مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٧

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣١

تنافي بين الآيتين الشريفتين.

والخطاب في الآية المباركة للأولياء أو الأوصياء وغيرهم من القضاة ان يرزقوا اولي القربى غير الوارثين سواء كانوا اغنياء أم فقراء قبل قسمة التركة أو بعدها مما صار إليهم مع القول المعروف الحسن حين الإعطاء أو الرد بالإحسان إذا لم يعطوهم شيئا.

ثم إن مقتضى قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) حرمة أكل مال اليتيم ظلما واما إذا لم يكن على النحو المذكور فيجوز لوجود الاذن الشرعي فيه ، والخطاب في الآية الكريمة للأولياء والأوصياء ومن يتصدى امور اليتامى.

(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ

٣٢١

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢) تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤))

الآيات الشريفة تتضمن احكاما الهية ترشد الناس الى الكمال وتسوقهم الى السعادة في الدارين ، وهي احكام اجتماعية روعي فيها حفظ اموال الناس وتوزيعها وفق نظام متين على ما بينه عزوجل دفعا للتشاجر والتخاصم. وحفظا لحقوق الإفراد ومراتبهم.

وقد ذكر سبحانه وتعالى عمدة احكام المواريث والفرائض في هذه الآيات المباركة مرتبة على قاعدة الاقربية في الرحم التي هي أهم القواعد في الإرث وجرى عليها العمل في الفقه الاسلامي وهي من أجل واحسن نظام روعي فيه جميع الخصوصيات وأبطل بها عزوجل جميع

٣٢٢

الاحكام الوضعية التي كانت سائدة في المجتمعات القديمة ومنها المجتمع الجاهلي وما وضعته القوانين المدنية وقد جعل عزوجل من يتبع تلك الاحكام السماوية مطيعا لله وللرسول وقد وعد تعالى له الجزاء العظيم والسعادة العظمى في الدارين وأوعد تعالى على من خالف تلك الاحكام وتعدى حدودها وعصى الله ورسوله النار والعذاب المهين.

التفسير

قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ).

الوصية : العهد والأمر ، ومنه الوصية المعروفة وهي ما يتعهد به الى الغير للعمل به واليه يرجع ما ذكره الراغب في المفردات : انها التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ.

والمراد بها في المقام الفرض والتشريع وانما عدل إلى هذه اللفظة لأنها ابلغ في الاهتمام بما اوصى به والاعتناء به وطلب حصوله بسرعة كما عدل من الأبناء إلى لفظ الأولاد لأنه يشمل من تولد من الرجل بواسطة أو بدونها وان كان الأبناء أيضا كذلك إلا ان في التعبير ب (أَوْلادِكُمْ) نحو استيناس اليه وفيه تعميم يشمل الذكور والإناث كبارا أو صغارا. وذكر بعضهم ان الولد حقيقة في أولاد الصلب ومجاز في غيرهم ولكنه فاسد كما هو واضح.

وانما ذكر الأولاد ابتداء لأنهم اقرب رحما إلى الميت من غيرهم.

والمعنى : ان الله تعالى فرض عليكم احكاما في ارث أولادكم ، والآية فيها إجمال تبينه الآيات الشريفة التالية.

٣٢٣

قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).

تفصيل بعد إجمال وبيان لاهم ما وصى به عزوجل وهي تتضمن قاعدة كلية من قواعد الإرث ولذا قدمها عزوجل على سائر أحكامه واستدل بها الفقهاء في كتبهم الفقهية في أكثر من مورد.

والآية الشريفة بايجازها البليغ تتضمن تفضيل الذكر على الأنثى في الإرث إذا اجتمعا وجهة التفضيل ، والإشارة إلى تقرر نصيب الأنثى في الواقع وبيان سهم الأنثيين إذا انفردتا ولا يظهر ذلك المضمون لو كانت العبارة غير ما ذكره جلّ شأنه فسبحان من ظهرت آياته في محكم كتابه.

وأسلوب الخطاب ينبئ عن ابطال ما كانت عليه الجاهلية وبعض المجتمعات الاخرى من منع توريث النساء كما عرفت سابقا ، والإسلام بدأ أولا بابطال العصبيات والتقاليد وشرّك النساء مع الرجال في التركة كما تقدم ثم بين ان ارث الأنثى محفوظ ومعروف وانه الأصل في تشريع ارث الذكر وعد كل واحد منه باثنتين من النساء إذا اجتمع الصنفان من الذكور والإناث ، فالإسلام يعطي نصيب الضعف للرجل ، فيكون نصيب المرأة نصف الرجل في المال الموروث ثم فصل سهام الإناث بعد ذلك ولم يذكر سبحانه سهام الرجال مستقلا إلا مع سهام النساء ، وذلك لبيان اهمية الموضوع وقطعا لكل عصبية وإبطالا لكل عادة وتقليد ورفعا للإبهام والإجمال.

واما العلة في تفضيل حظ الذكر من المال الموروث على الأنثى مع كون هذا المال لم يبذل فيه جهد ومشقة من اي منهما فلوجوه عديدة ، منها ما سيذكره عزوجل في قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا

٣٢٤

اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) النساء ـ ٣٢ فان الرجل كلف بالإنفاق ، والمرأة لم تكلف به فالتفضيل حق في مقابل هذا التكليف. وهناك وجوه اخرى يأتي بيانها.

واللام في الذكر والأنثيين للجنس. اي : جنس الذكر يعادل جنس الأنثيين إذا اجتمع الصنفان ، وانما قدم الذكر على الأنثى لبيان زيادة حظ الذكر لا نقص حظ الأنثى فان الإشارة إلى جهة فضل الفاضل احسن في التعليل من الإشارة إلى جهة نقص المفضول كما ذكره بعض العلماء وهو حسن.

قوله تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ).

تخصيص لسهام النساء المنفردات لأهمية الموضوع ورفعا لكل إجمال وإبهام كما عرفت. وتأنيث الضمير الذي يرجع إلى الأولاد (كُنَّ) باعتبار الخبر.

أي إذا كن الوارثات نساء ليس معهن في طبقتهن ذكر واحد أو اي : متعدد فلهن ثلثا ما تركه المورث المعروف من سياق الكلام.

وقوله تعالى : (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) صفة نساء ، أو خبر ثان. والمراد به الفوقية في العدد أي ثلاثا فصاعدا فلهن الثلثان والباقي يرد على من اجتمع معهن مع تساوي الدرجة أو يرد عليهن إذا لم يكن معهن احد من نفس الدرجة.

وانما ذكر الثلثين لبيان انهما الميزان في الرد على غيرهن فيبقي مجال لسهم الوالدين أو أحدهما والزوج أو الزوجة إذا كانوا مع البنات.

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ).

الضمير يرجع إلى المولودة المفهومة من الكلام ، واللام في النصف

٣٢٥

عوض عن المضاف اليه اي نصف ما ترك. والنصف مثلث النون وقرئ بعضهم بالرفع لزوما قياسا على بقية الأعشار كالثلث والربع والخمس فان كلها مضمومة الأوائل وهي لغة اهل الحجاز. والنصف احد شقي الشيء وانما ذكر النصف لبيان انه الميزان في الرد على من يجتمع معها كالابوين أو أحدهما أو الزوج أو الزوجة فيعرف سهام كل واحد منهم.

وقد ذكر سبحانه سهم البنت الواحدة وهو النصف ، وسهم فوق اثنتين من البنات وهو الثلثان ولم يذكر سهم البنتين وسيأتي في البحث الدلالي تفصيل الكلام.

قوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ).

الضمير في (لأبويه) يرجع إلى الميت المعلوم من السياق والسدس خبر ، والمراد بالأبوين هما الأب والام تغليبا للفظ الأب فان العرب يجري المختلفين مجرى المتفقين فيغلب أحدهما على الآخر كالقمرين والحسنين والملوين.

وانما عطف حكم الأبوين على حكم الأولاد لبيان اشتراكهما مع الأولاد في الطبقة.

والمعنى : ولكل واحد من ابوي الميت السدس مما تركه الميت فهما في هذه الصورة في الفريضة سواء لا يتفاضلان كما يتفاضل الذكور والآنات إذا اجتمعا.

وهذا الحكم مختص بالأب والام ولا يتعدى إلى الجد والجدة لعدم اطلاق الأب والام على الجد والجدة حقيقة وان كان يشملهما لقرائن

٣٢٦

خارجية كما في قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) الأعراف ـ ٢٧ مضافا إلى ان تثنية الأبوين شاهد آخر على ان المراد هما القريبان لان الجد والجدة في الطبقة الاولى يكونون اربعة لا إثنين كما هو معلوم ، ويتضاعف العدد كلما علت الطبقة ويدل على الحكم المزبور اجماع الامامية ايضا. هذا إذا كان مع الأبوين ولد للميت ذكرا كان أو أنثى ، منفردا أو متعددا للصلب أو غيره لان الولد جنس يشمل الجميع. نعم ان كان الولد بنتا واحدة فلها النصف ولكل واحد من الأبوين السدس ، فما زاد يرد على الجميع أخماسا ان لم يكن حاجب والا فارباعا كما هو معروف في فقه الامامية.

ولا يعطى للعصبة شيء خلافا للجمهور وهي مسألة التعصيب المعروفة في الفقه.

قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ).

بيان لصورة انحصار الوارث في الأبوين اي وان لم يكن للميت ولد مطلقا كما عرفت آنفا وانحصر الوارث في الأبوين معا لا أحدهما فان الوارث ان كان الأب فقط فالمال كله له ، وان كانت الام فلها الثلث تسمية والباقي ردا ، فإذا اجتمع الأبوان معا وانحصر الوارث فيهما فللام الثلث مما تركه المورث والباقي للأب وانما لم يذكره لكونه معلوما ولأنه لم يكن صاحب فرض غيرها والكلام في اصحاب الفروض.

قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ).

بيان لصورة الحجب اي : وان كان للميت اخوة ، فلام الميت السدس توفيرا على الأب ، فيعطى الباقي له قرابة ويشترط في حجب الاخوة من الثلث إلى السدس امور ذكرها الفقهاء في الفقه من يشاء

٣٢٧

فليراجع كتابنا (مهذب الاحكام).

وذكر الاخوة بعد قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) فيه الدلالة على ان الاخوة في الطبقة الثانية بعد الطبقة الاولى التي فيها الأبناء والآباء.

قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ).

قاعدة اخرى من قواعد الإرث وهي : «ان الإرث انما يكون من اصل المال الذي تركه الميت إذا لم يوص بوصية أو لم يكن عليه دين فان كانت وصية أو دين فانه يجب اداؤهما أولا ثم التوريث مما بقي».

والوصية ـ كما تقدمت ـ هي التعهد إلى الغير بعمل معين ، وهو المراد بها في قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) البقرة ـ ١٨٠ وانما وصف الوصية بأنها يوصى بها لبيان أهمية الوصية ، والدلالة على التأكد من ثبوتها والتحقق من نسبتها إلى الميت ولم يقيد الدين بما قيد به الوصية للدلالة على انه لا يعتبر في إخراج الدين الوصية به ولا حصوله عليه باختياره.

وانما قدم الوصية على الدين مع انها مؤخرة عنه في الترتيب لأنها اكثر وقوعا وللاهتمام بها وتنزيلها منزلة اصل الدين والا فان الدين مقدم في الوفاء على الوصية فيخرج الدين أولا من تركة الميت ثم تخرج الوصية ثم الإرث وقد دل على هذا الترتيب السنة الشريفة والإجماع المحقق ، مع ان القصد في الآية الشريفة هو بيان تقديمها على الميراث من دون قصد بيان ترتيبهما في أنفسهما مضافا إلى انه يستفاد التأخير من كلمة (بَعْدِ) فإنها تدل على ان الميراث بعد إخراج الوصية وهي

٣٢٨

تلو الدين فوافقت الآية الكريمة ما ورد في السنة الشريفة والإجماع.

والدين يشمل كل ما هو واجب مالي لازم الوفاء سواء كان دينا خالقيا ـ كالزكاة والخمس والحج ـ أو خلقيا كالقرض وغيره.

قوله تعالى : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً).

بيان لحقيقة من الحقائق الواقعية وخطاب عام يبين خطأ الأوهام والتقاليد التي كانت متبعة عند الأمم في عصر نزول القرآن الكريم ودفعا لما قد يقال في هذا الموضوع المهم الذي هو في معرض التشاجر والتنازع والجواب عن السبب في اختلاف السهام ببيان ان الإنسان مهما بلغ في الذكاء والفطنة لا يعلم من هو الأقرب اليه نفعا في الدين والدنيا والآخرة فانه يقع تحت تأثير العواطف والنزعات النفسية والتقاليد والعادات الاجتماعية فكم من شخص يحرص الإنسان توريثه وتوفير سهمه ولكن لو انكشف الأمر له لمنعه عن ذلك ، والإسلام ينظر في ذلك نظرة واقعية ويسنّ قانونا الهيا لا يقبل التغيير وهو بعيد عن الأوهام الباطلة والعواطف الانسانية والنزعات الشخصية. ويقسم السهام على افراد الورثة حسب ما ينظره من المصلحة العامة وما يقتضيه تكوين الإنسان وفطرته كسائر الاحكام الاسلامية التي تبتني على الفطرة والمصلحة العامة. ويدل عليه تقديم الآباء على الأبناء في الآية الشريفة وهما يشيران الى الأصول والفروع في باب التوارث ، فتشمل الأب والام والجد والجدة والأبناء الذكور والإناث ، والاخوة والأخوات

ويستفاد من تقديم الآباء على الأبناء ان الآباء اقرب نفعا من الأبناء.

والمراد من النفع : الأعم من النفع الدنيوي المادي أو النفع

٣٢٩

الاخروي المعنوي ، ففي الحديث المعروف «إذا مات الرجل انقطع عمله الا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» والآية الكريمة تؤكد مضمون ما ورد في الآيات السابقة.

قوله تعالى : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ).

فريضة منصوب على انه مصدر مؤكد لنفسه اي : فرض عليكم فريضة ، وقيل منصوب على انه حال من المواريث الموصى بها اى أوصى بتلك السهام حال كونها مفروضة.

والآية المباركة تؤكد على ان تلك السهام مقدرة ومعينة من الله تعالى وفق حكمة متعالية لا تقبل التغيير والتبديل.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً).

اي : ان الله تعالى المحيط بعلمه بجميع مصالحكم ، ولحكمته المتعالية البالغة التي يضع الأشياء بها في مواضعها فانه شرع لكم تلك الاحكام والوصايا وفق الحكمة التامة والمصالح العامة.

قوله تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ).

بعد ما ذكر سبحانه وتعالى الموجب الأول للارث وهو النسب والقرابة وبين ما يتعلق بالطبقة الأولى وهو سهام الأولاد والوالدين وبعض الاحكام كحجب الاخوة عن نصيب الأم.

يبين عزوجل في هذه الآية المباركة موجبا آخر وهو السبب فذكر قسما منه وهي الزوجية وانها تنص على انه يرث كل واحد من الزوجين من الآخر في جميع الحالات ولا يحجبهما عن النصيب الأعلى ـ وهو النصف للزوج والربع للزوجة ـ الا الولد مطلقا ، فيستفاد من

٣٣٠

الآية الكريمة انهما يشاركان جميع الطبقات ، فيشاركان الأولاد وان نزلوا ، والآباء وان علوا ، وسائر الورثة بالأولوية.

وقد ذكر سبحانه جميع صور إرثهما وهي أربعة : الزوج مع عدم الولد للزوجة ، ونصيبه النصف ، والزوج مع الولد لها ، ونصيبه الربع ، والزوجة مع عدم الولد للزوج ونصيبها الربع ، والزوجة مع الولد له ونصيبها الثمن.

والمراد بالزوجة مطلق من تحققت بهن الزوجية الدائمية ، سواء دخل بهن أم لا على ما فصل في الفقه ؛ كما أن المراد بالولد مطلق من تولد منهن سواء كان ذكرا أم أنثى للصلب أم غيره وان نزل واحدا كان أم متعددا. ويستفاد من قوله تعالى : (لَهُنَّ) ان المناط تحقق الولد منهن وان لم يكن من الزوج الوارث لها.

قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ).

هذه هي الصورة الثانية ، والمراد من الولد تحققه منهن ، سواء كان من الزوج أم من غيره ، فان في هذه الحالة للزوج الربع.

قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ).

اي : ان الزوج انما يرث في كلتا الحالتين بعد إخراج الدين والوصية التي توصي بها الزوجة ، فإذا فضل بعد ذلك شيء يخرج منه السهام ، ومنها سهم الزوج على ما تقدم من التفصيل.

قوله تعالى : (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ).

هذه هي الصورة الثالثة ، والكلام فيها كالكلام في الصورة الاولى والمستفاد من (لَكُمْ) ان المناط تحقق الولد منه وان لم يكن ولدا

٣٣١

لها ، ونصيب الزوجة في هذه الحالة الربع.

قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ).

الصورة الرابعة ، وهي ارث الزوجة من الزوج ان كان له ولد فلها الثمن مما تركه الزوج على ما تقدم من التفصيل.

واطلاق الآية المباركة يقتضي عدم الفرق بين الزوجة الواحدة والمتعددة فإنهن يشتركن في الربع ان لم يكن للزوج ولد وفي الثمن ان كان له ولد.

قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ).

على ما تقدم من التفصيل ، فان الزوجة انما ترث في الحالتين من تركة الزوج بعد وفاء الدين وإخراج الوصية التي اوصى بها الزوج.

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ).

بيان لبعض احكام الطبقة الثانية من الموجب الأول للارث ، وهم الاخوة والأجداد.

و (كانَ) تامة ، ورجل فاعل ، وجملة (يُورَثُ كَلالَةً) صفة له و (كَلالَةً) حال من الضمير في (يُورَثُ) و(امرأة) عطف على رجل. وقيل ، في وجه الاعراب غير ذلك ولكنه لا يخلو عن تكلف.

ومادة كلل تدل على الاحاطة ، وكلالة مصدر من كلّ يكلّ ، وتكلّله النسب بمعنى احاطه ، ومنه الإكليل وهو التاج لإحاطته بالرأس وكذا الكل (بالضم) لإحاطته بالجزء. وقيل : ان الكلالة بمعنى الإعياء وسميت القرابة البعيدة كلالة لضعفها بالنسبة إلى القرابة القريبة وهم الأصول والفروع. وقيل : إنها بمعنى البعد ، ومنه كلت الرحم

٣٣٢

بين فلان وفلان إذا تباعدت القرابة ، وسميت القرابة البعيدة بها لبعدهم عن الميت ، والكلالة ما خلا الوالدان والولد سموا كلالة ، لإحاطتهم بنسب الميت. ولم يرد لفظ الكلالة في القرآن الكريم إلا في موضعين أحدهما المقام ، والثاني في آخر هذه السورة ولم يقصد منهما إلا الاخوة والأخوات. وهي اسم يجمع الوارث والمورث من جهة انتساب كل واحد منهما إلى الآخر ، وهي تشمل الذكر والأنثى ، ولا تثنى ولا تجمع لأنها مصدر ، كالوكالة والدلالة.

وكيف كان فالمتفق عليه عند الجميع انها لا تشمل الآباء والأولاد.

والمعنى : ان كان الميت المورث كلالة ليس له أب ولا ابن والآية تختص بما إذا لم يكن للميت وارث من الطبقة الأولى في الإرث وهم الآباء والأبناء وكان له أخ أو اخت ، والمرأة حكمها حكم الرجل إذا كانت كلالة ليس لها أب أو ابن.

قوله تعالى : (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ).

الضمير في (لَهُ) يرجع إلى الرجل اكتفاءا به عن المعطوف لاشتراكهما في الحكم. والأخ أصله «أخو» لدلالة التثنية (اخوان) عليه فحذف منه الواو ونقلت الضمة الى الخاء على غير قياس. وأما اخت فقد حكى جمع انه ضم أولها لأن المحذوف منها واو ، كما كسر أول بنت لان المحذوف منها ياء اي : وان كان المنتسب الى الميت واحدا من الكلالة إما أخ أو اخت فله السدس مما تركه الميت.

قوله تعالى : (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ).

اي : وان كان المنتسب اكثر من واحد اي أخوين فصاعدا أو أختين كذلك أو هما معا فلهم الثلث يقتسمونه بينهم بالسوية من دون تفاضل بين الذكر والأنثى.

والأخ والاخت وان كان مطلقا يشمل الاخوة من طرف الام والاخوة من طرف الأبوين ، أو الأب ، ولكن اشتراكهم في الثلث بالسوية يدل

٣٣٣

على ان المراد منهم خصوص كلالة الام فقط ، وقد اجمع المسلمون على ذلك ، ويشهد له الجمع بين هذه الآية والآية الاخرى في الكلالة في آخر هذه السورة.

قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ).

اي : انما ترث كلالة الأم السدس ان كانت واحدة ، والثلث ان كانت متعددة بعد وفاء الدين وإخراج الوصية من التركة ، كما تقدم التفصيل.

قوله تعالى : (غَيْرَ مُضَارٍّ).

جملة حالية من الفاعل ، والعامل فيها (يوصى) اي يوصي الرجل ومثله المرأة حالكونه غير مضار للورثة بوصيته بان يوصي بأكثر من الثلث أو يضرهم بافتعال الدين لنفسه فيحرمهم من الإرث.

والمضارة من الإضرار وهذا القيد يعتبر في جميع الموارد التي ذكر فيها الوصية في ما تقدم من الآيات الشريفة ك «يوصي ويوصين وتوصون» ولكن حذف لدلالة ما بعده عليه ، وانما ذكره في المقام لأنه مظنة الضرر ، فان كلالة الأم كثيرا ما تكون ثقيلة على المورث.

قوله تعالى : (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ).

مصدر منصوب بفعل مقدر اي : يوصيكم بذلك وصية من الله تعالى فيجب الإذعان بها والعمل بمضمونها ، وانما نسبها اليه عزوجل للتأكيد على مضمونها وتعظيم شأنها والتحذير من مخالفتها.

قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).

اي : والله عليم بمصالحكم ونياتكم فيعلم المطيع منكم والعاصي

٣٣٤

المتعدي على حدود الله تعالى ، حليم لا يعاجل بالعقوبة ، فعليكم بالتخلق بأخلاق الله تعالى.

وانما ذكر عزوجل هذين الاسمين المباركين لان أحدهما يبين حكمة التشريع ، والثاني يبين تنفيذ التشريع فانه شرع الاحكام لمصالحكم فيجب عليكم العمل بها ومن يخالف يعاقب وان يمهله الله تعالى لحلمه بكم.

قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ).

الحد هو الحاجز بين الشيئين بحيث يمنع اختلاط أحدهما بالآخر والتمايز بينهما ، والمراد بها تلك الاحكام التي شرعها الله تعالى في المواريث وغيرها التي هي حدوده عزوجل فلا يجوز التعدي والتجاوز عنها.

قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ).

تفريع على ما سبق فان كون الاحكام حدوده تعالى يستلزم الإطاعة وبيان الجزاء على الموافقة والمخالفة اي : ومن يطع الله تعالى في العمل باحكامه على حدودها ويتبع ما ورد على لسان الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في تفسيرها وبيانها فانه واسطة الفيض وما ينطق عن الهوى فانه يجزيه الجزاء الأوفى.

قوله تعالى : (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها).

اي : ان جزاء المطيع هو ان يدخله الله تعالى جنات في غاية البهجة واستكملت جميع اسباب السرور خالدين فيها لا ينغص عيشهم حزن الفراق.

٣٣٥

وانما جمع (خالِدِينَ) مراعاة لمعنى (مَنْ يُطِعِ) لأنه من الألفاظ التي تدل على العموم ولبيان انهم مجتمعين فان في الاجتماع كمال اللذة. كما انه أفرد الضمير في (يُدْخِلْهُ) مراعاة للفظ (مَنْ).

قوله تعالى : (وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

فانه عظيم بنفسه ، لأنه في غاية البهاء والصفاء واستكملت جميع اسباب البهجة والسرور والسعادة وخلي عن جميع المنغصات والكدورات وعظيم بالإضافة لأنه من عند الله تعالى.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ).

بعد ان ذكر أن المناط في الطاعة هو العمل بحدود الله تعالى وما جاء به الرسول الكريم (صلى‌الله‌عليه‌وآله). بين عزوجل أن المناط في للعصيان هو التعدي عن حدود الله.

اي : ومن يخالف احكام الله تعالى ولم يعمل بما أنزله عزوجل وما جاء به الرسول العظيم (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

قوله تعالى : (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ).

تفسير العصيان ، وفيه التأكيد على ترك المخالفة ، ولبيان ان مخالفة الرسول من التعدي عن حدود الله تعالى. وللاشارة بان الزيادة عليها يكون من التعدي عن حدود الله ، فيكون ردا على بطلان العول والتعصيب كما ستعرف.

قوله تعالى : (يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها).

اي : ان جزاؤه هو الخلود في النار. وانما أفرد (خالِداً) لبيان انه لا يتمتع من منفعة الاجتماع ، وهي الانس لشدة العذاب

٣٣٦

ومقاساة أهوالها ، فهم كالفرادى في النار.

قوله تعالى : (وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ).

اي : له مضافا إلى دخوله النار عذاب عظيم كنهه ، مذل له ، وانما اذله الله تعالى في العذاب لأنه اغتر بنفسه وتعدى حدود الله تعالى.

بحوث المقام

بحث دلالي :

تدل الآيات الشريفة على امور :

الأول : يستفاد من الآيات المباركة المتقدمة اهمية الفرائض واحكام المواريث في الشريعة الاسلامية ، فقد اعتنى القرآن الكريم بهذه الفرائض واهتم بها اهتماما بليغا وتضمنت تلك الآيات رموزا ووجوها كثيرة تدل على ما قلناه.

منها : ان الله تبارك وتعالى شرّع تلك الاحكام وفرضها على الناس وأمرهم بمراعاتها وتعهدها حالا بعد حال ، وفي الوصية بالفرائض اهتمام بها وتأكيد على مراعاتها والعمل بها ما لم يوجد ذلك في غيرها.

ومنها : انه ذكر عزوجل القواعد الكلية المتبعة في المواريث ولم يعهد مثل ذلك في غيرها ، فمن تلك القواعد قاعدة «ان للذكر مثل حظ الأنثيين» وقاعدة «الأقرب يمنع الأبعد» وغيرهما من القواعد.

ومنها : انه تعالى بسط السهام ، وذكر أصولها في هذه الآيات

٣٣٧

وهي : النصف ؛ والربع ، والثمن ، والثلثان ، والثلث ، والسدس.

ومنها : انه جلّ شأنه عظّم أمر تلك الفرائض ببيان جزاء المطيع والعاصي فذكر الثواب على إطاعة الله تعالى واطاعة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيها والعذاب المهين على المخالفة والعصيان.

ومنها : انه تعالى جعلها من حدوده التي لا يجوز التعدي عنها ، وقد وردت أحاديث متعددة تدل على اهمية الفرائض والأمر بتعلمها ففي الحديث المعروف عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : «تعلّموا الفرائض وعلّموها الناس فاني امرؤ مقبوض ، وان العلم سيقبض ، وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة ولا يجدان من يقضي بها» وغيره من الأحاديث الكثيرة.

الثاني : يدل قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) على ان حكم السهم والسهمين مخصوص بأولاد الصلب للميت مباشرا ، واما غيرهم فهم في حكم من يتصلون به فلبنت الابن سهمان ولأبن البنت سهم واحد إذا اجتمعا ولم يكن هناك من يتقدم عليهم في المرتبة ، وكذلك حكم الاخوة والأخوات وأولادهم. هذا بخلاف الابن والبنت فإنهما اعمان من ان يكونا بواسطة أو بغيرها.

الثالث : يدل قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) بايجازه البليغ وأسلوبه الجذاب على أعظم حكم سنته الشريعة الإلهية في الفرائض والمواريث فانه يعلن أن جنس الذكر يعادل في النصيب سهم انثيين وهو يبين حقيقتين.

إحداهما : ارث الأنثى وانه امر مقرر معروف لا يمكن لاحد إنكاره وهو الأصل في ارث الذكر.

الثانية : ان للذكر مثل حظ الأنثيين. وبذلك يبطل جميع التقاليد

٣٣٨

والعادات البائدة التي لم ينزل بها سلطان ، وقد قيل في وجه الحكمة في هذا الحكم الالهي وجوه كثيرة بعضها لا تخلو من المناقشة. والمهم ان القرآن الكريم في هذا الأسلوب يبين جهة فضل الفاضل ولم يتطرق إلى جهة نقص حظ الأنثى.

الرابع : قد ذكر سبحانه في الآيات المتقدمة من موجبات الإرث النسب ـ المتحقق في الآباء والأبناء والاخوة ـ والسبب المتحقق في الزوجية وقد ذكر الأبناء والآباء في قوله تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ). وكلالة الأم من الاخوة. فاما السبب فقد ذكر عزوجل سهم الزوجين الأعلى والأدنى على ما عرفت من التفصيل.

الخامس : يستفاد من التفصيل في سهام البنات انه لا يستغرق فرضهن التركة ، فان الواحدة منهن تأخذ النصف والمتعددة يأخذن الثلثين واما الزائد فيرد عليهن بالتساوي. هذا إذا لم يكن معهن وارث ذكر ، والا فان للذكر مثل حظ الأنثيين ويعلم من هذا التفصيل ان الذكر الواحد أو المتعدد يأخذون التركة ويتساوون فيها.

السادس : يستفاد من قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) انه لا نصيب لذوي السهام في التركة قبل إخراج الدين والوصية منها ، فإذا اوفي الدين وأخرجت الوصية من التركة فما فضل منهما يتعلق به سهام ذوي الفروض.

وانما قدم الوصية لإثبات الاهتمام بها فان أداء دين المورث مفروغ عنه بين العقلاء بخلاف الوصية.

السابع : يستفاد من نسبة السهام إلى التركة ان كل سهم من السهام الستة ـ وهي الثلث ، والثلثان ، والسدس ، والنصف ، والربع ، والثمن ـ يتعلق

٣٣٩

بأصل التركة في عرض واحد وعلى حد سواء ، فإذا اجتمع السدس والربع مثلا فان السدس يخرج من اصل التركة كما يخرج الربع كذلك لا أن يخرج السدس أولا ثم يخرج الربع من ما بقي أو بالعكس وكذا في بقية فروض الاجتماع ـ كالثلث ، والثمن ، أو الثلثان ، والربع ـ فالسهام كسور عشرية تتعلق بجميع المال وأصله فان كل جزء من اجزائه ينحل إلى كسور وكل كسر معين لصاحب فرض ، فلا وجه لتقديم احد الفروض وإخراجه من المال المورث ثم إخراج فرض آخر من ما بقي وهكذا فان ذلك خلاف ظواهر الآيات الكريمة وخلاف المنساق من تعلق الكسور في مال معين.

الثامن : يدل قوله تعالى : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) على ان تلك الاحكام الإلهية والقسمة الربانية تبتنى على مصالح واقعية يعم النفع بها لجميع افراد البشر.

بحث روائي

في اسباب النزول والدر المنثور اخرج عبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم ، وابو داود ، والترمذي ، والنساء ، وابن ماجة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في السنن عن جابر ابن عبد الله قال : «عادني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وابو بكر في بني سلمة ماشيين فوجدني النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا اعقل شيئا بماء فتوضأ منه ثم رش عليّ فأفقت فقلت : ما تأمرني ان اصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت. (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)».

أقول : في ماء الوضوء آثار فكيف بماء وضوئه (ص) فانه قد يوجب احياء الموتى.

٣٤٠