاد ما ذكرناه من عدة آيات كما مر وروايات.

منها : ما رواه هشام : «ان ابن أبي العوجاء قال لمحمد بن النعمان الأحول ما بال المرأة الضعيفة لها سهم واحد ، وللرجل القوي الموسر

٣٤٧

سهمان؟ قال فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال : ان المرأة ليس عليها عاقلة وليس عليها نفقة ولا جهاد ، وعدّد أشياء غير هذا ، وهذا على الرجل فلذلك جعل له سهمان ولها سهم» وفي مضمونها وردت روايات اخرى.

المسألة الثانية : قاعدة «تقريب الأقرب وتقديمه ، وان القريب يمنع البعيد» ويدل عليها قوله تعالى : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) فانه اعتبر الاقربية إلى الميت امرا مفروغا عنه ولكن الإنسان يجهل خصوصيات الاقربية وبضميمة الآيات الاخرى يتبين الأقرب والأبعد اللذان يكونان مؤثرين في زيادة السهم وقلته ويدل على ان الأقرب نسبا يمنع الا بعد قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) الأحزاب ـ ٦ فمن الآيات المتقدمة يستفاد :

ان اقرب الأقارب والأرحام هو الأب والأم والإبن والبنت ومع وجودهما لا تصل النوبة إلى أولادهما ، لأن الإبن والبنت يتصلان بالميت بدون واسطة وأولادهما يتصلون به بواسطتهما.

ثم بعد هذه الطبقة تأتي الطبقة الثانية وهم اخوة الميت وأخواته وجدودته فإنهم يتصلون بالميت بواسطة واحدة وهي الأب والأم وأولاد الأخ والأخت كأولاد الإبن والبنت فإنهم يتصلون بالميت بواسطة آبائهم ، وأمهاتهم وهم يمنعون الأولاد.

ثم تأتي الطبقة الثالثة وهم أعمام الميت وعماته وخالاته وأخواله فإنهم يتصلون بالميت بواسطتين الجدودة والأبوين والأم وهكذا القياس في جميع الإفراد.

ومن ذلك يظهر ان ذا السببين مقدم على ذي السبب الواحد فإذا اجتمع الأبوين مع كلالة الأب فان الاول مقدم على الثاني واما كلالة

٣٤٨

الأم فلا يزاحمها احد من كلالة الأبوين أو الأب لأدلة خاصة.

المسألة الثالثة : قاعدة الحجب ويستفاد تلك القاعدة من الآيات المباركة المتقدمة والسنة الشريفة فان بعض الإفراد يحجب صاحب سهم عن سهمه وهذا على نحوين فانه تارة يحجبه عن سهم إلى سهم آخر كحجب الاخوة لنصيب الأم من الثلث إلى السدس ويدل عليه قوله تعالى : (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) وفي حجب الاخوة شروط مذكورة في كتب الفقه.

منها : ان يكون الاخوة متعددين سواء كانوا ذكرين أو أخا وأختين أو اربع أخوات ، ويدل عليه ظاهر الآية الشريفة وبعض الاخبار والإجماع المحقق.

ومنها : ان يكونوا للأب والأم أو للأب ، ويدل عليه الاخبار كما عرفت والإجماع ايضا.

ومنها : ان يكون الأب حيا وغير ذلك من الشروط المذكورة في الفقه.

واخرى : يكون الحجب من سهم معين ولكن لا ينتقل إلى سهم آخر مثل حجب الأبن والبنت لسهم الأب والأم.

المسألة الرابعة : التركة إذا قيست مع السهام فتارة : تكون مساوية للسهام مثل بنتان وأب وأم فان للبنتين الثلثين وللأب السدس وللام السدس ، فاستغرقت السهام التركة والمال الموروث أو زوج واخت فان للاخت الواحدة النصف وللزوج النصف ايضا.

واخرى : تكون السهام اكثر من التركة مثل زوج وأختين أو أخوات فان للزوج النصف وللاخوات الثلثين وكما إذا اجتمع ابوان وبنتان وزوج فان السهام سدسان وثلثان وربع وهي تزيد على التركة

٣٤٩

بربع إذا هي لا تزيد عن السدسين الثلثين.

وثالثة : تكون السهام انقص من التركة كما إذا اجتمع أب وبنت واحدة فان للأب السدس وللبنت الواحدة النصف وهي تنقص عن التركة بمقدار السدسين وكما إذا كان بنتا فقط أو بنتين فقط أو أختين فقط.

والصورة الثانية : تسمى في اصطلاح الفقهاء بالعول ، والصورة الثالثة : تسمى بالتعصيب وفيهما النزاع المعروف بين الامامية والجمهور فإنهم حكموا بورود النقص في مسألة العول على جميع الورثة ؛ كما حكموا في مسألة التعصيب بأن الزائد يرد على عصبة الميت ـ وهم أقاربه من الذكور فقط ـ فحرموا الإناث منه.

ولكن الامامية شددوا النكير على ذلك تبعا لما ورد من ائمة اهل البيت (عليهم‌السلام) واعتبروا ذلك خروجا عن حدود الله تعالى وتعد عليها ، ويستفاد من تشديد التنكير في آخر الآيات المتقدمة على التعدي عن حدوده سبحانه والاقتران بين عصيان الله والرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والتعدي عن حدود الباري عزوجل ان ذلك خروج عما فرضه الله تعالى ، ولعل ما ورد في السنة الشريفة من انكار العول والتعصيب مأخوذ من الآيات المتقدمة.

وكيف كان فان ائمة الهدى (عليهم‌السلام) حكموا في مسألة العول ان النقص يدخل على خصوص الذين لم يعين لهم الا سهم واحد وهم البنات والأخوات دون غيرهم كالام والزوج الذين عين لهم الله تعالى فرائضهما الأعلى والأدنى في جميع الفروض وفي مسألة التعصيب يكون الزائد للجميع حسب نسبة السهام والتفصيل يطلب من محله وتقدم في البحث الروائي ما يتعلق بذلك ايضا.

المسألة الخامسة : ظاهر اطلاق الآية الشريفة في الأولاد وغيرهم

٣٥٠

ان الأولاد يقومون مقام آبائهم في مقاسمة الأبوين ويرث كل واحد منهم نصيب من يتقرب به كما تقدم في البحث الدلالي ، ويدل عليه اخبار كثيرة والإجماع المحقق.

المسألة السادسة : اطلاق الأزواج في قوله تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) يشمل المعقود عليها وان لم يحصل المقاربة والدخول فترثه ويرثها ، كما يتناول المطلقة طلاقا رجعيا لأنها بحكم الزوجة ما دامت في العدة. وبعد العدة إلى سنة يقع فيها الوفاة ويدل على ذلك الإجماع والاخبار المستفيضة إلا انه استثنى من القسم الاول ما إذا تزوج المريض زوجة فلم يدخل بها حتى مات في مرضه الذي تزوج بها ويدل على ذلك الاخبار والإجماع.

كما ان ظاهر اطلاق الآية الشريفة (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) ارث الزوجة من جميع التركة من العقار والبناء ونحو ذلك فلا تحرم من شيء منها ولكن الروايات المستفيضة والإجماع المحقق يدلان على حرمانها من بعض الأشياء. واختلف الفقهاء في تعيين ذلك تبعا لاختلاف الاخبار والمتفق بينهم انها تحرم من العقار بلا اشكال كما فصلناه في الفقه.

المسألة السابعة : ظاهر قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) ان الاخوة والأخوات لا يرثون مع الوالدين والأولاد ، ولا مع واحد منهم ، لما ذكرناه من ان طبقة الاخوة والأخوات بعد طبقة الوالدين والأولاد فإذا وجد واحد من الطبقة الاولى لا ترث الطبقة الثانية وهو متفق عليه عند الامامية ، ولكن الجمهور يورّثون الاخوة مع الام وتعرضنا لذلك في الفقه فراجع (مهذب الاحكام).

٣٥١

بحث فلسفي

الوراثة على اقسام : الاول الوراثة المالية وهي كما تقدم ان الإنسان يورّث مالا للطبقات التي بعده وقد شرحها الله عزوجل بأحسن شرح وأفضل بيان وفصلتها السنة المقدسة بما لا مزيد عليه خصوصا في الموارد التي لها المعرضية للتشاجر والاختلاف.

وعلم هذا التشريع منحصر به جلت عظمته فهو تبارك وتعالى يبين أصولها والسنة المقدسة تبين شرائطها وقيودها وغيرهما مما يتعلق بها واما الفروع والاحكام فيبيّنها الأولياء العظام والائمة الكرام ، وهذا مما لا شك فيه لان الإنسان مهما بلغ من الكمال لا يمكن له درك الحقائق الواقعية والمصالح النوعية على ما هي عليه فلا بد وان يرجع إلى وحي السماء وهو يبيّنها كما أنزلها تعالى بالترتيب المتقدم ويدل عليه قوله تعالى (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً).

الثاني : الوراثة في الملكات الراسخة في نفس الموّرث ـ حسية كانت أو حدسية ـ وهي وجدانية لكل احد في الجملة فقد يؤثر ملكات الآباء أو الأجداد في الأولاد غالبا ، وقد ثبت ذلك في العلم الحديث المعبر عنه ب (قانون الوراثة).

وعلم هذا القسم وخصوصياته منحصر به جلّ جلاله ايضا لأنه العالم بالواقعيات والمحيط بدقائق الأمور ـ كلياتها وجزئياتها ـ ومن هذا القسم نشأت القبائل والعشائر وعليه بنيت اكثر الأمور الاجتماعية والاعتبارية الشرعية على ما فصل في الفقه.

وهو من اقدم الأمور فكان مقارنا مع أول نسل آدم (عليه‌السلام)

٣٥٢

وقد كشف العلم الحديث كشفا صحيحا بمشيته واذنه تعالى وفي السنة المقدسة ما يدل على ذلك وقد ورد بعضها في كتاب النكاح وغيره قال تعالى : (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) الصافات ـ ١١٣ بدعوى ان الإحسان في المحسن حصل من الملكات الموروثة وكذا ظلم الظالم لنفسه صار مقتضيا لظلم الذرية وقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) الحديد ـ ٢٦ ، وقال تعالى : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً).

الثالث : الوراثة الروحانية وفي بعض المعنويات في الجملة فيورثها الأب لذريته قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الطور ـ ٢١ وغيره من الآيات المباركة.

وهذا القسم يختص بأولياء الله تعالى يتقدمهم سيد الأنبياء وذلك مشروط بعدم النقص والخلل في الذرية فإنهما يمنعان عن تلك الوراثة بعد الاعتقاد بانه تعالى عليم حكيم.

ويمكن ان يجتمع في ولي من اولياء الله تعالى أو نبي من أنبيائه الوراثة في المال والصفات الحسنة والوراثة التشريعية الروحانية فما نسب إلى نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «إنا معاشر الأنبياء لا نورّث درهما ولا دينارا» ليس في مقام نفي الوراثة أصلا وإلا لخالف الآيات الشريفة بل في مقام ان الأنبياء ليسوا في مقام جمع المال وادخاره لورّاثهم ـ كما يصنع أبناء الدنيا ـ فان شأنهم ومقامهم يجل عن ذلك نعم لو فرض شيء لهم ينتقل بعدهم إلى وارثهم وان الورثة يصرفونه في ذوي الحاجات وهذا هو معنى ما الحق بذيل الحديث : «وما تركناه صدقة» فمعنى صدر الحديث وذيله ان النبي ووارثه الروحاني كل منهما

٣٥٣

ليس في مقام ادخار المال بل أموالهم تصرف في ذوي الحاجات وإلا فإنهما كسائر الناس يرثون ، فان وارث النبي يرث منه من جهتين الجهة المالية والجهة الروحانية ولا يمكن التفكيك بينهما.

ثم إن اهتمام القرآن في تشريع اصول سهام الإرث بهذا التقسيم البليغ انما هو لأجل ان الموضوع كان مورد التشاجر والتخاصم في المجتمع فشرع السهام على وجه معقول وأكد الالتزام بها بقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) وقوله تعالى : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) فهذه كلها لدفع التشاجر والتخاصم والافتعالات الخاطئة وان ما سوى ما شرعه الله تعالى يكون (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) النور ـ ٣٩.

بحث اجتماعي

الإرث : من الأمور الاجتماعية التي لازمت المجتمع الانساني من أول حدوثه وقد مرت اطوار كثيرة على هذا الأمر المهم حتى وصل إلى الحالة التي نراها في الإسلام الذي يعتبر بحق احسن ما شرع فيه لأنه يبتني على حكمة متعالية ومصلحة عامة ونحن نذكر في هذا البحث ما يتعلق به :

٣٥٤

بداية الإرث وتحوله :

الإرث من أقدم الأمور الاجتماعية بل يمكن ان نقول انه امر طبيعي لا يسع لاحد إنكاره وقد برز للوجود بظهور الملكية والتملك عند الإنسان فانه من مصادر الملكية ، لكنه يختلف عن سائر المصادر بانه مصدر قهري للملكية ، فان بموت احد يتملك غيره سواء كان قريبا له أو لا ما كسبه في حياته وتركه لغيره ، اختلاف المجتمعات في هذه الظاهرة شدة وضعفا لا يضر ان يكون الإرث من اقدم العهود والسنن الاجتماعية.

ومن الطبيعي ان هذا الأمر الاجتماعي كان في بداية ظهوره بسيطا كسائر الأمور الاجتماعية فان الحياة كانت بسيطة وغير معقدة ولم يتكون المجتمع إلا من افراد قليلين ولم يكن المال الذي يرثه سوى بعض الأشياء البسيطة ، ولكنه تطور وتحول تدريجيا وان لم تصل إلينا كيفية ذلك.

تطور الإرث وتقسيمه :

بعد ما عرفت ان الإرث والتوارث هو امر طبيعي وقد كان بسيطا ثم تطور وكان في ابتداء امره مبنيا على القرابة والولاء فان لكل فرد أبوين واولادا وزوجة وقرابة وصديقا ورحما وهذه الإفراد تتفاوت في القرب والبعد والأولوية ومن هؤلاء تتشكل العشيرة والقبيلة ونحو ذلك فكانت قسمة الإرث تتفاوت في المجتمعات تبعا لاختلاف الآراء

٣٥٥

في الأولوية والاقربية ، ففي المجتمع الجاهلي مثلا كانوا يحرمون كثيرا من الورثة عن التركة لأنهم كانوا يعتبرون القوة في الوارث فبعضهم كانوا يعتبرون القوي هو رئيس القبيلة ، والآخر يعتبره الأب وثالث يعتبره أشجع القوم وظل هذا الأمر الاجتماعي مختلفا فيه ويتحول من حال إلى حال آخر.

ولكن الأمر المتفق عليه انهم كانوا يحرمون الصغار والنساء والضعفاء من الإرث. وبلغ هذا الأمر الاجتماعي أوج كماله في الشريعة الاسلامية لأنها تبتني على الفطرة والحكمة بخلاف غيرها فإنها لا تنبع عن الفطرة بل تتبع العواطف والنزوات والإحساسات حتى عند الأمم الراقية التي سنت القوانين في حياتها مثل اليونان والرومان ولذا كان يطرأ عليها التغير والتبدل بخلاف ما شرعه الإسلام في الإرث فان المسلمين قبلوا هذا الحكم بمجرد نزوله على صاحب الشرع واسرعوا إلى العمل به وظلوا على ذلك منذ اربعة عشر قرنا.

مقارنة الإرث في الأمم المتمدنة :

أما اليونان فكانوا يحرمون النساء مطلقا الزوجة والبنت والاخت من الإرث كما كانوا يحرمون صغار الأولاد ولكنهم كانوا يحتالون في توريث من حرموه من الميراث بالوصية إليهم.

واما الرومان فإنهم كانوا يقسمون الإرث على القرابة التي يبتني عليها البيت عندهم وما يريده أب البيت ، فإنهم كانوا يعتبرون ان للبيت شخصية قانونية واستقلالا مدنيا عن المجتمع العام وكانت تشكيلة البيت من رب البيت والزوجة والأولاد والعبيد ، وكان رب البيت

٣٥٦

هو المعبود لأهله وهو يعبد رب البيت السابق من اسلافه كما انه المالك وغيره لا يملك والقيم عليهم والأولاد ان بقوا في البيت بعد تأسيسهم لبيت جديد فانه تابع لرب البيت وإلا فهو رب للبيت الجديد بعد ما كان من افراد البيت القديم واما إذا مات فانه يرثه احد ابنائه أو إخوانه ولا ترث النساء مطلقا الأم والبنت والاخت والزوجة بحكم القانون الذي يسنه أب البيت ، فالنساء ذوات قرابة طبيعية دون القرابة الرسمية التي بموجبها يرث افراد البيت. ولعل السبب في ذلك انهم كانوا يحرمونهن من الإرث لئلا ينتقل مال الميت إلى بيت آخر بالازدواج ، فان المال عندهم ملك للبيت الذي اكتسبه ولا يجوزون انتقال الثروة من بيت إلى بيت آخر.

واما سائر الأمم ـ كالهند والصين وغيرهما ـ فإنهم كانوا يحرمون النساء وضعفاء الأولاد ويقتربون في ذلك إلى اليونانين والرومانيين.

واما الفرس فإنهم كانوا يحرمون بعض النساء في بعض الحالات مثلما كانوا يحرمون البنات المزوجات والزوجات غير الكبيرات واما الزوجة الكبيرة والبنت غير المزوجة فإنهما ترثان ، ورب البيت قد يحب بعض النساء حبا بجعلها مقام الأولاد فترثه كما يرث الابن والدعي لأنهم كانوا يجوزون الإرث للبنين واما البنت فإذا لم تتزوج فهي ترث نصف الابن واما إذا تزوجت فلا ترث شيئا لئلا تنتقل الثروة إلى خارج البيت.

واما في العصر الجاهلي المعاصر لنزول القرآن فإنهم كانوا يورثون الأولاد تبعا للرشد والقوة ، فحرموا النساء وصغار الأولاد فان لم يكن في الأولاد رشيد قوي فيرث المال العصبة.

٣٥٧

الإرث في الإسلام :

بعد ما عرفت حال هذه السنة الاجتماعية قبل الإسلام وعصر نزول القرآن وقد اتفقوا على منع النساء والضعفاء ومن لا حول له ولا قوة من الإرث والجميع أسسوا هذه القواعد والاحكام على أساس العصبية والعواطف التي لا تهدى إلى السعادة والحقيقة.

اما الإسلام فقد سن حكمه على الفطرة والحكمة والتعقل وشرع قانون الإرث على أساس محكم متين وهو النسب والسبب والولاء ، واعتبر ان القرابة تقوم على أساس الرحم الذي هو أم تكويني والغي كثيرا من الأمور التي كانت متبعة عند المجتمعات قبل الإسلام منها التبنّي والادعاء والقوة والنفوذ والشجاعة والرشد ونحو ذلك من الأوهام الخاطئة التي بها حرم كثير من الورثة ، بل يمكن ان نقول ان الإرث مطلقا كان يبتني على ارادة رب البيت وما تمليه العادات والتقاليد دون الحكمة والتعقل. وقد عرفت ان الإسلام يبني الإرث على اصلين جوهريين هما اصل القرابة والرحم الذي هو الرابط بين الفرد وأقربائه وفي هذا الأصل لا يختلف الذكور والإناث والكبار والصغار بل حتى الجنين في بطن امه فإنهم جميعا يشتركون في الرحم والقرابة لكن الإفراد تختلف في القرب والبعد ولذلك سنّ قانون الاقربية وان الأقرب يمنع الأبعد وعلى ذلك بنيت طبقات الإرث المتتالية وهي ثلاث طبقة الآباء والأبناء ، وطبقة الأجداد والاخوة ، وطبقة الأعمام والأخوال على ما هو المعروف ولا ترث الطبقة اللاحقة عند وجود فرد من الطبقة السابقة وفي كل طبقة تجري قانون أن الأقرب يمنع الا بعد. وكان أساس

٣٥٨

ذلك أمر تكويني وحكم رباني مبني على الحكمة المتعالية والمصلحة العامة.

كما له اصل آخر قويم وهو : اختلاف الذكر والأنثى في الإرث وأسس القانون العظيم وهو : «للذكر مثل حظ الأنثيين» وذلك لاختلاف الطبائع في كل واحد منهما الموجب لاختلاف منزلتهما الاجتماعية وان كان الجميع سواء في الشخصية الانسانية بلا اختلاف بينهما في هذه الجهة ، وبذلك أبطل جميع التشريعات الوضعية التي أسست على العاطفة والاحساس ، فكانوا يحرمون النساء لأنهم كانوا لا يرون لهن منزلة في المجتمع الانساني ولكن الإسلام رد المرأة إلى منزلتها الطبيعية وارجع لها الحقوق التي اغتصبت برهة من الزمن.

واما ما تدعيه المدنية المعاصرة من تساوي الحقوق بين المرأة والرجل فهذه ليست إلا بدعة أرادوا بها إذلال المرأة وجعلها لعبة يستفيد منها المغرضون في الميل عن الحق واثبات أغراضهم الفاسدة واعمال نواياهم السيئة فاي حق لها كان ضايعا في الإسلام حتى يردوه إليها.

وكيف كان فالإسلام بنى الإرث على هذين الأصلين وقسّمه على الكيفية المعهودة كما عرفت سابقا. وجاء رد الإسلام واضحا في قول الله تعالى : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) فإنهم قصدوا المنافع الدنيوية من الإرث وفي تقسيمه ولكنهم جهلوا خصوصياته فضلّوا واضلّوا.

ومن ذلك تعرف الفرق الجوهري بين النظامين الاسلامي والوضعي فانه يفترق عن غيره في المنهج والقاعدة والغرض كما عرفت مما سبق.

ومن نافلة القول ان بعض من يدعي الفضل يرى ان قانون الإرث في الإسلام مأخوذ من الإرث الروماني ، وكأنه غفل عن التباين الكلي بينهما وانه جهل أساس كل من القانونين ونحن في غنى عن التفصيل

٣٥٩

بعد ما اتضح لك الحال.

الإرث في الأمم المعاصرة :

يختلف الإرث في الأمم المعاصرة المتمدنة عن قانون الإرث في الإسلام في الأصل والمنهج ، ولكنها تتفق معه في توريث المرأة لاعتمادهم على تساوي الحقوق بين الرجل والمرأة ويدّعون انهم خالفوا بذلك جميع المجتمعات التي حرمت النساء من حقوقهن ولكن بعد التأمل في ما ذكرناه ترى ان فضل ذلك يرجع إلى الإسلام عند ما اعتبر المرأة جزء من الاجتماع وان لها حقوقا كما للرجال.

ولقد ثارت في الجاهلية المعاصرة منذ القرن السادس عشر قضية المرأة وشغلت بال النساء والرجال على حد سواء برهة من الزمن وكانت في بداية الأمر لا تتعدي عن بعض الأمور ولكنها اتسعت وتعدت حتى وصلت إلى المساواة المطلقة في كل شيء بل نادى بعضهم بالحرية للمرأة في ان تهب نفسها لمن تشاء. وشتان بين الجاهلية التي جعلت المرأة كالمتاع وحكّمت العواطف والإحساسات على التعقل والحكمة وبين ما أثيرت في عصر نزول القرآن من المسلمات المؤمنات اللواتي أردن المساواة بينهن وبين الرجال في الحقوق ودرجة الشهادة والتساوي في الميراث فجاء الخطاب السماوي الذي يفصل بين الواقع والخيال وردا على التمنيات التي توجب الفوضى والفساد قال تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) النساء ـ ٣٢ فان الله خلق كل واحد من الجنسين لمهمة معينة تقوم

٣٦٠