زبدة الأصول - ج ٣

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-36-5
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٨٠

الحرير أو نحو ذلك.

الرابع : ما يتعلق بوصفها الملازم لها ، وقد مثل المحقق الخراساني له بالجهر والاخفات.

الخامس : ما يتعلق بوصفها غير الملازم لها أي القابلة للانفكاك عنها كالتصرف في مال الغير الملازم لاكوان الصلاة في مورد الالتقاء والاجتماع.

اما القسم الأول : وهو النهي المتعلق بذات العبادة.

فتنقيح القول فيه : ان النهي المتعلق بالعبادة :

ربما يكون ارشاديا من جهة مزاحمتها بالاهم كالصلاة عند مزاحمتها بالازالة.

وقد يكون تشريعيا.

وثالثا يكون نفسيا تحريميا.

اما الأول : فربما يقال بعدم دلالته على الفساد لان غاية ما يدل عليه عدم الأمر ، ولا يدل على عدم الملاك ، وقد مر انه يكتفى في صحة العبادة بالاتيان بها بداعي الملاك.

ولكن قد عرفت ان الاظهر دلالته على الفساد ، لدلالته على عدم الأمر ، والملاك الموجود فيها على فرض وجوده مع انه لا كاشف عنه لا يصلح للتقرب به : إذا لملاك الذي يتسبب الشارع إلى اعدامه لا يكون مقربا.

واما الثاني : فهو يدل على الفساد من جهة دلالته على عدم الأمر وعدم الملاك : إذ بعد فرض ان النهي ليس لمفسدة ذاتية ولا لمزاحمته مع واجب اهم ، لا

١٦١

محالة يستكشف ان هذا الفعل لا يمكن وقوعه عبادة بوجه.

وبعبارة أخرى : ان هذا النهي وارد مورد توهم وجود الأمر أو الملاك ، فيدل على عدمهما.

وعليه ، فإذا كان الدليل المتضمن له قطعيا ، لا مجال للاتيان به برجاء المطلوبية أو الملاك ، إذ الاتيان بالرجاء فرع الاحتمال.

واما إذا كان ظنيا ، فللاتيان به برجاء المحبوبية والملاك مجال.

فحينئذ لو كان عبادة يقع ما أتى به صحيحا ومجزيا.

واما الثالث : وهو النهي التحريمي النفسي ، فقبل بيان وجه دلالته على الفساد لا بد من بيان امر :

وهو انه ربما يقال انه لا يمكن تعلق النهي التحريمي النفسي بالعبادة ، وقد مر ذلك وإنما نعيده لبيان ما أفاده المحقق الخراساني ، في وجه عدم الامكان.

بقوله (١) : " لا يقال هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية ولا يكاد يتصف بها العبادة لعدم الحرمة بدون قصد القربة ، وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها إلا تشريعا ومعه تكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة ، ومعه لا يتصف بحرمة أخرى لامتناع اجتماع المثلين كالضدين" انتهى.

وحاصله ان متعلق النهي اما ان يكون ذات العمل مع قطع النظر عن قصد الأمر ، أو يكون هو العمل مع قصد امتثال الأمر الواقعي ، أو يكون هو

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٨٦.

١٦٢

الفعل مع قصد الأمر الجعلى ، ولا رابع ، والأول باطل باعتراف الخصم ، والثاني باطل من جهة عدم القدرة عليه لعدم الأمر ، والثالث حرام تشريعا ، ومع الحرمة التشريعية لا يعقل الاتصاف بالحرمة الذاتية ، وإلا لزم اجتماع المثلين.

وأجاب عنه المحقق الخراساني بجوابين (١) :

أحدهما : ان المتعلق للنهي والحرمة هو ما يقع عبادة لو كان مامورا به.

وفيه : ان هذا بحسب الفرض وان كان متينا ، ولكن المستشكل يدعى انه في موارد تعلق النهي بالعبادة ، كصلاة الحائض ليس المتعلق هو ذات العمل مع قطع النظر عن قصد القربة ، ولذا لم يلتزم فقيه بالحرمة لو صلت الحائض لتعليم الغير لامع قصد القربة.

وبعبارة أخرى : ان الالتزام بكون المنهي عنه ذات العبادة ، أي ما لو امر به لكان امره عباديا ، لا يوجب دفع الاشكال ، فان المستشكل يدعى انه في موارد النهي عن العبادات التي يدعى كون النهي فيها تحريميا نفسيا لا يكون المتعلق ذات العبادة مع قطع النظر عن قصد الأمر والملاك ، وحيث انه ليس هو العمل مع قصد الأمر الواقعي ، فيتعين كونه الفعل مع قصد الأمر البنائى وحيث انه محرم بالحرمة التشريعية فلا يعقل تعلق الحرمة الذاتية به.

الثاني : ان المحرم بالحرمة التشريعية ليس هو الفعل الخارجي بل إنما يكون المتصف بها ما هو من افعال القلب كما هو الحال في التجري والانقياد.

__________________

(١) راجع كفاية الاصول ص ١٨٦ ـ ١٨٧ (فانه يقال) بتصرف.

١٦٣

فلا مانع من اتصاف الفعل الخارجي بالحرمة الذاتية.

وفيه : ان تعلق النهي في التشريع بالامر القلبى وان كان ممكنا ، إلا ان المتعلق بحسب التحقق الخارجي هو ذات العمل الماتى به بقصد التشريع : لأنه منطبق عنوان التشريع ، واما البناء القلبى فهو بناء على التشريع لا انه تشريع فتدبر.

فالحق في الجواب عن اصل الإيراد :

اولا : بالنقض بالمحرمات الذاتية التي يؤتى بها بداعي الأمر فانه لا ريب في اتصافها بالحرمة التشريعية والذاتية.

وثانيا : بالحل ، وهو الالتزام بالتأكد كما هو الشأن في جميع الموارد التي تعلق تكليفان متماثلان بشيء واحد.

إذا عرفت هذا فاعلم ان النهي النفسي في العبادات الجعلية يدل على الفساد لوجهين ، عدم المقتضى ، ووجود المانع وفي العبادات الذاتية يدل على الفساد لوجه واحد ، وهو الاقتران بالمانع.

وذلك لأنه في وقوع الفعل عبادة يعتبر امران.

أحدهما : كون الفعل صالحا للتقرب به لكونه عبادة ذاتا أو للأمر أو الملاك.

ثانيهما : عدم مبغوضيته : إذ المبغوض لا يصلح لان يتقرب به لكونه مبعدا والمبعد لا يقرب وعلى هذا ، فدلالة النهي عن العبادة على الفساد ، واضحة.

لأنه في العبادات الجعلية المنهي عنها ، كلتا الجهتين ، مفقودتان :

١٦٤

اما الأولى : فلان النهي ، يدل على عدم الأمر ، وعدم الملاك ، اما دلالته على عدم الأمر فواضحة ، واما دلالته على عدم الملاك ، فلان ملاك الأمر هو المصلحة غير المزاحمة بالمفسدة ، أو الغالبة عليها ، واما المصلحة المغلوبة فلا تكون ملاكا ولو لا مغلوبية المصلحة لما كان المولى ينهى عن الفعل ، فمن النهي كما يستكشف عدم الأمر يستكشف عدم المصلحة أو مغلوبيتها للمفسدة ، فيدل النهي على عدم الأمر وعدم الملاك.

واما الثانية : فلان النهي يدل على المبغوضية والمبغوض لا يقرب ، وفي العبادات الذاتية النهي لا يوجب سلب ما هو ذاتي له فلا محالة ينحصر وجه الفساد بفقد الجهة الثانية أي تكون مبغوضة وهي تمنع عن التقرب بها فتدبر.

ثم انه بناء على ما اخترناه من دلالة النهي باقسامه على الفساد ، لا مجال للنزاع في انه إذا شك في كون النهي من أي الأقسام ، هل يدل على الفساد ، أم لا؟

واما على القول بعدم دلالة بعض اقسامه على الفساد فهل يوجب مثل هذا النهي الفساد ، أم لا؟

الظاهر دلالته عليه إذ هو بجميع اقسامه يدل على عدم الأمر ، وببعض اقسامه يدل على عدم الملاك ، وعليه ففي هذا المورد بما ان عدم الأمر محرز ووجود الملاك مشكوك فيه فلا يصح الاتيان به.

فهل يصح الاتيان به برجاء وجود الملاك أم لا؟

وجهان : اقواهما الثاني ما لم يرتفع احتمال المبغوضية باصل أو دليل كما لا

١٦٥

يخفى.

تذييل به يتم البحث في النهي عن العبادة : وهو ان مقتضى ما ذكرناه في وجه دلالة النهي على الفساد ، هو الفساد حتى في مورد الجهل ، بالنهي عن قصور ، كما لا يخفى وقد التزم الاصحاب بذلك.

وفي مبحث اجتماع الأمر والنهي على الامتناع ، وترجيح جانب النهي ، بعين هذا الوجه التزمنا بالفساد حتى في صورة الجهل عن قصور ، ولكن جمعا من الاصحاب لم يلتزموا بذلك في ذلك المبحث ، مع انه لا فرق بين البابين أصلاً ، في جريان ما ذكرناه وجها للفساد كما هو واضح ، وهذا ايراد على القوم غير قابل للذب.

النهي المتعلق بجزء العبادة

واما القسم الثاني : وهو النهي المتعلق بجزء العبادة.

فقد افاد المحقق الخراساني (ره) (١) ان جزء العبادة من حيث انه عبادة يجرى فيه ما ذكرناه في القسم الأول ، إلا ان بطلان الجزء لا يوجب بطلان العبادة المركبة منه ومن غيره إلا إذا اقتصر المكلف عليه في مقام الامتثال ، واما إذا لم يقتصر عليه وأتى بعده بالجزء غير المنهي عنه تقع العبادة صحيحة لعدم المقتضى للفساد ، إلا ان يستلزم ذلك موجبا آخر للفساد كالزيادة العمدية أو نحو ذلك وهو امر آخر أجنبي عن محل الكلام.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٨٥ (لا ريب في دخول القسم الأول ..).

١٦٦

وافاد المحقق النائيني (ره) (١) ان النهي عنه يقتضي فساد العبادة مطلقا سواء كان الجزء من سنخ الأفعال أو كان من سنخ الأقوال ، وسواء اقتصر على ذلك الجزء المنهي عنه أو لم يقتصر عليه ، سواء كان اعتبار ذلك الجزء في العبادة بشرط لا أو كان لا بشرط.

وقد ذكر في وجه ذلك ما ينحل إلى أمور بعضها مختص بالصلاة وبعضها عام يجري في جميع المركبات.

احدها : وهو يختص بخصوص الجزء الذي اخذ فيه عدد خاص كالسورة بناءً على حرمة القران.

وحاصله ، ان الآتي به في ضمن العبادة ، اما ان يقتصر عليه فيها ، أو يأتي بعده بما هو غير منهي عنه ، وعلى كل تقدير تبطل الصلاة.

اما على الأول : فلان الجزء المنهي عنه خارج عن إطلاق دليل الجزئية ، فيكون وجوده كعدمه فالاقتصار عليه في مقام الامتثال موجب لفقد الجزء.

واما على الثاني : فلانه يوجب الاخلال بالوحدة المعتبرة في الجزء.

وفيه : ان المنهي عنه هو الاتيان بسورتين بداعي تحقق الامتثال بالمجموع ، ولو أتى باحداهما لا بقصد الجزئية للصلاة ، لا يصدق القرآن الممنوع.

__________________

(١) فوائد الاصول للنائيني ج ٢ ص ٤٦٥ (واما اذا تعلق بجزئها فالاقوى انه كذلك أي يقتضي الفساد ...) / اجود التقريرات ج ١ ص ٣٩٧ وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢١٧ (هذا كله في النهي المتعلق بذات العبادة ..).

١٦٧

وعليه ، فلو أتى بالجزء المحرم لا بقصد الجزئية لا يوجب ـ الاتيان بفرد آخر بعده ـ صدق القران.

ثانيها : صدق عنوان الزيادة في الفريضة على الاتيان بالفرد المنهي عنه ، وان لم يقصد به الجزئية إذ لا يعتبر في تحققها قصد الجزئية إذا كان المأتي به من جنس احد اجزاء العمل ، وهو يوجب البطلان.

وفيه : ان المركب الاعتباري لا يزيد شيء فيه إلا مع الاتيان به بداعي كونه منه. نعم ، في خصوص الركوع والسجود لا يعتبر ذلك للنص الخاص في الثاني والقطع بعدم الفصل بينه وبين الركوع ، فالجزء المحرم لو أتى به لا بقصد الجزئية لما صدق عليه عنوان الزيادة.

ثالثها : ان التكلم العمدي مبطل للصلاة بمقتضى الأدلة خرج عنها الذكر المختص بمقتضى دليل الحرمة بغير الفرد المحرم ، فالذكر المحرم مبطل لها بمقتضى عموم ما دل على مبطلية التكلم للصلاة.

وفيه : ان هذا في بادئ النظر وان كان متينا ، إلا انه بعد التدبر في ادلة مبطلية التكلم يظهر ان تلك الأدلة مختصة بكلام الآدميين والذكر المحرم ليس منه.

ثم ان هذين الوجهين الاخيرين مختصان بالصلاة ، ولا يجريان في غيرها ، فما أفاده المحقق النائيني (ره) من انهما يدلان على بطلان غير الصلاة من المركبات الاعتبارية لو أتى بالجزء المنهي عنه منها غير تام.

رابعها : ان تحريم الجزء يستلزم اخذ العبادة بالاضافة إليه بشرط لا ،

١٦٨

وتوضيح ما أفاده ان تعلق الأمر بالجزء لا يخلو عن احد الاعتبارات الثلاثة ، اما ان يكون بشرط شيء بالقياس إلى ما يماثله كتعلق الأمر بتسبيحتين من التسبيحات الاربع ، فانه مقيد بالاتيان بالثالثة : وأخرى يكون بشرط لا بالقياس إليه نظير الأمر بالسورة على القول بحرمة القران ، وثالثة : يكون لا بشرط بالاضافة إليه كما في المثال بناء على جواز القران.

وعلى هذا : فإذا تعلق النهي بفرد من أفراد المأمور به ، فلا محالة يوجب النهي تقيد المأمور به بعدم الاقتران به ، ويوجب صيرورته بشرط لا بالاضافة إليه فيكون المأمور به مقيدا بعدمه فلا محالة يبطل بوجوده ، هذا ملخص ما أفاده بتوضيح منا.

وفيه : انه ان اريد من تقيد المأمور به ، ان المأمور به إنما هو غير هذا الجزء وان تضمن المركب له لا يوجب انطباق المأمور به على الماتى به ، فهو متين على القول بدلالة النهي عن العبادة على الفساد كما ستعرف ، وان اريد تقيده بعدم هذا الجزء بحيث يكون وجوده مانعا ومبطلا الذي هو المطلوب ، فدون اثباته خرط القتاد إذ لا ملازمة بين مبغوضيته ومانعيته عن العبادة ، ألا ترى ان النظر إلى الاجنبية محرم ومبغوض للشارع مع ان وجوده لا يبطل العبادة.

وبالجملة : النهي عن الشيء الذي تكون العبادة بالقياس إليه لا بشرط لا يوجب اشتراطها بعدمه.

فالمتحصّل ان فساد الجزء من جهة تعلق النهي به لا يوجب فساد العبادة لا في الصلاة ولا في غيرها إلا إذا قيدت العبادة بعدمه فيكون مانعا وهو خارج عن محل الكلام.

١٦٩

النهي عن شرط العبادة

واما القسم الثالث : وهو النهي عن شرط العبادة ، فقد ذكر المحقق الخراساني (١) ما محصله ان للشرط قسمين التعبدى والتوصلى ، فما كان من قبيل الأول النهي عنه يوجب فساده فلا محالة يوجب فساد المشروط لانتفائه بانتفاء شرطه ، وما كان من قبيل الثاني حيث ان النهي عنه لا يوجب فساده فلا يلزم منه فساد المشروط.

وأورد عليه المحقق النائيني (قدِّس سره) (٢) بان تقسيم الشرط إلى التعبدى كالطهارات الثلاث ، وغير تعبدي كالتستر ونحوه لا يتم : إذ ما هو شرط إنما هو المعنى المعبر عنه باسم المصدر ، واما الأفعال الخاصة كالوضوء واخويه ، فهي بانفسها ليست شروطا للصلاة ، بل هي محصلة لما هو شرطها ، وما هو عبادة إنما هو الأفعال الخاصة ، فما هو عبادة غير ما هو شرط ، بل حال الشرط في هذه الموارد حال بقية الشرائط في عدم اعتبار قصد القربة فيه ، ولذا لو صلى غافلا عن الطهارة وانكشف كونها مقترنة بها صحت صلاته بلا كلام.

وفيه : ان هذا بناء على مسلك المشهور من ان الشرط للصلاة ، إنما هو الأمر الحاصل من هذه الأفعال لاهي بانفسها ، متين.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٨٥ (وأما القسم الثالث) بتصرف.

(٢) اجود التقريرات ج ١ ص ٣٩٩ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٢٠ فانه بعد ان تحدث عن شرط العبادة قال : «ومنه ظهر بطلان تقسيم الشرط إلى التعبدي ..».

١٧٠

ولكن بناء على ما قويناه في الجزء الأول من فقه الصادق (١) تبعا للمحقق الخراساني (ره) (٢) من ان الطهارة عنوان منطبق على نفس هذه الأفعال ، تقسيمه للشرط إلى قسمين متين.

ثم ان المحقق النائيني (ره) اختار عدم دلالة النهي عن الشرط على الفساد ، واستدل له (٣) : بان الشرط للعبادة الذي تعلق به الأمر إنما هو المعنى المعبر عنه باسم المصدر ، واما المتعلق للنهى فهو المعنى المعبر عنه بالمصدر فما هو متعلق النهي ليس شرطا للعبادة وما هو شرط لها لم يتعلق به النهي.

وفيه : ان الفرق بين المعنيين المعبر عنهما ، بالمصدر ، واسم المصدر ، اعتباري وإلا فهما واحد حقيقة كما تقدم ، وعليه فلا يعقل كون أحدهما مأمورا به والآخر منهيا عنه.

ولكن مع ذلك يمكن تصحيح العبادة ، بأنه في الشروط على ما تقدم في الشرط المتأخر ليس وجوداتها مامورا بها بالامر بالمشروط بخلاف الاجزاء بل

__________________

(١) راجع فقه الصادق ج ١ ص ٢٣٨ ـ ٢٣٩ قوله حفظه المولى : «اما الأول فلما عرفت من الطهور عنوان منطبق على الوضوء بذاته مع أن المأمور به لو كان هو الافعال الخاصة لا محالة يكون هذا الامر توصليا لا يعتبر في سقوطه سوى حصول متعلقه على أي وجه ، وما يكون تعبديا هو الامر بالافعال المحصلة لذلك العنوان فتدبر». وقد تعرض سماحته لها الامر في غير مورد وجزء من كتاب فقه الصادق.

(٢) في كفاية الاصول ص ١٨٥ كما مر.

(٣) اجود التقريرات ج ١ ص ٣٩٩ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٢٠ (واما في النهي عن الشرط).

١٧١

التقيد بها مأمور به ، والامر به لا يستلزم الأمر بالقيد ، بل ربما يكون القيد غير اختياري كالكعبة ، وقد تقدم تنقيحه.

وعليه : فالنهي عن وجود الشرط لا يوجب تقييد الطبيعة المأمور بها بالاتيان بها غير متقيدة بهذا القيد لان متعلقه غير متعلق الأمر الضمني.

ومنه : يظهر ان ما رتبه الأستاذ الأعظم على وحدة المعنيين وهو فساد المركب المأمور به غير سديد.

النهي عن وصف العبادة

واما القسم الرابع : وهو النهي عن وصف العبادة ، فقد افاد المحقق الخراساني (١) ما محصله ان النهي عن الوصف اللازم كالنهي عن الجهر في القراءة ، مساوق للنهى عن موصوفه لاستحالة كون الموصوف مأمورا به ووصفه الذي لا ينفك عنه منهيا عنه ، وان لم يكن الوصف لازما بل كان مفارقا كالغصبية لاكوان الصلاة المنفكة عنها ، فان اتحد الوصف وجودا مع الموصوف وبنينا على امتناع اجتماع الأمر والنهي كان النهي عنه نهيا عن الموصوف ، واما مع عدم اتحادهما وجودا ، أو انه وان اتحدا إلا انه بنينا على جواز الاجتماع فالنهى عن الوصف لا يسرى إلى الموصوف.

ويتوجه : عليه امران :

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٨٥ (واما القسم الرابع).

١٧٢

الأول : انه في عد الجهر من قبيل الوصف اللازم ، والغصبية من قبيل الوصف المفارق ، نظر ، إذ كما ان القراءة لا تنفك عن الجهر ، أو الاخفات ، كذلك الصلاة لا تنفك عن اباحة المكان أو غصبيته وكما ان الصلاة تنفك عن خصوص الغصبية كذلك القراءة تنفك عن خصوص الجهر.

الثاني : ان ضابط سراية النهي عن الوصف إلى الموصوف وعدمها ، ليس كون الوصف لازما أو مفارقا ، بل الضابط كون الوصف من مراتب وجود الموصوف بحيث لا يكون في الخارج إلا موجود واحد نظير السرعة والبطؤ في الحركة ، والجهر والاخفات بالنسبة إلى القراءة ، وعدم كون الوصف من مراتب وجود الموصوف ، بل يكون له وجود مستقل كالاعراض غير الانتزاعية التي لا تكون من كيفيات موصوفه كالنظر إلى الاجنبية في الصلاة.

إذ على الأول يسرى النهي عن الوصف إلى الموصوف ، لا محالة ، وان لم يكن الوصف لازما ، كما لو فرضنا النهي عن الجهر لا عن الجهر في القراءة ، فانه يوجب النهي عن القراءة الجهرية لوحدة الموجود الخارجي.

وعلى الثاني لا يسرى النهي إلى الموصوف وان كان وصفا لازما ، كما لو فرضنا النهي عن النظر إلى الاجنبية في خصوص الصلاة إذ بعد تعدد المتعلق لا مانع من كون أحدهما مامورا به والآخر منهيا عنه.

واما حديث انه لا يعقل اختلاف المتلازمين في الحكم ، فقد مر الجواب عنه في مبحث الضد فراجع ، مع : انه غاية ما يلزم منه عدم اختلافهما فيه ، لا لزوم

١٧٣

اتفاقهما كما اختاره المحقق الخراساني (١) لالتزامه بسراية النهي إليه فتدبر.

النهي عن المعاملات

واما المقام الثاني : اعني به النهي المتعلق بالمعاملة ، ففي دلالته على الفساد وعدمه اقوال :

١ ـ ما ذهب إليه جماعة من المحققين منهم المحقق النائيني (٢) من دلالته على الفساد.

٢ ـ ما عن ابى حنيفة والشيباني (٣) وهو دلالته على الصحة.

والمنقول عن نهاية العلامة التوقف ، ووافقهما فخر المحققين في نهاية المأمول.

__________________

(١) راجع كفاية الاصول ص ١٨٥ (وهذا بخلاف ما اذا كان مفارقا ...).

(٢) اجود التقريرات ج ١ ص ٤٠٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٢٦ ـ ٢٢٧ (واما المقام الثاني). إلا أن المحقق النائيني فصّل بين النهي الغيري فإنه يدل على الفساد مطلقا ، وبين النهي التحريمي النفسي فإنه ان كان نهيا متعلق بالسبب فلا يدل على الفساد ، وان كان متعلقا بالمسبب فيدل على الفساد ، ثم استدل لذلك فراجع.

(٣) نقل الحكاية عنهما عدّة من الاعلام منهم الشيخ الاعظم في مطارح الانظار ص ١٦٦ (هداية) / وفي حواشي المشكيني خرجه في شرح تنقيح الفصول ص ١٧٣ ، ولم يحضرني المصدر.

١٧٤

٣ ـ ما ذهب إليه جماعة وهو عدم دلالته على الصحة ولا على الفساد (١).

وتنقيح القول في المقام ان النهي المتعلق بالمعاملة ، تارة يكون ارشاديا ، وأخرى يكون تحريميا.

وعلى الثاني قد يتعلق النهي بالآثار ، والتصرف في الثمن أو المثمن ، كقوله (ع) ثمن العذرة سحت.

وقد يتعلق بنفس المعاملة ، أو بعنوان منطبق عليها ، وثالثة يكون النهي تشريعيا.

لا ريب في دلالة القسم الأول على الفساد ، وكذلك القسم الثاني ، إذ لاوجه للمنع عن التصرف في الثمن سوى عدم صحة المعاملة وبقائه على ملك مالكه ، نعم دلالة القسم الأول عليه ، تكون بالمطابقة ودلالة الثاني بالالتزام.

واما القسم الثالث : وهو النهي التحريمي المتعلق بالمعاملة فهو ، قد يتعلق بالاعتبار النفساني القائم بالمتعاملين ، وقد يتعلق بإبرازه بمبرز خارجي.

توضيح ذلك ، ان في المعاملة كالبيع اربعة أمور :

احدها : اعتبار الملكية القائم بالمتبايعين.

ثانيها : اعتبارها القائم بالعقلاء.

__________________

(١) كما في مبادئ الوصول للعلامة الحلي ص ١٢٢ ـ ١٢٣ ، نشر المطبعة العلمية ١٤٠٤ /. وهو ظاهر كلام مجمع الافكار من المتأخرين ج ٢ ص ٤٣ وفي ص ٩١ قال بعد نفيه دلالة النهي على الصحة ولا على الفساد «بل يدل على مطلق مبغوضية الفعل».

١٧٥

ثالثها : الاعتبار القائم بالشارع الأقدس.

رابعها : اظهار المتبايعين اعتبارهما النفساني بمظهر خارجي ، من لفظ أو غيره.

اما الاعتبار القائم بالشارع فهو غير قابل لتعلق النهي به : وذلك لأنه من الأفعال الاختيارية للمولى وخارج عن تحت قدرة المكلف.

مع : انه إذا كان مبغوضا له فلأي جهة يوجده.

واما الاعتبار القائم بالعقلاء الذي يعبر عنه في كلماتهم بالمسبب العرفي ، أي امضاء العقلاء اعتبار المتبايعين ، فهو أيضاً غير قابل لتعلق النهي به لكونه خارجا عن تحت قدرة المتبايعين ، وليس نسبته إلى فعلهما نسبة المسبب التوليدى إلى سببه كي يصح النهي عنه للقدرة على سببه.

وبذلك يظهر فساد ما أفاده المحقق النائيني (ره) حيث التزم ، بان متعلق النهي هو المسبب العرفي ، وعلى ذلك فيتعين تعلق النهي ، اما بالاعتبار القائم بالمتبايعين ، أو بما يكون مظهرا له في الخارج.

وعلى كل تقدير لا يدل النهي على الفساد.

اما على الثاني فواضح سواء تعلق النهي بذات ما هو مظهر كانشاء البيع باللفظ اثناء الاشتغال بالفريضة ، أو به بما انه مظهر للاعتبار المزبور.

واما على تقدير تعلقه بالاعتبار النفساني فغاية ما قيل في وجه دلالته على الفساد امران :

١٧٦

الامر الأول : ما أفاده المحقق النائيني (ره) (١) وهو انه يعتبر في صحة المعاملة أمور ثلاثة :

احدها : كون كل من المتعاملين مالكا للعين أو بحكمه.

ثانيها : ان لا يكون محجورا عن التصرف فيها من جهة تعلق حق الغير بها ، أو غير ذلك من اسباب الحجر ليكون له السلطنة الفعلية على التصرف فيها.

ثالثها : ان يوجد المعاملة بسبب خاص وآلة مخصوصة ، فإذا تعلق النهي بالمسبب ، أي الاعتبار النفساني. وبعبارة أخرى : بالملكية المنشأة كما في النهي عن بيع المصحف من الكافر ، كان النهي معجزا مولويا للمكلف عن الفعل ورافعا لسلطنته عليه ، فيختل بذلك الشرط الثاني المعتبر في صحة المعاملة ويترتب عليه فسادها ، وبالجملة يعتبر في نفوذ المعاملة السلطنة الفعلية على التصرف في العين ومنع المولى يوجب رفع السلطنة فلا محالة تفسد المعاملة.

وفيه : ان توقف نفوذ المعاملة وصحتها على السلطنة الوضعية بديهي ، واما كون النهي موجبا لسلب هذه السلطنة فهو أول الكلام.

نعم ، النهي يوجب رفع السلطنة التكليفية ونفوذ المعاملة غير متوقف عليها ، وبالجملة المعتبر في صحة المعاملة إنما هي السلطنة الوضعية والحرمة إنما توجب رفع السلطنة التكليفية لا السلطنة الوضيعة ، إذ لا منافاة بين حرمة شيء ونفوذه وضعا فتدبر.

__________________

(١) اجود التقريرات ج ١ ص ٤٠٤ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٢٨.

١٧٧

الامر الثاني : الروايات الواردة في نكاح العبد بدون اذن سيده ، الدالة على صحته مع اجازته لا بدونها ، معللة بأنه لم يعص الله وإنما عصى سيده فإذا اجاز جاز مثل ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة عن الامام الباقر (ع) سأله : " عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذلك إلى سيده ان شاء اجازه وان شاء فرق بينهما ، قلت اصلحك الله ان الحكم بن عتبة وابراهيم النخعي واصحابهما يقولون ان اصل النكاح فاسد ولا يحل اجازة السيد له فقال أبو جعفر (ع) انه لم يعص الله وإنما عصى سيده فإذا اجاز فهو له جائز" (١).

وصحيحه الآخر عنه (ع) قال : " سألته عن رجل تزوج عبده امرأة بغير اذنه فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه (ع) قال ذلك لمولاه ان شاء فرق بينهما وان شاء اجاز نكاحهما إلى ان قال ، فقلت لابي جعفر (ع) فانه في اصل النكاح كان عاصيا فقال أبو جعفر (ع) إنما أتى شيئا حلالا وليس بعاص لله إنما عصى سيده ولم يعص الله تعالى ان ذلك ليس كاتيان ما حرم الله عليه من نكاح في عدة واشباهه (٢). ونحوهما غيرهما

وتقريب الاستدلال بها بوجهين :

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٨ باب المملوك يتزوج بغير اذن مولاه ح ٣ / الفقيه ج ٣ ص ٥٤١ باب طلاق العبد ح ٤٨٦٢. / الوسائل ج ٢١ ح ٢٦٦٦٦.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٨ باب المملوك يتزوج بغير اذن مولاه ح ٢ / الفقيه ج ٣ ص ٤٤٦ باب باب المملوك يتزوج بغير اذن مولاه ح ٤٥٤٨. / الوسائل ج ٢١ ص ١١٥ ح ٢٦٦٦٧.

١٧٨

أحدهما : ما عن الفصول (١) والقوانين (٢) وغيرهما.

وحاصله انها متضمنة لتعليل عدم فساد النكاح أي نكاح العبد غير المأذون ، مع لحوق الاجازة بأنه لم يعص الله فيه وإنما عصى سيده ، فتدل على ان عصيان الله تعالى في النكاح الذي هو من المعاملات يوجب الفساد.

ويرد عليه : ان المراد من العصيان في قوله لم يعص الله ، هو العصيان التكليفي ، وعليه :

فان كان المراد من العصيان في قوله ، وإنما عصى سيده هو العصيان التكليفي ، لزم التهافت في الكلام فان عصيان السيد تكليفا عصيان لله تعالى.

وان اريد به العصيان الوضعي أي عدم الامضاء ، لزم منه التفكيك في المراد من العصيان في الجملتين وهو خلاف الظاهر جدا.

ثانيهما : ما أفاده المحقق النائيني (٣) ويمكن استفادته من الجواهر في كتاب النكاح (٤) وهو مبني على إرادة العصيان التكليفي من العصيان في الجملتين.

وحاصله ان المستفاد من الروايات ان النهي :

ربما يكون ناشئا عن المفسدة في الفعل نفسه وبعنوانه ويكون راجعا إلى

__________________

(١) الفصول الغروية ص ١٤٤ (ووجه الدلالة ان الروايتين ..).

(٢) قوانين الاصول ج ١ ص ١٦٢.

(٣) اجود التقريرات ج ١ ص ٤٠٧ ـ ٤٠٨ وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٣٢ ـ ٢٣٣ (ولكن التحقيق فساد الاستدلال المذكور ...).

(٤) جواهر الكلام ج ٣٠ ص ٢٠٨.

١٧٩

حقه تعالى على عبيده مع قطع النظر عن حقوق الناس بعضهم على بعض.

وربما يكون النهي لامر خارج عن المعاملة وناشئا عن التمرد على سيده من دون ان يكون في الفعل مفسدة بنفسه وعنوانه.

فان كان النهي من قبيل الأول كان دالا على الفساد : لان متعلق النهي مبغوض للشارع حدوثا وبقاء لاستمرار مفسدته المقتضية للنهى عنه.

وان كان من قبيل الثاني كان دائرا مدار تمرده عليه حدوثا وبقاء فإذا رضى السيد بما عصاه فيه ارتفع عنه النهي بقاءً ، فلا يكون حينئذ موجب لفساده ، ولا مانع عن صحته.

فالمستفاد من الأخبار ان الفساد يدور مدار النهي حدوثا وبقاء فالنهي الالهي الناشئ من تفويت حق الغير ، إنما يوجب فساد المعاملة فيما إذا كان النهي باقيا ببقاء موضوعه فإذا ارتفع باجازة من له الحق تلك المعاملة ارتفع النهي عنه.

واما النهي الراجع إلى حقه تعالى فحيث انه غير قابل للارتفاع فلا موجب للصحة ، فالمنفى في الروايات العصيان التكليفي بالمعنى الثاني ، والمثبت هو العصيان التكليفي بالمعنى الأول.

ولكن يتوجه على ذلك :

اولا : ان انشاء البيع أو التزويج ليس تصرفا عرفا كي يكون حراما ، ولذا لو انشأ العبد البيع لغير نفسه ، لما توقف على اجازة سيده بلا كلام ، ولم يكن فاعلا للحرام ، نعم ، إذا نهى عنه يكون حراما ، ولكن المفروض عدم النهي.

١٨٠