زبدة الأصول - ج ٦

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-40-3
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٤١

إذا اقر ذو اليد بان المال كان للمدعي

هذا كله في غير الإقرار ، واما لو اقر ذو اليد الحالية بان العين كانت للمدعي أو بيده سابقا ، فالمشهور بين الأصحاب انه ينقلب ذو اليد مدعيا والمدعي منكرا ، واستشكل في ذلك في محكي الكفاية (١) وتبعه جمع من الأساطين (٢) بل اختاروا عدم الانقلاب.

والكلام في ذلك يقع في موضعين :

الأول في ان الإقرار المزبور هل يوجب تشكيل دعوى أخرى أم لا؟

الثاني : في انه على فرض التشكيل هل ينقلب ذو اليد مدعيا والمدعى منكرا أم لا؟

اما الموضع الأول : فقد استدل الشيخ الأعظم (ره) (٣) للتشكيل : بان دعواه الملكية في الحال إذا انضمت إلى إقراره بكونه قبل ذلك للمدعي يرجع إلى دعوى انتقالها إليه ، وأوضحه المحقق النائيني (ره) (٤) بأنه عند إقراره بان المال كان

__________________

(١) كفاية الاحكام للمحقق السبزواري ص ٢٧٧ (حجرية).

(٢) أكد الاشكال السيد اليزدي في تكملة العروة الوثقى ج ٢ ص ١٤٣ ـ ١٤٤ بعد أن نقل اشكال المحقق السبزواري في كفاية الاحكام / وفي الجواهر رجح اليد إلا أنه استشكل في الامر بناء على كون اليد أمارة على الملك في الجملة لا مطلقا ، راجع ج ٤٠ ص ٤٥٥.

(٣) فرائد الأصول ج ٢ ص ٧٠٧.

(٤) فوائد الأصول للنائيني ج ٤ ص ٦١١.

١٨١

للمدعي ، اما ان يضم إلى إقراره دعوى الانتقال إليه ، واما ان لا يضم إلى إقراره ذلك. بل يدعى الملكية الفعلية مع إقراره بان المال كان للمدعي ، فان لم يضم إلى إقراره دعوى الانتقال ، يكون إقراره مكذبا لدعواه الملكية إذ لا يخرج المال عن ملك من كان المال له بلا سبب ، فمقتضى الأخذ بالإقرار عدم حجية يده وان ضم إلى إقراره ذلك تنقلب الدعوى ويصير ذو اليد مدعيا للانتقال إليه.

وفيه : ان الميزان في تشخيص المدعى والمنكر هو ملاحظة مصب الدعوى وإلا فمجرد لزوم شيء لدعوى الملزوم لا يصلح لجعله مصب الدعوى. وبعبارة أخرى : التلازم بين الشيئين واقعا لا يلازم التلازم بين وقوعهما ، في مصب الدعوى.

وعليه ففي المقام إذا ادعى ذو اليد انه ملكي ، ساكتا عن الانتقال وعدمه ، ولم يقع الانتقال ، مصب الدعوى : لا يكون ذو اليد مدعيا وان كان لازم الملكية الواقعية الانتقال إلا انه ليس لازم دعوى الملكية دعوى الانتقال.

والقول بأنه ان لم يضم إلى إقراره دعوى الانتقال يكون إقراره مكذبا لدعواه الملكية.

غير تام ، إذ الإقرار بالملكية السابقة للمدعى مع السكوت عن الانتقال وعدمه كيف يكون مكذبا لدعواه الملكية الفعلية فما لم يدع الانتقال صريحا لا ينقلب ذو اليد مدعيا فالأظهر هو عدم التشكيل.

واما الموضع الثاني : وهو انه على فرض التشكيل أو دعوى الانتقال صريحا ، هل يصير ذو اليد مدعيا أم لا؟ ففيه قولان :

١٨٢

اختار ثانيهما المحقق الأصفهاني (ره) (١) ، واستدل ، له : بان اليد أمارة والأمارة على المسبب أمارة على السبب فالحجة على المسبب وهي الملكية في المقام لذي اليد حجة على سببه الناقل في الفرض من المقر له فهو بالنسبة إلى دعوى الانتقال أيضاً يكون منكرا لموافقة دعواه للحجة.

وفيه : ان اليد أمارة على اصل الملكية لا على خصوصيتها ، وقد مر ان اليد ليست حجة في مثبتاتها وعليه فان لم يقع الانتقال مصب الدعوى تكون اليد حجة على الملكية ، وإلا فيصير ذو اليد مدعيا بالقياس إلى الانتقال ، ولكن مع ذلك لا يخرج اليد عن الأمارية للملكية.

واما ما ذكره المحقق اليزدي (ره) (٢) ـ انتصارا للمشهور : القائلين بالانقلاب مع تسليم ان اليد التي تكون حجة على الملكية تكون حجة على سببها ـ بان المنكر ليس مطلق من يوافق قوله الحجة المعتبرة بل المنكر من يدفع الخصومة عن نفسه التي انشأها المدعي ، ومدعي الانتقال يُنشئ الخصومة.

فيرد عليه : انه لو تم ذلك لزم القول به في خصوص ما إذا انشأ ذو اليد الخصومة وادعى الانتقال إليه ، واما لو انشأ خصمه ذلك بدعواه بقاء المال على ملكه ودفع ذو اليد عن نفسه ذلك بدعوى الانتقال فيكون هو منكرا.

__________________

(١) راجع قاعدة اليد الملحقة في نهاية الدراية (الطبعة الحجرية) ص ٣٣٨ (وأما الثاني) من المسألة الرابعة.

(٢) درر الفوائد للحائري اليزدي ج ٢ ص ٢٤٥ ، وفي الطبعة الجديدة ص ٦١٦.

١٨٣

وهم ودفع في محاجة أمير المؤمنين (ع) مع أبي بكر في قصة فدك

اما الأول : فقد توهم التنافي بين ما اختاره المشهور من انقلاب الدعوى في صورة اقرار ذي اليد بان المال كان للمدعى أو لمورثه.

وبين الصحيح (١) المتقدم الوارد في محاجة أمير المؤمنين (ع) مع أبي بكر في قصة فدك ، لان الصديقة الطاهرة (ع) اعترفت بان فدكاً كان ملكا لرسول الله (ص) وادعت انه نحلة ، فاقرارها بملكيته لرسول الله (ص) اقرار بالانتقال إلى المسلمين بمقتضى الخبر الذي وضعوه وادعوا سماعه منه (ص) (نحن معاشر الانبياء لا نورث) إلى قولهم (ما تركناه صدقة).

فعلى مختار المشهور تنقلب الدعوى ، وتصير الصديقة (ع) مدّعية فعليها اقامة البينة ، ومع عدم الاقامة يكون المال للمسلمين ولوليهم المطالبة ، فكيف اعترض (ع) على مطالبة أبي بكر البينة منها (ع).

واما الدفع فبوجوه :

الأول : ما تقدم من عدم تمامية ما نسب إلى المشهور من الانقلاب فتدبر.

الثاني : انه لو سلم ذلك فإنما هو بالنسبة إلى الاقرار للمدعى ، واما الاقرار للمورث أو للموصي إذا كان المدعي هو الوارث أو الموصي له فلا يوجب الانقلاب قطعا : إذ المقر له وهو الميت لا يكون مدعيا والمدعي لم يقر له فالاقرار

__________________

(١) الوسائل ج ٢٧ ص ٢٩٣ باب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم ، من كتاب القضاء ح ٣٣٧٨٠ ..

١٨٤

للمورث أو للموصى كالاقرار للاجنبي وهي عليها‌السلام إنما اقرت بأنه كان ملكا لرسول الله (ص) لا للمسلمين.

الثالث : ما أفاده المحقق الهمداني (ره) (١) وهو ان ما ذكره المشهور إنما هو في الاقرار للمدعي مع كونه منكرا للانتقال واما مع اعترافه بالجهل بالانتقال لا دعوى كي ينقلب المنكر مدعيا والمدعي منكرا ، وابو بكر كان جاهلا بالانتقال منه (ص) إليها (ع) ، فلا حق له في مطالبة البينة منها مع عدم وجود من ينكر التلقي في مقابلها.

وبالجملة بما انها مدعية بلا منكر في مقابلها فيدها أمارة الملكية واقرارها بكونه ملكا لرسول الله (ص) وانتقاله إليها لا يوجب صحة مطالبة البينة منها.

هذا كله على تقدير صدق الخبر ، إلا انه مجعول موضوع قطعا لا جميعه بل ما أضافوا إليه وهو قولهم (ما تركناه صدقة).

وأجاب : المحقق النائيني (ره) (٢) ـ بعد تسليمه فتوى المشهور ـ عن هذه الشبهة بوجه آخر ، وهو يتوقف على بيان مقدمة.

وحاصلها انه في موارد تبدل الملكية :

تارة يتبدل المملوك فتكون العلقة الرابطة بين المالك والمال قد حل احد طرفيها وهو الطرف المربوط بالمال وجعل مكانه المال الآخر كما في عقود المعاوضة فتكون المعاوضة بين المالين مع بقاء الإضافة بحالها.

__________________

(١) فوائد الرضوية ج ٢ ص ١٠٨ ، بتصرف.

(٢) أجود التقريرات ج ٢ ص ٤٦١ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٤ ص ٢٠٦.

١٨٥

وأخرى يتبدل المالك مع انحفاظ الإضافة القائمة بالمملوك كما في باب الارث فالعلقة المزبورة قد حل احد طرفيها المربوط بالمالك وربط بالوارث.

وثالثة يتبدل نفس الإضافة بإعدام إضافة وإيجاد إضافة أخرى كما في الهبة والوصية.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم انه فرق بين الاقرار للمورث وبين الاقرار للموصى ، وفي الأول يكون الاقرار إقرارا للمدعى فيلحقه حكمه من الانقلاب وفي الثاني ليس كذلك إذ الاقرار للموصى مع فرض انعدام تلك الإضافة الخاصة التي اقر بها ليس إقرارا للموصى له الذي على فرض ملكيته تكون ملكيته اضافة أخرى غير تلك الإضافة ، وهذا بخلاف الاقرار للمورث ، فانه اعتراف بملكية الوارث لعدم التبدل فيها كما عرفت.

وعليه فحيث ان المسلمين لم يكونوا ورثة النبي (ص) ، بل غاية الأمر الانتقال إليهم كالانتقال بالوصية فلا يكون اعترافها بملكية النبي (ص) اعترافا بملكية المسلمين بل هو كالاعتراف للاجنبي غير الموجب لانقلاب الدعوى.

وفيه أولا : ان التبدل دائما يكون في نفس الإضافة : إذ هي امر اعتباري متقوم بالطرفين فلا يعقل بقاؤها مع تبدل احد طرفيها فدائما تنعدم اضافة وتتحقق اضافة أخرى.

وثانيا : انه لم يظهر الفرق بين الوصية والإرث فعلى فرض تسليم المقدمة المتقدمة ، انه كما يلتزم في باب الارث بتبدل المالك مع بقاء الإضافة كذلك لا بدَّ وان يلتزم بذلك في الهبة والوصية بل هذا فيهما أولى من الارث ، إذ لو كان الموهوب أو الموصى به اضافة أخرى غير ما له من الإضافة يكون من باب تمليك

١٨٦

ما ليس له وهذا بخلاف ما لو التزمنا ببقاء الإضافة فتدبر فانه لطيف.

إذا كان المال وقفا سابقا

الجهة السادسة : إذا كان المال وقفا سابقا قبل استيلاء ذي اليد عليه واحتمل طرو بعض المسوغات فاشتراه ذو اليد.

فهل تكون اليد حينئذ أمارة الملكية أم لا فيه خلاف مع الفراغ عن حجية اليد على الملكية مع الشك في الوقفية فانه كالشك في انه حر أو رق الذي دل الدليل على حجيتها عليها فيه.

واستدل السيد الفقيه (١) في ملحقات عروته على الحجية ، بان العلم بكونه وقفا كالعلم بكونه مال الغير لا اثر له في مقابل اليد إذ ليس في البين إلا استصحاب بقاء الوقفية ، وهو كاستصحاب بقاء المال على ملك الغير يكون محكوما لقاعدة اليد.

وأورد عليه المحقق النائيني (ره) (٢) ، بأنه فرق بين الموردين ـ وذلك ـ لان الأموال بحسب طبعها قابلة للسير والتبدل وللمالك ان يحبسها ويمنع عن سيرها فتسقط عن قابلية التبدل والسير ، وعليه فإذا وجد مال في يد احد ولم يعلم وقفيته فاليد أمارة لفعلية الانتقال ولكن إذا وجد مال في يد شخص وعلم انه لم

__________________

(١) تكملة العروة الوثقى ج ١ ص ٢٧٠ مسألة ٦٤ من الفصل السابع (اللواحق).

(٢) أجود التقريرات ج ٢ ص ٤٥٧ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٤ ص ١٩٩.

١٨٧

يكن قابلا للنقل والانتقال واحتمل عروض المسوغ فقاعدة اليد لا تصلح لاثبات قابلية الانتقال بل مقتضى استصحاب بقاء عدم القابلية عدم كونه ملكا له.

وبعبارة أخرى : اليد حجة على فعلية الانتقال ما لم يحرز عدم قابلية متعلقها للانتقال ، وعليه فاستصحاب عدم عروض المسوغ وبقاء المال على وقفيته يكون من قبيل الاستصحاب الموضوعي الذي تقدم انه مقدم على اليد.

ثم أورد على نفسه ، بان اليد أمارة على الملكية وشأن الأمارة إثبات اللوازم والملزومات فاليد تثبت طرو المجوز للنقل أيضاً فتكون حاكمة على الاستصحاب.

وأجاب عنه : بان قابلية المال للنقل والانتقال تكون بمنزلة الموضوع للنقل والانتقال لا من اللوازم والملزومات واليد لا تثبت الموضوع فلا تكون حجة على طرو المسوغ فاستصحاب عدم طروه يوجب خروج الفرض عن مورد قاعدة اليد.

ويرد عليه (ع) ان قابلية المال للنقل والانتقال كنفس إنشاء النقل والانتقال ليست بمنزلة الموضوع بل من قبيل اجزاء السبب للملكية ، فكما انه لو علم بكون المال للغير واحتمل الانتقال تكون اليد حجة على الملكية ، كذلك فيما إذا علم بعدم قابليته للنقل والانتقال واحتمل طرو المسوغ.

وان شئت قلت : ان عروض المسوغ من شرائط صحة إنشاء النقل والانتقال فكما انه عند الشك في إنشاء النقل والانتقال تكون اليد حجة على الملكية ، ولا يعتنى باستصحاب عدمه كذلك عند الشك في عروض المسوغ لا

١٨٨

يعتنى باستصحاب بقائه على ما كان.

مضافا إلى ان أصالة الصحة في فعل متولي الوقف وذي اليد ، تقتضي سقوط استصحاب عدم عروض المسوغ لبيع الوقف فتكون اليد بلا معارض.

ودعوى عدم جريان أصالة الصحة في مثل هذا الفرض ، قد تقدم تقريبها والجواب عنها في أصالة الصحة في فروع الأمر الخامس فراجع.

فتحصل ان الأظهر حجية اليد على الملكية حتى فيما علم عدم قابلية المال للانتقال سابقا واحتمل تبدله إلى القابلية.

إذا كان شيء بيد اثنين

المبحث الخامس : إذا كان شيء في يد اثنين ، كالدار الواحدة يسكنانها ، والفرش يجلسان عليه لا كلام في كون اليدين أمارة الملكية.

إنما الكلام في موردين :

الأول : في ان يد كل منهما على النصف المشاع ، أو ان يد كل منهما على تمامه.

قد يقال بتعين الثاني من جهة ان الاستيلاء على النصف المشاع غير معقول إلا بالاستيلاء على الكل إذ كل جزء فرض يد كل منهما عليه.

وفي مقابل ذلك قيل بتعين الأول نظرا إلى ان استيلاءين مستقلين على شيء واحد كاجتماع الملكيتين المستقلتين على مال واحد.

١٨٩

ولكن الحق في المقام ان يقال ان الاستيلاء الذي هو أمارة الملكية ليس دائما امرا حقيقيا عينيا ، بل له أفراد اعتبارية عرفية أيضاً كما تقدم ، وعرفت ان لافراده الاعتبارية قسمين ، الأول الاستيلاء التام ، الثاني الاستيلاء على تمام المال بالاستيلاء الناقص ، ففي المقام يكون يد كل منهما على تمام المال ولكن لا بنحو الاستيلاء التام حتى يقال انه غير معقول بل بنحو الاستيلاء الاعتباري غير التام فتدبر.

واما ما أفاده السيد الفقيه (١) في ملحقات عروته من انه ، يمكن اجتماع اليدين المستقلتين على مال واحد ، كما يمكن ان يكون يد كل منهما على النصف المشاع.

فمما لا اتصوره : إذ لو كان المراد من اليد المستقلة الاستيلاء التام ومن اليد على النصف المشاع الاستيلاء الناقص لم يكن الأول معقول ، ولو كان المراد باليد المستقلة الاستيلاء على تمام المال ولو بالاستيلاء الناقص ومن اليد على النصف المشاع اليد على نصف المال لم يكن الثاني معقولا.

المورد الثاني : في بيان مقتضى كل من اليدين من الملكية.

وحق القول فيه انه بناءً على ما اخترناه ـ من ان يد كل منهما على تمام المال ولكن بنحو الاستيلاء الناقص بضميمة ما اخترناه في تصوير الملك المشاع تبعا لجمع من الاساطين ، من ان حقيقته مالكية كل من الفردين أو الأفراد

__________________

(١) تكملة العروة الوثقى ج ٢ ص ١٢٣.

١٩٠

لجميع المال بالملكية الناقصة ، على ما اوضحناه في حاشيتنا (١) على مكاسب الشيخ الأعظم (ره) ـ فالأمر سهل.

إذ كل من الاستيلاءين الناقصين يكون أمارة على الملكية غير التامة المعبر عنها بملكية النصف المشاع ، ويكون مقتضى كل استيلاء مطابقا له من دون لزوم أي محذور ، وتنطبق القاعدة حينئذ على ما دلت عليه النصوص الكثيرة الدالة على تنصيف ما يدعيه اثنان ويدهما عليه بدون البينة لاحدهما أو مع البينة لهما ، وكذلك لا كلام بناءً على القول باستيلاء كل منهما على النصف المشاع.

إنما الكلام في انه بناءً على كون استيلاء كل منهما على تمام العين بالاستيلاء التام ، ان اقتضى كل من اليدين ملكية تمام العين لزم التزاحم بينهما ، لامتناع اجتماع المالكين على مال واحد ، وان اقتضتا ملكية النصف المشاع لكل منهما لزم عدم مطابقة مقتضى اليد لها مع ان مقتضى الامارية المطابقة ، وقد قيل في التفصي عن ذلك وجوه.

الأول : ان اليدين تتعارضان ولا يمكن الحكم بملكيته لهما ، ولا لأحدهما المعين للزوم الترجيح بلا مرجح ، ولا لأحدهما لا بعينه لعدم كونه شخصا ثالثا ، فلا محالة تتساقطان إلا ان ذلك في المدلول المطابقي لكل منهما.

واما بالنسبة إلى اللوازم التي لا تعارض بينهما فيها كنفي ملكية غيرهما

__________________

(١) منهاج الفقاهة ج ٤ ص ٢٤٥ عند قول المصنف (دام ظله) «فتحصل مما ذكرناه أن معنى الملكية المشاعة ... الخ».

١٩١

فهما حجتان فيها ، فإذا ثبت عدم مالكية غيرهما فلا محالة يكون مالا مرددا بينهما لا حجة لأحدهما على انه ملك له ، فمقتضى القواعد التنصيف.

وفيه : ما حققناه في محله ، من ان الدلالة الالتزامية كما تكون تابعة للدلالة المطابقية ثبوتا تكون تابعة لها في الحجية فمع سقوطهما عن الحجية بالنسبة إلى المدلول المطابقي لا تكونان حجة في المدلول الالتزامي.

الثاني : ما أفاده المحقق النراقي (١) ، وهو ان مقتضى القاعدة وان كان هو التساقط إلا ان مقتضى قوله في الموثقة ومن استولى على شيء منه فهو له ، انه لو استوليا معا عليه كان لهما وبمقتضى قاعدة التساوي في الشركة المبهمة انه بينهما نصفين.

وفيه : انه لو كان لهما استيلاء واحد لكان ما ذكر تاما ، ولكن بما ان المفروض ثبوت استيلاءين تامين فيلزم التعارض المشار إليه في مدلول الموثق بين مصداقين من هذه القضية الحقيقية فلا محالة يتساقطان أيضاً.

الثالث : ما أفاده السيد الفقيه في ملحقات عروته (٢) ، وهو ان الأقوى جواز اجتماع الملكين المستقلين على مال واحد كما إذا كان ملكا للنوع كالزكاة والخمس ، فان كل فرد من ذلك النوع مالك لذلك المال ، بل الأقوى جواز اجتماع المالكين الشخصيين أيضاً كما إذا وقف على زيد وعمرو أو أوصى لهما

__________________

(١) عوائد الايام ص ٢٦٠.

(٢) تكملة العروة الوثقى ج ٢ ص ١٢٣ عند قوله : «والحاصل : أنه لا مانع من اجتماع اليدين المستقلتين على مال واحد».

١٩٢

على نحو بيان المصرف فانه يجوز صرفه على كل واحد منهما.

ثم انه (قدِّس سره) قاس الملكية بالحق ، وقال انه لا اشكال عندهم في جواز كون حق واحد لكل من الشخصين مستقلا ، كخيار الفسخ ، وكولاية الأب والجد على مال الصغير ومن المعلوم عدم الفرق بين الملك والحق.

أقول : اما ما ذكره (ره) من جواز اجتماع المالكين المستقلين على مال واحد ، فالظاهر انه أراد بالملكية المستقلة ما اخترناه في ملك المشاع.

ويؤيده بل يشهد له ما ذكره في آخر المسألة :

بقوله : ودعوى : ان مقتضى الملكية المستقلة ان يكون للمالك منع الغير وإذا لم يكن له منع الغير فلا يكون مستقلا ، ممنوعة : فان هذا أيضاً نحو من الملكية المستقلة ونظيره الوجوب الكفائي والتخييري في كونهما نحوا من الوجوب مع كونه جائز الترك وعليه فهو حق لا يرد عليه شيء مما اوردوه عليه.

ولكن في كلامه موضعين من النظر :

الأول : ما ذكره من انه في باب الخمس والزكاة يكون كل فرد مالكا مستقلا.

فانه يرد عليه ان تعلقهما بالمال إنما هو من باب تعلق الحق بمالية العين فكل واحد من الأفراد لا يكون مالكا بل قابل لان يصير مالكا بإعطاء المالك إياه وتمام الكلام في الجزء السابع من فقه الصادق (١).

__________________

(١) فقه الصادق ج ٧ ص ٦٨ ـ ٦٠ الطبعة الثالثة.

١٩٣

الثاني : ما ذكره من قياس الملكية بالحق.

إذ يرد عليه ان متعلق الحق إنما هو الفسخ لا العقد فمع ثبوت حقين لشخصين يكون المتعلق أيضاً متعددا إذ كل منهما له حق فسخ غير ما للآخر وهذا لا يقاس بملكية العين.

جواز الشهادة بالملك بمشاهدة اليد

المبحث السادس : هل تجوز الشهادة بالملك بمشاهدة اليد ، أم لا؟ المشهور بين الأصحاب ذلك في اليد المقرونة بالتصرف.

والكلام يقع : تارة في مقتضى القواعد ، وأخرى فيما يقتضيه النص الوارد في خصوص اليد.

اما القواعد ، فالأظهر انها تقتضي الجواز وذلك لأنه وان كان لا كلام ولا اشكال في ان المأخوذ في موضوع جواز الشهادة هو العلم بالمشهود به ، وانه لا بدَّ وان يكون المشهود به منكشفا كانكشاف الشمس وكمعرفة الكف حتى تجوز الشهادة به إلا ان الظاهر ان العلم المأخوذ في موضوعه مأخوذ على وجه الطريقية والكاشفية لا على وجه الصفتية ، خلافا للشيخ الأعظم (ره) إذ الظاهر من الأدلة ان النظر فيها إلى ثبوت الواقع لا تحقق هذا الوصف من حيث هو.

وعليه فبناء على ما اخترناه تبعا للشيخ الأعظم (ره) من قيام الطرق والأمارات بأدلة اعتبارها مقام القطع الطريقي المحض ، والمأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية كما أشبعنا الكلام في ذلك في مبحث القطع ، وقد تقدم ،

١٩٤

تجوز الشهادة بالملك بمشاهدة اليد لأنها من الأمارات كما قدمناه.

بل بناءً على ما حققناه من قيام الأصول المحرزة مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية من حيث انه مقتض للبناء العملي والجري على وفق ما تعلق القطع به لا من حيث انه انكشاف للواقع تجوز الشهادة بالملك مستندة إلى الاستصحاب إذا ثبت كون العلم المأخوذ في موضوع جوازها مأخوذا على هذا النحو ، وعلى ذلك فالنصوص الدالة على جواز الشهادة مستندة إلى الاستصحاب التي عقد لها في الوسائل (١) في كتاب الشهادات بابا يمكن تطبيقها على القواعد وكيف كان فلا ريب في جواز الشهادة مستندة إلى اليد بناءً على أماريتها كما اخترناه.

وقد استدل لعدم الجواز بوجوه :

الأول : ما في ملحقات العروة (٢) وهو انه لاعتبار العلم في الشهادة لا تجوز مستندة إلى اليد بل الشهادة مستندة إليها تدليس حرام.

وفيه : ما عرفت من قيام الطرق والأمارات مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية ومنها اليد.

الثاني : ما في الشرائع (٣) وهو ان اليد لو أوجبت الملك لم تسمع دعوى من

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٧ ص ٣٣٦ باب ١٧ من كتاب الشهادات (جواز البناء في الشهادة على استصحاب بقاء الملك وعدم المشارك في الارث ...).

(٢) تكملة العروة الوثقى ج ٢ ص ٧٤ ـ ٧٥.

(٣) شرائع الاسلام ج ٤ ص ٩١٩.

١٩٥

يقول الدار التي في يد هذا لي ، كما لا تسمع لو قال ملك هذا لي.

وفيه ، أولا : ان هذا إنكار لحجية اليد على الملكية ، والكلام في هذه المسألة إنما هو في جواز الشهادة بعد الفراغ عن حجيتها على الملكية.

وثانيا : ان المدعي في الدعوى الأولى اقر بذات الكاشف وذلك لا يكون مكذبا لدعواه بملاحظة علمه بعدم المنكشف ، وفي الدعوى الثانية اقر بنفس الملكية فلا محالة يكون ذلك تكذيبا لدعواه.

الثالث : ان لازم جواز الشهادة مستندة إلى اليد وقوع التعارض بين بينة المدعي وبينة ذي اليد إذا علم استنادها إلى اليد مع انه لا كلام في تقدم الأولى.

وفيه : ان وجه التقدم انه مع إحراز استناد البينة إلى اليد لا اثر لها لأنها لا تزيد على اليد فليس في مقابل بينة المدعى إلا اليد ، والبينة تقدم عليها.

فالأظهر ان القواعد تقتضي جواز الشهادة بالملك بمشاهدة اليد.

واما النص الخاص ، فقد دل ـ موثق حفص المتقدم عن الإمام الصادق (ع) قال له رجل إذا رأيت في يدِ رجل يجوز لي ان اشهد انه له ، قال (ع) نعم ـ على الجواز.

بل المستفاد من ذيله" فمن أين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه إلى من صار ملكه من

١٩٦

قبله إليك" (١) هي الملازمة بين جواز ترتيب الأثر في عمل نفسه وجواز الشهادة به لغيره.

والمناقشة فيه بان المراد منه جواز نسبة الملك إلى ذي اليد لا الشهادة الفاصلة للنزاع.

يدفعها ـ مضافا إلى منافاة ذلك للظهور : فانه سأل عن الشهادة له ـ ما في الخبر من جواز الحلف عليه.

حجيَّة يد المسلم على التذكية

الموضع الثاني : في حجية اليد على تذكية ما هي عليه ، من اللحم والجلد وغيرهما وغير ذلك من الأعراض والنسب وفيه مباحث :

المبحث الأول : في حجية يد المسلم على التذكية والكلام فيه ، تارة في وجود ملاك الطريقية فيها ، وأخرى في الدليل عليها في مقام الإثبات :

اما الأول : فيمكن تقريبه بوجهين :

أحدهما : ان المسلم غالبا لا يستعمل إلا المذكى وغالب ما في أيدي المسلمين إنما هي ذبيحتهم.

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٣٨٧ ح ١ / الوسائل ج ٢٧ ص ٢٩٢ باب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء ح ٣٣٧٨٠ ، ورواها التهذيب والفقيه ايضا.

١٩٧

ثانيهما : ان اليد أمارة الملكية بمعنى ان غالب ما في أيدي الناس مملوك لهم وغير المذكى لا يملك والطريق إلى الملزوم طريق إلى لازمه.

والكلام في المقام ليس في ملازمة حجيتها عليها مع حجيتها على الملكية ثبوتا وإثباتا ، مطلقا ، حتى يرد عليه ما أورده المحقق الأصفهاني (١) من ان اليد حجة على الملك مطلقا من دون فرق بين كون ذي اليد مسلما أو كافرا ، والكلام في دلالة يد المسلم بالخصوص على التذكية فتدبر.

واما في مقام الإثبات فيشهد لحجيتها عليها ، مضافا إلى السيرة القطعية حيث انها قائمة على المعاملة مع ما في أيدي المسلمين معاملة المذكى ، وإلى عدم الخلاف فيه.

وإلى النصوص (٢) الواردة في سوق المسلمين الدالة على كونه أمارة للتذكية ، بناءً على المختار من انه أمارة يستكشف بها كون البائع مسلما ، وهو أمارة كونه مذكى على ما حققناه في الجزء الثالث من فقه الصادق (٣).

خبر إسماعيل بن عيسى سألت أبا الحسن (ع) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير

__________________

(١) راجع قاعدة اليد الملحقة في نهاية الدراية (الطبعة الحجرية) ص ٣٤٢ (المقام الثاني).

(٢) الوسائل ج ٣ ص ٤٩٠ باب ٥٠ من أبواب النجاسات (طهارة ما يشترى من مسلم ومن سوق المسلمين والحكم بذكاته ..) ، وج ٢٤ ص ٧١ وص ٩٠ باب ٣٠ من أبواب الذبائح وباب ٣٨ من أبواب لباس المصلى.

(٣) فقه الصادق ج ٣ ص ٢٦٣ ـ ٢٦٤ من الطبعة الثالثة.

١٩٨

عارف قال عليكم ان تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه (١).

ويمكن ان يستأنس لحجيتها عليها بخبري أبي بصير (٢) وابن الحجاج (٣) الآتيين الدالين على عدم المعاملة مع ما يشترى من المستحلين للميتة معاملة المذكى معللا باستحلالهم ذلك كما لا يخفى ، فحجية يد المسلم على التذكية مما لا ينبغي التوقف فيها إلا ان هذه الأدلة إنما تفي بإثبات حجيتها إذا كانت اليد مبنية على التصرف المترتب على كون الحيوان مذكى ، ولا تدل على حجية اليد على تذكية ما تحت اليد المجردة لا سيما إذا كانت للإلقاء والنبذ.

عدم أمارية يد الكافر على عدم التذكية

المبحث الثاني : هل تكون يد الكافر أمارة عدم التذكية كما ان يد المسلم أمارة التذكية أم لا؟ وإنما تترتب على ما في يده آثار عدم التذكية لأصالة عدمها وجهان :

__________________

(١) التهذيب ج ٢ ص ٣٧١ باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس ... ح ٧٦ / الوسائل ج ٣ ص ٤٩٢ باب ٥٠ من أبواب النجاسات ح ٤٢٦٦.

(٢) الكافي ج ٣ ص ٣٩٧ باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه وما لا تكره ح ٢ / الوسائل ج ٤ ص ٤٦٢ باب ٦١ من أبواب لباس المصلي ح ٥٧٣٠.

(٣) الكافي ج ٣ ص ٣٩٨ باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه وما لا تكره ح ٥ / الوسائل ج ٣ ص ٥٠٣ باب ٦١ من أبواب النجاسات ح ٤٢٩٣.

١٩٩

اختار صاحب الجواهر (ره) (١) أولهما ، وذهب جمع إلى الثاني.

واستدل للأول بوجوه : الأول : انه من المسلم عند الأصحاب ان الذبيحة إذا كانت في سوق المسلمين بيد الكافر فهي محكومة بعدم التذكية ولا ينطبق ذلك إلا على أمارية يد الكافر إذ عليها يتعارض سوق المسلمين الذي هو أمارة التذكية مع يد الكافر التي هي أمارة عدم التذكية فيتساقطان ، فيرجع إلى أصالة عدم التذكية ، وهذا بخلاف القول بعدم الامارية إذ حينئذ ليس في مقابل سوق المسلمين إلا أصالة عدم التذكية ، ولا ريب في ان الأصل محكوم بالدليل المعتبر والأمارة الكاشفة وهي سوق المسلمين.

وفيه : انه قد حققنا في محله في الجزء الثالث من فقه الصادق (٢) ان سوق المسلمين ليس أمارة التذكية ، بل هو أمارة كون البائع مسلما ويده أمارة التذكية وعليه فمع العلم بكون البائع كافرا لا يكون السوق أمارة فيحكم بالعدم لأصالة عدم التذكية.

الثاني : ما في الجواهر (٣) وهو خبر اسحاق بن عمار" لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفي ما صنع في ارض الإسلام قلت فان كان فيها غير أهل

__________________

(١) جواهر الكلام ج ٨ ص ٥٤.

(٢) فقه الصادق ج ٣ ص ٢٦٣ ـ ٢٦٤ الطبعة الثالثة.

(٣) جواهر الكلام ج ٨ ص ٥٤ وما بعدها وقد أطال الكلام في ذلك ، وأيضا أشار إلى الاستدلال بالرواية وبأغلبية المسلمين على الكفار ج ٦ ص ٣٤٧ فراجع.

٢٠٠