زبدة الأصول - ج ٦

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-40-3
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٤١

اما الأول : فلان اذن المرتهن أو اجازته من قبيل رفع المانع عن تأثير عقد الراهن ، لا انه جزء المؤثر فان العين المرهونة متعلقة لحق الغير وكونها كذلك مانع عن تأثير عقد المالك فبالاذن أو الاجازة يرتفع المانع فيؤثر العقد اثره ، فلو شك في تحققه لا محالة تجرى أصالة الصحة في العقد وتثبت بها الصحة الفعلية.

واما الثاني : فلان أصالة الصحة كما تجرى عند دوران الأمر بين الصحة والفساد تجرى عند دورانه بين الصحة الفعلية والتأهلية ، ألا ترى انه لو شك في ان البائع مالك أم غير مالك تجرى أصالة الصحة ويحكم بصحة بيعه بالصحة الفعلية وانه بيع صادر عن المالك ، مع ان بيع غير المالك له صحة تأهلية.

واما الثالث : فلأنه قد عرفت ان أصالة الصحة كما تجرى بلحاظ الحدوث تجرى بلحاظ البقاء.

ومنها : ما لو علم بوقوع البيع من الراهن وصدور اذن ورجوع من المرتهن وشك في تقدم الرجوع على البيع وتأخره عنه ، فلا محالة يشك في صحة كل من الأمور الثلاثة ، وحيث ان صحة كل منها تاهلية بمعنى ان صحة البيع لا تستلزم وقوعه قبل الرجوع ، وصحة الاذن لا تستلزم وقوع البيع عقيبه ، وصحة الرجوع لا تستلزم وقوع البيع بعده ، فصحة الاولين لا تقتضي صحة البيع ، وصحة الاخير لا تستلزم فساده.

وفيه : ان ما ذكره (ره) يتم في الاذن ولا يتم في الرجوع ولا في البيع.

اما الأول : فلان الرجوع إذا وقع بعد البيع لا يترتب عليه شيء لعدم كونه

١٤١

قابلا للتأثير لا ان له صحة تأهلية ، ولكن حيث ان من شرائط جريان أصالة الصحة قابلية التأثير عقلا كما صرح بذلك الشيخ الأعظم (ره) في كتاب البيع (١) فلا تجري فيه أصالة الصحة.

واما الثاني : لما تقدم من انه يترتب على أصالة الصحة الجارية في البيع صحته بالصحة الفعلية فراجع.

ثم انه قد يقال في وجه عدم تماميته في البيع ، ان البيع ان وقع قبل الرجوع فصحته فعلية وان وقع بعده فهو فاسد بقول مطلق فلا يتصف بالصحة التأهلية.

وفيه : ان الرجوع لا يكون موجبا لحل العقد ، بل غاية ما يترتب عليه ارتفاع الاذن فلو لحقه الاجازة يترتب عليه الأثر الفعلي فتدبر.

لا يعتبر إحراز عنوان العمل

الأمر السادس : لا ريب في انه يعتبر في إجراء أصالة الصحة إحراز تحقق العمل : إذ مع الشك في تحقق اصل العمل الموصوف بالصحة ، وان كان يمكن الشك في الصحة وليس كما قيل لا يعقل الشك في الوصف إلا مع إحراز الموصوف إلا ان دليل التعبد إنما يتكفل التعبد بالوصف لا التعبد بالموصوف واثباته ، فلا تعبد بالوصف إلا مع إحراز الموصوف.

__________________

(١) كتاب المكاسب ج ٤ ص ٢٨٥.

١٤٢

إنما الكلام في انه ، هل يعتبر إحراز العنوان الذي تعلق به الأمر أو ترتب عليه الأثر وضعا أو تكليفا كما عن الشيخ الأعظم (ره) (١) والمحقق النائيني (قدِّس سره) (٢) وغيرهما (٣) ، فلو شوهد من يأتي بصورة عمل من صلاة أو طهارة أو نسك حج ولم يعلم قصده تحقق هذه العبادات لم تحمل على تلك ، أم لا يعتبر ذلك بل يكفى تحقق عناوين هذه الاعمال عرفا المحرز بصورتها كما اختاره المحققان الخراساني (ره) (٤) ، والهمداني (قدِّس سره) (٥) وغيرهما (٦) ، أم لا يعتبر ذلك أيضاً ، وجوه :

فقد استدل للاول : بان موضوع الأثر هو المعنون بذلك العنوان وباعتبار ترتبه عليه يوصف بالصحة وباعتبار عدمه بالفساد ، فلا بدَّ من إحراز الموصوف كي يتعبد بوصف الصحة.

وفيه : أولا النقض بجميع موارد الشك في الصحة ، إذ لا يتصور الشك فيها إلا مع الشك في تحقق ما هو موضوع الأثر شرعا.

وثانيا : بالحل وهو ان مقتضى دليل أصالة الصحة التعبد بصحة العمل ، فيما إذا أحرز العمل عرفا ، وهو إنما يكون فيما إذا أحرز صورته عرفا ، ولذا ترى انه لا يتوقف احد في الأخبار عن ان فلانا يصلي إذا رأى صدور صورة

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٢ ص ٧٢٧.

(٢) فوائد الأصول للنائيني ج ٤ ص ٦٦٤.

(٣) كآية الله السيد الخوئي في مصباح الأصول ج ٣ ص ٣٣١ (الجهة السابعة).

(٤) درر الفوائد للآخوند (الجديدة) ص ٤٠٨.

(٥) فوائد الرضوية ج ٢ ص ١١٤ ، الناشر مكتبة جعفري التبريزي ، طهران ١٣٧٧ ه‍. ق.

(٦) كما ذهب اليه المحقق العراقي في نهاية الافكار ج ٥ ص ٩٣.

١٤٣

الصلاة منه مع عدم إحراز قصد الصلاتية ، فلو صدر الإيجاب عن شخص في مقام المعاملة وشك في انه قصد به الإنشاء أو التعليم مثلا يحمل على الصحة.

وبالجملة بما ان عمدة دليل هذا الأصل هي سيرة العقلاء ولا ريب في قيامها على الحمل على الصحة في هذه الموارد لا مناص عن الالتزام به.

والغريب ان الشيخ الأعظم مع اختياره في المقام ذلك ، التزم في كتاب الخيارات (١) في مسألة الفسخ بالفعل انه يثبت قصد حل العقد باجراء أصالة الصحة.

فالاظهر عدم اعتبار إحراز ذلك واعتبار إحراز عنوان العمل عرفا.

نعم ، يعتبر إحراز كونه في مقام الإتيان بما هو موضوع الأثر فلو قال بعت ولم يعلم انه قصد به الإنشاء لكونه في مقام إنشاء المعاملة أو لم يقصد ذلك لكونه في مقام التعليم مثلا لا يحمل على الأول ، لعدم إحراز الموضوع عرفا المعتبر في جريانها كما تقدم.

وعلى هذا يبتني عدم إجراء أصالة الصحة لاحراز كون الفعل عن الغير ما لم يحرز كونه عنه. وبعبارة أخرى : العمل الصالح لوقوعه عن نفسه ، ووقوعه

__________________

(١) راجع كتاب المكاسب ج ٦ ص ١٣١ عند قوله : «ولكن الامر هنا أسهل ، بناء على ان ذا الخيار إذا تصرف فيما انتقل عنه تصرفا لا يجوز شرعا إلا من المالك أو بإذنه ، دلّ ذلك بضميمة حمل فعل المسلم على الصحيح شرعا على إرادة انفساخ العقد قبل هذا التصرف» انتهى. إلا أن قيد الشيخ الأعظم : «تصرفا لا يجوز شرعا إلا من المالك أو بإذنه» قد يمنع من الغرابة فتأمل.

١٤٤

عن غيره ما لم يحرز كونه في مقام تفريغ ذمة ذلك الغير لا يحرز وقوعه عن غيره باجراء أصالة الصحة.

والظاهر ان هذا هو منشأ تفصيل المشهور بين ، الصلاة على الميت ، والصلاة عن الميت حيث اكتفوا في الأولى بالحمل على الصحيح بمجرد اصل الصلاة ، واعتبروا في الثانية اخباره بذلك مع كونه عادلا ولم يكتفوا بمجرد الصلاة.

حول جريان أصالة الصحة في عمل النائب

تكملة في بيان أمرين :

الأول ان للشيخ الأعظم (ره) (١) في المقام كلاما في توجيه عدم إحراز فراغ ذمة المنوب عنه باجراء أصالة الصحة في عمل النائب ، وانه يعتبر في إحراز الفراغ إحراز صدوره صحيحا عنه.

وحاصله : ان لفعل النائب جهتين :

الجهة الأولى : انه عمل من اعماله ولذا يجب عليه مراعاة الاجزاء والشرائط ، وبهذا الاعتبار يستحق الاجرة ويجوز استيجاره ثانيا بناءً على اعتبار فراغ ذمة الاجير في صحة استيجاره ثانيا ، ويترتب عليه غير ذلك من آثار

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٢ ص ٧٢٧.

١٤٥

صدور الفعل الصحيح منه.

الجهة الثانية : انه عمل من اعمال المنوب عنه بالعرض حيث انه فعله بالتسبيب ، وبهذا الاعتبار يراعى فيه القصر والاتمام في الصلاة ، والصحة من الحيثية الأولى ، لا تثبت الصحة من الحيثية الثانية ، بل لا بدَّ من إحراز صدور الفعل الصحيح عنه ، وحيث ان فراغ ذمة المنوب عنه ليس من آثار فعل النائب من حيث هو بل من آثاره بما انه فعل المنوب عنه بالتسبيب ، فلا يترتب ذلك على إجراء أصالة الصحة في فعل النائب.

ويرد على ما أفاده أمور :

الأول : انه لو تم ذلك لما كان وجه للحكم باستحقاق الاجرة ، إذ ذلك أيضاً من آثار صدور الفعل عنه بما انه فعل المنوب عنه ، إذ تعيين الاجرة إنما هو على تفريغ ذمة المنوب عنه لا على فعل النائب من حيث هو.

الثاني : ان جعل باب النيابة من باب التسبيب غير صحيح كما حقق في محله.

الثالث : انه إذا لم يحرز كون النائب في مقام تفريغ ذمة المنوب عنه لا يحمل على الصحة بمعنى الحكم بوقوعه عنه ولو بلحاظ اثر من الآثار ، واما ان أحرز ذلك فحيث ان الحيثيتين ليستا في عرض واحد بل احداهما مترتبة على الاخرى ، إذ النائب يأتي بالفعل الواجب على المنوب عنه فإذا احرزت صحته باصالة الصحة لزم الحكم بالصحة من الحيثيتين فتدبر.

١٤٦

الأمر الثاني : ان المحقق الهمداني (ره) (١) فصل بين العمل النيابي فاختار فيه ما ذكرناه وبين مثل توضئة الغير للعاجز ، فاختار فيه عدم كفاية إجراء أصالة الصحة في صحة وضوء العاجز.

وعلله : بان توضئة الغير للعاجز ليس من باب النيابة ، بل من قبيل ان تكليفه إيجاد الفعل باعانة الغير فلا يجديه أصالة الصحة في فعل الغير لان فعل الغير هو التوضئة لا الوضوء فحمل التوضئة على الصحيح لا يثبت كون الوضوء الصادر من العاجز صحيحا إذ لا يثبت باصالة الصحة سائر العناوين الملازمة لها.

وفيه : ان الواجب على العاجز لا يعقل ان يكون هو الوضوء باعانة الغير إذ فعل الغير الصادر عن ارادته واختياره لا يمكن ان يكون واجبا على غير المريد ، وإلا لزم التكليف بما لا يطاق فمتعلق الأثر هو نفس توضئة الغير فلو جرت أصالة الصحة في ذلك ، لا بدَّ من ترتيب جميع الآثار منها جواز دخول العاجز في الصلاة ونحوها.

هذا كله فيما يجب احرازه ، واما ما به يحرز فالعمدة فيه هو اخبار العامل الموثق وحجيته بناءً على ما هو الحق عندنا من حجية الخبر الواحد في الموضوعات ، وعدم اعتبار العدالة في المخبر ، وانه يكفى كونه ثقة في النقل واضحة.

واما بناءً على عدم حجيته في الموضوعات ، فحيث ان الاقتصار في امثال

__________________

(١) فوائد الرضوية ج ٢ ص ١١٥.

١٤٧

هذه الموضوعات على العلم والبينة مع عموم الابتلاء بها موجب للعسر والحرج ، بل سد باب النيابة ، فيستكشف من ذلك جعل الشارع اخبار العامل حجة لانحصار الطريق به.

وهل يعتبر فيه العدالة؟ أم يكفي الوثوق؟ وجهان :

أولهما مختار الشيخ الأعظم (ره) (١).

والأقوى هو الثاني إذ لا خصوصية للعدالة من الجهات الأخر غير جهة الكذب في هذا الحكم قطعا ، فان تلك الأمور اجنبية عن خبره بل لو كان دليل لفظي متضمن لجعل الحجية لخبر العادل لكنا حملناه على ذلك لأجل مناسبة الحكم والموضوع فضلا عن المقام فتدبر.

موارد جريان أصالة الصحة

الأمر السابع : هل يختص جريان أصالة الصحة بما إذا أحرز صحة العقد من ناحية شرائط العوضين والمتعاقدين واحرز كون العقد مستجمعا لها وشك في الصحة والفساد من جهة الشك في كون العقد واجد الشرائط نفسه كالعربية والماضوية وما شابهها.

فالموضوع هو العقد التام من جميع الجهات غير جهة شرائط العقد؟ كما

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٢ ص ٧٢٧.

١٤٨

اختاره المحقق النائيني (ره) (١). أم يعم ما إذا شك في الصحة من جهة الشك في سائر ما يعتبر في العقد مع إحراز شرائطه العرفية فيكون الموضوع هو العقد العرفي؟ كما اختاره جمع من الاساطين (٢) منهم الشيخ الأعظم (ره) (٣).

أم يعم كل شرط شرعي أو عرفي مع إحراز إنشاء البيع؟ فيكون الموضوع هو صورة العقد الصادر من المتعاملين فإذا شك في صحته من جهة الشك في تحقق شرائط الصيغة أو شرائط المتعاقدين أو شرائط العوضين اعم من الشرائط الشرعية والعرفية يحمل على الصحة كما لعله الأظهر ، وجوه :

وقد استدل المحقق النائيني (ره) (٤) لما اختاره : بان دليل هذا الأصل هو الإجماع ومعقده العقد المشكوك صحته وفساده وظاهر ذلك هو الشك في صحة العقد وفساده من حيث انه عقد مع إحراز الصحة من ناحية الشروط الأخر وتمحض الشك في الشك في تحقق ما هو من شرائط العقد بما هو عقد ،

__________________

(١) أجود التقريرات ج ٢ ص ٤٨٤ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٤ ص ٢٤٤ (فتحصل من جميع ما ذكرنا صحة الوجه الثالث).

(٢) كما ذهب اليه المحقق الهمداني في الفوائد الرضوية ج ٢ ص ١١٣ / وهو ظاهر أوثق الوسائل ص ٥٦٦ حيث اعتبر جريان اصالة الصحة بعد قابلية المحل للاتصاف بالصحة .. ثم أيد ما ذهب اليه الشيخ الأعظم في هذه المسألة.

(٣) راجع فرائد الأصول ج ٢ ص ٧٢٥ (الثالث) ويظهر ذلك من كلامه ايضا مما تقدم في (الثاني) عند مناقشة كلام المحقق الثاني ص ٧٢٤.

(٤) أجود التقريرات ج ٢ ص ٤٨٤ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٤ ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤. ثم أكد ان مدرك القاعدة هو الاجماع ص ٤٩٠ من الطبعة القديمة وص ٢٥٤ من الجديدة.

١٤٩

وشرائط المتعاقدين والعوضين وان نسبت إلى العقد أيضاً ، إلا انه إنما يكون ثانيا وبالعرض لا أولا وبالذات ، وظاهر معقد الإجماع شروط العقد بما هو عقد وأولا وبالذات ، فمرجع هذا إلى الاستظهار من معقد الإجماع بحيث لو كان ذلك متن النص لكان يستفاد منه ذلك ، لا إلى ، ان الإجماع دليل لبى لا بد من الاقتصار على الموارد المتيقنة ، كي ينافى ما ذكره في أول المبحث.

وفيه : أولا ان عمدة دليل هذه القاعدة هو ، بناء العقلاء ، وسيرة المسلمين ، بل سيرة كل ذي دين وملة ، وعدم ردع الشارع الأقدس عن ذلك ، ولا ريب في قيام ذلك على الحمل على الصحة في كل مورد شك في صحة العقد كان من جهة الشك في الاخلال بشروط العقد ، أم كان من جهة الشك في الاخلال بشروط العوضين ، أو المتعاقدين.

وثانيا : ان معقد الإجماع ليس هو العقد كي يصح الاستظهار المذكور إذ لم ينعقد اجماعان ، أحدهما في باب المعاملات ، والآخر في باب العبادات ، بل انعقد إجماع واحد ومعقده شامل للبابين وعليه فالمعقد هو العمل الصادر من الغير عباديا كان أم معامليا ، ومعلوم ان جميع الشروط دخيلة في ترتب الأثر على العمل المعاملي بما هو عمل معاملي.

وثالثا : ان كون الشروط على قسمين شروط العقد أولا بالذات ، وشروطه ثانيا وبالعرض غير مربوط بموضوع القاعدة وهو العقد المشكوك صحته وفساده ، إذ الاخلال بأي شرط كان يوجب فساد العقد ، لافساد العوضين أو المتعاقدين وهو واضح جدا ، فالموصوف أولا وبالذات بالصحة والفساد إنما هو العقد.

١٥٠

وبالجملة كون منشأ الشك في الصحة والفساد الشك في الاخلال بشروط العقد ، أم الاخلال بغيرها ، أجنبي عن كون الموصوف بالصحة والفساد هو العقد الذي هو الموضوع لهذه القاعدة على الفرض.

ثم انه قد التزم المحقق المذكور (١) ، بجريان أصالة الصحة في جملة من موارد الشك في صحة العقد من ناحية الشك في الاخلال بشرائط العوضين أو المتعاقدين :

منها ما إذا شك في جهالة العوضين.

ومنها ما لو شك في كون المعاملة ربوية وتفاضل احد المتجانسين على الآخر.

ومنها ما لو شك في صدور العقد عن الاختيار المقابل للاكراه نظرا إلى ان الجهالة في الأول ، والزيادة في الثاني لا تضر ان بمالية العوضين وقابليتهما النقل والانتقال ، ولذا تصح المصالحة في الموردين ، والاكراه في الثالث لا يوجب خروج العاقد عن الاهلية.

وفيه : ان المراد بشروط العوضين أو المتعاقدين هو ما يعتبر فيها ولو في عقد خاص في قبال ما يعتبر في العقد ـ وبعبارة أخرى ـ الشروط التي يكون محلها وموردها غير العقد ، ولا ريب في ان الشروط المذكورة كذلك وجواز المصالحة مع فقد بعض تلك الشروط لا يكون دليل كونه من شروط العقد.

__________________

(١) المحقق النائيني (المصدر السابق).

١٥١

وبالجملة ليس المراد بشروط العوضين ما تكون دخيلة في مالية المال أو قابليته للنقل والانتقال بقول مطلق بل هو اعم من ذلك ومما يكون دخيلا في قابليته للنقل والانتقال بمعاملة خاصة كالبيع والشروط المتقدمة كذلك.

واستدل للثاني : بان موضوع هذه القاعدة هو العقد ، فلا بدَّ من احرازه في الحكم بالصحة ، وهو إنما يكون بإحراز جميع ما يعتبر فيه عرفا كما هو كذلك في العقد الذي هو الموضوع لأوفوا بالعقود وغيره ، فكما انه لو شك في صحة العقد من جهة الشبهة الحكمية ما لم يحرز العقد العرفي لا يتمسك باطلاق الأدلة للحكم بصحته ، كذلك لو شك في صحته من جهة الشبهة الخارجية لا يصح التمسك بدليل أصالة الصحة للحكم بصحته ما لم يحرز العقد العرفي.

ويرد عليه ان هذا يتم بناءً على كون المدرك هو الإجماع المدعى في خصوص العقود ، ولكن حيث عرفت ان المدرك هو بناء العقلاء ، ولا ريب في قيامه على الحمل على الصحة حتى في ما إذا شك في الاخلال بالشرائط العرفية وهؤلاء العقلاء ببابك فهل يتوقف احد منهم في الحمل على الصحة في تلك الموارد كلا ، فالمتعين هو القول الثالث.

تقدم أصالة الصحة على الاستصحاب

الأمر الثامن : في بيان تعارض أصالة الصحة مع الاستصحابات الحكمية والموضوعية في مواردها والكلام في هذا الأمر يقع في موردين :

الأول : في بيان وجه تقديمها على الاستصحاب الحكمي وهي أصالة الفساد.

١٥٢

الثاني : في وجه تقديمها على الاستصحاب الموضوعي كأصالة عدم البلوغ.

اما المورد الأول : فظاهر الشيخ الأعظم (ره) (١) ، بل صريحة كون تقدمها عليها إنما هو بالحكومة ، والظاهر انه كذلك إذ الشك في عدم النقل والانتقال مع قطع النظر عن الأصل الموضوعي مسبب عن الشك في استجماع العقد الخارجي للأجزاء والشرائط فإذا جرت أصالة الصحة وحكم باستجماعه لها فلا محالة يرتفع الشك في النقل والانتقال فأصالة الصحة حاكمة على أصالة الفساد حكومة الأصل الجاري في السبب على الأصل الجاري في المسبب ، فعلى هذا لا فرق في ذلك بين كونها من الأمارات أو الأصول المحرزة أو غير المحرزة.

واما المورد الثاني : فعبارة الشيخ الأعظم (ره) في المقام قد اشتبهت بعبارة العلامة الشيرازي (ره) (٢) ، ومحصل الكلام ان لكل منهما في المقام كلاما ، ومحصل ما أفاده الشيخ (ره) (٣) ان ما يمكن ان يذكر فيه بيان وجه معارضة الأصل الموضوعي مع أصالة الصحة على القول بكونها من الأصول أمران :

الأول : ان مقتضى أصالة عدم البلوغ فيما إذا شك في بلوغ المتعاقدين أو أحدهما إحراز صدور العقد من غير البالغ الذي هو الموضوع للفساد.

وبعبارة أخرى : موضوع الفساد العقد الصادر من غير البالغ واحد جزئيه وهو العقد محرز بالوجدان والجزء الآخر وهو الصدور من غير البالغ يحرز

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٢ ص ٧٢٩ (السادس : في بيان ورود هذا الأصل على الاستصحاب).

(٢) سياتي كلامه قريبا ..

(٣) المصدر السابق من فرائد الاصول.

١٥٣

بالأصل فبضم الوجدان بالأصل يتم الموضوع ، وهذا الأصل يعارض أصالة الصحة المحرزة لكون العقد جامعا لجميع الشرائط منها البلوغ التي يترتب عليها النقل والانتقال.

الثاني : ان أصالة عدم صدور العقد من البالغ الذي هو موضوع عدم الأثر تعارض أصالة الصحة المقتضية لترتب الأثر.

ثم أجاب عن كليهما ، اما عن الأول : فبان عدم الأثر إنما يكون بعدم سببه لا بصدور ضد سببه ، فالأصل الجاري في الثاني المثبت صدور العقد من غير البالغ لا يثبت به عدم صدور العقد من البالغ إلا على القول بالأصل المثبت.

وبالجملة : ان موضوع الأثر ما هو مفاد ليس التامة ومجرى الأصل ما هو مفاد ليس الناقصة واثبات أحدهما بالأصل الجاري في الآخر يتوقف على القول بالأصل المثبت.

واما عن الثاني : فبان عدم الأثر بعدم السبب من باب اللااقتضاء ووجود الأثر إنما يكون بوجود السبب المقتضى وما ليس له الاقتضاء لا يزاحم ما له الاقتضاء ، فعلى هذا تقدم أصالة الصحة على الاستصحاب الموضوعي أيضاً وان كانت من الأصول لا من الأمارات.

وما أفاده من الجوابين قابلان للرد :

اما الأول : فلان عدم الأثر كما يكون بعدم السبب كذلك يكون بعدم شرط من شروط سببه وحيث ان شرط تأثير العقد صدوره من البالغ فإذا جرى الأصل وثبت به عدم الشرط يترتب عليه عدم المشروط بلا احتياج إلى إثبات

١٥٤

شيء آخر.

واما الثاني : فلان استصحاب عدم صدور العقد من البالغ مقتض لعدم الأثر إذ التعبد بعدم المسبب غير واقع عدم المسبب ، والثاني وان كان بعدم المقتضى له ، إلا ان الأول إنما يكون عن الاقتضاء.

ومحصل ما أفاده العلامة الشيرازي (ره) (١) ، ان مفاد أصالة الصحة ان كان ترتب الأثر والتعبد بالنقل والانتقال كان الاستصحاب الموضوعي حاكما عليها : إذ الشك في الصحة ناشئ عن الشك في بلوغ العاقد مثلا فإذا جرى الأصل في البلوغ وثبت صدور العقد من غير البالغ ارتفع الشك في الصحة ، وان كان مفادها كون العقد على نحو يترتب عليه الأثر ومستجمعا للأجزاء والشرائط ومنها البلوغ ، كان الاصلان متعارضين : إذ مفاد الاستصحاب بضميمة العقد المحرز بالوجدان صدور العقد من غير البالغ ، ومفاد أصالة الصحة التعبد بكون العقد صادرا من البالغ وعلى ذلك فهناك شك واحد تقتضي أصالة الصحة التعبد بوجود المشكوك فيه ويقتضي الاستصحاب التعبد بعدمه.

وبعبارة أخرى : مفاد أصالة الصحة صحة العقد الموجود وسببيته ، ومفاد الاستصحاب نفي سببية العقد الموجود فكل منهما ينفي ما يثبته الآخر.

وبهذا التقريب يندفع ما أورد عليه : بان مفاد أصالة الصحة حيث يكون التعبد بوجود العقد الصحيح ومفاد الاستصحاب التعبد بعدم سببية العقد

__________________

(١) تقريرات المجدد الشيرازي ج ٣ ص ٧٧ ـ ٧٨ وقد نقله المصنف (دام ظله) بالمعنى فراجع.

١٥٥

الموجود فلا تعارض بينهما.

وجه الاندفاع : ان مفاد أصالة الصحة ليس التعبد بوجود العقد الصحيح بل بصحة العقد الموجود.

وأورد على نفسه بان التعبد بنفي السببية لا يصح لكونها غير مجعولة شرعا فالاستصحاب يكون أصلاً حكميا محرزا لبطلان العقد.

وأجاب عنه بأنه على هذا تكون أصالة الصحة أيضاً من هذا القبيل كما لا يخفى.

ولكن : الذي يهون الخطب ، ويغنينا عن إطالة الكلام في المقام في بيان وجوه المعارضة والحكومة من الطرفين ، ان دليل أصالة الصحة ، هو السيرة وبناء العقلاء بضميمة عدم ردع الشارع الأقدس عنه ، وحيث : ان هذا المدرك يدل على ثبوت أصالة الصحة في موارد وجود الأصول الموضوعية ، كما يظهر لمن اختبر ذلك من العرف والعقلاء في المعاملة مع العقود الصادرة من الغير ، فلا وجه لملاحظة المعارضة مع تلك الأصول فتقدم عليها وبهذا ينقطع النزاع.

أصالة الصحة في الأقوال

الأمر التاسع : في أصالة الصحة في الأقوال ، والصحة فيها تكون من وجهين.

الأول : من حيث كونها حركة وفعلا صادرا من المكلف ، والشك من هذه الجهة يتمحض في كونها محرمة أم مباحة ، لا كلام في ان مقتضى أصالة الصحة

١٥٦

البناء على عدم الحرمة.

الثاني : من حيث كون القول كاشفا عن المعنى والشك من هذه الحيثية يكون من وجوه :

أحدها : من حيث ان المتكلم ، هل أراد بذلك القول معنى ، أم تكلم لاغيا ومن غير قصد. لا ريب في قيام الأصل العقلائي على البناء على انه تكلم عن قصد ، وهذا لا ربط له باصالة الصحة.

ثانيها : من حيث ان مراده الاستعمالي ، هل يكون مطابقا لمراده الجدي ، أم لا ـ وبعبارة أخرى ـ ان المتكلم صادق في ما هو ظاهر كلامه من اعتقاده بالمراد الاستعمالى أم لا ، لا كلام أيضاً في ان الأصل العقلائي التطابق ، وهذا أيضاً أجنبي عن أصالة الصحة.

ثالثها : من حيث كونه صادقا في الواقع أم كاذبا ـ وبعبارة أخرى ـ في مطابقة المخبر به للواقع ، والكلام من هذه الجهة محرر في مبحث حجية الخبر الواحد مفصلا ، ودلالة الأدلة الدالة على أصالة الصحة التي أقيمت عليها ، وعدم دلالتها محرر في ذلك المبحث أيضاً.

الأمر العاشر : في أصالة الصحة في الاعتقادات والشك في ذلك يتصور على وجهين :

الأول : من جهة ان اعتقاده هذا هل هو ناش عن مدرك صحيح من دون تقصير عنه في مقدماته أو عن مدرك فاسد ، فالظاهر وجوب الحمل على الصحيح لظاهر بعض ما مر من وجوب حمل أمور المسلمين على الحسن دون

١٥٧

القبح كذا في رسائل الشيخ الأعظم (ره) (١).

الثاني : من حيث مطابقة اعتقاده للواقع ، لا دليل على الحمل على ذلك ، فلو دل الدليل عليه من دليل لفظي أو غيره ، كما في رأى الفقيه للعوام ، ورأي الرجاليين واعتقادهم وتعديلاتهم المكتوبة في كتبهم ، فهو ، وإلا فالأصل عدمه.

هذه نبذة مما تتعلق باصالة الصحة.

والحمد لله أولا وآخرا.

* * *

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٢ ص ٧٣٢.

١٥٨

قاعدة اليد

ومنها : قاعدة اليد ، والمراد بها الاستيلاء على الشيء خارجا ، لا الجارحة الخاصة وارادته منها إنما هي بالكناية حيث ان لازم الاستيلاء ذلك غالبا ، وإلا فليس هو احد معانيها قطعا ولا من مصاديق معناها.

اما الأول : فلان الاستيلاء معنى حدثي قابل للاشتقاق ولفظ اليد ليس كذلك.

واما الثاني : فلعدم الجامع بين المعنى الاشتقاقى وهو الاستيلاء والمعنى غير القابل له وهي الجارحة كي يوضع اللفظ له.

ثم ان الاستيلاء ليس دائما امرا حقيقيا مقوليا. بل له أفراد اعتبارية عرفية أيضاً المستكشفة بالتصرف ويكون الاستيلاء الاعتباري قسمان.

الأول : الاستيلاء التام.

الثاني : الاستيلاء الناقص وانتظر لذلك زيادة توضيح في بعض المباحث الآتية.

اليد حجة على الملكية

وتنقيح البحث في هذا المقام إنما يكون بالبحث في مواضع.

الموضع الأول : في حجية اليد على الملكية وفيه مباحث :

١٥٩

المبحث الأول لا خلاف في اعتبار اليد وحجيتها على الملكية في الجملة.

ويشهد له ان ذلك مما استقرت عليه سيرة العقلاء والمتدينين : فان بناء العقلاء وعمل المتدينين على ترتيب آثار الملكية على ما في اليد لصاحبها ـ واضف إلى ذلك ـ دلالة جملة من النصوص عليه.

منها : موثق حفص بن غياث الذي رواه المشايخ الثلاثة عن الإمام الصادق (ع) ، قال (ع) له رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان اشهد انه له قال نعم.

قال له الرجل اشهد انه في يده ولا اشهد انه له فلعله لغيره ، فقال أبو عبد الله (ع) أفيحل الشراء منه قال : نعم : فقال أبو عبد الله (ع) فلعله لغيره ، فمن اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوزان تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك.

ثم قال أبو عبد الله (ع) لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق (١).

ومورد الاستدلال به جملتان :

الأولى : الجملة الدالة على جواز الشهادة بالملك استنادا إلى اليد.

الثانية : الجملة الدالة على جواز الشراء استنادا إليها فانها بضميمة ان

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٣٨٧ ح ١ / التهذيب ج ٦ ص ٢٦١ باب البينات ح ١٠٠ / الفقيه ج ٣ ص ٥١ باب من يجب ردّ شهادته ومن يجب قبول شهادته ح ٣٣٠٧ / الوسائل ج ٢٧ ص ٢٩٢ باب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء ح ٣٣٧٨٠.

١٦٠