تصحيح الوجوه والنضائر

أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري

تصحيح الوجوه والنضائر

المؤلف:

أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-341-1
الصفحات: ٥٣٢

أي : من جهة السماء من جبال يعني : السحاب ، وهو شبيه الجبال فجعلها جبالا على التشبيه ، كما تقول للشديد المقدام : أنه لأسد ، أي : كالأسد ، وقال فيها : (مِنْ بَرَدٍ) [سورة النور آية : ٤٣] من هنا للتبعيض ، وذلك أن ما أنفع من البرد في هذا الوقت غير ما يقع في الوقت الآخر ، كما يقع في هذا الوقت هو بعض البرد.

وقال المبرد : أراد من جبال في السماء وتلك الجبال من البرد وإلى نحو من ذلك ، ذهب أبو علي رحمه‌الله.

وقال الزجاج : أراد من جبال برد ، كما يقال : خاتم في يدي من حديد ، والمعنى خاتم حديد في يدي ، والوجه هو الذي قلناه ، وقيل أيضا : من الأولى لابتداء الغاية ؛ لأن ابتداء الإنزال من السماء ، والثانية للتبعيض ؛ لأن البرد بعض الجبال التي في السماء ، والثالثة لتبيين الجنس إذا كان جنس تلك الجبال البرد.

٤٤١

المد (١)

أصل المد إتباع بعض الشيء بعضا ، ومنه مددت الجيش ومد الحبل ومدة الشيء وأمد الجرح ؛ كأنه اتبع فسادا بفساد ، ومنه مادة الشيء ، وهو ما يتشعب منه.

وهو في القرآن على سبعة أوجه :

الأول : التعمير ، قال الله : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [سورة البقرة آية : ١٥] ، أي : يمد لهم الأيام ، وهم في ضلالهم يتحيرون ، كما قال : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [سورة مريم آية : ٧٥] ، أي : يمد له العمر ، وهو في ضلاله ويحسن منه ذلك ؛ لأن العبد يصل اختيارا وهو قادر على الهداية.

وليس يجب على الله أن يحول بينه وبين الاستكثار من المعاصي ، كما لا يحب عليه أن يحول بينها وبينه أصلا.

ويجوز أن يكون معناه أنه يمنعهم الطاعة ، وفوائده التي يؤتيها المؤمنين ، وذلك أن تسوية المعاصي بالمطيع مفسدة وإغراء بالازدياد من المعصية.

الثاني : الإعطاء ، قال الله : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) [سورة المؤمنون آية : ٥٥] ، وقال : (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) [سورة نوح آية : ١٢].

الثالث : من مدد الجيش ، قال : (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ) [سورة آل عمران آية : ١٢٤] ، وقوله : (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ) [سورة آل عمران آية : ١٢٥] ، كذا

__________________

(١) [مد] : المد : الجذب. وكثرة الماء أيّام المدود ، يقال : مدّ النهر ، وامتد الحبل. ومده نهر آخر.

والمدد : ما أمددت به قوما في الحرب. ومددت القوم : صرت لهم مددا. وأمددناهم بغيرنا. والمادّة : كل شيء يكون مددا لغيره. والدهر ممدودة أي لا ينقطع. والتّمدد : كتمدّد السّقاء. والامتداد : الطول ، امتد بهم السّير. والمداد : الذي يكتب به ، ومدّني : أعطني مدّة ، ومددت الدّواة ؛ وأمددتها : لغة. ولعبة للصّبيان يسمّونها : مداد قيس. وخيط البناء. والمثال ، من قولهم : بنوا بيوتهم على مداد واحد. [المحيط في اللغة : ٢ / ٣٤٠].

٤٤٢

جاء في التفسير ، وهذا الوجه والذي قبله سواء ، ولا فرق بين أن تقول أمده بعطيه ، وأمده بجيش ، ويقال : أمد النهر ، ومدة نهر آخر.

الرابع : البسط ، قال الله : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) [سورة الواقعة آية : ٣٠] ، أي : مبسوط ، ومنه مددت الثوب والبساط ، أي : بسطته.

الخامس : الدوام ، قال الله : (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) [سورة مريم آية : ٧٩] ، أي : يديمه.

السادس : الإدرار ، قال الله : (مالاً مَمْدُوداً) [سورة المدثر آية : ١٢] ، أي : دارا لا تنقطع في شتاء ولا صيف.

السابع : التسوية ، قال الله : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) [سورة لانشقاق آية : ٣] ، قالوا : معناه وألقى ما على ظهرها من الجبال حتى استوت ، وقيل : معناه غيرت عن هيئتها وبدلت.

٤٤٣

المستقر (١)

أصل الاستقرار السكون ، ومنه قيل : لبطن الوادي قرار ، لأن الشيء إذا صار إليه سكن ، والقرة البرد ، لأن الناس يسكنون معه ، ويقال للشيء : يوضع في موضعه صابت بقر ؛ لأنه إذا وضع في موضعه لزمه ، ولم يزايله فشبه بالساكن ، ويقال : للهودج قد لثباته على ظهر البعير ؛ كأنه سكن قوته ، وأما قولهم : قر عليه دلوا من ماء ، فليس من هذا وإنما حكوا صوت الماء عند انصبابه ، وأما قرت عينه ، فهو راجع إلي البرد ، وهو خلاف سخنت.

والمستقر في القرآن على ثلاثة أوجه :

الأول : قوله : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) [سورة الأنعام آية : ٩٨] ، قالوا : المستقر أرحام النساء ، والمستودع أصلاب الرجال ، والمرتفع على معنى قبلكم مستقر ومستودع وقرئ فمستقر بكسر القاف ، ومستودع بفتح الدال لا غير ، أي : فمنكم مستقر في الرحم ومنكم مستودع في الصلب.

وقيل : مستقر في الدنيا ، ومستودع في الأصلاب وقيل : مستقر في الأحياء ، ومستودع في الثرى.

الثاني : قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) [سورة هود آية : ٦] ، أي : حيث مستقر بالليل ومستودعها حيث يموت ، هكذا قيل.

وقيل : مستودعها كالولد في البطن والنطفة في الظهر ، وقال : (كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [سورة هود آية : ٦] ، أي : كتب ذلك مع أنه عالم به لما للملائكة فيه من العبر.

الثالث : المنتهى ، قال الله : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) [سورة الأنعام آية : ٦٧] ، أي : منتهى ، وقيل : أن لأخذنا إياكم بالإيمان جريا وقسرا ، مستقر أي : وقت ، وسوف تعلمون

__________________

(١) (ق ر ر) : قرّ الشّيء قرّا من باب ضرب استقرّ بالمكان والاسم القرار ومنه قيل لليوم الأوّل من أيّام التّشريق يوم القرّ لأنّ النّاس يقرّون في منى للنّحر والاستقرار التّمكّن وقرار الأرض المستقرّ الثّابت وقاع قرقر أي مستو. [المصباح المنير : القاف مع الراء].

٤٤٤

في الآخرة ، ومثله قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [سورة يس آية : ٣٨] ، أي : لمنتهى لها ، وهو القيامة ، والمعنى أن لها أجلا تصير إليه ، وقرئ لا مستقر لها ، أي : هي تسير أبدا لا تستقر ، وقيل : لمستقرأي : لا بعد مطالعها ومنازلها في الغروب ، وقيل : لمقدار من السير قد استقرت عليه لا تجاوزه ، وقيل : مستقرها وقوفها عن المسير في الليلة التي تطلع في صحبتها من المغرب عند دنو الساعة.

٤٤٥

المشي (١)

أصله من الزيادة والمشاء النماء ، والمشي الإسهال ؛ لأنه زيادة عن الحاجة ، ومشى بفلان مشيا ومشوا ، وهو الدواء المسهل ، وقيل للماشية ماشية ؛ لأن الغالب على حركتها المشي دون العدو.

والمشي في القرآن على أربعة أوجه :

الأول : مجيئه بمعنى المضي ، قال : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) [سورة البقرة آية : ٢٠] ، أي : مضوا.

الثاني : بمعنى المرور ، قال الله : (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) [سورة طه آية : ١٢٨] ، أي : يمرون على قرائهم وترونها خرابا بعد إن كانت عامرة.

الثالث : السير ، قال الله : (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) [سورة الملك آية : ١٥] ، أي : سيروا ، وهذه المعاني كلها متقاربة ، يجوز أن يقع بعضها مقام بعض.

الرابع : النماء ، قال الله : (امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) [سورة ص آية : ٦] ، قال معناه : أنموا ، قال الشاعر :

مثلي لا يحسن قولا فعفع

والشاة لا تمشي مع الهملع

__________________

(١) (م ش ي): (المشي) السّير على القدم سريعا كان أو غير سريع والسّعي العدو ومنه «(إذا آتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون)» واستمشى أي شرب مشوّا أو مشيا وهو الدّواء الّذي يسهّل (وقوله) وكذلك إذا دخل المخرج أو جامع أو استمشى قالوا الاستمشاء كناية عن التّغوّط وهو وإن كان متوجّها إلّا أنّ رواية من روى استمنى أوجه (ومشت المرأة مشاء) كثر أولادها وناقة ماشية كثيرة الأولاد (ومنه) الماشية والمواشي على التّفاؤل وهي الإبل والبقر والغنم الّتي تكون للنّسل والقنية. [المغرب : الميم مع الشين].

٤٤٦

أي لا تنمي ، وقيل : أراد أن بعضهم قال لبعض : امشوا أي : امضوا ، واصبروا أي : انطلقوا وهم يقولون هذا القول ، ويقال : مشيت الماشية مشاء ، وفشت فشاء ، ونمت نماء ، وضنت ضناء ، وأمشى أصحابها وأفشوا وأنموا وأضنوا.

٤٤٧

المرض (١)

أصله من الضعف ، ومنه قيل : امرأة مريضة الألحاظ والنظر أي : ضعيفها ، وسمي المرض مرضا ؛ لأنه يضعف الجسم ، ومنه قيل : مرض في القول إذا ضعف قوله ، والتمريض القيام على المريض.

والمرض في القرآن على ثلاثة أوجه :

الأول : الغم ، في قوله : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) [سورة البقرة آية : ١٠] ، أي : غما بما يرزقه من التأييد حالا بعد حال ، وسمي الغم في القلب مرضا تشبيها بمرض الحسد ، لأنه يغيره عن حاله.

الثاني : النفاق ، قال الله : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) [سورة الأحزاب آية : ٣٢] ، أي : نفاق وشك.

الثالث : المرض المعروف ، قال الله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [سورة البقرة آية : ١٨٤] ، أراد فمن كان كذلك وأفطر عليه فصاعدة الأيام التي أفطر فيها ، فحذف أفطر ، كما قال : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [سورة البقرة آية : ١٩٦] ، يريد فمن كان كذلك محلق فعليه فدية ، وقال : (وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) [سورة النور آية : ٦١].

__________________

(١) (م ر ض) : مرض الحيوان مرضا من باب تعب والمرض حالة خارجة عن الطّبع ضارّة بالفعل ويعلم من هذا أنّ الآلام والأورام أعراض عن المرض.

وقال ابن فارس : المرض كلّ ما خرج به الإنسان عن حدّ الصّحّة من علّة أو نفاق أو تقصير في أمر ومرض مرضا لغة قليلة الاستعمال قال الأصمعيّ قرأت على أبي عمرو بن العلاء في قلوبهم مرض فقال لي مرض يا غلام أي بالسّكون والفاعل من الأولى مريض وجمعه مرضى ومن الثّانية مارض قال ليس بمهزول ولا بمارض ويعدّى بالهمزة فيقال أمرضه الله ومرّضته تمريضا تكفّلت بمداواته. [المصباح المنير : الميم مع الراء].

٤٤٨

المحصنات (١)

أصل الكلمة من المنع ، ومنه الحصن لمنعه لما فيه ، وامرأة حصان لمنعها فرجها وفرس حصان لامتناع فارسيه به ، والعرب تسمى الخيل حصونا به ، قال الأشقر :

ولقد علمت على توقي الردى

إن الحصون الخيل لا مدر القري

وأوصى بعضهم بمال في الحصون فجعل في الخيل ، وقال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [سورة النور آية : ٤] ، والإحصان على ضربين :

__________________

(١) (ح ص ن): (الحصن) بالضّمّ العفّة وكذا الإحصان وأصل التّركيب يدلّ على معنى المنع (ومنه) الحصن بالكسر وهو كلّ مكان محميّ محرز لا يتوصّل إلى ما في جوفه وبه سمّي والد عيينة بن حصن الفزاريّ وكنّاز بن حصن الغنويّ (وبتصغيره) سمّي حصين بن عبد الله في حديث القرطاس (وحضين) تصحيف وأمّا سفيان بن حصين كما ذكر خواهر زاده في حديث صوم التّطوّع وقال ضعّفه الشّافعيّ رحمه‌الله فالصّواب سفيان بن حسين بالسّين كما ذكر في تاريخ البخاريّ وهو مؤدّب المهديّ ، وقال صاحب الجرح عن يحيى بن معين هو ثقة وعن والده هو صالح الحديث يكتب حديثه ولا يحتجّ به وقد حصن المكان حصانة فهو حصين (وبه) كنّي أبو حصين عثمان بن عاصم بن الحصين الأسديّ عن ابن عبّاس وابن الزّبير والنّخعيّ وعنه الثّوريّ وشعبة وشريك وضمّ الحاء تحريف عن ابن ماكولا وغيره وفي نسخة سماعي من السّير ومتن الأحاديث أبو الحصين عن الشّعبيّ وعنه الثّوريّ وهو في باب مبعث السّرايا وحصّنه صاحبه (وأحصنه) (ومنه) لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ أي لتمنعكم وتحرزكم وإنّما قيل للعفّة حصن لأنّها تحصن من الرّبية (وامرأة حاصن وحصان) بالفتح وقد أحصنت إذا عفّت وأحصنها زوجها إذا عفّها فهي محصنة بالفتح وأحصنت فرجها فهي محصنة بالكسر وأريد بالمحصنات ذوات الأزواج في قوله تعالى : وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ والحرائر في قوله تعالى وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ والعفائف في قوله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني الكتابيّات وشرائط الإحصان في باب الرّجم عند أبي حنيفة رحمه‌الله ستّة الإسلام والحرّيّة والعقل والبلوغ والتّزوّج بنكاح صحيح والدّخول وفي باب القذف الأربع الأول والعفّة (والحصان) بالكسر الذّكر من الخيل إمّا لأنّ ظهره كالحصن لراكبه (ومنه) أنّ الحصون الخيل لا مدر القرى وإمّا لأنّ ماءه محصن محرز يضنّ به فلا ينزي إلّا على حجر كريمة والجمع بضمّتين حصن (في الحديث) (من أحصاها دخل الجنّة) أي من ضبطها علما وإيمانا بيع الحصاة في (ن ب). [المغرب : الحاء مع الصاد].

٤٤٩

أحدهما : ما يتعلق به وجوب الرجم على الزاني ، وهو أن يكون حرا بالغا عاقلا مسلما ، وقد تزوج امرأة نكاحا صحيحا ودخل بها وهما كذلك.

والآخر : الإحصان الذي يجب به الحد على قاذفه ، وهو أن يكون حرا بالغا عاقلا مسلما عفيفا ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في هذا ، وخص قاذف المحصنات ، وأجمعوا على أن قاذف المحصنين مثله ، واتفقوا على أن المراد القذف بالزنا دون القذف بالسرق وشرب الخمر والكفر وغير ذلك.

والمحصنات في القرآن على أربعة أوجه :

الأول : الحرائر ، قال الله : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) [سورة النساء آية : ٢٥] ، يعني : الحرائر ، أي : من لم يتسع حاله ليتزوج الحرائر لما يحتاج إليه من زيادة النفقة والمهر تزوج الإماء ؛ لأن مهرهن أقل ونفقتهن على مواليهن ، وسميت الحرة محصنة ؛ لأنها تحصن أي : تمنع وليست كلامه تبتذل وتمتهن.

الثاني : ذوات الأزواج ، قال الله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [سورة النساء آية : ٢٤] ، وذلك أن أزواجهن أحصوهن فعطف بهن على قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [سورة النساء آية : ٢٣] ، أي : وذوات الأزواج محرمات عليكم ، : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [سورة النساء آية : ٢٤] ، يعني : سبايا المشركين ، فإنهن محللات لكم إذا استبرأتموهن ، وإن كان لهن أزواج في بلاد الشرك.

الثالث : العفائف ، قال الله : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ) [سورة النساء آية : ٢٥] ، أي : عفيفات ، وكذلك قوله : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) [سورة المائدة آية : ٥] ، أي : أعفاء غيره زناه ، وقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [سورة المائدة آية : ٥] ، أراد أنه أحل لكم طعام أهل الكتاب ، وأحل لكم العفائف من المؤمنات ، والعفائف من اليهود والنصارى.

وقال بعضهم : أراد اللاتي كن على اليهودية والنصرانية ثم أسلمن وهذا غلط ؛ لأنه ذكر المؤمنات ، فلم يكن لذكرهن ثانية وجه ، قال الشعبي : إحصان الكتابية أن تغتسل من الجناية

٤٥٠

وتحصن فرجها من الزنا ، قالوا : وأما قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) [سورة البقرة آية : ٢٢١] ، فإن إطلاق اسم الشرك لا يتناول أهل الكتاب ، وإنما يتناول عباد الأوثان ؛ لأن الله فرق بينهم في قوله : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [سورة البينة آية : ١] ، فعطف المشركين على أهل الكتاب.

الرابع : المسلمات ، كذا قال بعض أهل التفسير ، ولم يقل : الذين يرمون المحصنين ، لأن قوله : (الْمُحْصَناتُ) ، دليل عليهم ، وذلك أن المرأة ترمى بالرجل ، كما قال : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [سورة النحل آية : ٨١] ، ولم يذكر البرد ، لأنها إذا وقت الحر وقت البرد ، وخص المحصنات بالذكر لأن ذلك اتسع ، وأكثر أهل التفسير على أن المحصنات هاهنا العفائف.

٤٥١

المثل (١)

المثل في الأصل يشتمل على ذكر تماثل الشيئين كقولهم : كما تدين تدان ، وهو من قولك : هذا مثل الشيء ، ومثله كما تقول شبهه وشبهه ، وبين المثل والشبه فرق ذكرناه في كتاب" البديع في الفروق" ثم جعل كل حكمة وسائرة ومثلا ، وقد يأتي القائل بما يحسن أن يتمثل به ، إلا أنه لا يتفق له أن يسير فلا يكون مثلا.

وهو في القرآن على أربعة أوجه :

الأول : الشبه ، قال الله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) [سورة البقرة آية : ١٦] ، وقال : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) [سورة العنكبوت آية : ٤١] ، وقوله : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) [سورة التحريم آية : ١١ ، النحل : ٧٦ ، ١١٢] ، أي : وصف شبها ، وضرب المثل جعله يسير في البلاد من قولك ضرب في الأرض إذا سار فيها.

الثاني : العبرة ، قال الله : (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) [سورة الزخرف آية : ٥٦] ، وقوله : (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) [سورة الزخرف آية : ٥٩] ، والمعنى أنه صارت له شهرة كشهرة الأمثال السائرة ، وأراد أن من بعدهم يتمثل بهم إذا رأى مثل حالهم.

الثالث : على ما قيل الصفة ، قال الله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) [سورة محمد آية : ١٥] ، أي : صفتها أن فيها أنهارا.

__________________

(١) (م ث ل): (المثل) واحد الأمثال ومنه قوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ أي فعليه جزاء مماثل لما قتل من الصّيد وهو قيمة الصّيد عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما‌الله وعند محمّد والشّافعيّ رحمهما‌الله مثله نظيره من النّعم فإن لم يوجد عدل إلى مذهب أبي حنيفة فمن النّعم على الأوّل بيان للهدي المشترى بالقيمة وعلى الثّاني للمثل والأوّل أوجه لأنّ التّخيير بين الوجوه الثّلاثة علّيه ظاهر وانتصاب هديا على أنّه حال عن جزاء لأنّه موصوف أو مضاف على حساب القراءتين أو عن الضّمير في به (ومثل به مثلة) وذلك بأن يقطّع بعض أعضائه أو يسوّد وجهه. [المغرب : الميم مع الثاء].

٤٥٢

وقال بعضهم : أن مثل ما يوعدون من أنهار الماء واللبن والخمر في الجنة ما يعرفون من هذه الأشياء في الدنيا ، كأنه قال : مثل الجنة التي توعدون في الآخرة والجنة التي تعقلونها بهذه الصفة ، وهذا هو الوجه المختار.

الرابع : السنن ، قال الله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) [سورة البقرة آية : ٢١٤] ، يعني : سنن الذين من قبلكم ، أي : ما أخروا عليه في الدنيا من السراء والضراء وهذا بعيد.

والوجه أن يقال : أنه أراد ولما يصبكم مثل ما أصابهم من السراء والضراء ، وقيل : الشبه والمثل في الشبه والمثل في الهيئة في أكثر الكلام ، وقد يقال فيه : مثل ومثل لغتان ، والشبه في المتماثلين من كل شيء ، وبيان ذلك مشروح في كتابنا في الفروق ، وليس هذا موضع الإطالة فيه ، وعندنا أن المماثلة تكون بين الذوات والمشابهة بين الصفات ، ومثله قوله : (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) [سورة الزخرف آية : ٨] ، أي : سننهم.

ومثله قوله : (وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) [سورة النور آية : ٣٤] ، يعني : سنن العذاب ، كذا قيل ، والصحيح أنه أراد : (أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) [سورة النور آية : ٣٤] ، أي : أخبارا تكون لكم مثلا ، وعبرة تعتبرونها فتنتفعون بها في آيات الدين والدنيا ، وهكذا معنى قوله : (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) [سورة الزخرف آية : ٨] ، أي : مضى في القرآن من أخبارهم ما يكون مثلا.

٤٥٣

المتاع (١)

أصله الطول والامتداد ، ومنه قيل : متع النهار إذا امتد ، وتمتعت بالشيء إذا طال تلذذك به.

وهو في القرآن على ثلاثة أوجه :

الأول : المدة ، قال الله : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [سورة البقرة آية : ٣٦] ، أي : مدة تمتد إلى حين ، كذا جاء في التفسير ، ويجوز أن يكون المراد المنفعة أي : لكم مستقر ومنفعة إلى حين.

الثاني : ما ينتفع به من آلة ، قال الله : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ) [سورة الرعد آية : ١٧].

الثالث : المنفعة ، قال الله : (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) [سورة الواقعة آية : ٧٣] ، يعني : النار جعلها الله تذكرة بنار جهنم ، ومنفعة للمقوين.

قال أهل العربية : للمقوي الضعيف ، والقوي وهو من الأضداد ، وقيل : للمقوي الذي صار إلى القواء ، وهو القفر من الأرض ، ومثله : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) [سورة النازعات آية : ٣٣] ، وقال الله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) [سورة النور آية : ٢٩] ، أي : منفعة يعني : أنها تقيكم من الحر والبرد ، ومنه متعة المطلقة وهي أن تطلق المرأة قبل تسمية المهر ، والدخول.

قال أصحابنا : المتعة في هذا واجبة لقوله تعالى : (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [سورة البقرة آية : ٢٣٦] ، فأمر بها ، والأمر على الوجوب ثم أكد على الوجوب بقوله : (حَقًّا عَلَى

__________________

(١) (م ت ع): (المتاع) في اللّغة كلّ ما انتفع به وعن عليّ بن عيسى مبيع التّجّار ممّا يصلح للاستمتاع به فالطّعام متاع والبزّ متاع وأثاث البيت متاع قال وأصله النّفع الحاضر (٢٤٨ / أ) وهو مصدر (أمتعه إمتاعا) و (متاعا) قلت والظّاهر أنّه اسم من (متّع) كالسّلام من سلّم والمراد به في قوله تعالى (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ) أوعية الطّعام وقد يكنّى به عن الذّكر وما قاله محمّد في تفسير المتاع مثبت في السّير (ومتعة) الطّلاق ومتعة الحجّ ومتعة النّكاح كلّها من ذلك لما فيها من النّفع أو الانتفاع. [المغرب : الميم مع التاء].

٤٥٤

الْمُحْسِنِينَ) [سورة البقرة آية : ٢٣٦] ، وليس في ألفاظ الإيجاب أوكد من هذا ؛ لأنه جعلها من شرائط الإحسان ، وعلى كل أحد أن يكون محسنا ، وإذا وجبت عليهم وجبت على غيرهم ، لأن أحدا لا يفرق بين المحسن والمسيء في الفروض ، ولا يجوز أن تكون ندبا ؛ لأن الندب لا يختلف فيه المحسنون وغيرهم ، وعند أصحابنا أن المتعة لا تكون أكثر من نصف مهر المثل ، وفيه كلام كثير أوردناه في التفسير.

وأما قوله : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [سورة البقرة آية : ٢٤١] ، فالمتاع هنا نفقة العدة ، وأوردنا هذه الوجوه على ما جاء عن السلف ، وعندنا أن المراد بجميع ذلك المنفعة مع التلذذ ، ومثله : (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) [سورة الأنبياء آية : ٤٤].

وقال بعض أهل اللغة : أصل التمتع التزود ، والمتاع الزاد ، وتستعمل في التلذذ ، وقوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ) [سورة البقرة آية : ١٩٦].

قال المفضل : إلى هاهنا بمعنى مع ، والتمتع بالعمرة إلى الحج ، وهو أن يأتي بعمرة في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة ، حتى إذا قضاها حل من إحرامه ثم أحرم من عامه بالحج فعليه ما استيسر من الهدي ، واستيسر وتيسر واحد مثل استأخر وتأخر ، وأدنى ذلك شاة ، ويجوز مثلها في الأضاحي ، وكذلك القادر ، وليس على المفرد هدي ، وأما متعة النساء فحرام ، ومن خالف فيه فهو خارج من الإجماع ، والإجماع قد سبق بتحريمه ، ونهى عمر رضي الله عنه عنها لنهي رسول الله صلى الله عليه عنها ، والشاهد ما روى أبو هريرة" أن النبي صلى الله عليه حرم المتعة بالطلاق والنكاح" (١) ، وقول الله عزوجل : (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) [سورة المؤمنون آية : ٧] ، والمتعة هي وراء ذلك ، وأما متعة الحج فإن النبي صلى الله عليه أحله بثلاثة أيام ثم حرمه ، وكان ابن عباس يحل المتعة فقال له علي عليه‌السلام : " أنت أمرؤ تائه نهى رسول الله صلي الله عليه عن متعة النساء ، وأكل حمر الأهلية بخيبر" ، فرجع ابن عباس عن هذا القول ، ونادى يوم عرفة بأعلى صوته : " أنا عبد الله بن العباس إلا أن المتعة حرام كالميتة والدم".

__________________

(١) أخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة (٤١٤٩).

٤٥٥

المولى (١)

المعتق ، والمعتق ، والعصبة ، وابن العم ، والحليفة ، والصاحب ، والولي ، والأولى بالشيء ، قال رسول الله صلى الله عليه : " أية امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل" (٢) ، أي : بغير إذن وليها ، ويقال لمن تولاه الرجل وإن لم يكن قريبا له مولى.

وهو في القرآن على ثلاثة أوجه :

الأول : الولي ، قال الله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [سورة محمد آية : ١١] ، أي : لا ولي لهم ، وقوله : (لَبِئْسَ الْمَوْلى) [سورة الحج آية : ١٣] ، أي : لبئس الولي ، وقيل : لا مولى لهم أي : ناصر لهم ، وقيل : المولى هو المتولي للتدبير لمن ولاه ، تقول : نصر الله النبي والمؤمنين بما تولى لهم من التدبير ، : (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [سورة محمد آية : ١١] ، أي : لا متولي لأمرهم عند أخذ الله إياهم.

الثاني : العصبة قال الله : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) [سورة مريم آية : ٥] ، يعني : العصبة ، ومثله : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) [سورة النساء آية : ٣٣] ، كذا قيل ، ويجوز أن يكون المولى هاهنا بمعنى الأولى بالشيء ، والمعنى أن لكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون وارثا هو أولى به من غيره ، ومنه قيل لمالك : العبد مولاه ؛ لأنه أولى به.

الثالث : ابن العم ، قال الله : (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) [سورة الأحزاب آية : ٥] ، أي : وبنو أعمامكم ، ويجوز أن يكون المعنى : (وَمَوالِيكُمْ)

__________________

(١) المولى : من لا يمكن له قربان امرأته إلا بشيء يلزمه. ومولى الموالاة ، بيانه : أن شخصا مجهول النسب آخى معروف النسب ووالى معه ، فقال : إن جنت يدي جناية فتجب ديتها على عاقلتك ، وإن حصل لي مال فهو لك بعد موتي ، فقبل المولى هذا القول ، ويسمى هذا القول : موالاة ، والشخص المعروف : مولى الموالاة. [التعريفات : ١ / ٧٩].

(٢) أخرجه أبو داود من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها (٢٠٨٣) ، وابن ماجه (١٨٧٩) ، وأحمد في مسنده (٢٣٦٨٤) ، والدارمي (٢١٨٤) ، وله شاهد من حديث أبي موسى الأشعري أخرجه الترمذي (١١٠٢).

٤٥٦

أولياءكم في الدين ، ويجوز أن يقال : أراد أنهم أصحابكم ؛ لأنكم تستعينون بهم في بعض أموركم ، وهم أيضا منضافون إليكم ، وصاحب الرجل منضاف إليه ، قال الشاعر :

ولست مولى سواه أدعي لها

فإن لسؤات الأمور مواليا

٤٥٧

ما بين أيديهم وما خلفهم ،

ومن بين أيديهم ومن خلفهم

جاء هذا الحرف في القرآن على ثلاثة أوجه :

الأول : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ)(١) [سورة البقرة آية : ٢٥٥] ، أي : ما كان قبلهم ، وما يكون بعدهم.

الثاني : في سورة مريم : (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا) [سورة مريم آية : ٦٤] ، يعني : الآخرة ، (وَما خَلْفَنا) [سورة مريم آية : ٦٤] ، ما يكون من أمور الدنيا ، ومثله ما حكاه عن إبليس في قوله : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) [سورة الأعراف آية : ١٧] ، قال : لأخبرنهم أن لأبعث وما خلفهم أن أزين لهم الدنيا وقريب منه ، قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ) [سورة يس آية : ٤٥] ، يعني : عذاب الآخرة وعذاب الدنيا ، وقال : (اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) [سورة يس آية : ٤٥] ، من صنع الله في الأمم الخالية ، : (وَما خَلْفَكُمْ) [سورة يس آية : ٤٥] ، يعني : عذاب الآخرة.

__________________

(١) قال الرازي : أما قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) ففيه مسألتان :

المسألة الأولى : قال صاحب «الكشاف» : الضمير لما في السموات والأرض ، لأن فيهم العقلاء ، أو لما دل عليه (مَنْ ذَا) من الملائكة والأنبياء.

المسألة الثانية : في الآية وجوه أحدها : قال مجاهد ، وعطاء ، والسدي (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ما كان قبلهم من أمور الدنيا (وَما خَلْفَهُمْ) ما يكون بعدهم من أمر الآخرة والثاني : قال الضحاك والكلبي (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) يعني الآخرة لأنهم يقدمون عليها (وَما خَلْفَهُمْ) الدنيا لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم والثالث : قال عطاء عن ابن عباس (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من السماء إلى الأرض (وَما خَلْفَهُمْ) يريد ما في السموات الرابع (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) بعد انقضاء آجالهم (وَما خَلْفَهُمْ) أي ما كان من قبل أن يخلقهم والخامس : ما فعلوا من خير وشر وما يفعلونه بعد ذلك.

واعلم أن المقصود من هذا الكلام : أنه سبحانه عالم بأحوال الشافع والمشفوع له فيما يتعلق باستحقاق العقاب والثواب ، لأنه عالم بجميع المعلومات لا تخفى عليه خافية ، والشفعاء لا يعلمون من أنفسهم أن لهم من الطاعة ما يستحقون به هذه المنزلة العظيمة عند الله تعالى ، ولا يعلمون أن الله تعالى هل أذن لهم في تلك الشفاعة وأنهم يستحقون المقت والزجر على ذلك ، وهذا يدل على أنه ليس لأحد من الخلائق أن يقدم على الشفاعة إلا بإذن الله تعالى. [مفاتيح الغيب : ٣ / ٤٥٠].

٤٥٨

الثالث : بمعنى قبل وبعد ، قال الله : (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) [سورة الأحقاف آية : ٢١] ، أي : قبل مبعثه وبعده ، يعني : هودا عليه‌السلام.

٤٥٩

المنسك (١)

أصل النسك : الذبح ، والنسيكة الذبيحة ، ثم كثر ذلك حتى قيل لكل عبادة نسك ، وكل عابد ناسك ، ومنه مناسك الحج.

والمنسك في القرآن على وجهين :

الأول : المراد به الذبائح ، وهو قوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) [سورة الحج آية : ٣٤] ، أي : جعلنا لكل أمة من الأمم التي بعث فيها الأنبياء ذبائح يتقربون بها إلى الله ، والشاهد قوله تعالى : (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) [سورة الحج آية : ٣٤] ، وأصل المنسك المصدر فعبر به عن الذبائح ، وفي قوله : (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) [سورة الحج آية : ٣٤] ، دليل على بطلان قول المجبرة إذا قالوا : أنه تعالى جعل للكفار منهم ذلك ليذكروا عليه اسم الأصنام.

الثاني : الضرب من العبادات ، وهو قوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) [سورة الحج آية : ٣٤] ، هم ناسكوه أي : جعلنا لكل أمة بعثنا فيها نبيا ضربا من العبادات والشرائع ، وقال بعضهم : المنسك الموضع الذي يجب أن يتعهد ، وقرئ منسكا أي : مكان نسك ، مثل المجلس لمكان الجلوس.

__________________

(١) (ن س ك): (نسك) لله تعالى نسكا ومنسكا إذا ذبح لوجهه (والنّسيكة) الذّبيحة (والمنسك) بالكسر الموضع الّذي يذبح فيه وقد تسمّى الذّبيحة نسكا يقال من فعل كذا فعليه نسك أي دم يهريقه بمكّة ثمّ قالوا لكلّ عبادة نسك (ومنه) إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي (والنّاسك) العابد الزّاهد (ومناسك) الحجّ عباداته وهذا من الخاصّ الّذي صار عامّا (وقوله) في أضاحيّ حمير الخوارزميّ (وليحدّ شفرته ويريح منسكه) الصّواب ويرح نسكه أو نسيكته على أنّ المذكور في الأصل ذبيحته والمعنى الحثّ على إسراع الذّبح وقيل المراد أن يؤخّر سلخه حتّى يبرد (انقطاع النّسل) في (ر س). [المغرب : النون مع السين المهملة].

٤٦٠