زبدة الأصول - ج ٣

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-36-5
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٨٠

هل هو اتحادي فيتعين القول بالامتناع ، أو انضمامي فيتعين القول بالجواز.

المراد بالواحد

الامر الثاني : في المراد بالواحد.

قال المحقق الخراساني (١) المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجا تحت عنوانين بأحدهما كان موردا للأمر وبالآخر للنهي وان كان كليا مقولا على كثيرين كالصلاة في المغصوب وإنما ذكر لإخراج ما تعدد متعلق الأمر والنهي ولم يجتمعا وجودا وان جمعهما واحد مفهوما كالسجود لله والسجود للصنم لا لإخراج الواحد الجنسي أو النوعي كالحركة والسكون المعنونين بالصلاتية والغصبية انتهى.

وصاحب الفصول ـ لما رأى انه لو عمم محل النزاع إلى الواحد النوعي والجنسي ، لزم دخول مثل السجود لله المأمور به ، والسجود للصنم المنهي عنه في محل البحث ، مع انه خارج عن محل البحث قطعا ، ـ خص الواحد بالواحد الشخصي (٢).

والمحقق الخراساني ـ لما رأى ان التخصيص يترتب عليه محذور آخر ، وهو

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٥٠.

(٢) راجع الفصول الغروية (فصل : اختلفوا في جواز اجتماع الامر والنهي في شيء واحد) ص ١٢٤ ... الخ.

٢١

لزوم خروج الكلي المنطبق عليه عنوانان أحدهما مأمور به والآخر منهي عنه كالحركة المعنونة بالصلاتية والغصبية التي هي تصدق على كثيرين مع انه لاوجه له ، ـ التزم بالتعميم (١) مقيدا بكون الواحد مندرجا تحت عنوانين ليخرج مثل السجود لله والصنم الذي هو واحد نوعي ، إلا انه ليس مندرجا تحت عنوانين بل يكون منقسما اليهما وتحته عنوانان.

وبعبارة أخرى : التزم بان المراد بالواحد هو الواحد في الوجود ليشمل الواحد النوعي المنطبق عليه عنوانان ، الذي لازم ذلك ، تصادقهما على فرد واحد في الخارج ويخرج السجود لله وللصنم ، حيث انهما لا ينطبقان في الخارج على وجود واحد وفرد شخصي خارجي فتدبر فانه دقيق.

ولكن يرد على المحقق الخراساني ان المراد بالواحد هو الواحد الشخصي لا للمحذور المتقدم المترتب على التعميم كي يدفع بما ذكر ، بل لان للقائلين بعدم الاجتماع مسلكين :

أحدهما : ان متعلق الأمر طبيعة ومتعلق النهي طبيعة أخرى ، ويكون الخارج مقدمة لإيجادهما ، لا مصداقا لهما ، وعلى هذا لا يسرى الأمر والنهي إلى الخارج حتى يكون النزاع في خصوص الواحد الشخصي ، أم يعم الواحد النوعي.

ثانيهما : انهما يسريان إلى الخارج ولكنه في الخارج وجودان منضمان لا وجود واحد ، وعلى هذا فيسرى كل منهما إلى الخارج أولا بلا واسطة شيء حتى تكون الواسطة هو الواحد ، النوعي : لان متعلق الأوامر والنواهي حقيقة

__________________

(١) راجع كفاية الاصول ص ١٥٠ (وقبل الخوض في المقصود يقدم أمور : الأول).

٢٢

هو الوجود الخارجي.

واما القائلون بالاجتماع ، فهم يقولون انه يسري كل منهما إلى الخارج ، وفي الخارج وجود واحد ، وعلى هذا القول يسريان إلى الخارج أولا وبلا واسطة شيء وبديهي ان الوجود الخارجي ، ليس واحدا نوعيا ، إذ الوجود مساوق للفردية ، فيكون النزاع في الواحد الشخصي لا غير.

بيان الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادات

الأمر الثالث : في بيان الفرق بين هذه المسألة ، ومسألة النهي في العبادات.

وملخص القول فيه : انه هاهنا نزاعان.

أحدهما : في سراية كل من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر وعدمه.

ثانيهما : بعد الفراغ عن عدم السراية ، هل يقع التزاحم بين الحكمين أم لا؟.

اما في النزاع الأول : لو اخترنا عدم السراية وحكمنا بالجواز وبنينا على ان متعلق الأمر غير متعلق النهي ، فأجنبية المسألة عن تلك المسألة واضحة ، ولو اخترنا السراية ، فيقع التعارض والتكاذب بين الدليلين ، فان قدمنا جانب الأمر وحكمنا بسقوط النهي فلا نهي كي يشتبه هذه المسألة بتلك المسألة ، وان قدمنا جانب النهي ، فيدخل في تلك المسألة بمعنى انه بهذه المسألة يثبت صغرى من صغريات تلك المسألة.

٢٣

واما في النزاع الثاني : فان لم يكن هناك مندوحة يقع التزاحم بين الحكمين ، وحينئذ لو بنينا على اشتراط القدرة في متعلق التكليف لا بد من سقوط أحدهما اما الأمر أو النهي ، واما على القول بعدم الاشتراط يكون التكليفان باقيين ، غاية الأمر لا يجب امتثالهما إذ لا ريب في اعتبارها في حكم العقل بلزوم الامتثال.

وان كان هناك مندوحة فعلى القول باشتراط القدرة يقع التزاحم بين إطلاق دليل الأمر والنهي فان قدم النهي يصير هذا الفرد غير مأمور به ولا يصح إتيانه بداع الأمر المتعلق بالطبيعة ، وعلى أي حال لا يصير منهيا عنه ، وان قدم الأمر ، فلا نهى ، واما بناء على عدم اشتراط القدرة ، فهذا الفرد أيضاً مأمور به ولا تزاحم بينهما إذ هما أي الأمر والنهي قابلان للامتثال ، وعلى جميع التقادير تكون هذه المسألة من الجهة الثانية من النزاع أجنبية عن مسألة النهي في العبادات بالمرّة.

وفي المقام وجهان آخران للفرق ذكرهما الأصحاب.

أحدهما : ما أفاده صاحب الفصول (١) وحاصله ان النزاع في هذه المسألة إنما هو فيما إذا تعلق الأمر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة والذات وان كانت النسبة بينهما العموم المطلق كما إذا أمر المولى عبده بالحركة ونهاه عن القرب في مكان مخصوص.

__________________

(١) الفصول الغروية ص ١٤٠ (فصل : اختلفوا في دلالة النهي على الفساد والمنهي عنه إلى أقوال).

٢٤

والنزاع في تلك المسألة فيما إذا كان متعلق الأمر والنهي متحدين حقيقة ومختلفين بمجرد الإطلاق والتقييد بان يتعلق الأمر بالطبيعة المطلقة كالصلاة والنهي بحصة خاصة منها كالصلاة في الدار الغصبية.

ويرد عليه انه إذا كان جهة البحث في المسألتين واحدة وكذلك الغرض ، مجرد اختلافهما موضوعا أو محمولا لا يوجب عقد مسألتين ، فإذا كان ملاك البحث في تلك المسألة موجودا في هذه المسألة وكان الغرض المترتب عليها مترتبا على تلك أيضاً وهو فساد العبادة لا اثر لمجرد الاختلاف المشار إليه.

ثانيهما : ان البحث في تلك المسألة لفظي ، فانه يبحث عن دلالة النهي على فساد العبادة ، وفي المقام عقلي فان الحاكم بالجواز أو الامتناع بملاك تعدد المجمع في مورد الاجتماع ووحدته فيه هو العقل ولا ربط للفظ في البحث عنها.

وفيه أولا : سيأتي ان البحث في تلك المسألة أيضاً عقلي ولا صلة له بعالم اللفظ أصلاً.

وثانيا : انه مع الامتياز الذاتي بين المسألتين كما قدمناه لا نحتاج إلى امتياز عرضي بينهما.

مسألة اجتماع الأمر والنهي من المسائل الأصولية

الأمر الرابع : في ان هذه المسألة ، هل هي من المسائل الفقهية ، أو من المسائل الكلامية ، أو من المبادئ التصديقية ، أو الأحكامية ، أو من المسائل الأصولية ، وجوه وأقوال :

٢٥

الأول : قد يقال إنها من المسائل الفرعية ، لأنه يبحث فيها عن عوارض فعل المكلف وهي صحة العبادة بإتيان المجمع وامتثال الأمر بإتيان مصداق من الطبيعة المأمور بها ، إذا انطبق عليه طبيعة منهي عنها أم لا؟

وفيه : انه لم يعنون المسألة هكذا ، بل محل الكلام في هذه المسألة ، انه ، هل يلزم اجتماع الحكمين في فعل واحد أم لا؟ واما صحة الإتيان بالمجمع وعدمها فهي من ثمرات هذا البحث لا ان ذلك محل الكلام.

الثاني : إنها من المسائل الكلامية ، وقد ذكروا لذلك وجهين :

أحدهما : ما أفاده المحقق النائيني (ره) (١) من انه يبحث فيها عن استحالة اجتماع الحكمين في مورد واحد وجوازه.

وفيه : ما عرفت من انه ليس كل ما يبحث فيه عن الإمكان والاستحالة ، مسألة كلامية ألا ترى انه يبحث في علم الحساب ، عن انه ، هل يمكن تقسيم الأعشار على المتعارف ، أم لا؟

فهل يتوهم أحد كون هذه المسألة من المسائل الكلامية.

ثانيهما : انه يبحث في هذه المسألة عن انه ، هل يجوز للمولى ويمكن له ان يأمر وينهى عن الموجود الخارجي الذي ينطبق عليه عنوان مبغوض ، وعنوان محبوب ، أم لا يجوز؟

وفيه : ان كل مسألة يبحث فيها عن الإمكان والاستحالة ليست من المسائل

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٣٣٢ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ١٢٧.

٢٦

الكلامية ، بل هي عبارة عن المسائل التي يبحث فيها عما يجوز للمولى ويمتنع عليه بما هو مولى كالظلم له تعالى.

واما البحث عن إمكان الشيء واستحالته في نفسه كإعادة المعدوم ، وان عنوان البحث بأنه ، هل يجوز للمولى ذلك ، أم لا؟ فلا يوجب كون المسألة كلامية.

والمقام من قبيل الثاني : إذ البحث إنما هو عن الجواز والامتناع بالنسبة إلى الشيء نفسه كان الأمر والناهي ، هو الله تعالى ، أم غيره ، فلو جاز ، جاز له ولغيره ، كما انه لو امتنع ، امتنع لهما.

الثالث : أنها من المبادئ الأحكامية ، بناء على ثبوتها وعدم كونها من المبادئ التصديقية ، وهي ما يبحث فيها عن حال الأحكام بما هي من كونها مجعولة استقلالية ، أو انتزاعية ومن حيث اشتراطها بشروط عقلية ، وعن ملازماتها ، مثل البحث عن استلزام وجوب الشيء للنهى عن ضده.

وتقريب كونها منها ما أفاده المحقق النائيني (١) وهو انه يبحث فيها عن استلزام حرمة الشيء ووجوبه لعدم الآخر وعدم استلزامه له.

ولكن يرد عليه : ان البحث في المقام إنما هو في لزوم اجتماع الحكمين في واحد وعدمه ، ولا يبحث عن استلزام كل من الوجوب والحرمة لعدم الآخر.

والأولى في تقريبه ان يقال : ان من مباحث هذه المسألة سراية كل من الأمر

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٣٣٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ١٢٧.

٢٧

والنهي إلى متعلق الآخر وعدمها ، وهذه عبارة أخرى عن ، استلزام الأمر بعنوان ، والنهي عن عنوان آخر المنطبقين على شيء واحد ، اجتماع الحكمين في شيء واحد ، وعدمه ، وعليه فان وقعت هذه المسألة في طريق استنباط الحكم الشرعي ، تكون من المسائل الأصولية ، وإلا فهي من المبادئ الأحكامية.

الرابع : كونها من المبادئ التصديقية فقد اختاره المحقق النائيني (١) ، وذكر في وجهه ، انه لا يترتب فساد العبادة على القول بالامتناع ، بل القول به يوجب دخول دليلي الوجوب والحرمة في باب التعارض وإجراء أحكامه عليهما ليستنبط من ذلك حكم فرعي.

وعليه فالنزاع من الجهة الأولى يدخل في مبادئ بحث التعارض ، كما ان النزاع في الجهة الثانية يدخل في مبادئ بحث التزاحم.

وبالجملة استنباط الحكم الفرعي ، إنما يكون متوقفا على إجراء أحكام التعارض ، أو التزاحم ولا يترتب على هذه المسألة نتيجة فرعية ، بعد ضم صغرى نتيجة تلك المسألة إليها.

أقول : لو كان المراد من الحكم الفرعي المستنتج من هذه المسألة ، الصحة ، والفساد كانت هذه المسألة كما أفيد من المبادئ التصديقية ، إذ على الامتناع ، يدخل دليلا الوجوب والحرمة في باب التعارض ، فبضميمة إجراء أحكامه عليهما يستنتج حكم فرعى ، وعلى الجواز من الناحية الأولى ، يدخلان في باب التزاحم ، فبضميمة إجراء أحكامه يستنتج الصحة ، أو الفساد.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٣٣٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ١٢٨ (ولكن التحقيق).

٢٨

وما ذكره الأستاذ الأعظم (١) إيرادا على المحقق النائيني من انه يترتب على هذه المسألة ، صحة العبادة على القول بالجواز ، وهذا المقدار يكفي في كون المسألة أصولية ، وان كان على القول بالامتناع لا يستنبط الفساد إلا بعد ضم إجراء أحكام التعارض.

غير سديد إذ استنباط الصحة على القول بالجواز إنما يكون بعد إجراء أحكام التزاحم أيضاً.

ولكن يرد عليه ان الصحة والفساد ليستا من الأحكام الشرعية ، فانهما ينتزعان من مطابقة المأتي به للمأمور به ، وعدمها ، فترتبهما ليس مناط كون المسألة أصولية ، فلا بد وان يكون المراد من الحكم الفرعي الوجوب والحرمة.

وهو بهذا المعنى يستنتج من نفس هذه المسألة بلا احتياج إلى ضم شيء آخر إليها ، إذ بناء على السراية يكون الثابت في المجمع حكما واحدا ، وعلى الجواز وعدم السراية يستنتج ان المجمع محكوم بحكمين.

فان قيل انه ما لم ينضم إليه مسألة أخرى ، وهي مسألة التزاحم لا يمكن الحكم بكونه محكوما بحكمين.

اجبنا عنه بان التزاحم إنما يكون في مقام الامتثال بعد ورود الحكم الشرعي من قبل الشارع.

وان شئت فقل ان نتيجة هذا البحث على الجواز ثبوت حكمين مشروطين

__________________

(١) في حاشيته على أجود التقريرات ج ١ ص ٣٣٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ١٢٨ (بل التحقيق).

٢٩

بالقدرة ، هذا بناء على اعتبار القدرة في الحكم الشرعي واما بناء على عدم اعتبارها فالأمر أوضح من ذلك ، إذ لا يسقط شيء منهما ، بل هما باقيان على كل تقدير.

فالمتحصّل مما ذكرناه ان هذه المسألة من المسائل الأصولية : لأنها تقع نفسها بلا ضم مسألة أخرى إليها في طريق استنباط الحكم الشرعي ، وقد مران هذا هو الملاك في كون المسألة أصولية.

هذه المسألة من المسائل العقلية

الأمر الخامس : الظاهر ان هذه المسألة من المسائل العقلية لا اللفظية ، وليس الوجه فيه ما أفاده المحقق الخراساني (ره) (١) من انه لا اختصاص للنزاع في الجواز والامتناع بما إذا كان الإيجاب والتحريم باللفظ.

فانه وان كان محل النزاع خصوص ذلك لم تكن لفظية.

فان مناط كون المسألة عقلية ، عدم كون النزاع في تحديد مدلول اللفظ وبديهي ان محل الكلام في هذه المسألة ليس ذلك كان النزاع في اجتماع الأمر والنهي المدلولين للفظ أم في الإرادة والكراهة والاعتبارات النفسانية.

بعبارة أخرى : انه وان كان محل النزاع جواز اجتماع الطلب المستفاد من الأمر والزجر المستفاد من النهي وعدمه لما كانت المسألة لفظية ، بل تكون مع

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٥٢ (الرابع).

٣٠

ذلك عقلية : لأنه بديهي ان محل الكلام ليس هو تحديد مدلول اللفظ.

وقد يقال انه حيث يكون من جملة الأقوال في المسألة الجواز عقلا والامتناع عرفا كما نسب إلى المحقق الأردبيلي (ره) (١) فلا محالة تكون المسألة لفظية إذ معنى الامتناع العرفي دلالة اللفظ بواسطة الملازمة العرفية على ذلك ، بان يدل دليل الأمر على وجوب ما تعلق النهي به ، ودليل النهي على حرمة ما تعلق به الأمر فلا محالة يقع التنافي بين الدليلين.

وأجاب عنه المحقق الخراساني (ره) (٢) بان المراد من الامتناع العرفي ليس ما ذكر بل مراده منه ان الموضوع وان كان بحسب الدقة العقلية متعددا في مورد التصادق ، إلا انه يكون بالنظر المسامحي العرفي واحدا ، فالعقل هو الحاكم بالامتناع بعد تشخيص الموضوع بنظر العرف لا ان اللفظ يدل عليه.

ويتوجه عليه : انه قد تكرر منا ان نظر العرف إنما يتبع في تعيين المفاهيم سعة وضيقا. واما في مقام تطبيق المفاهيم على المصاديق فلا يعتنى به ، بل يضرب على الجدار.

وعليه فان كان مدعى هذا القائل ما أفاده المحقق الخراساني.

فهو بديهي البطلان.

وان كان مراده دلالة اللفظ على سراية كل من الأمر والنهي من متعلقه إلى متعلق الآخر.

__________________

(١) نسبه غير واحد إلى المحقق الاردبيلي ، والظاهر أنه مختاره في شرح الارشاد ج ٢ ص ١١٠.

(٢) كفاية الاصول ص ١٥٢.

٣١

فيرده ان ملاك السراية وعدمها وحدة المجمع في مورد التصادق وتعدده ، فان كان واحدا بحسب الواقع فلا مناص من القول بالامتناع والسراية ، وان كان متعددا في الواقع ، فان قلنا بسراية الحكم من أحد المتلازمين إلى اللازم الآخر ، فأيضا لا بد من القول بالامتناع ، وان قلنا بعدم السراية كما هو الحق ، فلا بد من الالتزام بالقول بالجواز ، والملاك في وحدة المجمع وتعدده إنما هو نظر العقل لا العرف كما تقدم.

وربما يقال في وجه كون الامتناع عرفيا وصيرورة المسألة لفظية : بأنه يبحث في انه ، هل يكون المتفاهم العرفي من الأدلة الدالة على وجوب الصلاة أو نحوها. بعد ملاحظة دليل النهي عن التصرف في مال الغير مثلا إنما هو وجوب حصة خاصة من الصلاة ، وهي الحصة التي لا تقع في مال الغير ، فيكون الحصة الواقعة في ملك الغير منهيا عنها فحسب ولا تكون مصداقا للمأمور بها ومآل ذلك إلى تخصيص دليل المأمور به بغير موارد المنهي عنه وهذا معنى امتناع اجتماعهما في شيء واحد ، أم لا يكون المتفاهم العرفي ذلك.

وفيه أولا : ان ذلك لا ربط له بما هو محل الكلام ، فان محل الكلام ما لو كان المجمع مشمولا لدليل الأمر والنهي معا والمفروض في ذلك تخصيص الأمر بغير المجمع ، ولا موضوع حينئذ للنزاع في جواز الاجتماع وامتناعه كما هو واضح.

وثانيا : انه لاوجه للدعوى المزبورة أصلاً فان تخصيص الدليل بحصة خاصة من الطبيعة المأمور بها يحتاج إلى دليل يدل عليه ودلالة دليل النهي على ذلك بعد كون النسبة بينهما عموما من وجه تتوقف على القول بالامتناع

٣٢

وتقديم جانب النهي ، أو الجواز وأهمية دليل النهي وسيأتي الكلام في الموردين.

جريان النزاع في جميع أنواع الأمر والنهي

الأمر السادس : الظاهر جريان النزاع في جميع أنواع الأمر والنهي ما عدا التخييريين منهما سواء أكانا نفسيين ، أم غيريين ، أم تعيينيين ، أم عينيين ، أم كفائيين. فلنا دعويان :

الدعوى الأولى : جريان النزاع في جميع أنواعهما.

والوجه فيه انه قد عرفت ان القول بالامتناع يبتني على أحد أمرين :

اما كون المجمع واحدا وجودا. أو الالتزام بسراية الحكم من أحد المتلازمين بحسب الوجود إلى الملازم الآخر.

والقول بالجواز يبتني على أمرين : أحدهما : تعدد المجمع. الثاني : عدم سراية الحكم من أحد المتلازمين إلى الآخر ، وعليه فحيث انه بديهي استحالة اجتماع الحكمين في شيء واحد كان الحكمان نفسيين أم غيريين أو عينيين أم كفائيين ، فلا محالة يكون النزاع في جميع أنواعهما.

ودعوى : ان عنوان المسألة لا يعم جميع الأقسام وان كان الملاك عاما لان المأخوذ في العنوان هو الأمر والنهي وقد مر انصرافهما إلى النفسيين العينيين التعينيين.

٣٣

مندفعة : بان هذين اللفظين ربما يطلقان في مقام الأخبار مثل : قولنا الأمر والنهي لا يجتمعان.

وقد يطلقان في مقام الإنشاء ومقتضى الإطلاق في المورد الأول هو الشمول لجميع الأقسام ومقتضاه في الثاني هو الحمل على النفسيين العينيين التعينيين كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا.

واما ما أفاده المحقق الخراساني (ره) (١) في مقام الجواب من ان الانصراف المشار إليه لو سلم فإنما هو في صيغتهما لا في مادة الأمر والنهي ، مع ، ان الانصراف المذكور إنما هو بمقتضى مقدمات الحكمة لا بمقتضى الانصراف اللفظي أو الانسباق الإلحاقي المستند إلى الوضع.

فيرده ، ان الانصراف لو تم فإنما هو في الموردين.

فان منشأ الانصراف هو المعنى لا اللفظ كي يفرق بين الصيغة المستعملة في مقام الإنشاء ومادة الأمر أو النهي المستعملة فيه.

وادعاء اختصاص العنوان ليس مبنيا على الانسباق الحاقي ، بل على ظهور الكلام كان لذلك ، أم من جهة الإطلاق ومقدمات الحكمة.

فالصحيح في الجواب ما ذكرناه مع ان اختصاص العنوان لا يوجب اختصاص البحث بعد كون الملاك عاما.

واما الدعوى الثانية : وهي عدم جريانه في التخييريين منهما ، فلانه لا

__________________

(١) راجع كفاية الاصول ص ١٥٢ ـ ١٥٣ (الخامس).

٣٤

نتصور للحرمة التخييرية معنى قابلا لان تجتمع مع الإيجاب في مورد : إذ بناء على كون الحرمة ناشئة عن المفسدة والمبغوضية مرد الحرمة التخييرية إلى حرمة الجمع بين الفعلين باعتبار قيام مفسدة ملزمة بالمجموع ، لا بالجامع بينهما ، وإلا لكان كل من الفعلين محرما بالحرمة التعينية لفرض انحلال النهي المتعلق بالجامع إلى نواه عديدة ، بعدد ما للجامع من الأفراد فيثبت لكل واحد منهما نهى مستقل ، وهذا بخلاف الإيجاب فان مرد الوجوب التخييري إلى إيجاب الجامع بين شيئين أو الأشياء لقيام مصلحة واحدة ملزمة بفرد واحد من ذلك الجامع بلا دخل لخصوصية من الخصوصيات فيه.

وعلى ذلك فان أتى بالمجمع الذي هو مصداق لأحد طرفي الوجوب واحد فردي التخييري من الحرمة ، كما لو أمر بالصلاة أو الصوم تخييرا ، ونهى عن التصرف في الدار والمجالسة مع الأغيار كذلك ، فصلى فيها ، فان لم يجلس مع الأغيار لا يكون تصرفه في الدار حراما ، فيتمحض المجمع في الوجوب ، وان جالس معهم فيكون تصرفه في الدار محرما بالحرمة التعينية غايته الضمنية لفرض ان المحرم هو مجموع الفعلين.

وبما ذكرناه يظهر ان ما أفاده المحقق الخراساني (١) ـ في ان النزاع يجرى في التخييريين أيضاً ، ومثل له بالمثال المذكور وقال فصلى فيها مع مجالستهم كان حال الصلاة فيها حالها كما إذا أمر بها تعيينا ونهى عن التصرف فيها كذلك في جريان النزاع ومجيء أدلة الطرفين

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٥٣.

٣٥

غير تام فان المفروض فيما أفاده الحرمة التعينية لا التخييرية كما مر.

واما ما مثل به في الفوائد (١) ، وهو ما إذا أمر بكل من الصلاة والصوم تخييرا ونهى عن كل من الشرب والدخول في الحمام تخييرا ، فصلى في الحمام ، وقال هذه الصلاة كالصلاة في الغصب من حيث جريان النزاع فيها ، فان كان مراده الصلاة في الحمام من دون ان يشرب فالمجمع لا حرمة فيه ، وان كان مع الشرب ورد عليه ما أوردناه على ما في الكفاية.

اعتبار قيد المندوحة في محل النزاع

الأمر السابع : صرح صاحب الفصول (ره) (٢) والمحقق القمي (ره) (٣) والمحقق

__________________

(١) فوائد الاصول للآخوند ص ١٤٤ (الخامس).

(٢) الفصول الغروية ص ١٢٤ (اختلفوا في جواز اجتماع الامر والنهي في شيء واحد).

(٣) راجع قوانين الاصول ج ١ ص ١٥٣ ـ ١٥٤ ، وقد فصل (قدِّس سره) بين ما كان العجز مسبب عن سوء الاختيار فلا يمتنع الاجتماع ، وبين ما يكون مسبب عن غير سوء اختيار كالداخل في الارض المغصوبة سهوا فيمتنع الاجتماع ، لانه تكليف بما لا يطاق ومما قاله : «لو دخل في دار الغير سهوا فإنّ الأمر بالخروج والنّهي عنه موجب لتكليف ما لا يطاق فهو مأمور بالخروج لا غير ، وأمّا فيما نحن فيه وإن كان يلزم تكليف ما لا يطاق أيضا ولكن لا دليل على استحالته إن كان الموجب هو سوء اختيار المكلّف كما يظهر من الفقهاء في كون المستطيع مكلّفا بالحج إذا أخره اختيارا وإن فات استطاعته».

٣٦

الخراساني في الفوائد (١) بأنه لا بد من اعتبار قيد المندوحة في محل النزاع في هذه المسألة بل قال صاحب الفصول ان من تركه فقد اتكل على الوضوح لظهور اعتباره.

ولكن قال المحقق الخراساني في الكفاية (٢) والتحقيق مع ذلك عدم اعتبارها فيما هو المهم من محل النزاع من لزوم المحال وهو اجتماع الحكمين المتضادين ، وعدم الجدوى في كون موردهما موجها بوجهين في رفع غائلة اجتماع الضدين ، أو عدم لزومه ، وان تعدد الوجه يجدي في رفعها ، ولا يتفاوت في ذلك أصلاً وجود المندوحة وعدمها.

وأورد عليه المحقق النائيني (٣) وجمع من المحققين (٤) ، بان النزاع في المقام إنما يكون من جهتين :

__________________

(١) فوائد الاصول للآخوند ص ١٤٤ (عند قوله ثم ان الظاهر انه يعتبر في محل النزاع).

(٢) كفاية الاصول ص ١٥٣ (السادس).

(٣) أجود التقريرات ج ١ ص ٣٣١ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ١٢٥ ـ ١٢٦.

(٤) نعم عدَّة من الاعلام تعرضوا لرأي صاحب القوانين وناقشوه ، منهم المحقق الحائري في درر الفوائد ج ١ ص ١١٥ فقال بعد ايراد كلامه : «ولكنك خبير بان هذا التفصيل يأبى عنه العقل بل لعل قبح التكليف بما لا يطاق مطلقا من البديهيات الأولية». / ومنهم الشيخ الاعظم في مطارح الأنظار ص ١٥٣ وبعد مناقشة الاقوال والتعرض لما ذهب اليه صاحب القوانين قال : «ويكفي في فساد النسبة المذكورة ذهاب المشهور من أصحابنا إلى عدم جواز الاجتماع فيما فيه المندوحة فكيف فيما ليس فيه مندوحة.

٣٧

الأولى : في سراية كل واحد من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر وعدمها.

الثانية : في انه على فرض عدم السراية ، هل يوجب انطباقهما على فعل واحد ، وقوع التزاحم بين حكمهما أم لا؟

والنزاع في الجهة الثانية لا بد وان يكون مع وجود المندوحة لان وقوع التزاحم بين الحكمين مع عدمها واضح.

ويتوجه عليهم : انه بناء على عدم اعتبار القدرة في متعلق التكليف ، يكون الحكمان موجودين على الجواز من الجهة الأولى حتى مع عدم المندوحة.

واما بناء على اعتبارها في متعلق التكليف فبناء على ما هو المعروف من كفاية الملاك المستكشف من الدليل المتكفل لبيان الحكم وان سقط هو للتزاحم ، في التقرب ، صحت العبادة على القول بالجواز من الجهة الأولى كانت المندوحة موجودة أم لم تكن.

واما بناء على ما هو الحق من عدم استكشاف الملاك من ذلك الدليل بعد سقوط الحكم فبناء على تعلق الأوامر بالأفراد ، وجود المندوحة وعدمها سواء ، فان القدرة على الامتثال بسائر الأفراد لا تجعل المجمع مقدورا

وبعبارة أخرى : القدرة على ساير الأفراد لا توجب صحة الأمر بالمجمع ، واما بناء على تعلقها بالطبائع ، فان قلنا بان تعلق الأمر بالطبيعة السارية إنما يصح في صورة القدرة على جميع الأفراد وإلا فالمتعلق هي الطبيعة السارية في الأفراد المقدورة فكذلك كما لا يخفى ، نعم ، على القول بتعلقها بالطبيعة وكفاية القدرة على بعض الأفراد في صحة الأمر بالطبيعة أين ما سرت يصح اخذ

٣٨

المندوحة إذ مع فرض وجودها لا تزاحم بين الأمر والنهي ، واما مع انحصار الطبيعة في المجمع فيقع التزاحم بين الحكمين فتدبر فان ما ذكرناه حقيق به.

عدم ابتناء النزاع في المقام على تعلق الأوامر بالطبائع

الأمر الثامن : قد يتوهم ان النزاع في الجواز والامتناع ، يبتنى على القول بتعلق الأحكام بالطبائع ، واما الامتناع على القول بتعلقها بالأفراد فهو في غاية الوضوح ، لأنه على تقدير القول بتعلقها بالأفراد يكون الفرد الخارجي مصداقا للمأمور به والمنهي عنه معا ولم يقل أحد بجواز ذلك حتى القائل بالجواز فانه إنما يقول به بدعوى ان تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون لا مطلقا فلا يعقل النزاع على هذا القول.

وقد يتوهم ان القول بالامتناع يبتني على القول بتعلق الأحكام بالأفراد لما مر والقول بالجواز يبتني على القول بتعلقها بالطبائع فان الأمر إذا تعلق بطبيعة والنهي بطبيعة أخرى واتفق انطباقهما على شيء في الخارج يكون المتعلقان متعددين ولا يلزم اجتماعهما في واحد ، ولعله يرجع إلى الأول ، ولذلك.

أجاب المحقق الخراساني عنهما بجواب واحد ، وحاصله (١) ان تعدد الوجه ان كان يجدي في تعدد المتعلق بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود والإيجاد لكان يجدي ذلك ، ولو على القول بالأفراد إذ الموجود الخارجي الموجه بوجهين

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٥٤.

٣٩

يكون فردا لكل من الطبيعتين فيكون مجمعا لفردين موجودين بوجود واحد ، وإلا لما كان يجدي أصلاً حتى على القول بالطبائع لوحدة الطبيعتين وجودا واتحادهما خارجا.

وحق القول في المقام ان يقال ان مرد النزاع في تعلق الأوامر بالطبائع ، أو الأفراد ان كان إلى ما اختاره المحقق الخراساني (ره) والمحقق النائيني في تلك المسألة ، من ان المراد من تعلق الأمر بالطبيعة هو تعلقه بنفس الشيء مع قطع النظر عن مشخصاته ، والمراد من تعلقه بالفرد ان المشخصات تكون مقومة للمراد بما هو مراد فيكون تلك اللوازم والمشخصات داخلة في متعلق الأمر.

فالقائل بتعلق بالطبيعة يريد تعلقه بذات الشيء مع قطع النظر عن مشخصاته بحيث لو تمكن المكلف من إيجاده في الخارج بدون أي مشخص وأوجده يسقط الأمر ويحصل الامتثال.

والقائل بتعلقه بالفرد يريد تعلقه به مع مشخصاته فتكون مشخصاته أيضاً مأمورا بها ، يكون التوهم المذكور متينا جدا :

إذ على القول بتعلق الأوامر والنواهي بالأفراد يكون الأمر متعلقا بالصلاة مثلا مع مشخصاتها ومن جملتها الغصب في مورد الاجتماع فهو متعلق للأمر ، والحال انه متعلق للنهي أيضاً فيلزم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد وهو محال.

وعلى القول بالتعلق بالطبائع يصح النزاع ، والقول بان متعلق كل من الأمر والنهي غير الآخر ، فلم يجتمعا في واحد وإنما الاجتماع في مرحلة أخرى.

٤٠