زبدة الأصول - ج ٦

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-40-3
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٤١

وقد مر ان الخاص وارد أو حاكم عليه في دلالته هذه.

وعلى هذا فالعام لا يعارض مع مجموع الخاصين لعدم كونهما معا طرف المعارضة ، وليس دليلهما واحدا بل هو امر انتزاعي منهما.

وكذا لا يعارض مع كلا الخاصين لان أحدهما يكون قرينة على العام وهو في دلالته على العموم لا يصلح ان يعارض مع الخاص ، فطرف المعارضة احد الخاصين.

وبعبارة أخرى : العام بعد كونه ذا دلالتين ، الدلالة على فرد ما ، والدلالة على الجميع ، فبعد ورود الخاصين حيث انه يكون أحدهما قرينة عليه فيسقط دلالته على العموم ، وتبقى الدلالة الأولى ومعارضته في هذه الدلالة إنما تكون مع أحدهما لا كليهما.

وان شئت قلت ، ان العام إنما يكذب احد الخاصين لا كليهما ، غاية الأمر أحدهما غير المعين ، وكل من الخاصين أيضاً يكذب الآخر والعام ، فتكون حال هذه الأدلة حال البينات الثلاث ، القائمة كل واحدة منها على طهارة احد الاناءات الثلاثة المعلوم نجاسة أحدها ، في ان التعارض إنما يكون بين الجميع فلا بدَّ من ملاحظة النسبة بين الجميع.

فحينئذ ان لم يكن لاحدها مرجح يتخير بينها وايها شاء يطرح.

واما ان كان هناك ترجيح فان كان الترجيح لكل من الخاصين يقدمان ويطرح العام.

وان كان الترجيح للعام وكان الخاصان متساويين يؤخذ بالعام ويتخير بين

٣٨١

الخاصين ، فيطرح ايهما شاء ، ويخصص العام بالآخر.

وان كان للعام مرجح عليهما ولاحدهما مرجح على الآخر يقدم العام وذاك الخاص ويطرح المرجوح.

ثم ان الفرق بين ما اخترناه وما ذهب إليه الاساطين ، انه إذا كان للعام مرجح على احد الخاصين ، وكان للخاص الآخر مرجح على العام ، يكون الحكم على القول الأول التخيير ، لان مجموع الخاصين الذي هو طرف المعارضة يكون مركبا من الاضعف والأقوى ، فلا يكون اضعف ولا أقوى.

واما على المختار يقدم العام على الخاص المرجوح والخاص الراجح يقدم على العام.

ولو كان العام ارجح من احد الخاصين ومساويا مع الآخر ، فعلى المسلك الأول يقدم العام عليهما لان المشتمل على المساوي والاضعف يكون اضعف فيقدم العام.

ولكن على ما اخترناه يقدم العام على الخاص الخاص المرجوح ، ويتخير بين الاخذ بالخاص الآخر والعام.

ولو كان العام مساويا مع احد الخاصين ومرجوحا بالنسبة إلى الآخر ، فعلى المسلك الأول يقدم الخاصان لان المشتمل على المساوى والأقوى يكون أقوى.

ولكن على مسلكنا يقدم الخاص الراجح ويتخير بين العام والخاص المساوى ، وعلى التقديرين لا يكون هذا المورد من موارد انقلاب النسبة.

واما المورد الثاني : وهو ما إذا كان احد الخاصين متصلا والآخر منفصلا ،

٣٨٢

كما إذا ورد اكرم العلماء إلا النحويين منهم ، ثم ورد منفصلا ، لا تكرم الأصوليين وفرضنا ان العلماء صنفان نحوي ، واصولي ، لا اشكال في انه يخصص العام أولا بالمتصل ثم يلاحظ النسبة مع المنفصل.

والسر في ذلك : ان المخصص المتصل لا يبقى للعام ظهورا في العموم ، لما مر من ان الظهور التصديقي فيما قال أيضاً يتوقف على عدم وجود القرينة المتصلة ، والعام مع القرينة المتصلة إنما يكونان بحكم ما لو عبر عن الموضوع بلفظ بسيط ، فالمثال الأول ، بحكم اكرم الأصوليين ، وهذا هو الفارق بين المتصل والمنفصل حيث انه في الثاني ينعقد للعام ظهور في العموم والخاص ، يصادم مع حجيته ، والمتصل يصادمه في الظهور.

وبما ذكرناه يندفع ما قد يتوهم من ان التعارض إنما يكون في الكاشفية عن المراد وفي الكاشفية عن المراد لا فرق بين القرينة المتصلة والمنفصلة.

وجه الاندفاع : ان التعارض إنما يكون بين الشيئين الذين يكون كل منهما حجة في نفسه لو لا التزاحم ، لابين ما لا يكون حجة في حد نفسه ولو لم يكن مزاحم وغيره.

وعليه فإذا كان الخاصان منفصلين فحيث ان العام انعقد ظهوره في العموم وهو حجة فيه ، والخاصان كل منهما يصلح للقرينية ونسبتهما إليه على حد سواء ، فيقع التعارض بين الجميع واما إذا كان أحدهما متصلا فلا ينعقد للعام ظهور في العموم كي يعارض ، ويصلح الخاص الآخر للقرينية ، فلا مقتضى فيه للكاشفية عن المراد بل اقتضائه إنما يكون بالنسبة إلى غير ما خصص ، فلا بدَّ من ملاحظة النسبة بين العام المخصص والخاص الآخر.

٣٨٣

الصورة الثانية : ما إذا ورد عام وخاصان بينهما عموم من وجه ، والكلام فيها أيضاً في موردين :

الأول ما إذا كان الخاصان متوافقين ، كما إذا ورد اكرم العلماء ، ثم ورد لا تكرم الفساق من العلماء ، ثم ورد لا تكرم النحويين.

الثاني ، ما إذا كان الخاصان مختلفين ، مثل ما إذا دل دليل على وجوب اكرام العلماء ودليل آخر على حرمة اكرام النحويين ، ودليل ثالث على استحباب اكرام الصرفيين.

اما المورد الأول : فمورد الاجتماع ، وهو النحوي الفاسق لا يجب اكرامه بمقتضى الخاصين فيخصص به العام ويكون النسبة بين الخاصين في موردى الافتراق هو التباين فيعامل حينئذ معاملة التباين الذي مر آنفا.

واما المورد الثاني : فيخصص العام في مجمع التصادق ، وهو النحوي الصرفى ويحكم بعدم وجوب اكرامه ، واما انه هل يستحب أو يحرم فيرجع فيه إلى ما يقتضيه القواعد بين العامين من وجه.

وحينئذٍ فعلى المختار في العامين من وجه من الرجوع إلى الأخبار العلاجية فهو.

وعلى القول بالتساقط يسقطان ، معا ، ويرجع فيه إلى العام ، ولاوجه لدعوى انهما يسقطان عن الحجية بالنسبة إلى مدلولهما المطابقي لا الإلتزامي : لما تقدم من تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية حجية أيضاً فراجع.

واما في موردي الافتراق فيجري فيهما ما ذكرناه في الصورة الأولى.

٣٨٤

الصورة الثالثة : ما إذا ورد عام وخاصان بينهما عموم مطلق كما إذا ورد اكرم كل شائب ودل دليل آخر على اباحة اكرام الفساق منهم ، وورد دليل ثالث انه يحرم اكرام شارب الخمر منهم ، لا اشكال في تخصيص العام بالخاص الاخص لعدم حجية العام فيه على كل تقدير ، والنسبة بينه وبين الخاص الأعم أيضاً عموم مطلق فيخصص به ويختص الخاص الأعم بغير مورد الاخص ، وتكون النسبة بينه وبين العام عموم مطلق كما لا يخفى.

الصورة الرابعة : ما إذا ورد عامان من وجه وخاص مطلق ، فان كان الخاص اخص منهما وكان يخرج مادة الاجتماع منهما ، كما إذا ورد يجب اكرام العلماء ، ثم ورد ، يحرم اكرام الفساق ، وورد دليل ثالث ، انه يستحب اكرام العالم الفاسق ، يخصص العامان به ، ويختص كل من العامين بموردي الافتراق ولا تعارض بينهما.

وان كان الخاص مخصصا لاحدهما بان اخرج مورد افتراق أحدهما ، كما إذا دل دليل على استحباب اكرام العلماء ، ودليل آخر على حرمة اكرام الفساق ، ودليل ثالث على انه يجب اكرام العدول من العلماء.

فقد التزم الشيخ الأعظم (ره) (١) بانقلاب النسبة في هذه الصورة ، بمعنى انه يخصص ما دل على استحباب اكرام العلماء ، بما دل على وجوب اكرام العدول منهم فيختص بالفساق منهم حينئذ والنسبة بينه ، وبين العام الثاني عموم مطلق ، فيخصص به فيختص حرمة اكرام الفساق بغير العلماء.

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٢ ص ٧٩٩.

٣٨٥

والوجه فيه : انه يدور الأمر بين أمور :

منها ان يخصص العام الذي له مخصص به ، وبالعام الآخر ، فلا يبقى له مورد.

ومنها : ان يخصص العام الذي له مخصص بالعام الآخر ، ويعارض حينئذ مع الخاص ، ويقدم عليه ، فيطرح الخاص.

ومنها : ان يخصص العام الذي له مخصص بالخاص ثم يخصص العام الآخر به ، فلا يلزم طرح دليل أصلاً.

وبعبارة أخرى : الأمر يدور بين طرح احد النصين ، وبين طرح ظهورين وابقاء الأدلة الثلاثة فيما تكون نصا فيه ، ولا ريب في ان الثاني أولى.

وفيه : ان طرح النص أو الظاهر بتمامه إنما لا يجوز في مقام الجمع الدلالي ، واما طرحه بواسطة الأخبار العلاجية فلا محذور فيه.

وعليه فيمكن ان يقال في المقام انه يلاحظ أولا عامان من وجه ويعمل قاعدة التعارض كي يظهر وجود عام كي يخصص وعدمه.

فان قدم العام المنافي للخاص على معارضه ، لوجود مرجح فيه فيخصص ذلك العام بالخاص.

وان قدم غير المنافى لرجحانه فان كان للعام المنافي بعد هذا الترجيح أفراد غير ما ينطبق عليه الخاص فيخصص بالخاص ، وإلا فيكون العام المنافي مع الخاص كالمباين وحيث ان الخاص اظهر منه لان دلالته على المورد بالنصوصية ، ودلالة العام بالظهور فيقدم الخاص عليه ويطرح العام ولا محذور فيه.

٣٨٦

وان شئت قلت ان العام المنافي يعارضه الخاص والعام الآخر في مرتبة واحدة ، والخاص يقدم عليه لكونه نصا ، ويعمل قواعد التعارض في العام مع العام الذي يكون معارضا له ، فان كان ذلك العام ارجح يقدم عليه ، ويطرح ذلك ولا محذور في مثل هذا الطرح.

واستدل المحقق النائيني (١) لانقلاب النسبة في هذه الصورة : بان ملاحظة النسبة بين الأدلة إنما هي لأجل تشخيص كونها متعارضة أو غير متعارضة وقد تقدم ان تعارض الأدلة إنما هو لأجل حكايتها وكشفها عما لا يمكن جعله وتشريعه لتضاد مؤدياتها ، فالتعارض بين الأدلة إنما يكون بمقدار كشفها وحكايتها عن المراد النفس الامري ، ومن الواضح ان تخصيص العام يقتضي تضييق دائرة كشفه وحكايته : لان التخصيص يكشف لا محالة عن عدم كون عنوان العام تمام المراد ، بل المراد هو ما وراء الخاص ، لان دليل الخاص لو لم يكشف عن ذلك يلزم لغوية التعبد به وسقوطه عن الحجية فلازم حجية دليل المخصص هو سقوط دليل العام عن الحجية في تمام المدلول وقصر دائرة حجيته بما عدا المخصص.

وحينئذٍ لا معنى لجعل العام بعمومه طرف النسبة لان النسبة إنما تلاحظ بين الحجتين ، فالذي يكون طرف النسبة هو الباقي تحت العام الذي يكون العام حجة فيه ، فلو خصص احد العامين من وجه بمخصص متصل أو منفصل يسقط عن الحجية في تمام المدلول ويكون حجة فيما عدا عنوان الخاص فيلاحظ

__________________

(١) فوائد الأصول للنائيني ج ٤ ص ٧٤٧.

٣٨٧

النسبة بينه بمقدار حجيته وبين العام الآخر ولا محالة تنقلب النسبة من العموم من وجه إلى العموم المطلق.

وفيه : ان العام الذي له مخصص ، في نفسه كاشف عن المراد النفس الامري ، وانه العموم ، ولو قدم الخاص عليه تتضيق دائرة كشفه ولكن لاوجه لتخصيصه به أولا ثم ملاحظة النسبة مع العام بعد كونه والخاص في رتبة واحدة ، فلقائل ان يقول انه يلاحظ النسبة أولا بين العامين ، فلو قدم ذلك العام يصير هذا العام دائرة كشفه منحصرة بمورد الخاص ، فيعارض مع الخاص بالتباين.

فالاظهر انه لاوجه لانقلاب النسبة في هذه الصورة أيضاً.

والمحقق الخراساني (١) مع التزامه بعدم انقلاب النسبة التزم بتقديم العام الذي له مخصص ، لو لم يكن الباقي تحته بعد تخصيصه ، إلا ما لا يجوز ان يجوز عنه التخصيص أو كان بعيدا جدا ، من جهة كون كالنص فيه ، فيقدم على الآخر الظاهر فيه بعمومه.

وفيه : انه لو خصصنا العام أولا بالخاص ، ثم لاحظنا النسبة بينه وبين العام الآخر كان ما أفاده تاما ، ولكن لم يخصص به أولا ، بل لا بدَّ على هذا المسلك من ملاحظة النسبة قبل التخصيص ، ولو لوحظت النسبة قبل التخصيص يكون التعارض بين الظهورين.

وبالجملة كما يمكن تخصيص العام أولا بالخاص ، فيكون معارضا مع العام

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٤٥٣.

٣٨٨

حينئذ معارضة النص والظاهر ، كذلك يمكن ان تلاحظ النسبة بين العامين أولا ثم ملاحظتها بين العام والخاص فربما تكون المعارضة حينئذ بين النصين.

فالمتحصّل ان العام الآخر وحده لا ينافي مع ما يكون العام الذي له مخصص نصا فيه ، بل هو وحده ينافي ظهوره ، كما ان الخاص وحده كذلك ، وهما معا ينافيان العام فيما يكون العام نصا فيه ، فلا وجه للتخصيص بالخاص أولا ، بل تقع المعارضة بين الأدلة.

الصورة الخامسة : ما لو ورد دليلان متباينان ـ كما ورد ـ ان الزوجة لا ترث من العقار ، وفي خبر آخر ، الزوجة ترث من العقار ثم ورد خاص بالنسبة إلى أحدهما ، واوجب ذلك انقلاب النسبة إلى العموم المطلق ، كما ورد ، انها ترث من العقار إذا كانت ذات ولد فانه يكون اخص من الأول فيخصص به فيختص بغير ذات الولد والنسبة بينه حينئذ وبين الآخر عموم مطلق ، وقد تنقلب النسبة إلى العموم من وجه.

ولكن بما ذكرناه في الصور السابقة يظهر عدم انقلاب النسبة في هذه الصورة أيضاً.

فالمتحصّل عدم انقلاب النسبة في شيء من الصور.

٣٨٩

كون المرجحات باجمعها للسند

المبحث التاسع : ذهب جماعة من المحققين ، منهم الشيخ الأعظم (١) والمحقق النائيني (٢) إلى تقسيم المرجحات إلى اقسام :

الأول : ما يكون مرجحا لسند الخبر ككونه مشهورا بين الأصحاب ، وكون رواته اوثق واصدق ، واعدل.

الثاني : ما يكون مرجحا لجهة صدوره وانه صدر لبيان الحكم الواقعي ، ككونه مخالفا للعامة.

الثالث : ما يكون مرجحا للمدلول ومضمون الخبر ، ككونه موافقا للكتاب والسنة.

وخالفهم المحقق الخراساني (٣) وذهب إلى رجوع جميع المرجحات إلى الترجيح الصدورى ، وانها باجمعها موجبة لترجيح احد السندين على الآخر ، وقبل الدخول في البحث لا بدَّ من تقديم مقدمتين :

احداهما : ان استفادة الحكم من الخبر تتوقف على أمور اربعة :

__________________

(١) راجع فرائد الأصول ج ٢ ص ٧٨٣ (المقام الرابع : .... اما المرجح الداخلي فهو على أقسام).

(٢) فوائد الأصول للنائيني ج ٤ ص ٧٧٨.

(٣) كفاية الأصول ص ٤٥٣.

٣٩٠

الأول : صدور الخبر عن المعصوم (ع) والمتكفل لاثبات ذلك هو أدلة حجية الخبر الواحد.

الثاني : كونه ظاهرا في معنى والمتكفل لاثبات ذلك هو العرف واللغة.

الثالث : صدوره لبيان الحكم الواقعي لا لجهة أخرى من تقية ونحوها والمتكفل لاثبات ذلك بناء العقلاء على حمل الكلام على كونه صادرا لبيان افادة المراد النفس الامرى.

الرابع : كون مضمونه تمام المراد لا جزئه والمتكفل لاثبات ذلك أصالة عدم التقييد والتخصيص والقرينة وما شاكل من الأصول اللفظية العقلائية ، التي عليها بناء العقلاء عند الشك في التقييد ، والتخصيص ، وإرادة المجاز.

الثانية : ان موارد المرجحات مختلفة مورد بعضها نفس الخبر ، وهو الشهرة ، ومورد بعضها الراوى ، وهو الاعدلية والأوثقية ، ومورد بعضها جهة الصدور ، وهو مخالفة العامة ومورد بعضها مضمون احد المتعارضين ، وهو موافقة الكتاب.

إذا عرفت هاتين المقدمتين فاعلم انه استدل المحقق الخراساني (١) لما اختاره من رجوع جميع المرجحات إلى المرجح الصدوري وانها باجمعها موجبة لترجيح احد السندين على الآخر بوجهين :

١ ـ ان المتضمن لهذه المرجحات هو الأخبار العلاجية ، وهي ظاهرة في تقديم رواية ذات مزية في احد ، اطرافها ونواحيها ، فجميع هذه من مرجحات

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٤٥٣ بتصرف.

٣٩١

السند.

٢ ـ انه لا معنى للتعبد بصدور الخبر مع وجوب حمله على التقية : إذ الحمل عليها يساوق الطرح ولا يعقل ان تكون نتيجة التعبد بالصدور هي الطرح ، ولا يقاس ذلك بمقطوعى الصدور الذين لا تعبد فيهما للقطع.

وأورد عليه المحقق النائيني (١) بان الخبر ، قد يكون بنفسه ظاهرا في الصدور تقية ، بحيث يكون فيه قرائن التقية ولو لم يكن له معارض ، وقد لا يكون فيه قرائن الصدور تقية بل مجرد كون مؤداه موافقا لمذهب العامة ، وفي هذا المورد لا يحمل الخبر على التقية إلا في صورة التعارض بأدلة العلاج والذى لا يمكن فيه التعبد مع الحمل على التقية إنما هو القسم الأول.

واما القسم الثاني غير المحمول عليها لو كان وحده فإنما يحمل عليها في صورة التعارض المتفرع صدق هذا العنوان على شمول أدلة التعبد بالصدور لكل من الموافق والمخالف فالحمل عليها إنما هو بعد شمول أدلة الحجية لكل منهما في نفسه.

وفيه : ان أدلة اعتبار الخبر وحجيته لا تشمل شيئا من المتعارضين عنده ، لان بنائه على ان الأصل في المتعارضين التساقط وإنما ثبت الاعتبار بأدلة العلاج وبالنسبة إليها أيضاً لا يمكن الالتزام بشمولها للموافق مع حمله على التقية فلا محالة تكون مخالفة العامة من مرجحات الصدور وانها توجب التعبد بصدور المخالف وعدم صدور الموافق لا صدوره تقية.

__________________

(١) فوائد الأصول للنائيني ج ٤ ص ٧٨٢.

٣٩٢

فالاقوى ما عليه المحقق الخراساني من ارجاع جميع المرجحات إلى المرجح من حيث الصدور نفسه.

الترتيب بين المرجحات

المبحث العاشر : هل المرجحات كلها في رتبة واحدة ، فلو كان احد الخبرين ، واجدا لمرجح والآخر كان واجدا لمرجح آخر كانا متساويين فيرجع إلى اخبار التخيير ، أم يجب مراعاة الترتيب بينها؟

وعلى الثاني أي لزوم مراعاة الترتيب فهل يقدم المرجح الصدورى ، على المرجح الجهتي والمضموني كما عن الشيخ الأعظم (ره) (١) والمحقق النائيني (٢) ، أم يقدم المرجح الجهتى على المرجح السندي كما عن الوحيد البهبهاني (٣) والمحقق الرشتي (٤) ، أم يتابع النص في ذلك؟ وجوه فالكلام يقع في موردين.

اما المورد الأول : فقد استدل المحقق الخراساني (ره) (٥) لعدم لزوم مراعاة

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٢ ص ٨١٢ (الخامس).

(٢) فوائد الأصول للنائيني ج ٤ ص ٧٨١.

(٣) كما نسبه اليه المحقق النائيني في فوائد الأصول ج ٤ ص ٧٧٩ ، وهو ما قد يظهر من الفوائد الحائرية للوحيد البهبهاني ، ص ٢١٩ ـ ٢٢٠ (الفائدة الاحدى والعشرون).

(٤) بدائع الافكار ص ٤٥٥ ، (المقام الرابع : في ترتيب المرجحات).

(٥) كفاية الأصول ص ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

٣٩٣

الترتيب بوجهين :

أحدهما : ظهور الأخبار في بيان اصل المرجحية ، دون الترتيب.

ثانيهما : انه لو لزم مراعاته لزم البناء على تقييد اكثر نصوص الترجيح بل جميعها عدا المقبولة ، وهو بعيد.

وفيهما نظر ، اما الأول : فلان الأخبار ظاهرة في بيان الترتيب زائدا على اصل المرجحية ، فان المقبولة تامر بالاخذ بالمشهور ، وبعد فرضهما مشهورين تامر بالاخذ بما وافق الكتاب وهكذا.

واما الثاني : فلان الكتاب والخبر المتواتر ، يقيدان بالخبر الواحد ، فلا محذور في تقييد النصوص الكثيرة ، به ، فالاظهر لزوم الترتيب.

واما المورد الثاني : فالاظهر في كيفيته متابعة النص وقد مر ما يستفاد منه ، وهناك أقوال اخر عمدتها اثنان المتقدمان.

أحدهما : ما عن الشيخ الأعظم (ره) وتبعه المحقق النائيني (ره) ، وهو ، تقديم المرجح الصدوري على المرجح الجهتى والمضموني ، والمحقق النائيني (١) اختار تقديم المرجح الجهتي على المرجح المضموني.

ثانيهما : ما عن الوحيد البهبهاني والمحقق الرشتي ، وهو تقديم المرجح الجهتي على المرجح السندي.

__________________

(١) كما هو مختاره في فوائد الأصول ج ٤ ص ٧٨٤.

٣٩٤

اما القول الأول : فقد استدل له الشيخ (١) بما فصله المحقق النائيني (٢) ، وحاصله ان استفادة الحكم من الخبر تتوقف على أمور اربعة :

صدور الخبر ـ وظهوره في المعنى ـ كونه صادرا لبيان حكم الله ـ كون مضمونه تمام المراد وقد اشبعنا الكلام في ذلك في المقدمة الثانية المذكورة في المبحث السابق.

وعليه فالتعبد بجهة الصدور فرع التعبد بالصدور وبالظهور ، كما ان التعبد بكون المضمون تمام المراد فرع التعبد بجهة الصدور ، بداهة انه لا بدَّ من فرض صدور الخبر لبيان حكم الله حتى يتعبد بكون مضمونه تمام المراد لا جزئه.

نعم ليس بين التعبد بالصدور وبالظهور ، ترتب وطولية ، ولازم ما ذكر هو تقديم المرجح الصدورى على المرجح الجهتي عند التعارض بينهما ، كما هو ظاهر أدلة الترجيح كالمقبولة.

ثم انه (قدِّس سره) اشكل على نفسه بأنه في خبر القطب المتقدم ، قدم الترجيح بموافقة الكتاب على مخالفة العامة مع ان الأول مرجح مضموني ، والثاني مرجح جهتي.

وأجاب عنه بأنه يمكن ان يقال بكون موافقة الكتاب من المرجحات الصدورية.

ويرد عليهما : ان أدلة حجية الخبر الواحد لا تشمل شيئا من المتعارضين

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٢ ص ٨١٢ (الخامس).

(٢) فوائد الأصول ج ٤ ص ٧٨١ ـ ٧٨٢.

٣٩٥

عندهما : لان بنائهما على ان مقتضى القاعدة هو التساقط ، فيتعين الرجوع إلى الأخبار العلاجية ولاوجه معه لهذه الأمور الاعتبارية.

وان شئت قلت : ان المراد من الحجية التي قال الشيخ (ره) ان المرجح الجهتي إنما يكون بعد فرض حجيتهما ، ان كان هي الحجية الفعلية فليست فيهما قطعا ، وان كان المراد هي الحجية الشأنية ، فهي فيهما على حد سواء.

وبالجملة لا بد في مقام الاخذ بالحجة من ملاحظة ما ورد عنهم عليهم‌السلام ولا ينبغي الاعتناء بهذه الأمور الاعتبارية ، والإمام (ع) قدم المرجح المضمونى وهو موافقة الكتاب ، على المرجح الجهتى وهو مخالفة العامة.

واستدل للقول الثاني بوجهين : الأول : ان الخبر الموافق للعامة يدور امره بين أمرين ١ ـ عدم الصدور ٢ ـ الصدور تقية ، ولا يعقل التعبد به على التقديرين ، فحينئذ لا يحتمل تقديم المرجحات السندية على مخالفة العامة.

وفيه : ان الخبر الموافق لا بدَّ وان يفرض بنحو يكون حجة لو كان وحده ، وإلا لما صدق التعارض وما فرض في الدليل لا يكون حجة لو كان وحده.

وبعبارة أخرى : ان الأمر إذا دار بين أمرين ، عدم الصدور ، أو الصدور تقية فهو خارج عما نحن فيه ، ويقطع بعدم حجيته ، فلا يعارض مع المخالف للعامة.

واما ما هو محل الكلام فأمره يدور بين ثلاثة : عدم الصدور ، أو الصدور تقية ، أو الصدور لبيان حكم الله الواقعي.

الثاني : ان قطعية الصدور لا تمنع عن حمل الموافق على التقية ، فالتعبد بالصدور أولى بعدم المنع عن حمل الموافق على التقية.

٣٩٦

وفيه : ان قطعية الصدور لا تقتضي سوى صدور الكلام عن المعصوم (ع) ، ولا تقتضي التعبد بالحكم ، وهذا بخلاف التعبد بالصدور ، فانه إنما يكون بلحاظ التعبد بالحكم والاثر فلا اولوية.

فالمتحصّل مما ذكرناه انه ان قلنا بالتعدي من المرجحات المنصوصة إلى كل مزية موجبة لأقربية ذي المزية إلى الواقع ، فلا وجه لملاحظة الترتيب كما لا يخفى.

اللهم إلا ان يقال ان ذلك يتم في الترتيب بين الأفراد والمصاديق ، واما على مسلك الشيخ الأعظم (ره) من تقسيم المرجحات إلى اقسام ثلاثة ، صدوري ، جهتي ، مضموني ، كما مر فلا يتم في الانواع.

وعلى القول بعدم التعدي كما اخترناه ، فان بنينا على عدم الترتيب بين المرجحات فالحكم ظاهر ، وان قلنا بالترتيب كما هو الحق فلا بدَّ من متابعة النصوص ، وقد عرفت ما تقتضيه ، وانه لا بد من تقديم الشهرة ، ثم موافقة الكتاب ، ثم مخالفة العامة ، فتكون النتيجة ، تقديم المرجح السندي ، على المرجح المضموني ، وتقديم المضموني ، على المرجح الجهتي ، لو صح التقسيم وقد مر عدم صحته.

موافقة الخبر للمزية الخارجية

المبحث الحادي عشر : في ان موافقة احد الخبرين المتعارضين لامر خارجي يوجب الظن ولو نوعا ، هل هي من المرجحات ، أم لا؟

٣٩٧

وتنقيح القول فيه ، ان الأمر الخارجي الذي يوافقه.

قد يكون هو الأصل العملي.

وقد يكون أمارة لا دليل على اعتبارها ، وقد يكون أمارة دل الدليل على عدم اعتبارها كالقياس.

وقد يكون أمارة معتبرة.

اما القسم الأول : فقد وقع في كلمات الأصحاب مورد البحث تحت عناوين ثلاثة :

أحدها : ما إذا تعارض خبران وكان أحدهما موافقا لاصل البراءة ، أو الاستصحاب ، فالمنسوب إلى المشهور الترجيح بذلك وانه يقدم ما وافقه اصل البراءة أو الاستصحاب.

ثانيها : ما إذا تعارض المقرر ، وهو الخبر الموافق للأصل ، والناقل ، وهو المخالف له ، وعن الأكثر بل جمهور الأصوليين تقديم الناقل.

ثالثها : ما إذا تعارض الخبر المبيح ، والخبر الحاظر ، فقد ادعى الإجماع على تقديم الحاظر.

وحيث ان الظاهر في بادئ النظر اختلاف الآراء في هذه الموارد ، فقد أورد عليهم بايرادين :

١ ـ انهم في المورد الأول قالوا ان الأصل مرجح ، وفي الاخيرين استشكلوا في ذلك بل ذهبوا إلى تقديم المخالف.

٣٩٨

٢ ـ انهم اختلفوا في تقديم الناقل (وهو المخالف للأصل) على المقرر (وهو الموافق له) وقد ذهب جمع منهم إلى عدم التقديم ، مع انهم اتفقوا على تقديم الحاظر وهو الناقل.

وملخص القول في المقام يقتضي البحث في موردين :

الأول : في الجمع بين كلمات الأصحاب.

الثاني : فيما هو الحق في كل مسألة.

اما الأول : فالظاهر عدم التنافي بين كلماتهم ، فان موضوع بحثهم ، في المسألة الأولى الأصل الشرعي ، وفي الثانية بل والثالثة ، الأصل العقلي فيندفع الإيراد الأول.

واما الإيراد الثاني : فيندفع بانهم لم يتفقوا في المسألة الثالثة ، بل صرح بعضهم بتقديم الاباحة لرجوعه إلى تقديم المقرر على الناقل الذي اختاره في تلك المسألة مع ، ان موضوع الثالثة اخص من الثانية ، فيمكن ان يقال بتخصيص الثانية بدوران الأمر بين الوجوب وعدمه.

واما المورد الثاني : فقد استدل للترجيح بالاصل الشرعي بوجوه :

١ ـ ان الخبرين يتعارضان ويتساقطان فيبقى الأصل سليما عن المعارض.

وفيه : ان الأصل الثانوي في الخبرين المتعارضين بعد فقد المرجحات هو التخيير لا التساقط بل عرفت ان المختار عندنا ان مقتضى الأصل الأولي أيضاً ذلك.

٢ ـ ان العمل بالموافق موجب للتخصيص فيما دل على حجية المخالف ،

٣٩٩

والعمل بالمخالف ، مستلزم للتخصيص ، فيما دل على حجية الموافق وتخصيص آخر فيما دل على حجية الأصول ، فيقدم الأول تقليلا للتخصيص.

وفيه : ان الخبر المخالف يكون حاكما على دليل الأصل ، وموجبا لانعدام موضوعه لا التخصيص في دليله.

٣ ـ ان ما دل على التخيير مع تكافؤ الخبرين ، معارض بما دل على الاصلين.

وفيه : ما تقدم من حكومة دليل حجية الخبر على دليل الأصل : إذ لا فرق بين حجيته تعيينا أو تخييرا ، مع ان بعض اخبار التخيير في مورد جريان الأصل ، مع ان التخصيص في اخبار التخيير يوجب اخراج كثير من مواردها ، بل اكثرها ، بخلاف العكس.

٤ ـ ان الخبر الموافق يفيد ظنا بالحكم الواقعي ، والعمل بالاصل يفيد الظن بالحكم الظاهري فيقوى به الخبر الموافق.

وفيه : ان الأصل وظيفة مجعولة للشاك عند فقد الدليل فمع وجوده يرتفع موضوعه ، فلا تحقق له كي يوجب الاقوائية ، مع ان الظن بالوظيفة الظاهرية كيف يوجب اقوائية ما يكون كاشفا عن الواقع وحاكيا عنه فتدبر.

فالاظهر عدم الترجيح بالاصل.

واستدل لتقديم الناقل ، بان الغالب فيما يصدر من الشارع الحكم بما يحتاج إلى البيان ولا يستغنى عنه بحكم العقل.

وفيه : ان الغلبة ممنوعة كيف وقد كثر في الأدلة بيان الشارع ، ما عليه بناء

٤٠٠