مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٧

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣١

والولي أو بغير حق كالظالم ـ يجب دفعها إليهم ان بلغوا الرشد والكمال بقرينة الآية الآتية.

قوله تعالى : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ).

الثاني من تلك الأصول : ما يتعلق بتبديل الخبيث بالطيب الذي هو من المستنكرات الفطرية العقلية.

والتبديل هو جعل شيء مكان الآخر والخبيث هو ما تتنفر عنه الطبائع والطيب ما رغبت اليه الطبائع.

والمعنى : لا تبدلوا الردي من أموالكم بالطيب من اموال اليتامى أو لا تأكلوا اموال اليتامى فهو الخبيث اي الحرام بدلا عما طيب الله لكم من أموالكم اي الحلال.

والقدر الجامع بين الاحتمالين هو عنوان تبديل الحرام بالحلال سواء كان بالمعنى الاول أو بالثاني فيوخذ به وان كان المعنى الاول اقرب الى الذهن ولكن ذيل الآية المباركة كالقرينة للمعنى الثاني.

قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ).

الثالث من الأصول المتقدمة : الخلط بين اموال اليتامى واموال المتصدين ثم أكل الجميع وهذا ايضا من المستنكرات.

والنهي في الآية الشريفة تعلق بمطلق التصرف وهو المراد بالأكل فيها.

والمعنى : لا تتصرفوا في اموال اليتامى سواء كان التصرف بالأكل أو الانتفاع أو المشاركة مع أموالكم لان الواجب عليكم حفظ اموال اليتامى وصيانتها واستثمارها لصالح الأيتام.

٢٦١

قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً).

الضمير يرجع الى مطلق التصرف. والحوب : هو الإثم وتوصيفه بالكبر للتهويل والعظمة لأن في الفعل والارتكاب جرأة عظيمة.

والمعنى : من تصرف في اموال اليتامى ـ اي تصرف كان ـ فقد ارتكب إثما كبيرا الا إذا كان باذن من الشرع كما فصل في الفقه.

قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ).

الرابع : مما تقدم من الأصول كيفية القسط والمعاشرة بين نفس اليتامى.

والقسط هو النصيب بالعدل بعد ما بين سبحانه وتعالى حكم اموال اليتامى شرع فيما يتعلق بأنفس اليتامى وانما اخره لان الاول اكثر شيوعا من الثاني.

والآية الشريفة تحتمل صورا : الاولى : ان يكون المراد التزويج من اليتيمات ـ اللواتي لهن مال ـ واحدة كانت أو متعددة ـ وكان التزويج موجبا لتحقق القسط بين اليتامى في انفسهن وأموالهن فلا ريب في جواز هذه الصورة وصحتها وحينئذ لا اشكال في ارتباط صدر الآية الشريفة مع ذيلها.

الثانية : التزويج بيتيمة ليس لها مال مع تحقق القسط من قبل الرجل بنفسه في التزويج سواء تعددت الزوجات منهن أم لم تتعدد وحكمها حكم الصورة الاولى.

الثالثة : التزويج باليتيمات مع خوف عدم القسط سواء كان التزويج بواحدة منهن أو بمتعددة وان كان الخوف في صورة التعدد أشد

٢٦٢

والآية الشريفة تنفي هذه الصورة.

الرابعة : التزويج بامرأة ذات أب وعندها يتيم.

الخامسة : ما إذا كانت اليتيمات في معرض الزواج وكانت نساء من غيرهن في معرض الزواج ايضا ويخاف الإنسان إن تزوج من اليتيمات ان لا يقسط بينهن فيدعهن ويتزوج من سواهن وهذه الصورة هي المشهورة بين المفسرين.

السادسة : ان تكون الآية المباركة في مقام الإرشاد ودفع التوهم اي : انكم لو خفتم من التزويج باليتيمات ولأجله منعتموهن من التزويج بأنفسكم أو بغيركم خوفا من ان لا تقسطوا فيهن وتظلموهن فتزوجوا منهن وان كنتم ذوي زوجات فإنهن حلال لكم ولغيركم فان الله تعالى يرشدكم الى ذلك.

وهذه الصور الثبوتية تتوافق مع ذيل الآية الشريفة وهو (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ).

واما في مقام الإثبات والظهور فيجتمع مع اكثر الصور وان كانت الخامسة مشهورة بين المفسرين كما قلنا.

وظهر مما ذكرنا فساد ما ذهب اليه بعض المفسرين من عدم ارتباط صدر الآية الشريفة بذيلها وقد عرفت كمال الربط بينهما.

قوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ).

هذه الألفاظ تدل على اعداد مكررة وهي : اثنين اثنين ، وثلاثا ثلاثا ؛ وأربعا أربعا. وانها ممنوعة من الصرف.

والخطاب متوجه الى الجميع والعطف بمعنى التخيير فيكون المعنى المراد بلحاظ الخطاب والعطف وبقرينة ذيل الآية الكريمة : لكل واحد

٢٦٣

من المؤمنين ان يختار واحدة ان خاف من الجور والتعسف والا اثنتين أو ثلاث أو اربع.

ولا يستفاد من الآية الشريفة الجمع بين التسع منهن كما توهمه بعض لعدم دلالتها بوجه على ذلك ، بل انه غير محتمل أصلا فلو قال احد جاء القوم مثنى وثلاث ورباع لا يستفاد أصلا مجيئهم تسعة مع ان لفظ (و) بمعنى التخيير بقرائن قطعية منها ضرورة الدين كما يأتي في البحث الفقهي.

قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً).

المراد من الخوف في هذه الآية المباركة العلم العادي المعبر عنه بالاطمينان ، وانما عبر بالخوف لكون المورد والمتعلق منشأ للخوف عرفا.

والمعنى : ان حصل لكم الاطمينان في عدم تسوية حقوقهن وان لا تعدلوا بين المتعددات فانكحوا وتزوجوا واحدة منهن.

قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).

اي : من خاف من عدم التقسيط فيهن فينكح واحدة من الحرائر أو ما يختار من الإماء ما شاء إذ ليس لهن شيء من حقوق الزوجية الثابتة للحرائر حتى يستلزم الجور والتعسف الا إذا كان نكاحهن على وجه الزوجية كما فصل في الفقه.

والآية الشريفة لا تدل على تجويز الظلم والتعدي على الإماء ـ فانه تعالى ليس بظلام للعبيد فلا يرخص بالظلم ـ وانما في مقام بيان ان الإماء ليست محدودة بحد الحرائر لان الإماء يتحملن من المشاق والمتاعب ما لا تتحمل الحرائر فليست الآية الكريمة في مقام تجويز الظلم عليهن.

٢٦٤

قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا).

العول : هو الميل اي تميلوا الى الجور والمشار اليه في (ذلِكَ) ما تقدم من الاحكام النظامية فيتضمن نكاح الإماء وغيره.

والمعنى : انكم إذا عملتم بما تقدم من الاحكام والأصول النظامية تكونون اقرب الى الحق وعدم الميل الى الباطل.

ويمكن إرجاع الخطاب (ذلِكَ) الى خصوص تملك الإماء لعدم التحديد في تملكهن والتمتع بهن وعدم لزوم التسوية بينهن وان كان الاولى ما تقدم لشموله لهن بالعموم ايضا.

قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً).

الخامس من الأصول النظامية المتقدمة : ما يتعلق بمهور النساء ـ اللواتي كاليتامى في الضعف ـ دفعا وأخذا منهن.

والأمر متوجه الى من استولى على صدقاتهن ومهورهن زوجا كان أو غيره بدفع ما استولى منها إليهن.

والصدقات : جمع صدقة بفتح الصاد وضم الدال وهي كالصداق بمعنى المهر وهو المال ـ أو اي شيء له اعتبار عرفي ولم ينه الشرع عنه ـ يملّكه الزوج المرأة عند الازدواج لعادة استمرت بين الناس وقررتها الشرائع السماوية الا عند بعض المليين.

والنحلة هي العطية المقصود منها الانتفاع بلا عوض والتعبير بها للترغيب.

والمعنى : اعطوا النساء مهورهن التي جعلتم لهن نحلة وعطية أو جعل الله تعالى لهن عطية ولا تمنعوهن من مهورهن شيئا.

٢٦٥

قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).

إي ان وهبن لكم شيئا من صداقهن وطابت نفوسهن إلى الهبة لكم ـ غير كارهات ولا لشكاسة أخلاقكم أو لسوء معاشرتكم ـ حل لكم اخذه واكله.

والضمير في (منه) يرجع إلى الصداق والأمر للاباحة المشروطة بطيب النفس.

والهنيء والمريء صفتان الاولى النعمة بلا نكد ولا تعب ، والثانية السائغة بلا غصة. وفي حديث الاستسقاء «اللهم اسقنا غيثا مريثا».

قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً).

بيان للأصل السادس من الأصول الفطرية العقلائية المطابقة للوجدان وهو التحفظ على المال عن الفساد والانهيار إذ لولاه لاختل النظام وقد علل هذا الأصل في الآية الشريفة بأمتن تعليل وشهد به العقل وهو ان المال قيام لمعاش الناس ، ومع وقوع الاختلال فيه يختل المعاش ومع اختلال المعاش يختل المعاد أيضا لقولهم (عليهم‌السلام) : «من لا معاش له لا معاد له».

والخطاب (النهي) متوجه إلى الناس بأجمعهم وليا كان أو غيره كان المال للسفيه أو لغيره مخلوطا كان المال الذي هو مال السفيه مع غيره أو خالصا ، ففي جميع ذلك لا يجوز دفع المال إلى السفيه فهذه الآية المباركة تشمل الآيات الشريفة المتقدمة شمول الكلي لأفراده.

والسفهاء : جمع سفيه ، والسفه الخفة في العقل على نحو لا يضع

٢٦٦

الأمور في مواضعها وليس عنده حالة باعثة على حفظ ماله والاعتناء به يصرفه في غير موقعه ويتلفه بغير محله وليست معاملاته مبنية على المكايسة والتحفظ عن المغابنة ولا يبالي بالانخداع فيها وتقدم في آية ١٤٢ من سورة البقرة ما يتعلق بالمقام.

واضافة الأموال إلى المخاطبين في قوله تعالى (أَمْوالَكُمُ) أعم من ان يكون للولي أو غيره مال ويريد ان يدعه عند سفيه أو يكون المال للسفيه وهو وليه يصرفه عليه يريد ان يعطيه ويرده اليه فحينئذ تكون الاضافة بالعناية والتنزيل أو غيرها. وفي جميع ذلك يراعى فيه المصالح المقررة الشرعية التي أوجبها الله تعالى على عباده وحينئذ ان لم يراع فيه تلك المصالح المقررة الشرعية يكون من الصرف في الباطل ويستلزم الاختلال وحينئذ يخرج النظام عن الاستقامة إلى الانحراف ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) النساء ـ ٢٩ وقوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) الأعراف ـ ٣١.

والمعنى : لا تعطوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وسببا لمعاشكم وقضاء مآربكم.

قوله تعالى : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً).

الأصل السابع من تلك الأصول المتقدمة يتضمن العناية الخاصة منه جلّ شأنه بالنسبة إلى السفهاء لئلا يقعوا في الحرج والشدة ـ ولا يقع الناس منهم في الحرج ـ لحرمانهم في التصرف في أموالهم فأمر جلت عظمته بالقيام بشئونهم من أموالهم.

٢٦٧

والمراد من رزقهم فيها الانفاق عليهم وتغذيتهم وتنظيم معاشهم. كما ان المراد من كسوتهم هي اللباس والمقصود من القول المعروف هو المعاملة الحسنة تألفا لهم ورفعا لحزازة حبس الأموال عنهم لأنهم بشر أمثالكم يتأثرون بالقول الخشن وقد تغير المعاملة الحسنة والأخلاق الحميدة سلوكهم ويزيل السفه عنهم وهذا هو الأصل الثابت من الأصول المتقدمة.

قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ).

الثامن : من الأصول المتقدمة في تمحيص اليتامى واختبارهم لإحراز صلاحيتهم واهليتهم لدفع أموالهم إليهم وهو متقوم بأمرين :

الاول : البلوغ في السن وهو المراد ببلوغ النكاح اي المرحلة التي جعلها الله تعالى لنوع البشر وهي الحالة التي تحدث فيها مادة النسل في الذكر ودم الحيض في الأنثى بحيث يكونان صالحين للأزواج والانجاب ولها امارات كالاحتلام والإنبات والسن على ما فصلناه في الفقه فراجع كتاب الحجر من (مهذب الاحكام) اي : امتحنوا اليتامى بعد بلوغهم واختبروا حالاتهم.

قوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ).

الأمر الثاني : احراز الرشد والاهتداء لحفظ المال.

والجملة جواب لإذا الظرفية الذي هو (إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) اي : إذا وجدتم من اليتامى البالغين رشدا واهتداء في حفظ أموالهم وضبطها بعد كبرهم وبلوغهم فادفعوا إليهم أموالهم ، فدفع الأموال لا يكون إلا بعد البلوغ ووجدان الرشد فيهم.

٢٦٨

قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا).

الأصل التاسع في المنع عن التعدي في اموال اليتامى. والاكل معروف والمراد منه مطلق الاستيلاء. والإسراف : تجاوز الحد. والبدار : المسارعة إلى الشيء.

والمعنى : لا تأكلوا اموال اليتامى بالتجاوز والتعدي ولا تبادروا في أكلها بحيث لو بلغ اليتيم رشيدا لمنعهم عن ذلك.

قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).

الأصل العاشر : في تحديد تملك من يتصدى لأموال اليتيم من أموالهم لاجرة عمله اي من كان غنيا ذا مال وثروة فليكف عن الاكل والتصرف في اموال اليتامى ومن كان فقيرا وكان عمله في صلاح اموال اليتامى فليأكل منها وليتصرف بالمعروف بحسب اجرة مثل عمله.

والأمر وان كان للاباحة إلا انه مقيد بالمعروف فالاكثار منه فيه محذور فولي اليتيم ـ أو من يتصدى لأمواله ـ ان استغنى عف وان افتقر أكل بالمعروف.

قوله تعالى : (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ).

الأصل الحادي عشر : في الاستيثاق عند دفع الأموال إليهم وهو الشهادة تحكيما للأمر ودفعا للاختلاف.

والمعنى : إذا سلّمتم إليهم أموالهم بعد توفر الشروط السابقة وقبضوها منكم فاشهدوا عليهم بالقبض.

والأمر ارشادي محض لأنه لو فرض الاستيثاق والاستيمان في القبض بلا الشهادة لا تجب شهادة حينئذ كما هو واضح.

٢٦٩

قوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً).

تعليل لجميع ما تقدم من الاحكام والأصول النظامية وفي ذكر اسم الله تعالى تنبيه على انه محيط ومسلط على جميع ذلك وكفى به محاسبا عليكم في جميع أعمالكم وما صدر ويصدر منكم.

بحوث المقام

بحث ادبي :

اليتامى في قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى) جمع يتيم وهو فعيل ـ صفة ـ وهي قد تجمع على فعال ـ مثل كريم وكرام ـ أو على فعلاء ـ كشريف وشرفاء ـ أو فعل كنذير ونذر أو فعلى مثل مريض ومرضى ولا يأتي على فعالي إلا في مثل هذه الآية الشريفة وفي قوله تعالى : (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى) ـ سورة البقرة ـ ٨٥ ولعله انه جمع أولا على يتمى كمرضى ثم جمع يتمى على يتامى.

أو يكون ذلك بالقلب فان يتيم صفة جار مجرى الأسماء فجمع يتيم يتائم ثم قلب إلى يتامى كنديم وندامى وجميع ذلك على وجه السماع.

والتبدل في قوله تعالى : (وَلا تَتَبَدَّلُوا) من باب التفعل ومجيئه بمعنى الاستفعال غير عزيز.

والباء في قوله جلّ شأنه (بِالطَّيِّبِ) للبدلية دخلت على المبدل منه كما في قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) البقرة ـ ١٠٨.

٢٧٠

وإلى في قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) بمعنى مع كما في قوله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) آل عمران ـ ٥٢ اي مع الله وقوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) المائدة ـ ٦.

وما في قوله تعالى : (ما طابَ) كما تقع لما لا يعقل كذلك تقع لنعوت ما يعقل وفي المقام وقعت لنعت ما يعقل اي فانكحوا الطيب من النساء.

ومثنى وثلاث ورباع في موضع نصب بدلا من (ما) وقد وردت هذه الجملة في القرآن الكريم في موردين أحدهما المقام والثاني قوله تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فاطر ـ ١ ويستفاد من الآية الاخيرة ان هذه الكلمات الثلاث نكرات لأنها جاءت صفة للنكرة والنكرة لا توصف بالمعرفة.

والنصب فيها بدل عن التنوين فان كل منهما تمييز وحق التمييز النصب بالتنوين ولكنها ممنوعة من الصرف للتأنيث والعدول فإنها معدولة عن الاعداد المكررة اثنين اثنين ، وثلاث ثلاث ، واربع اربع فنصب بالفتح فقط ، وقيل انها صفة.

والمشهور ان العرب لا تجاوز في هذا الباب عن رباع الى ما فوق فلا يقولون خماس.

ومن في قوله تعالى (مِنْهُ نَفْساً) للتبيين وليس للتبعيض مثل قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) الحج ـ ٣٠ والنصب في (نفسا) للتمييز.

وافراد (التي) في قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) لان الأموال جمع لا يعقل ويجري فيه لفظ الواحد كقوله تعالى : (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي) سورة هود ـ ١٠١ وقال

٢٧١

تعالى : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي) مريم ـ ٦١ بخلاف ما لو كان لما يعقل كقوله تعالى : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي) النساء ـ ٢٢ وقوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي). النساء ٢٢ والباء في قوله تعالى : (كَفى بِاللهِ حَسِيباً) للحصر.

بحث دلالي

يستفاد من الآيات الشريفة امور :

الاول : ان التعبير بآتوا في قوله تعالى (وَآتُوا الْيَتامى) يدل على عناية خاصة منه تعالى للأيتام لم تكن في التعبير بغيره مثل اعطوا أو ارجعوا لان الإيتاء هو إعطاء خاص لا مطلق الإعطاء.

الثاني : انما عبر جلّ شأنه بالخبيث دون غيره حتى يشمل الفاسد والمحرم وغيرهما فانه كما تقدم عام يشملهما ويشمل الردي والفاسد وما سواهما وكذا الطيب يشمل المباح والواجب والمندوب.

الثالث : ان الاختلاف في التعبير بقوله تعالى : (أَلَّا تُقْسِطُوا) وقوله تعالى : (أَلَّا تَعْدِلُوا) لان الاول وقع موقع الخوف من عدم الاقساط الذي هو بمعنى العدل اي : خفتم من ترك العدل في اموال اليتامى ونسائهم والثاني بمعنى الجور يعني : ان خفتم ان تجوروا وتميلوا في النفقة عن الحق فواحدة منهن.

الرابع : يستفاد من الآية الشريفة (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) الجمع في الحكم اي يجوز للرجل التزويج بتسع نساء طولا لان الواو وإن بقيت على حالها لكنها لا يستلزم الجمع بين تسع نسوة عرضا لان الجمع في الحكم لا يستلزم الجمع في الزمان الواحد وذلك بقرينة ما ورد

٢٧٢

في الكتاب والسنة من عدم جواز الجمع بأكثر من اربع منهن.

الخامس : يدل قوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) على مشروعية تعدد الزوجات والتخيير بين التزويج بواحدة منهن أو اثنتين أو ثلاث أو اربع وهذه الآية من الآيات المعدودة التي تقرر مبدأ تعدد الزوجات الى اربع وتبيح ذلك ولكن الاباحة مقيدة بقيود تحددها الى الحد المطلوب والذي تستقيم به الحياة كما تدل عليه الآية الشريفة وسيأتي الكلام في هذا المجال في البحث الآتي.

وانما عدل سبحانه وتعالى عن الاثنين والثلاث والأربع الى مثنى وثلاث ورباع لان الخطاب للجميع فالمعنى ان كل من يريد الجمع من المخاطبين اثنتين اثنتين فقط أو ثلاث ثلاث أو اربع اربع ولو أفردت لما أفاد هذا المعنى.

ومن ذلك يعلم الوجه في إتيان حرف العطف ب (و) دون (او) فانه يدل على جواز الجمع بين انواع القسمة التي دلت عليه الواو اي : ان شاء الجميع ان يتفقوا في اي عدد من تلك الاعداد أو يختلفوا في تلك الاعداد.

وذهب بعض الى ان الآية الكريمة تدل على جواز الجمع بين تسع نسوة التي هي مجموع اثنتين وثلاث واربع لمكان الواو ولكنه مردود بما ذكرناه.

السادس : انما خص النهي عن أكل مال اليتامى مع اموال الأولياء أو الأوصياء أو غيرهما ولم ينه عن الاكل وحده مع ان ذلك حرام أيضا لان أكل مال اليتيم كذلك أقبح لان فيه الاستغناء حيث لغير اليتيم مال وهو مستغن به ولذلك خصه بالنهي. وان الاكل كذلك فيه نحو خفاء وتستر بخلاف الاكل وحده ، كما أنه جاء النهي على ما وقع منهم.

٢٧٣

السابع : يدل قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) على ان النكاح ليس من المعاوضة الحقيقية فالصداق نحو نحلة وهدية من الزوج إلى المرأة.

كما ان التعبير ب (طبن) يدل على اعتبار ان يكون اعطائهن الصداق للزوج عن جزم وعزم نفساني غير قابل للتبدل لا مجرد الاذن الظاهري فذلك لا يتحقق إلا بهذا التعبير (طبن).

الثامن : يدل قوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) على كثرة المعاشرة مع اليتامى ومعاشرة اليتامى معهم بحيث صار ذلك مغروسا في النفس وحصل الاطمينان الكامل بالرشد كما في قوله تعالى حكاية عن موسى بن عمران (عليه‌السلام) : (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً).

التاسع : يدل قوله تعالى : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) على اختلاف كيفية المقاولة معهم بحسب الازمنة والأمكنة والحالات كما في قوله تعالى : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فان ذلك يختلف اختلافا كثيرا وكذا في قوله تعالى : (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).

العاشر : يدل قوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) على التهويل واهمية ما تقدم من الاحكام والأصول النظامية على نحو ان الحي القيوم المحيط بجميع العوالم بكلياتها وجزئياتها هو يتكفل الحساب ويحاسبكم على أعمالكم وما صدر منكم.

بحث روائي

في تفسير علي بن ابراهيم في قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ

٢٧٤

وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) يعني : «لا تأكلوا مال اليتيم ظلما فتسرقوا وتبدلوا الخبيث بالطيب والطيب ما قال الله : «وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ» يعني مال اليتيم (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً). اي إثما عظيما».

أقول : هذه الروايات من باب بيان أهم المصاديق للآية الشريفة وكذا في تبديل الخبيث بالطيب.

وفي نهج البيان للشيباني في قوله تعالى : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) قال ابن عباس : «لا تتبدلوا الحلال من أموالكم بالحرام من أموالهم لأجل الجودة والزيادة فيه قال وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام)».

أقول : ما ورد في الرواية من باب ذكر احد المصاديق وأهمها وانطباق الكلي عليه والا فالآية الشريفة عامة لها مصاديق اخرى يأتي في البحث العرفاني وتقدم في التفسير أيضا.

وفي مجمع البيان قال : «روى انه نزلت هذه الآية «وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ». كرهوا مخالطة اليتامى فشق ذلك عليهم فشكوا ذلك إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فانزل الله سبحانه : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) قال وهو المروي عن السيدين الباقر والصادق «عليهما‌السلام».

أقول : هذه الرواية وأمثالها ارشاد إلى لزوم الجادة الوسطى في كل الأمور وعدم الإفراط والتفريط.

وفي تفسير العياشي عن سماعة عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل أكل مال اليتيم هل له توبة؟ فقال يؤدي الى اهله

٢٧٥

لان الله يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) وقال : (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً).

أقول : هذه الرواية موافقة للقاعدة لان التوبة لا تتحقق الا بعد أداء حق الناس إليهم.

وفي الفقيه باسناده عن أبى بصير قال : «قلت لأبى جعفر (عليه‌السلام) ما أيسر ما يدخل العبد النار؟ قال : من أكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم».

أقول : هذه الرواية من باب بيان أهم المصاديق.

وفي اسباب النزول للواحدي في قوله تعالى : «وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ـ الآية ـ» نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم. فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا الى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فنزلت الآية فلما سمعها العم قال : اطعنا الله واطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع اليه ماله فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من يوق شح نفسه ويطع ربه فانه يحل داره يعني جنته فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثبت الأجر وبقي الوزر فقالوا يا رسول الله قد عرفنا انه ثبت الأجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله فقال (ص) : ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده».

أقول : لا ريب في ان ذلك من باب بيان بعض المصاديق فيجري الحكم في الجميع مطلقا وذيل الرواية موافق لقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) النجم ـ ٣٩ فكأن والده حمل أوزارا في جمع المال.

وفي تفسير العياشي عن سماعة بن مهران عن الصادق (عليه‌السلام) (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) قال : «هو مما قال يخرج الأرض من اثقالها».

٢٧٦

أقول : هذه الرواية تدل على عظمة هذا الإثم.

وفي حديث الدعاء «تقبل توبتي واغسل حوبتي» اي اثمي وفيه ايضا «اللهم اغفر لنا حوبنا» اي إثمنا.

وفي تفسير علي بن ابراهيم قال : «نزلت مع قوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فنصف الآية في أول السورة ونصفها على رأس المائة وعشرين آية وذلك انهم كانوا لا يستحلون ان يتزوجوا بيتيمة قد رأوها فسألوا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن ذلك فانزل الله تعالى «يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ ـ الى قوله ـ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» وقوله تعالى (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) اي لا تتزوجوا ما لا تقدرون ان تعولوا».

أقول : يمكن ان يكون التفكيك في كيفية سماع الناس من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مرتين لا في اصل نزول الوحي.

وفي اسباب النزول للواحدي : «أنزلت هذه الآية (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) في الرجل يكون له اليتيمة وهو وليها ، ولها مال وليس لها احد يخاصم دونها فلا ينكحها حبا لمالها ويضّربها ويسيء صحبتها فقال الله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) ما أحللت لك ودع هذه».

أقول : وقريب منه ما رواه المسلم في صحيحه وان ذلك من باب ذكر أهم المصاديق.

وفي الكافي باسناده عن نوح بن شعيب قال : «سأل ابن أبي

٢٧٧

العوجاء هشام بن الحكم فقال أو ليس الله حكيما؟ قال بلى هو احكم الحاكمين قال فاخبرني عن قوله عزوجل (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) أليس هذا فرض؟ قال بلى قال فاخبرني عن قوله عزوجل : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) ايّ حكيم يتكلم بهذا؟ فلم يكن عنده جواب فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال يا هشام في غير وقت حج ولا عمرة؟ قال نعم جعلت فداك لأمر اهمني ان ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيء قال وما هي؟ قال فأخبره بالقصة فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) اما قوله عزوجل : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) يعني بالنفقة واما قوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) يعني في المودة قال فلما قدم عليه هشام بهذا الجواب وأخبره قال والله ما هذا من عندك».

أقول : يمكن رفع التهافت وردّ قول ابن أبي العوجاء بالاختلاف الجهتي المعقول وما قاله (عليه‌السلام) من احدى تلك الجهات.

وفي تفسير علي بن ابراهيم : «سأل رجل من الزنادقة أبا جعفر الأحول فقال : أخبرني عن قول الله عزوجل : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) وقال في آخر السورة : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) فبين القولين فرق؟ فقال أبو جعفر الأحول فلم يكن عندي في ذلك جواب فقدمت المدينة فدخلت على أبي عبد الله (عليه‌السلام) وسألته عن الآيتين فقال اما قوله :

٢٧٨

(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) فإنما عنى به النفقة وقوله (لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) فإنما عنى به في المودة فانه لا يقدر احد ان يعدل بين المرأتين في المودة فرجع ابو جعفر الأحول إلى الرجل فأخبره فقال هذا حملته الإبل من الحجاز».

أقول : ما قاله (عليه‌السلام) رفع معقول للتنافي كما تقدم في الرواية السابقة.

وفي الكافي باسناده عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) إذا جمع الرجل أربعا فطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلق وقال لا يجمع ماء في خمس».

وفي تفسير العياشي باسناده عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا يحل لماء الرجل ان يجري في اكثر من اربعة أرحام من الحرائر».

أقول : هذا بناء على ما هو المتسالم بين المسلمين من ان المطلقة الرجعية زوجة فلا بد من حمل الطلاق فيها على الطلاق الرجعي دون البائن ومن لا عدة له.

وعن ابن بابويه باسناده عن محمد بن سنان ان أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) «كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله : علة تزويج الرجل اربع نسوة وتحريم ان تزوج المرأة اكثر من واحد لان الرجل إذا تزوج اربع نسوة كان الولد منسوبا اليه والمرأة لو كان لها زوجان أو اكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو إذ هم مشتركون في نكاحها وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف».

أقول : هذه الرواية محمولة على ما إذا كان الزوجان في زمان واحد عرضا لا طولا بان تزوجت برجل ثم فارقته واعتدت منه

٢٧٩

فتزوجت بآخر وهكذا.

وعن ابن بابويه باسناده عن محمد بن الفضيل عن سعد الجلاب عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ان الله عزوجل لم يجعل الغيرة للنساء وانما تغار المنكرات منهن فاما المؤمنات فلا انما جعل الله عزوجل الغيرة للرجال لأنه قد أحل الله عزوجل له أربعا وما ملكت يمينه ولم يجعل للمرأة الا زوجها وحده وان بغت معه غيره كانت عند الله زانية».

أقول : يشهد لذلك روايات اخرى تدل على ما ورد فيها.

وعن العياشي باسناده عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «في كل شيء اسراف الا في النساء قال الله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) وقال : «وأحل الله ما ملكت ايمانكم».

أقول : المراد من عدم الإسراف في النساء جواز التعدد الى الأربع في العقد الدائم وإلى ما لا حد له في ملك اليمين والانقطاع كما فصلناه في كتابنا (مهذب الاحكام).

وفي الكافي باسناده عن سعيد بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) جعلت فداك المرأة دفعت إلى زوجها مالا من مالها ليعمل به وقالت حين دفعت اليه أنفق منه فان حدث بك حدث فما أنفقت منه كان حلالا طيبا فان حدث بي حدث فما أنفقت منه فهو حلال طيب فقال أعد عليّ يا سعيد المسألة فلما ذهبت ان أعيدها عليه عرض فيها صاحبها وكان معي حاضرا فأعاد عليه مثل ذلك فلما فرغ أشار بإصبعه إلى صاحب المسألة فقال : يا هذا ان كنت تعلم انها قد أفضت بذلك إليك فيما بينك وبين الله فحلال طيب ثلاث مرات ثم قال يقول الله عزوجل : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).

٢٨٠