زبدة الأصول - ج ٦

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-40-3
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٤١

ظاهر السؤال والجواب دوران امر اليد بين كونها يدا مالكية أم عادية وعدم احتمال الولاية ونحوها تدل على المطلوب.

وبذلك ظهر ان الإيراد عليه بعدم الملازمة بين جواز الشراء وجواز الشهادة بالملك إذ جواز الشراء يكفى فيه كون البائع مالكا للتصرف وان كان بنحو الولاية أو نحوها بخلاف جواز الشهادة ، في غير محله.

ومنها : صحيح فدك عن أمير المؤمنين (ع) قال لابي بكر أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين ، قال لا ، قال (ع) فان كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت انا فيه من تسأل البينة ، قال : اياك كنت اسأل البينة على ما تدعيه ، قال (ع) : فإذا كان في يدي شيء فادعى فيه المسلمون تسألني البينة على ما في يدي؟ (١).

إذ لو لا حجية اليد على الملكية لما كان وجه لتعريضه (ع) عليه بان البينة على المسلمين لا عليّ فكيف تسأل عني وهو واضح.

ومنها : موثق يونس بن يعقوب عن سيدنا الصادق (ع) في امرأة تموت قبل الرجل ، أو رجل قبل المرأة قال (ع) ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ومن استولى على شيء منه فهو له (٢).

وهو وان ورد في مورد خاص إلا انه لا ريب في إلغاء الخصوصية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٧ ص ٢٩٣ باب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم ح ٣٣٧٨١.

(٢) التهذيب ج ٩ ص ٣٠٢ باب ميراث الازواج ح ٣٩ / الوسائل ج ٢٦ ص ٢١٦ باب ٨ من أبواب ميراث الازواج ح ٣٢٨٥٧.

١٦١

ومنها : خبر حمزة بن حمران ادخل السوق فاريد ان اشتري جارية تقول اني حرة ، فقال (ع) اشترها إلا ان تكون لها بينة (١).

ومنها : صحيح العيص عن مملوك ادعى انه حر ولم يأت ببينة على ذلك ، اشتريه؟ قال (ع) نعم (٢).

وتقريب الاستدلال بهما ان الظاهر كون المصحح للشراء هو يد البائع دون غيرها كالبينة وإلا لم يكن وجه لسماع دعواه مع عدم إقامة البيِّنة كما لا يخفى.

كما ان الظاهر ان المفروض في الخبرين دوران الأمر بين كون المبيع ملكا للبائع أم حراً ، أو عدم احتمال كونه ملكا لغيره ، وعلى ذلك فدلالتهما على المطلوب واضحة.

ولكن يمكن المناقشة في كلا الاستظهارين.

اما الأول : فلأنه يمكن ان يكون جواز الشراء لأجل جريان أصالة الصحة في فعل البائع ، لا لأجل حجية يده على الملكية.

واما الثاني : فلأن كون المفروض فيهما ما ذكر غير ثابت.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢١١ باب شراء الرقيق ح ١٣ / الوسائل ج ١٨ ص ٢٥٠ باب ٥ من أبواب بيع الحيوان ح ٢٣٦٠٩.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٧٤ باب ابتياع الحيوان ح ٣١ / الوسائل ١٨ ص ٢٥٠ باب ٥ من أبواب بيع الحيوان ح ٢٣٦٠٨ وأيضا ج ٢٧ ص ٥٥ ح ٢٩٠٩٥.

١٦٢

ومنها : جملة من الروايات الواردة في تعارض البينات (١) ، وهناك روايات واردة في أبواب متفرقة يمكن الاستشهاد بها على المطلوب.

فأصل الحكم مما لا ريب فيه.

اليد من الأمارات

المبحث الثاني : في ان اليد ، هل هي من الأمارات الكاشفة عن الملكية الواقعية ، أو انها من الأصول التعبدية ومقتضاها التعبد بالملك وآثاره ، والكلام في هذا المبحث يقع في جهتين.

الأولى : في تعيين ملاك الطريقية.

الثانية : في الدليل عليها.

اما الجهة الأولى : فقد ذكر في وجه ذلك ، وجوه.

الأول : ما عن المحقق النائيني (ره) (٢) وهو ان الاستيلاء على الشيء حيث انه بالقياس إلى الملكية من لوازمه الطبعية فلا محالة تكون فيها جهة كاشفية ناقصة.

__________________

(١) راجع الكافي ج ٧ ص ٤١٨ باب الرجلين يدعيان فيقيم كل واحد منهما البينة / التهذيب ج ٦ ص ٢٣٣ باب البينتين يتقابلان أو يترجح بعضها على بعض وحكم القرعة / الوسائل ج ٢٧ ص ٢٤٩ باب ١٢ من ابواب كيفية الحكم وأحكام الدعوة من كتاب القضاء.

(٢) أجود التقريرات ج ٢ ص ٤٥٥ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٤ ص ١٩٥ (منها : قاعدة اليد)

١٦٣

وأورد عليه ، المحقق الأصفهاني (١) بعدم تمامية ذلك من جهة ان الاستيلاء الخارجي ليس من لوازم الملكية شرعا كي يقال ان الملك لو خلي وطبعه يلازم الاستيلاء ، بل هذا من شئون ملك التصرف. فان ملك العين لو لم يكن عارض يقتضي ملك التصرف وإنما يتخلف عنه لمانع كالجنون ونحوه ، فلا يكشف الاستيلاء عن الملك كشف اللازم عن ملزومه في حد ذاته.

وفيه : ان المستدل لا يدعي اقتضاء الملك شرعا للاستيلاء كي يرد عليه ما ذكر ، بل يدعى كون الاستيلاء لازما طبعيا للملك. بمعنى ان المالك لو خلى وطبعه ولم يكن عارض يستولي على مملوكه ، وهذا امر لا يقبل الإنكار.

الثاني : ما عنه (قدِّس سره) (٢) تبعا للشيخ الأعظم (ره) (٣) ، وهو ان الاستيلاء الخارجي ملازم غالبا مع ملك العين ، فهو يوجب الظن بكون المستولى عليه مملوكا للمستولي والظن فيه جهة الكاشفية.

وبعبارة أخرى : الغالب كون المستولي مالكا لما استولى عليه ، والغلبة توجب الظن باللحوق.

والإيراد عليه : بان المسلم غلبة الأيدي غير العادية على الأيدي العادية ، واما غلبة الأيدي المالكية للعين على الأيدي غير المالكية ، فغير ثابتة لكثرة أيدي

__________________

(١) راجع قاعدة اليد للشيخ الاصفهاني في كتاب (بحوث فقهية) كتاب الإجارة ص ٩٩ في معرض جوابه على الشيخ الأعظم في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد.

(٢) أجود التقريرات ج ٢ ص ٤٥٦ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٤ ص ١٩٧.

(٣) فرائد الأصول ج ٢ ص ٧٠٧.

١٦٤

الأولياء والأوصياء والوكلاء والمأذونين ، في غير محله كما لا يخفى.

الثالث : ما عن البلغة (١) ، وهو ان الاستيلاء الخارجي منشأ لإضافة الملكية حقيقة ما لم يعتبرها الشارع لغير المستولي ، ومنشأ الانتزاع كاشف عن الأمر الانتزاعي كشف العلة عن معلولها.

وفيه : ما حققناه في محله من ان الملكية من الأمور الاعتبارية وليست من الأمور الانتزاعية ولا من الأمور الواقعية.

واما الجهة الثانية : فقد استدل المحقق النائيني (ره) (٢) على الطريقية : بان حجية اليد على الملكية مما قام عليها بناء العقلاء ، ولا ريب ان اعتبارها عند العقلاء من جهة كاشفيتها : لعدم وجود تعبد لا من جهة الكاشفية عندهم. ولعله إلى ذلك أشار في الدرر (٣) حيث قال : ومعلوم ان ذلك (أي بناء العقلاء على معاملة الملكية مع ما في أيدي الناس) ليس من جهة التعبد.

ولكن يرد عليهما ان بناء العقلاء على شيء ربما يكون للكاشفية كبنائهم على العمل بخبر الثقة ، وربما يكون لمصلحة أخرى داعية إلى ذلك ، ألا ترى ان بنائهم على تحسين فاعل بعض الأفعال وتقبيح فاعل الآخر ، وليس ذلك إلا لأجل رفع اختلال النظام.

__________________

(١) بلغة الفقيه للسيد محمد مهدي بحر العلوم ج ٣ ص ٣٠٨ ، الناشر مكتبة الصادق ، طهران ١٤٠٣ ه‍. ق.

(٢) أجود التقريرات ج ٢ ص ٤٥٥ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٤ ص ١٩٥ ـ ١٩٦.

(٣) درر الفوائد للحائري اليزدي ج ٢ ص ٢٤٣ ، وفي طبعة مؤسسة النشر الاسلامي ص ٦١٤.

١٦٥

وبالجملة : ان ما هو المسلم عدم كون بناء العقلاء تعبدا صرفا ، واما ان منشأ البناء دائما هو الكاشفية ، فغير صحيح ، بل ربما يكون مصالح أخر ، وفي المقام يمكن ان يكون هذا البناء منهم منشأه رفع اختلال السوق ، الذي أشار إليه بقوله لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق.

ولكن الأنصاف ان دعوى كون البناء للطريقية والكاشفية وان حفظ نظام السوق مصلحة داعية إلى البناء العملي قريبة جدا.

ويشهد لها مضافا إلى ذلك خبران مما تقدم :

أحدهما موثق يونس بن يعقوب (ومن استولى على شيء منه فهو له) (١). فان ظاهر قوله فهو له الحكم بالملكية الواقعية لا مجرد ترتيب آثارها ظاهرا كما لا يخفى.

ثانيهما موثق حفص (٢) المتقدم ، وتقريب الاستدلال به بطريقين.

الأول : دلالته على إلغاء احتمال انه لغيره وان البناء على الملكية ليس حكما للمحتمل.

ودعوى ان هذا المقدار لا يكفى في الطريقية والامارية لان الاستصحاب أيضاً من باب عدم الاعتناء باحتمال خلافه ومع ذلك ليس طريقا وأمارة.

__________________

(١) التهذيب ج ٩ ص ٣٠٢ باب ميراث الازواج ح ٣٩ / الوسائل ج ٢٦ ص ٢١٦ باب ٨ من أبواب ميراث الازواج ح ٣٢٨٥٧.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٣٨٧ ح ١ / الوسائل ج ٢٧ ص ٢٩٢ باب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء ح ٣٣٧٨٠ ورواها التهذيب والفقيه كما مر.

١٦٦

مندفعة : بان الاستصحاب ليس من باب إلغاء احتمال الخلاف ، بل من باب إبقاء المتيقن من حيث الجري العملي فقط ، وبالجملة إلغاء احتمال الخلاف ظاهر في الأمارية والطريقية.

الطريق الثاني : دلالته على جواز الشهادة بالملكية استنادا إلى اليد فان المعتبر في الشهادة ثبوت الواقع كما هو واضح.

وان شئت قلت ، ان الظاهر من السؤال والجواب هو السؤال عن الشهادة بالملكية واقعا ، وإلا فالسائل عالم بالملكية الظاهرية ولذا أجاب بقوله نعم في جواب أفيحل الشراء منه ، والشهادة على الملكية الواقعية تلازم أمارية اليد والمعاملة معها معاملة العلم فتدبر.

فان قلت ان قوله (ع) في ذيل الموثق" لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق" ظاهر في ان اعتبارها إنما هو لحفظ نظام السوق لا للطريقية.

قلت ان ذلك حكمة اعتبار اليد وهذا كما يلائم مع التعبد يلائم مع الطريقية فتدبر.

وجه تقدم البينة على اليد

المبحث الثالث : في تعارضها مع الأصول والأدلة وبيان وجه تقدمها على الأصول ، وتقدم البينة عليها ، وملخص القول فيه : انه بناءً على المختار من كونها من الأمارات والطرق المثبتة للملكية ، تقدمها على الاستصحاب وسائر

١٦٧

الأصول إنما هو بالحكومة كتقدم سائر الأمارات على الأصول.

واما تقدم البينة عليها الذي لا شبهة فيه ، فإنما هو للأدلة الخاصة الواردة في باب القضاء.

وقد ذكر له وجهان آخران :

الأول ما في رسائل الشيخ الأعظم (ره) (١) ، وحاصله ان مستند الكشف في اليد هي الغلبة وهي توجب إلحاق المشكوك فيه بالأعم الأغلب فالمأخوذ في موضوعها الشك فهي حجة على الملكية عند الجهل بالسبب ، والبينة تزيل الشك فلا يبقى لها موضوع فتكون البينة حاكمة على اليد حتى على فرض اماريتها.

وفيه : انه ، ان أريد بأخذ الشك في موضوعها ان الشك موضوع لليد التي تكون حجة كما هو ظاهر العبارة.

فيرد عليه ان ملاك طريقيتها الملازمة الطبعية أو الغلبة الموجبة للظن نوعا ، وهذا لا يلائم مع أخذ الشك في الموضوع.

وبعبارة أخرى : لا يجتمع اخذ الشك موضوعا مع جعل الأمارية إذ الشك غير قابل لذلك كما صرح به (قدِّس سره) في محله ، وان أريد كون الشك موردا ففي البينة أيضاً كذلك ، إذ حجيتها إنما تكون في ظرف الشك.

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٢ ص ٧٠٧.

١٦٨

الثاني : ما أفاده المحقق العراقي (ره) (١) وهو ان اليد كشفها اضعف عن كشف البينة لأنها في الحقيقة من باب الإلحاق بالأعم الأغلب الذي يترتب على الأمور الحدسية بخلاف البينة فان حكايتها عن الواقع مستندة إلى حس المخبر فقهرا تكون البينة في حكايتها عن الواقع أقوى من اليد فمع التعارض تقدم للاقوائية.

وفيه : ان مجرد كون إحدى الأمارتين اضعف لا يكفى في تقدم غيرها عليها ، ما لم ينطبق عليها احد العناوين الموجبة للتقدم ، من الحاكمية والواردية ، والاظهرية كما لا يخفى ، فالصحيح ما ذكرناه.

واما بناءً على كون اليد من الأصول التعبدية ، فوجه تقدمها على الاستصحاب إنما هي اخصية دليلها من أدلة الاستصحاب ، مع انه يلزم المحذور المنصوص ، وهو اختلال السوق وبطلان الحقوق من تقديم الاستصحاب عليها.

يد الشخص نفسه حجة على الملكية

المبحث الرابع : بعد ثبوت حجية اليد على الملكية لا بدَّ من البحث في عمومها من جهات.

الجهة الأولى : في انه ، هل تختص الحجية بيد الغير؟.

__________________

(١) مقالات الأصول ج ٢ ص ٤٤٥.

١٦٩

أم تعم يد الشخص نفسه؟ فلو كان شيء في يد شخص وشك في انه له أو لغيره تكون اليد حجة على انه له.

والأظهر هو الثاني وذلك :

أ : لثبوت ملاك الطريقية في يد الشخص نفسه أيضاً ، لغلبة الأيدي المالكية على غيرها ، والأدلة في مقام الإثبات تشملها.

ب : لبناء العقلاء على المعاملة مع ما في أيديهم معاملة الملكية وان لم تحرز تلك وجدانا.

ج : ولإطلاق بعض النصوص المتقدمة ، كموثق يونس بن يعقوب" ومن استولى على شيء منه فهو له" (١).

ولصحيح جميل" قلت : فرجل وجد في صندوقه دينارا قال (ع) يدخل احد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا قلت لا قال (ع) فهو له" (٢).

ودعوى انه مع القطع بعدم وضع الدينار فيه غيره يستلزم عدم الشك في الملكية.

مندفعة بان ذلك لا ينافى الشك في الملكية الذي هو المفروض في السؤال

__________________

(١) التهذيب ج ٩ ص ٣٠٢ باب ميراث الأزواج ح ٣٩ / الوسائل ج ٢٦ ص ٢١٦ باب ٨ من أبواب ميراث الازواج ح ٣٢٨٥٧.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٣٧ باب اللقطة والضالة ح ٣ / الوسائل ج ٢٥ ص ٤٤٦ باب ٣ من أبواب كتاب اللقطة ح ٣٢٣٢١.

١٧٠

لاحتمال كونه أمانة عنده أو انه وضعه في صندوقه غفلة أو خطاء أو غير ذلك من الاحتمالات.

فان قلت : ان الحكم بأنه له تفضل من الشارع الأقدس وليس من باب أمارية اليد للملكية ، ولذا أفتى بعض الأساطين (١) بأنه له حتى مع العلم بعدم كونه له ، استنادا إلى هذا الصحيح.

قلت : ان ذلك خلاف الظاهر وهذا القول غير ظاهر الوجه وتمام الكلام في محله.

واما الاستدلال له بموثق مسعدة بن صدقة" كل شيء هو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك وقد اشتريته ولعله سرقة" (٢) بتقريب ان" هو لك" صفة للشيء و" حلال" خبر للموصوف والمثال تطبيق للكبرى الكلية وهي ملكية الشيء لمن استولى عليه والموضوع في المثال الإنسان نفسه.

ففاسد : إذ مضافا إلى ان الظاهر كون" اللام" لام الصلة لا لام الملك : ان التطبيق على الثوب فيه ليس باعتبار كون يده عليه لفرض الاشتراء فيه فالملكية

__________________

(١) وهو ظاهر الرياض ج ٢ ص ٣٣٢ من الطبعة الحجرية فإنه بعد ذكره الرواية والتعرض لمدلولها قال : «فمتابعة الإطلاق لعلها أولى ولا ينافيه القطع بالانتفاء فقد يكون شيئا بعثه الله تعالى ورزقه اياه .. ال».

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣١٣ باب النوادر ح ٤٠ / الوسائل ج ١٧ ص ٨٩ باب ٤ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة ح ٢٢٠٥٣.

١٧١

له مستندة إلى الاشتراء لا إلى الاستيلاء فتدبر.

وقد استدل للاول بوجهين :

الأول : صحيح جميل عن الإمام الصادق (ع) " رجل وجد في بيته دينارا قال (ع) يدخل منزله غيره قلت نعم قال (ع) هذه لقطة" (١) فان الحكم بأنه لقطة مع فرض استيلاء الشخص على داره وعلى ما فيها دليل عدم امارية يد الشخص نفسه على الملكية.

الثاني : موثق اسحاق بن عمار" عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم يزل معه ولم يذكر حتى قدم الكوفة كيف يصنع قال يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها قلت فان لم يعرفوها قال يتصدق بها" (٢) فان الحكم بالتصدق في صورة الجهل مع فرض كون البيت وما فيه تحت يد مالكه ينافي أمارية يد الشخص نفسه على الملكية إذ على ذلك كان اللازم ترتيب اثر الملك وان جهلها صاحب المنزل.

وفيهما نظر :

اما الأول فلأنه لم يفرض في الصحيح كون الدينار تحت يد صاحب المنزل ومجرد كونه في منزله مع كثرة الداخل فيه لا يوجب صدق كون الدينار تحت يده

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٣٩٠ باب اللقطة والضالة ح ٨ / الوسائل ج ٢٥ ص ٤٤٦ باب ٣ من أبواب كتاب اللقطة ح ٣٢٣٢١.

(٢) التهذيب ج ٦ ص ٣٩١ باب اللقطة والضالة ح ١١ / الوسائل ج ٢٥ ص ٤٤٨ باب ٥ من أبواب كتاب اللقطة ح ٣٢٣٢٦.

١٧٢

عرفا ، وهذا بخلاف الصندوق الذي لا يدخل احد يده فيه غيره ولا يضع احد شيئا فيه كما لا يخفى.

واما الثاني : فلان المراد بالجهل يمكن ان يكون هو الإنكار لا الشك مع ان صدق كون المدفون تحت يده غير معلوم.

مضافا إلى ان في خصوص الكنز كلاما محررا في محله وهناك روايات أخر ففيه بحث خاص لاوجه للتعدى عنه فالأظهر هو التعميم.

وبذلك ظهر انه كما لا يعتبر انضمام دعوى الملكية في حجية اليد كذلك لا يعتبر عدم ادعاء عدم العلم بالملكية كما لا يخفى.

فما عن المحقق النراقي (١) من اعتبار ذلك مستندا إلى عدم حجية يد الشخص نفسه على الملكية ، ضعيف.

عدم اعتبار انضمام التصرفات في أمارية اليد

الجهة الثانية : هل اليد بنفسها حجة على الملكية ، أم بضميمة التصرفات المالكية فيه وجهان ، أقواهما الأول :

لإطلاق النصوص المتقدمة ، لاحظ حكمه في موثق حفص بجواز

__________________

(١) عوائد الايام ص ٢٥٨ (السادس) حيث أعتبر ظهور حجية اليد على الملكية ولو سلم فإنما يكون ذلك في الاعيان دون المنافع ، مطبعة الغدير (حجرية) ١٤٠٨ ه‍. ق.

١٧٣

الشهادة بالملكية بمجرد رؤية كونه في يده وكذلك سائر النصوص.

مضافا إلى ثبوت بناء العقلاء على التعميم.

وأضف إلى ذلك كله انه يلزم المحذور المنصوص وهو اختلال نظام المعاش والسوق من عدم حجية اليد المجردة على الملكية إذ كل تصرف فرض من البيع وغيره يلائم مع كون المتصرف مالكا وكونه مأذونا من قبله

هذا إذا أريد من التصرفات التصرفات المالكية.

وان أريد بها التصرفات مطلقا ، فهي في بعض الموارد وان كانت محققة لصدق الاستيلاء ، إلا انه لا دليل على اعتبارها مع صدق الاستيلاء بدونها.

اليد على المنافع حجة على الملكية

الجهة الثالثة : في ان اليد حجة على الملكية في خصوص الأعيان ، أم تكون اليد على المنافع أيضاً حجة عليها.

وقبل تحقيق القول في ذلك ينبغي تقديم مقدمتين :

الأولى : ليس المراد بالمنافع هنا الأعيان المستخرجة من الأعيان الأخر كالفواكه ونحوها فإنها داخلة في الأعيان ، بل المراد بها ما تقابل الأعيان القارة ، التي هي تدريجية الوجود كحيثية مسكنية الدار ومركبية الدابة ونحوهما.

الثانية : ان ثمرة هذا النزاع إنما تظهر فيما إذا كان الاستيلاء على المنفعة خاصة دون العين كما لو كان شخص متصديا لاجارة الدار مع كون الدار تحت استيلاء غيره ، فان هذا التصرف حينئذ محقق للاستيلاء وكون المنفعة تحت يده.

١٧٤

واما إذا كانت العين تحت يده تكون يده حجة على ملكية العين ويستلزم ذلك مالكيته للمنافع بالتبع فلا حاجة إلى ملاحظة الاستيلاء على المنافع.

ثم انه من هاتين المقدمتين ظهر امران :

الأول تصوير الاستيلاء على المنافع استقلالا.

الثاني عدم تمامية ما أفاده السيد الفقيه (١) في ملحقات عروته في تصويره بالتمثيل بالمزرعة الموقوفة على العلماء مع كون العين بيد المتولي وصرف منافعها وحاصلها فيهم.

بدعوى ان لهم اليد على منافعها التي ترسل إليهم أو تصرف عليهم فان المنافع التي هي محل الكلام غير هذه المنافع التي هي من الاعيان.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد استدل المحقق النراقي (٢) في عوائده على الاختصاص بوجوه : الأول : ان اليد والاستيلاء إنما هي في الأشياء الموجودة في الخارج القارة واما الأمور التدريجية الوجود غير القارة كالمنافع فلو سلم صدق اليد والاستيلاء عليها فإنما هو فيما تحقق ومضى لا في المنافع المستقبلة التي هي المرادة هاهنا ، الثاني : ان المتبادر عرفا من لفظ ما في اليد هو ذلك الثالث : اختصاص الأخبار باليد على الاعيان حتى موثق حفص فلان لفظ (شيئا) في أوله وان كان عاما إلا ان رجوع الضمير في قوله الشراء منه وان يشتريه يوجب اما تخصيصه بالأعيان أو التوقف لعدم جواز شراء المنافع إجماعا.

__________________

(١) تكملة العروة الوثقى للسيد اليزدي ج ٢ ص ١٢١ المطبعة الحيدرية طهران ١٣٧٨ ه‍. ق.

(٢) عوائد الايام ص ٢٥٨.

١٧٥

وفي الجميع نظر :

اما الأول : فلان منفعة الشيء امر مقدر الوجود عند العقلاء قائم به وموجود بوجوده ، مثلا منفعة الدار هي حيثية المسكنية القائمة بها وهي يقدر وجودها عند العقلاء وعلى ذلك فالمنفعة أيضاً من الأمور القارة التي يستولي عليها عرفا وعند العقلاء.

واما الثاني : فلمنع التبادر.

واما الثالث : فلان بناء العقلاء عام ونصوص الباب بملاحظة ما ذكرناه لا سيما بعد إلغاء خصوصية الموارد تشمل المنافع فالأظهر هو التعميم.

حدوث اليد لا في الملك

الجهة الرابعة : هل تختص حجية اليد بما إذا احتمل حدوث اليد في الملك كما هو الغالب ، أم تعم ما إذا علم ان حدوثها لم يكن في الملك بل كان بعنوان الإجارة أو العارية أو الغصب أو نحو ذلك وجهان بل قولان ، أقواهما الأول.

لا لما أفاده المحقق الأصفهاني (ره) (١) من انه وان كان مقتضى إطلاق بعض النصوص هو التعميم ، إلا ان مقام الإثبات تابع لمقام الثبوت فإذا لم يكن ملاك الطريقية لا يعقل الحكم بالملكية بعنوان إمضاء الطريق وتتميم جهة كشفه ، وحيث ان ملاك الطريقية ليس موجودا في اليد الحادثة لا في الملك إذ الغالب

__________________

(١) راجع قاعدة اليد الملحقة في نهاية الدراية (الطبعة الحجرية) ص ٣٣١ الجهة الرابعة ... الخ.

١٧٦

من غير المالكية إذا تحققت بقائها على ما كانت ، فهذه اليد المشكوكة الحال وان كانت بملاحظة ان الغالب في الأيدي كونها مالكية ملحقة بالأيدي المالكية ، إلا انها بملاحظة الغلبة الثانية المشار إليها ملحقة بغير الأيدي المالكية فلا محالة تتقيد الأولى بالثانية وبعد تضييق دائرة الغلبة الأولى لا مقتضى لالحاق المشكوك بالايدي المالكية فلا مناص عن النبأ على عدم حجيتها على الملكية في الفرض.

فانه يرد عليه ان الغلبة الثانية ، وهي غلبة بقاء اليد غير المالكية على ما كانت ، ممنوعة ولذا نلتزم بعدم حجية الاستصحاب من باب الطريقية والامارية وانه ليس فيه ملاكها فتدبر.

بل لان اليد التي تكون حجة على الملكية هي اليد التي لم يثبت كونها يدا غير مالكية ، واما التي ثبت فيها ذلك فلا تكون حجة عليها واستصحاب بقاء اليد على ما كانت عليه يثبت كون اليد غير مالكية وأنها يد اجارية أو نحوها فيرتفع موضوع الحجية بذلك.

لا يقال : ان اليد من الأمارات وهي تكون حاكمة على الاستصحاب فكيف يقدم عليها.

فانه يقال : ان اليد تكون حاكمة عليه إذا كان الاستصحاب جاريا بالقياس إلى مؤدى اليد ، لا فيما إذا كان جاريا بالقياس إلى شيء آخر لا تكون اليد متعرضة له الموجب لارتفاع موضوعها كما في المقام : فان اليد لا تثبت انتقال اليد وتبدلها عما كانت عليه ، إذ هي لا تكون حجة في مثبتاتها حتى على الأمارية كما تقدم ، فإذا جرى الاستصحاب فيه وثبت بقاء اليد على ما كانت عليه يرتفع موضوع حجية اليد ، ومعه لا يبقى مورد للتمسك بها إذ الحجية فرع صدق الموضوع.

١٧٧

إذا ثبت كونه ملكا للمدعي سابقا

الجهة الخامسة : إذا لم يكن في مقابل ذي اليد من يدعي الملكية لا كلام في حجية اليد عليها وترتيب آثارها ، وان ثبت بالوجدان أو بالبينة أو بالإقرار كونه ملكا لغيره سابقا.

كما انه لا كلام في ذلك ان كان في مقابل ذي اليد من يدعى الملكية ، إلا انه ثبت بأحد الطرق الثلاثة كونه ملكا لغير من يدعيها سابقا لإطلاق الأدلة.

إنما الكلام في ما إذا ثبت كونه ملكا للمدعي سابقا أو كونه تحت يده التي هي أمارة كونه ملكا له (١) ، فالاكثرون على تقديم اليد اللاحقة وان صاحبها منكر والبينة على خصمه ، وعن الشرائع (٢) اختيار تقديم الأولى ، وعن الإرشاد (٣) الميل إليه ، وعن التحرير (٤) احتمال التساوي ، والأول أقوى : إذ اليد الموجودة أمارة الملكية ، ولا يصلح استصحاب بقاء الملكية السابقة أو حكم اليد الأولى لمعارضتها لما تقدم من انها من الأمارات ومقدمة على الاستصحاب.

__________________

(١) كما حكاه السيد اليزدي في تكملة العروة ج ٢ ص ١٤٥ ـ ١٤٦ ، مطبعة الحيدري ، طهران.

(٢) شرائع الاسلام ج ٤ ص ٨٩٩ (الخامسة) انتشارات الاستقلال طهران ١٤٠٩.

(٣) ارشاد الاذهان ج ٢ ص ١٥١ قوله «لو أقام بينة بعين بيد غيره انتزعت له» نشر جامعة المدرسين ١٤١٠.

(٤) وهو ظاهر التحرير (ط. ق) ج ٢ ص ١٩٦ حيث نقل كلام الشيخ بعدم سماع الدعوى ولا البينة سواء شهدت اليد منذ أمس أو بالملك منذ أمس ولم يرجح العلامة عقيب المسألة انها لصاحب اليد او لصاحب البينة السابقة.

١٧٨

واستدل للقول الثاني بوجوه :

الأول : انه إذا ثبتت الملكية السابقة للسابق فلا بدَّ لذي اليد اللاحقة من إثبات الانتقال إليه والأصل عدمه.

وفيه : انه لا يعتبر في الحكم بملكية ذي اليد إثبات الانتقال.

واما ما أجاب به السيد (ره) (١) في ملحقات عروته من ان حال هذا الأصل حال الاستصحاب في عدم صلاحيته للمعارضة مع اليد ، فهو يبتني على القول بان الحجة على المسبب حجة على السبب فتكون اليد حجة على الانتقال كحجيتها على الملكية وفي ذلك كلام سيأتي فانتظر.

الثاني : انه لادعائه الملكية الفعلية بعد كونه مملوكا للمدعى قبلا لا محالة يصير مدعيا للانتقال وصاحب اليد السابقة منكرا.

وفيه : ان الانتقال ليس مصب الدعوى كي يكون ذو اليد الحالية مدعيا بالنسبة إليه ومجرد كونه لازما لدعواه الملكية لا يجعله مدعيا بعد عدم كونه مصب الدعوى.

الثالث : انه إذا كانت اليد الحالية دليلا على الملكية ، فالسابقة بالأولى لمشاركتها في الدلالة على الملك الحالي وانفراد السابقة بالملك السابق.

وفيه : ان اليد السابقة أمارة الملك السابق لا الملك الحالي ودلالتها عليه إنما هي بضميمة الاستصحاب ، بل هو الدليل عليه دونها وهو محكوم لليد.

__________________

(١) تكلمة العروة الوثقى ج ٢ ص ١٤٦

١٧٩

وللمحقق النراقي (١) في المقام كلام :

وحاصله : بعد اختياره القول المختار والمناقشة في دليله من جهة ان اليد كالاستصحاب من الأصول فتسقط بالمعارضة انهما وان سقطا ، إلا ان اليد الفعلية باقية والأصل عدم التسلط على انتزاع العين من يد ذيها وعدم جواز منعه من التصرفات حتى مثل البيع ، إذ غاية الأمر عدم الدليل على ملكيته ولكن لا دليل على عدمها مع ان هذه التصرفات ليست موقوفة على الملكية لجوازها بالأذن والتوكيل ونحوهما فتبقى أصالة عدم التسلط وأصالة جواز التصرفات انتهى ملخصا.

وفيه : أولا ان التصرفات الموقوفة على الملك كالبيع لا تجوز لغير المالك إلا الوكيل والولي والمأذون من قبل المالك فمع عدم ثبوت الملكية والمفروض عدم الوكالة والولاية والأذن كيف يجوز للغير ان يشتري منه أو يستأجر ونحو ذلك من التصرفات ، والحال ان الأصل هو العدم.

وثانيا : انه إذا سقط حكم اليد فذو اليد وغيره سواء فان جازت له التصرفات جازت لخصمه أيضاً وليس لذي اليد منعه ، إذ الأصل عدم تسلطه على ذلك.

__________________

(١) راجع مستند الشيعة ج ١٧ ص ٤١٦ ـ ٤١٧ (والتحقيق : ان اقتضاء اليد للملكية يعارض استصحاب الملكية .. الخ).

١٨٠