زبدة الأصول - ج ٣

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-36-5
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٨٠

حققناه في محله ، من ان كل قضية شرطية ترجع إلى القضية الحقيقية.

وعليه فكما ان الحكم في القضية الحقيقية ينحل إلى أحكام عديدة حسب تعدد أفراد الموضوع كذلك ينحل الحكم في القضية الشرطية بانحلال شرطه : إذ ادوات الشرط وضعت لجعل مدخولها موضع الفرض والتقدير واثبات التالي على هذا الفرض ، فلا يكون بين القضية الحقيقية ، والشرطية ، فرق فيتعدد الحكم بتعدد الشرط وجودا.

الثاني : ان تعلق الطلب بشيء لا يقتضي كون المتعلق صرف الوجود ، واول الوجودات ، بل ان ذلك إنما يكون من جهة حكم العقل بالاكتفاء بوجود واحد عند تعلق طلب واحد بالطبيعة ، فإذا فرض ظهور الجملتين الشرطيتين في تعدد الطلب ، يكون ذلك رافعا لحكم العقل بالاكتفاء بوجود واحد لارتفاع موضوعه ، وهو الطلب الواحد.

وبالجملة ان كل امر في نفسه لا يدل إلا على الطلب المقتضى لايجاد متعلقه ، واما كون هذا الطلب واحدا أو متعددا فليس في الأمر بهيئته ومادته دلالة عليه.

نعم ، إذا لم يكن هناك ما يقتضي تعدد الطلب وقد فرض تعلق الأمر بالطبيعة كان الطلب واحدا قهرا ، إلا انه من جهة عدم المقتضى للتعدد ، لا من جهة دلالة اللفظ عليه فإذا فرض ظهور القضية الشرطية في تعدد الطلب ، كان لازم ذلك ارتفاع موضوع الحكم بوحدة الطلب أي عدم المقتضى للتعدد ، ويكون ظهور القضية في التعدد واردا عليه.

وعلى فرض التنزل وتسليم ظهور الجزاء في وحدة الطلب إنما يكون ذلك

٢٤١

من جهة عدم ما يدل على التعدد ، فإذا دلت الجملة الشرطية بظهورها في الانحلال ، أو من جهة تعددها في نفسها على تعدد الطلب كان هذا الظهور لكونه لفظيا مقدما على ظهور الجزاء في وحدة الطلب الناشئ عن عدم ما يدل على التعدد الذي هو من الظهورات السياقية.

فالنتيجة على ضوء هذين الامرين انه لا موضوع للتعارض بين ظهور القضية في الانحلال والحدوث عند الحدوث وبين ظهور الجزاء في وحدة التكليف ، حيث لا ظهور للجزاء في ذلك في فرض تعدد الشرط ، بل عرفت ان تعدد البعث يستدعى تعدد الانبعاث فيكونان تكليفين متعلقين بطبيعة واحدة كل منهما يستدعى إيجاد فرد منها فلا موجب للحمل على التأكيد فيكون مقتضى القاعدة حينئذ عدم التداخل.

ويرد على ما أفاده في الأمر الثاني :

أولا : ان الطبيعة المتعلقة للطلب لا بد وان تلاحظ على نهج الوحدة أو التعدد لعدم تعقل تعلق الحكم بالمهمل. وعليه فالاكتفاء بالواحد إنما يكون بمقتضى الإطلاق.

واما ما ذكره على فرض التنزل من حكومة ظهور الجملة الشرطية في تعدد الطلب على ظهور الجزاء في وحدته الناشئ عن عدم ما يوجب التعدد :

فغاية ما يمكن توجيهه ان يقال ان ظهور الجزاء في الوحدة إنما يكون بالإطلاق المتوقف على عدم البيان وظهور الجملة الشرطية في التعدد يصلح للبيانية.

٢٤٢

أو يقال ان ظهور الجزاء في الوحدة إنما يكون ظهورا سياقيا من باب ان عدم الدليل على التعدد دليل العدم وظهور الجملة الشرطية في التعدد رافع لمنشإ الظهور.

أو يقال ان ظهور الجملة الشرطية في التعدد إنما هو بالوضع وظهور الجزاء في الوحدة بالإطلاق فيقدم الأول.

إلا ان شيئا من التوجيهات لا يتم ما لم ينضم إليه ظهور الحكم في الجزاء في التأسيس ، وانه كظهور الجملة الشرطية في التعدد إنما يكون بالوضع ، وإلا فمع انكاره كما سيمر عليك عند بيان المختار فلا يتم كما مر عند بيان ما يرد على المحقق الخراساني (ره).

والحق هو القول بالتداخل مطلقا :

غاية الأمر ، ان الشرطين ان كانا من نوع واحد فالتداخل المدعى هو المصطلح منه ، وان كانا من نوعين فهو بمعنى الالتزام بحكم واحد اكيد فلنا دعويان :

اما الأولى : فالوجه فيه ما أفاده السيد في ملحقات عروته : بان الموجب حينئذ جنس الشرط الصادق على الواحد والمتعدد فبحصول الجزاء دفعة واحدة يصدق حصول مقتضي كل منهما ويكون من باب التداخل في السبب نظير الجنايات المتعددة.

وقد أورد على ذلك بايرادين :

٢٤٣

أحدهما : للمحقق الخراساني (ره) (١) وحاصله ان مقتضى إطلاق الشرط في مثل ، إذا بلت فتوضأ ، هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات.

وفيه : ان غاية ما يقتضيه الإطلاق هو عدم خصوصية لفرد دون آخر ، واما ان المأخوذ شرطا ، هل هي الطبيعة السارية ، أم هو صرف الوجود ، والوجود السعي ، للطبيعة ، فهو لا يدل عليه ، بل يمكن ان يقال ان الإطلاق.

هو رفض القيود ، إنما يقتضي كون الشرط ، والسبب هو صرف وجود الطبيعة ، إذ ملاحظتها بنحو الطبيعة السارية تحتاج إلى عناية زائدة.

وان شئت فقل انه كما يدعى ان الإطلاق يقتضي كون المطلوب صرف الوجود في متعلقات التكاليف ، كذلك يقتضي كون السبب والشرط هو صرف الوجود ، أي الوجود السعي للطبيعة.

الإيراد الثاني : ما أفاده المحقق النائيني (ره) (٢) في وجه استفادة كون كل فرد سببا مستقلا من ان القضية الشرطية ترجع إلى القضية الحقيقية ، فينحل الحكم فيها إلى أحكام عديدة حسب تعدد أفراد الشرط.

ويرد عليه ان ذلك يتوقف على اثبات كون السبب ماخوذا بنحو الطبيعة السارية كما هو الشأن في المحرمات على ما حققناه في أول مبحث النواهي ، وإلا فلا يتم.

واما الثانية : وهو انه إذا كان الشرطان من نوعين ، كما لو اكل في نهار

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٠٦.

(٢) المصدر السابق في اجود التقريرات ج ١ ص ٤٢٨ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٦٦.

٢٤٤

شهر رمضان وجامع اهله ، فلانه لو التزمنا به لا يوجب التصرف في شيء من الظهورات. أي ظهور القضية في الحدوث عند الحدوث ، وظهورها في ان المتعلق حقيقة واحدة لا حقائق متعددة ، واطلاق المادة.

ودعوى : انه يستلزم التصرف في ظهور الحكم في كونه تأسيسيا.

مندفعة ، اولا : بما مر في مبحث تعلق الأمر بشيء بعد الأمر به ، من انه بناء على ما هو الحق من ان الأمر كسائر الانشائيات ليس ايجادا للطلب.

وبعبارة أخرى : ليس ايجاديا بل حقيقته إبراز الاعتبار النفساني ، أو إبراز شوق الأمر بالفعل المتعلق له ، وعلى هذا فليس هناك ظهور في التأسيس.

وثانيا : انه لو سلم كونه ايجاديا. فبما ان تأكد الطلب ليس شيئا غير الطلب بل هو من سنخه كما في كل مقول بالتشكيك ، فالحمل على التأكيد لا يستلزم كون شيء من القضيتين في غير مقام انشاء الطلب وجعل الحكم.

نعم ، ان الحكم المجعول في كل منهما ان حدث في محل فارغ عن مثله يكون مستقلا وان حدث في محل مشغول بمثله فهو تأكيد.

واما المحتملات الأخر فكل واحد منها يتوقف على رفع اليد عن ظهور من الظهورات.

اما المحتمل الثاني : فلانه يتوقف على تقييد إطلاق المادة في كل من القضيتين.

واما الثالث : فلانه يتوقف على رفع اليد عن ظهور القضيتين في الإنشاء ، والالتزام بكون كل منهما في مقام الأخبار وإلا لم يتم ذلك كما لا يخفى.

٢٤٥

واما الرابع : فلانه يستلزم التصرف في المادة بارادة حقيقة خاصة منطبقة عليها لاهي بانفسها ، وعلى ذلك فيتعين الالتزام بما ذكرناه.

وقد استدل الحلي (١) لما اختاره على ما عن التقريرات من التفصيل بالتعدد عند اختلاف الاجناس وعدمه عند الاتحاد ، بدعوى الصدق على الثاني : وباطلاق السببية على الأول.

وحاصله انه عند تعدد الشرط من نوع واحد ، لا بد من البناء على التداخل لان الشرط حينئذ اسم جنس صادق على الواحد والمتعدد ، واما لو تعدد النوع فلا وجه لتداخل الاجناس فلا مناص من التعدد.

وبما ذكرناه ظهر تمامية ما أفاده في الشرطين من نوع واحد وعدمها في النوعين هذا كله فيما إذا كان متعلق الحكم في الجزاء قابلا للتعدد.

واما فيما لا يكون قابلا لذلك فهو على قسمين :

أحدهما : ما يقبل التقييد بالسبب كالخيار ، حيث انه قابل للتقييد بالمجلس والحيوان وما شاكل ، ومعنى تقييده بالسبب ، هو ان يلاحظ الخيار المستند إلى المجلس فيسقطه أو يصالح عليه ويبقى له الخيار المستند إلى الحيوان على القول بعدم التداخل ، وكذا في القتل لأجل حقوق الناس ، فلو قتل زيد شخصين ، فقتله وان لم يقبل التعدد إلا انه قابل للتقييد بالسبب ، فلو اسقط ورثة احد المقتولين حق القود ، لم يسقط حق ورثة الآخر.

__________________

(١) راجع السرائر ج ١ ص ٢٥٨.

٢٤٦

ثانيهما : ما لا يكون قابلا للتقييد كوجوب القتل الناشئ عن غير حق الناس ، كالارتداد ونحوه ، فان حكم الله تعالى لا يمكن العفو عنه.

لا اشكال في خروج الثاني عن محل الكلام. ودخول الأول فيه.

ويترتب على النزاع في التداخل وعدمه فيه اثر ، وهو انه على فرض القول بعدم التداخل لذى الخيار مثلا اسقاط الخيار المستند إلى احد السببين دون الآخر أو المصالحة عليه ، فيسقط ويبقى الآخر ، وعلى فرض التداخل ليس له ذلك.

تداخل المسببات

واما المقام الثاني : وهو تداخل المسببات.

فملخص القول فيه انه بناء على القول بالتداخل في الاسباب لا مورد لهذا البحث.

واما بناء على القول بعدم التداخل ، والالتزام بتعدد المأمور به ، أو انه على القول بالتداخل لو دل دليل خاص على عدم التداخل في مورد ، فهل القاعدة الأولية تقتضي التداخل في المسببات فيكتفى بإتيان فرد واحد عن الوجودات المتعددة للمأمور به ، كما ورد النص في خصوص الاغسال المتعددة ، وانه يجتزى بغسل واحد عن الجميع ، أم تقتضي عدم التداخل؟

وجهان ، اظهرهما الثاني.

٢٤٧

إذ سقوط التكليفين المتعلقين بفردين من الطبيعة بإتيان فرد واحد مما لاوجه له ، إلا ان يدل عليه دليل خاص.

وربما ينعقد هذا البحث في مورد آخر ، وهو ما إذا كان هناك تكليفان متعلقان بشيئين ، وكانت النسبة بينهما عموما من وجه.

وتنقيح القول فيه ، انه :

تارة تكون النسبة المفروضة بين الموضوعين ، مثل اكرم العلماء واكرم الهاشميين.

وأخرى تكون بين المتعلقين ، مثل اكرم العلماء ، واضف العلماء وعلى كل تقدير.

تارة يكون الحكمان مجعولين : بنحو العام البدلي.

وأخرى يكونان بنحو العام الشمولي.

فان كانت النسبة بين الموضوعين عموما من وجه وكانا شموليين ، يكون ذلك من صغريات الكبرى الكلية المبحوث عنها في المقام ، إذ في المجمع أي العالم الهاشمي في المثال يأتي النزاعان.

وعلى المختار من ان القاعدة تقتضي القول بالتداخل في الاسباب ، نلتزم في المثال بان المأمور به فرد من الاكرام ، وعلى القول بعدم التداخل يكون المأمور به فردان من الاكرام ، وعليه فلا وجه للالتزام بالاجتزاء باكرام واحد.

وان كانت النسبة بين المتعلقين عموما من وجه وكانا شموليين ، لا يعقل القول بعدم التداخل إذ لا يعقل التعدد فيه.

٢٤٨

وان كانت النسبة بين المتعلقين ، أو الموضوعين عموما من وجه وكانا عامين بدليين. فلا كلام في التداخل.

إنما الكلام في انه ، هل يكون في المجمع حكم مؤكد ، أم يكون الاكتفاء بفرد واحد من جهة انطباق متعلق كل منهما على الماتي به.

فقد اختار المحقق الخراساني (١) الأول.

ولكن الاظهر هو الثاني : إذ المأمور به إنما هو الطبيعة من دون دخل شيء من الخصوصيات فيه ، فالفرد الماتي به في الخارج ، ليس بخصوصه متعلقا للتكليف كي يتصف بالوجوب الاكيد.

وبعبارة أخرى : إذا ورد اكرم عالما. ثم ورد ، اكرم هاشميا يكون متعلق التكليف في الأول اكرام العالم بلا دخل للهاشمية فيه ، وفي الثاني يكون بعكس ذلك ، فلا وجه للقول بتاكد الطلب في مجمع العنوانين.

وان شئت قلت ، ان لازم القول بالتأكد كون الحكم المجعول في مورد العامين من وجه ثلاثة. احدها : الحكم المؤكد. والآخران غير مؤكدين ، وهو باطل.

وتظهر ثمرة ذلك في الفقه فيما إذا كانت النسبة بين الواجب والمستحب عموما من وجه ، وكان كل من الوجوب والاستحباب متعلقا بالطبيعة الملغاة عنها الخصوصيات ، أو كانت النسبة بين المستحبين كذلك ، والأول كالنسبة بين صوم الاعتكاف وصوم شهر رمضان ، أو صوم واجب بالنذر ، والثاني كالنسبة

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٠٦ (واما ما لا يكون قابلا لذلك).

٢٤٩

بين صلاة الغفيلة ونافلة المغرب ، وصلاة الجعفر ونافلة المغرب أو الليل ، وامثال ذلك فلا مانع من الجمع بينهما في مقام الامتثال بإتيان المجمع.

المبحث الثاني في مفهوم الوصف

المشهور بين الاصحاب عدم المفهوم للوصف ، واثبته جماعة وعزى ذلك إلى ظاهر الشيخ (١) ، وحكي (٢) عن الشهيد انه جنح إليه في الذكرى ، وعن العلامة التفصيل بين ما كان الوصف علة كما في اكرم زيدا لأنه عالم وبين غيره.

وفي المسألة تفاصيل اخر لا يعبأ به.

ولتنقيح محل النزاع لا بد من تقديم أمور :

الأول : ان محل الكلام ليس هو خصوص الوصف المصطلح ، وهو المشتق الجارى على الذات كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة واسم الزمان وما شاكل.

بل اعم من ذلك ومن المنسوبات كالبغدادي. وما يؤدى معنى الوصف كذى علم. والاسامي الجارية على الذوات بلحاظ اتصافها بعرض كالسواد أو بعرضي كالملكية.

__________________

(١) والمراد به الشيخ الاعظم كما هو ظاهر كلماته في مطارح الانظار راجع ص ١٨٤.

(٢) وبالتتبع يظهر ان حاكي الاقوال هذه هو صاحب الفصول الغروية راجع ص ١٥١.

٢٥٠

بل الظاهر شموله لما عبر عنه في القوانين (١) بالوصف المقدر وهو ما يكون كناية عنه كما في قوله (ص) " لان يمتلي بطن الرجل قيحا خير من ان يمتلي شعرا" (٢) فان امتلاء البطن كناية عن الشعر الكثير.

الثاني : ان محل الكلام هو الوصف المعتمد على موصوفه بان يكون مذكورا في القضية كقولنا اكرم انسانا عالما ، أو ما شاكل ذلك ، واما الوصف غير المعتمد على الموصوف كقولنا اكرم عالما ، فلا كلام في عدم دلالته على المفهوم ، فانه حينئذ كسائر أفراد اللقب ، الذي سيأتي انه لا مفهوم له بلا كلام ، والفرق بينه وبين غيره ، بكون المبدأ فيه غير جعلى ، بخلاف المبدأ في غيره ، لا يكون بفارق في المقام.

ومجرد ان الوصف ينحل بتعمل من العقل ، إلى شيئين ، ذات ، ومبدأ ، لا يوجب فارقا بينه ، وبين الجامد ، بعد انه لا يتعدى ذلك عن افق النفس إلى مقام الدلالة.

بل لو قيل بدلالة الوصف غير المعتمد على الموصوف على المفهوم ، لا يبعد دعوى اولوية دلالة الجامد عليه ، لما عرفت في مبحث المشتق ، من ان كون المبدأ الجوهرى مناطا للحكم ، بحيث يرتفع الحكم عند عدمه اولى من كون المبدأ العرضى مناطا له.

__________________

(١) قوانين الاصول ج ١ ص ١٧٨.

(٢) بحار الانوار ج ٧٦ ص ٢٩٢ باب كراهة انشاء الشعر يوم الجمعة ح ١٢ / مستدرك الوسائل ج ٦ ص ٩٩ ح ٦٥٢٦ وفيه بدل «الرجل» «احدكم».

٢٥١

وبهذا يظهر ان من فصل بين الوصف المعتمد على الموصوف وغيره ، والتزم بدلالة الأول على المفهوم ، دون الثاني ، ليس تفصيلا في المقام بل هو التزام بدلالة الوصف على المفهوم مطلقا.

الثالث : ان النسبة بين الوصف والموصوف ، تارة ، تكون هي التساوى ، كالانسان الضاحك ، وأخرى ، تكون النسبة عموما من وجه ، كالانسان الابيض ، وثالثة ، تكون عموما مطلقا ، والاخير يتصور على وجهين : إذ قد يكون الموصوف اعم ، كالانسان العالم ، وقد يكون الوصف اعم كالانسان الماشي.

وحيث ان النزاع في المقام ليس في ان تعليق الحكم على الوصف ، هل يدل على كونه تمام الموضوع وعلة منحصرة للحكم فتكون النتيجة عدم ثبوت الحكم عند انتفاء الوصف ولو لموضوع آخر وثبوته مع وجود الوصف ولو في محل آخر : فان دلالة الجملة على ذلك اجنبية عن المفهوم المبحوث عنه في المقام ، بل النزاع إنما هو في انتفاء الحكم عن الموضوع الثابت له الحكم عند انتفاء القيد.

وبعبارة أخرى : يكون النزاع في ان التوصيف هل يوجب حصر الحكم الثابت للموصوف بصورة وجود الوصف أم لا؟ فيختص محل الكلام بصورة بقاء الموصوف بعد وصفه ، وهو إنما يكون في صورة كون النسبة عموما من وجه في صورة الافتراق وصورة كون النسبة عموما مطلق مع كون الوصف اعم كما لا يخفى.

إذا عرفت هذه الأمور. فاعلم انه قد استدل لثبوت المفهوم للوصف بوجوه :

٢٥٢

الأول : ما عن التقريرات (١) من دعوى التبادر عرفا.

وفيه : انه بعد ما نرى استعمال القضية الوصفية في غير مورد الانحصار الذي هو اساس الدلالة على المفهوم بلا عناية ولا رعاية علاقة فلا يصغى إلى هذه الدعوى.

الثاني : انه لو لم يدل الوصف على المفهوم ، لكان الآتي به لاغيا وهو مستحيل في حق الحكيم فلا مناص عن البناء على دلالته على المفهوم.

وفيه : ان ذكر الوصف ربما يكون لفوائد اخر غير حصر ثبوت الحكم بمورد الوصف ، كشدة الاهتمام بمورد الوصف كقوله اياك وظلم اليتيم ، أو لدفع توهم عدم شمول الحكم لمورد الوصف كما في قوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ..)(٢) أو لعدم احتياج السامع إلى غير مورد الوصف كقولك لمن لا يجد غير ماء البئر ، ماء البئر طاهر مطهر ، أو لغير ذلك من الفوائد.

الثالث : الانصراف إلى العلية المنحصرة.

وفيه : ما عرفت من عدم تمامية ذلك في مفهوم الشرط.

الرابع : ما نسب إلى العلامة (٣) وهو ان تعليق الحكم على الوصف مشعر

__________________

(١) مطارح الانظار ص ١٨٤.

(٢) الآية ٣١ من سورة الإسراء.

(٣) كما صرح به في مختلف الشيعة ج ٧ ص ٤٣٢ ، في مسألة الظهار.

٢٥٣

بالعلية ، ولازم ذلك انتفاء الحكم عند انتفائه ، لانتفاء المعلول بانتفاء علته.

وأجاب عنه المحقق الخراساني (١) بان مجرد ظهوره في العلية لا يوجب ذلك بل ثبوت المفهوم يتوقف على ثبوت العلية المنحصرة.

وفيه : انه على فرض ثبوت ظهوره في العلية ، لا مناص من قبول دلالته على المفهوم ، بناء على ما هو المسلم عنده من ان الواحد لا يصدر إلا عن الواحد ، فانه على ذلك يكون الدليل الظاهر في علية الوصف بعنوانه الخاص ظاهرا في كونه علة منحصرة ، وإلا كانت العلة هو الجامع بينه وبين غيره ، لا خصوصه بعنوانه ، وهو خلاف الظاهر ، فانكاره دلالته على المفهوم على فرض تسليم ظهوره في العلية لا مورد له على مسلكه.

كما ان تسليم المحقق النائيني (ره) دلالته على المفهوم على فرض تسليم ظهوره في العلية لا يتم على مسلكه الذي صرح به في مفهوم الشرط ، حيث انه سلم ظهوره في العلية وإنما انكر دلالته على المفهوم بالوضع من جهة عدم دلالة القيد على كونه علة منحصرة.

فالصحيح في الجواب عن هذا الوجه منع ظهوره في العلية ، بل لا يعقل ذلك في الأحكام الشرعية لعدم كون القيود الخارجية والموضوعات علة للحكم ، بل علته إرادة الجاعل كما مر ، اضف إليه ان مجرد الاشعار لا يكفي لاثبات المفهوم جزما حيث انه لا يكون من الدلالات العرفية.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٠٧ بتصرف.

٢٥٤

الخامس : ما ذكره المحقق صاحب الحاشية (١) ، من ان المشتهر في الالسنة ان الاصل في القيد ان يكون احترازيا ولا يكون احترازيا إلا بان يدل على المفهوم ولا يلائم مع عدم المفهوم للوصف ، فان معنى الاحترازية عدم ثبوت الحكم للفاقد.

وفيه : ان المراد به خروج الفاقد للقيد عن حيز الحكم الشخصي في القضية ، أي الحكم المجعول للمقيد لا خروجه عن حيز سنخ الحكم الذي هو المفهوم.

السادس : انه لو لا ذلك لما صح حمل المطلق على المقيد في المثبتين نظير اعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة. مع ان بنائهم على الحمل.

وفيه : ان الحمل في المثبتين يتوقف على احراز وحدة الحكم في القضيتين وكونه حكما مجعولا بنحو العام البدلي ، فانه على ذلك يحمل المطلق على المقيد من جهة ظهور القيد في كونه دخيلا في شخص الحكم المجعول ، من دون توقف على دخالته في سنخ ذلك الحكم ، وهذا لا ربط له بالمفهوم.

فالمتحصّل انه لا دليل على ثبوت المفهوم للوصف.

بل يمكن ان يستدل لعدم ثبوت المفهوم له بما ذكره جماعة منهم المحقق النائيني (ره) (٢) وتوضيح ذلك إنما يتم ببيان أمرين :

أحدهما : ان القيد ربما يعتبر قيدا للموضوع أو المتعلق الذي يعبر عنه

__________________

(١) هداية المسترشدين ص ٢٩٤.

(٢) اجود التقريرات ج ١ ص ٤٣٤ ـ ٤٣٥ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

٢٥٥

بالمفهوم الافرادى فيكون المقيد بما هو مقيد موضوعا للحكم أو متعلقا له كما في الوصف ، وربما يرجع إلى الحكم كما في الشرط.

وبعبارة أخرى : كما انه عرفت ظهور القضية الشرطية في كون القيد قيدا للهيئة ، كذلك ظاهرا لتوصيف كون الوصف قيدا للمفهوم الافرادى قبل ورود الحكم عليه.

ثانيهما : ان ملاك الدلالة على المفهوم كما عرفت في مفهوم الشرط رجوع القيد إلى الحكم ليترتب عليه ارتفاع الحكم عند ارتفاع الشرط ، واما القيد الراجع إلى الموضوع فغاية ما يقتضيه ثبوت الحكم للمقيد ، وانتفاء شخص الحكم المذكور في القضية عند انتفاء القيد ، ولا يدل على عدم ثبوت حكم آخر للفاقد ، لان ثبوت شيء لشيء لا يستلزم النفى عما عداه ، وعليه فالوصف بما انه ليس قيدا للحكم بل هو قيد للموضوع أو المتعلق فلا تدل القضية الوصفية على المفهوم.

وقد أورد على ذلك بأنه وان كان متينا إلا انه ليس للمحقق النائيني الالتزام بذلك لأنه يرى رجوع القضايا الحقيقية إلى القضايا الشرطية مقدمها ثبوت الموضوع وتاليها ثبوت الحكم ، ورجوع القضايا الشرطية إلى القضايا الحقيقية وان المعنى المستفاد منهما شيء واحد وإنما الاختلاف في كيفية التعبير.

وفيه : ان القضايا الحقيقية لا تدل على المفهوم مع رجوعها إلى القضايا الشرطية ، من جهة ما ذكره (ره) في أول مبحث المفاهيم ، من ان القضية الشرطية التي سيقت لبيان تحقق الموضوع لا تدل على المفهوم ، واما رجوع القضية الشرطية إلى القضية الحقيقية ، فليس المراد به عدم كون القيد من قيود الحكم ،

٢٥٦

بل المراد به عدم فعلية الحكم قبل فعليته ، وتلازم فعليته لفعلية كل فرد من أفراده.

ثم انه قد استدل لعدم الدلالة على المفهوم بآية (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم)(١).

وأجاب عنه في الكفاية (٢) ، بأنه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة ، ان لا يكون واردا مورد الغالب ، كما في الآية لعدم دلالته على الاختصاص معه وبدونها لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم.

وفيه : ان مدرك الدلالة على المفهوم ، ان كان لزوم اللغوية كان لهذا الكلام وجه ، واما لو كان غيره من الوجوه المتقدمة فلا يتم إذ تلك الوجوه تجرى حتى في القيود الواردة مورد الغالب ، إلا بناء على انصراف المطلق إلى الغالب فانه عليه يكون التقييد به كالتقييد بالمساوي.

ولكن المبنى فاسد كما سيأتي في محله ، مع ان البناء على الانصراف مستلزم للبناء على التقييد بالقيود الواردة مورد الغالب وبناء المشهور على خلافه مع ، انه يمكن منع تماميته حتى على الوجه الأول ، إذ بعد عدم دخل القيد في الحكم يكون ذكره لغوا.

__________________

(١) الآية ٢٣ من سورة النساء.

(٢) كفاية الاصول ص ٢٠٧.

٢٥٧

المبحث الثالث في مفهوم الغاية

هل الغاية في القضية ، تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية ، بناءً على دخول الغاية في المغيا ، أو عنها وبعدها بناءً على خروجها ، أم لا تدل عليه؟ ، وجهان :

وتنقيح القول بالبحث في مقامين :

الأول : في المنطوق وان الغاية داخلة في المغيا ، أم خارجة عنه.

الثاني : في المفهوم ، وانها تدل عليه أم لا؟

اما الأول : فقد اختلف الاصحاب في دخول الغاية في حكم المغيا وعدم دخولها فيه إلى اقوال :

احدها : عدم الدخول مطلقا ذهب إليه نجم الائمة (١) والمحقق الخراساني (ره) (٢)

ثانيها : الدخول كذلك.

ثالثها : التفصيل بين ما إذا كانت الغاية من جنس المغيا وعدم كونها من جنسه ، فعلى الأول الغاية داخلة فيه ، دون الثاني.

رابعها : التفصيل بين كون الغاية مدخولة لكلمة" حتى" ، وكونها مدخولة

__________________

(١) كما حكاه عنه الشيخ الاعظم في مطارح الانظار ص ١٨٥ (واما المقام الأول)؟

(٢) كفاية الاصول ص ٢٠٩ (ثم انه في الغاية خلاف آخر ..).

٢٥٨

لكلمة" إلى" فعلى الأول هي داخلة في المغيا دون الثاني ، اختاره الزمخشري (١) وادعى بعض النحاة الإجماع على الدخول في حتى ، ومال إليه المحقق النائيني (٢).

خامسها : التفصيل بين كون الغاية قيدا للفعل مثل سر من البصرة إلى الكوفة ، وبين كونها قيدا للحكم مثل صم إلى الليل ، فعلى الأول داخلة في المغيا وعلى الثاني خارجة عنه ، وفي المقام اقوال اخر لا يعبأ بها.

وقد استدل المحقق الخراساني (٣) للاول. بانها من حدوده فلا تكون محكومة بحكمه.

وقد استدل بعض المحققين (٤) للثاني ، بان غاية الشيء هو الجزء الذي ينتهى إليه الشيء فلا محالة تكون داخلة فيه.

أقول : ما ذكراه بحسب الكبرى الكلية متين ، فان الحد الاصطلاحي خارج عن المحدود ، لكونه مما ينتهى عنده الشيء كما ان ما به ينتهى الشيء أي الجزء الاخير داخل بلا كلام.

وإنما الكلام في المقام في ان مدخول اداة الغاية هل هو من قبيل الأول أو الثاني ، وما ذكراه اجنبي عما هو محل الكلام.

__________________

(١) حكى النسبة اليه غير واحد منهم الشيخ الاعظم في مطارح الأنظار ص ١٨٥.

(٢) اجود التقريرات ج ١ ص ٤٣٦ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٧٩ (فصل : في مفهوم الغاية).

(٣) كفاية الاصول ص ٢٠٩.

(٤) الظاهر انه المحقق الاصفهاني في نهاية الدراية ج ١ ص ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

٢٥٩

وقد استدل للقول الرابع (١) : بان كلمة حتى تستعمل غالبا في ادخال الفرد الخفي في موضوع الحكم ، فتكون الغاية حينئذ داخلة في المغيا لا محالة.

وفيه : ان كلمة حتى تستعمل في موردين : أحدهما : العطف. ثانيهما : الخفض ، لافادة كون مدخولها غاية لما قبلها ، وما تستعمل لادراج الفرد الخفى إنما هي حتى العاطفة ، فتدبر.

واستدل المحقق اليزدي (٢) للقول الخامس : بأنه إذا كانت الغاية غاية للحكم فحيث انها موجبة لرفع الحكم فلا يمكن بعثه إلى الفعل المتخصص بها ، فلا محالة تكون خارجة وان كانت غاية للفعل ، فهي تكون داخلة كما يظهر لمن راجع موارد الاستعمال.

وفيه : انه إذا كانت الغاية غاية للحكم يكون النزاع المعقول ما صرح به المحقق الخراساني (ره) في هامش الكفاية (٣).

قال نعم يعقل ان ينازع في ان الظاهر ، هل هو انقطاع الحكم المغيا بحصول غايته أو استمراره في تلك الحال ، وعليه فلا وجه لهذا التفصيل.

والظاهر ان الصحيح هو ان الغاية بطبعها الاصلى من دون مراعاة القرائن والشواهد الحالية أو المقالية لا دلالة لها على الدخول ولا الخروج وإنما تختلف دخولا وخروجا باختلاف المقامات ولا ضابطة لها.

__________________

(١) كما في اجود التقريرات ج ١ ص ٤٣٦ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٧٩ فراجع.

(٢) درر الفوائد للحائري اليزدي ج ١ ص ١٧٤ (في مفهوم الغاية).

(٣) كفاية الاصول ص ٢٠٩ هامش رقم ١.

٢٦٠