زبدة الأصول - ج ٣

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-36-5
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٨٠

بعد قوله ان جاءك زيد فأكرمه.

وايضا لا اشكال في صحة السؤال عن انه ، هل يجب اكرامه لو احسن إلى بعد ذلك القول ، وهذه علامة عدم الظهور في الحصر والانتفاء عند الانتفاء.

مندفعة ، بان صحة ذلك نظير صحة قول القائل لا تكرم زيدا بعد قوله اكرم العلماء الظاهر في العموم بلا كلام ، وان ذلك يكون من قبيل المطلق والمقيد.

الاستدلال بالانصراف

المقام الثاني : ذكر المحقق الخراساني (ره) (١) انه قد يستدل لدلالة القضية الشرطية على المفهوم بالانصراف.

وحاصله : ان إطلاق العلاقة اللزومية المستفادة من القضية الشرطية ، منصرف إلى ما هو اكمل افرادها ، وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها.

وأجاب عنه ، بأنه ممنوع صغرى وكبرى.

اما الصغرى فلعدم كون اللزوم بينهما اكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة إذ الانحصار لا يوجب كون الربط الخاص الذي لا بد منه في تأثير العلة في معلولها آكد واقوى.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٩٥ (واما دعوى الدلالة ...).

٢٠١

ويرده ان العلة في فرض الانحصار لا تنفك عن التأثير بخلافها في فرض عدم الانحصار ، إذ لو سبقتها شريكتها كانت هي مؤثرة دون هذه.

اللهم إلا ان يقال ان عدم فعلية التأثير لا يوجب ضعفا في العلة ، وإنما هو لاجل عدم قابلية المحل لان تؤثر العلة فيه ، مع ان المحقق الخراساني لم يسلم ظهور القضية في العلية وإنما سلم اللزوم خاصة.

وبه يظهر انه على ما سلكناه من منع دلالتها على اللزوم أيضاً يكون منع الصغرى اوضح.

واما الكبرى فاشكالها ظاهر ، إذ الاكملية لا توجب الانصراف ، سيما مع كثرة الاستعمال في غير الاكمل كما في المقام لكثرة استعمال الجملة الشرطية في غير العلة المنحصرة لو لم يكن باكثر.

التمسك بالإطلاق لاثبات المفهوم

واما المقام الثالث : وهو التمسك بالإطلاق ، وقد ذكروا له تقريبات ، اشار المحقق الخراساني (١) إلى ثلاثة منها :

الأول : قياس المقام على إطلاق صيغة الأمر فكما انه يقتضي كون الوجوب نفسيا لا غيريا ، فكذلك في المقام ، ويكون ذلك تمسكا باطلاق اداة الشرط ، ومبنيا على الاعتراف بدلالة الشرطية على اللزوم.

__________________

(١) راجع كفاية الاصول ص ١٩٥ ـ ١٩٦ (وثانيا ..) بتصرف.

٢٠٢

كما ان تالييه مبنيان على الاعتراف بدلالتها على الترتب على العلة التامة.

ولا ينفع شيء من التقارير لمنكر الدلالة على اللزوم كما اخترناه.

وكيف كان فحاصل هذا التقرير ان مفاد الشرطية اللزوم ، وله فردان ، اللزوم مع الانحصار ، واللزوم لا معه ، وحيث ان القيد الثاني امر وجودي ، بخلاف الأول. فإذا كان المولى في مقام البيان ولم يذكر القيد الوجودي مقتضى الإطلاق هو الحمل على مقابله.

نظير ما يقال ان إطلاق الأمر يقتضي كون الوجوب نفسيا من جهة ان الوجوب النفسي هو ما لايت رشح من الغير ، والوجوب الغيري هو ما يترشح من غيره ، فالثاني مقيد بأمر وجودي ، والأول بأمر عدمي ، وحيث ان الأمر الوجودي يحتاج إلى البيان بخلاف العدمي فاطلاق الأمر يقتضي كون الوجوب نفسيا.

وأورد عليه المحقق الخراساني بايرادين :

أحدهما (١) : ان هذا يتم فيما إذا تمت هناك مقدمات الحكمة ولا يكاد تتم فيما هو مفاد الحروف كما هاهنا ، فان اللحاظ في مدلول الحرف آلي ، سواء كان مدلوله جزئيا يدخل فيه اللحاظ ، أم كليا كما هو مختار المحقق الخراساني (ره) نظرا إلى خروج اللحاظ عن المدلول وكونه من شرائط الاستعمال ، وعلى هذا فان لم يلاحظ المعنى استقلالا لا يصح التقييد ، لأنه ضرب من الحكم ، وهو لا يمكن بدون الالتفات إلى متعلقة استقلالا ، فإذا لم يمكن التقييد لم يمكن الإطلاق

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٩٥ (قلت : هذا قيما اذا تمت هناك مقدمات الحكمة).

٢٠٣

وان لوحظ مستقلا خرج عن كونه معنى حرفيا وصار معنى اسميا.

وفيه : انه قد تقدم تحقيق القول في ذلك وعرفت جريان مقدمات الحكمة في مفاد الحروف ، وقد اعترف هو بذلك ، ولذلك تمسك باطلاق هيئة فعل الأمر لاثبات كون الوجوب نفسيا لا غيريا.

وحله على مسلكه على ما أفاده تلميذه المحقق بملاحظة المعنى الحرفي الوسيع أو الضيق بتبع المعنى الاسمى ، فيلاحظ اللازم والملزوم ، على نحو لا ينفك أحدهما عن الآخر ، ويكون ذلك ملاحظة للزوم بنحو الانحصار بالتبع.

الإيراد الثاني (١) : ان القياس على تعيين الوجوب النفسي باطلاق صيغة الأمر مع الفارق ، فان النفسي هو الواجب على كل حال بخلاف الغيري فانه واجب على تقدير دون تقدير ، فيحتاج بيانه إلى مئونة التقييد بما إذا وجب الغير ، وهذا بخلاف اللزوم بنحو العلة المنحصرة ، إذ كل واحد من انحاء اللزوم والترتب محتاج في تعيينه إلى القرينة مثل الآخر.

وبعبارة أخرى : القيود العدمية كالوجودية تحتاج إلى التنبيه والبيان ، وإنما لا يحتاج إلى البيان عدم القيد لا القيد العدمي ، وإلا فهو كالضد الوجودي لا بد من بيانه.

وان شئت قلت ، ان الضابط (قدِّس سره) عنده انه كلما كان عدم بيان الطرف المقابل في المتفاهم العرفي بيانا له ، من غير احتياج إلى التصريح به فعند الإطلاق يحمل اللفظ عليه ، وكلما لم يكن كذلك بل كان كل منهما محتاجا إلى

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٩٥ ـ ١٩٦ (وثانياً : تعينه من بين انحائه بالاطلاق ..).

٢٠٤

التصريح ، لا سبيل إلى حمل اللفظ عليه عند الإطلاق.

وما نحن فيه من قبيل الثاني ، إذ كما ان الترتب بغير الانحصار يحتاج إلى القرينة والبيان كذلك الترتب مع الانحصار وبالجملة وجود ترتب آخر وعدمه لا يسريان إلى هذا الترتب.

ويمكن الجواب عنه بوجه آخر وهو ان الانحصار وعدمه ليسا من عوارض الشرطية وشئونها بل من حالات الشرط ، وعليه ، فان اريد التمسك باطلاق الشرط فهو يرجع إلى الوجه الثالث الذي سيأتي الكلام فيه ، وإلا فلا معنى للتمسك باطلاق الشرطية والسببية لاثبات الانحصار.

هذا كله مبنى على تسليم دلالة الشرطية على اللزوم ، وقد مر انها لا تدل عليه ، فلا مورد لهذا الوجه أصلاً.

التقريب الثاني ، من تقارير التمسك بالإطلاق للقول بثبوت المفهوم للقضية الشرطية ، ما أفاده المحقق الخراساني (١) بقوله :

بتقريب انه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده ضرورة انه لو قارنه أو سبقه الآخر لما اثر وحده ، وقضية اطلاقه انه يؤثر كذلك مطلقا انتهى.

وهو إنما يكون تمسكا باطلاق تأثير المقدم والشرط ، في التالي والجزاء.

وحاصله بعد الاعتراف بدلالة القضية الشرطية على العلية ان مقتضى إطلاق التأثير هو استناد التالي إلى المقدم مطلقا ، ولو كان المقدم علة غير

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٩٦ (ثم انه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم ..).

٢٠٥

منحصرة لا يستند التالي إلى المقدم كذلك ، بل لو سبقه الآخر كان هو المؤثر ، ولو قارنه كانا معا مؤثرا فمن إطلاق الاستناد يستكشف انحصار العلة.

وأجاب عنه المحقق الخراساني بقوله (١) :

وفيه انه لا يكاد ينكر الدلالة على المفهوم مع اطلاقه كذلك إلا انه من المعلوم ندرة تحققه لو لم نقل بعدم اتفاقه.

ومحصله ان الدليل المتضمن للعلية إنما يكون في مقام بيان صلاحية الشيء وقابليته للتاثير لا في مقام بيان العلية الفعلية.

وعليه فبما انه لا فرق في العلية بهذا المعنى بين الانحصار وعدمه فلا يتم هذا الوجه.

ويمكن ان يكون نظره إلى عدم تسليم دلالة القضية الشرطية على العلية.

التقريب الثالث : للتمسك بالإطلاق ما ذكره المحقق الخراساني (٢) بما حاصله ان مقتضى إطلاق الشرط كون الملازمة ثابتة بين الجزاء وهذا الشرط وليست بينه وبين شيء آخر فيكون نظير ما ذكروه من ان مقتضى إطلاق الأمر كون الوجوب تعيينيا.

وأورد عليه المحقق الخراساني (٣) بما حاصله ان الوجوب التعييني

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٩٦.

(٢) كفاية الاصول ص ١٩٦ (واما توهم انه قضية اطلاق الشرط ..) بتصرف.

(٣) نفس المصدر.

٢٠٦

والتخييري ، سنخان من الوجوب ، ولكل منهما حد خاص كما حقق في محله.

وعليه فإذا تردد الأمر بينهما ، فبما ان ثبوت الوجوب التخييري ، يحتاج إلى التصريح بثبوت العدل ، بخلاف الوجوب التعييني فانه يكفي فيه عدم بيان العدل ، فإذا كان المولى في مقام بيان حد الوجوب وجرت ساير مقدمات الحكمة ، يثبت الثاني بالإطلاق ، وهذا بخلاف العلة فان ثبوت عدل آخر له وعدمه ، لا يوجبان اختلافا في سنخ العلية ، ولا يتفاوت حدها بثبوت العدل وعدمه ، فالاطلاق لا يثبت كون العلة منحصرة.

وان شئت قلت : ان الانحصار وعدمه ينتزعان من ثبوت علة أخرى وعدمها ، فلا يكون الإطلاق الوارد في مقام بيان العلية مثبتا لاحدهما.

نعم ، لو كان المولى في مقام بيان كل ما له العلية لهذا الجزاء ولم يصرح بثبوت غير هذه العلة يكشف ذلك عن انحصارها فيها ، ولكن ذلك اجنبي عما هو محل الكلام.

وبما ذكرناه في توضيح كلامه (قدِّس سره) يظهر ان ايراد المحقق النائيني (ره) عليه (١) : بان الإطلاق المتمسك به في المقام ليس هو إطلاق الجزاء واثبات ان ترتبه على الشرط إنما هو بنحو ترتب المعلول على علته المنحصرة ليرد عليه ما ذكر ، بل هو استدل باطلاق الشرط ، في غير محله.

وجه الظهور ان ايراده إنما يكون باطلاق الشرط.

__________________

(١) اجود التقريرات ج ١ ص ٤١٩ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٥٣ (وجه الظهور هو ..).

٢٠٧

فالصحيح ان يورد على المحقق الخراساني (ره) بان القضايا الشرطية سيما القضايا الواردة في مقام بيان الأحكام الشرعية لا تدل على علية الشرط للجزاء كي يجرى فيه ما ذكره بل إنما يدل على الترتب خاصة.

ويمكن توجيه هذا التقريب بنحو يسلم عن جميع ما أورد عليه ، وهو ان حقيقة الأمر كما مر ليست إلا إبراز كون الفعل متعلقا لشوق المولى.

وعليه فبما ان الشرط لا يكون راجعا إلى الإبراز كما واضح ، فلا محالة يكون راجعا إلى الشوق ، فيكون شوق المولى بالفعل معلقا على قيد وشرط ، ولازمه انتفاء الشوق بانتفاء القيد ، من غير فرق بين كون الإبراز بالهيئة ، أو بالمادة المستعملة في المفهوم الاسمى.

ويمكن التمسك بالإطلاق لاثبات المفهوم ، بوجه آخر وهو التمسك باطلاق الجزاء بتقريب انه قيد الجزاء ، وهو الحكم الكلي والشوق المطلق بذلك الشرط بخصوصه ، ولم يقيد بشيء آخر ، لا على نحو الاشتراك بان يجعل شيء آخر مجامعا لذلك الشرط قيدا للجزاء ولا على نحو الاستقلال ، بان يجعل شيء آخر موجبا لترتب الجزاء عليه ولو عند انفراده وعدم مجامعته لما جعل في القضية شرطا ، ومقتضى ذلك دوران الجزاء مدار الشرط في القضية وجودا وعدما ، فكما انه لم يشك احد في التمسك باطلاق الجزاء لنفى قيدية شيء آخر مع وجود الشرط ، كذلك لا ينبغى ان يشك في التمسك باطلاقه لعدم دخل شيء آخر في ثبوت الجزاء مستقلا ولازم ذلك الانتفاء عند الانتفاء.

وليس ذلك تمسكا باطلاق الشرط كي يورد عليه بما أفاده المحقق

٢٠٨

الأصفهاني (١) بان الإطلاق لا يكون إلا مع انحفاظ ذات المطلق فالاطلاق من حيث الضميمة معقول ، واما الإطلاق من حيث البدل فلا ، إذ لا يكون بدله إلا في ظرف عدمه فلا يعقل إطلاق القيد في ظرف عدم نفسه.

وجه عدم الورود انه ليس تمسكا باطلاق الشرط ، بل هو تمسك باطلاق الجزاء فلا ايراد عليه.

نعم الإيراد المذكور وارد على ما أفاده المحقق النائيني (ره) حيث افاد (٢) ان مقتضى إطلاق الشرط بعد عدم العطف بأو أو بواو ، ان القيد مطلق من حيث الضميمة ، ومن حيث البدل فيستفاد من الإطلاق ، الاستقلال في العلية والانحصار.

فالمتحصّل من مجموع ما ذكرناه ، ان القضية الشرطية تدل على المفهوم وطريق اثبات ذلك أمور.

الأول : الدلالة الوضعية ، فان المنساق إلى الذهن من القضية الشرطية ان ثبوت الجزاء منحصر بمورد ثبوت الشرط.

الثاني : إطلاق الشرط بالتقريب المتقدم.

الثالث : إطلاق الجزاء.

وقد يتوهم ان لازم ما ذكرناه دلالة جميع القضايا الشرعية على المفهوم

__________________

(١) راجع نهاية الدراية ج ١ تعليقة رقم ١ ص ٦١٠ ـ ٦١١.

(٢) المحقق الاصفهاني في نهاية الدراية ج ١ ص ٦١١.

٢٠٩

بناء على ما مر سابقا من ان القضايا الحقيقية انشائية كانت أم اخبارية ترجع إلى قضايا شرطية مقدمها فرض ثبوت الموضوع وتاليها ثبوت المحمول ، وان القضايا الشرطية ترجع إلى القضايا الحقيقية.

والجواب عنه ان القضية الشرطية ليست ذات مفهوم بقول مطلق بل هي على اقسام :

الأول : ما يكون الشرط فيها مما يكون الحكم معلقا عليه عقلا ، ويكون الشرطية سيقت لبيان تحقق الموضوع ، نظير ، ان رزقت ولدا فاختنه. وإذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها أو ردوها.

الثاني : ما لا يكون الشرط فيها مما يكون الحكم معلقا عليه عقلا بل على فرض دخله يكون اعتباره شرعيا محضا.

والثاني : تارة يكون القيد قيدا للموضوع.

وأخرى للمتعلق.

وثالثة للحكم.

والمدعى إنما هو دلالة القسم الرابع على المفهوم كما يظهر مما ذكرناه وجها لذلك ، غاية الأمر ان ظاهر القضية الشرطية في نفسها رجوع القيد إلى الحكم لا إلى الموضوع أو المتعلق.

وعليه ، فدعوى دلالة القضية الشرطية التي لم تسق لبيان تحقق الموضوع في محلها ، وعلى هذا فالقضايا الحقيقية ، وان رجعت إلى القضايا الشرطية ، إلا انها تكون من القسم الأول فلا تدل على المفهوم.

٢١٠

ما استدل به لعدم ثبوت المفهوم للشرط ونقده

ثم ان في المقام قولين آخرين :

القول الأول : عدم ثبوت المفهوم للشرط مطلقا واستدل له بامور :

الأول : ما عن السيد (قدِّس سره) (١) وحاصله ان غاية ما يكون القضية الشرطية دالة عليه كون الشرط علة للجزاء ويكون تأثير الشرط كافيا في صوغ القضية الشرطية ، وتعليق الحكم به بجعل الشرط مقدما والمشروط تاليا بلا عناية ، ولا يستفاد منها الانحصار ، ثم ذكر في ذيل كلامه جملة من الموارد التي يكون الشرط غير منحصر ، وقال ونيابة بعض الشروط عن بعض اكثر من ان تحصى.

وبهذا البيان يظهر ان السيد قد تجاوز عن المحقق الخراساني بمرحلتين.

فان المحقق الخراساني بعد ما افاد ان ثبوت المفهوم للقضية الشرطية يتوقف على أمور اربعة : الدلالة على اللزوم ، والترتب ، وكون الترتب من قبيل ترتب المعلول على العلة ، والانحصار ، اعترف بالأول خاصة ، وصرح بعدم الدلالة على الاخيرين.

والسيد (قدِّس سره) اعترف بالثلاثة الأول ، وانكر الآخر خاصة ، فلا وجه لا يراد المحقق الخراساني عليه.

__________________

(١) نسبه غير واحد إلى السيد المرتضى (قدِّس سره) وهو مختاره في الذريعة ج ١ ص ٤٠٦ نشر مؤسسة النشر والطبع لجامعة طهران ١٣٧٦ ه‍ .. ق.

٢١١

وكأنه لم ينظر إلى ما أفاده السيد ، وإلا لما أجاب بما في الكفاية (١) من ان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت امر ممكن ولكنه غير مربوط بما هو محل الكلام في مقام الإثبات. واما في مقام الإثبات فمجرد الاحتمال لا يكفي في دفع الظهور ما لم يكن بحسب القواعد اللفظية راجحا أو مساويا ، وليس فيما أفاده ما يثبت ذلك.

فان السيد ينكر الظهور مثل المحقق الخراساني (ره).

الثاني : انه لو دل لكان بإحدى الدلالات الثلاث ، والملازمة كبطلان التالي ظاهرة.

واجيب عنه ، تارة بمنع بطلان التالي فانه قد مر دلالة القضية بالدلالة الالتزامية على ثبوت المفهوم.

وأخرى ، بمنع الملازمة لأنه يمكن اثبات المفهوم بالإطلاق كما مر.

الثالث : قوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)(٢).

وفيه : ان الشرط في الآية الكريمة مسوق لبيان تحقق الموضوع ، حيث ان إرادة التحصن من القيود العقلية لحرمة الاكراه ، إذ لا يعقل الاكراه على البغاء ، في فرض عدم إرادة التحصن كما هو واضح ، وقد مر عدم المفهوم لمثل هذه القضية.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٩٧.

(٢) الآية ٣٣ من سورة النور.

٢١٢

القول بالتفصيل ومدركه

القول الثاني : ما اختاره جماعة منهم الشيخ الأعظم (١) ، وهو التفصيل بين كون الحكم في الجزاء مستفادا من المادة ، كقوله (ع) " إذا زالت الشمس وجبت الصلاة ، والطهور" (٢) ، وبين كونه مستفادا من الهيئة كقولنا : ان جاء زيد فأكرمه ، والالتزام بدلالة القضية الشرطية في القسم الأول على المفهوم دون الثاني : واستدل له بوجهين.

أحدهما (٣) : ان المفهوم كما مر عبارة عن انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه ، واما انتفاء شخص الحكم المذكور في التالي عند عدم الشرط ، فهو عقلي لا ربط له بدلالة اللفظ ابدا ، لاستحالة بقاء الحكم مع انتفاء موضوعه أو قيد من قيوده ، أو من قيود الحكم ، ومن هنا لم نقل بدلالة اللقب على المفهوم.

مع ان انتفاء شخص الحكم بانتفاء ما اخذ في موضوعه واضح ، ولو ثبت

__________________

(١) هذا ما نسبه اليه آية الله الخوئي في المحاضرات ج ٥ ص ٨٥ ، وهو ظاهر مختاره في مطارح الانظار ص ١٧٤ بتصرف.

(٢) ليس هذا نص الرواية ، ولكنه معناها ، واما النص فهي بالفاظ مختلفة منها «اذا زالت الشمس فصلها» أو «ثم صلِّ الفريضة» أو «وصلِّ» أو «فقد دخل وقت الصلاة» راجع الكافي ج ٣ ص ٤٢٠ ح ٤ وص ٤٢٧ ح ١ / والتهذيب ج ٢ ص ٢٥٠ ح ٢٨ باب المواقيت ... وغيرهما.

(٣) مطارح الانظار ص ١٨٦ (واما المقام الثاني).

٢١٣

حكم شخصي آخر ، مع عدم الشرط ، فإنما هو حكم آخر غير الحكم الثابت له عند ثبوت الشرط ، غاية الأمر انه من سنخه.

وعلى الجملة ان المفهوم عبارة عن انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط ، وعليه فحيث ان الحكم المستفاد من المادة مفهوم اسمى وكلى فتدل القضية الشرطية المعلقة للحكم على الشرط عندئذ على المفهوم ، واما ما يكون مستفادا من الهيئة فحيث انه معنى حرفي ويكون جزئيا فلا تدل على المفهوم ، إذ غايته انتفاء الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه وهو جزئي ، فلا يدل على انتفاء فرد آخر.

والجواب عنه ما تقدم من ان المعنى الحرفي ليس جزئيا بل هو أيضاً كالمعنى الاسمى كلى.

ثانيهما : ان مفاد الهيئة جزئي لأنه معنى إلى وملحوظ إلى ، وهو غير قابل للتقييد فالقيد والشرط في القضية الشرطية المشتملة على بيان الحكم بالهيئة يرجع إلى المادة والمتعلق فلا يكون الحكم معلقا كي ينتفى بانتفاء القيد ، وهذا بخلاف المعنى الاسمى لو كان الحكم مستفادا من المادة فانه يرجع الشرط إليه فينفي الحكم بانتفاء الشرط فتدل على المفهوم.

والجواب عنه ما تقدم في الواجب المشروط مفصلا ، وبينا انه مضافا إلى ان المعنى الحرفي كلى وقابل للتقييد. ان الجزئي لا يقبل التقييد بمعنى التضييق وقابل للتقييد بمعنى التعليق والربط كما في التعليق على الشرط.

٢١٤

ضابط اخذ المفهوم

بقى أمور :

الامر الأول : ان المفهوم كما عرفت عبارة عن انتفاء سنخ الحكم المعلق عن الموضوع في المنطوق عند انتفاء شرطه ، واما انتفاء شخص الحكم فهو غير مربوط بالمفهوم كما ان انتفاء الحكم عن موضوع آخر غير ما هو موضوع في المنطوق لا ربط له بالمفهوم.

وبعبارة أخرى : ان المفهوم تابع للمنطوق موضوعا ومحمولا ونسبة ، سوى ان المنطوق قضية موجبة ، أو سالبة والمفهوم عكس ذلك.

وعلى ضوء ذلك قال المحقق الخراساني (ره) (١) انه ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والاوقاف والنذور والايمان كما توهم.

بل عن الشهيد في تمهيد القواعد انه لا اشكال في دلالتها على المفهوم ، وذلك لان انتفائها عن غير ما هو المتعلق لها من الاشخاص التي تكون بالقابها أو بوصف شيء أو بشرطه ماخوذة في العقد أو مثل العهد ليس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب عليه ، بل لأجل انه إذا صار شيء وقفا على احد أو اوصى به أو نذر له إلى غير ذلك لا يقبل ان يصير وقفا على غيره أو وصية أو نذرا له وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية عن غير مورد المتعلق قد

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٩٨ (بقي هاهنا امور : الامر الأول : قوله ومن هنا انقدح ..).

٢١٥

عرفت انه عقلي مطلقا انتهى.

قال الشهيد (ره) في تمهيد القواعد (١) لا اشكال في دلالتها في مثل الوقف والوصايا والنذر والايمان كما إذا قال وقفت هذا على اولادي الفقراء أو ان كانوا فقراء أو نحو ذلك انتهى.

ومحصل الإيراد عليه كما في التقريرات (٢) والكفاية (٣) وغيرهما ان دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في تلكم الموارد ، ليست من المفهوم ، وانتفاء سنخ الحكم ، بل هو من باب انتفاء شخص الحكم.

وقد يقال انتصارا للشهيد (ره) ان الوقف أو النذر أو الوصية تارة يتعلق بالمال الشخصي. وأخرى ، يتعلق بالكلى ، فإذا تعلق بالشخصي ، فلا يعقل تعلق وصية أخرى مثلا بهذا المال في عرض هذه الوصية ، ولكن يمكن تعلقها به في طول هذه ، وإذا تعلق بالكلى فيمكن تعلق فرد آخر في طول هذا الفرد ، وفي عرضه.

وعلى كل تقدير تعلق فرد آخر معقول فيجرى فيه نزاع المفهوم ، وانه ، هل يدل على انتفاء الفرد الطولى في الأول ومطلق الفرد في الثاني ، أم لا؟ بعد ان انتفاء شخص الوقف أو الوصية أو النذر ليس بالمفهوم.

__________________

(١) تمهيد القواعد ص ١١٠.

(٢) مطارح الانظار ص ١٧٣ (هداية).

(٣) كفاية الاصول ص ١٩٨ ـ ١٩٩ (ومن هنا انقدح).

٢١٦

مفهوم تعليق الحكم الكلي بنحو العام الاستغراقي على الشرط

الامر الثاني : ان الحكم الثابت في الجزاء ، المعلق على الشرط ، قد يكون حكما واحدا متعلقا بشيء واحد ، كوجوب الحج المعلق على الاستطاعة ، وقد يكون حكما كليا له أفراد متعلقا بامور متعددة ، أو متعلقا بواحد ، وعلى الثاني قد يكون بنحو العام المجموعي ، وقد يكون بنحو العام الاستغراقي ، لا اشكال في القسمين الأولين.

إنما الكلام في القسم الثالث : كقوله (ع) " الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شيء" (١) ، وان مفهوم هذه القضية ، هل هو الإيجاب الجزئي كما عن جماعة منهم المحقق الشيخ محمد تقى الشيرازي (٢) مدعيا بداهة ذلك :

نظرا إلى ان المفهوم يكون نقيض المنطوق ، وقد برهن في محله ان نقيض السالبة الكلية ، الموجبة الجزئية ، فلا تدل القضية على اكثر من ان بعض النجاسات ينجس الماء القليل ، ففي غير موارد القدر المتيقن لا سبيل إلى التمسك بهذه الرواية.

أم يكون مفهومها موجبة كلية كما ذهب إليه جماعة آخرون منهم الشيخ

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٢ ح ١ / الوسائل ج ١ ص ١٥٨ ح ٣٩١ ، الحديث : «.. اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء» وكذلك في التهذيب والاستبصار.

(٢) حكاه عنه غير واحد منهم مجمع الفرائد ص ٤٠ / ودرر الفوائد للحائري ج ١ ص ١٦٧.

٢١٧

الأعظم (ره) (١) والمحقق النائيني (٢) ، مدعيا الأول منهما بداهة ذلك ، فتدل الرواية على تنجس الماء القليل بملاقاة كل ما يصلح للتنجيس ، من غير فرق بين أنواع النجاسات والمتنجسات ، ومن غير فرق بين احوال الأفراد ككون النجاسة واردة أم مورودة ونحو ذلك.

فيه وجهان : وقبل بيان ادلة الطرفين لا بد من تمهيد أمور :

١ ـ ان هذا النزاع لا يجرى فيما إذا كان الشرط منحلا إلى شروط عديدة حسب ما للحكم من الأفراد ، حيث ان ظاهر القضية حينئذ تعليق كل حكم من تلكم الأحكام المتعددة ، على فرد من أفراد الشرط ، كقولنا : اكرم العلماء ان كانوا عدولا ، فان ظاهره تعليق وجوب اكرام كل عالم على كونه عادلا ، فإذا انتفى بعض تلك الشروط ينتفى بعض تلك الأحكام ، وإذا انتفى الشرط بالمرة ينتفى الحكم بالكلية.

بل مورد الكلام ما إذا كان الشرط واحدا كما في الرواية الكريمة.

٢ ـ ان المفهوم تابع للمنطوق في جميع القيود المعتبرة فيه ، وإنما التفاوت بينهما بالسلب والايجاب ، فالموضوع والمحمول فيهما واحد ، والفرق بينهما ان

__________________

(١) راجع مطارح الانظار ص ١٧٤ ، وقد نسب هذا الرأي إلى بعض الاساطين وأيده فقال : «ومن هنا يعلم صحة ما أفاده بعض الاساطين في قوله (ع) : إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء ، من ان مفهومه انه اذا لم يكن قدر كر ينجسه كل شيء من النجاسات ..».

(٢) فوائد الاصول للنائيني ج ٢ ص ٤٨٥ ـ ٤٨٦ (الامر الثاني) / اجود التقريرات ج ١ ص ٤٢٠ ـ ٤٢١ وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٥٥ ـ ٢٥٧.

٢١٨

المنطوق ، قضية موجبة أو سالبة ، والمفهوم عكس ذلك أي يكون مفهوم الإيجاب السلب ومفهوم السلب الإيجاب.

٣ ـ ان الفرق بين العام المجموعي والاستغراقي ، إنما هو في الواقع ونفس الأمر فانه يكون في الأول حكما واحدا ناشئا عن ملاك واحد له امتثال واحد وعصيان كذلك ويكون في الثاني منحلا إلى احكام عديدة لكل واحد منها امتثال واحد وعصيان كذلك غير مربوط بالآخرين ، واما في مقام الإثبات فالانشاء واحد ويبرز حكما واحدا.

إذا تمهدت هذه الأمور فاعلم انه استدل الشيخ (ره) (١) لما ذهب إليه : بان العموم لوحظ مرآة وآلة لملاحظة الأفراد فكأنه لم يذكر في القضية إلا الأحكام الجزئية المتعلقة بالأفراد ، فيكون تعليق هذا الحكم المنحل إلى أحكام جزئية عديدة على الشرط منحلا إلى تعليقات عديدة ولازم حصر الشرط كما هو المفروض انه في صورة انتفائه ينقلب كل نفي إلى الإثبات.

وفيه : ان انحلال الحكم وتعدده وتعدد التعليقات إنما هو بحسب مقام الثبوت والواقع ، واما في مقام الإثبات والإبراز فالحكم واحد والمعلق بحسب ملاحظة التعليق في مقام الإبراز امر وحداني لا تعدد فيه ، ولازم ذلك انقلاب هذا الحكم الوحداني إلى نقيضه فتدبر.

__________________

(١) الظاهر ان هذا الاستدلال للشيخ المحقق محمد تقي الشيرازي كما نسبه اليه غير واحد ، راجع درر الفوائد للحائري ج ١ ص ١٦٧.

٢١٩

وافاد المحقق النائيني (ره) (١) ان المقرر في علم الميزان ، وان كان ان نقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية ، ونقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية ، إلا ان النظر في علم الميزان مقصور على القواعد الكلية لتاسيس البراهين العقلية ، ولذا لا ينظر فيه إلى الظواهر ، واما في علم الأصول فالمهم هو استنباط الحكم شرعى من دليله ، فيكفى فيه اثبات ظهور الكلام في شيء وان لم يساعده البرهان المنطقي ، وعلى ذلك فلا بد وان ينظر إلى ظاهر الدليل فان كان المعلق على الشرط في القضية الشرطية مجموع الأحكام ، فالمفهوم يكون جزئيا : إذ المنتفي بانتفاء الشرط هو ما علق عليه وهو عموم الحكم ، لا الحكم العام ، وان كان هو الحكم العام أي كل واحد واحد من الأحكام ، فالمفهوم يكون كليا هذا بحسب مقام الثبوت.

واما بحسب مقام الإثبات ، فان كان العموم المستفاد من التالي معنى اسميا مدلولا عليه بكلمة كل واشباهها ، امكن ان يكون المعلق على الشرط ، هو نفس العموم والحكم العام ، فلا بد في تعيين أحدهما من اقامة قرينة خارجية ، واما إذا كان معنى حرفيا مستفادا من مثل هيئة الجمع المعرف باللام وغير قابل لان يكون ملحوظا بنفسه ، أو كان مستفادا من مثل وقوع النكرة في سياق النهي ، ولم يكن هو بنفسه مدلولا عليه باللفظ ، فلا محالة يكون المعلق على الشرط ، هو الحكم العام كما في الرواية المزبورة ، فيكون مفهومها نجاسة القليل بملاقاة كل واحد من النجاسات.

__________________

(١) اجود التقريرات ج ١ ص ٤٢١ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٥٧ (ولكن التحقيق ان يقال).

٢٢٠