زبدة الأصول - ج ٤

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-37-3
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥١٠

بالفصل جزما.

واجيب عنه (١) ، بان قبول قول الرواة في الفرض حينئذ ليس بما هم رواة حتى يثبت في غيرهم بعدم القول بالفصل بل بما هم علماء ، واهل الذكر.

ولكن : يمكن تأييد المحقق الخراساني بان يقال ان مراده ان اساس الاشكال ان من كان عالما باحاديث قليلة لا يصدق عليه أهل الذكر ، فلو كان الشخص عالما باحاديث كثيرة كزرارة يصدق عليه أهل الذكر ، فإذا وجب قبول رواية هذا الشخص ، والمفروض انه يقبل روايته بما هو راو ، لا بما هو مفتى ، ثبت حجية رواية غيره لعدم الفصل.

الثاني : ان المراد من أهل الذكر علماء أهل الكتاب بقرينة السياق ، وفي بعض الروايات ان المراد بهم الائمة الطاهرين عليهم‌السلام.

وفيه : ان الظاهر ان ، أهل الذكر عنوان عام يشمل الجميع ويختلف باختلاف الموارد ، فاهل الذكر لاثبات النبوة هم علماء أهل الكتاب ، واهل الذكر للشيعة ، هم الائمة ، وفي الغيبة أهل الذكر للناس ، هم الفقهاء ، والفقهاء الرواة ، فلا وجه لتخصيص أهل الذكر بطائفة خاصة منهم.

الثالث : ان ظاهر تعليق الأمر بالسؤال على عدم العلم ان الغاية منه حصول العلم بالجواب لا متابعة الخبر مع عدم حصوله.

وفيه : أولا : انه لم يظهر وجه هذا الاستظهار ، إذ لا شبهة في ان حجية الخبر

__________________

(١) الظاهر أن الجواب للسيد الخوئي (قدِّس سره) كما في الهداية في الأصول ج ٣ ص ٢١٧.

٢٤١

إنما هي في ظرف عدم العلم ، وهذا هو الذي صرح به الآية الشريفة فمن اين يستفاد ان الغاية هي حصول العلم.

وثانيا : ان نفس الآية الشريفة الدالة على حجية الخبر الواحد مع قطع النظر عن هذا الإيراد كما هو المفروض ، تدل على كون الخبر من أفراد العلم ، بناء على مسلك تتميم الكشف كما هو الحق.

فالصحيح ان يورد على الاستدلال بها انها لا تدل على ان غاية السؤال ، هو العمل ، حتى مع عدم العلم ، وليس واردا في مقام البيان من هذه الجهة ولعل المطلوب هو قبول قول أهل الذكر في صورة حصول العلم أو الاطمينان.

الاستدلال بآية الإذن لحجية خبر الواحد

الخامس : آية الإذن وهي : قوله تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)(١). تقريب الاستدلال بها ان الله تعالى مدح نبيه ، بتصديقه للمؤمنين ، وقرنه بتصديقه بالله ، فهو كاشف عن حسنه ، وإذا ثبت حسنه ، لزم القول بوجوبه : للملازمة العقلية ، ولعدم الفصل.

وأورد عليه الشيخ الأعظم (٢) والمحقق الخراساني (٣) بان المراد من الإذن

__________________

(١) الآية ٦١ من سورة التوبة.

(٢) فرائد الأصول ج ١ ص ١٣٤.

(٣) كفاية الأصول ص ٣٠١ ، قال : «.. أُذن : وهو سريع القطع لا الأخذ بقول الغير تعبدا».

٢٤٢

السريع التصديق والاعتقاد لا الاخذ بقول الغير تعبدا.

وفيه : ان كون الشخص ، سريع الاعتقاد والقطع ، وحصوله من سبب ، لا ينبغي حصوله منه إنما يكون نقصا فيه فضلا عن النبي (ع) ، فضلا عن كونه كمالا له ، وموجبا لمدح الله سبحانه اياه.

فالصحيح : ان يورد عليه بان المراد من تصديقه للمؤمنين هو عدم تكذيبهم ورد قولهم واظهار القبول الذي هو امر اخلاقي لا تصديقهم بجعل المخبر به واقعا وترتيب جميع الآثار عليه ، وذلك لوجهين :

الأول : انه لو كان المراد ذلك لم يكن اذن خير للجميع بل كان اذن خير لخصوص المخبر وأذن شر لغيره.

الثاني : ملاحظة مورد نزول الآية الشريفة وهو انه نمَّ منافق على النبي (ص) فاخبره الله ذلك ، فاحضره النبي (ص) وسأله فحلف انه لم يكن شيء مما ينم عليه ، فقبل منه النبي (ص). فاخذ هذا الرجل بعد ذلك يطعن على النبي (ص) ويقول انه يقبل كل ما يسمع اخبره الله انّي انمُّ عليه ، فقبل ، واخبرته انّي لم افعل فقبل ، فرده الله تعالى بنزول هذه الآية ، فإنه من البديهي ان تصديق المنافق في مقابل اخباره تعالى لم يكن إلا بهذا المعنى.

واستشهد له الشيخ الأعظم (ره) (١) وتبعه صاحب الدرر (٢) بتعدية الايمان في الفقرة الأولى بالباء ، وفي الفقرة الثانية باللام فان ذلك آية اختلاف المراد به.

__________________

(١) فرائد الأصول ج ١ ص ١٣٥.

(٢) درر الفوائد للحائري ج ٢ ص ٥٦.

٢٤٣

وفيه : ان الايمان الذي هو عبارة أخرى عن التصديق ان تعلق بوجود الشيء كان يتعدى بالباء ، ومنه قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ)(١) ، وان كان متعلقا بالقول والاخبار ، يتعدى باللام ، ومنه قوله تعالى : (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا)(٢) ، (وَلَا تُؤْمِنُواْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ)(٣).

وعليه فحيث انه اريد في الجملة الثانية الايمان بقول المؤمنين ، فتعداه باللام ، وفي الجملة الأولى ، وان كان المراد به أيضاً الايمان بقوله تعالى ، إلا انه إنما تعدى بالباء للتنبيه على امر ، وهو ان الايمان والتصديق باخبار الله تعالى ، وقوله ، ملازم للتصديق بوجوده ، ولهذه النكتة تعدى بالباء.

وبهذا يظهر انه لاوجه للاستشهاد لما ذكرناه ، بان الظاهر من التعدية باللام هو التصديق فيما ينفعهم لا تصديقهم ولو فيما عليهم ويضرهم ، فالصحيح ما ذكرناه.

ولا يخفى انه بناء على ما ذكرناه من عدم دلالة الآيات ، غير آية النبأ على حجية خبر الواحد ، لا كلام فانه قد عرفت ان المستفاد منها حجية الخبر الواحد في الأحكام والموضوعات ، من غير فرق بين أنواع الخبر.

ودعوى ان المفهوم منصرف إلى الخبر المفيد للوثوق كما عن الشيخ

__________________

(١) الآية ٢٨٥ من سورة البقرة.

(٢) الآية ١٧ من سورة يوسف.

(٣) الآية ٧٣ من سورة آل عمران.

٢٤٤

الأعظم (١).

من الغرائب ، لان المفهوم كما مر دلالة عقلية ، والانصراف من عوارض الالفاظ.

وان قيل ان مدعاه انصراف المنطوق.

توجه عليه انه غير منصرف قطعا ، لعدم احتمال اختصاص عدم الحجية بالخبر المفيد للوثوق.

واما على القول بدلالة غير آية النبأ عليها ، فالنسبة بين تلك الآية ، ومنطوق آية البناء عموم من وجه إذا المنطوق يشمل الخبر في الأحكام والموضوعات ، وتلك الآية مختصة بالاحكام ، إلا انها اعم منه من جهة شمولها للعادل ، والفاسق ، والمجمع خبر الفاسق في الأحكام.

وحيث ان المتعارضين من الكتاب لا معنى للرجوع إلى اخبار الترجيح فلا محالة يتعارض الاطلاقان ويتساقطان ، فيرجع إلى أصالة عدم الحجية.

واما مفهوم آية النبأ فحيث انه مع الآيات الأخر من قبيل المثبتين ، فلا يقيد أحدهما بالاخرى.

وبه يظهر ان ما أفاده الشيخ الأعظم من انه بعد دعوى انصراف مفهوم الآية بالخبر العادل المفيد للوثوق ، يقيد سائر الآيات به ، غير تام.

__________________

(١) فرائد الأصول ج ١ ص ٢٠٢ (المقام الأول : الجبر بالظن الغير المعتبر) حيث قال : «فالآية تدل على حجية الخبر المفيد للوثوق والاطمئنان ولا بعد فيه».

٢٤٥

النصوص الدالة على حجية خبر الواحد

السادس : من ادلة حجية الخبر الواحد ، النصوص الكثيرة الواردة في موارد مختلفة ، وقبل بيان هذا الاستدلال لا بد من تقديم مقدمة.

وهي ان التواتر على اقسام :

الأول : التواتر اللفظي وهو ما لو كان جميع الأخبار لفظها واحدا كخبر غدير الخم ، فان هذه العبارة (من كنت مولاه فعلي مولاه) نقلها الجميع.

الثاني : التواتر المعنوي ، وهو ما إذا اتفقوا على نقل مضمون واحد بالمطابقة أو بالتضمن أو بالالتزام ، كالاتفاق على شجاعة الإمام على.

الثالث : التواتر الإجمالي وهو ما إذا كانت الأخبار مختلفة لفظا ومعنى ، ولكن يعلم بصدور واحد منها.

وقد اختار المحقق النائيني (ره) (١) عدم وجوده ، بدعوى ان الأخبار وان بلغت من الكثرة ما بلغت فان كان هناك جامع بينها ، يكون الكل متفقا على نقله ، فهو يرجع إلى التواتر المعنوي ، وإلا فلا وجه لحصول القطع بصدق واحد منها بعد جواز كذب كل واحد منها في حد نفسه وعدم ارتباط بعضه ببعض.

وفيه : ان مقتضى هذا البرهان انكار التواتر اللفظي والمعنوي أيضاً : إذ كل واحد من الأخبار في نفسه محتمل للصدق والكذب ، فكما يقال هناك انه يمتنع

__________________

(١) أجود التقريرات ج ٢ ص ١١٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٣ ص ١٩٧.

٢٤٦

عادة تواطئهم على الكذب ، كذلك يقال في المقام. وبالجملة : انكار ذلك مكابرة ، وهذا القسم من التواتر أي التواتر الإجمالي على قسمين :

الأول : ما لا يكون هناك جهة مشتركة بين تلك الأخبار.

الثاني ما يكون هناك جهة مشتركة.

ودعوى : رجوع ذلك إلى التواتر المعنوي.

فاسدة : بعد الاخذ في كل منها قيدا غير ما اخذ في الآخر ، والمدعى في المقام ثبوت القسم الثاني من التواتر الإجمالي كما ستعرف.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان النصوص الواردة في المقام على طوائف :

الطائفة الأولى : الأخبار العلاجية الواردة في الأخبار المتعارضة (١) وهي كثيرة ، وموردها الخبرين غير مقطوعي الصدور.

وذلك لصراحة جملة منها في ذلك كقوله في خبر ابي الجهم يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين ، وظهور غيرها فيه ، فان قول السائل يأتي عنكم خبران متعارضان ، ظاهر في مشكوكي الصدور.

ولان الترجيح بصفات الراوي من الاوثقية والأصدقية وغيرهما إنما يناسب مع الشك في الصدور ولا يلائم مع القطع به.

ويظهر من هذه النصوص ان حجية الخبر الواحد في الجملة كانت امرا مفروغا عنه بين اصحاب الائمة عليهم‌السلام ، وهم (ع) لم يردعوا عنه ، بل

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٧ ص ١٢١ باب ٩ من ابواب صفات القاضي منها ح ٣٣٣٧٣ الآتي.

٢٤٧

قرروا ما كان مغروسا في اذهانهم بل صرحوا بالحجية اما تعيينا أو تخييرا.

الطائفة الثانية : ما تضمن الارجاع إلى اشخاص من الرواة كالجالس ، أي زرارة (١) ، والثقفي ، والاسدي وغيرهم (٢)

الطائفة الثالثة : ما تضمن الأمر بالرجوع إلى الثقاة كقوله لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا (٣).

الطائفة الرابعة : النصوص الواردة بالسنة مختلفة المستفاد منها ذلك (٤) وهذه النصوص وان لم تكن متواترة لفظا ولا معنا ، إلا انها متواترة اجمالا ، فلا بد من الاخذ بالمتيقن منها ، وهو خبر العدل الامامي الذي يعبر عنه بالثقة.

لا ما أفاده المحقق النائيني (ره) (٥) من كونه الخبر الموثوق به ، إذ بعد فرض اخذ عنوان المأمون على الدين والدنيا ، والثقة في الموضوع ، والترجيح بالأعدلية في عرض ، الاوثقية ، لا يبقى مجال لدعوى ان اخصها مضمونا الخبر الموثوق به

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٧ ص ٧٧ باب ٨ من ابواب صفات القاضي.

(٢) وسائل الشيعة ج ٢٧ ص ٧٧ ـ ٧٨ باب ٨ من ابواب صفات القاضي.

(٣) رجال الكشي ص ٥٣٥ ـ ٥٣٦ ح ١٠٢٠ / وسائل الشيعة ج ٢٧ ص ١٤٩ باب ١١ من ابواب صفات القاضي ح ٣٣٤٥٥.

(٤) المصدر السابق من الوسائل في الابواب المتفرق.

(٥) أشار المحقق النائيني إلى اعتبار الوثوق في غير مورد : منها ما في أجود التقريرات ج ٢ ص ١٤٩ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٣ ص ٢٥٩ التنبيه الثاني من تنبيهات الانسداد في معرض رده على الشيخ الأعظم ، قال : «الركن الركين في تلك القيود المذكورة انما هو إفادة الخبر للوثوق مع عدم اعراض المشهور .. الخ».

٢٤٨

ومع عدم كونه اخص مضمونا لما كان وجه لدعوى القطع باستفادة حجيته من هذه النصوص.

إلا انه يمكن القول بحجية الخبر الموثوق به واستفادته من هذه النصوص بتقريبين آخرين.

الأول : انه بمناسبة الحكم والموضوع المغروسة في الاذهان التي هي كالقرينة المتصلة يحمل الثقة ، والعدل على ارادة المتحرز عن الكذب إذ هذا هو الدخيل في ثبوت الصدور من المعصوم (ع) واما العدالة في الامور الأخر وصحة العقيدة ، فهما غير دخيلين في ذلك قطعا ، وليس المقام نظير باب الفتوى والحكومة حيث يدعى ، انهما منصبان لا يليق للتصدى لهما إلا العادل الورع كما لا يخفى.

الثاني : ما أفاده المحقق الخراساني (١) من ان المتيقن من هذه الأخبار هو الخبر الصحيح ، إلا انه من جملة تلكم الأخبار ، خبر صحيح يدل على حجية الموثق مطلقا.

تقرير الإجماع على حجية خبر الواحد

السابع : من ادلة حجية الخبر الواحد الإجماع ، وتقريبه من وجوه :

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٣٠٢.

٢٤٩

احدها : الإجماع المنقول من شيخ الطائفة (١) على حجيته.

الثاني : الإجماع القولي عدا السيد واتباعه كما يظهر ذلك بالتتبع في فتاوى الاصحاب وكلماتهم وخلافهم لا يضر.

الثالث : الإجماع القولي من الجميع حتى السيد واتباعه ، اما غير السيد واتباعه فواضح ، واما هم فيمكن ان يذكر له وجهان :

الأول : ان انكار السيد (ره) حجية الخبر المجرد عن القرائن القطعية إنما هو لأجل انفتاح باب العلم لديه ومعلومية معظم الفقه عنده بالضرورة ، والاجماع القطعي ، والاخبار المتواترة كما يصرح بذلك في جواب ما اورده على نفسه بأنه إذا لم يكن الخبر الواحد حجة فعلى أي شيء تعوِّلون في الفقه كله وظاهر ذلك ان الخبر حجة على فرض انسداد باب العلم.

الثاني : ان يكون المراد من العلم ما يشمل الوثوق والاطمئنان كما يشهد له ما ذكره (قدِّس سره) في تعريف العلم بأنه ما يقتضي سكون النفس (٢) ، فمراده من القرائن الموجبة للعلم هي ما توجب الوثوق والاطمئنان الموجب لسكون النفس فيكون قوله قبال من يدَّعي حجية الخبر الواحد تعبدا وان لم يحصل الوثوق ، وعلى ذلك فهو أيضاً قائل بحجية الخبر الواحد غاية الأمر يعتبر فيها افادته الوثوق.

الرابع : الإجماع العملي من العلماء كافة بل من جميع المتشرعة.

__________________

(١) العدّة ج ١ ص ١٢٦ حيث قال : «والذي يدل على ذلك إجماع الفرقة .. الخ».

(٢) الذريعة ج ١ ص ٢٠.

٢٥٠

ولكن يرد على الوجه الأول ان حجية الإجماع المنقول على القول بها ، إنما هي من جهة كونه من أفراد الخبر ، فكيف يصح الاستدلال به على حجية الخبر ، أضف إلى ذلك ما تقدم من عدم شمول ادلة حجية الخبر الواحد لنقل الإجماع.

ويرد على الوجه الثاني ، مضافا إلى ان عدم مضرية مخالفة السيد إنما يتم على القول بالاجماع الدخولى دون الحدسي ، أو قاعدة اللطف.

انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يكون هذا الإجماع كاشفا عن راى المعصوم عليه‌السلام.

ويرد على الوجه الثالث : مضافا إلى ما أورد على الثاني ، انه اجماع تقديري احتمالي ، لأنه من المحتمل ان السيد واتباعه على تقدير الالتزام بالانسداد لا يلتزمون بحجية خبر الواحد ، بل يرونه من أفراده الظن المطلق كالمحقق القمي (ره) (١).

ويرد على الوجه الرابع ان عمل المجمعين لا يكون كاشفا عن كون رأيهم حجية الخبر الواحد ، فان عمل جماعة منهم يكون من جهة انهم يرون كون ما في الكتب الاربعة مقطوع الصدور.

واما عمل المتشرعة فهو وان كان مما لا ينبغى انكاره ، كما يظهر لمن لاحظ اخذ أهل البوادى والقرى والبلدان والنساء ، الفتاوى من الوسائط بينهم وبين

__________________

(١) راجع القوانين فقد أشار إلى ذلك في موارد عديدة منها ما في ج ١ ص ٤٤٠ بعد فقدان العلم وانحصار الامتثال بالعمل بالظن قال : «ويندرج في ذلك الظن الحاصل من الخبر الواحد فإنه لا فارق بين أفراد الظن من حيث هو .. الخ».

٢٥١

المعصومين ، ونوابهم من صدر الاسلام إلى زماننا إلا انه لم يثبت كون ذلك سيرة المتشرعة بما هم متشرعون ، بل الظاهر كون سيرتهم عليه ، بما هم عقلاء فالعمدة هو بناء العقلاء.

تقرير بناء العقلاء على حجية خبر الواحد

الثامن : سيرة العقلاء فانها قد استقرت على العمل بخبر الواحد في جميع امورهم ولم يردع الشارع الاقدس عنها ، وإلا لبان كما وصل منعه عن العمل بالقياس ، مع ان العامل بالقياس اقل من العامل بخبر الثقة بكثير ، ومع ذلك قد بلغت الروايات المانعة عن العمل بالقياس إلى خمسمائة رواية تقريبا ، ولم يصل المنع عن العمل بخبر الثقة رواية واحدة ، وهذا اقوى كاشف عن امضاء الشارع اياه.

وغاية ما توهم ، ان الآيات والروايات الناهية عن اتباع غير العلم رادعة عن هذه السيرة.

وافاد القوم في دفع هذا التوهم وجوها :

منها : ما في هامش الكفاية (١) من ان نسبة السيرة إلى تلك الأدلة نسبة الخاص المتقدم إلى العام المتأخر ، في ان الأمر يدور بين تخصيص العام بالخاص المقدم ، وبين جعل العام ناسخا ، وقد ذكرنا في بحث العموم والخصوص ، ان المتعين هو الأول إذ الخاص قرينة على المراد من العام ، وتقديم البيان على وقت

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٣٠٤ هامش رقم ٢ للآخوند بتصرف.

٢٥٢

الحاجة لا محذور فيه فتدبر.

وفيه : ان كون السيرة مخصصة للعام المتأخر متوقف على حجيتها ، وهي تتوقف على احراز تمكن الشارع من الردع قبل نزول الآيات الناهية ، لتكون السيرة حجة حينئذ وقابلة لتخصيص العام ، وانى لنا باثبات ذلك كيف ولم يكن (ص) في أول البعثة متمكنا من الردع عن المحرمات القطعية كشرب الخمر مثلا ، ولا من الأمر بالواجبات الضرورية كالصوم والصلاة ومع عدم التمكن لا يكون السيرة حجة.

ومنها : ما في الكفاية متنا (١) ، قال لا يكاد يكون الردع بها إلا على وجه دائر وذلك لان الردع بها يتوقف على تخصيص عمومها أو تقييد اطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة وهو يتوقف على الردع عنها بها وإلا لكانت مخصصة أو مقيدة لها.

ثم أورد على نفسه بأنه على هذا يكون اعتبار خبر الثقة أيضاً دوريا ، لتوقفه على عدم الردع بها المتوقف على تخصيصها بها المتوقف على عدم الردع.

وأجاب (٢) عنه بأنه يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عنها ، ولا يتوقف على ثبوت عدم الردع.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٣٠٣.

(٢) كفاية الأصول ص ٣٠٣ ايضا.

٢٥٣

وأورد عليه المحقق صاحب الدرر (ره) (١) والاستاذ الأعظم (٢) : بان عدم ثبوت الردع لا يكفي في تخصيص العمومات بالسيرة بل لا بد من ثبوت الامضاء المنكشف بثبوت عدم الردع ، فان سيرة العقلاء ما لم يمضها الشارع لا تكون حجة.

ويمكن رد ذلك ، بان هذا الإيراد لا يرد عليه على مسلكه في حجية طريقة العقلاء ، إذ ليس مبناه فيها الملازمة بين حجية شيء عند العقلاء وحجيته عند الشارع حتى يحتاج إلى امضاء الشارع كي يكون المقتضى للحجية امضاء الشارع ، ويكون ثبوت عدم الردع احد الطرق الكاشفة عن امضائه بل مبناه ، ان الشارع بما انه رئيس العقلاء وهو منهم متحد المسلك مع العقلاء ، فهذا مقتض لاتحاد المسلك. وبعبارة أخرى : نفس بناء العقلاء مقتض لحجية الخبر لفرض كونه منهم ، وردعه كاشف عن اختلاف مسلكه معهم من حيث انه منهم ، فعدم ثبوت الردع كاف في الحكم باتحاد المسلك لعدم المانع عن الحكم بالاتحاد.

فالصحيح ان يورد عليه بان ، عدم ثبوت التخصيص يكفي في حجية العمومات أيضاً وصلوحها رادعة عن السيرة إذ الدليل حجة ما لم يثبت خلافه.

__________________

(١) درر الفوائد للحائري ج ٢ ص ٥٨ قوله : «نعم هذا الوجه أعني بناء العقلاء لو تم عدم ردع الشارع اياهم لأثبت المدعى .. الخ».

(٢) مصباح الأصول ج ٢ ص ١٩٨ / دراسات في علم الأصول ج ٣ ص ١٨٨ ـ ١٨٩.

٢٥٤

ومنها : ما عن المحقق الخراساني (١) وهو ان الأدلة منصرفة ولا اقل ان المتيقن منها خصوص الظن الذي لم يقم دليل على حجيته بالخصوص.

وفيه : ان دعوى الانصراف باطلة إذ لا منشأ له في المقام ، حتى من المناشئ التي ذكرها القوم ، ونحن لا نسلمها من ، غلبة الوجود ، وكثرة الاستعمال الموجبتين لأنس الذهن.

واما دعوى التيقن فان اريد به الانصراف. فيرد عليه ما تقدم ، وإلا فيرد عليه ان مجرد وجود المتيقن لا يمنع عن التمسك بالإطلاق.

ومنها : ما عن المحقق الخراساني في مجلس بحثه وهو انه بعد تسليم صلاحية كل من العمومات والسيرة لرفع اليد بها عن الاخرى ، وتعارضهما ، وتساقطهما ، يرجع إلى استصحاب الحجية الثابتة للسيرة قبل ورود الآيات الناهية عن العمل بغير العلم.

وفيه : ان هذا يتم لو أحرز تمكن الشارع الأقدس من الردع عن العمل به قبل ورودها ولم يكن يترتب عليه محذور اهم ، وإلا فلا يكون امضاؤه محرزا به فلا تكون حجية السيرة محرزة قبل نزول الآيات كي تستصحب مع ان دليل حجية الاستصحاب ، اما السيرة العقلائية أو أخبار الآحاد فعلى الثاني كيف يمكن التمسك لحجية خبر الواحد بالاستصحاب المتوقف حجيته على حجية الخبر الواحد بعد عدم كونها متواترة ، وعلى الأول تكون الأدلة الناهية عن العمل بغير العلم ناهية عن العمل بالاستصحاب فكل ما يقال في السيرة

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٣٠٣.

٢٥٥

القائمة على العمل بخبر الواحد مع الآيات الناهية عن العمل بغير العلم يقال في السيرة القائمة على العمل بالاستصحاب.

كيف وقد صرح المحقق الخراساني في مبحث الاستصحاب من الكفاية (١) بان تلك الآيات رادعة عن العمل بالاستصحاب.

أضف إلى ذلك كله ان المختار عدم حجية الاستصحاب في الأحكام الكليّة.

ومنها : ما أفاده الشيخ الأعظم (ره) (٢) وحاصله ان دليل حرمة العمل بغير العلم احد أمرين والعمومات راجعة إلى أحدهما :

الأول : ان العمل بغير العلم تشريع محرم.

الثاني : ان العمل بغير العلم مستلزم لطرح ادلة الأصول العملية واللفظية التي اعتبرها الشارع عند عدم العلم بالخلاف.

وشيء من هذين الوجهين لا يوجب الردع عن العمل في المقام.

إذ حرمة التشريع ، وعدم جواز طرح الأصول مركوزان في اذهان العرف والعقلاء ، ومع ذلك يعملون بخبر الثقة فيستكشف من ذلك ان العمل به لا يعد تشريعا عند العرف بل يرونه إطاعة ، ولذا يعولون عليه في اوامرهم العرفية.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٣٨٧ أدلة حجية الاستصحاب (وثانيا ..) من إيراداته على الوجه الأول.

(٢) فرائد الأصول ج ١ ص ٣٠٠.

٢٥٦

اما الأصول التي مدركها حكم العقل ، فلا تجرى في مقابل خبر الثقة ، بعد الاعتراف ببناء العقلاء على العمل به.

واما الأصول اللفظية ، فلان مدركها بناء العرف والعقلاء ، ولا بناء منهم على اعتبارها ، فادلتها لا تشمل صورة وجود الخبر الموثوق به في مقابلها.

وفيه : ان العرف والعقلاء إنما لا يرون العامل بخبر الثقة في اموراتهم مشرعا لما يرونه حجة فعدم كونه تشريعا إنما يترتب على حجيته ، فلا يمكن اثبات الحجية بعدم التشريع.

وبعبارة أخرى : عدم كونه مشرعا إنما يكون من جهة كون الخبر حجة عندهم ، فلو كان ذلك كاشفا عن امضاء الشارع ، كان العامل غير مشرع عنده أيضاً وإلا كان مشرعا ، والكلام الآن في كاشفيته عن امضاء الشارع بعد ورود ما يصلح للرادعية فتدبر فانه دقيق.

مع ان حمل جميع الأخبار والآيات المتضمنة للنهى عن اتباع غير العلم على ارادة احد الامرين الذين اشار اليهما خلاف الظاهر ، فان الظاهر من كل عنوان مأخوذ في دليل دخله في الحكم بنفسه.

فالصحيح في الجواب ان يقال ان عمل العقلاء بخبر الثقة إنما هو من جهة الغائهم احتمال الخلاف ، وفرضه كالعدم والمعاملة معه معاملة العلم.

وعليه : فلا يعقل رادعية العمومات الناهية عن العمل بما وراء العلم عنه إذ الرادعية فرع كون مورد البناء ومفاد العمومات شيئا واحدا ، وإلا فلو كان كل منهما متكفلا لبيان امر غير ما يكون الآخر متكفلا له ، لا معنى للرادعية

٢٥٧

وهو واضح ، والعمومات متضمنة لبيان عقد الحمل ، وان كل ما صدق عليه غير العلم لا يجوز اتباعه ، واما انه في أي مورد يصدق هذا العنوان فتلك العمومات غير متكفلة لبيانه ، بل لا بد من التماس دليل آخر كما هو الشأن في جميع الأدلة المتضمنة للاحكام على الموضوعات ، وبناء العقلاء متكفل لبيان عقد الوضع وان خبر الثقة ليس بغير علم ، وعليه فالعمومات غير رادعة عنه بل لا يعقل رادعيتها.

فتحصل انه بمقتضى بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة ، بضميمة عدم الردع يبنى على حجية خبر الثقة.

ثم ان مقتضى هذا الدليل حجية كل خبر ثقة كان إماميا ، أم غير امامى ، بل كل خبر موثوق به كان الراوى ثقة ، أم لا؟ فيستفاد منه حجية الخبر باقسامه الاربعة ، وكذلك يدل على حجية الخبر الواحد في الموضوعات ، وما يتوهم ان يكون رادعا عنه ، ودالا على عدم حجيته في الموضوعات قد تقدم انه لا يصلح لذلك في ذيل آية النبأ فراجع.

الوجوه العقلية التي اقيمت على حجية الخبر

التاسع : الوجوه العقلية ، وقد ذكروا لذلك عدة وجوه :

الوجه الأول : انه يعلم اجمالا بصدور كثير مما بايدينا من الأخبار من الائمة الاطهار ، ولازم ذلك العمل بجميع النصوص التي هي طرف العلم.

توضيح ذلك : انه بعد مراجعة احوال الرواة وملاحظة شدة اهتمامهم

٢٥٨

بضبط الاحاديث الواردة عن المعصومين عليهم‌السلام ، واهتمامهم بتنقيح ما اودعوه في كتبهم عن الأخبار المدسوسة ، حتى انهم من جهة هذا الاهتمام كانوا لا يعتنون باخبار من يعتمد في عمل نفسه على المراسيل ، وكان يروى عن الضعفاء ، وان كان بنفسه ثقة كالبرقي ، ولا يعتنون باخبار من عمل بنفسه بالقياس كالاسكافي ، مع ان العمل لا ربط له بالخبر ، ولذا ترى ان على ابن الحسين بن الفضال لم يرو كتب ابيه معتذرا بأنه كان صغير السن عند سماعه الاحاديث منه فقرأ كتب ابيه ، على اخويه محمد واحمد ، وكانوا يتوقفون في روايات من كان على الحق ، ثم انحرف كبنى فضال ، أو ارتد عن مذهب الشيعة كابن عذافر ، يظهر صدور جملة من الأخبار المتضمنة للاحكام المودعة في الكتب الاربعة وغيرها من الكتب ، ومقتضى هذا العلم الإجمالي العمل بجميع النصوص التي تكون طرفا لهذا العلم الإجمالي.

وأورد عليه الشيخ الأعظم بامرين (ره) (١) : الأول : ان لنا علمين اجماليين ومعلومين كذلك : أحدهما ثبوت الأحكام في الأخبار بالتقريب المتقدم. ثانيهما : ثبوت أحكام في مجموع الأخبار وسائر الأمارات الظنية الأخر فسائر الأمارات طرف للعلم الإجمالي الثاني الذي يكون دائرته اوسع من دائرة العلم الإجمالي الأول ، ولا يكون ذلك العلم الإجمالي منحلا بالعلم الإجمالي الصغير إذ الميزان في تشخيص الانحلال وعدمه هو ان يفرز من اطراف العلم الإجمالي الصغير بالمقدار المتيقن ، فان بقى علم اجمالي بوجود الأحكام في بقية اطراف الشبهة من سائر الأخبار ، والأمارات يكشف ذلك عن عدم الانحلال ، وان لم يبق العلم

__________________

(١) فرائد الأصول ج ١ ص ١٧٠ ـ ١٧١.

٢٥٩

الإجمالي لا محالة يكون منحلا ، وحيث انه في المقام لا ريب في انا لو فرضنا قدرا من الأخبار لا يزيد عن المعلوم بالإجمال ، من الأحكام في ما بين الأخبار من الأحكام ، لا ريب في بقاء العلم الإجمالي بوجود أحكام فيما بين بقية الأخبار وسائر الأمارات الظنية ، فلا مناص عن عدم الانحلال.

ولا يكفي في الجواب عن ذلك مجرد دعوى الانحلال ، وعدم بقاء العلم الإجمالي كما في الكفاية (١) وتبعه الأستاذ الأعظم (٢) فان انكار بقائه مكابرة.

فالحق في الجواب ان يقال ان العلم الإجمالي وان كان باقيا إلا ان الذي يفيد ، لعدم الانحلال هو كون المعلوم بالإجمال وجوده من الأحكام في مجموع الأخبار وسائر الأمارات ، غير المعلوم بالإجمال وجودها في الأخبار المروية في الكتب المعتبرة ، وهذا إنما يكون مع عدم احتمال اتحاد مؤديات سائر الأمارات مع الأخبار المفروزة ، أو المفروز منها ، وحيث انه لا علم بوجود أحكام غير ما في الأخبار المروية في الكتب المعتبرة من الأحكام فلا محالة يكون العلم الإجمالي الكبير منحلا بالعلم الإجمالي الصغير والشك البدوى في سائر الأمارات.

بقي الكلام في ان مقتضى هذا الوجه ، هل هو حجية الخبر بنحو يقيد به المطلق ، ويخصص به العام ، وبه يرفع اليد عن الأصول العملية ، أم ليس إلا وجوب العمل بالاخبار المثبتة فقط.

والكلام في هذا المقام يقع في موردين :

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(٢) مصباح الأصول ج ٢ ص ٢٠٤.

٢٦٠