زبدة الأصول - ج ٣

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-36-5
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٨٠

وثانيا : لو سلم انه إذا استقل العبد بأمر كان عاصيا لاقتضاء العبودية ، وكون العبد كلا على مولاه لا يقدر على شيء ، ذلك حيث انه أتى بما ينافي مقام عبوديته ، لا يعقل انقلاب هذا العصيان فان الاجازة والرضا البعدى لا توجب انقلاب الشيء عما وقع عليه.

وقد استدل لدلالة النهي على الصحة بوجهين :

الأول : انه يعتبر في متعلق النهي القدرة ولا يكاد يقدر على المسبب إلا فيما كانت المعاملة صحيحة مؤثرة.

الثاني : النصوص المتقدمة بتقريب انها صريحة في ان عصيان السيد ، لا يستلزم بطلان النكاح ، وبما ان عصيان السيد يستلزم عصيانه تعالى ، فيستفاد منها ان عصيانه تعالى لا يستلزم الفساد ، واما عصيانه تعالى المستلزم للفساد بمقتضى مفهوم قوله (ع) انه لم يعص الله ، فلا بد ان يراد به العصيان الوضعي.

وكلاهما فاسدان :

اما الأول : فلانه يتم لو كان متعلق النهي الاعتبار القائم بالشارع ، وقد عرفت عدم معقولية ذلك ، وإنما المتعلق له الاعتبار القائم بالمتبايعين ، وهو مقدور وان لم يكن صحيحا.

واما الثاني : فلتوقفه على ان يكون المراد من العصيان في كل من الموردين معنى يغاير ما يراد منه في الآخر وقد عرفت فساد ذلك أيضاً وانه خلاف ظاهر السياق.

١٨١

فالمتحصّل انه كما ان القاعدة لا تقتضي دلالة النهي على الفساد ولا على الصحة كذلك لا تدل النصوص الخاصة على شيء منهما.

وحاصل ما قدمناه في الأخبار ان محتملات المراد من العصيان في الجملتين اربعة : الأول : ان يراد به فيهما العصيان الوضعي.

الثاني : ان يراد به فيهما العصيان التكليفي.

الثالث : ان يراد بالعصيان في الأولى التكليفي منه وفي الثانية الوضعي منه.

الرابع : عكس ذلك ، والاحتمالان الاخيران يدفعان بوحدة السياق ، فيدور الأمر بين الأولين.

والظاهر هو الأول ، وذلك لوجهين :

أحدهما : ان انشاء البيع أو التزويج أو ما شاكل ليس تصرفا عرفا كي يكون حراما ولذا لو انشأ العبد البيع لغير نفسه لما توقف على اجازة سيده بلا كلام.

الثاني : ان عصيان السيد حرام شرعا فمعصيته يكون معصية لله تعالى فكيف يتصور ان يكون فعل معصية للسيد ، ولا يكون معصية لله ، فلا محالة يكون المراد منه العصيان الوضعي اعني عدم النفوذ.

فالمتحصّل حينئذ انه لا توقف في نفوذ النكاح من قبل الله تعالى وليس نكاحا غير مشروع في نفسه بل التوقف في نفوذه إنما هو من قبل السيد لاعتبار رضاه فيه فيدور عدم الصحة مدار عدم الرضا حدوثا وبقاء فإذا اجاز جاز.

لا يقال ، ان العصيان الوضعي للسيد مستلزم لعصيان الله تعالى : لان عدم

١٨٢

امضاء السيد موجب ، لعدم امضاء الله تعالى.

فانه يقال : ان عصيان السيد ومخالفته حرام شرعا والمحرم الشرعي ليس على قسمين.

وبعبارة أخرى : بالاجازة والرضا البعدى لا ينقلب ما وقع معصية عما وقع عليه ، وهذا بخلاف عدم الامضاء : فان عدم امضاء الشارع الأقدس لما لم يمضه السيد ، عدم امضاء ما دامي ، أي ما دام لم يجز السيد فتدبر فانه دقيق.

ويؤيد ما ذكرناه من كون المراد من العصيان فيهما العصيان الوضعي تمثيله (ع) لعصيان الله تعالى في الصحيح الثاني ، بالنكاح في العدة واشباهه ، فالمتحصّل انه لا يدل النهي التحريمي على الصحة ولا على الفساد.

واما القسم الرابع : وهو النهي التشريعي ، فملخص القول فيه ، انه ان تعلق نهى بمعاملة خاصة فهو لا محالة يكون دالا على فسادها ، وعدم مشروعيتها ، واما المعاملة التي لا يعلم مشروعيتها ولا دليل عليها إذا أتى بها بما انها مشروعة ، فمقتضى عموم النهي عن التشريع حرمتها ، ومقتضى اصالة عدم الانتقال هو البناء على الفساد ما لم ينكشف كونها ممضاة.

وإنما الكلام فيما لو انكشف كونها مشروعة.

فعلى المختار من عدم دلالة النهي النفسي المتعلق بالمعاملة على الفساد صحت هذه المعاملة.

واما على ما اختاره المحقق النائيني (ره) تبعا للمشهور ، من دلالته على الفساد ، فلا بد له من الالتزام بالفساد ، بناء على ان المحرم في التشريع هو ذات

١٨٣

العمل الخارجي المتصف بعنوان التشريع وهو الاعتبار النفساني في المقام ، إذ لا فرق بين تعلق نهى خاص بمعاملة خاصة ، وبين انطباق عنوان عام محرم عليها : فان المبغوضية ان استلزمت الفساد ، ففي الموردين ، وإلا فكذلك.

وبذلك ظهر ان ما اختاره المحقق النائيني (ره) من الصحة في الفرض ، وعدم دلالة النهي التشريعي على الفساد لا ينطبق على مسلكه.

هذا تمام الكلام في النواهي

والحمد لله اولا وآخرا.

* * *

١٨٤

المقصد الثالث

من مقاصد علم الأصول

في

المفاهيم

وفيه مباحث :

١٨٥

المقصد الثالث

في المفاهيم

وفيه مباحث : وقبل الدخول في المباحث لا بد من تقديم مقدمات :

الأولى ، ان للمفهوم اطلاقين :

أحدهما : ما يراد منه كل معنى يفهم من اللفظ فحسب سواء أكان من المفاهيم الافرادية أو التركيبية. أو كل ما يفهم من الشيء سواء أكان ذلك الشيء لفظا ، أم غيره كالاشارة أو الكتابة أو نحو ذلك.

وهذا قد يكون مدلولا مطابقيا للفظ بحيث يكون اللفظ قالبا له.

وقد يكون من جهة لزومه لما يكون اللفظ قالبا له.

والأول ينقسم إلى المدلول المطابقي ، والتضمني.

والثاني ، ربما يستفاد من اللفظ من دون ضم مقدمة خارجية عقلية أو نقلية إليه ، وربما يستفاد منه مع ضم مقدمة إليه.

ويعبر عن الأول باللزوم البين.

وعن الثاني باللزوم غير البين.

والأول على قسمين :

إذ تارة يكفي تصور الملزوم في الانتقال إلى اللازم فهو البين بالمعنى

١٨٦

الاخص.

وأخرى لا ينتقل إلى اللازم إلا بعد تصور الطرفين والنسبة فهو البين بالمعنى الاعم.

وهما مشتركان في عدم الحاجة إلى ضم مقدمة خارجية.

ثم انه يعتبر في الدلالة الالتزامية كون المعنى لازما بينا ولا يكفي فيها مجرد اللزوم ، وهذا الإطلاق خارج عن محل الكلام حيث انه في المفهوم المقابل للمنطوق. وهو الإطلاق الثاني ، فلا بد من بيان المراد من هذين اللفظين أي المنطوق والمفهوم.

اما المنطوق فقد عرفه الحاجبي (١) ، بما دل عليه اللفظ في محل النطق ، والمفهوم بما دل عليه اللفظ لا في محل النطق.

وفسر العضدي (٢) الأول بقوله ان يكون حكما لمذكور وحالا من احواله.

وفسر الثاني بقوله بان يكون حكما لغير مذكور وحالا من احواله.

والمحقق الخراساني (ره) (٣) قال انه حيث يكون المفهوم عبارة عن قضية تستتبعها خصوصية المعنى الذي اريد من اللفظ بتلك الخصوصية وهو العلية المنحصرة. فالصحيح ان المفهوم حكم غير مذكور لا حكم لغير مذكور.

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الاعظم في مطارح الانظار ص ١٦٧ (الرابع).

(٢) أيضا حكاه عنه الشيخ الاعظم في مطارح الانظار بعد ذكر تعريف الحاجبي ص ١٦٧.

(٣) كفاية الاصول ص ١٩٣.

١٨٧

والاعلام (قدس الله اسرارهم) اطالوا الكلام في المقام بالنقض والابرام طردا وعكسا.

وحق القول في المقام ، ان المنطوق عبارة عن كل معنى يفهم من اللفظ بالمطابقة وضعا أو اطلاقا أو من ناحية القرينة العامة أو الخاصة.

واما المفهوم فهو عبارة عن معنى يفهم من اللفظ بالدلالة الالتزامية نظرا إلى العلاقة اللزومية البينة بينه وبين المنطوق.

وبعبارة أخرى : ان المفهوم عبارة عما كان انفهامه من لوازم انفهام المنطوق باللزوم البين بالمعنى الاخص أو الاعم بلا حاجة إلى شيء آخر.

وبذلك يظهر ان وجوب المقدمة ، وحرمة الضد ، وما شاكل خارجة عن المفهوم : إذ ما لم يضم إلى دليل وجوب ذى المقدمة ، ووجوب شيء ، من حكم العقل بالملازمة لما كان يستفاد شيء ، فيكون اللزوم غير بيّن فلا يكون من المفهوم.

فان قيل ان تبعية انفهام معنى لمعنى آخر ، لا يكون جزافا ، فلا محالة تكون مستندة إلى امر واقعى ، وهو وجود الملازمة بين المعنيين ، وعليه فلا فرق بين تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذى المقدمة ، وتبعية المفهوم للمنطوق ، فكما انه في المورد الأول يتوقف استفادة وجوب المقدمة من دليل وجوب ذيها إلى ضم مقدمة خارجية ، وهي درك العقل الملازمة بين الوجوبين ، كذلك في المورد الثاني يكون انفهام المفهوم من المنطوق مستندا إلى مقدمة خارجية ، وهي كون الشرط في القضية علة منحصرة للحكم. فلا فرق بينهما من هذه الناحية.

١٨٨

اجبنا عنه بان التبعية في المقام مستندة إلى دلالة الجملة الشرطية وضعا أو اطلاقا ، على كون الشرط علة منحصرة ، فيكون الدال على تلك الحيثية هو اللفظ ، وهذا بخلاف تلكم الموارد ، فان التبعية هناك مستندة إلى مقدمة خارجية.

وبما ذكرناه يظهر تمامية ما أفاده صاحب الفصول (١).

ردا على ما أورد على حد المفهوم. بأنه منقوض بدلالة الأمر بالشىء على الأمر بمقدمته ، وبدلالته على فساد الضد على القول به مع ان شيئا منهما لا يسمى مفهوما اصطلاحا.

بان المعتبر في المفهوم هو دلالة اللفظ ، واقتضاء الأمر لما ذكر من دلالة العقل.

ثم الظاهر ان دلالة الاقتضاء وهي ، ما توقف صحة الكلام ، أو صدقه عليه كما في قوله تعالى : (وَاسْأَلِ الْقَرْيَة) (٢) فانه إذا لم يقدر الاهل لم يصح الكلام ، وقوله (ص) " رفع عن امتي الخطاء والنسيان" (٣) ، ودلالة الإشارة وهي ما يلزم من الكلام وان لم يقصده المتكلم كدلالة الآيتين الكريمتين على ان اقل الحمل ستة اشهر ، ودلالة الايماء وهي ما يستبعد معه عدم ارادته كدلالة قوله (ع) " كفر" عقيب قول السائل : هلكت واهلكت جامعت اهلي في نهار شهر رمضان على عليّة الجماع للتكفير.

__________________

(١) الفصول الغروية ص ١٤٦.

(٢) الآية ٨٢ من سورة يوسف.

(٣) وسائل الشيعة ج ١٥ ص ٣٦٩ ح ٢٠٧٦٩.

١٨٩

كل ذلك لا تكون من الدلالة اللفظية ويكون اللزوم فيها من اللزوم غير البين ، وعلى فرض كون بعضها من الدلالة اللفظية فهو ليس من المنطوق ، وهو ما دل عليه الجملة التركيبية بالدلالة المطابقية ، ولا من المفهوم وهو ما دلت عليه الجملة بالدلالة الالتزامية المتوقفة على كون اللزوم بينا ، وغير محتاج إلى ضم مقدمة خارجية كما هو واضح.

فما يظهر من بعض من ادخال مثل دلالة الإشارة في المنطوق. غير تام.

كما ان ما يظهر من بعض من ادراجها في المفهوم فاسد.

بل هي ليست بشيء منهما.

وقد ظهر مما ذكرناه ان المحقق النائيني (ره) (١) قد خلط في المقام ، بين اللزوم البين بالمعنى الاعم ، واللزوم غير البين ، ولذلك عدّ هذه الموارد من اللزوم البين بالمعنى الاعم ، مع انها من اللزوم غير البين.

وعلى الجملة ، المنطوق هو المدلول المطابقي للجملة التركيبية ، والمفهوم هو المدلول الالتزامى لها على معنى كونه لازما بينا بالمعنى الاعم أو الاخص له ، ولعله إلى ذلك يرجع ما عن الحاجبى ، بان يكون المراد من محل النطق المدلول المطابقي ، ومن ليس في محله هو المدلول الالتزامى.

واما ما أفاده المحقق الخراساني (ره) (٢) ردا على الحاجبي والعضدي بان

__________________

(١) اجود التقريرات ج ١ ص ٤١٤ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٤٤ (ثم ان انفهام مفهوم تركيبي ...).

(٢) كفاية الاصول ص ١٩٣.

١٩٠

المفهوم هو حكم غير مذكور لا حكم لغير مذكور.

فيرده ان المراد بالحكم ان كان هو الحكم الشخصي فهو كما انه غير مذكور من غير فرق بين مفهوم الموافقة والمخالفة ، فان حرمة الشتم المفهومة من قوله تعالى (فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُف)(١) غير مذكورة ، وعدم وجوب الاكرام عند عدم المجيء المستفاد من قولنا" ان جاء زيد فأكرمه" غير مذكور ، كذلك هما حكمان لغير المذكور إذ الشتم في الأول والاكرام المقيد بعدم المجيء غير مذكورين.

وان كان المراد به سنخ الحكم فيلزم خروج مفهوم الموافقة من هذا التعريف ، فان سنخ الحكم المفهومي ، وهو حرمة الشتم مذكور ، فالاظهر هو صحة تعريفه بكل منهما مع إرادة الحكم الشخصي.

ثم ان الظاهر ، كون لزوم المفهوم للمنطوق من اللزوم البين بالمعنى الاخص ، ضرورة انه ينتقل الذهن إلى الانتفاء عند الانتفاء من العلية المنحصرة المستفادة من اللفظ بلا حاجة إلى تصور أي شيء آخر.

الثانية : قال في محكى التقريرات (٢) الظاهر من موارد إطلاق اللفظين (أي المنطوق والمفهوم) في كلمات ارباب الاصطلاح انهما وصفان منتزعان من المدلول ، إلى ان قال ، خلافا لظاهر العضدي تبعا للحاجبي والمحكي عن الشهيد حيث جعلوهما من الاوصاف الطارية للدلالة. ولاوجه لذلك.

__________________

(١) الآية ٢٣ من سورة الإسراء.

(٢) مطارح الانظار ص ١٦٧ (القول في المفهوم والمنطوق .. هداية في بيان امور ترتبط بالمقام : الأول). بتصرف.

١٩١

قال المحقق الخراساني (١) وان كان بصفات المدلول اشبه وتوصيف الدلالة احيانا كان من باب التوصيف بحال المتعلق انتهى.

أقول : الظاهر انهما ليسا من صفات الدلالة : إذ هي تتصف بالصراحة والظهور ونحوهما ، ولا تتصف بالمنطوق والمفهوم ، ولا من صفات المدلول : فانه يتصف بالكلى والجزئي وامثالهما.

بل الظاهر انهما من صفات الدال إذ الدال على المعنى ان كان لفظا كما في دلالة اللفظ على معناه المطابقي ، فهو منطوق ، وان كان هو المعنى المستتبع الموجب لانتقال الذهن إلى معنى آخر ، فهو مفهوم ، فتوصيف المدلول بهما إنما يكون توصيفا بحال المتعلق باعتبار ان الدال ربما يكون منطوقا وربما يكون مفهوما.

الثالثة : الظاهر ان مسألة المفهوم من المسائل الأصولية اللفظية لا من المسائل العقلية وان كان فيها ملاكها أيضاً ، لأنه وان كان الحاكم بالانتفاء عند الانتفاء هو العقل ولذا قيل انها من المسائل العقلية.

ولكن حيث ان الكاشف عن انحصار العلة والشرط هو الذي يكون كاشفا عن لازمه بالدلالة الالتزامية ، فهي من المسائل اللفظية.

الرابعة : ان محل الكلام في المقام ليس ، هو حجية المفهوم بعد الفراغ عن وجوده ، فان تلك متسالم عليها ، بل محل الكلام اصل وجود المفهوم وتحققه ، يعنى ان الجملة الشرطية مثلا ، هل تكون ظاهرة في المفهوم وتدل بالدلالة

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٩٣ ـ ١٩٤.

١٩٢

الالتزامية على الانتفاء عند الانتفاء أم لا تدل على ذلك ، بل على مجرد الثبوت عند الثبوت.

وإلا فبعد ثبوت ظهورها في ذلك يشمله ما دل على حجية الظواهر.

المبحث الأول في مفهوم الشرط

إذا عرفت هذه المقدمات فاعلم ان الكلام يقع في مباحث :

المبحث الأول : في مفهوم الشرط.

ولتحقيق الحال في المقام لا بد من تقديم أمرين :

الأول : انه قد مر في مبحث الواجب المشروط ان ادوات الشرط إنما وضعت لتعليق مفاد جملة على مفاد جملة أخرى ، بلا فرق بين ان تكون الجملة المعلقة انشائية ، وان تكون خبرية ومن غير فرق في الإنشاء بين ان يكون الحكم المستفاد من الجزاء مفهوما اسميا بان يكون مدلول كلمة ، وجب ، أو يجب أو ما شاكل ذلك ، وبين ان يكون مستفادا من الهيئة ومفهوما حرفيا.

وبالجملة يكون المقدم في القضية الشرطية قيدا لنفس الحكم المذكور في التالي ، لا قيدا للواجب كما اختاره الشيخ الأعظم (ره) والكلام في ثبوت المفهوم يكون مبتنيا على ذلك.

واما على ما أفاده الشيخ (ره) فحال القضية الشرطية عندئذ حال القضية

١٩٣

الوصفية في الدلالة على المفهوم وعدمها (١).

الثاني : ان دلالة الألفاظ والجمل ليست ذاتية وإنما تستند إلى الوضع ، أو الانصراف ، أو القرينة العامة ، أو الإطلاق ومقدمات الحكمة ، وعليه فلا بد من البحث في مقامات.

الأول : في انه هل تدل القضية الشرطية على المفهوم بالوضع ، أو القرينة العامة أم لا؟

الثاني : في انه هل تدل عليه بالانصراف أم لا؟

الثالث : في التمسك بالإطلاق.

__________________

(١) قال آية الله الخوئي (قدِّس سره) في المحاضرات ج ٥ ص ٦٠ «نعم لو بنينا على رجوع القيد إلى المادة كما اختاره شيخنا الأنصاري (قدِّس سره) فحال القضية الشرطية عندئذ حال القضية الوصفية في الدلالة على المفهوم وعدمها» ،

وهذا البناء هو مختار الشيخ الاعظم في مطارح الانظار في أواخر ص ٤٩ قوله : «فالحكم هو ما عرفت من أولوية تقييد المادة من تقييد الهيئة إذا العكس يوجب ارتفاع الإطلاقين وإن كان في أحدهما التقييد حكميا ...».

١٩٤

دلالة القضية الشرطية على المفهوم بالوضع أو القرينة العامة

اما المقام الأول : فقد سلك المحققون منهم المحققان الخراساني (١) ، والنائيني (٢) طريقا لاثباتها ، وهو يرتكز على ركائز :

الأولى : ان ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط إنما يكون بنحو اللزوم وتكون ملازمة بين الجزاء الشرط ولا يكون مدلول القضية مصاحبة المقدم مع التالي بلا دلالة على اللزوم أو الاتفاق ، إذ لو لم تكن ملازمة بين الجزاء والشرط لما استلزم عدم الشرط عدم الجزاء.

الثانية : ان تكون القضية ظاهرة في ترتب الجزاء على الشرط وإلا لما دلت القضية على عدم التالي عند عدم المقدم.

وما أفاده الأستاذ (٣) من ان هذا الأمر لا بد من الغائه إذ المراد بالترتب ان كان هو الترتب في عالم الثبوت فلا حاجة إلى ذكر الأمر الثالث وهو كون الترتب بنحو ترتب المعلول على علته إذ الترتب في عالم الثبوت يستحيل ان يكون في غير ذلك ، وان كان المراد الترتب في عالم الإثبات فلا حاجة إلى ذكر

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٩٤ (لكن منع دلالتها على اللزوم ودعوى كونها اتفاقية في غاية السقوط لانسباق اللزوم منها قطعا).

(٢) اجود التقريرات ج ١ ص ٤١٥ وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٤٨.

(٣) وهو ظاهر كلامه في حاشيته على أجود التقريرات ج ١ ص ٤٢٠ ـ ٤٢١ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ،

١٩٥

الأمر الأول إذ الترتب في عالم الإثبات ملازم للزوم بل ليس إلا هو.

غير سديد ، إذ الترتب في عالم الثبوت كما يكون بين المعلول وعلته يكون بين المتقدم والمتأخر في الزمان وبجعل الجزاء واعتباره بعد تحقق الشرط كما في القضايا الشرعية.

الثالثة : كون القضية ظاهرة في ان ترتب الجزاء على الشرط من باب ترتب المعلول على العلة لا من باب ترتب العلة على المعلول ، ولا من باب ترتب احد المعلولين لعلة ثالثة على المعلول الآخر ، وإلا لما دلت القضية على المفهوم لان عدم المعلول لا يكشف عن عدم ذات العلة لجواز استناده إلى وجود المانع ، ولا عن عدم المعلول الآخر.

الرابعة : ان تكون القضية ظاهرة في ان الشرط علة منحصرة للجزاء وإلا فيمكن ثبوت الجزاء عند عدم الشرط لوجود علة أخرى له.

اما الركيزة الأولى فقد ذهب المنطقيون والمحقق الأصفهاني (ره) إلى عدم دلالة القضية الشرطية على اللزوم ، بل تدل القضية على مصاحبة المقدم مع التالي فحسب ، وقسم المنطقيون القضية الشرطية إلى لزومية واتفاقية ، ومثلوا للثانية بقولنا ان كان الانسان ناطقا فالحمار ناهق.

واستدل المحقق الأصفهاني (ره) (١) له بان اداة الشرط موضوعة لمجرد جعل متلوها واقعا موقع الفرض التقدير ، وان التعليق والترتب إنما يستفاد من تفريع التالي على المقدم والجزاء على الشرط كما تدل عليه الفاء الذي هو للترتب

__________________

(١) نهاية الدراية ج ١ ص ٦٠٧ (في مفهوم الشرط).

١٩٦

سواء كان الترتب زمانيا كما في جاء زيد فجاء عمرو ، أو كان الترتب بنحو العلية كما في تحركت اليد فتحرك المفتاح ، أو بالطبع كما في وجد الواحد فوجد الاثنان ، أو كان الترتب بمجرد اعتبار العقل كما في قولنا ان كان النهار موجودا فالشمس طالعة وان كان هذا ضاحكا فهو انسان ، ولا دلالة للقضية على ازيد من ذلك فلا تدل على لزوم بينهما.

واختار المحقق الخراساني والمحقق النائيني دلالتها على ذلك.

واستدل الأول (١) له بالتبادر والانسباق.

ويرده : انا نرى استعمال الجملة الشرطية ، في الاتفاقيات كثيرا بلا حاجة إلى لحاظ قرينة واعمال عناية.

لاحظ ، موارد الترتب الزماني وقولنا ان كان زيد ضعيفا فايمانه قوي ، أو ان كان زيد مريضا فعقله سالم ، ونحو ذلك من القضايا الشرطية الاتفاقية.

واستدل المحقق النائيني (ره) (٢) : بأنه لو صح الاستعمال في غير مورد اللزوم بلا رعاية علاقة واعمال عناية لصح تعليق كل شيء على كل شيء.

ويرده ان عدم صحة تعليق كل شيء على كل شيء بديهي ، إلا انه من جهة دلالة القضية على ترتب الجزاء على الشرط باحد انحاء الترتب فمع عدم شيء من اقسامه لا يصح التعليق ومع وجوده يصح التعليق ، وان لم يكن لزوم

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٩٤ قوله : «لانسباق اللزوم منها قطعا ..».

(٢) اجود التقريرات ج ١ ص ٤١٦ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٤٩ (ومنها ان تكون العلة علة منحصرة ..)

١٩٧

بينهما ، فالمتحصّل عدم دلالة القضية الشرطية على اللزوم بين الجزاء والشرط.

واما الركيزة الثانية فهي واضحة إذ هذا هو الظاهر من جعل شيء مقدما والآخر تاليا ، خصوصا إذا كان الجزاء مصدرا بالفاء الترتيبية.

واما الركيزة الثالثة وهي دلالة القضية الشرطية على ان ترتب الجزاء على الشرط من باب ترتب المعلول على العلة.

فالظاهر انها غير سديدة كما اعترف به المحقق الخراساني (١) إذ كما تستعمل القضية في ذلك المورد ، كذلك تستعمل في مورد ترتب العلة على المعلول كما هو الحال في البرهان الإني ، كقولنا ان كان النهار موجودا فالشمس طالعة ، وان كان العالم حادثا فهو متغير ، وايضا تستعمل فيما كان من قبيل ترتب احد المعلولين ، لعلة ثالثة على معلول آخر كقولنا ، ان كان النهار موجودا فالعالم مضيء ، ونحو ذلك كل ذلك بلا لحاظ وجود قرينة في البين واعمال عناية ، وهذه آية كون المعنى واحدا في الجميع.

ثم ان المحقق النائيني (ره) (٢) بعد اعترافه بان استعمال القضية الشرطية في موارد غير ترتب المعلول على علته ليس مجازا ، قال ان ظاهر القضية الشرطية هو ذلك لان ظاهر جعل شيء مقدما وجعل شيء آخر تاليا هو ترتب التالي على المقدم ، فان كان هذا الترتب موافقا للواقع ، ونفس الأمر ، بان يكون المقدم

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٢) اجود التقريرات ج ١ ص ٤١٦ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٤٩ (نعم ظاهر القضية الشرطية هو ذلك ...).

١٩٨

علة للتالى ، فهو ، وإلا لزم عدم مطابقة ظاهر الكلام للواقع مع كون المتكلم في مقام البيان على ما هو الاصل في المخاطبات العرفية ، وعليه فبظهور الجملة الشرطية في ترتب التالي على المقدم ، يستكشف كون المقدم علة للتالى وان لم يكن ذلك ماخوذا في الموضوع له.

وفيه : ان اساس هذا الوجه انحصار الترتب في عالم الثبوت في ترتب المعلول على علته.

وهو غير تام : إذ مضافا إلى ما تقدم من ان للترتب اقساما : الترتب الزمانى ، والترتب بنحو العلية ، والترتب الاعتباري ، ملاحظة القضايا الشرعية توجب القطع بعدم دلالتها على كون الجزاء معلولا للشرط ، فان الحكم فيها ليس معلولا للشرط ، بل هو معلول لارادة الجاعل ، فغاية ما يدل عليه التعليق والجملة بتمامها هو ترتب ثبوت الجزاء على ثبوت الشرط ، واما كونه بنحو العلية فلا بل كما يمكن ان يكون كذلك يمكن ان يكون ترتبا زمانيا أو جعليا.

والاعتذار في القضايا الشرعية بان ترتب الحكم فيها على الشرط نحو ترتب المعلول على علته ، لا يفيد.

واما الركيزة الرابعة : وهي دلالة القضية على كون الشرط علة منحصرة للجزاء ، فهي على ما ذكرناه من عدم دلالتها على العلية واضحة الفساد.

واما على ما اختاره المحقق النائيني (ره) فان تمت قاعدة ، الواحد لا يصدر إلا عن الواحد ، ولم تختص بالواحد الشخصي ، فقد يقال انه لا بد من الالتزام بها إذ الشرط ان كان علة منحصرة يكون بعنوانه الخاص علة ، وإلا كانت العلة هي الجهة الجامعة بين هذا الشرط والشرط الآخر المفروض ثبوته بلا دخل

١٩٩

لخصوصيات الشرط المذكور في العلة ، وهو خلاف الظاهر ، ولكن الذي يسهل الخطب عدم علية الشرط في القضايا الشرعية للجزاء.

فالمتحصّل مما ذكرناه عدم تمامية هذا الوجه.

ويمكن ان يسلك سبيلا آخر لاثبات المفهوم ، وهو انكار جميع تلك الركيزات المتقدمة مع دعوى الدلالة على المفهوم ، بمعنى ان استفاد المفهوم من القضية الشرطية غير مربوطة بالارتباطات العقلية ، وانها تابعة للحصر المستفاد من الجملة الشرطية كاستفادته من ساير ادوات الحصر.

محصله انه بعد التحفظ على ان الشرط في القضية الشرطية يرجع إلى الحكم المستفاد من الهيئة ، وان مفاد ان جاءك زيد فأكرمه ، ان وجوب اكرام زيد ، معلق وموقوف ومشروط ، بالمجيء ، وايضا بعد التحفظ على ما تقدم من ان المفهوم عبارة عن المدلول الالتزامى أي القضية التي تكون ملزومة لخصوصية مستفادة من المنطوق باللزوم البين وهو الحصر ، أي حصر ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ، بلا ربط لذلك بالارتباطات العقلية من اللزوم والعلية وغيرهما.

ان المنساق إلى الذهن من مجموع كلمة ان مثلا وهيئة الجملة الشرطية ان ثبوت الجزاء يكون منحصرا بمورد ثبوت الشرط كسائر ما يستفاد منه الحصر ، وان شئت ان يظهر لك ذلك فلاحظ قولنا ان وجوب اكرام زيد معلق ، أو موقوف ، أو مشروط ، بمجيئه ، فهل يتوهم احد عدم استفادة الحصر منه ، فكذلك في المقام واظن ان ذلك ظاهر لمن راجع المحاورات العرفية.

ودعوى ، انه لا اشكال في صحة قول القائل ، ان احسن إليك زيد فأكرمه

٢٠٠