زبدة الأصول - ج ٦

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-40-3
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٤١

في عرض واحد ، وإلا لزم الجمع بين لحاظ المتأخر والمتقدم في لحاظ واحد وهو ممتنع كما تقدم. واختصاصهما بالمركبات ، فدخول الاجزاء في عموم الشيء في عرض دخول الكل لا يمكن إلا بعناية التعبد والتنزيل ، وحينئذٍ لا بدَّ من الاقتصار على مورد التنزيل ، والمقدار الذي قام الدليل عليه هي الاجزاء المستقلة بالتبويب إذ الدليل عليه ليس إلا صحيحا زرارة وإسماعيل ، المختص صدرهما بالاجزاء المستقلة الموجب ذلك لتضييق مصب عموم الشيء واطلاق الغير المذكورين في الذيل.

ويرد عليه ، أولا ما تقدم من عدم المانع من شمول الأدلة للمركبات واجزائها في عرض واحد ، بل هذا هو الظاهر منها.

وثانيا : انه لو تم ذلك لما كان وجه لدعوى اختصاص الصحيحين بالاجزاء المستقلة. إذ الأمثلة المذكورة في صدرهما وان كانت من هذا القبيل إلا ان العبرة باطلاق الدليل وعمومه ، وقد تقدم انه لا قصور في شمول ذيلهما لإجزاء الأجزاء أيضاً.

ولذا ترى انه لا يتوقف احد في إجراء القاعدة لو شك في الحمد وهو في السورة مع ان المذكور في الصحيح هو القراءة ، بل مقتضى إطلاق الدليل وعمومه جريان القاعدة في الشك في صدر الآية بعد الدخول في ذيلها المخالف له مفهوما ، كما قد يتفق ذلك في الآيات الطوال.

نعم شمولها لاجزاء الكلمة الواحدة أو الكلام الواحد العرفي كالمبتدإ والخبر مشكل إذ لا يبعد دعوى ان أهل العرف يرون ذلك من الشك قبل التجاوز لا بعده فتدبر.

١٠١

لا يكفي الدخول في الهوي والنهوض في جريان القاعدة

الأمر الثامن : هل يكفى الدخول في الهوي إلى السجود في عدم الاعتناء بالشك في الركوع ، والدخول في النهوض إلى القيام في جريان القاعدة في الشك في السجود ، أم لا؟ أم يفصل بين الفرعين ، فيكفى الأول دون الثاني وجوه وأقوال :

يقع الكلام تارة فيما تقتضيه القواعد.

وأخرى فيما يقتضيه النص الخاص.

اما من حيث القواعد فكفاية الدخول فيهما وعدمها مبنيان على ، كون الهوي والنهوض من اجزاء الصلاة ، وكونهما من مقدماتها ، وعلى كفاية التجاوز عن المحل العادي في جريان القاعدة ، وعدمها :

إذ على فرض كونهما من اجزاء الصلاة تجرى القاعدة بعد الدخول فيهما ، لما مر من عدم اعتبار شيء في جريانها سوى الدخول في الغير المترتب الشرعي ، كما انه على القول بكفاية التجاوز عن المحل العادي تجرى القاعدة في الفرض.

واما على القول بعدم كونهما من الاجزاء وعدم كفاية التجاوز عن المحل العادي فلا تجرى : لما تقدم من اعتبار الدخول في الغير المترتب الشرعي في موارد الشك في الوجود.

نعم ، إذا شك في صحة الركوع ، والسجود وهو في الهوي إلى السجود ،

١٠٢

والنهوض إلى القيام ، تجرى القاعدة لما عرفت من عدم اعتبار الدخول في الغير الخاص في جريان القاعدة في الشك في الصحة ، لكن ذلك خارج عن فرض المسألة ، لان محل الكلام الشك في اصل الوجود.

وحيث ان المختار عدم كونهما من اجزاء الصلاة لعدم الدليل عليه ، بل قد يقال ان لابدية الإتيان بهما لتوقف السجود والقيام عليهما تمنع من تعلق الأمر الشرعي بهما ، فانه يكون من الطلب اللغو غير المحتاج إليه.

وأيضا المختار عدم كفاية التجاوز عن المحل العادي ، فالأقوى عدم كفاية الدخول فيهما ، لعدم الاعتناء بالشك في الركوع والسجود.

وقد يقال كما عن المحدث الكاشاني (١) بان القاعدة تقتضي التفصيل بين الفرعين ، فان الهوي للسجود مستلزم للانتصاب الذي أهوى منه إليه ، والانتصاب فعل آخر غير الركوع فيصدق الدخول في الغير ، بخلاف النهوض إلى القيام ، فانه ما لم يستتم قائما لا يكون داخلا في فعل آخر.

وفيه : ان الانتصاب المأمور به الذي هو من الاجزاء وفعل آخر ، هو ما يكون بعد الركوع فهو أيضاً غير محرز ومشكوك فيه.

فالمتحصّل ان القاعدة تقتضي عدم جريان القاعدة في الفرعين.

واما من حيث النص الخاص ، فعن سيد المدارك (٢) ان مصحح عبد الرحمن بن أبي عبد الله قلت لأبي عبد الله (ع) رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع

__________________

(١) حكاه عن المحدث الكاشاني في الوافي صاحب الحدائق ج ٩ ص ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٢) مدارك الاحكام ج ٤ ص ٢٤٩ حيث ذكر الفرع الاول وفي ص ٢٥٠ ذكر الفرع الثاني.

١٠٣

أم لم يركع قال (ع) قد ركع (١) وصحيحه الآخر عنه في حديث ، قلت فرجل نهض من سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجده قال (ع) يسجد (٢).

يدلان على التفصيل بين الفرعين ، وانه يكفى الدخول في الهوي في عدم الاعتناء بالشك في الركوع ، ولا يكفى الدخول في النهوض في عدم الاعتناء بالشك في السجود.

وأورد عليه أمران :

١ ـ ما أفاده صاحب الحدائق (٣) ، وهو ان الالتزام بالتفصيل جمع بين المتناقضين ، لانهما ان كانا من الاجزاء تجري القاعدة فيهما ، وإلا فلا تجري فيهما.

وفيه : ان لم يدل دليل عقلي ولا شرعي على الملازمة بين الفرعين ، كي يرفع اليد به عن النص ، وما أفاده وان كان بحسب القاعدة متينا لا ريب فيه ، إلا انه مع ورود النص بالتفصيل وعدم الدليل على الملازمة بين الفرعين ، لا مناص عن الالتزام به ، ومن الغريب طرحه (قدِّس سره) الخبر الصحيح لمخالفته

__________________

(١) التهذيب ج ٢ ص ١٥١ باب تفصيل ما تقدم وكره في الصلاة من المفروض ... ح ٥٤ / الوسائل ج ٦ ص ٣١٨ باب ١٣ من ابواب الركوع ح ٨٠٧٣

(٢) التهذيب ج ٢ ص ١٥٣ باب تفصيل ما تقدم وكره في الصلاة من المفروض ... ح ٦١ / الوسائل ج ٦ ص ٣٦٩ باب ١٥ من ابواب السجود ح ٨٢٠٧

(٣) الحدائق الناضرة ج ٩ ص ١٧٧.

١٠٤

للقاعدة المستفادة من المطلقات والعمومات.

٢ ـ ما عن المحقق النائيني (١) وهو ان دلالة المصحح على كفاية الدخول في الهوي غير المنتهي إلى السجود إنما تكون بالإطلاق وهو يقيد ، بصحيح إسماعيل بن جابر عنه (ع) ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وان شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه (٢) الذي هو كالصريح في عدم كفاية الدخول في الهوي غير المنتهى إلى السجود إذ تحديد جريان القاعدة بما إذا تحقق الدخول في السجود مع كونه متأخرا عن الهوي ، يدل على عدم الاعتبار بالدخول في الهوي.

وفيه : ما عرفت من ان العبرة بعموم الجواب واطلاقه ، لا بخصوص الأمثلة الواردة في الخبر قبل إعطاء الضابطة ، لا سيما في مثل هذه الأمثلة الواقعة في سؤال الراوي لا جواب الإمام (ع).

وعليه فجوابه (ع) وان كان لا يشمل الهوي كما تقدم إلا انه غير مناف لثبوت عدم الاعتناء فيه أيضاً بدليل آخر.

وبالجملة خبر إسماعيل لا يدل على عدم كفاية الدخول في الهوي كي يوجب تقييد المصحح.

والصحيح في الجواب عن المدارك ، ان يقال ان الظاهر من المصحح فرض

__________________

(١) أجود التقريرات ج ٢ ص ٤٧٤ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٤ ص ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

(٢) التهذيب ج ٢ ص ١٥٣ ح ٦٠ / الوسائل ج ٦ ص ٣١٧ باب عدم بطلان الصلاة بالشك في الركوع بعد السجود وعدم وجوب الرجوع للركوع ح ٨٠٧١ وأيضا ص ٣٦٩ ح ٨٢٠٥.

١٠٥

السؤال في الشك في الركوع بعد الدخول في السجود : وذلك للتعبير بالفعل الماضي الظاهر في التحقق والمضي ، وتعدية ب" إلى السجود" ، لا ب" من القيام" فان ذلك يوجب ظهور الكلام في تحقق الهوي المنتهى إلى السجود ومضيه الملازم ذلك للدخول في السجود.

نعم ، لو كان المذكور في المصحح ، يهوي بصيغة المضارع أو كان ، أهوى من قيامه بالتعدي ب" من" كان الخبر ظاهرا فيما ذكره (ره) لكنه ليس كذلك.

ولو تنزلنا عن ذلك فلا اقل من اجمال الرواية وعدم ظهورها في خلاف ما تقتضيه القاعدة الأولية من وجوب الاعتناء ما لم يدخل في السجود.

فتحصل ان الأظهر عدم كفاية ، الدخول في الهوي ، والنهوض في عدم الاعتناء بالشك في الركوع ، والسجود.

الشك في الركوع بعد الانتصاب

بقي في المقام فرع مناسب لهذه المسألة ـ وهو انه ـ لو شك المصلي في الركوع بعد انتصابه من الانحناء بان شك في انه وصل إلى حد الركوع فقام أم لم يصل إليه ، فهل تجري القاعدة فيه ، أم لا؟

وجهان أقواهما الأول :

وذلك لان الانتصاب من الاجزاء الواجبة للصلاة بعد الركوع فيكون الشك المزبور شكا في الركوع بعد الدخول في الغير المترتب الشرعي فتجرى القاعدة فيه ، مضافا إلى انه يدل عليه ، صحيح الفضيل قلت : لأبي عبد الله (ع)

١٠٦

استتم قائما فلا أدري أركعت أم لا قال (ع) بلى قد ركعت فامض في صلاتك وإنما ذلك من الشيطان (١).

فما عن الحدائق (٢) من وجوب الاعتناء بهذا الشك ولزوم الإتيان بالركوع في الفرض نصا وفتوى.

اشتباه منه (قدِّس سره) وخلط بين هذا الفرع وفرع آخر ، وهو ما إذا شك في الركوع وهو قائم مع عدم إحراز الانحناء أصلاً فان المفتى به في هذا الفرع وجوب الركوع وهو مطابق للقاعدة والنص ، لكنه أجنبي عن محل الكلام.

حكم الشك في الجزء الأخير

الامر التاسع : إذا كان المشكوك فيه هو الجزء الأخير فقد يقال بعدم جريان القاعدة في العمل المركب منه ومن غيره للشك في تحقق الفراغ منه.

تحقيق القول في المقام ان الشك فيه :

تارة يكون قبل الإتيان بالمنافي العمدي والسهوي.

وأخرى يكون بعد الإتيان بالمنافي العمدي والسهوي.

__________________

(١) التهذيب ج ٢ ص ١٥١ باب تفضيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون .. ح ٥٠ / الوسائل ج ٢ ص ٣١٧ باب ١٣ من ابواب الركوع ح ٨٠٧٠ ..

(٢) الحدائق الناضرة ج ٩ ص ١٧٨ ، في معرض مناقشته لما ذهب اليه الفيض الكاشاني.

١٠٧

وثالثة يكون بعد الإتيان بالمنافي العمدي.

وعلى الأول : فقد يكون ذلك بعد الدخول في امر مترتب على المشكوك فيه شرعا كما لو شك في التسليم وهو مشغول بالتعقيب ونحوه ، وقد يكون قبله.

اما في الصورة الأولى : وهي ما لو شك فيه بعد الدخول في امر مترتب شرعي فلا ينبغي التأمل في جريان قاعدة التجاوز في خصوص الجزء الأخير : إذ الشك إنما يكون فيما تجاوز ومضى باعتبار مضى محله وتجاوزه.

هذا بناءً على وحدة القاعدتين أو تعددهما مع كون قاعدة التجاوز عامة لجميع الأبواب.

واما بناءً على التعدد واختصاصها بباب الصلاة فقد يتوهم عدم جريان القاعدة فيه إذا كان المشكوك فيه غير الصلاة ، كما لو شك في الجزء الأخير للوضوء ، اما عدم جريان قاعدة التجاوز فواضح ، واما عدم جريان قاعدة الفراغ وان اعتقد الفراغ ولو آنا ما ، فلان إثبات الفراغ باليقين الزائل غير ظاهر الوجه ونفس اليقين الزائل لا يكون حجة ، وبالجملة الفراغ مشكوك فيه فلا تجري.

لكنه توهم فاسد إذ المراد من الفراغ هو الفراغ البنائي إذ ارادة الفراغ الحقيقي تستلزم عدم حجية القاعدة رأسا لأنه مع عدم احرازه لا مورد لجريانها ومع احرازه لا شك فيه ، هذا فيما إذا اعتقد الفراغ ولو آنا ما ، واما إذا لم يحرز ذلك فحيث ان المأخوذ في ادلتها هو الانصراف والمضي وهما يصدقان في الفرض فتجري القاعدة فيه.

١٠٨

واما في الصورة الثانية : وهي ما لو شك فيه ولم يدخل في الغير المترتب ولم يأت بالمنافي حتى السكوت الطويل :

فان اعتقد الفراغ ولو آنا ما تجري القاعدة فيه كما اختاره صاحب الجواهر (ره) (١) إذ المراد من الفراغ هو الفراغ البنائي لا الحقيقي كما تقدم آنفا ، فإنكار الشيخ الأعظم (ره) (٢) ذلك ، في غير محله.

وان لم يعتقد الفراغ ولو آنا ما لا تجري القاعدة لعدم صدق التجاوز والمضي.

واما في الصورة الثالثة : وهي ما لو شك فيه بعد الإتيان بما يوجب مطلق وجوده البطلان كما لو شك في التسليم بعد الاستدبار.

فقد يقال انه لا تجرى القاعدة حينئذ لاختصاصها بما إذا دخل في الأمر المترتب الشرعي ولا يكون المنافي مترتبا على الجزء الأخير شرعا.

لكنه غير تام إذ لم يرد دليل دال على اعتبار الدخول في الأمر المترتب الشرعي وإنما التزمنا به من جهة انه لا يصدق التجاوز بدونه ، وحيث : انه مع الإتيان بالمنافي المزبور يصدق التجاوز ، إذ لو أريد الإتيان به لوقع على خلاف الوجه المأمور به شرعا ، فتجرى القاعدة فيه.

واما في الصورة الرابعة : وهي ما لو شك فيه بعد الإتيان بالمنافي العمدي دون السهوي كما لو شك في التسليم بعد التكلم.

__________________

(١) كما قد يستظهر من كلامه في الجواهر ج ١٢ ص ٣٢٢ فراجع.

(٢) راجع فرائد الأصول ج ٢ ص ٧١١ ـ ٧١٢.

١٠٩

فالأظهر عدم جريان القاعدة لعدم صدق التجاوز والمضي ، إذ لو أتى به لوقع على الوجه المأمور به الشرعي.

ودعوى : ان محل التسليم قبل فعل المنافي العمدي أيضاً فبعد الإتيان به يصدق التجاوز.

مندفعة : بعدم كونه كذلك إذ لو تكلم قبله سهوا لا تبطل الصلاة.

فما عن المحقق النائيني (ره) (١) من جريان القاعدة في هذه الصورة في غير محله.

حكم الشك في الشيء مع إحراز الغفلة

الأمر العاشر : إذا شك بعد الفراغ من العمل في صحته وفساده :

فقد يكون محرزا لغفلته حال العمل عن رعاية المشكوك فيه.

وقد يكون محرزا للغفلة قبل ترقب الإتيان بالمشكوك فيه مع احتمال التذكر حينه.

وقد يكون غير محرز لذلك أيضاً.

اما الفرض الأول فالأظهر ـ خلافا لجمع بين الأساطين كالمحقق النائيني (ره)

__________________

(١) فوائد الأصول ج ٤ ص ٦٢٩.

١١٠

اما الفرض الأول فالأظهر ـ خلافا لجمع بين الأساطين كالمحقق النائيني (ره) (١) والمحقق اليزدي صاحب الدرر (٢) وغيرهما وتبعا لجمع من المحققين ـ عدم جريان القاعدة فيه.

وذلك لان القاعدة كما عرفت ليست من الأصول التعبدية ، بل هي من الأمارات النوعية لوقوع المشكوك فيه ، كما هو المستفاد من التعليل بالاذكرية. وعليه فحيث لا امارية في الفرض ولا تحتمل الاذكرية فلا تجري القاعدة.

فان قلت : ان مقتضى عموم قوله : " كل شيء شك فيه وقد جاوزه الخ" وغيره من النصوص جريانها في الفرض.

قلت : انه يخصص بالعلة المنصوصة ، مع ان مقام الإثبات تابع لمقام الثبوت فإذا لم يكن هناك ملاك الطريقية لا يعقل الحكم بالمضي بعنوان تتميم الكشف وامضاء الطريق.

وليت شعري ان من التزم بكونها من الأمارات كالمحقق النائيني (ره) (٣) ، كيف بنى على جريانها في الفرض ، وحمل التعليل بالاذكرية على الحكمة دون العلة.

__________________

(١) راجع أجود التقريرات ج ٢ ص ٤٨١ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٤ ص ٢٣٨ ـ ٢٣٩ حيث اختار جريان القاعدة في مثل المقام.

(٢) درر الفوائد للحائري اليزدي ج ٢ ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧ (واما القسم الثالث).

(٣) المصدر السابق في أجود التقريرات.

١١١

وقد استدل المحقق صاحب الدرر (١) تبعا لصاحب الجواهر (ره) (٢) على ان قوله هو حين يتوضأ أذكر الخ ليس من قبيل العلة بل يكون من قبيل حكمة التشريع فلا مقيد لإطلاق الأدلة ، بأمرين :

الأول : خلو سائر الأخبار المطلقة مع كونها في مقام البيان عن ذكر تلك العلة.

الثاني : ما رواه ثقة الإسلام عن العدة عن احمد بن محمد عن على بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الخاتم إذا اغتسلت قال (ع) حوله من مكانه وقال في الوضوء تديره ، فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك ان تعيد الصلاة (٣) وتبعهما في الوجه الثاني بعض المعاصرين.

وفيه : ـ مضافا إلى ما تقدم آنفا من كونها من الأمارات ومعه لا يعقل شمول الأدلة للفرض : ـ انه يرد على الوجه الأول ان ذكر ما يوجب تقييد إطلاق الأدلة في دليل منفصل غير عزيز في الفقه بل غالب المقيدات مذكورة في دليل منفصل ، مع كون المطلقات في مقام البيان ، وإلا لما انعقد الإطلاق.

ويرد على الوجه الثاني : أمران :

__________________

(١) درر الفوائد للحائري اليزدي ج ٢ ص ٢٣٦.

(٢) جواهر الكلام ج ٢ ص ٣٦٠.

(٣) الكافي ج ٣ ص ٤٥ باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده ح ١٤ / الوسائل ج ١ ص ٤٦٨ باب ٤١ ـ من أبواب الوضوء ح ١٢٤١.

١١٢

الأول ، ان الظاهر كون السؤال والجواب واردين على الخاتم الوسيع الذي يصل الماء تحته قطعا ويكون الجواب دالا على استحباب التحول والادارة في الفرض كما هو المشهور بين الأصحاب بل عن المعتبر (١) هو مذهب فقهائنا رضوان الله عليهم ولو أبيت عن ظهور الرواية في ذلك فلا اقل من الإجمال.

الثاني : انه لو سلم ورودهما في مورد الشك في وصول الماء تحت الخاتم ، ان الخبر لا يدل على صحة الوضوء والغسل وإنما يدل على صحة الصلاة وعدم وجوب اعادتها ، فتكون الرواية دالة على ان الاخلال في الصلاة بالطهارة نسيانا كالاخلال بالقراءة ونحوها لا يوجب البطلان ، فتكون معارضة لحديث" لا تعاد" (٢) المقدم عليها لوجوه لا تخفى ، والعلم بان الصلاة تعاد من ناحية الطهارة ، لا يوجب ظهور الرواية في ارادة صحة الوضوء كما لا يخفى.

واما في الفرض الثاني : فالأقوى هو الجريان إذ ملاك الطريقية موجود فيه إذ المريد لمركب يكون غالبا غافلا عن كثير من الأجزاء والشرائط تفصيلا قبل العمل ، ولكن الالتفات الإجمالي الارتكازي يوجب الإتيان بكل جزء في محله ، فالغالب عند تعلق الارادة بإتيان المركب هو الإتيان بالاجزاء في محلها وان لم يلتفت إليها تفصيلا قبل العمل ، والعمومات والمطلقات تشمله ، والتعليل بالاذكرية أيضاً شامل له ، إذ لاوجه لتخصيصه بالذكر التفصيلي في أول

__________________

(١) المعتبر في شرح المختصر للمحقق الحلي ج ١ ص ١٦١ قوله : «مسألة : ويحرك ما يمنع وصول الماء إلى البشرة وجوبا ... الخ». الناشر مؤسسة سيد الشهداء. قم.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٢٧٩ باب القبلة ح ٨٥٧ / وقد ذكره في الوسائل في ابواب مختلفة منها ج ١ ص ٣٧١ ح ٩٨٠ وج ٤ ص ٣١٢ ح ٥٢٤١ ..

١١٣

العمل ، بل يشمل الذكر الإجمالي الارتكازي الموجب لإتيان الجزء في محله ، فملاك الطريقية موجود ، والأدلة في مقام الإثبات تشمله ـ فتجري القاعدة فيه ـ.

إذا كانت صورة العمل محفوظة

واما الفرض الثالث : ففيه صورتان :

الأولى : ما إذا لم تكن صورة العمل محفوظة ، ولاجله شك في انطباق المأمور به على المأتي به ، وهذه الصورة هي القدر المتيقن من موارد القاعدة ، من غير فرق بين كون الشبهة موضوعية ، كما لو شك بعد الصلاة في انه ركع فيها أم لا وبين كونها حكمية ، كما إذا علم بأنه صلى بلا سورة واحتمل ان يكون ذلك لأجل تقليده من يفتي بعدم وجوب السورة ، فانه تجري القاعدة ويحكم بصحة الصلاة لاحتمال استنادها إلى حكم ظاهري الموجب ذلك لعدم وجوب الإعادة والقضاء وان انكشف الخلاف.

ومن هذا القبيل ما إذا صلى بلا تقليد واجتهاد ثم شك في صحة ما أتى به من الصلوات من جهة احتمال رعاية الاحتياط ، والإتيان بكل ما يحتمل وجوبه من الاجزاء والشرائط : فإنه تجري القاعدة فيها إذ لا يعتبر في جريانها معلومية الحكم الواقعي أو الظاهري بعينه ، بل الميزان هو احتمال الإتيان بما هو وظيفته ، وهو متحقق في الفرض لاحتماله رعاية الاحتياط.

واما الصورة الثانية : وهي ما إذا كانت صورة العمل محفوظة ، كما لو علم انه صلى إلى جهة معينة واحتمل كونها هي القبلة أو علم انه توضأ بمائع خاص ، إلا انه شك في كونه ماء أو غيره.

١١٤

فالأظهر عدم جريان القاعدة إذ لا امارية في هذه الصورة.

وبعبارة أخرى : انه مع معلومية المأتي به والشك في موضوع واقعي وانه يكون منطبقا على المأتي به أم لا ، لا طريقية للمطابقة ، ولكونه على وفق المأتي به.

وعليه فالأدلة لا تشمل هذه الصورة : إذ مضافا إلى ان التعليل بالاذكرية موجب لتقييد اطلاقها الشامل في نفسه للمقام انه لأجل عدم الكاشفية الناقصة لا يعقل الحكم بالمضي بعنوان الكاشفية وامضاء الطريق لتبعية مقام الإثبات لمقام الثبوت.

ونظير ذلك في الشبهات الحكمية ما إذا توضأ بماء الورد ثم شك في صحة الوضوء به ، فاللازم حينئذ اما إعادة الوضوء أو الفحص عن حكم المسألة ثم العمل بما يقتضيه تكليفه.

وبالجملة الميزان في جريان القاعدة هو كون الشك في الانطباق ناشئا عن الجهل بكيفية المأتي به.

واما مع انحفاظ صورة العمل وكون الشك في سراية الأمر إلى هذا المأتي به الخارجي ، فلا تجري القاعدة من غير فرق بين الشبهات الموضوعية والحكمية.

حكم الشك في الشرائط

الأمر الحادي عشر : لا ريب ولا كلام في جريان القاعدة لو شك في صحة العمل وفساده لأجل احتمال الاخلال بشرط من الشروط بعد الفراغ من

١١٥

العمل ، كما لو شك بعد الصلاة في انه كان متطهرا أم لا.

إنما الكلام فيما إذا حدث الشك في الأثناء.

وملخص القول فيه ان للشروط أقساما :

القسم الأول : ما يكون بوجوده المتقدم على العمل شرطا لصحته ـ كالأذان والإقامة ـ بالقياس إلى الصلاة على القول باشتراط صحة الصلاة بهما ، أو بخصوص الإقامة ، وفي مثل ذلك تجرى قاعدة التجاوز في نفس الشرط للتجاوز عنه بمضي محله ، ويحكم بتحققه فلو كان شرطا لصحة عمل آخر له الإتيان به من دون إعادة الشرط.

ودعوى ان المتعبد به وجود الشرط لما بيده لا مطلق وجوده.

فيها : ان المتعبد به لو كان وجدان المشروط لشرطه لتم ما ذكر ، ولكن إذا كان نفس وجود الشرط فلا يتم كما لا يخفى.

فان قلت انه بناءً على ما بنيتم عليه من ان الشرط في الصلاة وغيرها من العبادات المشروطة بالطهارة هو نفس الوضوء لا الأمر الحاصل منه ، لازم ما ذكر في المقام ، انه لو شك وهو في الصلاة في الوضوء قبلها جريان القاعدة فيه ، فله إتمام الصلاة وإتيان سائر ما يشترط بالطهارة من دون ان يعيد وضوئه ، وحيث انه لم يفت احد بذلك فيستكشف فساد احد المبنيين.

قلت انا لم نلتزم بان الشرط هي الغسلات والمسحات بوجودها الآني الحقيقي المنصرم ، بل التزمنا بان الشارع الأقدس اعتبر بقاء تلك الأفعال وان كانت منعدمة حقيقة ما دام لم يتحقق الناقض لمصلحة تدعو إلى اعتباره.

١١٦

وعليه فشرط كل عبادة هي حصة خاصة من ذلك الأمر الاعتباري المستمر الملازمة لها والتوأمة معها ، فيخرج الشك في الطهارة في أثناء الصلاة عن الشك في وجود الشرط المتقدم ، ويدخل في الصورة الثانية ، وسيأتي حكمها إنشاء الله تعالى.

فان قلت : انه من هذا القبيل ما لو شك في الإتيان بصلاة الظهر ، وهو في أثناء العصر ، فمقتضى قاعدة التجاوز هو البناء على تحققها وعدم لزوم شيء عليه سوى إتمام ما بيده.

قلت : ان تقدم صلاة الظهر على صلاة العصر إنما يكون شرطا ذكريا لا واقعيا ، وعليه فلا يحرز التجاوز عنها بالدخول في العصر لبقاء محلها الشرعي ، فمقتضى القاعدة لزوم الإبطال وإتيان الظهر ثم العصر بعدها لو لا أخبار العدول.

نعم : بناءً على كفاية التجاوز عن المحل العادي في إجراء القاعدة جرت في المقام لكن قد عرفت انها بمراحل عن الواقع.

القسم الثاني : ما إذا كان الشيء بوجوده المستمر المقارن للعمل شرطا له ، مع كون المشروط هو نفس المركب بما له من الاجزاء والآنات المتخللة بينها كالطهارة ، والاستقبال وما شابههما ، بالقياس إلى الصلاة.

وفي هذا القسم لا مجال لجريان القاعدة لا بالقياس إلى نفس الشرط ولا بالقياس إلى المشروط :

اما بالقياس إلى الشرط فلان ما هو شرط بالنسبة إلى الآن الذي هو فيه وما

١١٧

بعده ليس هو وجوده المتقدم ، بل وجوده المقارن فهو لم يتجاوز محله.

واما بالقياس إلى المشروط فلعدم تجاوزه لفرض كونه مشغولا به وفي الأثناء ، ولا يتوهم في المقام انه تجرى القاعدة بالنسبة إلى الاجزاء السابقة ، فإذا أحرز اللاحقة وضم الوجدان إلى القاعدة فقد أحرز تحقق المأمور به ، فان المفروض شرطيته في جميع الآنات ومنها حال الشك ، وفي تلك الحال لم يحرز الشرط لا وجدانا ولا تعبدا.

فان قلت ان ذلك يتم بالقياس إلى الاستقبال ونحوه ، ولا يتم في الطهارة وشبهها مما لها أسباب شرعية كالوضوء مثلا الذي لا بدَّ وان يكون متقدما على الصلاة ، فإذا شك في تحققه قبلها وهو في الأثناء تجرى القاعدة في الوضوء لفرض التجاوز عن محله ، فإذا جرت واحرز تحقق السبب في ظرفه المقرر له شرعا يرتفع الشك في بقاء الطهارة.

قلت ان ذلك يتم لو شك في صحة الوضوء وفساده مع إحراز اصل وجوده ، لما تقدم من عدم اعتبار شيء في جريان القاعدة في مورد الشك في اصل الوجود سوى الفراغ منه والدخول في حالة مغايرة للمشكوك فيه.

ولا يتم في مورد الشك في اصل الوجود الذي هو المفروض في هذا الأمر ، لما تقدم من اعتبار التجاوز عن المحل الشرعي : إذ محل الوضوء شرعا ليس قبل الصلاة بل هو محله العقلي من جهة اعتبار مقارنة الصلاة للطهارة إذ حينئذ لا مناص عقلا إلا من تقديم الوضوء ، وإلا ففي كل مورد وقع الوضوء فقد وقع في محله.

نعم : بناءً على كفاية التجاوز عن المحل العادي في جريانها تجرى القاعدة في

١١٨

الوضوء ويحكم بتحققه ، لكن عرفت انها بمراحل عن الواقع.

القسم الثالث : ما إذا كان الشيء شرطا مقارنا للأجزاء من دون دخله في الآنات المتخللة كاعتبار اقتران القراءة بالاستقرار.

وفي مثل ذلك تجرى القاعدة في المشروط المأتي به لفرض الشك في صحته وفساده.

وقد مر انه في هذا المورد لا يعتبر في جريان القاعدة الدخول في الغير المترتب ، فيحكم بصحته ، فبالنسبة إلى الاجزاء اللاحقة إذا أحرز تحقق الشرط يتم عمله.

نعم إذا كان مشغولا بجزء فشك لا تجري القاعدة فيه ، لكونه من الشك في المحل فلا بدَّ من اعادته.

بقي الكلام فيما إذا شك في تحقق النية ، والشك في تحقق الموالاة :

اما النية ، فان أريد بها قصد القربة ، فلا يعتنى بهذا الشك سواء كان في الأثناء أو بعد الفراغ وتجرى القاعدة في المشروط بها لكون الشك فيه شكا في الصحة بعد إحراز اصل الوجود ، الذي لا يعتبر في جريان القاعدة فيه سوى كون الشاك في حالة مغايرة لحال المشكوك فيه.

وان أريد بها القصد الذي يدور عليه تحقق ذات المأمور به في الخارج كما إذا شك في انه صلى بقصد الصلاة أم بقصد التعليم.

فان كان الشك بعد الفراغ لا تجري القاعدة فيها لكون الشك في اصل المأمور به لا في صحته وفساده ، وحيث انه لم يدخل في الغير المترتب فلا تجري القاعدة.

١١٩

وان كان في الأثناء ، فان كان رأى نفسه في حال الشك قاصدا للصلاة تجرى القاعدة في الاجزاء السابقة : لفرض كون الشك في الوجود مع الدخول في الغير المترتب الشرعي ، وإلا فلا تجرى لأنه بالنسبة إلى ما بيده شك في المحل ، وبالنسبة إلى الاجزاء السابقة لم يحرز الدخول في الغير المترتب الشرعي ، وبما ذكرناه ظهر حكم ما إذا أريد بها الاختيار فتدبر.

واما الموالاة ، فهي على قسمين :

الأول ما يكون معتبرا في اجزاء الصلاة المستقلة كالتكبيرة والقراءة والركوع ونحوها ، وفي هذا القسم تجرى القاعدة في المشروط بها إذا كان الشك بعد الفراغ منه سواء كان ذلك تمام العمل أم بعضها.

نعم إذا شك في تحققها بين ما تقدم وبين ما هو مشغول به لا تجرى القاعدة لكون الشك في المحل إلا انه يمكن إحراز الصحة بإجراء استصحاب بقاء الموالاة وعدم تحقق الفصل الموجب للبطلان.

الثاني : ما يكون معتبرا بين اجزاء الكلمة الواحدة واعتبار هذا القسم عقلي ومن جهة عدم تحقق ذات المأمور به ، بخلاف القسم الأول الذي يكون اعتباره شرعيا.

وفي هذا القسم لا تجري القاعدة إلا فيما إذا دخل في الغير المترتب الشرعي لرجوع الشك فيه إلى الشك في اصل الوجود ، فلو كان هذا الشك في الجزء الأخير يلحقه ما تقدم فيما إذا شك في الجزء الأخير من الأحكام باختلاف الصور فراجع.

١٢٠