زبدة الأصول - ج ٤

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-37-3
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥١٠

الله سبحانه الثواب يعطيه الله الثواب الذي بلغ العامل وان لم يكن الأمر كما اخبره من غير ان تكون ناظرة إلى العمل وانه مستحب أو راجح ، ولا يثبت بها الاستحباب ، فيعتبر في الخبر الذي يتمسك به للاستحباب ، ان يكون واجدا لشرائط الحجية.

وعليه فحيث انها ليست ناظرة إلى حال العمل فلا إطلاق لها من هذه الجهة كي يتمسك به بل الظاهر منها العمل معتمدا على البلوغ والعامل لا يعتمد على قول المبلغ إلا إذا كان قوله واجدا لشرائط الحجية ، فكان واجديته لها اخذت في القضية مفروض الوجود وإلا لم يصح تفريع العمل على البلوغ.

الثاني : ان يكون مفادها إلغاء شرائط الحجية في باب المستحبات ، وعدم اعتبار العدالة والوثاقة في حجية الخبر في المستحبات.

الثالث : ان تكون ارشادا إلى حكم العقل بحسن الانقياد في مورد بلوغ الثواب واحتمال المطلوبية.

الرابع : ان يكون مفادها الاستحباب بعنوان بلوغ الثواب بحيث يكون هذا العنوان من العناوين الموجبة لحدوث المصلحة في الفعل الموجبة لتعلق امر استحبابى به.

اما الاحتمال الأول : فيدفعه ان الظاهر من الأخبار ورودها في مقام الحث والترغيب إلى الفعل لا بيان العمل بعد وقوعه والموضوع المأخوذ في النصوص البلوغ عن النبي (ص) أو الله تعالى لا الصدور حتى تكون ظاهرة في الوصول الجزمى حقيقة أو حكما.

٤٤١

واما الاحتمال الثاني : فيدفعه ان جعل الحجية عبارة عن جعل الطريقية والكاشفية ، ويكون لسان دليله ، لسان إلغاء الشك ، وإراءة الواقع لا ترتب شيء على المشكوك فيه ، مع بقاء الشك كما في المقام ، لاحظ قوله (ع) وان كان رسول الله (ص) لم يقله.

واما الاحتمال الثالث : فيدفعه ان نصوص الباب سيما صحيح هشام إنما تدل على ترتب الثواب على نفس العمل الذي بلغ عليه الثواب برواية ضعيفة غير معتبرة ولا اشكال في انه لا يترتب عليه الثواب بحكم العقل بل الثواب بحكمه مترتب على العمل المأتي به بداعي احتمال المطلوبية فحكم الشارع بترتب الثواب على نفس الفعل مطلقا ، لا يمكن ان يكون ارشادا إلى حكم العقل.

فيتعين الرابع وقد ظهر وجهه مما اسلفناه.

وحاصله ان هذه الأخبار إنما تدل على ترتب الثواب على نفس العمل الذي بلغ عليه الثواب ، فحيث ان نفس العمل من دون الاستحباب لا معنى لترتب الثواب عليه فلا محالة يستكشف منها استحباب العمل ، فما عن المشهور من التسامح في ادلة السنن مرادهم ذلك.

وأورد على ذلك بإيرادات :

الأول : انه يعارض هذه النصوص ما دل على عدم حجية خبر غير الثقة.

وفيه : أولا ان هذه الأخبار مختصة بباب المستحبات ، فالنسبة عموم مطلق ، فعلى فرض التعارض تقدم هذه.

٤٤٢

وثانيا : انه قد عرفت ان مفاد هذه النصوص ليس حجية خبر الضعيف في باب المستحبات ، بل استحباب العمل بالعنوان الثانوي ، فلا تنافى بينهما لعدم ورود النفى والاثبات على شيء واحد ، فكما لا تعارض بين ما دل على عدم حجية قول الفاسق ، وبين استحباب قضاء حاجته كذلك ، لا تنافى بين ما دل على عدم حجيته ، ونصوص الباب.

الثاني : ان هذه المسألة مسألة أصولية لا يكتفى فيها باخبار الآحاد.

وفيه : أولا : ان ما لا يكتفى فيه بخبر الواحد ، هو أصول العقائد لا أصول الفقه ، كيف وان حجية الاستصحاب تثبت بخبر الواحد.

وثانيا : ان صاحب الحدائق (ره) (١) ادعى تواتر هذه النصوص.

وثالثا : انه قد مر انها لا تدل على حجية ما دل على الاستحباب ، بل على استحباب نفس العمل فمفادها قاعدة فقهية ، غاية الأمر من القواعد الفقهية التي يكون امر تطبيقها على مواردها بيد المجتهد ، والمقلد لا يقدر على ذلك بحسب الغالب نطير قاعدة لا ضرر.

الثالث : انه في بعض النصوص فرع العمل على بلوغ الثواب ، وظاهر ذلك ترتب الثواب على العمل الماتى به بعنوان الرجاء والاحتياط الذي يحكم العقل بترتب الثواب عليه.

وفيه : انه بناء على كون مفاد النصوص استحباب العمل لا ريب في كون

__________________

(١) الحدائق الناضرة ج ٤ ص ١٩٨.

٤٤٣

بلوغ الثواب من مقومات الموضوع ويكون ذلك متقدما على الحكم وعليه فيكون مفاد هذا النص منطبقا على سائر النصوص ولا يدل على ان المستحب بعد البلوغ اتيان العمل بكيفية خاصة كاتيانه بداعي احتمال الأمر بل من ترتب الثواب عليه بقول مطلق يستكشف استحبابه كذلك.

وبالجملة فرق بين اتيان العمل برجاء المطلوبية وبين ترتب العمل على البلوغ الذي هو مفاد هذا النص.

الرابع : انه في بعض النصوص قيد اتيان العمل بقوله التماسا للثواب وطلبا لقول النبي (ص) وهذا يقتضي اختصاص الحكم بما إذا أتى به برجاء المطلوبية.

ويتوجه عليه : بعد التحفظ على أمرين :

أحدهما ان الفعل الذي لا نفع دنيوى فيه ولا يكون للمكلف داع ، من قبل نفسه لاتيانه ، لا بد في الاتيان به من داع آخر ، وذلك الداعي بحسب الغالب في الواجبات هو الطمع في الثواب ، أو الفرار من العقاب ، وفي المستحبات خصوص الأول.

ثانيهما ان الطمع في الثواب بنفسه لا يكون داعيا إلى العمل بلا وساطة شيء آخر لأنه لا يترتب على العمل الماتي به بداعي درك الثواب ، لأنه مما يترتب على العمل الماتى به قربيا ، فلا بد من توسيط القربة واضافة الفعل إلى المولى بوجه.

ان النص ، إنما يدل على ترتب الثواب على ما لو أتى بالفعل بداعي

٤٤٤

ترتب الثواب ، وهذا لا ينافي استحبابه مطلقا وفي نفسه لأنه إذا لم يكن الفعل مما يشتاق إليه الإنسان بطبعه كان داعيه إلى الإتيان به ترتب الثواب عليه بتوسيط قصد القربة وإتيانه مضافا إلى المولى كما هو الشأن في المستحبات القطعية بحسب الغالب إذ فرض كون الداعي أهلية المولى للعبادة فرض نادر ، والخبر ناظر إلى حال الغالب ، فالخبر قيد فيه هذا القيد لبيان أمر واقعي ، وهو كون الداعي لإتيان المستحب ترتب الثواب عليه ، وحيث انه لم يقيد العمل في النص بما إذا أتى به برجاء المطلوبية فيستفاد منه ترتبه عليه لو أتى به بداعي الأمر الجزمي ، فيكون كاشفا عن الأمر الاستحبابي ، فيكون وزان هذه النصوص حينئذ وزان ما دل على استحباب جملة من الأشياء بلسان ترتب الثواب عليها.

مع انه لو سلم كون مفاد هذه النصوص المتضمنة لتفريع العمل على بلوغ الثواب ، وإتيانه طلبا لقول النبي (ص) والتماسا للثواب الموعود ترتب الثواب على العمل الماتي به برجاء درك الواقع لا محالة يكون ارشادا محضا إلى ما يحكم به العقل من حسن الانقياد ، ومعه لا معنى لكونه مقيدا للنصوص المطلقة المستفاد منها الحكم المولوي من ترتب الثواب على ذات العمل ، لعدم الارتباط بينهما.

وما ذكرناه في الجواب عن الاشكالين الاخيرين ، إنما هو على ما سلكناه في مبحث التجرِّي من ان الثواب والعقاب على الانقياد والتجري ، إنما يكونان على الفعل المتجرى به أو المنقاد به.

٤٤٥

واما على مسلك الشيخ الأعظم (ره) (١) من عدم الثواب والعقاب عليهما وإنما هما كاشفان عن حسن سريرة الفاعل وقبحها.

ومسلك المحقق الخراساني (٢) من انهما على مقدمات الفعل لا على نفسه فلا يحتاج إلى هذا التطويل.

فانه في الأخبار بأجمعها حتى المقيد منها لو كان إنما رتب الثواب على الفعل ، وحيث ان الثواب على الفعل مختص بما إذا كان واجبا أو مستحبا فلا محالة يستكشف استحبابه.

وبذلك يظهر ان ما أفاده الشيخ الأعظم (ره) (٣) من حمل هذه الأخبار باجمعها على الارشاد إلى حكم العقل لا يتم على مسلكه.

كما ان ما ذكره المحقق الخراساني (٤) في الأخبار المتضمنة للقيد من كونها ارشادا إلى حكم العقل لكنها لا توجب تقييد إطلاق الأخبار الأخر.

لا يتم على مسلكه.

__________________

(١) فرائد الأصول ج ١ ص ٩ المقصد الاول في القطع (التجرِّي).

(٢) كفاية الأصول ص ٢٦٠ قوله : «العقاب انما يكون على قصد العصيان والعزم على الطغيان لا على الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختيار».

(٣) راجع فرائد الأصول ج ١ ص ٣٨٤ بتصرف.

(٤) كفاية الأصول ص ٣٥٢ بتصرف.

٤٤٦

تتميم في بيان أمور

وتمام الكلام في هذا التنبيه ، ببيان أمور :

الأول : ان الظاهر من الأخبار بناء على المختار من استفادة الاستحباب منها ، إنما هو موضوعية ، البلوغ لهذا الحكم ، وعليه فيشكل افتاء الفقيه باستحباب عمل قام على استحبابه خبر ضعيف مطلقا ، بل لا بد وان يفتى به لمن بلغه الثواب ، فالمقلد الذي لم يبلغه الثواب لا يكون هذا الحكم ثابتا له فكيف يفتى بالاستحباب.

نعم لو اخبر أولا بورود ضعيف على رجحانه صح له الافتاء باستحبابه بعده.

ودعوى : ان المجتهد إنما يكون نائبا عن المقلد في استنباط الأحكام منها هذا الحكم.

مندفعة : بأنه إنما يكون نائبا عنه في الحكم الثابت للمقلد أيضاً ، واما الحكم المختص بطائفة خاصة فنيابة المجتهد لا تجدى في ثبوت الحكم لغير تلك الطائفة وحيث ان هذا الحكم مختص بمن بلغه الثواب فلا يثبت الاستحباب لغير من بلغه وليس للمجتهد الافتاء به له.

اللهم إلا ان يستفاد من الأخبار ان البلوغ اعم من البلوغ للمقلد نفسه والبلوغ للمجتهد الذي يقلده.

الثاني : ان هذه الأخبار كما تشمل ما لو قام خبر ضعيف على الثواب ،

٤٤٧

كذلك تشمل ما لو قام على استحبابه أو وجوبه ، إذ في الموردين يخبر الراوى عن الاستحباب أو الوجوب مطابقة ، وعن ترتب الثواب على فعله التزاما ، فيكون مشمولا لاخبار من بلغ لان الموضوع فيها اعم من كون البلوغ بالمطابقة أو الالتزام ، وكونه دالا بالالتزام في المورد الثاني على ترتب العقاب على تركه أيضاً ، لا يمنع من ذلك لأنه لا يثبت بالخبر الضعيف.

الثالث : عنوان المسألة في كلمات القوم يقتضي اختصاص الحكم بالمستحبات فلا يتسامح في ادلة المكروهات ، ولكن الشيخ الأعظم (١) قال في الرسالة التي صنفها في هذه المسألة ان المشهور الحاق الكراهة بالاستحباب ، وصاحب الفصول (٢) قال في عنوان المسألة قد تداول بين أصحابنا التسامح في ادلة السنن والمكروهات ، وعن الشهيد (٣) في الذكرى دعوى الإجماع عليه.

وقد استدل للتعميم بوجوه :

١ ـ ان دليل الكراهة يدل بالالتزام على ترتب الثواب على الترك فيشمله الأخبار.

٢ ـ تنقيح المناط فان المستفاد من النصوص التسامح في أدلة الأحكام غير اللزومية وانه لا يعتبر في اثباتها ما يعتبر في الأحكام اللزومية.

__________________

(١) التسامح في ادلة السنن ص ٣٠.

(٢) الفصول الغروية ص ٣٠٥ (فصل : قد تداول بين أصحابنا التسامح في أدلة السنن والمكروهات).

(٣) الذكرى ص ٦٨ قال : «ولكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم».

٤٤٨

٣ ـ عموم لفظ الفضيلة في النبوي المروى عن طرق العامة عن عبد الرحمن الحلوائي رفعا عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال رسول الله (ص) من بلغه من الله فضيلة فاخذ بها وعمل بها ايمانا بالله ورجاء ثوابه اعطاه الله ذلك وان لم يكن كذلك (١).

٤ ـ عموم لفظ الشيء في الأخبار للفعل والترك.

٥ ـ عموم قول الإمام الصادق (ع) في ما عن كتاب الإقبال لابن طاووس (من بلغه شيء من الخير) فانه اعم من بلوغه على الفعل أو الترك.

٦ ـ ان ترك المكروه مستحب فيشمله الأخبار.

٧ ـ ظاهر اجماع الذكرى (٢).

وفي الكل مناقشة :

اما الأول : فلان ظاهر الأخبار ترتب الثواب على الفعل كما يشهد له التفريع عليه بقوله (ع) فعمله أو فصنعه فلا تشمل البلوغ على الترك.

واما الثاني فلان المناط المشار إليه ظنى لا يصلح لاثبات الحكم الشرعي.

واما الثالث : فلعدم الاعتماد على سنده ، مع انه مذيل بقوله وعمل بها الظاهر في الفضيلة في الفعل ، وبه يظهر ما في الرابع والخامس :

__________________

(١) حكاه غير واحد من الاعلام عن مصادر العامة ، ورواه فيض القدير شرح الجامع الصغير عن الديلمي عن جابر ج ٦ ص ١٢٤ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ١٤١٥ ه‍. ق.

(٢) الذكرى ص ٦٨ قال : «ولكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم» كما مرّ.

٤٤٩

واما السادس : فلأن ترك المكروه ليس مستحبا.

واما السابع : فلعدم ثبوت الإجماع وعدم حجيته على تقدير ثبوته لمعلومية المدرك.

فالأظهر هو الاختصاص بالفعل المستحب كما هو ظاهر الأخبار.

الرابع : هل يلحق بالخبر الضعيف فتوى الفقيه كما هو ظاهر المحقق في المعتبر (١) في مسألة الصلاة إلى انسان مواجه؟

فيثبت استحباب العمامة مع التحنك في الصلاة لفتوى مشايخ الصدوق أم لا؟ كما هو ظاهر الاكثرين وجهان :

أقواهما الثاني : لان الظاهر من البلوغ هو البلوغ بطريق الحس دون الحدس والاجتهاد.

نعم يلحق بالخبر فتوى من لا يفتي إلا بمتون النصوص كما في كثير من القدماء فان فتواه حينئذ ابلاغ للخبر ، ولو شك في ذلك فالأظهر عدم ثبوت الاستحباب للشك في صدق الموضوع.

__________________

(١) بنى المحقق (قدِّس سره) في المعتبر في غير مورد على فتوى الاصحاب ففي ج ١ ص ٢٨٣ في تحنيك الميت بالعمامة قال : «وهو اختيار الثلاثة وأتباعهم» إلى ان قال «اما الاصحاب فمتفقون على استحبابها» وفي الجزء ٢ ص ١١٦ من مسائل مكان المصلي بعد أن ذكر عدّة روايات واعتبرها ضعيفة قال : «لا بأس بالعمل بها متابعة لفتوى كثير من علمائنا» وفي نفس الصفحة في مسألة كراهة الصلاة إلى باب مفتوح أو انسان مواجه قال : «ذكر ذلك ابو الصلاح الحلبي وهو أحد الاعيان ولا بأس باتباع فتواه».

٤٥٠

وبذلك يظهر ما في كلام الشيخ الأعظم (١) في الرسالة حيث قال ان كان يحتمل ذلك استناده في ذلك إلى الشارع اخذ به لصدق البلوغ باخباره.

فانه يرده انه مع هذا الاحتمال يحتمل البلوغ لا انه يصدق البلوغ ، وأولى من ذلك في عدم الثبوت ما لو علم استناد المفتي إلى قاعدة عقلية نظير ما حكي عن الغزالي (٢) من الحكم باستحقاق الثواب على فعل مقدمة الواجب فان الظاهر استناده في ذلك إلى قاعدة تحسين العقل للاقدام على تهيئ مقدمات الواجب.

وبه يظهر ضعف ما أفاده المحقق القمي في القوانين (٣) من إمكان كون ذلك منشأ للتسامح.

وأولى من الكل ما لو علم خطأ المجتهد في المستند بان علمنا انه استند إلى رواية لا دلالة فيها.

الخامس : إذا ورد خبر ضعيف دال على استحباب عمل ودل خبر آخر على عدم استحبابه ، فان كان ذلك الخبر غير معتبر فلا إشكال في شمول الأخبار له.

__________________

(١) كما حكاه عنه تلميذه المحقق الآشتياني في بحر الفوائد ص ٧٠ من القسم الثاني في التنبيهات المتعلقة بأدلة التسامح.

(٢) كما حكاه عنه الشيخ الاعظم في رسالته التسامح في أدلة السنن ص ٣٠.

(٣) قوانين الأصول ج ١ ص ١٠٤ قوله : «إلّا أن يقال باندراجه تحت الخبر العام فيمن بلغه ثواب على عمل فعمله التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن كما بلغه فإنه يعمّ جميع أقسام البلوغ حتّى فتوى الفقيه فتأمّل».

٤٥١

وان كان معتبرا فقد يتوهم عدم شمول الأخبار له نظرا إلى ان مقتضى دليل اعتباره تتميم الكشف والغاء احتمال الخلاف والقطع التعبدى بعدم الاستحباب ولازمه رفع موضوع اخبار التسامح وهو البلوغ مع احتمال المصادفة فلا تجرى تلك الأخبار.

وأجاب عنه المحقق العراقي (١) بأنه لا تعارض بينهما حيث لا يرد النفي والإثبات فيهما على موضوع واحد لان ما تثبته أخبار التسامح هو استحباب العمل بعنوان بلوغ الثواب وهذا مما لا ينفيه ذلك الدليل المعتبر فان ما ينفيه إنما هو استحبابه بعنوانه الأولي.

وفيه : ان المدعى ليس هو التنافي بين الدليلين ، بل ان دليل اعتبار ذلك الخبر المعتبر يوجب رفع موضوع اخبار التسامح.

وبه يظهر ان ما أفاده الشيخ الأعظم (ره) (٢) ـ من ان التنافي إنما يكون بين ادلة حجية ذلك الدليل واخبار الباب وانهما يتساقطان ـ في غير محله.

__________________

(١) نهاية الافكار ج ٣ ص ٢٨٤.

(٢) راجع رسالته : التسامح في أدلة السنن ص ٣٥ (التنبيه العاشر) حيث قال : «والتحقيق انه لا إشكال في التسامح في المقام من باب الاحتياط بل هو إجماعي ظاهرا ، وأما من باب الاخبار فمقتضى إطلاقها ذلك أيضا ، لا أن يدعي انصرافها إلى غير ذلك ولا شاهد عليه ، فيقع التعارض بين هذه الاخبار وأدلة حجيته ذلك الدليل المعتبر لا نفسه لاختلاف الموضوع ومقتضى القاعدة وان كان هو التساقط ، الا ان الأمر لما دار بين الاستحباب وغيره وصدق بلوغ الثواب حكم بالاستحباب تسامحا ..».

٤٥٢

والحق في الجواب ان يقال انه لم يؤخذ احتمال المصادفة للواقع في موضوع اخبار الباب حتى يكون ذلك الدليل رافعا لموضوع اخبار التسامح ، بل الموضوع هو بلوغ الثواب غاية الأمر يكون منصرفا عما لو علم وجدانا بخطائه ، وانه يعتبر الاحتمال الوجداني غير المرتفع بذلك الدليل ، وعليه فمقتضى إطلاق اخبار التسامح ثبوت الاستحباب في الفرض ، وحيث ان الخبر المعتبر يدل على عدم استحباب الفعل بعنوانه الأولى ، وأخبار الباب تدل على استحبابه بالعنوان الثانوي وهو بلوغ الثواب عليه فلا تعارض بينهما ، وكما لا تعارض بين ذلك الدليل المعتبر وأخبار الباب كذلك ، لا تعارض بين أدلة حجية ذلك الخبر وأخبار التسامح ، فما أفاده الشيخ من تسليم التعارض والحكم بالتساقط ، في غير محله كما مر.

السادس : إذا دل خبر ضعيف على استحباب عمل دل الدليل المعتبر بعمومه أو اطلاقه على حرمته كما لو دل خبر ضعيف على استحباب ايذاء المؤمن في ليلة التاسع من الربيع ، فهل يشمله أخبار الباب لاطلاقها ، أم لا؟ وجهان :

قد استدل للثاني بوجهين :

أحدهما انصراف النصوص عما دل الدليل على عدمه.

وفيه : ان الانصراف عما علم وجدانا خطأه لا اشكال فيه ـ واما الانصراف عما علم عدمه تعبدا ـ فلو سلم فهو بدوى لا اعتبار به.

الثاني : انه بالدليل المعتبر يعلم بعدم الثواب عليه تعبدا فكيف يمكن القول بشمول الأخبار له المتوقف على احتمال الثواب.

٤٥٣

وفيه : ان الموضوع بلوغ رواية ضعيفة دالة على ترتب الثواب عليه مع الاحتمال الوجداني بالاستحباب كما مر وهذا لا ينفيه دليل التحريم.

فالأظهر شمول الأخبار له.

وعليه فيقع التعارض بين دليل الحرمة ودليل الاستحباب.

وقد يقال كما عن الشيخ الأعظم (ره) (١) في مبحث الغناء من مكاسبه بأنه يقدم الأول : فان دليل الاستحباب ، إنما يتضمن ثبوت الحكم لوجود جهته المقتضية له مع عدم تحقق ما يقتضي الالزام بترك مورده ، فالفعل إنما يتصف بالاستحباب إذا خلي في طبعه عما يقتضي الحرمة ، فمع طرو عنوان ملزم لتركه يكون محرما ولا يقاومه دليل الاستحباب.

ولكن : ما ذكره يتم في موارد :

أحدها ما إذا وقعت المزاحمة بين الدليلين في مقام الامتثال من دون ان يتصادقا على مورد واحد ، كما لو وقعت المزاحمة بين وجوب الصوم واستحباب قراءة القرآن إذا لم يتمكن من الجمع بينهما ، إذ دليل الإلزام يكون معجزا عن دليل الاستحباب.

ثانيها : ما إذا كان الموضوع واحدا ولكن كان الحكم غير الالزامي مشروطا بان لا يلزم من موافقته مخالفة حكم الزامي كقضاء حاجة المؤمن ، لان استحبابه مقيد بعدم لزوم فعل الحرام من امتثاله ، وعليه يبتنى عدم توقف احد في انه لا

__________________

(١) المكاسب المحرمة ج ١ ص ٣٠٨ المسألة الثالثة عشر (الغناء).

٤٥٤

يجوز شيء من المحرمات بعنوان قضاء حاجة المؤمن.

ثالثها : ما إذا كان الحكم غير الالزامي ، مترتبا على الشيء بعنوانه الأولى والحكم الالزامي متعلقا به بعنوانه الثانوي.

واما في غير هذه الموارد ، وهو ما إذا كان الثابت في الواقع حكما واحدا ، وكانت الأدلة متعارضة في ثبوت الحكم الإلزامي أو غير الإلزامي ، بنحو التباين أو العموم من وجه ، فلا وجه لدعوى تقديم دليل الحكم الإلزامي ، إلا دعوى أحد أمور ثلاثة على سبيل منع الخلو :

أحدها : عدم ثبوت الإطلاق لدليل الحكم غير الالزامي بنحو يشمل موردا قام فيه دليل على حكم الزامي.

ثانيها انصرافها عن هذا المورد.

ثالثها : ظهوره في تقييد ما تضمنه من الحكم بعدم المخالفة للحكم الالزامي : والكل كما ترى.

واما دعوى ان مقتضيات الأحكام الترخيصية لا تصلح لمزاحمة مقتضيات الأحكام الالزامية.

فأجنبية عن المقام إذ تلك إنما هي فيما إذا ثبت المقتضيان ، وهو في الفرض معلوم العدم لفرض التعارض بين الدليلين ، ولا اقل من عدم المعلومية.

وعليه فحيث ان ما نحن فيه ليس من قبيل الموارد الثلاثة ، الأول كما هو واضح ، فان قلنا بأنه في التعارض بالعموم من وجه بين الدليلين يتساقط الاطلاقان ففي المقام يتساقط الدليلان ، ويرجع إلى أصالة الإباحة ، وان قلنا انه

٤٥٥

يرجع إلى أخبار الترجيح ، فيقدم دليل الحرمة للشهرة التي هي أول المرجحات.

السابع : لو دل خبر ضعيف على موضوع من الموضوعات التي يترتب عليها الحكم الاستحبابى كما لو دل خبر ضعيف على مسجدية موضع خاص ، فهل يشمله اخبار من بلغ من جهة انه بالملازمة يخبر عن الحكم الاستحبابي المترتب عليه كاستحباب الصلاة في ذلك الموضع في المثال ، أم لا؟

قد استدل للثاني : بان الظاهر من أخبار الباب اختصاصها بما إذا اخبر عن النبي (ص) بما هو نبي ، لا بما انه بشر ، والأخبار عن مسجدية موضع خاص ليس من شانه بما انه نبي ، كما ان أخباره باستحباب الصلاة فيه بالملازمة ليس من شئون النبي ، فان وظيفته بيان الأحكام الكلية مثل استحباب الصلاة في المسجد.

وفيه : ان كثيرا من الأخبار ليس فيها من بلغه عن النبي ، بل هي مطلقة لاحظ صحيح هشام عن الإمام الصادق (ع) من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له وان لم يكن على ما بلغه (١).

ومثله ما رواه الصدوق عن الكليني بطرقه إلى الأئمة (ع) (٢) ونحوهما غيرهما.

وعليه فالأظهر هو الشمول لاطلاق الأخبار نظرا إلى الملازمة المشار إليها.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٨٧ باب من بلغه ثواب من الله على عمل ... ح ١ / الوسائل ج ١ باب ١٨ من ابواب العبادات ح ١٨٧.

(٢) راجع ثواب الاعمال ص ١٣٢ باب ثواب من بلغه شيء من الثواب فعمل به ، الا أنه مروي عن غير الكليني.

٤٥٦

أضف إليه ما أفاده الشيخ (ره) (١) من تنقيح المناط على القول بعدم شمولها بإطلاقها له ، إذ من المعلوم عدم الفرق بين ان يعتمد على خبر الشخص في استحباب العمل الفلاني في هذا المكان كبعض أماكن مسجد الكوفة وبين ان يعتمد عليه في ان هذا المكان هو المكان الفلاني الذي علم انه يستحب فيه العمل الفلاني ، انتهى.

وعلى ذلك فيشمل أخبار الباب النصوص الضعيفة الواردة في تشخيص مدفن الأنبياء والأولياء وأولادهم ، والواردة في تشخيص المقامات في مسجد الكوفة ، والوارد في رأس سيد الشهداء عند امير المؤمنين عليهما‌السلام وما شاكل.

الثامن : هل يشمل الأخبار لنقل فضيلة من فضائل المعصومين عليهم‌السلام ، أو مصيبة من مصائبهم التي لم يقم على ثبوتها دليل معتبر ، بل وردت بها رواية ضعيفة فيتنقل من دون ان تنسب إلى الحكاية على حد الأخبار بالامور الواردة بالطرق المعتبرة ، بان يقال كان امير المؤمنين يقول كذا ويفعل كذا ويبكى كذا ، ونزل على سيد الشهداء كذا وكذا ، كما عن غير واحد ، بل ظاهر الشهيد في الذكرى (٢) حيث قال ان أخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم ، كونه مسلما عند القائلين بالتسامح ، وعن الشهيد الثاني في الدراية (٣) جوز الأكثر العمل بالخبر الضعيف في القصص والمواعظ وفضائل الأعمال إلى ان قال وهو

__________________

(١) رسالته في التسامح في أدلة السنن ص ٤١ (التنبيه : السابع عشر).

(٢) الذكرى ص ٦٨ قال : «ولكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم».

(٣) الرعاية في علم الدراية ص ٩٤ الناشر : مكتبة آية الله المرعشي النجفي ١٤١٣ ه‍.

٤٥٧

حسن حيث لم يبلغ الضعيف حد الوضع والاختلاق أم لا؟ وجهان :

قد استدل للثاني بوجهين :

أحدهما : ان الخبر الضعيف في المورد لا يكون متضمنا لترتب الثواب على شيء وإنما مفاده ثبوت الموضوع لما دل على نقل فضائلهم ومصائبهم ، وما دل على استحباب ذلك إنما هو اخبار صحيحة معتبرة لا حاجة معها إلى اخبار من بلغ إلا انه لا تثبت الموضوع.

الثاني : أن نقل ما لم يثبت حرام شرعا ، لكونه من الكذب المحرم ، وقد مر ان الأخبار لا تشمل ما لو كان العمل الذي دل الخبر الضعيف على ترتب الثواب عليه محرما بمقتضى عموم دليل معتبر أو اطلاقه.

ولكن يرد على الثاني : ان الكذب المحرم هو ما لو كان الخبر بما له من المراد الاستعمالى للمتكلم مخالفا للواقع فما لا علم بمخالفته للواقع لا يصدق عليه الكذب ، بل هو محتمل لكونه كذبا فمع الشك في الموضوع لا يشمله ادلة حرمة الكذب.

فان قيل : لازم ذلك جواز الأخبار به حينئذ للشك في الحرمة فيشمله ادلة البراءة.

اجبنا عنه : بان العلم الإجمالي بمخالفته أو الأخبار بنقيضه للواقع ، يمنع عن الأخبار به ، فعلى هذا حيث تكون اخبار من بلغ مرخصة في المخالفة الاحتمالية لهذا العلم الإجمالي ، وقد مر انه لا مانع من الترخيص في المخالفة الاحتمالية فلا محذور في الحكم باستحباب نقل الفضائل والمصائب مستندا إلى

٤٥٨

تلكم الأخبار.

ويرد على الأول ما تقدم في التنبيه السابق من ان النصوص تشمل الأخبار عن الموضوع.

وعلى هذا فما أفاده الشيخ الأعظم (١) في رسالة التسامح ـ ان العمل بكل شيء على حسب ذلك الشيء وهذا أمر وجداني لا ينكر ويدخل فيها فضائل أهل البيت ومصائبهم ويدخل في العمل الأخبار بوقوعها من دون نسبة إلى الحكاية ـ إلى ان قال ـ والدليل على جواز ما ذكرناه من طريق العقل حسن العمل بهذا مع أمن المضرة فيها على تقدير الكذب واما من طريق النقل فرواية ابن طاووس والنبوى مضافا إلى اجماع الذكرى المعتضد بحكاية ذلك من الأكثر انتهى ـ حسن ومتين.

وربما يستدل له كما عن الفاضل النراقي (٢) بما دل على رجحان الابكاء ، وذكر الفضائل والمناقب ، والإعانة على البر والتقوى.

ولكن بما ذكرناه في الاستدلال لعدم الشمول يظهر ما فيه.

التاسع : الظاهر عدم الفرق ـ كما صرح به غير واحد ـ بين وجود الخبر في كتب الخاصة ومرويا من طرقهم ، أو كونه مرويا من طرق العامة ، لاطلاق الأخبار.

واستدل للاختصاص بان لازم التعميم العمل بما رواه المخالفون وقد ورد

__________________

(١) التسامح في أدلة السنن ص ٢٨.

(٢) حكاه في بحر الفوائد ج ٢ (القسم الثاني) ص ٧٢ عن الفاضل النراقي في كتاب محرق القلوب

٤٥٩

المنع من الرجوع إليهم.

ويرد عليه : أولا : انه لو تم لكان واردا على من يرى ان مرجع التسامح إلى حجية خبر الضعيف في باب السنن ، واما على ما اخترناه من ان مفاد النصوص استحباب العمل بالعنوان الثانوي فلا مورد له أصلاً لعدم كونه رجوعا إليهم أصلاً.

وثانيا : انه لا يتم لما أفاده الشيخ (ره) (١) من ان الممنوع هو الرجوع إليهم في اخذ الفتوى واما مجرد الرجوع إلى كتبهم لاخذ الروايات والآداب والسنن فنمنع قيام الدليل على منعه وتحريمه.

العاشر : لو ورد خبر ضعيف على اعتبار خصوصية في المستحب الثابت في الشريعة كالوارد مثلا في اعتبار الغسل في الزيارة الجامعة ، فهل يحمل المطلق عليه ، أم لا؟

قد يقال بأنه على القول بان أخبار التسامح تدل على إلغاء شرائط الحجية وتدل على حجية الخبر الضعيف لا بد من البناء على الحمل وهو واضح.

واما على القول بأنها تدل على الاستحباب بالعنوان الثانوي فيشكل الحكم بالتقييد فان غاية ما يثبت بها حينئذ هو الاستحباب بالعنوان فيكون ما قام الخبر على استحبابه مستحبا في مستحب.

ولكن يرد عليه ان الظاهر من الأخبار استحباب الشيء على النحو الذي

__________________

(١) التسامح في أدلة السنن ص ٢٨.

٤٦٠