زبدة الأصول - ج ٣

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-36-5
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٨٠

فالتخصيص جزاف وعلى خلاف الحكمة ، وان لم يكن عالما به بل كان يعتقد وجود المصلحة ثم ينكشف له عدم المصلحة فيلزم كونه جاهلا.

وثانيا : بالحل وهو ان الشارع الاقدس يعلم انه لا مصلحة في جميع الأفراد في موارد التخصيص وفي جميع الأزمنة في مورد النسخ ولكنه لمصلحة يجعل الحكم بنحو العموم ، وفي جميع الأزمنة ليكون العام دليلا حيث لا قرينة على خلافه ، فيكون الحكم بحسب الواقع مقيدا بذلك الزمان الخاص المعلوم عند الله المجهول عند الناس ، ويكون ارتفاعه بانتهاء امده وحلول اجله ، ولكنه بحسب مقام الإثبات والبيان يكون ثابتا في جميع الأزمنة.

ولعله إلى هذا نظر المحقق الخراساني (١) حيث قال :

ان النسخ وان كان رفع الحكم الثابت اثباتا إلا انه في الحقيقة رفع الحكم ثبوتا وإنما اقتضت الحكمة اظهار دوام الحكم واستمراره.

وعليه فما أفاده تام. ولكن ما فرعه على ذلك بقوله (٢) :

وحيث عرفت ان النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا وان كان بحسب الظاهر رفعا فلا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى بالمعنى المستلزم لتغير ارادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة انتهى.

لا يتم فانه وان كان لا يلزم المحذور المذكور ، ولكنه يلزم لغوية جعل الحكم

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٣٩.

(٢) كفاية الاصول ص ٢٣٩.

٤٢١

فانه إنما يصح الجعل فيما إذا امكن داعويته ومع عدم امكانها يكون الحكم لغوا وصدوره من الحكيم محالا.

نعم ، يمكن ان يقال ان الأحكام على نوعين :

أحدهما ما يراد منه البعث أو الزجر الحقيقي.

ثانيهما ما لا يراد منه ذلك كالحكم الصادر لغرض الامتحان.

والقسم الثاني يصح جعله ثم رفعه قبل حضور وقت العمل به ، ولا يلزم من رفعه محذور ، إلا انه بعد رفعه يظهر انه لم يكن حكما بل كان صورة الحكم ولا مشاحة في تسمية ذلك أيضاً نسخا.

ومن هذا القبيل لعله يكون امر ابراهيم بذبح اسماعيل ، عليهما‌السلام.

واما البداء فالكلام فيه ما حققناه في ذيل مسألة الجبر والاختيار ، وقد مر.

* * *

٤٢٢

المقصد الخامس

من مقاصد علم الأصول

في

المطلق والمقيد

وفيه فصول:

٤٢٣

المقصد الخامس

في المطلق والمقيد والمجمل والمبين

وفيه فصول :

الفصل الأول : المطلق على ما عرفه اكثر الاصوليين هو ما دل على شايع في جنسه.

وفي القوانين (١) أي على حصة محتملة الصدق على حصص كثيرة مندرجة تحت جنس ذلك الحصة ، وقريب منه ما عن المعالم (٢) ، وعن الفصول (٣) ان اصل التعريف بالحصة من العضدي.

وأورد على هذا التعريف بايرادين.

أحدهما : ما عن صاحب الفصول (ره) (٤) وهو انه إنما ينطبق هذا التعريف على النكرة فانها التي تدل على ذلك ، أي على حصة شايعة بدليا في حصص ذلك الجنس ، ولا يشمل الإطلاق المستفاد من اسم الجنس الدال على جميع

__________________

(١) قوانين الاصول ج ١ ص ٣٢١.

(٢) معالم الدين ص ١٤٩.

(٣) الفصول الغروية ص ٢١٨ قوله : «ومما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره صاحب المعالم تبعا للعضدي من ان المراد كونه دالا على حصة محتملة لحصص كثيرة».

(٤) المصدر السابق.

٤٢٤

الحصص. وبعبارة أخرى : لا يشمل الإطلاق الشمولي.

واجيب عنه ، تارة بأنه إنما يختص هذا التعريف بالنكرة بناء على إرادة الفرد المردد من الشائع الواقع في التعريف ، واما إذا اريد به المعنى السارى في الجنس كما هو الظاهر لان معنى الشيوع ، هو السريان ، فينطبق التعريف على النكرة واسم الجنس.

وأخرى بما في الكفاية (١) : من ان ذلك شرح الاسم ، وهو مما يجوزان لا يكون بمطرد ولا منعكس.

وثالثة : بان هذا التعريف من التفتازاني وغيره ممن يقولون بعدم وجود الكلي الطبيعي في الخارج (٢) فلذا عرفوه على نحو لا يكون منطبقا إلا على النكرة.

والكل كما ترى :

اما الأول : فلان التعريف إنما هو بما دل على الشائع في جنسه والشيوع وان كان بمعنى السريان إلا ان السارى في الجنس ليس إلا النكرة ، واما اسم الجنس فهو شايع في أفراده.

واما الثاني : فلان الشارح للاسم :

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٤٣ (المطلق والمقيد والمجمل والمبين).

(٢) حكاه عنه غير واحد منهم المحقق النائيني في اجود التقريرات ج ١ ص ٥١٥ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٤١٣ / وهو مختاره في تهذيب المنطق قوله : «والحق ان وجود الطبيعي بمعنى وجود أشخاصه» راجع الحاشية على تهذيب المنطق ص ٤٩ ط جامعة المدرسين.

٤٢٥

تارة يكون في مقام شرح تمام ما يكون مدلولا للفظ فلا مناص له من الاتيان بلفظ يرادف المشروح ، فلو شرح بغير ذلك أي مع الزيادة أو النقيصة ، يرد عليه الاشكال.

وأخرى يكون في مقام الشرح الناقص ، وحيث ان مقصود الشارحين للالفاظ الواقعة في عناوين الابحاث هو الأول ، لكونهم في مقام ضبط المدلول بنحو لا يفوتهم شيء ، ولذا تريهم يشرحونها بعد الإيراد على غيرهم بعدم الاطراد أو الانعكاس ، فيصح الاشكال عليهم.

واما الثالث : فلان الإطلاق الشمولي يلائم مع القول بعدم وجود الكلي الطبيعي ، والإيراد إنما هو عدم شمول التعريف له ، فالاظهر صحة هذا الإيراد.

الثاني : ان الإطلاق والتقييد من صفات المعنى وإنما يتصف بهما اللفظ بالتبع والعرض ، وهذا التعريف ظاهره كونهما من صفات اللفظ.

وعرفه جماعة منهم الشهيد الثاني في تمهيد القواعد (١) ، والمحقق في مقدمة المعتبر (٢) بأنه اللفظ الدال على الماهية من حيث هي هي.

فالصحيح ان يقال ان الظاهر انه ليس للاصوليين اصطلاح خاص في معنى الإطلاق والتقييد ، وانهم يطلقونهما بما لهما من المعنى اللغوى ، وهو

__________________

(١) تمهيد القواعد ص ٢٢٢ (الباب الخامس في الاطلاق والتقييد) قوله : «والمطلق هو الدال عليها ـ الماهية ـ من حيث هي لا بقيد وحدة ولا تعدد».

(٢) المعتبر ج ١ ص ٢٨ قال : «الثالث : وهو اللفظ الدال على الماهية فهو في دلالته على تعلق الحكم بها لا بقيد منضم دلالة ظاهرة».

٤٢٦

الارسال ، والاشتراط ، يقال اطلق الفرس أي ارسل عنانه وارخى في مقابل تقييده.

وعليه ، فالأولى تعريفه (أي المطلق) : بأنه ما دل على معنى شايع مرسل في غيره ، كما عن بعض المحققين (ره) (١).

ثم ان الإطلاق والتقييد كما يتصف بهما المفاهيم الافرادية ، كذلك يتصف بهما الجمل التركيبية ، غاية الأمر :

إطلاق المفهوم الافرادي يقتضي التوسعة دائما.

واطلاق الجمل التركيبية قد يقتضي التوسعة ، وقد يقتضي التضييق ، وقد تكون عند الإطلاق ظاهرة في معنى ، وبالتقييد ظاهرة في آخر ، مثلا ، إطلاق العقد يقتضي نقد البلد أو التسليم والتسلم ، وتقييده يقتضي خلاف ذلك ، واطلاق الأمر يقتضي النفسية العينية التعيينية ، والتقييد يقتضي الغيرية ، أو التخييرية ، أو الكفائية.

وحيث انه لا ضابط لاطلاق الجمل التركيبية ، فلا بد من البحث عن إطلاق كل جملة بخصوصها في المورد المناسب له.

فالبحث في المقام متمحض في البحث عن إطلاق المفاهيم الافرادية.

__________________

(١) وهو مختار المحقق الاصفهاني (قدِّس سره) في نهاية الدراية ج ١ ص ٣٠٦ (المقصد الخامس في الاطلاق والتقييد).

٤٢٧

اسم الجنس

ثم انه يقع الكلام في جملة من الاسماء ، وهل انها من المطلق أم لا؟

منها أسماء الاجناس من الجواهر والاعراض ، وفي وضعها اقوال :

١ ـ ما نقله صاحب الفصول (١) قال : وقيل بل موضوع للفرد المنتشر ، وهو مردود بشهادة التبادر على خلافه.

٢ ـ ما نسب إلى المشهور (٢) ، وهو وضعها للماهية المطلقة أي المقيدة بالشياع والسريان بحيث كان الشياع والسريان جزء المدلول ، ولكن المحقق الخراساني (٣) يصرح بان الكلام في صدق النسبة.

٣ ـ ما اختاره المحققون تبعا لسلطان العلماء (٤) وهو وضع اسم الجنس للماهية المهملة التي تكون مقسما لجميع اعتبارات الماهية ، وهو الحق عندنا.

توضيح ذلك ، إنما يكون ببيان اقسام الماهية ، وملخصه انه.

تارة تلاحظ الماهية من حيث هي ويكون النظر مقصورا على ذاتها

__________________

(١) الفصول الغروية ص ١٦٢.

(٢) نسبه إلى المشهور غير واحد منهم السيد الحكيم (قدِّس سره) في حقائق الاصول ج ١ ص ٥٥٤ / والمحقق في نهاية الدراية ج ١ ص ٣٠٨ ، وغيرهما.

(٣) كفاية الاصول ص ٢٤٧ فبعد ذكره لما نسب إلى المشهور قال : «الا ان الكلام في صدق النسبة».

(٤) حاشية السلطان ص ٣٠٦ قوله : «فالمطلق يقتضي وجوب ايجاد الماهية لا بشرط شيء ..».

٤٢٨

وذاتياتها من دون النظر إلى الخارج عن ذاتها.

وأخرى تلاحظ مقيسة إلى الخارج عن ذاتها فيلاحظ معها شيء آخر خارج عن مقام ذاتها ، والجامع بين القسمين الذي لا تحقق له إلا في ضمن أحدهما ، هي الماهية المهملة غير المقيدة بلحاظ حتى لحاظ قصر النظر على الذات والذاتى ، وهو الكلي الطبيعي ، كما ستعرف.

والقسم الثاني وهو الماهية الملحوظ معها شيء خارج عن مقام ذاتها وذاتياتها ، له اقسام.

احدها : ما لو كان ذلك الشيء عنوان مقسميتها للاقسام التالية دون غيره ، ويسمى ذلك بالماهية اللابشرط المقسمى.

ثانيها : لحاظ عدم دخل شيء من الخصوصيات ، وعدم اخذ شيء منها مع الماهية ورفض القيود.

وبعبارة أخرى : عنوان الإطلاق والارسال ، ويسمى ذلك ، باللابشرط القسمى ، والماهية المطلقة والمرسلة ، والمحمول المترتب عليها يثبت لجميع الأفراد الخارجية.

ثالثها : ما لو كان ذلك الشيء الخارج الملحوظ مع الماهية عنوان تجردها في وعاء العقل عن جميع الخصوصيات والعوارض ، ويسمى ذلك بالماهية المجردة ، والماهية بشرط لا ، والمحمول المترتب عليها حينئذ لا يثبت لشيء من الأفراد الخارجية ، ولا يصح حمل شيء عليها سوى المعقولات الثانوية ، مثل : نوع ، وهذه تسمى بالاسماء التالية ، النوع ، الجنس ، الفصل ، العرض العام ، العرض الخاص ،

٤٢٩

حيث انها عناوين للماهيات الموجودة في افق النفس فلا تصدق على الموجود الخارجي.

رابعها : ما لو كان ذلك الشيء خصوصية من الخصوصيات الخارجية ، وتلك الخصوصية ، تارة تكون وجودية كلحاظ ماهية الانسان مع العلم ، وأخرى تكون عدمية كلحاظها مع عدم العلم ، وتسمى هذه الماهية بالماهية المخلوطة ، والماهية بشرط شيء ، بلا فرق بين نوعيه ، نعم في اصطلاح الاصوليين ربما يعبر عن النوع الثاني ، بالماهية بشرط لا.

وبعد ذلك نقول ان اسم الجنس موضوع للماهية المهملة الجامعة بين جميع تلك الأقسام المعراة عن تمام الخصوصيات والتعينات الخارجية والذهنية حتى خصوصية قصر النظر عليها ، والشاهد على ذلك استعماله في الماهية بجميع اطوارها ولو كان شيء من تلكم الخصوصيات ماخوذا فيها ، كان استعماله في غير تلك الخصوصية مجازا ومحتاجا إلى قرينة ، حتى ولو كانت تلك الخصوصية قصر النظر على ذاتها وذاتياتها.

وان شئت فقل ان تلكم الخصوصيات باجمعها الطارئة على الماهية إنما هي في مرحلة الاستعمال ومما حققناه يظهر أمور :

الأول : ان الماهية المقصور فيها النظر إلى ذاتها وذاتياتها ليست هي الماهية المهملة نظرا إلى انها متعينة من هذه الجهة فنسبة هذه إلى الماهية المهملة فيها مسامحة واضحة ، بل هي فوق جميع الاعتبارات واللحاظات الطارئة عليها.

٤٣٠

الثاني : ما في كلمات المحقق الخراساني (ره) (١) حيث انه بعد اختياره لوضع اسم الجنس للماهية المهملة قال وبالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم الغير الملحوظ معه شيء أصلاً الذي هو المعنى بشرط شيء ولو كان ذلك الشيء هو الارسال ، إلى ان قال بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الأفراد ، إلى ان قال وكذا المفهوم اللابشرط القسمى فانه كلى عقلي لا موطن له إلا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها بداهة ان مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا فكيف يمكن ان يتحد معها ما لا وجود له إلا ذهنا انتهى.

فانه يرد عليه أمور :

١ ـ انه جعل الماهية الملحوظة مرسلة ، المعبر عنها بالماهية المطلقة التي نسب إلى المشهور ان اسم الجنس موضوع لها ، من الماهية بشرط شيء ، مع انه قد عرفت انه اللابشرط القسمى لا بشرط شيء ، ومنشأ جعلها منها تخيل ان لحاظ السريان قد اخذ قيدا لها ، مع ان معنى لحاظ سريانها هو لحاظها فانية في المصاديق والافراد الخارجية بالفعل من دون اخذ اللحاظ قيدا لها ، فالمعتبر فيها هو واقع السريان الفعلي ، لا لحاظه ووجوده في افق النفس ، وقد عرفت ان معنى الإطلاق رفض القيود وعدم دخل شيء منها فيه ، وبديهي ان السريان الفعلي من لوازم لحاظ إطلاق الماهية وارسالها كذلك.

وبالجملة السريان ليس خصوصية وجودية ماخوذة في الماهية لتكون الماهية

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٤٣.

٤٣١

المطلقة ، الماهية بشرط شيء ، بل هو عبارة عن انطباق نفس الماهية على افرادها في الخارج.

٢ ـ انه افاد (١) ان الماهية المطلقة لا وجود لها إلا في الذهن.

ويرد عليه ما تقدم من انه ليس معنى الماهية المطلقة ، الماهية المقيدة بلحاظ السريان ، بل معناها لحاظ الماهية فانية في جميع مصاديقها وافرادها الخارجية بالفعل ومن الطبيعي ان الماهية الملحوظة كذلك تنطبق على جميع افرادها ومصاديقها بالفعل ، فالحكم الثابت لها يسرى إلى جميع افرادها في الخارج.

٣ ـ انه افاد ان الماهية الملحوظ معها عدم لحاظ شيء معها التي هي الماهية اللابشرط القسمى كلى عقلي لا موطن له إلا الذهن ، ولا تصدق على الخارجيات.

فانه يرد عليه ان اللابشرط القسمى هو الماهية المطلقة ، وهذه هي الماهية بشرط لا.

الثالث : ان الكلي الطبيعي عبارة عن الماهية المهملة لان الكلي الطبيعي هو الكلي الممكن انطباقه على الأفراد الخارجية ، وهذا ينطبق على الماهية المهملة.

واما اللابشرط المقسمي الذي ذهب المحقق السبزواري إلى انه الكلي الطبيعي ، فهو ليس كليا طبيعيا لوجهين :

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٤٤ بتصرف.

٤٣٢

أحدهما : ما أفاده المحقق النائيني (ره) (١) وهو ان اللابشرط المقسمي عبارة عن الطبيعة الجامعة بين الكلي المعبر عنه باللابشرط القسمي ، والماهية المطلقة الصادقة على الأفراد الخارجية ، والكلى المعبر عنه بالماهية المجردة وبشرط لا ، التي لا موطن لها إلا العقل الممتنع صدقها على الأفراد الخارجية ، والكلى المعبر عنه بالماهية بشرط شيء الذي لا يصدق إلا على الأفراد الواجدة لما اعتبر فيه من الخصوصية.

وبديهي انه يستحيل ان يكون الجامع بين هذه الأقسام ، هو الكلي الطبيعي ، لان الكلي الطبيعي ، هو الكلي الجامع بين الأفراد الخارجية الممكن صدقه عليها فهو حينئذ لا يعقل ان يكون مقسما للكلى العقلي الممتنع صدقه على الأفراد الخارجية ، لان المقسم لا بد من ان يكون متحققا في ضمن جميع اقسامه ولا يعقل ان تكون الماهية المعتبرة على نحو تصدق على الأفراد الخارجية في ضمن الماهية المعتبرة على نحو يمتنع صدقها على ما في الخارج.

ثانيهما : ان الماهية المعنونة بعنوان كونها اللابشرط المقسمى ، التي لا تحقق لها إلا في ضمن احد اقسامها من الماهية المجردة ، والمخلوطة ، والمطلقة ، كما هو الشأن في كل مقسم بالاضافة إلى اقسامه.

وبعبارة أخرى : انه عنوان انتزاعي ، ويكون عروضه على الماهية في مرتبة متاخرة عن عروض تلك التقسيمات عليها غير قابلة للصدق والانطباق على

__________________

(١) اجود التقريرات ج ١ ص ٥٢٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٤٢١ قوله : «فظهر بذلك ان الكلي ... وذلك لان اللابشرط المقسمي اعني به نفس الطبيعة من حيث هي جامعة ...».

٤٣٣

ما في الخارج حيث لا وجود لها إلا الذهن ، فلا تصلح ان تكون كليا طبيعيا ، واما مع قطع النظر عن هذا العنوان فهي قابلة للانطباق عليها وتصلح ان تكون كليا طبيعيا ، إلا انها حينئذ ليست الماهية اللابشرط المقسمى بل هي الماهية المهملة.

واما اللابشرط القسمي الذي ذهب المحقق النائيني (ره) (١) إلى انه الكلي الطبيعي ، فهو أيضاً لا يكون كذلك لان اللابشرط القسمي هو الماهية المطلقة ، ويعتبر فيها انطباقها بالفعل على جميع مصاديقها ، لأنه قد لوحظ فيها السريان الفعلي ، واما الكلي الطبيعي فهو قابل لان يصدق على الخارجيات ، لا انه هو الصادق بالفعل عليها بلحاظ فنائه فيها.

فالكلي الطبيعي هو الماهية المهملة غير المقيدة بلحاظ خاص حتى لحاظها بقصر النظر على مقام الذات والذاتيات ، لا الماهية اللابشرط المقسمى كما ذهب إليه المحقق السبزواري ، ولا الماهية اللابشرط القسمى كما ذهب إليه المحقق النائيني (ره).

الرابع : ان اللابشرط المقسمى ليس هو الماهية الملحوظة من حيث هي إذ اللابشرط المقسمى ، ما يكون مقسما للاعتبارات الثلاثة للماهية المقيسة إلى الخارج عن ذاتها ، والماهية من حيث هي قسيم لها فكيف يتحدان.

الخامس : الفرق بين اللابشرط القسمى ، والمقسمي ، حيث ان المضاف إليه

__________________

(١) اجود التقريرات ج ١ ص ٥٢٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٤٢١ قوله : «فظهر بذلك ان الكلي الطبيعي الصادق على كثيرين انما هو اللابشرط القسمي دون المقسمي».

٤٣٤

في الأول الخصوصيات الخارجية للماهية ، والمضاف إليه في الثاني ، اعتبارات الماهية المقيسة إلى الخارج عن ذاتها.

علم الجنس

ومنها : علم الجنس كاسامة ، وفي وضعه اقوال :

احدها : ما هو المشهور بين الاصحاب وهو انه موضوع للطبيعة لا بما هي هي بل بما هي متعينة بالتعين الذهنى ولذا يعاملون مع اعلام الاجناس معاملة المعارف.

الثاني : ما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (١) ، قال لكن التحقيق انه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلاً كاسم الجنس والتعريف فيه لفظي كما هو الحال في التأنيث اللفظي.

ووافق في دعوى كون التعريف فيه لفظيا نجم الائمة (٢) وأبا حيان.

قال : نجم الائمة في بحث العلم إذا كان مؤنث لفظي كغرفة وبشرى وصحراء ، ونسبة لفظية ككرسي ، فلا باس ان يكون لنا تعريف لفظي اما باللام كما ذكرناه قبل أو بالعلمية كما في اسامة انتهى.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٤٤.

(٢) نسب القول اليه عدّة من الاعلام ، وقد نقل بعض كلامه الشيخ الاعظم في كتابه حاشية الاستصحاب ص ١٥٥ ، ونسبه اليه في مطارح الانظار ص ١٨٩.

٤٣٥

الثالث : ما اختاره المحقق الأصفهاني (ره) (١) تبعا للسيد الشريف (٢) ، وصاحب الفصول (٣) ، وهو انه موضوع للماهية بما انها متعينة بالتعين الجنسي :

بيانه ان كل معنى طبيعي فهو بنفسه متعين وممتاز عن غيره ، وهذا وصف ذاتي له ، فاللفظ ربما يوضع لذات المتعين ، والممتاز كالاسد ، وأخرى للمتعين والممتاز بما هو كذلك كاسامة.

الرابع : انه موضوع لتمام اشخاص جنس واحد مستوعبا من غير دخل اللحاظ ، وبهذا الاعتبار يطلق عليه علم الجنس في قبال علم الشخص المختص ببعض اشخاص الجنس ، فيكون اللفظ مشتركا بين تمام تلك الاشخاص ، ولو بوضع واحد عام.

واستدل للقول الأول : باتفاق اهل العربية ، على المعاملة مع علم الجنس معاملة المعرفة بخلاف اسم الجنس ، ولا فرق بينهما إلا ملاحظة تعين الماهية بالتعين الذهنى ، قال في القوانين ان علم الجنس قد وضع للماهية المتحدة مع ملاحظة تعينها وحضورها في الذهن كاسامة ، فقد تراهم يعاملون معها معاملة المعارف بخلاف اسم الجنس فان التعين والتعريف إنما يحصل فيه بالآلة مثل الالف واللام فالعلم يدل عليه بجوهره واسم الجنس بالآلة.

__________________

(١) نهاية الدراية ج ١ ص ٦٦٨.

(٢) كما حكاه عنه صاحب الفصول ص ١٦٧.

(٣) الفصول الغروية ص ١٦٥ عند قوله : «.. وعلى قياس علم الجنس كاسامة فإنها موضوعة للماهية المعينة باعتبار تعينها الجنسي» ثم اكد ذلك في نفس الصفحة وغيرها.

٤٣٦

وأورد عليه المحقق الخراساني (ره) (١) بايرادين :

أحدهما : انه لو كان موضوعا للمتعين في الذهن أي الماهية مع لحاظ تعينها في الذهن كان لازمه عدم صحة حمله على الأفراد بلا تصرف وتجريد ، إذ ما لا موطن له إلا الذهن لا يقبل للانطباق على ما في الخارج ، مع انه لا شبهة في صحة انطباقه بما له من المعنى على الأفراد الخارجية من دون تصرف وتجريد وهذا يكشف قطعيا عن عدم اخذ تلك الخصوصية في الموضوع له.

ثانيهما : ان وضع اللفظ لمعنى ، يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته ، في مقام الاستعمال ، لا يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم.

ولاجل ذلك اختار هو القول الثاني ، وقال : انه لا فرق بين اسم الجنس ، وعلم الجنس ، في المعنى الموضوع له أصلاً ، واما انهم يعاملون مع علم الجنس معاملة المعرفة فالتعريف فيه لفظي ، بمعنى ان العرب كما انه قد يجرى على بعض الألفاظ حكم التأنيث ، مع انه ليس فيه تأنيث حقيقي كلفظ اليد وغرفة ، وما شاكل كذلك قد يجرى على بعض الألفاظ حكم التعريف وآثاره من قبيل الابتداء به ، وعدم دخول الالف واللام عليه وعدم وقوعه مضافا مع انه ليس فيه تعريف أصلاً.

كما انه لأجل هذه الشبهة ذهب جماعة إلى القول الثالث والرابع ، وإلا فلا كلام لأحد في ان اللغة تابعة للسماع ، ولا قياس فيها فإذا كان المسموع والمنقول فيها من اهلها ان علم الجنس موضوع للماهية بما هي متعينة بالتعين الذهنى ،

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٤٤ (لكن التحقيق انه موضوع ..) بتصرف.

٤٣٧

لا بد من متابعته سيما وان دعوى انسباق التمييز والتعين منه غير بعيدة.

ولكن الحق : عدم ورود هذا الإيراد على المشهور فلا حاجة إلى هذه التكلفات ، وذلك لان المراد بالوضع للمتعين بالتعين الذهنى ليس وضعه له بنحو يكون الوجود الذهنى دخيلا في الموضوع له من حيث هو ، بل المراد دخل الوجود الذهنى بنحو المرآتية فيكون لفظ اسامة موضوعا للاسد المتعين في الذهن على نحو المرآتية للخارج كما هو الشأن في العهد الذهني.

وبعبارة أخرى : علم الجنس موضوع لذات معنى تعلقت الإشارة به ، وما هو معروضها بلا اخذ تقيدها فيه ويصير بذلك معرفة إذ معروض الإشارة له نحو من التعين ليس لغيره ، فالحق تمامية ما ذكره المشهور.

المفرد المعرف باللام

ومنها : المفرد المعرف باللام ، والمراد بالمفرد اسم الجنس ، والمعروف بين الاصحاب ان اللام على اقسام :

الجنس ، والاستغراق ، والعهد الخارجي الحضوري ، والعهد الذكرى ، والعهد الذهني ، ولا كلام في انه يستعمل اللام في تلكم الموارد كثيرا.

والأول كما في قولنا (الرجل خير من المرأة).

والثاني ، كما في (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

٤٣٨

الصَّالِحَاتِ)(١) و (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٢).

والثالث كما في (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(٣).

والرابع ، كما (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(٤).

والخامس كما في (ادخل السوق واشتر اللحم).

إنما الكلام في ان هذه الخصوصيات ، هل تستفاد من وضع الالف واللام للتعريف والتعين الجامع بين هذه الأقسام :

وتوضيح ذلك ما أفاده المحقق الأصفهاني (ره) (٥) بان الالف واللام وضعت للدلالة على ان مدخولها واقع موقع التعين ، اما جنسا ، أو استغراقا ، أو عهدا باقسامه ذكرا وخارجا وذهنا على حد ساير الادوات الموضوعة لربط خاص كحرف الابتداء الموضوعة لربط مدخوله بما قبله ربط المبتدإ بالمبتدإ من عنده وهكذا كما هو المعروف بين الأصحاب.

أم من وضعهما لذلك باوضاع متعددة ، فيكون من قبيل الاشتراك اللفظي.

أم يكون ذلك بوضع مدخولهما لذلك ، ويكون الالف واللام علامة له.

__________________

(١) الآيتين ٢ و ٣ من سورة العصر.

(٢) الآية ٢٧٥ من سورة البقرة.

(٣) الآية ٣ من سورة المائدة.

(٤) الآية ١٦ من سورة المزمل.

(٥) نهاية الدراية ج ١ ص ٦٦٨ ـ ٦٦٩.

٤٣٩

أم بوضع مجموع الداخل والمدخول.

أم تستفاد هذه الخصوصيات من القرائن الخارجية كما اختاره المحقق الخراساني (ره) (١)

فيه وجوه واقوال :

الظاهر عدم وضع المدخول ، ولا الداخل والمدخول : إذ الظاهر ان المفهوم من المدخول هو المفهوم منه حال عرائه عنهما ، فيدور الأمر بين قولين ، وضع الالف واللام ، أو استفادة الخصوصيات من القرائن ، وإلا ظهر منهما هو الأول ، كما صرح به اهله ، والمراد انهما وضعتا للدلالة على ان مدخولهما واقع موقع التعين ، اما جنسا ، أو استغراقا ، أو عهدا باقسامه.

وأورد المحقق الخراساني (٢) عليه بايرادات :

الأول : انه لا تعين للجنس إلا الإشارة إلى المعنى المتعين بنفسه من بين المعاني ذهنا ، إذ لا تعين للجنس ليمكن الإشارة إليه وراء التعين الذهنى ، ولازم ذلك ان لا يصح حمله على الخارجيات ، لامتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلا الذهن إلا بالتجريد ومعه لا فائدة في التقييد.

الثاني : ان الوضع لما لا حاجة إليه بل لا بد من التجريد عنه والغائه في الاستعمالات العرفية يكون لغوا.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٤٥.

(٢) كفاية الاصول ص ٢٤٥.

٤٤٠