زبدة الأصول - ج ٤

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-37-3
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥١٠

الخطأ ، والآية لا نظر لها إلى عدم الاعتناء به ، ولا بناء من العقلاء على عدمه.

وكذلك لو كان المخبر عنه حدسيا ، فان الآية لا نظر لها إليه ، وبناء العقلاء ليس على تصويبه ، فلا يكون الخبر حينئذ حجة.

نعم إذا كان المخبر عنه حدسيا ، وكان المنقول إليه جازما باصابة الحدس على تقدير تحقق المنشأ يكون الخبر حجة ، لان عدم ثبوت المخبر عنه لا بد وان يستند اما إلى الخطأ في الحدس ، والمفروض الجزم بعدمه وكونه مصيبا ، أو إلى عدم تحقق المنشأ ، واحتمال تعمد الكذب ، فالآية وبناء العقلاء تدلان على عدم الاعتناء به فلا محالة يثبت المخبر عنه هذا كله فيما يدل عليه ادلة حجية خبر الواحد.

وبه يظهر الحال في نقل الإجماع توضيحه ، ان الناقل ربما ينقل المسبب ، وهو رأى المعصوم (ع) وربما ينقل السبب ، وهو فتاوى الفقهاء.

فان نقل المسبب فان علم انه ينقله عن حس كما في العلماء في عصر الحضور ، فهو حجة.

وان أحرز ان المخبر عنه حدسى كما في العلماء في هذا العصر ، فان كان المنقول إليه يرى سببية ما يراه الناقل سببا لاستكشاف راى المعصوم (ع) فنقله حجة وإلا فلا.

فتفصيل المحقق الخراساني (١) بين ما إذا كان السبب تاما في نظر المنقول

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٢٩٠.

١٨١

إليه ، وبين ما إذا لم يكن كذلك والبناء على الحجية في الأول خاصة ، مع اشتراكهما في كونه اخبارا عن المسبب بالالتزام ، وعن السبب بالمطابقة.

هو الصحيح ولا يرد عليه شيء مما أورد عليه.

وان لم يحرز كونه حدسيا أو حسيا ، فان لم يكن امارة ظنية على كونه حدسيا فهو حجة ، لبناء العقلاء عليه ، من جهة الكاشفية النوعية عن الواقع ، إذ ظاهر حال العاقل في دعوى الجزم بشيء كونه مستندا إلى سبب عادى متعارف ، نعم مع الأمارة على كونه حدسيا لا بناء من العقلاء على كونه حسيا لعدم الكاشفية المشار إليها.

وان نقل السبب فهو يختلف من حيث كونه ، تارة حسيا ، واخرى حدسيا ناشئا من لحاظ اتفاق جمع من الاساطين ، بنحو استكشف منه كونه من المسلمات عند الكل ، وهذا المعنى يختلف بحسب اختلاف الناقلين من حيث الاحاطة بكلمات الاصحاب وعدمها ، وعلى كل تقدير قد يقال ان نقل السبب حجة في المقدار الذي علم أو احتمل مع عدم الأمارة على الخلاف ، استناده إلى الحس ، وحينئذٍ ان بلغ ذلك في نظر المنقول إليه حدا يكشف عن رأى المعصوم فهو (ع) وإلا فيحتاج في كشفه إلى ضم ما يتم به السبب ، ولكن بشرط ضم ما علم انه غير ما نقله الناقل كما لا يخفى.

ولكن الاظهر البناء على عدم حجية نقل السبب إلا إذا كان المنقول تام السببية في نظر المنقول إليه ، وذلك لأنه يعتبر في شمول ادلة الحجية لشيء كونه اثرا شرعيا ، أو موضوعا لاثر شرعي ، وكونه ملازما لشيء هو اثر شرعي أو موضوع له لا يكفي.

١٨٢

وحجية الأمارة في مثبتاتها إنما هو باعتبار كونها اخبارا بالالتزام عن اللازم أيضاً ، كما انه اخبار عن الملزوم وفي المقام الأخبار عن اللازم وهو رأى المعصوم غير مشمول لادلة الحجية لكونه خبرا حدسيا ، والاخبار عن الملزوم غير مشمول له لعدم الأثر.

مع انه لو اغمض عن ذلك يكون المخبر عنه من الموضوعات ، والمشهور اعتبار التعدد فيه ، واما إذا كان المنقول تام السببية في نظر المنقول إليه فقد تقدم ان ادلة الحجية حينئذ تشمل ما ينقله من رأى المعصوم أو الحجة المعتبرة.

وبما ذكرناه ظهر حال نقل السبب والمسبب معا.

بقي أمران لا بد من التعرض لهما :

أحدهما : ان الاجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان منها أو اكثر.

فتارة ينقل كل من الناقلين ، المسبب.

واخرى ينقل السبب.

وثالثة : يختلفان في النقل.

اما الأول : فان كان النقلان غير حجتين كما إذا كانا عن حدس وعن منشأ لامنشئية له في نظر المنقول إليه ، فلا كلام ، وان كان أحدهما حجة دون الآخر كان ، هو المتبع ، وان كان كل منهما حجة لو كان وحده ، كان من باب تعارض الامارتين ، فلا بد من اعمال ما يقتضيه القاعدة من التساقط ، أو التخيير.

وان نقلا معا السبب ، فان كان المنقول إليه لكل منهما غير ما ينقله الآخر ، كما إذا نقل أحدهما اتفاق علماء عصر ، ونقل الآخر اتفاق علماء عصر آخر ،

١٨٣

فلا تعارض بينهما ، بل لا بدّ للمنقول إليه من ملاحظة تلك الأقوال وفرضها كأنه حصَّلها.

وان كان المنقول لهما شيئا واحدا يقع التعارض بينهما.

وبما ذكرناه ظهر حال ما إذا نقل أحدهما المسبب والآخر السبب.

الثاني : في حكم نقل التواتر من حيث المسبب والسبب.

وملخص القول فيه ان نقل التواتر ، قد يوجب قطع المنقول إليه بما اخبر به ، لو علم به ، ولو لم يكن بينهما ملازمة عادية وقد لا يوجب ذلك ، وفي الأول يكون النقل حجة دون الثاني ، كما يظهر لمن راجع ما ذكرناه في الإجماع المنقول ، هذا فيما إذا لم يترتب الأثر على الخبر المتواتر من حيث هو ، وإلا وجب ترتيبه.

حجية الشهرة الفتوائية وعدمها

المبحث الرابع : في حجية الشهرة الفتوائية وعدمها.

وملخص القول في المقام ، ان الشهرة على اقسام :

الأول : الشهرة في الرواية ، ويقابلها الشاذ النادر الذي لم ينقله المشهور.

الثاني : الشهرة في الاستناد وهي المعبر عنها بالشهرة العملية ، أي يكون استنادهم في الفتوى إلى تلك الرواية ، ويقابلها الشاذ النادر الذي لم يستند المشهور في الفتوى إليه بل اعرضوا عنه.

الثالث : الشهرة في الفتوى من دون ان يعلم مستندهم ، ويقابلها الشاذ

١٨٤

النادر الذي لم يفت به المشهور.

اما الاولان فسيأتى الكلام فيهما في مبحث التعادل والتراجيح.

إنما الكلام في المقام في القسم الثالث ، وقد استدل لحجية تلك الشهرة أي الشهرة الفتوائية ، بوجوه :

الوجه الأول : قوله (ع) في مقبولة ابن حنظلة بعد الأمر باخذ المشهور وترك الشاذ النادر ، فان المجمع عليه لا ريب فيه (١).

إذ المراد به المشهور لا الإجماع المصطلح للأمر بترك الشاذ النادر ، فيكون مفاد التعليل ، ان المشهور مما لا ريب فيه ، ومقتضى عموم العلة حجية كل شهرة لا خصوص الشهرة الروائية التي هي المعللة.

وأورد عليه المحقق النائيني (ره) (٢) بان هذه العلة ليست من قبيل العلة المنصوصة ، التي تعمم وتخصص ، إذ العلة المنصوصة ، التي تكون كبرى كلية هي ما يصح التكليف بها ابتداء ، بلا ضم المورد إليها ، نظير لا تشرب الخمر لأنه مسكر ، إذ يصح النهي عن شرب كل مسكر ، وهذه العلة لا تصلح لذلك ، إذ المراد من لا ريب فيه ليس هو ما لا ريب فيه بقول مطلق ، لعدم كون المشهور كذلك ، بل المراد منه لا ريب فيه بالاضافة ، ولا يصلح ان يقال" خذ ما لا ريب فيه" بالاضافة إلى غيره ، وإلا لزم الأخذ بكل راجح بالقياس إلى غيره ، ولو كان

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٦٧ باب اختلاف الحديث ح ١٠ / التهذيب ج ٦ ص ٣٠١ ح ٥٢ / وسائل الشيعة ج ٢٧ باب ٩ من ابواب صفات القاضى ص ١٠١ ح ٣٣٣٣٤.

(٢) فوائد الأصول للنائيني ج ٣ ص ١٥٤ ـ ١٥٥.

١٨٥

هو الاحتمال المتساوي الطرفين ، وعلى ذلك فالتعليل اجنبي عن الكبرى الكلية التي يتعدى عنها.

ويمكن تصحيح كونها كبرى كلية ، مع ذلك تكون اجنبية عن المقام ، وذلك لوجهين :

أحدهما : ان المراد من لا ريب فيه هو عدم الريب فيه بقول مطلق لان الإمام طبق الأمر البين الرشد على الخبر المجمع عليه ، ولا ينافى ذلك فرض الراوى الشهرة في المتعارضين ، إذ المراد من عدم الريب عدمه من حيث الصدور خاصة ، وبديهي انه يمكن ان يكون المتعارضان صادرين عن المعصوم ، أحدهما لبيان الحكم الواقعي ، والآخر للتقية وجعل هذه كبرى كلِّية يتعدى عن موردها إلى كل مورد اطمئن بصدور الخبر ، لا مانع منه.

وبه يظهر عدم صحة الاستدلال به في المقام.

ثانيهما : ان العلة علة للاخذ بإحدى الحجتين لا لجعل الحجية لشيء ، والتعدى عن المورد إلى كل متعارضين كان الريب في أحدهما اقل لا محذور فيه وقد التزم الشيخ بذلك.

وبه يظهر جواب آخر عن الاستدلال ، فان العلة علة للترجيح لا لجعل الحجية.

الوجه الثاني : إطلاق قوله (ع) في مرفوع زرارة ، خذ بما اشتهر بين

١٨٦

اصحابك (١).

حيث ان الموصول من المبهمات ، ومعرفه الصلة ، واطلاقها يشمل الشهرة الفتوائية ، ومورده وان كان الشهرة الرواية بقرينة السؤال ، إلا ان العبرة بعموم الجواب لا بخصوص المورد.

وأجاب عنه الشيخ الأعظم (٢) بجوابين :

أحدهما : انه ضعيف السند.

وهو متين كما سيمر عليك.

الثاني : ان المراد بالموصول هو خصوص الرواية المشهورة ، بقرينة ان السؤال عن الخبرين المتعارضين فيكون معرف الموصول ومبين المراد منه غير صلته ، كما يظهر لمن تأمل في نظائره من الامثلة ، فإذا قيل أي المسجدين تحب فأجاب ما كان الاجتماع فيه اكثر كان ظاهرا في خصوص المسجد الذي كان الاجتماع فيه اكثر لا مطلق المكان الذي كان كذلك.

أضف إليه ان الشهرة الفتوائية لا تقبل ان يكون في طرفي المسألة فقول الراوى بعد ذلك انهما مشهوران ماثوران ، اوضح شاهد على المراد هو الشهرة في الرواية ، وسيأتي الكلام في ذلك في محله.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ج ١٧ باب ٩ وجوب الجمع بين الاحاديث المختلفة وكيفية العمل بها ص ٣٠٣ ح ٢١٤١٣ / عوالي اللآلي ج ٤ ص ١٣٣ ح ٢٢٩.

(٢) فرائد الأصول ج ١ ص ١٠٦ ـ ١٠٧ ، وقال : «مضافا إلى ضعفها حتى أنه ردها من ليس دأبه الخدشة في سند الرواية كالمحدث البحراني ...».

١٨٧

والحق في الجواب ان يقال ان الأمر بالاخذ لا يكون ارشادا إلى الحجية ، بل إلى ترجيح احدى الحجتين على الاخرى فلا وجه للتمسك باطلاقه لحجية الشهرة الفتوائية ، نعم لا بأس بالتمسك به لمرجحيتها أيضاً.

الوجه الثالث : فحوى ما دل على حجية خبر الواحد لان ملاك حجيته المستفاد من الأدلة هو حصول الظن والظن الحاصل من الشهرة الفتوائية أقوى فيدل دليل حجية خبر الواحد على حجيتها بالاولوية.

وفيه : انه لم يثبت كون ملاك حجية الخبر ذلك بل لعله كونه غالب المطابقة للواقع باعتبار كونه اخبارا عن حس واحتمال الخطأ في الحس بعيد بخلاف الأخبار عن حدس كما في الفتوى فان احتمال الخطأ في الحدس غير بعيد.

ويحتمل ان يكون الملاك خصوصية أخرى في الخبر ومع احتمال ذلك لا تتم دعوى الاولوية ، بل الثابت عدم كون الملاك ما ذكر ، لان الخبر حجة مع عدم الظن بل مع الظن بخلافه.

الوجه الرابع : العليل في ذيل آية البناء وهو قوله تعالى (أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(١) فان تعليل عدم حجية خبر الفاسق باصابة القوم بجهالة أي السفاهة والاعتماد على ما لا ينبغى الاعتماد عليه ، يدل على حجية المشهور ، فان الاعتماد عليه ليس من هذا الباب.

وبعبارة أخرى : المورد وان كان هو الخبر إلا ان العلة كما تخصص تعمم.

__________________

(١) الآية ٦ من سورة الحجرات.

١٨٨

وفيه : ان مقتضى تعميم العلة ، عدم حجية كل ما يكون الاعتماد عليه سفاهة وجهالة ، ولا تقتضي حجية كل ما لا يكون كذلك لعدم ثبوت المفهوم له ، كما لا يخفى ، فكون العلة مخصصة ومعممة اجنبي عن المقام.

مع ان كون الاعتماد على الشهرة اعتمادا على ما ينبغى الاعتماد عليه أول الكلام ، واثباته به دور واضح.

فالمتحصل عدم حجية الشهرة الفتوائية.

حجية خبر الواحد

المبحث الخامس : وقبل الدخول في البحث ، لا بدَّ وان يعلم ان البحث عن حجية الخبر الواحد ، إنما يكون من أهم المسائل الأصولية ، فان أساس القول بانفتاح باب العلمي ، وانسداده هو حجية الخبر الواحد وعدمها.

ثم ان إثبات الحكم الشرعي من الخبر الواحد ، يتوقف على أمور :

الأول : ثبوت صدوره عن المعصوم (ع).

الثاني : صدوره لبيان الحكم الواقعي لا للتقية وغيرها.

الثالث : ظهوره في معنى وحجية ظهوره.

والمتكفل للبيان من الجهة الأولى هذه المسألة.

واما الجهة الثانية : فلا تحتاج إلى البحث : لقيام السيرة العقلائية على عدم

١٨٩

الاعتناء باحتمال صدوره لغير بيان الحكم الواقعي.

والمتكفل للبيان من الجهة الثالثة الفصل المتقدم المنعقد لاثبات ذلك فراجع.

وعلى ذلك فعدم انطباق ما جعل موضوعا لعلم الأصول ، وهي الأدلة الأربعة بضميمة ما قيل ان مسائل كل علم ما يبحث فيها عن العوارض الذاتية لموضوعاتها ، على مسألة الخبر الواحد يكشف عن فساد الضابط ، لا عن عدم كون هذه المسألة من المسائل الأصولية ، لما عرفت خصوصا ، بضميمة ان الخواص المذكورة للمسالة الأصولية التي ذكرناها في أول الكتاب ثابتة لها.

والشيخ الأعظم (ره) تصدى لتطبيق الضابط المذكور على هذه المسألة ، وقد تعرضنا له ولجوابه ولما ذكر انتصارا له والجواب عنه في أول الكتاب فراجع.

أدلة عدم حجية الخبر الواحد والجواب عنها

وقد استدل لعدم حجية الخبر الواحد بوجوه :

الأول : الإجماع على ذلك.

وفيه : ان المحصل منه غير حاصل ، والمنقول منه كما بيناه غير حجة خصوصا في المقام حيث انه فرع حجية الخبر الواحد فكيف يستدل به على عدم حجية الخبر الواحد.

١٩٠

والخبر الواحد ، الذي ادعى السيد المرتضى (١) وشيخ الطائفة (٢) وجمع من القدماء ، عدم حجيته.

غير ما هو المصطلح عندنا ، ومرادهم به الخبر الضعيف : والشاهد عليه ادعاء الشيخ (ره) (٣) الإجماع على حجية خبر الثقة.

ويؤيده ابتلاء الشيخ في زمانه بالعامة وأخبارهم المروية بطرقهم غير المعتبرة.

وقوله في تعارض الروايتين ورجحان إحداهما على الأخرى ان المرجوح لا يعمل به لأنه خبر الواحد.

الثاني : الآيات :

__________________

(١) اختار السيد المرتضى (ره) عدم جواز العمل بخبر الواحد ما لم يفد علما ، راجع الذريعة (فصل : في إثبات التعبد بخبر الواحد أو نفي ذلك) وقال ص ٥٤ : «فلم يبقى إلا ان يكون العمل به تابعا للعلم بالعبادة بوجوب العمل به ، وإذا لم نجد دليلا على وجوب العمل به نفيناه» ويتضح مراده أكثر فيما شرع به بعد ذلك من إبطال أدلة من قال بالعمل بأخبار الآحاد ما لم تفد علما.

(٢) راجع العدّة ج ١ ص ١٢٥ حيث قال : «لأنا اعتبرنا المنع من كل خبر لا يوجب العلم .. وقلنا إن هذه الأخبار (أي أخبار المخالفين) آحاد لا يصح التعلق بها» ثم شرع فيما أختاره من العمل بالأخبار المفيدة للعلم ، أو الذي رواه العدول كما يوضح ذلك ص ١٢٩ و ١٣٢ من الجزء الأول أيضا.

(٣) العدّة ج ١ ص ١٢٦ حيث قال : «والذي يدل على ذلك إجماع الفرقة المحقة فإني وجدتها مجمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ودونوها في أصولهم ..».

١٩١

منها : التعليل المذكور في ذيل آية النبأ على ما ادعاه الطبرسي وسيأتي تقريب كلامه والجواب عنه.

ومنها : ما دل على النهي عن العمل بالظن كقوله تعالى (إَنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)(١)

وفيه : انه يدل على عدم حجية الظن بما هو ظن ، ومحل الكلام هو حجية خبر الواحد بما هو وان لم يفد الظن. وبعبارة أخرى : الآية تدل على ان الظن من حيث هو ليس فيه اقتضاء الحجية وأدلة حجية خبر الواحد تدل على وجود المقتضى في هذا العنوان فلا تنافى بينهما.

ومنها : ما دل على النهي عن اتباع غير العلم كقوله سبحانه (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٢).

وأورد عليه باختصاصه بالأصول الاعتقادية : إما بدعوى ان مساق هذه الآيات ذلك كما عن المحقق النائيني (ره) (٣).

أو بدعوى ، ان تلك الآيات منصرفة إلى الاعتقاديات ، أو ان المتيقن منها ذلك كما عن المحقق الخراساني (ره) (٤).

__________________

(١) الآية ٣٦ من سورة يونس.

(٢) الآية ٣٦ من سورة الإسراء.

(٣) أجود التقريرات ج ٢ ص ١٠٢ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٣ ص ١٧٨.

(٤) راجع كفاية الأصول ٣٠٣.

١٩٢

وفيه : ان الآية إنما ذكرت في ذيل آيات الأحكام في سورة بني إسرائيل ، والانصراف لا شاهد به والتيقن ، ان كان باعتبار عدم ذكر المورد فلا إطلاق لها ، يدفعه ان حذف المتعلق يفيد العموم ، وان كان باعتبار ان من مقدمات الحكمة عدم وجود القدر المتيقن ، فيدفعه انه ليس كذلك كما حقق في محله.

والحق في الجواب عن هذه الآيات ان يقال أنها معارضة بما يدل على حجية الخبر الواحد مما سيجيء ذكره فتخصص به لكونه أخص منها ، مع انه يمكن ان يقال انه حاكم عليها لأنه يخرجه عن غير العلم ويدخله في العلم ، فلو كانت النسبة عموما من وجه كان مقدما عليها.

الثالث : النصوص الكثيرة المتواترة إجمالا الدالة على ذلك (١).

وفيه : انه تلك النصوص على طائفتين :

الأولى : ما تدل على الأخذ بما علم صدوره منهم وعدم الأخذ بما لم يعلم صدوره ، والجواب عنها هو الجواب عن الآيات.

الثانية : ما تدل على عرض الخبر على الكتاب ، وألسنتها مختلفة :

منها ما تضمن ان ما لا يوافق كتاب الله لم يصدر منهم (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٧ باب ٩ من أبواب صفات القاضي (وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة وكيفية العمل بها) ص ١٠٦.

(٢) كما في الكافي ج ١ ص ٦٩ باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب / والوسائل ج ٢٧ ص ١١١ باب ٩ ح ٣٣٣٤٧ وفيه : «وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف».

١٩٣

ومنها : ما تضمن ان ما لا يوافق كتاب الله غير حجة.

ومنها : ما تضمن ان ما خالف كتاب الله غير صادر عنهم.

ومنها : ما تضمن ان ما خالف كتاب الله غير حجة (١).

والجواب عنها ان كل طائفة منها أخبار آحاد ، لا يصح الاستدلال بها على عدم حجية الخبر الواحد ، ومجموعها وان كانت متواترة إجمالا ، إلا ان لازم ذلك هو الأخذ بالمتيقن ، وما هو أخص مضمونا ، وهو الخبر المخالف للكتاب والمراد من المخالفة ، هي المخالفة بالتباين : إذ المخالفة بالعموم والخصوص حيث ان أهل العرف يرون الثاني قرينة ، على الأول ، ليست مخالفة عند العرف.

مع انه إذا قيل بشمولها لها ، يلزم تخصيص الأكثر لوجود كثير من المخصصات والمقيدات وغيرهما في الأخبار قطعا ، مضافا : إلى ان سياق هذه النصوص آب عن التخصيص ، مع العلم إجمالا بل تفصيلا بوجود المخصص.

وبهذا ظهر حال نصوص المخالفة على فرض كونها متواترة في أنفسها.

واما نصوص الموافقة على فرض التواتر فهي تخصص بما يدل على حجية الخبر الواحد : إذ الالتزام بان تلك الأدلة مختصة بالخبر الموافق للكتاب خاصة كما ترى ، لان ذلك الخبر حجيته لا يترتب عليها اثر ، مضافا إلى العلم بصدور الخبر غير الموافق عنهم (ع) متكفل لبيان الأجزاء والشرائط لكل عبادة ومعاملة ، فالمتعين هو حملها على عدم المخالفة بالتباين ، أو على صورة المعارضة ،

__________________

(١) راجع المصدر السابق بقية أحاديث الباب ، بتصرف.

١٩٤

أو الاعتقاديات ، كما يشهد لكل ذلك بعض تلك النصوص.

أدلة حجية الخبر الواحد ـ آية النبأ

وقد استدل لحجيته بوجوه :

الأول : " آية النبأ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(١) وتقريب الاستدلال بها من وجوه :

الوجه الأول : مفهوم الوصف حيث انه تعالى أوجب التبين عن خبر الفاسق فيستكشف من ذلك عدم وجوب التبين عن خبر غيره ، وحيث ان وجوب التبين وجوب شرطي للعمل لا نفسي لان التفحص عن كونه صادقا ، أو كاذبا ، تفحص عن عيوب الناس ، وهو لا يكون واجبا قطعا ، مضافا إلى ما في ذيل الآية من التعليل الدال على ذلك.

وبالجملة لا ريب ولا كلام في ان وجوب التبين شرطي للعمل ، فمفهومه عدم لزوم التبين عن خبر غير الفاسق في مقام العمل فيعمل به من غير تبين.

وفيه : ما تقدم في مبحث المفاهيم من عدم حجية مفهوم الوصف خصوصا غير المعتمد على موصوفه.

__________________

(١) الآية ٦ من سورة الحجرات.

١٩٥

الوجه الثاني : دلالة الاقتضاء وهي ما أفاده الشيخ الأعظم (ره) (١) ، وحاصله : ان في خبر الفاسق حيثيتين حيثية ذاتية ، وهي كونه خبر واحد وحيثية عرضية ، وهي كونه خبر فاسق ، وقد علق وجوب التبين على الحيثية الثانية ، فلو كانت الأولى صالحة لذلك كان المتعين ، التعليق عليها : إذ العدول عن الأمر الذاتي إلى العرضي ، قبيح وخارج عن الطريقة المألوفة ، نظير تعليل نجاسة الكلب بملاقاته مع النجس فيستكشف من ذلك ، ان وجوب التبين ينتفي ، بانتفاء العنوان العرضي وهو الفسق ، فيعمل بخبر غير الفاسق من دون تبين.

وأورد عليه بإيرادين :

الأول : ما أفاده المحقق العراقي (ره) (٢) وهو ان لازم هذا التقريب حجية الخبر في نفسه ومانعية الفسق ، فلا بد من الالتزام بحجية خبر غير الفاسق مطلقا ولو لم يكن عادلا كالصغير ، والوسط بين العادل والفاسق ، ولم يلتزم به أحد.

__________________

(١) فرائد الأصول ج ١ ص ١١٦ (واما المجوزون فقد استدلوا على حجيته بالأدلة الأربعة) عند قوله : «الثاني ... وقد اجتمع فيه وصفان ذاتي وهو كونه خبر وعرضي وهو كونه خبر فاسق ..».

(٢) حكى هذا الإيراد آية الله الخوئي في دراسات في علم الأصول ج ٣ ص ١٥٨ ولم ينسبه إلى أحد / وهو مختار المحقق العراقي في نهاية الأفكار ج ٣ ص ١١٠ عند قوله : «فلم يعهد من أحدهم القول بالحجية لذات الخبر الواحد بما هو كذلك وإلا للزم القول بحجية كل خبر لم يتصف بكونه صادرا عن الفاسق عند من يقول بجريان الأصل في مثله من الاعدام الأزلية ، ولم يلتزموا بذلك ما لم تحرز العدالة».

١٩٦

وفيه : انه يقيد إطلاق المفهوم بالأدلة الأخر الدالة على اعتبار العدالة والوثوق.

الثاني : ما أفاده بعض الأعاظم (ره) (١) وهو ان الخبر عبارة ، عن المبتدأ ، والخبر ، والنسبة ، وهذا المعنى يعرض له عوارض قد ينقله شخص واحد ، وقد ينقله أشخاص متعددة ، والناقل له ، قد يكون عادلا ، وقد يكون فاسقا فكما ان كون الراوي عادلا أو فاسقا من العوارض كذلك كونه واحدا أم متعددا منها.

وفيه : ان المراد من خبر الواحد الخبر الذي يحتمل الصدق والكذب ، ومن كون عنوان خبر الواحد ذاتيا للخبر ، ليس هو الذاتي في كتاب الكليات ، بل المراد به الذاتي في كتاب البرهان ، وهو ما يكفي في انتزاعه مجرد وضع الشيء من دون احتياجه إلى ضم شيء آخر إليه ، كالزوجية للأربعة ، وخبر الواحد أي الخبر الذي لا يفيد القطع ويحتمل فيه الصدق والكذب كذلك : إذ الخبر في ذاته يحتمل الصدق والكذب ، وان لم يضم إليه شيء خارجي.

والحق في الإيراد عليه (قدِّس سره) ، ان يقال ان هذا التقريب ليس شيئا وراء مفهوم الوصف وهذا يجري في جميع الأوصاف كما لا يخفى بل في غيرها ، فلو قال اكرم الإنسان ، يقال ان الحيوانية ذاتية للحيوان ، والناطقية عرضي له ، فتعليق الحكم على العنوان العرضي يكشف عن عدم ثبوت الحكم لغير ذلك المورد.

__________________

(١) نسبه آية الله الخوئي في دراسات في علم الأصول إلى بعض الأعاظم ج ٣ ص ١٥٧ ، ونقله المصنف (دام ظله) هنا بتصرف.

١٩٧

نعم ، لا بد وان يكون ذكر الفاسق لفائدة كما في جميع الأوصاف ، ويمكن ان تكون تلك الفائدة التنبيه على فسق الوليد ، أو غير ذلك من الأغراض الداعية إلى التصريح به.

الوجه الثالث : من الوجوه ، الاستدلال بمفهوم الشرط بتقريب ان التبين علّق على كون الجائي بالخبر فاسقا ، فيدل على انتفاء التبين ، عند عدم كون الجائي به فاسقا وحيث ان وجوب التبين شرطي ، فمفهومه جواز العمل بخبر غير الفاسق من غير تبين واعتبار العدالة إنما يكون بدليل خارجي.

وأورد عليه بوجوه :

الأول : ان هذه القضية ليس لها مفهوم إذ هي سيقت لبيان تحقق الموضوع فان المعلق عليه هو الموضوع وهو النبأ المقيد بكون الجائي به فاسقا ، فعند انتفائه ينتفي الموضوع ، فتكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ، فلا مفهوم لها.

وأجاب عنه المحقق صاحب الكفاية (١) ، بان الموضوع ، إنما هو النبأ الذي جيء به ، وكون الجائي به فاسقا هو الشرط فلا يكون من هذا القبيل.

اقول : ينبغي أولا تعيين محل النزاع ثم بيان ما هو الحق عندنا :

أما الأول : فتوضيحه يتوقف على بيان مقدمة وهي :

ان القيود التي تكون دخيلة في ثبوت الحكم ، ربما تؤخذ قيدا للموضوع ، نحو زيد الجائي أكرمه ، وربما ترجع إلى المتعلق نحو الصلاة مع الطهارة واجبة ،

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٢٩٦.

١٩٨

وربما ترجع إلى الحكم نحو ان جاء زيد فأكرمه والثالث على قسمين.

الأول : ان يكون تعليق الجزاء على الشرط عقليا من غير دخل للمولى فيه مثل (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)(١).

الثاني ان يكون شرعيا وثبوت الجزاء في نفسه لا يتوقف عليه ، والقضية التي لها مفهوم ، هي ما كان القيد فيها قيدا للحكم وكان دخله شرعيا ، واما في باقي الصور فلا مفهوم لها.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم ان النزاع في المقام إنما يكون في ان هذه القضية هل تكون من القسم الثالث ، فلا مفهوم لها.

أم من قبيل القسم الرابع فلها مفهوم.

والمحقق الخراساني (٢) يدعي كونها من قبيل القسم الرابع.

والشيخ الأعظم (ره) (٣) يدعي أنها من قبيل القسم الثالث.

وقد رجح المحقق النائيني (٤) قول صاحب الكفاية ، وأفاد في وجه ذلك ان الآية الشريفة نزلت في الوليد حيث اخبر بارتداد بين المصطلق ، ولا بد وان يكون المورد من صغريات الكبرى الكلية المذكورة في الآية ، وعليه فحيث انه في

__________________

(١) الآية ٨٦ من سورة النساء.

(٢) كفاية الأصول ص ٢٩٦.

(٣) فرائد الأصول ج ١ ص ١١٨.

(٤) فوائد الأصول للنائيني ج ٣ ص ١٦٥.

١٩٩

المورد اجتمع عنوانان ، أحدهما كون الخبر واحدا ثانيهما كون المخبر فاسقا وعلق الحكم على احد العنوانين ، وهو الثاني ، فكان الجزاء مترتبا على خصوص ذلك ، وهو كون المخبر فاسقا مع فرض وجود العنوان الآخر ، وعدم دخله في الجزاء وإلا لعلق عليه ، فيكون مفاد المنطوق بعد ضم المورد إليه ان الخبر الواحد ان كان الجائي به فاسقا فتبينوا ، فمفهومه ان لم يكن الجائي به فاسقا فلا تبينوا.

وفيه : ان هذا المقدار لا يكفي في إثبات هذا القول إذ الشيخ (ره) يدعى ان الكبرى الكلية المذكورة في الآية ، هي كون النبأ المقيد بكون الجائي به فاسقا واجب التبين.

وبعبارة أخرى : ان الشرط هو المقيد وعليه فهي منطبقة على المورد أيضاً.

واما الثاني : وهو بيان ما هو الحق عندنا.

فألحق : ان الظاهر من الآية الشريفة كون الموضوع هو النبأ ومجيء الفاسق به هو الشرط لوجوب التبين : وذلك لان الموضوع هو الضمير المستتر في تبينوا ، وهو إنما يرجع إلى مفعول جاء وهو ذات النبأ ، لا النبإ الذي جاء به الفاسق ، إذ مضافا إلى انه لاوجه لتقييده به ، لا يعقل ذلك لأنه جعل مفعولا لجاء ، والنبأ المضاف إلى الفاسق أي الذي اخبر به الفاسق ، لا معنى لجعله مفعولا له ، وإلا لزم تحصيل الحاصل كما لا يخفى ، فلا محالة لا يكون النبأ مقيدا ويكون مطلقا ، فيكون الموضوع ذات النبأ.

والإيراد عليه بأنه ان كان الموضوع ذات النبأ المقسم لما جاء به الفاسق ، أو العادل ، لزم وجوب التبين في طبيعة النبأ وان كانت متحققة في ضمن خبر

٢٠٠