زبدة الأصول - ج ٣

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-36-5
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٨٠

إلا انه لم يقم دليل على ذلك بنحو يجعل مدركا للحكم فتدبر.

فالاظهر عدم دلالته على الحصر ، فغاية ما يستفاد من قولنا القائم زيد اتحاد القائم مع زيد وجودا ، وهذا لا يلازم عدم اتحاد القائم مع عمرو وجودا.

المبحث الخامس في مفهوم العدد

قال في الكفاية (١) لا دلالة ، للقب ، ولا للعدد على المفهوم ، وانتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما أصلاً ، وقد عرفت ان انتفاء شخصه ليس بمفهوم ، كما ان قضية التقييد بالعدد منطوقا عدم جواز الاقتصار على ما دونه لأنه ليس بذاك الخاص والمقيد ، واما الزيادة فكالنقيصة إذا كان التقييد به للتحديد بالاضافة إلى كلا طرفيه. وكيف كان فليس عدم الاجتزاء بغيره من جهة دلالته على المفهوم انتهى.

المراد باللقب مطلق ما يعبر به عن الشيء ، وعليه فعدم دلالته على المفهوم واضح إذ اثبات شيء لشيء لا يلازم نفيه عما عداه.

واما العدد فالكلام فيه يقع من جهتين :

الأولى في منطوقه.

الثانية في مفهومه.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢١٢.

٢٨١

اما الجهة الأولى : فلا ريب في ظهور القضية التي تضمنت جعل الحكم للعدد مثل ، اكرم عشر رجال ، في عدم تعلق شخص الحكم المذكور في القضية باقل من العدد وحينئذ ان كان الحكم بنحو العام الاستغراقي ، لو أتى باقل منهما بان اكرم خمسا فقد امتثل بالاضافة إلى اكرامهم ، وعصى من حيث ترك اكرام غيرهم ، ولو كان مجموعيا لما تحقق الامتثال إلا بعد اكرام العشرة فلو لم يكرم واحدا منهم لما امتثل.

واما في طرف الزيادة ففيه نزاعان :

الأول : في شمول الحكم للاكثر بحده الأكثري بحيث إذا اكرم اثنى عشر رجلا ، فقد انطبق عليه المأمور به بماله من الحد.

الثاني ، في انه على فرض عدم الانطباق هل تكون الزيادة مفسدة للمأتى به أم لا؟

اما الأول : فالكلام فيه هو الكلام في طرف الأقل ، بمعنى انه لا ينطبق عليه بحده عنوان المأمور به.

واما الثاني : فان كان المتكلم في مقام البيان حتى من هذه الجهة أي في مقام بيان جميع ما يعتبر في المأمور به ولم يقيده بعدم الأكثر مقتضى الإطلاق عدم المفسدية ، وإلا فحيث ان مآل الشك حينئذ إلى ان المطلوب هو العدد لا بشرط ، أو بشرط عدم الزيادة ، فيكون المورد داخلا في الأقل والأكثر الارتباطيين ، والمختار فيه جريان البراءة.

واما الجهة الثانية : فالقول بدلالته على المفهوم يبتنى على القول بدلالة

٢٨٢

الوصف ، عليه : لما عرفت من ان المراد بالوصف ، اعم من الوصف المصطلح ، والعدد من الوصف بهذا المعنى فتدبر.

* * *

٢٨٣

المقصد الرابع

من مقاصد علم الأصول

في

العام والخاص

وفيه مباحث :

٢٨٤

المقصد الرابع

في العام والخاص

وفيه مباحث : وقبل الخوض في المباحث لا بد من ذكر أمور لا يستغني عنها :

الامر الأول : انه عرف العام بتعاريف ، قال في الفصول (١) ان للقوم في العام حدودا كثيرة لا يسلم كلها أو جلها عن المناقشة أو الخلل المحوج إلى ارتكاب التعسف أو التمحل إلى آخر ما افاد.

والمحقق الخراساني (ره) في الكفاية (٢) بعد ما اشار إلى ذلك افاد ما محصله ان تلك التعاريف لفظية تقع في جواب السؤال عنه ب [ما] الشارحة لا واقعة في جواب السؤال عنه ب (ما) الحقيقية ، واستدل لما ادعاه : بان المعنى المركوز منه في الاذهان اوضح مما عرف به مفهوما ومصداقا ، ولذا يجعل صدق ذاك المعنى على فرد وعدم صدقه المقياس في الاشكال عليها مع انه يعتبر في التعريف ان يكون هو اجلى واظهر من المعرف.

ثم انه اعتذر عن القوم بان الغرض من التعريف ليس هو بيان

__________________

(١) الفصول الغروية ص ١٥٨.

(٢) كفاية الاصول ص ٢١٥.

٢٨٥

حقيقة العام بما له من المفهوم العام لعدم كونه محلا لحكم من الأحكام كي يجب تعيين مفهومه ، بل هو لبيان مصاديق العام وافراده التي محل للاحكام ، فالغرض بيان ما يكون بمفهومه جامعا بين ما لا شبهة في انها أفراد العام ليشاربه إلى ما هو محل للاحكام.

ويرد على ما أفاده أمور :

الأول : ان شرح اللفظ والتعريف اللفظي على قسمين :

١ ـ شرح تام موجب لتمييز المدلول عن جميع ما عداه

٢ ـ شرح ناقص موجب لتمييزه عن بعض ما عداه ، والذى لا يضر عدم اطراده أو انعكاسه إنما هو الثاني ومقصود الشارحين للعناوين هو الأول ، فالاعتذار عن عدم اطراد تعاريف القوم : تارة ، وعدم انعكاسها أخرى : بان تعاريفهم تعاريف لفظية لا يقبل.

الثاني : ان ما ذكره (ره) من مرادفة التعريف اللفظي لمطلب ما الشارحة خلاف اصطلاح اهل الميزان ، فان ما يستفاد من كلماتهم ، ان مطلب ما الشارحة بعينه مطلب ما الحقيقية ، وإنما الاختلاف بينهما من جهة ، ان الأول إنما يكون قبل معرفة وجود المسئول عنه ، والثاني بعده ، واما التعريف اللفظي فهو عبارة عن تفسير اللفظ بما يرادفه من غير ان يعرف بحقيقته ولا بأمر خارج عنها لازم لها.

الثالث : ان ما ذكره في وجه كون تعاريفهم لفظية وهو ان المعنى المركوز منه في الاذهان اوضح من تلك التعاريف. لا يكون شاهدا له ، فان في التعريف

٢٨٦

اللفظي أيضاً يعتبر عدم أو ضحية المعرف عن المعرف وإلا لغى التعريف.

الرابع : ان ما ذكره في وجه أوضحية ذلك المعنى المركوز من جعله مقياسا للاشكال ، يرد عليه انه يمكن ان يكون المعنى معلوما اجماليا ويعلم بعض مصاديقه يقينا كما يعلم عدم كون جملة من الأمور من مصاديقه ومع ذلك لا يكون معلوما تفصيلا بحيث يحرز حال المصاديق المشتبهة الاندراج ، فيعرف بما يميز به ذلك.

الخامس : ان ما ذكره من عدم تعلق غرض بشرح حقيقته ، يرد عليه انه ان لم يتعلق غرض بذلك لم يكن حاجة إلى شرح لفظه أيضاً ، والاشارة إلى المصاديق كما تحصل بذلك تحصل بشرح الماهية.

واما ما أورد عليه بأنه من جملة المسائل المعنونة ، تقدم العام على المطلق وعدمه ، وموضوع هذه المسألة العام بعنوانه لا مصاديقه.

ففيه ان موضوع الحكم ليس هو العام بما هو ، بل ما يكون شموله لمصداقه بالوضع في قبال ما يكون بالإطلاق وهذا لا يتوقف على معرفة حقيقة العام.

وحق القول في المقام ان العموم في اللغة معناه الشمول وهو المنساق إلى الذهن من حاق لفظه ، والمتفاهم العرفي منه.

واما بحسب الاصطلاح ، فالظاهر انه ليس للقوم اصطلاح خاص فيه ، بل هو في اصطلاحهم مستعمل في معناه اللغوى والعرفي ، ولذلك نريهم انهم يفسرونه بما دل على شمول الحكم لجميع أفراد مدخوله.

الامر الثاني : ان الفرق بين العام والمطلق الشمولي كقوله تعالى : (وَأَحَلَ

٢٨٧

اللهُ الْبَيْعَ)(١) ان دلالة العام على العموم والشمول إنما هو بالوضع ، ودلالة المطلق على ذلك إنما هي بمقدمات الحكمة.

اقسام العموم

الأمر الثالث : ان العموم ينقسم إلى ، استغراقي ، ومجموعي ، وبدلي ، والحكم في الأول في مقام الإثبات واحد ، وفي مقام الثبوت متعدد بعدد أفراد العام ، ولكل فرد حكم مستقل غير مربوط بالحكم الثابت للآخر ، وفي الثاني واحد في مقامي الثبوت والاثبات والمتكلم يجعل المجموع من حيث المجموع موضوعا واحدا ، وفي الثالث أيضاً يكون الحكم واحدا في المقامين ، إلا ان المتعلق هو صرف وجود الطبيعة لا مجموع الأفراد وهذا كله مما لا كلام فيه.

إنما الكلام في منشأ هذا الاختلاف والانقسام وقد افاد المحقق الخراساني (٢) والنائيني (٣) وجمع آخرون ، ان منشأه اختلاف كيفية تعلق الحكم بالعام ، وإلا فالعموم في الجميع بمعنى واحد حيث ان الحكم المتعلق به :

تارة يكون بنحو يكون كل فرد موضوعا للحكم.

وأخرى يكون الجميع موضوعا واحدا.

__________________

(١) الآية ٢٧٥ من سورة البقرة.

(٢) كفاية الاصول ص ٢١٦.

(٣) أجود التقريرات ج ١ ص ٤٤٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٩٤ (الامر الثالث).

٢٨٨

وثالثة بنحو يكون كل واحد موضوعا على البدل.

وعلى الأول يكون العام استغراقيا.

وعلى الثاني يكون مجموعيا.

وعلى الثالث يكون بدليا.

ويتوجه عليهم : أن العام البدلي يغاير مفهوما مع اخويه ، فان الاستيعاب فيه استيعاب تبادلي ، أي المفهوم لا يصدق على اكثر من فرد واحد ، وصدقه على كل فرد ، إنما يكون بالتبادل ولا يكون عرضيا ، وهذا بخلافه في الآخرين.

وهذا كاشف عن اختلاف البدلي مع القسمين الآخرين بالمفهوم.

ويشهد له : مضافا إلى ذلك اختلافه معهما ، في الألفاظ الموضوعة له ، ولهما ، فان لفظ (أي) مثلا موضوع للبدلى ، ولفظة (كل) موضوعة لهما.

واما القسمان الآخران ، فقد افاد المحقق الأصفهاني (ره) (١) ان الفرق بينهما إنما يكون قبل تعلق الحكم بتقريب ، ان مصاديق العام لها مفاهيم متقومة بالكثرة بالذات فلها وحدة مفهومية وكثرة ذاتية ، وهذا المعنى الكذائي محفوظ ، وان ورد عليه اعتبارات مختلفة فقد يترتب الحكم عليه بلحاظ تلك الكثرة الذاتية كما في الكل الافرادى ، وقد يترتب الحكم عليه بلحاظ تلك الوحدة ، كما في الكل المجموعي ، فالكثرة وان كانت محفوظة إلا انها ملغاة في مرحلة موضوعيته للحكم.

__________________

(١) نهاية الدراية ج ١ ص ٦٣١ (المقصد الرابع : في العام والخاص).

٢٨٩

وفيه : ان الموضوع في العام المجموعي ليس هي جهة الوحدة الجامعة ، فان معنى كون الموضوع هي تلك الجهة عدم دخل الخصوصيات في الحكم.

مع انه في العام المجموعي يكون الموضوع هي الأفراد باجمعها بمالها من الخصوصيات.

مضافا إلى انه لا معنى لجعل الموضوع هي الطبيعة والجهة الجامعة من حيث هي ، فلا محالة يكون بلحاظ وجوداتها ومن البديهى عدم كون الموضوع فردا واحدا بل كونه تمام الوجودات فيسأل عن ان المجموع بمالها من الوجودات المتكثرة ، هل هي موضوعة لحكم واحد أو متعدد؟ ويكون كل فرد موضوعا لحكم واحد ، فمجرد الالتزام بكون الموضوع هي جهة الوحدة لا يكفي في كون العام مجموعيا فتدبر فانه دقيق.

فالحق ان يقال ان الاختلاف بينهما إنما يكون بلحاظ الحكم ولكن قبله ، بمعنى انه في مقام جعل الأفراد موضوعا ، تارة يلاحظ المجموع شيئا واحدا لترتب غرض واحد على المجموع ، وأخرى تلاحظ الأفراد بمالها من الوجودات المتكثرة لترتب اغراض متعددة عليها.

فالأول عام مجموعي ، والثاني عام استغراقي.

الأمر الرابع : ان العام البدلي هل هو داخل في اقسام العام ، أو هو من اقسام المطلق؟

٢٩٠

فقد اختار المحقق النائيني (ره) (١) الثاني ، بدعوى ان البدلية تنافى العموم فان متعلق الحكم في العموم البدلي ليس إلا فردا واحدا وهو ليس بعام ، وايده بان هذا القسم من العموم يستفاد غالبا من إطلاق المتعلق فيكون بذلك مندرجا في المطلق دون العام.

وفيه : ان العام البدلي ، عبارة عن ما يكون ترخيص تطبيق المأمور به على أفراده مدلولا لفظيا ومستندا إلى الوضع ، واستفادة هذا المعنى وان كانت غالبا بالإطلاق ، إلا انه ربما يكون مدلولا للفظ ومستندا إلى الوضع ، كما في قولنا : اكرم أي رجل شئت.

وما يكون من اقسام العام هو هذا ، لاما استفيد ذلك فيه باجراء المقدمات فانه يكون حينئذ مطلقا بدليا وهذان القسمان يأتيان في العام الشمولي أيضاً كما لا يخفى.

الامر الخامس : انه على ما ذكرناه لا يبقى مورد للشك في كون العموم بدليا ، أو غيره ، ولو شك في انه استغراقي أو مجموعي.

فقد افاد المحقق النائيني (ره) (٢) ان الاصل يقتضي كونه استغراقيا ، من جهة ان العموم المجموعي يحتاج إلى اعتبار الأمور الكثيرة امرا واحدا ليحكم عليها بحكم واحد ، وهذه عناية زائدة تحتاج افادتها إلى مئونة أخرى.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٤٤٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٩٤ ـ ٢٩٥ (الامر الثالث).

(٢) أجود التقريرات ج ١ ص ٤٤٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٩٥ (ثم انه اذا علم من الخارج ...).

٢٩١

وفيه : انه في العام الاستغراقي أيضاً لا بد وان يلاحظ كل واحد مستقلا فكل منهما يحتاج إلى خصوصية زائدة.

فالصحيح ، في وجه تعين الحمل على الاستغراقي عند الدوران ان يقال ، انه في العام المجموعي يكون كل فرد محكوما بحكم ضمنى ، إلا انه مقيد بالاتيان بسائر الأفراد ، وهذا بخلافه في الاستغراقي ، فان كل فرد محكوم بحكم مستقل له امتثال خاص ، ويمتثل لو أتى به وان لم يأت بسائر الأفراد فالعام المجموعي يحتاج إلى تقييد زائد ، والاصل اللفظي ، والعملي يقتضيان عدمه ، والحمل على الاستغراقي.

الأمر السادس : قال المحقق الخراساني في الكفاية (١) ، وقد انقدح ان مثل عشرة ، وغيرها لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم ، لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كل واحد منها انتهى.

وأورد عليه بان العام أيضاً لا يصلح للانطباق على أفراده ، مثلا (كل رجل) لا ينطبق على فرد من الرجل.

وفيه : ان الفاظ العموم ، وضعت لافادة شمول المدخول لجميع ما يصلح ان ينطبق عليه مثلا ، لفظة كل ، وضعت لافادة شمول مدخولها ، وهو الرجل في المثال ، لجميع ما يصلح ان ينطبق عليه ، فالمدخول أي الرجل لا بد وان يكون صالحا للانطباق على كل فرد لا بعد تصدره بلفظ العموم بل في نفسه.

فان قيل : ان العشرة أيضاً كذلك ، فان مادتها الواحد وهو يصلح ان ينطبق

__________________

(١) كفاية الاصول ٢١٦.

٢٩٢

على كل واحد ، والعشرة توجب استيعاب الواحد إلى هذا الحد.

اجبنا : ان الواحد ليس مادة العشرة ، بل لكل منهما مفهوم وحداني ، يغاير الآخر ، وهذا بخلاف كل رجل.

هل للعموم صيغة تخصه؟

الأمر السابع : اختلفوا في انه هل للعموم صيغة تخصه أم لا؟

ذهب جماعة منهم المحقق (١) والشيخ (٢) والعلامة (٣) إلى الأول ، ونسب إلى الأكثر ، واختاره المحقق الخراساني (٤) وغيره من المحققين المتأخرين.

وذهب قوم إلى الثاني.

وتوقف بعضهم.

واختلف النافون ، فمنهم من جعلها مشتركة بينه وبين الخصوص ووافقهم

__________________

(١) المحقق الحلي المتوفى ٦٧٦ ه‍. ق في كتابه معارج الاصول ص ٨١ ـ ٨٢ (المسألة الثانية).

(٢) راجع العدة لشيخ الطائفة الطوسي ج ١ ص ٢٧٣ (في ذكر حقيقة العموم والخصوص وذكر الفاظه) ثم انه قد استدل على مذهبه ص ٢٧٩ بعد ان استعرض اقوال أهل اللغة قال : «والذي أذهب اليه هو الأول ..».

(٣). العلامة الحلي المتوفى سنة ٧٢٦ ه‍ .. ق في كتابه مبادئ الوصول ص ١٢٥ (الأول : في العام والخاص).

(٤) كفاية الاصول ص ٢١٦.

٢٩٣

السيد (١) لغة ، قائلا انها نقلت في عرف الشارع إلى العموم ، ومنهم من جعلها حقيقة في الخصوص ومجازا في العموم.

وقد استدل لكون صيغ العموم حقيقة في الخصوص بامرين (٢) :

أحدهما : ان إرادة الخصوص ولو في ضمن العموم معلومة بخلاف العموم لاحتمال ان يكون المراد به الخصوص فقط وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن اولى من جعله حقيقة في المحتمل.

وفيه : ان كون الخاص متيقنا إنما هو بحسب الارادة الخارجية وهذا لا يمنع عن ظهور اللفظ لا في العموم ولا في غيره ، غاية الأمر يكون العام نصا في إرادة الخاص وظاهرا بالاضافة إلى إرادة العام ، ومحط النظر إنما هو في اثبات الظهور وعدمه.

نعم لو كان إرادة الخاص على نحو يمنع عن ظهور العام في العموم ويكون

__________________

(١) السيد المرتضى المتوفى سنة ٤٣٦ ه‍. ق في كتابه الذريعة إلى أصول الشيعة راجع ص ١٩٨ ج ١ حيث قال : «وليس في الكلام عندنا لفظ وضع للاستغراق» وفي ص ٢٣٩ من الجزء الأول قال : «وقد ذهبنا إلى ان عرف الشارع قد اقتضى حمل هذه الالفاظ على العموم والاستغراق» وفي الجزء الثاني ص ١٧٢ اكد ان دلالة بعض الالفاظ على العموم لغة محل خلاف ولكنها عند الشارع تقتضي الدلالة على ذلك فقال : «فأما العموم وان وقع خلاف في ان وضع اللغة يقتضي الاستغراق ، فلا خلاف في ان العرف الشرعي يقتضيه».

(٢) راجع الفصول الغروية ص ١٦١ ـ ١٦٢ قوله : «حجة من جعلها حقيقة في الخصوص فقط أمران ... :».

٢٩٤

بمنزلة القرينة المتصلة في الكلام بحيث احتاج إرادة العموم إلى نصب قرينة كان وضع اللفظ للعموم لغوا ، فالأولى ان يكون موضوعا للخصوص ، لكن الأمر ليس كذلك لكثرة إرادة العموم منها في الشرعيات وغيرها.

مع ان الخاص ليس له حد خاص إذ العام إذا خرج منه فرد واحد ، فالباقي خاص وان خرج منه فردان ، فكذلك إلى ان يصل إلى حد ، لا يجوز ان يتجاوز عنه التخصيص.

وعليه فان قيل انها وضعت لجميع تلك المراتب بنحو المشترك اللفظي فهو بين الفساد.

وان قيل انها موضوعة للجميع بنحو الاشتراك المعنوي ، فهو اوضح فسادا لعدم الجامع.

الثاني : انه قد اشتهر التخصيص وشاع حتى قيل ما من عام إلا وقد خص ، الحاقا للقليل بالعدم مبالغة ، والظاهر يقتضي كونه حقيقة في الاشهر الاغلب ، تقليلا للمجاز.

وأجاب عنه المحقق الخراساني (١) بقوله ولو سلم فلا محذور فيه أصلاً إذا كان بالقرينة.

ولا يخفى انه بعد تسليم كثرة المجاز لا موجب للحمل عليه : إذ المعروف في المجاز المشهور ، التوقف أو الحمل على المجاز بقرينة الشهرة.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢١٧.

٢٩٥

فالحق في الجواب منع المجاز في موارد التخصيص لما سيأتي في محله ، من ان إرادة الخاص من العام لا تنافى استعماله فيما وضع له فانتظر لذلك زيادة توضيح ، مع ان استعمال العام فيما وضع له وإرادة العموم منه كثير ، كما يظهر لمن راجع العمومات العرفية والعقلية ، بضميمة عدم وضع خاص في العمومات الشرعية.

بيان ما يدل على العموم

الأمر الثامن : بعد ما عرفت من ان للعموم صيغة تخصه ذكر المحقق الخراساني (١) جملة من ما عد مما يدل على العموم وهي.

النكرة في سياق النفي أو النهي ، ولفظة كل ، والمحلى باللام ، فالكلام في موارد :

الأول : في النكرة في سياق النفى أو النهي ، والمراد من النكرة ليس هو اسم الجنس الداخل عليه التنوين المفيد للوحدة ، بل المراد منها هو الطبيعة اللابشرط.

لا كلام في ظهور النكرة في سياق النفي أو النهي في الشمول إذا وردت في مقام البيان ، ولذلك قال في الفصول (٢) لا ريب في ان النكرة في سياق النفى

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢١٧.

(٢) الفصول الغروية ص ١٧٨.

٢٩٦

تفيد العموم ، وقريب منه ما أفاده المحقق القمي (١) ، والمحقق الخراساني (٢) ادعى فوق ذلك قال : ودلالتها عليه لا ينبغي ان تنكر عقلا.

وكيف كان فقد وقع الكلام في ان دلالتها عليه هل تكون سياقية عقلية ، أم تكون بالوضع ، أو بالإطلاق؟

والحق انها بالإطلاق ، لا سياقية عقلية ، ولا بالوضع : لان مدخول النفى ، أو النهي ، وهي النكرة ، قابل للانطباق على المطلق والمقيد ، والنفى كلفظة (لا) موضوعة لنفى مدخولها ليس إلا ، فلا محالة إذا جرت مقدمات الحكمة في المدخول يستفاد منها العموم ، وإلا فيكون مهملا ، والمهملة في قوة الجزئية ولا يستفاد منها العموم.

وقد استدل المحقق اليزدي (ره) (٣) لافادتها العموم بنفسها : بان النفى المتعلق بالطبيعة المهملة لا يصح إلا إذا لم تكن متحققة أصلاً : إذ لو صح نفى الطبيعة مع وجود فرد خاص منها لزم اجتماع النقيضين.

وفيه : ان اجتماع النقيضين إنما يلزم لو اريد من المدخول الطبيعة المطلقة ، واما لو اريد منه المهملة فلا يلزم اجتماع النقيضين.

فالاظهر ان دلالتها عليه إنما تكون بالإطلاق ، وليست دلالتها عليه سياقية عقلية كما مر في أول مبحث النواهي.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢١٧.

(٢) قوانين الاصول ج ١ ٢٢٣.

(٣) درر الفوائد للحائري ج ١ ص ١٧٩ (المقصد الخامس : في العام والخاص).

٢٩٧

المورد الثاني : في لفظة (كل) وأمثالها. وبعد ما لا كلام في استفادة العموم منها ، وقع الكلام في ان هذه هل تتوقف على إجراء مقدمات الحكمة في مدخولها ، أم دلالتها عليه تستند إلى الوضع ولا تحتاج إلى إجراء المقدمات؟

والحق هو الثاني ، بمعنى ان لفظة (كل) مثلا وضعت لافادة فعلية صلاحية مدخولها لما يصلح ان ينطبق عليه ، فبادخال لفظة (كل) على الطبيعة تصير تلك الصلاحية فعلية ، فهي بالوضع تدل على الغاء جميع الخصوصيات عن مدخولها.

فقول القائل : اكرم كل عالم ، في قوة ان يقول لا دخل لشيء من القيود في موضوع حكمي ، والشاهد على ذلك امران :

الأول : انه لو كان في مقام الاهمال وأتى بهذه اللفظة يعد خارجا عن طريق المحاورة.

الثاني : انه لو جرت المقدمات في المدخول واستفيد الإطلاق منها لا يبقى احتياج إلى اداة العموم ، ويكون وجودها لغوا.

وقد استدل للاول بوجوه :

احدها : انه لا ريب في إمكان تقييد المدخول كما في قولنا : كل رجل عالم ، وهذه قرينة على احتياج استفادة العموم إلى إجراء مقدمات الحكمة ، إذ لو لا ذلك لزم كونه تقييدا لدائرة العموم في فرض ثبوته فيكون التقييد منافيا له.

وفيه : ان اداة العموم تدل على استيعاب جميع أفراد ما يصلح ان ينطبق عليه مدخولها من الاجناس ، أو الانواع ، أو الاصناف ، والتقييد يوجب تضييق

٢٩٨

دائرة المدخول فلا تنافى.

الثاني : ان شمول اداة العموم تابع لسعة المدخول وضيقه ، ان مطلقا فمطلقا ، وان مقيدا فمقيدا فهي لا اقتضاء بالاضافة إلى إطلاق مدخولها وتقييدها فلو كانت بانفسها مفيدة للسعة والاستيعاب من غير إجراء مقدمات الحكمة لزم الخلف أي كونه مقتضيا بالاضافة إلى ما يكون لا اقتضاء بالاضافة إليه.

وفيه : ان شمول اداة العموم تابع لسعة المدخول وضيقه من حيث الصلاحية للانطباق ، ولازم ما ندعيه من افادتها استيعاب ما يصلح ان ينطبق عليه المدخول كونه مقتضيا بالاضافة إلى فعلية هذه الصلاحية لا نفس الصلاحية فلا خلف.

الثالث : ان غاية ما تقتضيه الاداة كون المدخول غير مهمل ، اما كونه طبيعة وسيعة ، أو حصة منها ، فالاداة لا تعين شيئا منهما ، فيتوقف احراز ذلك على إجراء مقدمات الحكمة.

وفيه : ان احتمال إرادة الحصة ان كان لاحتمال وجود القرينة ، فهو يندفع باصالة عدم القرينة التي هي من الأصول العقلائية ، وان كان لاحتمال إرادة الحصة واقعا فنفس ظهور الكلام ينفيه ، فتحصل انه في مثل لفظة (كل) و(أي) لا يتوقف استفادة العموم على إجراء مقدمات الحكمة.

المورد الثالث : انه بعد ما لا كلام ولا ريب في تبادر العموم من الجمع المحلى باللام ، وقع الكلام في ان ذلك :

٢٩٩

هل هو من جهة وضع اللام وحدها.

أم من جهة وضع هذه الهيئة بنفسها ، أي الالف واللام مع اداة الجمع ، الواردة على المادة في عرض واحد بلا تقدم ولا تأخر بينهما كما اختاره المحقق النائيني (١).

أم من جهة ان الالف واللام وضعت للتعريف فتدل على تعريف مدخولها ، وتعينه ولا تعين لشيء من مراتب الجمع القابلة للانطباق عليها إلا اقصى مراتب الجمع ، وهي المرتبة الأخيرة وهي جميع الأفراد.

وتحقيق القول : في المقام انه يرد على الأول ، ان لازمه ورود العموم على الجمع ، وإفادة ثبوت الحكم على جميع مصاديق الجمع بما هو جمع وهو خلاف المتفاهم العرفي ، مع ان لازمه افادة المفرد المعرف باللام أيضاً للعموم كما لا يخفى.

ويرد على الثاني ، ان لازمه كون استعمال الجمع المعرف باللام ، في موارد العهد الذهنى والخارجى مجازا ، وهو فاسد بالبداهة.

مع انه على هذا يكون للمركب وضع ، ولكل من جزأيه وضع آخر ، فلو استعمل بلا قرينة ، فاما ان يلتزم باستعمال المفردات في معانيها والمركب في معناه ، أو باستعمال المفردات في معنى المركب ، لا سبيل إلى شيء منهما.

اما الأول فواضح ، واما الثاني فلاحتياجه إلى قرينة معينة مفقودة.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٤٤٥ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٩٧ قوله : «واما الجمع المعرف باللام بإفادته للعموم ...».

٣٠٠