تصحيح الوجوه والنضائر

أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري

تصحيح الوجوه والنضائر

المؤلف:

أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-341-1
الصفحات: ٥٣٢

الثاني : الإمهال والتأخير ، وهو قوله : (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [سورة البقرة آية : ٢٨٠] ، وناظرة هاهنا مصدر وفاعله في المصادر كثير مثل العافية والعاقبة والكاذبة في قوله تعالى : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رافِعَةٌ) [سورة الواقعة آية : ٢ ـ ٣] ، والواقعة ورفع ناظرة على إضمار كأنه قال : فالواجب ناظرة أو فعلتكم ناظرة ، ومثله : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [سورة البقرة آية : ١٨٤] ، وقرئ : (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [سورة البقرة آية : ٢٨٠] ، وهي التأخير ، وقد أنظرته أخرته لينظر في أمره ؛ أي : إن كان الذي عليه أصل المال معسرا ، فالواجب عليه تأخيره إلى أن يوصى ، وأن تصدقوا بالمال على المعسر خيرا لكم ، قال مجاهد : كانوا إذا جل دينهم وصادفوا المديون معسرا أزادوا فيه وأنظروه فأمره الله بالإنظار ، وأبطل الزيادة.

الثالث : النظر بمعنى الرحمة ، وهو قوله تعالى : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [سورة آل عمران آية : ٧٧] ، أي : لا يرحمهم ، كقول العربي انظر إلي نظر الله إليك ، أي : ارحمني رحمك الله ، وعدى النظر بإلى ، وإن كان بمعنى الرحمة فكذلك عداه بإلى في قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [سورة القيامة آية : ٢٣] ، وإن كان بمعنى الانتظار.

٤٨١

النجم (١)

أصل النجم الطلوع ، نجم القرآن إذا طلع ، وسمي النجم نجما لطلوعه ، والنجم من النبات ما ليس له ساق تبقى في الصيف ، والشجر ما له ساق يبقى في الصيف ، وأصل الكلمة الظهور والبروز ، ومنه أنجم السحاب إذا أقلع فظهر أديم السماء ومنجما الفرس ، العظمان الناتيان دون العرقوبين ، وسميا بذلك لظهورهما.

والنجم في القرآن على وجهين :

الأول : الكوكب ، قال الله : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) [سورة الطارق آية : ٣] ، والثاقب المضيء مأخوذ من ثقوب النار ، وهو ضوءها ، وقيل : ثاقب كأنه يثقب الأفق ؛ فيطلع ، وقوله : (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) [سورة النحل آية : ١٦] ، والعلامات الجبال والرمال والروابي ، وما شاكل ذلك ، وقوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) [سورة الواقعة آية : ٧٥] ، أي : أقسم برب مواقع النجوم ؛ وهي مساقطها في المغرب ، ومنه : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [سورة الحديد آية : ٢٩] ، معناه لأن لا يعلموا ولا يدخل في هذا الموضوع توكيدا ؛ كأنه قال : أقسم قسما بعد قسم ولأن لا يعلم أهل الكتاب علما بعد علم ، هذا قول وأجود منه أن يقال : لا يأتيه ، والمعنى أن الأمر الذي ذكره أمر ظاهر ثابت في العقول ؛ إلا أحتاج أن أقسم عليه ، وسنتكلم في قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [سورة الحديد آية : ٢٩] ، وقيل : (وَبِالنَّجْمِ) [سورة النحل آية : ١٦] ، أي : وبالنجوم هم يهتدون ، ويجوز أن يكون أراد الثريا ، واسمها عند العرب النجم ، وربما قالوا لها : النظم قال بعض المفسرين : أراد نجوم القرآن ، وذلك أنه كان تنزل الآية ، والإتيان.

__________________

(١) (ن ج م): (النّجم) هو الطّالع ثمّ سمّي به الوقت ومنه قول الشّافعيّ رحمه‌الله أقلّ (التّأجيل) نجمان أي شهران ثمّ سمّي به ما يؤدّى فيه من الوظيفة (ومنه) حديث عمر رضي الله عنه أنّه حطّ من مكاتب له أوّل نجم حلّ عليه أي أوّل وظيفة من وظائف بدل المكاتبة ثمّ اشتقّوا منه فقالوا نجّم الدّية أدّاها نجوما ومنه قوله (التّنجيم) ليس بشرط ودين (منجّم) جعل نجوما وأصل هذا من نجوم الأنواء لأنّهم كانوا لا يعرفون الحساب وإنّما يحفظون أوقات السّنة بالأنواء (والنّجم) خلاف الشّجر. [المغرب : النون مع الجيم].

٤٨٢

قال : ومثله : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) [سورة النجم آية : ١] يعني : نجوم القرآن إذا هوى به جبريل صلى الله عليه أي : نزل وليس هذا بوجه مختار ؛ لأن الظاهر لا يترك لغير علة.

الثاني : النبت ، قال الله : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) [سورة الرحمن آية : ٦] أي : يدلان على خالقهما بآثار الصنعة فيهما فكأنما يسجدان له ، وقيل : سجودهما دوران الظل معهما كما قال : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ) [سورة النحل آية : ٤٨] ، وإنما ذكر السجود ؛ لأنه أبين أحوال الخضوع وهو مشاهد ، ومن عادة العرب أن يشبه الشيء الذي بها يقع عليه البصر بما يقع عليه البصر حتى يكون السامع به كالرائي له ، وعلى هذا جاء ، قوله تعالى : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) [سورة البقرة آية : ٢٥٦] أي هو بمنزلة من قد استمسك بالعروة الشديدة المأمونة الانقطاع ، ومن ذلك قولهم : فلان من شجرة صالحة لما كانت الشجرة على أصل يتشعب منه غصونها ، شبه أبو العشيرة التي تجمعها بها وجعلت أغصانها كولده ، ونحوه قوله : (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [سورة هود آية : ٨٠] وتأويله العز والمنعة كما يفعل الأركان.

٤٨٣

النشوز (١)

أصل النشوز الارتفاع ، والنشز الأرض المرتفع ، وقرئ : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) [سورة البقرة آية : ٢٥٩] أي : ترفع بعضها على بعض حتى تستوي القامة ، فكأن المرأة إذا نشزت عن زوجها كأنها ارتفعت عنه ، فلم ينلها الزوج.

والنشوز في القرآن على ثلاثة أوجه :

الأول : نشوز المرأة على زوجها ، وهو عصيانها له ، قال : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) [سورة النساء آية : ٣٤] وقد تكلمنا في هذه الآية.

الثاني : الأثرة ، قال الله : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) [سورة النساء آية : ١٢٨] وهو أن يؤثر عليها غيرها من نسائه يقول : لا إثم عليها أن يتصالحا على أمر يتفقان عليه مثل أن يصطلحا على إيثار غيرها عليه ولا يفترقا : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) [سورة النساء آية : ١٢٨] أي : المرأة تشح على نصيبها من زوجها ، ويشح الزوج بنصيبه من الأخرى.

قال أبو علي رحمه‌الله : الصلح أن تدفع المرأة إلى زوجها شيئا ترضاه به وله أن يأخذ ذلك إذا لم يكن في الأصل ظالما لها.

وقال غيره : أراد الاصطلاح على مال يدفعه الرجل إلى امرأته الكبيرة ليترك حظها منه للشابة.

وقال غيره : أراد النشوز إذا وقع من الرجل استكثارا للصداق فلا جناح عليهما أن يصطلحا على بعضه ، وقيل : هي المرأة يكرهها الرجل فتقول : لا تطلقني وأنت في حل من أمري.

__________________

(١) (ن ش ز): (النّشز) بالحركة والسّكون المكان المرتفع والجمع نشوز وأنشاز وقوله لو كان على موضع (نشز) ضعيف سواء وصفت أو أضفت ومنه رأى قبورا مسنّمة (ناشزة) أي مرتفعة من الأرض ومنه (نشزت المرأة) على زوجها فهي ناشزة إذا استعصت عليه وأبغضته وعن الزّجّاج (النّشوز) يكون من الزّوجين وهو كراهة كلّ واحد منهما صاحبه. [المغرب : النون مع الشين].

٤٨٤

والنشوز يكون من المرأة يمنع البضع ومن الرجل حنو الطرف ومنع النفقة والامتناع من المباشرة ، والصلح خير يعني أنه خير له من الفرقة ، وقد استقصينا بيان هذا في التفسير.

الثالث : النهوض من المجلس ، قال الله : (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) [سورة المجادلة آية : ١١] أي : إذا قيل لكم : انهضوا فانهضوا ، كما قال تعالى : (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) [سورة الأحزاب آية : ٥٣] وقيل : معناه إذا قيل مكنوا لإخوانكم في المجلس فافعلوا ، ويقال : فرس نشز إذا كان فارسه لا يكاد يستقر عليه.

٤٨٥

النور (١)

قد ذكرنا أن أصل النار والنور واحد وهو البياض ، وإنما غير البناء لاختلاف المعنى.

وهو في القرآن على ثمانية أوجه :

الأول : الإسلام ، قال الله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [سورة التوبة آية : ٣٢].

وقوله : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) [سورة النور آية : ٣٥] والهداية هاهنا بمعنى الألطاف يعطيها الله من يشاء على قدر المصالح ، وكذلك قوله : (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [سورة المائدة آية : ١٦].

الثاني : بمعنى المنور ، قال تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة النور آية : ٣٥] أي : منورهما بالهداية إلى الدين فلما كان أهل السماوات والأرض يهتدون بالله في ذلك كما

__________________

(١) (ن ور) : النّور الضّوء وهو خلاف الظّلمة والجمع أنوار وأنار الصّبح إنارة أضاء ونوّر تنويرا واستنار استنارة كلّها لازمة بمعنى ونار الشّيء ينور نيارا بالكسر وبه سمّي أضاء أيضا فهو نيّر وهذا يتعدّى بالهمزة والتّضعيف ونوّرت المصباح تنويرا أزهرته ونوّرت بالفجر تنويرا صلّيتها في النّور فالباء للتّعدية مثل أسفرت به وغلّست به. [المصباح المنير : النون مع الواو].

وعند ابن فارس (ن ور) : النون والواو والراء أصل صحيح يدلّ على إضاءة واضطراب وقلّة ثبات. منه النور والنار ، سمّيا بذلك من طريقة الإضاءة ، ولأنّ ذلك يكون مضطربا سريع الحركة. وتنوّرت النّار : تبصّرتها. قال امرؤ القيس :

تنوّرتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عالي

ومنه النّور : نور الشّجر ونوّاره. وأنارت الشّجرة : أخرجت النّور. والمنارة : مفعلة من الاستنارة ، والأصل منورة. ومنه منار الأرض : حدودها وأعلامها ، سمّيت لبيانها وظهورها.

والذي قلناه في قلّة الثبات امرأة نوار ، أي عفيفة تنور ، أي تنفر من القبيح ، والجمع نور. ونارت : نفرت نورا. قال :

* أنورا سرع ماذا يا فروق*

ونرت فلانا : نفّرته. والنّوار : النّفار.

ومما شذّ عن هذا الأصل النّؤور : دخان الفتيلة يتّخذه كحلا ووشما. ونوّرت اللّثة : غرزتها بإبرة ثم جعلت في الغرز الإثمد.

٤٨٦

يهتدون بالنور قال أنه : (نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) على وجه المجاز ، وقد دلت العقول على أنه ليس بنور على الحقيقة ؛ لأنه خالق الأنوار ، ولو كان الله نورا على الحقيقة لما أظلمت الدنيا أبدا ؛ لأن الله موجود ومع وجود النور لا تكون الظلمة ثم شبه نوره بمصباح أي : مثل دلالاته الخلق في وضوحها كمثل المصباح ، ولا يجوز أن يشبه نفسه بالمصباح ؛ لأنه لا شبيه له.

الثالث : النهار ، قال الله : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [سورة الأنعام آية : ١] يعني : الليل والنهار.

الرابع : ضوء القمر ، قال الله : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) [سورة نوح آية : ١٦].

وقال أهل العربية : يجوز أن يكون : (فِيهِنَّ نُوراً) وهو في السماء الدنيا ؛ لأنهن كالشيء الواحد.

وجاء في التفسير أن وجه الشمس تضيء لأهل الأرض وظهرها لأهل السماء ، وقال بعضهم : (فِيهِنَّ نُوراً) أي : معهن ضياء يستضيء به أهل الأرض.

الخامس : قوله تعالى : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [سورة الحديد آية : ١٣] ، وقوله : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) [سورة الحديد آية : ١٢] وهو نور يجعله الله للمؤمنين يمشون فيه إلى الموقف وعلى الصراط.

السادس : بيان الحلال والحرام ، قال الله : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) [سورة المائدة آية : ٤٤] ، ومثله : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ) [سورة الأنعام آية : ٩١].

السابع : القرآن ، قال : (وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) [سورة التغابن آية : ٨] ، وقال : (اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) [سورة الأعراف آية : ١٥٧] ، وقوله : (جَعَلْناهُ نُوراً) [سورة الشورى آية : ٥٢] وسمي نور البيان الذي فيه ؛ لأنه يهتدي به كما يهتدي بالنور.

٤٨٧

الثامن : العدل ، قال الله : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [سورة الزمر آية : ٦٩] أي : يعدله ، وإذا كان الظلم وغيره من الشدائد يشبه بالظلمة فنقول : هذا يوم مظلم إذا كان فيه شر ، والوجه أن يشبه العدل بالنور ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم" الظّلم ظلمات يوم القيامة" (١).

__________________

(١) متفق عليه من حديث ابن عمر ، أخرجه البخاري (٢٤٤٧) ، ومسلم (٢٥٨٢) ، والترمذي (٢٠٣٠) ، وأحمد (٥٧٨٩) ، وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله أخرجه مسلم (٢٥٨١).

٤٨٨

الباب السادس والعشرون

فيما جاء من الوجوه والنظائر في أوله واو

الوكيل (١)

أصله التوكيل جعل الأمر إلى الغير ، ورجل وكل أي ضعيف يتكل في أموره على غيره ، والوكيل في أسماء الله بمعنى الكافي وبمعنى الحافظ ، وقيل : هو على التشبيه له بالوكيل منا ، وذلك أن جميع ما يفعله من الخير إنما يفعله منفعة للعباد ما أن جميع سعي الوكيل إنما هو للموكل.

والوكيل في القرآن على أربعة أوجه :

الأول : الحافظ ، قال الله : (أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)(٢) [سورة النساء آية : ١٠٩] أي : إن حفظوا وذب عنهم في الدنيا فمن الذي يحفظهم ويذب عنهم في الآخرة ، ومعنى لفظ الاستفهام هاهنا أنه ليس للعصاة يوم القيامة ناصر يذب عنهم ، وقال : (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) [سورة الإسراء آية : ٦٥] أي : حفيظا.

الثاني : بمعنى الرب ، قال : (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) [سورة الإسراء آية : ٢] ، وقال : (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [سورة المزمل آية : ٩] وهو يرجع إلى الحفظ ؛ لأن رب الشيء يحفظه.

__________________

(١) (وك ل): (الوكيل) القائم بما فوّض إليه والجمع الوكلاء وكأنّه فعيل بمعنى مفعول لأنّه موكول إليه الأمر أي مفوّض إليه (والوكالة) بالكسر مصدر الوكيل والوكالة بالفتح لغة ومنه (وكّله) بالبيع فتوكّل به أي قبل الوكالة له وقوله للمأذون له أن يتوكّل لغيره أي يتولّى الوكالة وهو قياس على التّكفّل من الكفالة وقولهم (الوكيل) الحافظ (والوكالة) الحفظ فذاك مسبّب عن الاعتماد والتّفويض ومنه (رجل وكل) ضعيف جبان يكل أمره إلى غيره وقوله تعالى (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي عليك التّبليغ والدّعوة وأمّا القيام بأمورهم ومصالحهم فليس إليك. [المغرب : الواو مع الكاف].

(٢) قال الرازي : قال تعالى : (أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) فقوله : أَمْ مَنْ يَكُونُ عطف على الاستفهام السابق ، والوكيل هو الذي وكل إليه الأمر في الحفظ والحماية ، والمعنى : من الذي يكون محافظا ومحاميا لهم من عذاب الله؟ [مفاتيح الغيب : ٥ / ٣٧٤].

٤٨٩

الثالث : المسلط ، قال : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [سورة الأنعام آية : ١٠٧] أي المسلط.

الرابع : الشهيد ، قال : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [سورة الأحزاب آية : ٣] ، وقال : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [سورة هود آية : ١٢].

٤٩٠

الوحي (١)

ل الوحي الإشارة ، يقال : وحيت إليه بطرفي أي : أشرت ، قال الله : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [سورة مريم آية : ١١] ثم صار كل شيء دللت به على شيء وحيا ، وحييت الكتاب وأوحيته إذا كتبته ؛ لأنك تشير بالكتابة إلى المعاني التي تريدها ، وهو بمعنى الإلهام ، وبمعنى الإرسال وبمعنى الرؤيا ، ويجوز أن يكون أصله السرعة ، ومنه الوحي يقصر ويمد يقال : الوحا الوحا يراد السرعة ، ويقال : من الوحي وحا ، وأوحى.

وهو في القرآن على خمسة أوجه :

الأول : الإرسال ، قال : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ) [سورة النساء آية : ١٦٣] ، وقوله : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [سورة الأنعام آية : ١٩] أي : أرسل به إلي.

الثاني : الإلهام ، قال الله : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) [سورة المائدة آية : ١١١] أي : ألهمتهم الإيمان ، ومثله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [سورة النحل آية : ٦٨] جمع واحدة نحلة مثل : نحل ونحلة ، والمعنى أنه ألهمها اتخاذ المساكن وادخار العسل كما في غيرها من الحيوان التصرف في وجوه منافعها واجتناب أسباب مضارها ، ومثله قوله : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) [سورة الزلزلة آية : ٥].

الثالث : الإشارة ، قال الله : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [سورة مريم آية : ١١] أي : أومأ ودليل هذا ، قوله : (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) [سورة آل عمران آية : ٤١] والرمز تحريك الشفتين والحاجبين والعينين ، وقال بعضهم : الوحي هاهنا الكتاب أي : كتب إليهم وقال ذلك لأن الإشارة لا تنئي عن الصلاة بكرة وعشيا.

__________________

(١) (وح ي) : الوحي الإشارة والرّسالة والكتابة وكلّ ما ألقيته إلى غيرك ليعلمه وحي كيف كان قاله ابن فارس وهو مصدر وحى إليه يحي من باب وعد وأوحى إليه بالألف مثله وجمعه وحيّ والأصل فعول مثل فلوس وبعض العرب يقول وحيت إليه ووحيت له وأوحيت إليه وله ثمّ غلب استعمال الوحي فيما يلقى إلى الأنبياء من عند الله تعالى ولغة القرآن الفاشية أوحى بالألف. [المصباح المنير : الواو مع الحاء].

٤٩١

الرابع : الأمر ، قال الله : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) [سورة فصلت آية : ١٢] أي : أمر أهلها بما يصلح الأمر به.

الخامس : الوسوسة ، قال الله تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) [سورة الأنعام آية : ١٢١] أي : يوسوسون إليهم ، ومثله : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ) [سورة الأنعام آية : ١١٢] وقال بعضهم : تقدير هذا بمعنى الأمر ، أي : يأمر بعضهم بعضا بذلك.

٤٩٢

الولي

الولي خلاف العدو ، والاسم الولاية بالفتح والولاية بالكسر ولاية الأعمال وقد مضى من كلامنا في هذا الحرف ما فيه كفاية.

والولي في القرآن على ستة أوجه :

الأول : الولد ، قال : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)(١) [سورة مريم آية : ٥] أي : ولدا ، وسمي الولد وليا لقربه من أبيه في النسب ، وأصل هذه الكلمة القرب ، ومنه ولي الشيء يليه إذا قرب منه.

الثاني : الصاحب ، قال الله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) [سورة الإسراء آية : ١١١] قالوا : معناه صاحب ينتصر به فيعز ، ومثله : (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) [سورة الكهف آية : ١٧] ، وقوله : (فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) [سورة الإسراء آية : ٩٧] أي : أصحابا ، ويجوز أن يكون المعنى في ذلك كله خلاف العدو.

الثالث : القريب ، قال : (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) [سورة هود آية : ٢٠] قالوا : يعني : الأقرباء ، وهذا والأول عندي سواء.

الرابع : بمعنى رب ، : قال (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) [سورة الأنعام آية : ١٤] أي : ربا ، ومثله كثير.

الخامس : خلاف العدو ، قال الله : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [سورة المائدة آية : ٥١] ، وقال : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) [سورة الممتحنة آية : ١] أي : اتخذوهم أعداء حتى لا تتاصحوهم ، وقال : (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ)

__________________

(١) قال الشوكاني : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) أي أعطني من فضلك وليا ، ولم يصرح بطلب الولد لما علم من نفسه بأنه قد صار هو وامرأته في حالة لا يجوّز فيها حدوث الولد بينهما وحصوله منهما. وقد قيل : إنه كان ابن بضع وتسعين سنة ، وقيل : بل أراد بالوليّ الذي طلبه هو الولد ، ولا مانع من سؤال من كان مثله لما هو خارق للعادة ، فإن الله سبحانه قد يكرم رسله بما يكون كذلك ، فيكون من جملة المعجزات الدالة على صدقهم. [فتح القدير : ٤ / ٤٤٠].

٤٩٣

[سورة النساء آية : ١١٩] ، وهم لم يتولوا الشيطان على الحقيقة ، ولكن لما كانت أعمالهم أعمال من يتولى الشيطان قال : إنهم أولياؤه ، وأنت تقول لصاحبك : أنت ولي الشيطان وأنت تعلم أنه ليس بوليه ولكن تقول ذلك ؛ لأنه يفعل ما يريده.

السادس : بمعنى الناصر ، قال الله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) [سورة المائدة آية : ٥٥] فهو في الله بمعنى الناصر وفي الرسول بمعنى الهادي المرشد ؛ لأن الولي ينصر وليه ويهديه ، وقال : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) [سورة البقرة آية : ٢٥٧] أي : ناصرهم ومرشدهم ومتكفل بأمورهم كولي الطفل يكفيه أموره ، وأما قوله تعالى : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) [سورة الأنفال آية : ٣٤] فمعناه أنه أي : شيء لهم في رفع العذاب عنهم يوم القيامة وهم يصدون عن المسجد الحرام أراد أمر الحديبية ، وما كانوا أولياء المسجد ما أولياؤه إلا المتقون وهم النبي والمؤمنون ، وذلك أن الله لم يجعل ولايته إليهم وإنما جعلها للمتقين ، وولي البيت من يلي إصلاحه وعمارته كولي الطفل يلي إصلاح أمره وتثمير ماله ثم شرح ذلك بقوله : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) [سورة التوبة آية : ٢٨] وفي هذا دليل على أن ما يجعله الله لبعض عباده يجوز أن يغلبه عليه غيره ؛ لأنهم كانوا يتصرفون في المسجد الحرام ولم يجعله الله لهم.

٤٩٤

الوجه (١)

أصله التقدم ، يقال : توجهت في الشيء إذا تقدمت فيه ووجه كل شيء أوله ، ومنه وجه النهار أي : أوله ثم كثر حتى قيل : وجه الشيء لنفسه ، تقول : هذا وجه الرأي أي : هو الرأي.

والوجه في القرآن على أربعة أوجه :

الأول : مجيئه بمعنى الشيء نفسه ، قال : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [سورة القصص آية : ٨٨] أي : إلا هو ، ولو كان له وجه غيره على ما يوجبه ظاهر الآية وعلى ما يقوله المشبهة لكان ينبغي أن يفنى جميعه ويبقى وجهه وليس هذا قولا لأحد إلا لبيان بن سمعان ، وليس هو مما يعتد به لبيان بطلانه ودلالة العقل والإجماع على خلافه ، ومثله : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) [سورة الإنسان آية : ٩] أي : لله.

الثاني : مجيئه بمعنى الأول ، وهو قوله : (وَجْهَ النَّهارِ) [سورة آل عمران آية : ٧٢] أي : أوله ، وإنما قيل ذلك ؛ لأن أول ما يلقاه من الشيء وجهه.

الثالث : بمعنى الدين ، قال : (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) [سورة النساء آية : ١٢٥] أي : أخلص دينه ، وقوله : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) [سورة لقمان آية : ٢٢] ، والإسلام الإخلاص على ما تقدم ذكره ، ويجوز أن يكون : (أَسْلَمَ وَجْهَهُ) أي : استسلم كما نقول : أعطى يده إذا استسلم ، وقيل : الوجه العمل ، و : (أَسْلَمَ وَجْهَهُ) أي : أخلص عمله ، وقالوا : الوجه في قوله : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) [سورة الليل آية : ٢٠] وهو الثواب

__________________

(١) (وج ه) : وجه بالضّمّ وجاهة فهو وجيه إذا كان له حظّ ورتبة والوجه مستقبل كلّ شيء وربّما عبّر بالوجه عن الذّات ويقال واجهته إذا استقبلت وجهه بوجهك ووجّهت الشّيء جعلته على جهة واحدة ووجّهته إلى القبلة فتوجّه إليها والوجهة بكسر الواو قيل مثل الوجه وقيل كلّ مكان استقبلته وتحذف الواو فيقال جهة مثل عدة وهو أحسن القوم وجها قيل معناه أحسنهم حالا لأنّ حسن الظّاهر يدلّ على حسن الباطن وشركة الوجوه أصلها شركة بالوجوه فحذفت الباء ثمّ أضيفت مثل شركة الأبدان أي بالأبدان لأنّهم بذلوا وجوههم في البيع والشّراء وبذلوا جاههم. [المصباح المنير : الواو مع الجيم].

٤٩٥

أي : لم يفعل ذلك مجازاة ليد أسديت إليه إلا طلبا لثواب الله ، والآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه حين أعتق بلالا.

الرابع : قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [سورة البقرة آية : ١١٥] أي : الوجه الذي يريده الله ، وجاء في التفسير أنه أراد فثم القبلة وخص المشرق والمغرب في هذه الآية ؛ لأنهما أشهر الجهات ، وأراد ما بين المشرق والمغرب وذلك الدنيا كلها ، والمراد أن الجهات وما فيها لله فأيهما تستقبلوا من الوجوه المأمور باستقبالها فثم الوجه الذي تتقربون به إلى الله ، وقيل : أراد فأينما وليتم وجوهكم وكونوا قاصدين للوجه الذي أمركم الله تعالى به فإذا عرفتم الكعبة فلتكن العرض ، وإن لم تفعلوا به في ظلمة أو غيرها فالتحدي لإصابتها ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) [سورة البقرة آية : ١١٥] أي : موسع على عباده غير مضيق عليهم ، وهذا على مذهب الكوفيين ، وقال الشافعي : من اجتهد فصلى إلى جهة ثم عرف أن القبلة غيرها استأنف ، وفي هذه الآية كلام كثير وليس ذا موضع ذكره.

٤٩٦

الباب السابع والعشرون

فيما جاء من الوجوه والنظائر في أوله هاء

الهدي (١)

أصله التقدم ومن ثم قيل للعنق : الهادي لتقدمه الجسد ثم استعمل في الإرشاد ثم جعل من الإرشاد في الدين والإرشاد في الطريق فرق في المصدر ، فقالوا : في الدين هدى وفي الطريق هداية ، وسمي الهدي هديا ؛ لأنه تقدم للنحر ، والهدية تقدم أمام الحاجة ، والعروس هدى ؛ لأنها تقدم إلى زوجها ويتبعها أهلها ، والفرق بين الهدى والإرشاد أن الهدى يكون في الخير والشر يقال : هداه إلى السوء والمكروه ، ومنه قوله تعالى : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) [سورة الصافات آية : ٢٣] ، ولا يكون الإرشاد إلا إلى الخير.

والهدي في القرآن على اثنى عشر وجها :

الأول : البيان ، قال : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [سورة البقرة آية : ٥] أي : على بيان ، وقال : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [سورة فصلت آية : ١٧] أي : بينا لهم ، وقال : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) [سورة الأعراف آية : ١٠٠] ، وقوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) [سورة طه آية : ١٢٣] أي : بيان والمعنى به الكتاب والرسول ، ومثله : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) [سورة الإسراء آية : ٩٤] أي : البيان والمعني به القرآن ، ومثله كثير.

__________________

(١) (ه د ي): (الهدي) السّيرة السّويّة (والهدى) بالضّمّ خلاف الضّلالة (ومنه) حديث ابن مسعود" رضي الله تعالى عنه (عليكم بالجماعات فإنّها من سنن الهدى) ورواية من روى بفتح الهاء وسكون الدّال لا تحسّ (وفي) حديث أبي بكر (فخرج يهادى بين اثنين) أي يمشي بينهما معتمدا عليهما لضعفه (والهدي) ما يهدى إلى الحرم من شاة أو بقرة أو بعير الواحدة هدية كما يقال جدي في جدية السّرج ويقال (هديّ) بالتّشديد على فعيل الواحدة هديّة كمطيّة ومطيّ ومطايا. [المغرب : الهاء مع الدال].

٤٩٧

الثاني : الطريق ، قال : (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) [سورة الحج آية : ٦٧] أي : على طريق قويم وهو الإسلام ، ومثله : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) [سورة البقرة آية : ١٢٠] أي : السبيل الذي أمر الله سلوكها هو السبيل المرضي ، وهو مثل ومعناه الإسلام أيضا كذا جاء عن السلف وهو عندنا والأول سواء ؛ لأنه يقال : أنه لعلى هدى ، أي : على بيان.

الثالث : اللطف ، قال : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [سورة محمد آية : ١٧] أي : الذين اهتدوا إلى الإيمان بألطافنا زدناهم ألطافا ثوابا لأعمالهم ليزدادوا إيمانا.

الرابع : الإيمان ، قال الله : (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) [سورة الزخرف آية : ٤٩] أي : مؤمنون.

الخامس : الهادي وهو المرشد ، قال : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) [سورة الرعد آية : ٧] أي : مرشد يريده أنك هاد ومرشد لكل أحد ، وفيه وجه آخر وهو أنك مرشد ولكل قوم مرشد ، وقوله : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) [سورة طه آية : ١٠] أي : رشدا ، ويجوز أن يكون بيانا فيكون من القسم الأول ، ومثله : (لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة الشورى آية : ٥٢] أي : لترشد.

السادس : الدعاء ، قال الله : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) [سورة الأعراف آية : ١٨١] أي : يدعون ، وقال : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) [سورة السجدة آية : ٢٤] ، وقال : (يَهْدُونَ بِالْحَقِ) [سورة الأعراف آية : ١٨١] ، أي : يدعون وقال : (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) [سورة الجن آية : ٢] أي : يدعوا ، وقوله : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) [سورة الصافات آية : ٢٣] أي : ادعوهم ، ويجوز أن يكون المعنى فودوهم ، ويجوز أن يكون معنى قوله : (يَهْدُونَ بِالْحَقِ) أي : يرشدون بالقول الحق ، وكذلك قوله : (يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) [سورة الأنبياء آية : ٧٣].

السابع : المعرفة ، قال الله : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) [سورة النمل آية : ٤١] أي : تعرف ، ونحوه : (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) [سورة النحل آية : ١٦] أي : يعرفون الطرق.

٤٩٨

الثامن : أمر محمد صلى الله عليه ، قال : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) [سورة البقرة آية : ١٥٩] ، ومثله : (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) [سورة محمد آية : ٣٢] يعني : ما بين الله في التوراة والإنجيل من أمر محمد عليه‌السلام.

التاسع : الدين ، قال : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ) [سورة القصص آية : ٥٧] يعني : دينه وهو راجع إلى البيان ، وقيل : هو التوحيد وكانوا لا يسمونه هدى ، وإنما قالوا ذلك على ما يقوله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي : الهدى بزعمك ، وكذلك قالوا في قوله : (أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) [سورة الفتح آية : ٢٨] أي : بالتوحيد ، ويجوز أن يكون الهدى هاهنا البيان بربك المعجز.

العاشر : الاستنان بسنن الماضين ، قال الله : (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [سورة الزخرف آية : ٢٢] أي : مستنون.

الحادي عشر : الإصلاح ، قال : (أَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) [سورة يوسف آية : ٥٢] أي : لا يصلحه بمعنى أنه لا يخبر بأنه صلاح.

الثاني عشر : الإلهام ، قال : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [سورة طه آية : ٥٠] قالوا : صور الخلق وألهمه أمر معاشه ، وعندنا أنه أراد إلهام المعاش لمن يلهم ذلك وإعلامه من يعلم ، وقد دخل ذلك في قوله : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) ومعنى هدى : أنه هدى المكلفين أي : بينه لهم.

٤٩٩

هل

يكون للاستفهام ويدخلها معنى التقرير ، والتقرير على ضربين :

تقرير على فعل يوجبه المقرر كقوله : هل أكرمتك؟ وهل أحسن إليك؟ وهل أوثرك وأقضي حاجتك؟.

وتقرير على فعل لنفيه كقولك : هل كان من شيء كرهته ، وهل عرفت مني غير الجميل.

وقد يتضمن هذان الوجهان معنى التوبيخ أيضا في بعض الأحوال.

وجاء في القرآن على أربعة أوجه :

الأول : مجيئه بمعنى ما ، قال تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) [سورة الأعراف آية : ٥٣] و : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) [سورة النحل آية : ٣٣] و : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) [سورة الزخرف آية : ٦٦] قال أهل التفسير : هذا كله بمعنى ما ينظرون إلا ذلك ، وهو عند أهل العربية بمعنى الزجر والتهديد.

الثاني : بمعنى قد ، قال الله : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) [سورة النازعات آية : ١٥] ، وقال : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) [سورة الإنسان آية : ١] قال الزجاج : معناه قد أتى أي : لم يأت على الإنسان ، وقوله : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [سورة الإنسان آية : ١] معناه أنه كان شيئا غير مذكور أي : كان ترابا ونطفة ، وقال بعضهم : أتى على آدم الدهر وهو لا شيء ولا يجوز أن يكون لا شيء يأتي عليه الدهر.

وقال المبرد : هل في هذا الموضع بمعنى قد ، وكذلك في قوله : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) [سورة ص آية : ٢١].

قال سيبويه : قد تكون حروف الاستفهام لغير الاستفهام إلا الألف وأم لا تدخل على الألف ؛ لأنها الأصل ويدخل على هل ؛ لأنها قد تكون لغير الاستفهام ، وأنشد :

أم هل كبير بكى لم يقض عبرته

أثر إلا حبه يوم البين مشكور

٥٠٠