زبدة الأصول - ج ٤

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-37-3
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥١٠

حينه ولا يمنع عن الوجود السابق ، لان وجود شيء في زمان غير مربوط بوجوده في السابق ، ولا يعقل تأثير المانع في الوجود السابق ، فدائما يكون المانع مانعا عن تحقق المقتضي ، وعليه فكل رافع فهو دافع ، مضافا إلى استعمال كل منهما في موضع الآخر في كلمات العرب.

ولكن : قد ظهر الجواب عن ذلك مما ذكرناه في تقريب الإيراد ، إذ هذا وان كان مطلبا صحيحا ، إلا ان المدعى هو اختلافهما في الوضع حيث ان الرفع وضع ليستعمل ، فيما يمنع عن تأثير المقتضي مع فرض تأثيره في تحقق المقتضى في الزمان السابق ، والدفع وضع ليستعمل فيما يمنع عنه مع فرض عدم وجود المقتضى بالفتح سابقا.

ثانيها : ما عنه أيضاً وهو ان العلاقة المصححة في الشبهة الموضوعية ، إنما هي ثبوت الحكم واقعا كحرمة شرب الخمر ، وهذا المقدار من سبق الوجود يكفي.

وفيه : انه بعد ما ليس المرفوع هو الحكم الثابت المنشعب عن لا تشرب الخمر ، وإلا يلزم ان يكون المرفوع هو الحكم الواقعي وهو غير ملتزم به ، فلا محالة يكون المرفوع هو ايجاب الاحتياط ، فما سبق وجوده غير مرفوع ، وما رفع لا يكون له سبق وجود.

ثالثها : ما عن المحقق العراقي (ره) (١) ، وهو ان المصحح لاطلاق الرفع في المقام هو وجود المقتضي لمثل هذا الإنشاء في ظرف الجهل إذ مع وجود المقتضي

__________________

(١) مقالات الأصول ج ٢ ص ١٦٢ (المقالة الخامسة عشر).

٣٢١

يعتبرون العقلاء كانه موجود بالعناية.

وفيه : ان لازم هذا البيان ان الدفع يكون ، بمعنى الرفع ، ولا يكون بينهما فرق إذ يعتبر في صدقه أيضاً وجود المقتضي وهو خلف الفرض.

رابعها : وهو الحق وهو ان استعمال الرفع في الآية إنما يكون باعتبار ان هذه العناوين كانت في الشرائع السابقة ذو أحكام شرعية وموجودة في عالم التشريع ، فرفعت عن هذه الامة فقد استعمل الرفع في معناه بهذه العناية.

الامر الثاني : انه قد يتوهم انه لا بد من تقدير امر في الجملات التسع لشهادة الوجدان بوجود الخطأ والنسيان وغيرهما من المذكورات ، فلا محالة يكون المرفوع امرا آخرا ، وقد وقع الخلاف في انه ، هل هو المؤاخذة والعقوبة ، أو جميع الآثار ، أو اظهر الآثار.

وقد ذكر لتعيين كل منها وجوه مذكورة في الرسائل.

ولكن الظاهر عدم الاحتياج إلى التقدير إذ الرفع فيها ليس رفعا تكوينيا كي يرد المحذور المذكور ، بل هو رفع تشريعي ، وعليه فلا حاجة إلى التقدير أصلاً.

نعم لا بدَّ وان يكون الأثر المرفوع من الآثار الشرعية التي تكون قابلة للرفع والوضع ، واما الآثار العقلية غير القابلة لذلك ، فلا تكون مرفوعة بالحديث ، إلا ما كان منها مترتبا على الأثر الشرعي.

الامر الثالث : ان الرفع بالنسبة إلى غير ما لا يعلمون واقعي ، وبالنسبة إلى ما لا يعلمون رفع ظاهري.

٣٢٢

توضيح ذلك ان الرفع في غير ما لا يعلمون يكون واقعيا لظهوره في ذلك وعدم معقولية كونه ظاهريا في جملة منها.

ودعوى : انه على هذا تكون النسبة بين كل واحد من ادلة الأحكام الواقعية ، وبين الحديث عموما من وجه فلا وجه لتقديمه.

مندفعة : بان الحديث حاكم عليها لأنه بلسان نفي الموضوع وتضييقه بالنسبة إلى تلك الأدلة ، وقد ثبت في محله تقديم الحاكم على المحكوم ، مع ان النسبة بين كل واحد منها وبين الحديث ، وان كانت عموما من وجه ، إلا ان النسبة بينه وبين جميعها عموم مطلق ، فيدور الأمر بين تقديم جميعها عليه ـ وتقديمه عليها ـ وتقديم بعضها عليه وتقديمه على بعضها ، والاول مستلزم لعدم بقاء المورد له ، والاخير مستلزم للترجيح بلا مرجح ، فيتعين الثاني.

واما فيما لا يعلمون ففي موارد الشبهة الحكمية ، لا يعقل كون الرفع واقعيا ، لاستلزامه اختصاص الأحكام الواقعية بالعالمين بها ، وقد عرفت في اوائل هذا الجزء ، ان اخذ القطع بالحكم في موضوع نفسه مستلزم للخلف ولا يمكن ـ مضافا ـ إلى الأدلة الدالة على اشتراك الأحكام بين العالمين والجاهلين.

واما في موارد الشبهة الموضوعية وان كان لا يلزم من الالتزام بكون الرفع واقعيا المحذور المتقدم ، إلا ان المعلوم من مذاق الشارع والائمة عليهم‌السلام ، بل المستفاد من الأدلة ثبوت الأحكام في حال الجهل مطلقا ولو كان الشك بنحو الشبهة الموضوعية ، فيكون الرفع ظاهريا.

والمراد به رفع وجوب الاحتياط.

٣٢٣

توضيح ذلك انه حيث يكون وضع الحكم الواقعي في حال الجهل على رقبة العبد بايجاب الاحتياط ، فكذلك ، له ان يرفعه بعدم ايجابه.

وان شئت فقل انه كما ان ايجاب الاحتياط وضع للواقع بجعل الحكم الطريقي كذلك عدم ايجابه مع ثبوت المقتضى للوضع رفع للواقع ، فالرفع فيه أيضاً مستند إلى الواقع ولا يكون المقدر وجوب الاحتياط.

ثم انه لا مانع من الالتزام بكون الرفع واقعيا بالمعنى الأول فيما إذا كان الشك في المتعلق مع كونه موضوعا لحكم آخر نظير الشك في شرب الخمر بالنسبة إلى وجوب الحد فمن شرب الخمر عن جهل بالخمرية لا يجب إجراء الحد عليه واقعا.

ويترتب على ما ذكرناه من كون الرفع فيما لا يعلمون ظاهريا ـ وفي غيره واقعيا.

انه بالنسبة إلى غير ما لا يعلمون لو كان هناك عموم أو إطلاق مثبت للحكم في تلك الموارد ، لزم تخصيصه أو تقييده ، بحديث الرفع ، ويكون ارتفاع تلك العناوين موجبا لتبدل الحكم واقعا من حينه ، فاجزاء المأتي به في حال الاضطرار مثلا واضح.

واما فيما لا يعلمون فلو كان هناك عموم أو إطلاق مثبت للحكم لزم الاخذ به ولا يبقى معه موضوع لحديث الرفع ، لارتفاع الجهل به ، ويكون ارتفاع الجهل لو عثر على الدليل المثبت للتكاليف بعد العمل موجبا لكشف الخلاف ، وظهور ثبوت الحكم من الأول فالاجزاء يبتنى ، على اجزاء الأمر الظاهري ، أو

٣٢٤

على دلالة دليل آخر عليه كحديث (لا تعاد الصلاة) (١).

الأمر الرابع : ان لسان الحديث كما هو مفاده الظاهر فيه ، رفع الحكم لا وضعه ، وعليه فليس لسانه تنزيل الموجود منزلة المعدوم ، كما عن المحقق النائيني (ره) (٢) لان تنزيل شيء منزلة غيره ، يستدعي ترتيب آثار ذلك الشيء عليه ، وعرفت ان الحديث ليس شأنه الوضع بل إنما يرفع الحكم الثابت لولاه.

كما ان الظاهر من الحديث إنما هو رفع الحكم ، لا نفي المتعلق ، إذ ليس لسانه لسان النفي كما في لا شك لكثير الشك ، فانه نفي للحكم بلسان نفي الموضوع ، وهذا بخلاف الحديث ، فانه إنما يرفع موضوعية الموضوع الذي مرجعه إلى رفع الحكم فاحفظ ذلك فانه يترتب عليه فائدة مهمة.

الأمر الخامس : ان متعلق الرفع ليس نفس العناوين المذكورة في الحديث بل المرفوع هو الفعل المتصف باحدها ، اما في غير الخطأ والنسيان فواضح ، واما فيهما فلوحدة السياق ، ولان رفع نفس العناوين مناف للامتنان وضد للمقصود.

مضافا إلى انه لا يتصور جعل الحكم لهما بما هما كما لا يخفى ، فالمرفوع هو الفعل المتصف بهما.

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٣٣٩ ح ٩٩١ / الوسائل ج ٧ ص ٢٣٤ باب ١ من قواطع الصلاة ح ٩٢٠٤.

(٢) فوائد الأصول للنائيني ج ٣ ص ٣٥٣ ، حيث أعتبر أن الرفع تنزيل الموجود منزلة المعدوم والوضع تنزيل المعدوم منزلة الموجود ، والمصنف حفظه المولى يرى أن مطلق التنزيل وضعا فلا يصح اطلاق الرفع على التنزيل ، فتأمل.

٣٢٥

ثم انه يقع الكلام في ان المرفوع بالحديث هل هو الأحكام الثابتة للفعل المعنون باحد العناوين المزبورة؟ أو الآثار المترتبة على الفعل بعنوانه الأولى؟ أو هما معا؟.

قد يقال بالثاني واستدل له المحقق الخراساني (١) تبعا للشيخ الأعظم (ره) (٢) ، وتبعه غيره ، بأنه لا يعقل رفع الآثار المترتبة على الفعل المعنون باحد العناوين ، إذ الظاهر ان هذه العناوين صارت موجبة للرفع والموضوع للاثر مستدع لوضعه فكيف يكون موجبا لرفعه.

وفيه : انه قد عرفت انه يعتبر في صدق الرفع كون الموضوع مقتضيا للوضع فكونه مقتضيا له ، مما يعتبر في صدق الرفع ، لا انه ينافيه.

وبعبارة أخرى : بعد ما عرفت من ان المراد من الرفع هو الدفع ، أو رفع الآثار الشرعية الثابتة في الشرائع السابقة ، لا يبقى مجال لهذا الاشكال.

نعم ، يكون الحديث معارضا للادلة المتكفلة للاحكام الثابتة للفعل المعنون باحد العناوين ، وبما ان تلك الأدلة اخص تقدم فثبوت سجدتي السهو وكفارة القتل الخطإ مثلا إنما يكون من قبيل التخصيص.

ويمكن ان يوجه عدم المعقولية بان ورود الخبر مورد الامتنان يقتضي ان تكون الجهات الموجبة للمنة برفع الأحكام ، هي هذه العناوين المأخوذة في الخبر من الجهل وغيره ، فإذا كانت هذه الجهات مقتضية لرفع تلك الأحكام ، فلا محالة

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٣٤١ (ثم لا يذهب عليك ...).

(٢) فرائد الأصول ج ١ ص ٣٢٢.

٣٢٦

ليست بما هي مقتضية لثبوتها ، لأنه لا يقل كون عنوان واحد مقتضيا ، للوضع ، والرفع ، ولا ينافي ذلك اعتبار اقتضاء الوضع في صدق الرفع فان المعتبر وجود المقتضي فيما يرفع ، وهو الفعل ، لاكون الجهة المقتضية للرفع بعينها مقتضية للوضع فتدبر.

وعليه فالمرفوع هي الآثار المترتبة على الفعل بعنوانه الأولي.

مع انه لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا معقولية ان يكون المرفوع الآثار المترتبة على الفعل المعنون باحد العناوين ، بما انه لا جامع بين كلا القسمين من الأثر والامر يدور بينهما ، فيكون الترجيح مع ما ذكرناه لفهم الاصحاب ولاستشهاد الإمام على (ع) ما في رواية المحاسن (١) بمثل هذا الخبر في رفع ما استكره عليه من الطلاق والصدقة والعتاق.

الأمر السادس : ان الظاهر من الحديث رفع الآثار المترتبة على فعل المكلف ، واما الآثار المترتبة على الموضوع الخارجي ، بلا دخل لفعل المكلف فيه فالحديث لا يرفع تلك الآثار لان ما يتعلق به الاضطرار والاكراه وأخواتهما إنما هو فعل المكلف ، لا الموضوع الخارجي.

وعليه فلو لاقى يد الانسان مع شيء نجس اضطرارا أو خطاء لا يمكن رفع النجاسة بالحديث ، إذ الأثر لم يترتب على فعل المكلف ، بل على الموضوع

__________________

(١) المحاسن ج ٢ ص ٣٣٩ كتاب العلل ح ١٢٤ عن أبي الحسن (ع) قال : سألته عن الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك فقال لا قال رسول الله (ص) وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطئوا.

٣٢٧

الخارجي ، وهو الملاقاة ولو بغير اختيار ، وبما ذكرناه يظهر عدم شمول الحديث لوجوب قضاء الفائت من المكلف اضطرارا أو اكراها ، لان وجوب القضاء مترتب على الفوت بما هو من غير دخل لفعل المكلف فيه.

ولا يتوهم انا ندعى عدم شمول الحديث للموضوعات فان ذلك غير صحيح ، إذ لو كان فعل المكلف موضوعا لحكم يشمله الحديث كالافطار الذي جعل موضوعا لوجوب الكفارة إذ لاوجه لاختصاصه بالمتعلقات ، بل ندعى عدم شموله للموضوع الخارجي.

الأمر السابع : يعتبر في جريان حديث الرفع ان يكون في رفع الحكم منّة على العباد ، فبيع المضطر لا يرفع صحته بالحديث ، إذ رفعها خلاف المنّة ، ويعتبر ان يكون في رفعه منّة على الأمة فلو كان منّة على شخص ، وضيقا على آخر ، لا يشمله الحديث ، فلو اتلف مال الغير بغير اختياره ، لا يمكن إجراء الحديث ، والحكم بعدم الضمان ، فان في رفعه وان كان منّة على المتلف إلا انه خلاف الامتنان بالنسبة إلى المالك.

فهل يعتبر ان يكون في وضعه خلاف الامتنان كما عن المحقق العراقي (١)

__________________

(١) مقالات الأصول ج ٢ ص ١٦٤ قوله : «نعم لا بد من تقييده أيضا بصورة كون حفظه حرجيّا ، كي لا يرد عليه ـ أيضا ـ بمنع شمول الحديث للمقدم على [التفويت] بسوء اختياره السابق ، لأنّه أيضا خلاف سوق الحديث من كونه في مقام رفع ما في وضعه خلاف امتنان ، ولذا لا يشمل المقدم على [التفويت] في جميع الفقرات الأخر». راجع ما قبل هذا المقطع وما بعده يتضح مراده في دفع بعض الشبهات كما عبّر.

٣٢٨

أم لا يعتبر ذلك؟ وجهان :

اقواهما الثاني ، لاطلاق الحديث ووروده في مقام الامتنان لا يقتضي ذلك ولا اجمال في الحديث.

وما رتبه على ما ادعاه من عدم رفع الحكم الواقعي فيما لا يعلمون لعدم كونه بوجوده الواقعي مما فيه ضيق على المكلف.

غير تام إذ عدم رفعه إنما يكون لوجه آخر تقدم آنفا ولو تم هذا الوجه لاقتضى عدم رفعه حتى على المسلك الآخر ، إذ ليس في رفعه امتنان.

ما يستفاد من جملة ما لا يعلمون

الموضع الثاني : في جملة ما لا يعلمون وبيان ما يصلح ان يكون مرفوعا فيها ، وتنقيح القول فيها بالبحث في جهات :

الجهة الأولى : ان المرفوع ليس هو الحكم الواقعي لما تقدم ، في الأمر الثالث في الموضع الأول ، ولا المؤاخذة ، ولا استحقاقها ، لما تقدم في الأمر الثاني ، ولا فعليّة الحكم الواقعي ، لما تقدم في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري من عدم معقولية نفي الفعلية بعد الإنشاء إلا بالتصرف في الجعل.

بل المرفوع هو ايجاب الاحتياط لا بتقدير ذلك ، بل من جهة ان ايجاب الاحتياط إنما يكون من مقتضيات نفس التكليف الواقعي ، فثبوته إنما يكون نحو ثبوت للحكم الواقعي ، ولهذا يصح في مقام التعبير عن رفعه ، برفع الحكم

٣٢٩

الواقعي في الظاهر وقد تقدم توضيح ذلك في الأمر الأول من الموضع الأول.

فان قلت انه إذا كان المرفوع هو ايجاب الاحتياط فحيث ان احتمال التكليف الواقعي موجود واحتمال المؤاخذة على مخالفته لا دافع له فيكون موضوع وجوب دفع الضرر المحتمل باقيا فيجب الاحتياط بحكم العقل ، والشرع.

قلت ان العقاب على الواقع غير الواصل مقطوع العدم ولو بضميمة قبح العقاب بلا بيان فاحتمال ثبوته إنما يكون بواسطة احتمال جعل الطريق إليه وايجاب الاحتياط ، فإذا رفع ايجاب الاحتياط ، لزم منه رفع المؤاخذة لرفع منشئها.

وان شئت قلت ان المؤاخذة كوجوب الطاعة وحرمة المخالفة من الأحكام الواقعية المترتبة على المجعولات الشرعية اعم من الظاهري والواقعي ، فكما ان عدم الحكم الواقعي مستلزم لعدم العقاب كذلك التعبد بعدمه في الظاهر فتدبر.

واما ما أفاده الأستاذ (١) من انه لا يكون المرفوع ايجاب الاحتياط بل هو نفس الالزام ظاهرا ، واوضحه : بان الحكم سواء كان واقعيا أم ظاهريا يكون امر وضعه ورفعه بيد الشارع ، فكما ان للمولى ان يجعل الوجوب أو الحرمة واقعيا كذلك له ان يجعل الوجوب ، أو الحرمة في ظرف الشك في الواقع ، فإذا لم يفعل مع وجود المقتضى له فقد رفعه ، ولازمه ثبوت الترخيص في اقتحام الشبهة ، وعدم وجوب الاحتياط ، فان الأحكام متضادة في مرحلة الظاهر أيضاً ، فكما ان

__________________

(١) دراسات في علم الأصول ج ٣ ص ٢٣٢ (حديث الرفع).

٣٣٠

عدم الالزام واقعا يستلزم الترخيص كذلك عدم الالزام في الظاهر يستلزم الترخيص ظاهرا ، ومعه لا يبقى مورد لاحتمال العقاب.

فيرد عليه ان المراد من الالزام الظاهري ، ان كان هو الحكم الطريقي المجعول للمشتبه بما هو مشتبه بداعي تنجز الواقع ، فليس هو إلا ايجاب الاحتياط ، وان كان المراد هو الحكم الواقعي المجعول له بما هو كذلك فرفعه لا يفيد كما لا يخفى ، وان كان المراد غير ذلك فلا بد من توضيح ازيد من ذلك.

عموم الحديث للشبهة الحكمية والموضوعية

الجهة الثالثة : في بيان أن الحديث هل يختص بالشبهة الموضوعية؟ أو الحكمية ،؟ أم يعم كلتا الشبهتين؟

ويتوقف بيان ما هو الحق على بيان ان المراد بالموصول ، هل هو الفعل الخارجي؟ أم يكون المراد منه الحكم؟ أو الجامع بينهما؟

وعلى الأول هل المراد من لا يعلمون ، عدم العلم بعنوان الفعل ، وانه مصداق عنوان محرم؟ أم مصداق عنوان محلل؟ أم يكون المراد عدم العلم بحكمه؟ أو الجامع بينهما؟ وجوه :

فمجموع محتملات الرواية خمسة.

وملخص القول فيه : انه لو كان المراد من الموصول الفعل كان الظاهر من لا يعلمون الجهل بعنوان الفعل واحتمال ارادة الجهل بحكمه أو الجامع خلاف

٣٣١

الظاهر ، لظهور الوصف في كونه وصفا بحال نفس الموصوف لا متعلقه.

وتوجيه ارادة الجهل بالحكم أيضاً بان يقال ان الجهل بالشىء قد يكون باعتبار صدوره ، وقد يكون باعتبار عنوانه ، ومن الواضح ان عدم العلم والجهل ، إنما هو بالاعتبار الثاني ، وإذا كان التقدير هو العنوان وكان معنى حديث الرفع رفع ما لا يعلم عنوانه ، فليكن العنوان اعم من الذاتي والعرضي فحينئذ يكون المراد كل جنس فعل كالشرب مثلا لم يعلم عنوانه الذاتي كما إذا لم يعلم انه شرب خمر أو شرب ماء ، أو لم يعلم عنوانه العرضى كان لم يعلم انه حرام أو مباح فهو مرفوع.

غير صحيح لان المراد من الرفع التشريعي ، فمعنى رفع الموضوع الخارجي ، رفع حكمه ، فلا بد فيما يستند إليه الرفع ، ان يكون ذا حكم شرعي حتى يكون معنى رفعه رفع حكمه.

ومن المعلوم ان الموضوع للاحكام ، إنما هو أنواع الأفعال لا اجناسها فطبيعي الشرب لا يكون متعلقا لحكم حتى يستند الرفع إليه ، بل الحكم مترتب على انواعه ، فلا بد وان يكون المراد من الموصول نوع الفعل الذي هو متعلق الحكم حتى يرتفع حكمه.

وبعبارة أخرى : بعد كون المراد من الرفع ، رفع الحكم لو كان المراد من الموصول نوع الفعل يكون الرفع مستندا إليه ، ولو كان المراد جنسه لكان مستندا إلى نوعه ومحتاجا إلى تقدير النوع وكلما دار الأمر بين التقدير وعدمه يكون عدمه اظهر ، واوفق بالقواعد.

وعليه فالمراد من الجهل الجهل يتحققه ، لا بعنوانه ، فلا يكون المراد من لا

٣٣٢

يعلمون الجهل بعنوان الفعل.

فيدور الأمر بين احتمالات ثلاثة :

الأول : ارادة الفعل من الموصول فيختص الحديث بالشبهة الموضوعية.

الثاني : ارادة الحكم منه.

الثالث : ارادة الجامع بينهما فيعم كلتا الشبهتين.

وقد استدل لان المراد منه الفعل بوجوه :

احدها : ما أفاده الشيخ الأعظم (١) ، وهو وحدة السياق ، إذ المراد من الموصول في سائر الجملات ، هو الفعل كما هو واضح ، فيكون مقتضى وحدة السياق ، ارادته من الموصول في هذه الجملة أيضاً.

وفيه : ان لفظة ، ما ، تكون من الموصولات والالفاظ المبهمة المستعملة دائما في معنى واحد سواء اريد بها الفعل ، أو الحكم ، والاختلاف إنما يكون في المراد الجدى لا في المستعمل فيه ، ووحدة السياق إنما تصلح ان تكون معينة للمستعمل فيه ، لا المراد الجدى.

وبالجملة : وحدة المستعمل فيه التي توجب وحدة السياق مفروضة في المقام ، واما تعيين المصداق ، والمراد الجدى ، بملاحظة تعينه في سائر الجملات ، فلا تكون وحدة السياق صالحة لذلك.

__________________

(١) فرائد الأصول ج ١ ص ٣٢٠ قوله : «ويمكن يورد عليه بان الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون بقرينة أخواتها هو الموضوع ، أعني فعل المكلف الغير المعلوم ..».

٣٣٣

مع انه لو سلم ان وحدة السياق تعين المراد الجدي ، فإنما هو فيما إذا كان القيد الثابت شرعيا ، كما إذ رتب الحكم على جملة أمور ، وقيد عدة منها بقيد شرعا ، يستكشف بمقتضى وحدة السياق ، تقيد الجميع بذلك القيد ، واما لو كان القيد الثابت لتلك الامور عقليا لا بحكم الشارع ، فلا وجه للحكم بان وحدة السياق تدل على تقيد غيره به كما هو واضح ، والمقام من قبيل الثاني إذ ارادة الفعل بخصوصه من لفظة ـ ما ـ في سائر الجمل ، إنما تكون لأجل عدم تعقل تعلق العناوين المذكورة في صلتها ، من الاضطرار ـ والاكراه ـ وما لا يطاق بالحكم ، فلا وجه للحكم بارادة الفعل من جملة ما لا يعلمون.

ثانيها : ان الرفع لا بد وان يستند إلى ما فيه الثقل ، ومن الواضح ان الحكم ليس فيه ثقل بل إنما هو يوجب الثقل ، فالثقل إنما يكون في الفعل ، باعتبار ان اتيان الفعل بعنوان كونه ملزما عليه شاق ، أو باعتبار ان الاتيان به على خلاف مقتضى الطبع خوفا من العقاب شاق وثقيل على المكلف ، فالرفع يستند إليه لا إلى الحكم.

وفيه : ان الرفع إنما يكون في مقابل الوضع ، فكلما يصح اسناد الوضع إليه ، يصح اسناد الرفع إليه ومن الواضح ، ان الحكم الشرعي مما يكون قابلا لاسناد الوضع إليه ، فكذلك يستند الرفع إليه. مع انه لو سلم اعتبار كون المرفوع ثقيلا ، فلا يكون مختصا به ، بل كما يصح اسناده إلى ما فيه الثقل ، يصح اسناده إلى الموجب له ، وإلى ما هو اثره وهو المؤاخذة كما لا يخفى.

ثالثها : انه لا شبهة في شمول الحديث للشبهات الموضوعية ، فالموصول اريد به الفعل يقينا ، فلو اريد به الحكم أيضاً لزم استعماله في معنيين ، وهو لا يجوز.

٣٣٤

وفيه : أولا : انه لو اريد به الجامع بينهما ، المنطبق على الفعل تارة ، وعلى الحكم أخرى ، وكان الاختلاف في المصداق ، دون المفهوم ، لا يلزم المحذور المذكور.

وثانيا : انه ستعرف انه لو اريد به الحكم ، كان الحديث شاملا للشبهتين.

رابعها : ما أفاده الشيخ الأعظم (١) ، وهو ان ظاهر الحديث رفع المؤاخذة ، ومن الواضح ان المؤاخذة إنما تكون على الفعل أو الترك ، ولا معنى للمؤاخذة على الحكم ، فتقديرها يوجب ارادة الفعل من الموصول.

وفيه : مضافا إلى ما مر من عدم تقديرها ، وان المرفوع هو نفس ما لا يعلم اريد به الحكم أو الفعل ، لان الرفع تشريعي لا تكويني.

انه قد مر ان المؤاخذة لا تقدر بنفسها فانها من الآثار العقلية ، بل المرفوع منشؤها ، وهو وجوب الاحتياط ، وعرفت انه من مقتضيات الحكم ، لا الفعل فهذا الوجه لو تم لاقتضى ارادة الحكم من الموصول لا الفعل.

خامسها : ما أفاده المحقق الخراساني (٢) في التعليقة وحاصله ان اسناد الرفع

__________________

(١) فرائد الأصول ج ١ ص ٣٢٠ قوله : «لأن المقدر المؤاخذة على نفس هذه المذكورات ولا معنى للمؤاخذة على نفس الحرمة المجهولة».

(٢) راجع درر الفوائد للآخوند ص ١٩٠ / وقد ذكر هذا الوجه مفصلا آية الله الخوئي ولم يحدد قائله في مصباح الأصول ج ٢ ص ٢٥٩ ـ ٢٦٠ / دراسات في علم الأصول ج ٣ ص ٢٣٤ / وفي الكفاية ص ٣٤٠ اعتبر أن الحكم بنفسه قابل للرفع وإذا كان المرفوع غيره فيكون مجازا في اسناد الرفع اليه.

٣٣٥

إلى الحكم حقيقي ، وإلى الفعل مجازى لكونه اسنادا إلى غير ما هو له ، إذ لا معنى لرفع الفعل ، فالمرفوع حكمه.

فلو اريد من الموصول الفعل كان الاسناد في جميع الجملات مجازيا لارادة الفعل من الموصول فيها قطعا.

ولو اريد منه الحكم كان الاسناد بالاضافة إليه حقيقيا وبالاضافة إلى سائر الجمل مجازيا.

وحيث ان الرفع في الحديث اسند إلى المجموع ، باسناد واحد لزم ان يكون حقيقيا أو مجازيا ، ولا يعقل ان يكون بالنسبة إلى بعضها حقيقيا وبالنسبة إلى بعض آخر مجازيا ، وحيث انه بالنسبة إلى سائر الجملات يكون مجازيا فلا بدّ وان يراد من الموصول في هذه الجملة ، الفعل ليكون بالنسبة إليها أيضاً مجازيا.

وفيه : أولا ان منشأ هذا التوهم هو الخلط بين الرفع التكويني والتشريعي ، حيث انه لا يصح رفع الفعل تكوينا فلو اسند الرفع إلى الفعل لا محالة يكون المرفوع في الحقيقة هو حكمه ، ولكن الرفع التشريعي الذي هو المراد من الحديث فتعلقه بالفعل واخراجه عن عالم التشريع ممكن حقيقة.

توضيح ذلك ان الصفات التعلقية كالشوق والحب ، وكذلك الاعتباريات لا يعقل ان تتحقق إلا مضافة إلى الماهيات وتلك الماهيات تتحقق بنفس تحقق هذه الامور نظير تحقق الماهية بالوجود الخارجي والذهني ، فوجودها إنما يكون بوجود هذه واعدامها باعدام هذه نظير اعدام الماهية في الخارج ، فانه إنما يكون باعدام الوجود.

٣٣٦

وعلى الجملة الرفع التشريعي نسب إلى الفعل حقيقة كما ينسب إلى الحكم كذلك فانه عبارة عن عدم جعل الفعل متعلقا للاعتبار التشريعي ، نظير لا صيام في السفر ، ولا ربا بين الوالد والولد وما شاكل ، فالاسناد بالنسبة إلى جميع الجملات حقيقي ، وان اريد بالموصول الفعل.

وثانيا : انه لو سلم كون اسناد الرفع إلى الفعل مجازيا يكون اسناد الرفع إلى التسعة مجازيا ، حتى لو اريد من الموصول فيما لا يعلمون ، هو الحكم لان اسناد الرفع إلى الحكم وان كان حقيقيا ، ولكنه بالنسبة إلى اللب والتحليل ، والميزان في كون الاسناد حقيقيا أو مجازيا ، إنما هو الاسناد الكلامي ، لا الاسناد التحليلي ، وليس في الكلام إلا اسناد واحد بحسب وحدة الجملة ، وهو اسناد الرفع إلى عنوان جامع بين جميع المذكورات وهو عنوان التسعة ، ومعلوم ان الاسناد الواحد إلى المجموع المركب مما هو له ، ومن غير ما هو له اسناد إلى غير ما هو له ، وعليه فاسناد الرفع إلى التسعة مجازى ، وان اريد من الموصول في جملة ما لا يعلمون الحكم.

وان ابيت عن ذلك وقلت انه ينحل إلى اسنادات عديدة ، فلا مانع من كون هذا الاسناد حقيقيا بالنسبة إلى بعض التسعة ومجازيا بالنسبة إلى بعض آخر أي باعتبار كونه متعلقا بالحكم حقيقيا وباعتبار كونه متعلقا بالفعل مجازيا.

واما الاحتمال الثاني وهو ان يكون المراد من الموصول الحكم ، فلا محذور فيه سوى انه لاوجه للالتزام به في مقابل ارادة الفعل ، وإلا فيمكن ان يبنى على ارادته منها مع شمول الحديث للشبهات الموضوعية والحكمية معا بان يبنى على الإطلاق من حيث المنشأ.

٣٣٧

ودعوى انه في الشبهة الموضوعية حيث لا يكون الحكم حقيقة مجهولا ، بل المجهول هو انطباق الموضوع على المشكوك فيه ، وينسب الجهل إليه بالعرض ، وإلا فالحكم في الحقيقة معلوم ، فيكون خارجا عن مورد الرواية إذ الرفع حكم لما كان الحكم حقيقة مجهولا.

مندفعة : بان ذلك وان كان يتم فيما إذا كان التكليف بنحو صرف الوجود ، ولم يدع جريان البراءة فيه احد ، كما إذا كان وجوب الصلاة إلى القبلة معلوما ، وشك في كون جهة قبلة فانه لا مورد للبراءة ، ولا يتم فيما إذا كان التكليف انحلاليا نظير حرمة شرب الخمر ، فان كل فرد من أفراد الخمر محكوم بحكم غير أحكام سائر الأفراد ، فلا محالة يكون الشك في المصداق شكا في الحكم حقيقة.

فالمتعين هو الاحتمال الثالث ، أي ارادة الجامع بين الحكم والفعل ، وتقريبه ان لفظة (ما) من الموصولات وموضوعة لمفهوم جامع بين جميع الأشياء نظير لفظ الشيء المنطبق ، على الفعل تارة ، وعلى الحكم أخرى ، ومقتضى الإطلاق ارادة ذلك ، فان عدم إمكان ارادة غير الفعل من لفظة ما في سائر الجمل لا ينافى ارادته منها في هذه الجملة.

فان قلت انه من ارادتهما معا يلزم الجمع بين الاسناد الحقيقي والمجازي ، حيث ان اسناد الرفع إلى الفعل اسناد مجازى إذ المرفوع في الحقيقة حكمه ، وإلى الحكم حقيقي ولو كان المراد من الموصول هو الاعم لزم اجتماع اسنادين وهو غير معقول.

اجبنا عنه بما تقدم مفصلا فراجع.

٣٣٨

وعليه فالحديث يشمل الشبهة الحكمية ، والموضوعية معا.

ثم ان بعض الاعاظم (١) افاد انه يمكن القول بشمول الحديث لكلتا الشبهتين ، مع فرض كون المراد من الموصول هو فعل المكلف ، بان يقال ان المراد هو الفعل بما انه متعلق التكليف فحينئذ الشك فيه كما يمكن ان يكون باعتبار الجهل بعنوانه الذاتي ، يمكن ان يكون باعتبار الشك في حكمه مثلا ، شرب المائع الخارجي قد يكون مجهولا بعنوانه الذاتي ، وهو كونه شرب الخمر الملازم للجهل بحكمه ، وقد يكون عنوانه الذاتي معلوما ، والجهل ، إنما يكون في وصفه العرضى وهو الحرمة فهو بكل اعتبار تعلق به الجهل مرفوع.

وفيه : ان العنوان الذي يحتمل كونه مرادا من الموصول ان اخذ مرآتا إلى المتصف به وهو الذات أي فعل المكلف ، رجع ذلك إلى ارادة الفعل منها ، وان اخذ في الموضوع باعتبار نفسه رجع إلى ارادة الحكم منها ، وان اخذ باعتبار كليهما رجع إلى ما اخترناه.

الجهة الثالثة : في شمول الحديث للاحكام الضمنية والكلام في هذه الجهة موكول إلى مبحث الأقل والأكثر الارتباطيين وسيظهر لك جريان البراءة فيها.

الجهة الرابعة : الظاهر اختصاص الحديث بالاحكام التكليفية وعدم جريانها في الوضعيات إذ لو لم يعلم سببية معاملة خاصة وامضائها شرعا كان موردا لأصالة الفساد ولا معنى لاجراء حديث الرفع فيها فانه ان اريد اثبات امضائها فالحديث لا يصلح لذلك ، وان اريد رفعه لم يكن فيه منّة ، وان شك في

__________________

(١) تعرض لهذا الوجه الميرزا الآشتياني (قدِّس سره) في بحر الفوائد ج ٢ ص ١٤.

٣٣٩

جزئية شيء أو شرطيته لمعاملة خاصة ولم يكن لدليلها إطلاق مقتضي لعدم الاعتبار ، فحيث ان شأن حديث الرفع رفع الحكم أو الوضع المتعلق بالمجموع من المعلوم والمجهول ، وامضاء المشتمل على المشكوك اعتباره لا شك فيه ، فلا معنى لرفعه ، ورفع جزئية المشكوك اعتباره وحدها لا يمكن كما ستعرف.

في جريان البراءة في الأحكام غير الالزامية وعدمه

ثم انه لا ريب في اختصاص البراءة العقلية بموارد الشك في التكاليف الالزامية كما لا يخفى.

واما البراءة الشرعية ففي اختصاصها بها خلاف.

ثالثها : التفصيل بين ما لو شك في التكليف الاستقلالي وما لو شك في التكليف الضمنى ، فتجرى في الثاني دون الأول.

وهو الاظهر : لأنه في موارد الشك في التكاليف الاستقلالية ما يكون قابلا للرفع إنما هو حسن الاحتياط لما عرفت من ان رفع التكليف في الظاهر إنما هو رفع للاحتياط ، فان كان الشك في التكليف الالزامي ، فالمرفوع ايجاب الاحتياط ، وان كان في غير الالزامي ، فالمرفوع إنما هو استحبابه وحسنه ، وحيث ان الاحتياط حسن ومستحب على كل حال ، ويعلم عدم ارتفاعه فالتكليف غير الالزامي المحتمل غير مرفوع ظاهرا.

واما في مورد الشك في التكليف الضمنى ، فبما ان تقيد المستحب بالقيد المجهول مشكوك فيه فلا مانع من شمول الحديث له لنفيه ، واثبات عدم التقييد

٣٤٠