مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٧

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣١

بِالْباطِلِ) النساء ـ ٢٤ وقوله تعالى : (يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) الأعراف ـ ١٥٧ فان جميع ذلك من القضايا التكوينية أبرزت بصورة التشريع توافقا بين النظامين.

واما ما نسب إلى المجوس من تزويج الأخ مع لاخت وغيرها من المحارم فليس ذلك مستندا إلى كتابهم السماوي وانما هو من افتعالاتهم.

ان قيل : وضع الفقهاء مباحث في كتاب الميراث لإرث المجوس فلو كان مفتعلا يصير من الزنا ولا ارث لأولاد الزناء.

قلت : الافتعال الاول حصل بالجعل الاولي منهم وتبعه عوامهم فيصير كالوطى بالشبهة ـ جهلا بالحكم ـ فيتحقق موضوع الميراث.

وما عن بعض المفسرين من ان قبح نكاح الأخ مع الاخت ليس من الفطريات الأولية بل من القبائح العرضية التي تزول لغرض الأهم ولذا لم يكن قبيحا لأجل بث النسل والذرية.

غير صحيح لأن قبح نكاح الأخ مع الاخت مسلّم في الجملة وهذا مما لا شك فيه كما تقدم ومع إمكان رفع هذا القبح بأمر آخر لا قبح فيه أصلا كيف يتوسل بما هو قبيح ولو في الجملة. مع انا لا نسلم ان ذلك قبيح عرضي وانما هو قبيح ذاتي كما في بعض الروايات الآتية كالنكاح مع الام واللواط وغيرهما.

ويصح ان يقال ان التجسد الروحاني كان بمثال الاخت في نظر الأخ لتحقق التناسب حسب هذه الطبيعة قال تعالى في قصة مريم العذراء : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) مريم ـ ١٧ وقال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) الانعام ـ ٩.

واما ما قيل انه يستفاد من الآية الشريفة : (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً

٢٤١

كَثِيراً وَنِساءً) انحصار البث فيهما فلا بد من تزويج الأخ مع الاخت لأجل هذا الانحصار.

قلت : انه لا مفهوم للقب كما هو متفق عليه وقد أثبتناه في علم الأصول فراجع [تهذيب الأصول].

فتلخص من جميع ما تقدم ان بدو انتشار النسل كان بطريق معقول مشروع من غير تدخل ايّ منقصة في ذلك وهو التجسد روحاني وشروع النسل منه ومن ولد آدم (عليه‌السلام) ولا فرق في تجسد الروحاني بين ان يتجسد بالذكر للأنثى كما في قصة مريم (عليها‌السلام) أو العكس كما في المقام وان كان فرق بينهما في الجملة ولكن في الأصل التجسد وتهيج القوة الفاعلة والمنفعلة لا فرق بينهما.

بحث روائي

وفيه نذكر الروايات الواردة في خلق حواء ، وكيفية بث الذرية من نسل أدم وحواء ، وما وردت في شأن الأرحام.

في نهج البيان عن الشيباني : «سئل الصادق عن التقوى؟ فقال هي طاعته فلا يعصى وان يذكر فلا ينسى وان يشكر فلا يكفر».

أقول : هذا بيان بعض مراتب التقوى.

ما وردت في خلق حواء :

عن الصدوق باسناده عن أبي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «سميت حواء لأنها خلقت من حي قال الله عزوجل (خَلَقَكُمْ

٢٤٢

مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها).

أقول : هذه الرواية لا تدل على تبعض انفصال عضو من آدم (ع) وصيرورته حواء به باذن الله تعالى لان المراد من الحي هو مادة لها اقتضاء الحياة لا الحياة الفعلية من كل جهة إذ لو كان الحياة من كل جهة لاستلزم ان تكون حواء أختنا وأمنا لأنها متفرعة منه. وقد ذكرنا سابقا ان «من» لبيان الجنس كما في قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) التوبة ـ ١٢٨ لا للتبعيض وعلى فرض ان يكون للتبعيض هو التبعيض في الجملة بحيث لا يكون بطريق التوليد.

عن الصدوق أيضا باسناده عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء».

أقول : المراد من المرء الشخص والكلام فيه عين الكلام في سابقه بل هو أهون كما لا يخفى.

وفي نهج البيان عن أبى جعفر الباقر (عليه‌السلام) : «انها خلقت من فضل طينة آدم عند دخول الجنة».

أقول : هذه الرواية شارحة لمعنى التبعيض المستفاد من لفظ «من» ان قلنا انها تبعيضية.

العياشي باسناده عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : «خلقت حواء من قصير جنب أدم والقصير هو الضلع الأصغر وأبدل الله مكانه لحما».

أقول : المراد من هذه الرواية طينة آدم (عليه‌السلام) قبل ان يجعل له ضلعا لا بعد تحقق الضلعية ونفخ الروح والانفصال عن آدم (عليه‌السلام) بقرينة الرواية السابقة.

وعن العياشي أيضا باسناده قال (عليه‌السلام) : «خلقت حواء من

٢٤٣

جنب آدم وهو راقد».

أقول : معنى الرواية خلقت من طينة أدم بحيث لو كانت موضوعة في آدم (عليه‌السلام) لكانت في جنبه وهو راقد اي كان خلق حواء في حال رقود آدم (عليه‌السلام).

عن عمرو بن أبى المقدام عن أبيه قال : «سألت أبا جعفر (ع) من اي شيء خلق الله حواء؟ فقال اي شيء يقولون هذا الخلق؟ قلت يقولون ان الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم فقال كذبوا أكان الله يعجزه أن يخلقه من غير ضلعه؟ قلت جعلت فداك يا ابن رسول الله من اي شيء خلقها؟ فقال اخبرني أبى عن آبائه (عليهم‌السلام) قال قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء».

أقول : ذيل الرواية «كلتا يديه يمين» كناية عن القوة والفعالية والاستيلاء لان اليمين كناية عنها والبسيط الحقيقية بالوحدة الحقيقية تكون جميع جهاته الملحوظة كذلك فهو جلّ شأنه مستول وقوي وفعّال لما يريد فلا يعقل بالنسبة اليه يسار إن كان اليسار كناية عن جهة النقص كما هو كذلك.

وهذه الرواية معتبرة وشارحة لجميع روايات الباب ومفصلة لها فلا بد من رد جميعها إليها وهي مطابق لقانون العقل الذي قلناه.

عن أبى علي الواسطي قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان الله خلق آدم من الماء والطين فهمة ابن آدم من الماء والطين وان الله خلق حواء من آدم فهمة النساء من الرجال فحصنوهن في البيوت».

أقول : حيث كانت طينة حواء قبل ان يخلق منها مقتضية لأن

٢٤٤

يجعل في آدم فهذه الاقتضاء باقية للمرأة إلى الأبد فهي تهم إلى ما اقتضته منها.

ما وردت في كيفية بث النسل منهما :

عن أبى بكر الحضرمي عن أبى جعفر الباقر (عليه‌السلام) قال : «ان آدم ولد له اربعة ذكور فاهبط الله إليهم أربعا من الحور العين فزوج كل واحد منهم فتوالدوا ثم ان الله رفعهن وزوج هؤلاء الاربعة أربعا من الجن فصار النسل فيهم فما كان من حلم فمن آدم (عليه‌السلام) وما كان من جمال فمن قبل حور العين وما كان من قبح أو سوء خلق من الجن».

أقول هذه الرواية تبين ما شرحناه في كيفية بث النسل. ويستفاد منها ان الإنسان بجميع ألوانه وصفاته كالبيض والسود والحمر والصفر والقصير والطويل أو الجميل والقبيح وغيرها ينتهي إلى آدم (عليه‌السلام) وزوجته ولا دخل للصفات والألوان في انحدار النسل منه وما ورد في الرواية من قوله (عليه‌السلام) : «فما كان من حلم فمن آدم (عليه‌السلام) وما كان من جمال فمن قبل حور العين وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن» يمكن مثالا لكل تغير نوعي لونا كان أو غيره من الصفات فلا مجال للتشكيك في ان بعض الألوان لا ينحدر إلى آدم (عليه‌السلام) لأنه كان من غير ذلك اللون.

وعن العياشي عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال «قال لي ما يقول الناس في تزويج آدم ولده؟ قلت يقولون ان حواء كانت تلد لآدم في كل بطن غلاما وجارية فتزوج الغلام الجارية

٢٤٥

التي من البطن الآخر وتزوج الجارية الغلام الذي من البطن الآخر الثاني حتى توالدوا فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) ليس هذا كذلك يحجكم المجوس ولكنه لما ولد آدم هبة الله وكبر سأل الله ان يزوجه فانزل الله له حوراء من الجنة فزوجها إياه فولدت له اربعة بنين ثم ولد لآدم (ع) ابن آخر فلما كبر امره فتزوج الى الجان فولد له اربع بنات فتزوج بنو هذا بنات هذا ، فما كان من جمال فمن حور العين وما كان من حلم فمن قبل أدم وما كان من حقد فمن قبل الجان فلما توالدوا صعدت الحوراء إلى السماء».

أقول : هذه الرواية تبين بعض ما ذكرناه في التفسير ويمكن حمل الاختلاف على تعدد الواقعة.

عن الصدوق باسناده إلى زرارة قال : «سئل أبو عبد الله (ع) كيف بدأ النسل من ذرية آدم؟ قال عندنا أناس يقولون ان الله تبارك وتعالى اوحى إلى أدم (عليه‌السلام) ان يزوج بناته من بنيه وان هذا الخلق كلهم أصله من الاخوة والأخوات قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) سبحان الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا من يقول هذا؟! ان الله عزوجل جعل اصل صفوة خلقه واحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال!! وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب والله لقد نبئت ان بعض البهائم تنكرت له أخته فلما نزا عليها وتزل كشف له عنها وعلم انها أخته اخرج غرموله ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خر ميتا قال زرارة ثم سئل عن خلق حواء وقيل له ان أناسا عندنا يقولون ان الله عزوجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى قال سبحان الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا يقول من

٢٤٦

يقول هذا ان الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه وجعل للمتكلم من اهل التشنيع سبيلا إلى الكلام يقول ان آدم كان ينكح بعضه بعضا إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم ثم قال ان الله تبارك وتعالى لما خلق آدم من طين امر الملائكة فسجدوا له والقى عليه السبات ثم ابتدع له خلقا ثم جعلها في موضع النقرة التي بين ركبتيه وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرجل فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها فلما انتبه نوديت ان تنحى عنه فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير انها أنثى فكلمها فكلمته بلغته فقال لها من أنت؟ فقال خلق خلقني الله كما ترى فقال أدم (ع) عند ذلك يا رب من هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر اليه فقال الله هذه أمتي حواء أفتحب ان تكون معك فتؤنسك وتحدثك وتأتمر لأمرك؟ قال نعم يا رب ولك بذلك الشكر والحمد على ما بقيت فقال الله تبارك وتعالى فاخطبها اليّ فإنها امتي وقد تصلح أيضا للشهوة فالقى الله عليه الشهوة وقد علم قبل ذلك المعرفة فقال يا رب اني اخطبها إليك فما رضاك لذاك؟ قال رضاي ان تعلمها معالم ديني ، فقال ذلك يا رب ان شئت ذلك فقال عزوجل قد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها إليك فقال اقبلي ، فقالت بل أنت فاقبل اليّ فأمر الله عزوجل لآدم ان يقوم إليها فقام ولو لا ذلك لكان النساء هن يذهبن الى الرجال حتى خطبن على انفسهن فهذه قصة حواء صلوات الله عليها».

أقول : هذه الرواية المعتبرة تتضمن أمورا هامة :

الاول : ان اصل التزويج الذي في شرع الإسلام هو من الميثاق الذي اخذه الله تعالى على جميع الأنبياء والمرسلين.

الثاني : ان ما يقال لخلق أدم (عليه‌السلام) من دون الرجوع

٢٤٧

إلى السنة الوحي المبين هو لسان التشنيع على الدين فلا ينبغي الإصغاء اليه بوجه من الوجوه.

الثالث : لم يرد فيها ذكر انها خلقت من ضلع أو من فضالة طين آدم (عليه‌السلام) للاستغناء عن ذلك بقوله (عليه‌السلام) «ثم ابتدع له خلقا».

الرابع : ان تبعية المرأة للرجل تكوينية من بدء الخلقة إلى اخرها.

وعن الصدوق باسناده إلى زرارة قال : «سئل أبو عبد الله (ع) عن بدء النسل من آدم كيف كان وعن بدء النسل من ذرية آدم (عليه‌السلام) فان أناسا عندنا يقولون ان الله تبارك وتعالى اوحى إلى آدم ان يزوج بناته من بنيه وان هذا الخلق كله أصله من الاخوة والأخوات؟!! فقال أبو عبد الله : تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا يقول من قال هذا بأن جل وعز يخلق صفوة خلقه واحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من حلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال الطهر الطاهر الطيب ؛ فو الله لقد نبئت ان بعض البهائم تنكرت له أخته فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها فعلم انها أخته اخرج غرموله ثم قبض عليه بأسنانه حتى قطعه فخر ميتا وأخر تنكرت له امه ففعل هذا بعينه فكيف الإنسان في انسيته وفضله وعلمه غير ان جيلا من هذا الخلق الذي ترون رغبوا عن علم بيوتات أنبيائهم وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه فصاروا إلى ما قد ترون من الضلالة والجهل بالعلم. كيف كانت الأشياء الماضية من بدأ فخلق الله ما خلق وما هو كائن ابدا ، ثم قال ويح هؤلاء اين هم عما لم يختلف فيه فقهاء اهل الحجاز ولا فقهاء اهل العراق فان الله عزوجل امر القلم فجزى على

٢٤٨

اللوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة قبل خلق آدم بألفي عام وان مما كتب الله كلها فيما جرى فيه القلم في كلها تحريم الأخوات على الاخوة مع ما حرم ، وهذا نحن قد نرى منها هذه الكتب الاربعة المشهورة في هذا العالم ـ التوراة والإنجيل والزبور والقرآن ـ وأنزلها الله من اللوح المحفوظ على رسله صلوات الله عليهم أجمعين منها التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود والفرقان على محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى النبيين (عليهم‌السلام) ليس فيها تحليل شيء من ذلك حقا أقول ما أراد من يقول هذا وشبهه الا تقوية حجج المجوس على موسى فما لهم قاتلهم الله ـ ثم انشأ يحدثنا كيف كان بدأ النسل من آدم وكيف كان بدأ النسل من ذريته ـ فقال ان آدم ولد له سبعون بطنا في كل بطن غلام وجارية إلى ان قتل هابيل فلما قتل قابيل هابيل جزع آدم (عليه‌السلام) على هابيل جزعا شديدا قطعه عن إتيان النساء فبقى لا يستطيع ان يغشى حواء خمسمائة عام ثم تجلى ما به من الجزع عليه فغشى حواء فوهب الله له شيثا (ع) وحده ليس معه ثان واسم شيث هبة الله وهو أول وصي اوصى اليه من الآدميين في الأرض ثم ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان فلما أدركا وأراد الله عزوجل ان يبلغ بالنسل ما ترون وان يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم الله عزوجل من الأخوات على الاخوة انزل الله بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها بركة (نزلة) امر الله عزوجل أدم ان يزوجها من شيث فزوجها منه ثم نزل بعد العصر حورا من الجنة اسمها بوكة (منزلة) فأمر الله عزوجل آدم ان يزوجها من يافث من ابن شيث ففعل ذلك فولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله ان يكون ربك على ما قالوا من

٢٤٩

الاخوة والأخوات».

أقول : هذه الرواية من مفصلات الروايات الشارحة فتكون حاكمة على جميع ما تقدم وموافقه لحكم الفطرة.

وعن الصدوق باسناده عن أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) لاي علة خلق الله عزوجل آدم من غير أب وأم وخلق عيسى من غير أب ، وخلق سائر الناس من الآباء والأمهات؟ فقال ليعلم الناس تمام قدرته وكما لها ويعلموا انه قادر على ان يخلق خلقا من أنثى من غير ذكر كما هو قادر على ان يخلقه من غير ذكر وأنثى ، وانه عزوجل فعل ذلك ليعلم انه على كل شيء قدير».

أقول تبين هذه الرواية كمال قدرته تعالى وانه على كل شيء قدير وصد عن السنة من يقول بغير علم ففي مثل هذه الرواية دقايق واشارة لا يفهمها إلا من تأمل فيها حق التأمل.

وعنه أيضا باسناده عن عبد الحميد بن الديلم عن الصادق (ع) في حديث طويل قال : «سمي النساء نساء انه لم يكن لآدم (ع) انس غير حواء».

أقول : هذه الرواية تبين وجه الاشتقاق.

وفي الاحتجاج عن علي بن الحسين (عليهما‌السلام) في حديث له مع قرشي : «يصف فيه تزويج هابيل بلوزا اخت قابيل وتزويج قابيل باقليما اخت هابيل فقال له القرشي فأولداهما؟ قال : نعم فقال له القرشي فهذا فعل المجوس اليوم فقالوا إن المجوس فعلوا ذلك بعد التحريم من الله ثم قال له : لا تنكر هذا انما هي شرائع الله جرت أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له؟ فكان ذلك شريعة من شرائعهم ثم انزل الله التحريم بعد ذلك».

٢٥٠

أقول : هذه الرواية مضافا إلى قصور سندها ومعارضتها بما هي اكثر منها لما تقدم ان المراد من الاخت الواردة فيها الروحانية المتجسدة بشباهة اخت قابيل وكذا تزويج قابيل اخت هابيل. واما قول القرشي نحو توهم وقول الامام (عليه‌السلام) للقرشي جواب إسكاتي له وذيل الرواية محمول كما تقدم مع ان متن الرواية يشهد بعدم صدوره عن المعصوم (عليه‌السلام) فلا بد من طرحها.

ما وردت في تعدد خلق آدم طولا :

في التوحيد للصدوق عن الصادق (عليه‌السلام) في حديث قال : «لعلك ترى ان الله لم يخلق بشرا غيركم؟ بلى والله لقد خلق ألف آدم أنتم في آخر أولئك الآدميين».

أقول : لم يدل دليل عقلي على ان أبانا آدم (عليه‌السلام) هو أول خلق آدمي في الممكنات ، فمقتضى اصالة الإمكان جواز تعدد الآدميين قبله. وما عن بعض المفسرين من سوء المقال في المقام ظاهر في انه غير مطلع على القواعد العقلية ولا على الشواهد الخارجية.

وفي الخصال عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «ان الله تعالى خلق عشر ألف عالم كل عالم منهم اكبر من سبع سماوات وسبع ارضين ما يدرى عالم منهم ان لله عزوجل عالما غيرهم».

أقول : لا ريب في الإمكان الذاتي بالنسبة إلى هذه العوالم كما لا ريب في قدرة الله تبارك وتعالى غير المتناهية بالنسبة إلى خلق هذه العوالم ولا دليل من عقل أو نقل على امتناع وقوعها بل الشواهد الكثيرة تدل على وقوعها وانكار بعض المفسرين يدل على قصور فهمه وعدم

٢٥١

دركه بما جعله الفلاسفة من الأوليات من قولهم : «كل ما قرع سمعك من العجائب والغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يمنعك عنه قائم البرهان» مع ان جمعا كثيرا من قدماء الفلاسفة اثبتوا الأدوار والأكوار في هذا العالم ، وتسالم الكل على قدم الهيولى والصور المتوالية المتتابعة.

وفي الخصال عن أبي جعفر (عليه‌السلام) : «لقد خلق الله عزوجل في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم خلقهم من أديم الأرض فأسكنهم فيها واحدا بعد واحد مع عالمه ثم خلق الله عزوجل آدم أبا البشر وخلق ذريته منه».

أقول لا تنافي بين هذه الرواية وبين الروايات السابقة لان الروايات السابقة لم تبين كيفية المخلوقات في تلك العوالم. والحصر في هذه الرواية اضافي لا ان يكون حقيقيا حتي يحصل التنافي. مع انه يمكن ان تكون الرواية الاولى بالنسبة إلى نوع آخر.

ما وردت في شأن صلة الرحم :

في الكافي عن جميل بن دراج قال : «سألت أبا عبد الله (ع) : عن قول الله عز ذكره : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) فقال يعني أرحام الناس ان الله عزوجل امر بصلتها وعظمها ا لم تر ان الله جعلها معه».

أقول : هذه الرواية تدل على تعظيم صلة الأرحام ونظيرها كثيرة :

وفي الكافي أيضا عن أبي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) صلوا أرحامكم ولو بالتسليم يقول الله تبارك وتعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ

٢٥٢

إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).

أقول لصلة الرحم مراتب كثيرة أدناها التسليم.

وعن عمر بن حنظلة عن الصادق (عليه‌السلام) في قول الله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) قال : «هي أرحام الناس ان الله امر بصلتها وعظمتها الا ترى انه جعلها معه».

عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن قول الله : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) قال : «هي أرحام الناس امر الله تبارك وتعالى بصلتها وعظمتها الا ترى انه جعلها معه».

أقول تقدم ما يتعلق بهما.

في الكافي باسناده عن محمد بن الفضيل الصيرفي عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) قال : «ان رحم آل محمد الائمة المعلقة بالعرش تقول : اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ثم هي جارية في المؤمنين ثم تلا هذه الآية : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ).

أقول : لا ريب في ان رحم آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) هي المتيقنة مما ورد في صلة الأرحام من الكتاب والسنة والادلة العقلية. ومعنى التعلق بالعرش كونهم بوجودهم النوراني موجودين في هذا المقام العظيم يدعون لمن وصلهم وعلى من قطعهم.

وفي الدر المنثور اخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله تعالى (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) قال ابن عباس قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «يقول الله تعالى صلوا أرحامكم فانه أبقى لكم في الحياة الدنيا وخير لكم في آخرتكم».

أقول : قريب منه غيره من طرقنا وما ذكره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من الآثار الوضعية من المقتضي لا العلية التامة.

٢٥٣

وفي الكافي باسناده عن جميل بن دراج قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله تبارك وتعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) قال هي أرحام الناس ان الله امر بصلتها وعظمتها الا ترى انه جعلها معه».

أقول : تقدم ما يدل على ذلك ولا تنافي بينها وبين ما تقدم من تفسير صلة الرحم برحم آل محمد (عليهم‌السلام) لان هذه الرواية تبين بعض اقسام الرحم وليست في مقام الحصر الحقيقي حتى يتحقق التنافي.

العياشي عن الأصبغ بن نباتة قال : «سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول. «ان أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدن منه فان الرحم إذا مسها الرحم استقرت وانها متعلقة بالعرش ينقضه انتقاض الحديد فينادى اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وذلك قول الله في كتابه (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) وأيما رجل غضب وهو قائم فليلزم الأرض من فوره فانه يذهب رجز الشيطان».

أقول : لا تنافي بين هذه الرواية وبين ما دلت على ان رحم آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) متعلقة بالعرش لان مراتب التعلق متفاوتة جدا.

ومعنى تعلق سائر الأرحام بالعرش حضورهن بالحضور العلمي لدى الله تبارك وتعالى والدعاء لمن وصلهم وعلى من قطعهم.

واما ان مس كل رحم بالرحم يوجب هبوط فوران الغضب فلما أثبته العلم الحديث من انتهائهم إلى شيء واحد فتستولى الوحدة وتنطفي الغضب.

واما ذيل الرواية فلان القعود يوجب سكون فوران الدم في الجملة فيتوجه إلى نفسه فيحصل له التعوّذ من الشيطان.

وعن ابن شهر آشوب باسناده عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَاتَّقُوا

٢٥٤

اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) نزلت في رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واهل بيته وذوي أرحامه وذلك ان كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا ما كان من سببه ونسبه صلى‌الله‌عليه‌وآله».

أقول : يستفاد منه ان الرحم ما كان متصلا إلى يوم القيامة وكان رحما فيها ايضا وهو مختص بنسب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لان ما سواه ينسون أنفسهم في تلك الأهوال والشدائد فضلا عن أرحامهم قال تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) عبس ـ ٣٧.

وفي تفسير علي بن ابراهيم قال : «تسائلون يوم القيامة عن التقوى هل اتقيتم؟ وعن الأرحام هل وصلتموها».

أقول : هذا من التفسير بأكبر المصاديق.

وعن علي بن ابراهيم في تفسيره ايضا عن أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام) «الرقيب الحفيظ».

أقول : حيث ان رقابته جلّ جلاله من الحضور العلمي الاحاطي وهذا يستلزم الحفظ بما يراه من المصالح.

وفي المجمع عن الباقر (عليه‌السلام) : «اتقوا الأرحام ان تقطعوها».

أقول : الروايات في حرمة قطع الرحم كثيرة جدا وهي من المعاصي الكبيرة كما ذكرناه في الفقه.

بحث فقهي

إطلاق الآية الشريفة وغيرها من الآيات والروايات يشمل كل رحم

٢٥٥

 ـ ذكرا كان أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا ـ نسبيا كان أو سببيا وارثا كان أو غير وارث قاطعا كان أو وصولا بل صلة القاطع أحب عند الله تبارك وتعالى من صلة الرحم الوصول لدلالة الروايات المتواترة على ذلك.

والمراد من الرحم ما ينتهي إلى رحم واحد بحسب الاجتماع العرفي الا إذا دل دليل من الشرع على الخلاف كما في رحم آل محمد (صلوات الله عليهم) الذي وسع فيه إلى يوم القيامة بل وفيها ولذا أكد في الشرع اولوية الأرحام في إيصال الصدقات والخيرات وتقدمهم على غيرهم وهناك موارد تفضيل ذكرناها في كتاب (مهذب الاحكام).

بحث عرفاني

في خلق أدم (عليه‌السلام) جهتان : الاولى : الجهة النورانية المعنوية وتستفاد هي من قوله تعالى : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) وهي من ارفع الجهات وأعلى الدرجات وليس في الممكنات ما يفوقها.

الثانية : الجسمانية وهي الطين والصلصال والحمأ المسنون وقد اعتنى سبحانه وتعالى بكل منها اعتناء بليغا لم يعتن بشيء من الممكنات بمثله لأنه أول خليقته وأب الأنبياء.

اما الجهة الاولى فيكفيك قوله تعالى : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ص ـ ٧٢ وبأي معنى لوحظ ذلك لا يدرك كنه عظمته ورفعته.

واما الجهة الثانية فيكفى فيها قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ص ـ ٧٥ واظهر منها إسجاد الاملاك لهذا الخلق

٢٥٦

العجيب الذي تحير الأفكار في مغزى درك حقيقته ودرك واقعيته. والجهتان متلازمتان في الجملة في هذا الموجود العظيم في اي مرتبة من مراتب ظهوره وبروزه.

وهذه المراتب غير محدودة وان أمكن تحديد كلياتها في الجملة ، فالاولى مرتبة العلم الازلي وهي أعلى المراتب وأسماها.

الثانية : مرتبة المشيئة الكلية وهي : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) ص ـ ٧١.

الثالثة : مرتبة الارادة الفعلية الحتمية وهي : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ص ـ ٧٢.

الرابعة : مرتبة الإيجاد بالأمر وهي : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) البقرة ـ ١١٧.

الخامسة : مرتبة تعليم الأسماء وهي : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) البقرة ـ ٣١.

السادسة : مرتبة التقصير وهي : (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) طه ـ ١٢١.

السابعة : مرتبة الهبوط : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) البقرة ـ ٣٦.

الثامنة : مرتبة التوبة وقبولها وهي (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) : الأعراف ـ ٢٣ وقال تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة ـ ٣٧.

التاسعة : عالم الاصطفاء قال تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) آل عمران ـ ٣٣.

٢٥٧

العاشرة : عالم الذر بقسميه في السماء وفي الأرض في بطحاء بمكة قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) الأعراف ـ ١٧٢.

الحادية عشر : مرتبة انتشار النسل وبثه بالتدرج الزماني.

الثانية عشر : مرتبة أصلاب الآباء وأرحام الأمهات وادوارها.

الثالثة عشر : مرتبة خروج الروح وتحقق الموت.

الرابعة عشر : عالم البرزخ قال تعالى : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون ـ ١٠٠.

الخامسة عشر : عالم الخلود.

هذه كليات ما يرد على هذه اللطيفة الربانية. وان قيل ان هذا الموجود العظيم أعظم عمل رباني لا بأس به ويأتي تتمة المقال في مستقبل الكلام.

(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً

٢٥٨

وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٦))

الآيات المباركة من جلائل الآيات التي تتعلق بالقواعد النظامية وهي تبين أهم القوانين التي لها دخل في حياة الاسرة والمجتمع الانساني من تنظيم الروابط بينهم وحفظ العلاقات ـ بين افراد الاسرة ـ التي أهمها رعاية اليتامى وحفظ أموالهم وتحديد النكاح باليتيمات اللواتي تحت الوصاية بعدم التقصير في حقوقهن. وتعدد الزوجات المراعى بعدم الجور والظلم عليهن وحفظ حق المرأة في صداقها وعدم التعدي فيه. والمنع من تصرف السفهاء ـ الذين لا يحسنون التصرف ـ في أموالهم وان كان لهم الحق منها في الرزق والكسوة الا إذا تبين الرشد والأهلية منهم فيرجع إليهم أموالهم. والآية الكريمة تقرر الاشهاد حين تسليم المال إليهم دفعا للشبهة والخصومة ، فهذه الآيات في مقام الردع عن الأخلاق الجاهلية ومن يحذو حذوهم في الإسلام.

ومن أجل اهمية هذه القوانين وارتباطها بنظام الاسرة والمجتمع سبقت الآيات الشريفة بانه جل شأنه رقيب وختمت بانه تعالى محاسب ما يصدر عن عباده من الأعمال.

وارتباط هذه الآيات الشريفة بما قبلها هو ان القيام بشئون الأيتام

٢٥٩

وغيرها مما تقدم من أهم مصاديق التقوى وفي عرض صلة الأرحام بلا فرق بين ان يكون اليتيم من الأرحام أولم يكن منهم مع انها توطئة لما يأتي من احكام الإرث.

التفسير

قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ).

هذه الآيات الكريمة مشتملة على اصول نظامية فطرية متينة ترتبط بحياة الاسرة والمجتمع كما تقدم وقد قررها الوحي المبين وهي امور :

الاول : ما يتعلق بأموال اليتامى. والخطاب في الآية الشريفة عام يشمل الأوصياء والأولياء ـ الجعليين والشرعيين ـ وغيرهم المتصدين بشئون اموال اليتامى.

والأمر بإيتاء اليتامى أموالهم من التفصيل لموارد الاتقاء وانما بدأ بهم إظهارا لشأنهم وعناية خاصة بهم لأنهم الضعفاء في الاسرة والمجتمع واليتيم من اليتم وهو الانفراد عن المثل وفي الإنسان هو : الصغير الذي مات أبوه وفي سائر الحيوانات هو فاقد الام.

والمراد بالإيتاء إيصال أموالهم إليهم ـ اما صرفا عليهم أو عينا ـ والتعبير باليتيم حين الإيصال باعتبار ان الاستيلاء على المال كان حين اليتم اي كان يتيما. ويمكن ان يراد باليتامى كل مظلوم ومقهور استولى على ماله ـ يتيما كان بالمعنى المصطلح أولا ـ ثم ارتفع عنه ذلك كما يأتي في البحث العرفاني.

والمعنى : ان من استولى على اموال اليتامى ـ بحق كان كالوصي

٢٦٠