تصحيح الوجوه والنضائر

أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري

تصحيح الوجوه والنضائر

المؤلف:

أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-341-1
الصفحات: ٥٣٢

الثاني : اللوح المحفوظ ، قال الله : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) [سورة القمر آية : ٥٢] ، هكذا جاء في التفسير.

الثالث : قوله تعالى : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً) [سورة المؤمنون آية : ٥٣] ، ومن قرأ زبرا أراد قطعا ، الواحدة زبرة ، ومنه : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) [سورة الكهف آية : ٩٦] ، ومن قرأ زبرا أي : جعلوا دينهم كتبا مختلفة.

٢٤١

الزوج (١)

الأشهر عند العرب أن الزوج واحد ، والمرأة زوج الرجل ، والرجل زوج المرأة ، ولا يقال للمرأة زوجة إلا قليلا ، وكل اثنين لا يستغنى أحدهما عن الآخر ، وهما زوجان مثل زوجي ، يقال : وزوجي خفاف ، وربما قيل للاثنين زوج ، وهو قليل شاذ ، والزوج النمط يطرح تحت الهودج ، قال لبيد :

زوج عليه كلة وقرامها

وهو في القرآن على ثلاثة أوجه :

__________________

(١) [زوج] : الزّوج : امرأة الرّجل ، وكذلك الزّوجة. والرّجل زوج أيضا. وزوجان من الحمام : أنثى وذكر. وزوج من النّبات : لون منه وضرب ، من قوله عزوجل : " (فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى)" أي ضروبا. وكذلك الدّيباج والوشي والنّمط الموشيّ. [و] يقال : زوّجت إبلي : إذا قرنت بعضها إلى بعض ، من قوله عزوجل : " (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ)" ن من قوله تعالى : " (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ)" أي قرناء هم. ويقال في جماعة الزّوج من الطّير : أزواج وزوجة. [المحيط في اللغة : الجيم والزاي].

الفرق بين البعل والزوج : أن الرجل لا يكون بعلا للمرأة حتى يدخل بها وذلك أن البعال النكاح والملاعبة ومنه قوله عليه‌السلام" أيام أكل وشرب وبعال" وقال الشاعر :

وكم من حصان ذات بعل تركتها

إذا الليل أدجى لم تجد من تباعله

وأصل الكلمة القيام بالامر ومنه يقال للنخل إذا شرب بعروقه ولم يحتج إلى سقي بعل كأنه يقوم بمصالح نفسه. [الفروق اللغوية : ١ / ٢٦٩]

وفي معجم قاييس اللغة مادة (زوج) : الزاء والواو والجيم أصل يدلّ على مقارنة شيء لشيء.

من ذلك الزّوج زوج المرأة. والمرأة زوج بعلها ، وهو الفصيح.

قال الله جل ثناؤه : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)[البقرة ٣٥ ، الأعراف ١٩].

ويقال لفلان زوجان من الحمام ، يعني ذكرا وأنثى.

فأمّا قوله جلّ وعزّ في ذكر النبات : (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)[الحج ٥ ، ق ٧] ، فيقال أراد به اللّون ، كأنّه قال : من كل لون بهيج.

وهذا لا يبعد أن يكون من الذي ذكرناه ؛ لأنه يزوّج غيره ممّا يقاربه.

وكذلك قولهم للنّمط الذي يطرح على الهودج زوج ؛ لأنّه زوج لما يلقى عليه.

قال لبيد :

من كل محفوف يظلّ عصيّه

زوج عليه كلّة وقرامها

٢٤٢

الأول : الحليلة ، قال الله : (لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) [سورة البقرة آية : ٢٥] ، وقال : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ) [سورة النساء آية : ١١].

الثاني : الصنف ، قال : (خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) [سورة يس آية : ٣٦] ، وقال : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [سورة ق آية : ٧] ، وقال : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [سورة الأنعام آية : ١٤٣] ، وقال : (جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [سورة الرعد آية : ٣].

وكل ذلك بمعنى الصنف ، ودخل اثنين تأكيدا ، ويجوز أن يقال : أنه دخل ؛ لأن الزوج في بعض اللغات اثنان ، فلو لم يقل : اثنين لتوهم من تلك لغته ، لأن الزوجين أربعة ، فلما قال : اثنين ارتفع الإشكال (١).

الثالث : القرين ، قال : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) [سورة الصافات آية : ٢٢] ، أي : قرناءهم من الشياطين.

وذلك أنه لما كان الزوج الواحد الذي له قرين سمي القرين زوجا ، ومنه قوله تعالى : (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) [سورة الدخان آية : ٥٤] ، أي : قرناؤهم.

ولا يجوز أن يكون من التزويج ؛ لأنه لا يقال : زوجت فلانا بفلانة ، وإنما يقال : زوجت فلانة فلانا بغير باء ، وقال : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) [سورة التكوير آية : ٧] ، أي : قرن كل واحد بمن شايع.

__________________

(١) زوج : يقال : لفلان زوجان من الحمام ، أي : ذكر وأنثى. قال سبحانه : " (فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)". زوج من الثّياب ، أي : لون منها ، قال عزوجل : " (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)" ، أي : لون. ويجمع الزّوج : أزواجا.

٢٤٣
٢٤٤

الباب الثاني عشر

فيما جاء من الوجوه والنظائر في أوله سين

سواء (١)

أصل السواء من التماثل ، ومنه قيل للمثل السيء ، وهما سيئان أي : مثلان ، وسواء لا يجمع ؛ لأنه في مذهب الفعل فإن احتجت إلى جمعه قلت : أسوئة ، وقال بعضهم : جمع سواسية على غير قياس ، وهو غلط لأن سواء يستعمل في الخير والشر ، وسواسية لا يستعمل إلا في الشر ، وهذا دليل على أنه حرف برأسيه ، وهو جمع لا واحد له من لفظه.

وسواء في القرآن على خمسة أوجه :

الأول : العدل ، قال الله : (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) [سورة آل عمران آية : ٦٤] ، أي : عدل ، وهو قوله : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [سورة محمد آية : ١٩ ، الصافات : ٣٥] ، وقوله : (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) [سورة فصلت آية : ١٠] ، أي : عدل لمن يطلب الرزق.

ومعنى ذلك أنه خلق الأرض والماء وجعل فيهما قوت الخلق بالعدل ، لأنه رزق كلا منهم على قدر ما علم أنه صلاح له ، وقيل : (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) [سورة فصلت آية : ١٠] ، أي : لمن سأل في كم خلقت الأرض ، وما فيها؟ ، فقيل : خلقت الأرض في أربعة أيام سواء لا زيادة ولا نقصان جوابا لمن سأل.

__________________

(١) (س وي): (سوّى) المعوجّ فاستوى في الحديث قدم زيد بشيرا بفتح بدر حين (سوّينا) على رقيّة رضي الله عنها يعني : دفنّاها وسوّينا تراب القبر عليها وقوله (ولمّا استوت) به راحلته على البيداء أي علت بها أو قامت مستوية على قوائمها وغلام (سويّ) مستوي الخلق لا داء به ولا عيب وقوله تعالى (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) أي على طريق مستو بأن تظهر لهم نبذ العهد ولا تحاربهم وهم على توهّم بقاء العهد أو على استواء في العلم بنقض العهد أو في العداوة (وهم سواسية) في هذا أي سواء وهما (سيّان) أي مثلان (ومنه) رواية يحيى بن معين إنّما بنو هاشم وبنو عبد المطّلب (سيّ) واحد وفيه نظر وإنّما المشهور شيء واحد. [المغرب : ٣ / ١١٥]

٢٤٥

الثاني : الوسط ، قال : (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) [سورة الصافات آية : ٥٥] ، وقال : (إِلى سَواءِ الصِّراطِ) [سورة ص آية : ٢٢] ، أي : إلى أحكم البين فشبهه بوسط الطريق ، وقيل : السواء هاهنا بمعنى العدل.

الثالث : الأمر البين ، قال : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [سورة الأنفال آية : ٥٨] ، يعني : على أمر بين ، قال أبو عبيد : قال الكسائي وغيره : السواء العدل ، وقال غير واحد من أهل العلم : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [سورة الأنفال آية : ٥٨] ، أي : أعلمهم أنك محاربهم حتى يصيروا مثلك في العلم بذلك ، فذلك هو السواء.

الرابع : الاستواء ، قال : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) [سورة الحج آية : ٢٥] ، وقال : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) [سورة النساء آية : ٨٩] ، قال : (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) [سورة الروم آية : ٢٨] ، أي : مستوون ، ومثله : (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [سورة يس آية : ١٠] ، أي : مستو عندهم إنذارك وخلافه ، وقال : (عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) [سورة النحل آية : ٧١].

الخامس : القصد ، قال الله : (أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) [سورة القصص آية : ٢٢] ، وقال : (وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) [سورة المائدة آية : ٧٧] ، ونحوه : (اهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) [سورة ص آية : ٢٢] ، وقيل : معناه هاهنا العدل ، والمراد عندي الحكم البين ، فشبهه بوسط الطريق ، ووسط الطريق بينه فخصه بالذكر.

٢٤٦

السوء (١)

أصله المكروه ومنه قولهم : دفع الله عنك السوء ؛ ثم استعمل في الحزن ؛ لأن الحزن مكروه ، فقيل : ساءه الأمر ، والدليل على أنه يراد به الحزن أنهم يجعلونه خلاف السرور ، فيقولون : ساءه ذلك ، وسره هذا ، وقوله : (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [سورة الملك آية : ٢٧] ، أي : يتبين فيها أثر الحزن.

والسوء في القرآن على ثمانية أوجه :

الأول : الشدة ، قال الله : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) [سورة البقرة آية : ٤٩] ، وقال : (أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) [سورة النمل آية : ٥] أي : شدته.

الثاني : المكروه ، قال : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) [سورة الأعراف آية : ٧٣] ، أي : بمكروه ، وقال : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) [سورة الرعد آية : ١١] ، قوله : (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) [سورة الأعراف آية : ١٨٨] ، وقوله : (إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً) [سورة الأحزاب آية : ١٧] ، أي : مكروها ، وقيل : المراد القتل والهزيمة.

الثالث : جاء بمعنى الزنا ، قال : (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) [سورة يوسف آية : ٥١] ، وهذا راجع إلى المكروه ؛ لأن الزنا مكروه.

الرابع : البرص ، قال الله : (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) [سورة طه آية : ٢٢].

__________________

(١) [سوء] : والسّوء نعت لكلّ شيء رديء. ساء يسوء ، لازم ومجاوز وساء الشّيء : قبح فهو سيّئ والسّوء : اسم جامع للآفات والدّاء. وسؤت وجه فلان وأنا أسوءه ، مساءة ومساية لغة ، تقول : أدرت مساءتك ومسايتك ، وأساءت إليه في الصّنع. واستاء من السّوء بمنزلة اهتمّ من الهمّ.

وأساء فلان خياطة هذا الثّوب ، وسؤت فلانا ، وسؤت له وجهه ، وتقول : ساء ما فعل صنيعا يسوء ، أي : قبح صنيعة صنيعا.

والسّيّىء والسّيّئة : عملان قبيحان ، يصير السّيّيء نعتا للذّكر من الأعمال ، والسّيّئة للأنثى ، قال : " والله يعفو عن السّيئات والزلل" والسّيّئة : اسم كالخطيئة.

والسّوءى ، بوزن فعلى : اسم للفعلة السّيّئة ، بمنزلة الحسنى للحسنة ، محمولة على جهة النّعت في حدّ أّفعل وفعلى كالأسوأ والسّوءى ، رجل أسوأ ، وامرأة سوءى ، أي : قبيحة. [العين : سوء]

٢٤٧

الخامس : العذاب ، قال الله : (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) [سورة النحل آية : ٢٧] ، وقال : (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) [سورة الزمر آية : ٦١] ، يعني : العذاب ، ومعنى ذلك كله راجع إلى المكروه ونحوه : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) [سورة الروم آية : ١٠] ، أي : العذاب.

السادس : المعصية من الشرك وغيره ، قال : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) [سورة النحل آية : ٢٨] ، يعني : الشرك ، وقال : (يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) [سورة النساء آية : ١٧] ، يعني : ما دون الشرك.

السابع : الشتم ، قال : (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) [سورة الممتحنة آية : ٢].

الثامن : قوله : (سُوءُ الْحِسابِ) [سورة الرعد آية : ١٨] ، قال : هو أن لا يقبل منه حسنة ، ولا يتجاوز عن سيئة ، و : (سُوءُ الدَّارِ) [سورة الرعد آية : ٢٥] ، يعني : شر الدار ، وعذابها ، وقيل : معناه بئس الدار.

٢٤٨

السعي (١)

أصله السرعة في المشي ، ثم استعمل في غيره ، فيقال : سعى الرجل سعاية ، إذا ولي الصدقة ، والساعي إلى السلطان لسرعته ، لأن الساعي حنق على المسعي به ؛ فهو سريع إلى إلحاق الضرر به ، والمساعاة الزنا بالإماء خاصة.

وهو في القرآن على ثلاثة أوجه :

الأول : المشي ، قال الله : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) [سورة الجمعة آية : ٩] ، لم يرد سرعة المشي ؛ وإنما أراد صدق القيام في أمر الصلاة ، وتقوية العزم عليه ، والمستحب أن المشي إلى الجمعة مشيا رويدا لا سرعة فيه ولا بطء ، وقال : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) [سورة الصافات آية : ١٠٢] ، يعني : المشي ، يقال : أراد المعاونة على أمره ونحوه قولهم : فلان يسعى في حوائج أهله ، أي : يعينهم فيها.

الثاني : العمل ، قال : (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [سورة الإسراء آية : ١٩] ، وقوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [سورة النجم آية : ٣٩] ، أي : ما عمل ، وحقيقته جزاء ما عمل.

وقال : (وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ) [سورة الإسراء آية : ١٩] ، أي : عملها ، وقال : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [سورة الليل آية : ٤] ، أي : عملكم مختلف ، وأصل الشتت التفرق.

وقال : (سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) [سورة الحج آية : ٥١] ، أي : سابقين جادين في الصرف عن آياتنا ، وقال : مغالبين.

__________________

(١) (س ع ي) : سعى الرّجل على الصّدقة يسعى سعيا عمل في أخذها من أربابها وسعى في مشيه هرول وسعى إلى الصّلاة ذهب إليها على أيّ وجه كان وأصل السّعي التّصرّف في كلّ عمل وعليه قوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) أي إلّا ما عمل وسعى على القوم ولي عليهم وسعى به إلى الوالي وشى به وسعى المكاتب في فكّ رقبته سعاية وهو اكتساب المال ليتخلّص به واستسعيته في قيمته طلبت منه السّعي والفاعل ساع وإذا أطلق السّاعي انصرف إلى عامل الصّدقة والجمع سعاة. [المصباح المنير : السين مع العين]

٢٤٩

وأصل العجز الضعف ، وقد عاجزه كأنه طلب ضعفه وقرئ : معاجزين أي : يعجزون من يؤمن بها ، وهو معنى التثبيط عنها ، ويرجع الأول إلى الإسراع.

الثالث : السرعة ، قال الله : (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) [سورة عبس آية : ٨] ، أي : يسرع إليك للاستفادة منك.

وقال : (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) [سورة القصص آية : ٢٠ ، سورة يس آية : ٢٠] ، وقال : (يَأْتِينَكَ سَعْياً) [سورة البقرة آية : ٢٦٠] ، وقيل : أراد مشيا ، والأول أجود.

٢٥٠

السوي

أصله من الاستواء ، وقد جاء في معنى الصحة ؛ لأن المستوي صحيح التقاسيم ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي" (١).

وهو في القرآن على ثلاثة أوجه :

الأول : الصحيح ، قال : (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) [سورة مريم آية : ١٠] ، أي : صحيحا من غير خرس.

الثاني : المستوي الصورة ، السوي الخلق ، قال : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [سورة مريم آية : ١٧] ، أي : سوي الخلق في صورة البشر.

الثالث : العدل ، قال : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) [سورة طه آية : ١٣٥] ، أي : العدل ، وقال : (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) [سورة مريم آية : ٤٣] ، يعني : دينا عدلا ، قال : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة الملك آية : ٢٢] ، يعني : عدلا مهديا.

__________________

(١) أخرجه أبو داود في سننه من حديث أبي سعيد الخدري (١٦٣٥) ، وابن ماجه (١٨٤١) ، وأحمد في مسنده (١٠٨٧٥) ، وابن خزيمة في صحيحه (٢٢١٧) ، والبيهقي في السنن الكبرى ج ٧ / ١٥ ، وفي السنن الصغرى (١٣٠٠) ، وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجه (١٨٣٩) ، وأحمد (٨٨١٨).

٢٥١

السبب (١)

أصله الحبل ، ثم قيل : لكل شيء وصلت به إلى موضع أو حاجة تريدها سبب ، تقول : فلان سببي إليك ، أي : وصلني ، وما بيني وبينك سبب ، أي : وصلة ورحم.

وهو في القرآن على أربعة أوجه :

الأول : الباب ، قال : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) [سورة ص آية : ١٠] ، يعني : أبواب السماوات كما قال تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) [سورة غافر آية : ٣٦] ، أسباب السموات وسبب الشيء ما يتوصل به إليه ، ويجوز أن يكون قوله : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) [سورة ص آية : ١٠] ، يعني : في الحبال وغيرها مما يتوصل به إلى الموضع العالي.

ويجوز أن يكون أراد الهواء الذي هو سبب لصعود الملائكة إلى السماء يمدون فيه أجنحتهم فيصعدون ، وهذا على جهة التعجيز للكفار المخاطبين بهذه الآية ، والإخبار بأنهم يغلبون ولا يتم أمرهم ، والشاهد على صحة هذا قوله : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) [سورة ص آية : ١٠].

الثاني : الطريق ، قال تعالى : (فَأَتْبَعَ سَبَباً) [سورة الكهف آية : ٨٥] ، وجعل الطريق سببا ، لأنك إذا سلكته وصلت إلى الذي تريده ، ومنه قولهم سبب لك على فلان ، أي : جعل لك طريق إلى مطالبة.

الثالث : الحبل ، قال الله : (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ)(٢) [سورة الحج آية : ١٥].

__________________

(١) السّبب الحبل وهو ما يتوصّل به إلى الاستعلاء ثمّ استعير لكلّ شيء يتوصّل به إلى أمر من الأمور فقيل هذا سبب هذا وهذا مسبّب عن هذا. [المصباح المنير : السين مع الباء]

(٢) قال الرازي : اعلم أن في لفظ السبب قولين : أحدهما : أنه الحبل وهؤلاء اختلفوا في السماء فمنهم من قال هو سماء البيت ، ومنهم من قال هو السماء في الحقيقة ، فقالوا المعنى : من كان يظن أن لن ينصره الله ، ثم يغيظه أنه لا يظفر بمطلوبه فليستقص وسعه في إزالة ما يغيظه بأن يفعل ما يفعل من بلغ منه الغيظ كل مبلغ حتى مد حبلا إلى سماء بيته فاختنق ، فلينظر أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه. وعلى هذا القول اختلفوا في القطع فقال بعضهم : سمى الاختناق قطعا لأن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه ، وسمى فعله كيدا لأنه وضعه موضع الكيد حيث لم يقدر على غيره ، أو على سبيل الاستهزاء إلا أنه لم يكد به محسوده

٢٥٢

الرابع : العلم ، قال : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) [سورة الكهف آية : ٨٤] ، أي : علما ، : (فَأَتْبَعَ سَبَباً) [سورة الكهف آية : ٨٥] ، أي : طريقا يهد به إلى معلومه ، ويجوز أن يكون المراد : إنا أعطيناه من كل شيء يتوصل به إلى الغلبة والسلطان ألة أو قوة أو ذريعة أو علما على ما ذكر.

__________________

ـ وإنما كاد به نفسه ، والمراد ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظ. وهذا قول الكلبي ومقاتل وقال ابن عباس رضي الله عنه : يشد الحبل في عنقه وفي سقف البيت ، ثم ليقطع الحبل حتى يختنق ويهلك ، هذا كله إذا حملنا السماء على سقف البيت وهو قول كثير من المفسرين. وقال آخرون : المراد منه نفس السماء فإنه يمكن حمل الكلام على نفس السماء فهو أولى من حمله على سماء البيت ، لأن ذلك لا يفهم منه إلا مقيدا ، ولأن الغرض ليس الأمر بأن يفعل ذلك ، بل الغرض أن يكون ذلك صارفا له عن الغيظ إلى طاعة الله تعالى ، وإذا كان كذلك فكل ما كان المذكور أبعد من الإمكان كان أولى بأن يكون هو المراد ومعلوم أن مد الحبل إلى سماء الدنيا والاختناق به أبعد في الإمكان من مده إلى سقف البيت ، لأن ذلك ممكن. أما الذين قالوا السبب ليس هو الحبل فقد ذكروا وجهين : الأول : كأنه قال فليمدد بسبب إلى السماء ، ثم ليقطع بذلك السبب المسافة ، ثم لينظر فإنه يعلم أن مع تحمل المشقة فيما ظنه خاسر الصفقة كأن لم يفعل شيئا وهو قول أبي مسلم. والثاني : كأنه قال فليطلب سببا يصل به إلى السماء فليقطع نصر الله لنبيه ، ولينظر هل يتهيأ له الوصول إلى السماء بحيلة ، وهل يتهيأ له أن يقطع بذلك نصر الله عن رسوله ، فإذا كان ذلك ممتنعا كان غيظه عديم الفائدة ، واعلم أن المقصد على كل هذه الوجوه معلوم فإنه زجر للكفار عن الغيظ فيما لا فائدة فيه ، وهو في معنى قوله : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ)[الأنعام : ٣٥] مبينا بذلك أنه لا حيلة له في الآيات التي اقترحوها. [مفاتيح الغيب : ١١ / ١٠٢]

٢٥٣

السمع (١)

أصل السمع سمع الأصوات ، ثم سميت الأذن سمعا ؛ لأن السمع بها يكون فيما بيننا ، وسمى الإجابة سمعا ، لأنها مع السمع تكون في أكثر الأوقات ، والسميع لا يقتضي المسموع ، لأن فعيلا جعل للمبالغة ، وليس هو على مقتضى فعل ، والله تعالى لم يزل سميعا ، ومعناه أنه الذي لا آفة به لمنعه عن سمع المسموع إذا وجد ، والسامع يقتضي المسموع ، فلا يسمى الله سامعا ، فيما لم يزل.

والسمع في القرآن على وجهين :

الأول : سمع الصوت ، قال الله : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) [سورة هود آية : ٢٠] ، أي : يعرضون عن الإيمان وينصرفون عنه انصراف من لا يستطيع سمعه.

الثاني : القبول والإجابة ، قال الله : (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) [سورة آل عمران آية : ٣٨] ، أي : مجيبه ، وأنت تقول لصاحبك : اسمع نصيحتي مع أنك تعلم أنه يستجيبها ، وإنما يريد أقبل ، ونحوه قولك لمن يحله : سمعا وطاعة ، أي : أقبل ما تقول وأطيعك فيه ، وقوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) [سورة الأنفال آية : ٢٣] ، أي : لسماهم سمعاء ، ولم يسمهم صما بكما.

__________________

(١) (س م ع) : سمعته وسمعت له سمعا وتسمّعت واستمعت كلّها يتعدّى بنفسه وبالحرف بمعنى واستمع لما كان بقصد لأنّه لا يكون إلّا بالإصغاء وسمع يكون بقصد وبدونه والسّماع اسم منه فأنّا سميع وسامع وأسمعت زيدا أبلغته فهو سميع أيضا قال الصّغانيّ وقد سمّوا سمعان مثل عمران والعامّة تفتح السّين ومنه دير سمعان وطرق الكلام السّمع والمسمع بكسر الميم والجمع أسماع ومسامع وسمعت كلامه أي فهمت معنى لفظه فإن لم تفهمه لبعد أو لغط فهو سماع صوت لا سماع كلام فإنّ الكلام ما دلّ على معنى تتمّ به الفائدة وهو لم يسمع ذلك وهذا هو المتبادر إلى الفهم من قولهم إن كان يسمع الخطبة لأنّه الحقيقة فيه وجاز أن يحمل ذلك على من يسمع صوت الخطيب مجازا وسمع الله قولك علمه وسمع الله لمن حمده قبل حمد الحامد وقال ابن الأنباريّ أجاب الله حمد من حمده ومن الأوّل قولهم سمع القاضي البيّنة أي قبلها وسمّعت بالشّيء بالتّشديد أذعته ليقوله النّاس. [المصباح المنير : السين مع الميم]

٢٥٤

السلطان (١)

أصل السلطان القوة ، والسطوة ، والجدة ، وهو مشتق من السليط ، وهو الزيت ، وذلك أن الزيت مادة للسراج يشتعل به وتقويه حتى يبقى ، والسلطان مادة وقوة لكل خير وشر ، ونفع وضر ، وهو يذكر ويؤنث.

ورجل سليط اللسان فصيحه ، يرجع إلى معنى الجدة ، والمصدر السلاطة ، وهو للرجل مدح وللمرأة ذم ، يقال : امرأة سليطة إذا كانت كثيرة الصخب ، ويقال : ذهب سلطان الحر وسلطان البرد أي : شدتهما ، وسميت القدرة على الشيء سلطانا ، يقال : مالي على هذا الأمر سلطان ، أي : قدرة.

والسلطان في القرآن على وجهين :

الأول : الحجة ، قال الله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) [سورة هود آية : ٩٦] ، يعني : حجة وبينة ، وقال : (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) [سورة الحج آية : ٧١] ، وقال : (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) [سورة الصافات آية : ١٥٦] ، وقال : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) [سورة النمل آية : ٢١] ، وإنما سميت الحجة سلطانا ، لأنك تقوى بها على خصمك.

الثاني : الملك والقهر ، قال الله : (ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) [سورة إبراهيم آية : ٢٢] ، وقوله : (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) [سورة الصافات آية : ٣٠] ، أي : من ملك يقهرهم به على فعل المعاصي.

__________________

(١) [سلط] : السّلاطة : مصدر السّليط من الرجال والسّليطة من النّساء ، سلطت سلاطة. والسلط باللّسان : أشدّ من السّلق. وهو سليط القوم وكليمهم وكلّيمهم : أي أسلطهم لسانا. وسنابك سلطات : أي حداد. والسليط : الذّبال. والزّيت.

والسّلطان : في معنى الحجّة. وقدرة الملك ، ويذكر ويؤنّث. وقيل : واحد السّلطان سلّيط. ورجل سلنطيط : عظيم السّلطان. [المحيط في اللغة : سلط]

٢٥٥

السّلام

قد مضى القول في أصل هذا الحرف ، وهو في القرآن على ستة أوجه :

الأول : اسم الله تعالى ، قال : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ)(١) [سورة الحشر آية : ٢٣] ، ومعناه أن عباده يسلمون من ظلمه ، وقال : (سُبُلَ السَّلامِ) [سورة المائدة آية : ١٦] ، أي : سبل الله ، وهو دينه ، وقال : (يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) [سورة يونس آية : ٢٥] ، يعني : الجنة ، ونسبها إلى نفسه تعظيما لها ، كما يقال : بيت الله وخليفة الله ، ويجوز أن يكون أراد بالسلام الأمن من الخوف ، لأن موضوع السّلام لذلك.

الثاني : الخير ، قال : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) [سورة الزخرف آية : ٨٩] ، أي : قل خير كذا قيل ، ولو كان كذلك النصب ، فقال : سلاما ؛ لأن ما كان من القول يجيء بعده فهو منصوب ، قلت : خيرا ، وقلت : شرا.

والمراد أن قل أنا سلم ولست بحرب ، وإنما أقول ما أقوله على وجه النصيحة ، فإن قتلتموه وإلا فقد بلغت ، وحسابكم على الله ، وهذا قبل أن يؤمر بالحرب ، وقال : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [سورة الفرقان آية : ٦٣] ، أي : ردوا خيرا ، وقيل : (سَلاماً) ، أي : تسلما منكم ، قال سيبويه : يقال : لا تكونن من فلان إلا سلاما بسلام ، يعني : به المباركة.

وقوله : (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) [سورة الذاريات آية : ٢٥] ، أي : قال خيرا كذا قيل ، والوجه أن يكون من السليم فنجد الأول ، لأن القول هو السلم ، وكل ما يجيء بعد القول فهو رفع إلا أن يكون من القول ، فيقول : قلت : زيد في الدار ، وقلت :

__________________

(١) قال أبو جعفر : قوله : (السلام) يقول : هو الذي يسلم خلقه من ظلمه ، وهو اسم من أسمائه.

كما حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمّر ، عن قتادة (السلام) : الله السّلام.

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبيد الله ، يعني العتكي ، عن جابر بن زيد قوله : (السلام) قال : هو الله ، وقد ذكرت الرواية فيما مضى ، وبيّنت معناه بشواهده ، فأعنى ذلك عن إعادته. وقوله : (الْمُؤْمِنُ) يعني بالمؤمن : الذي يؤمن خلقه من ظلمه. [جامع البيان : ٢٣ / ٣٠٢]

٢٥٦

كلاما حسنا ، لأن القول هو الكلام ، وليس زيد هو القول ، ورفع السّلام الأخير ، كأنه قال حين أنكرهم : هو سلام إن شاء الله ، فمن أنتم ولو كانا جميعا نصا لجاز.

الثالث : الثناء الحسن ، قال تعالى : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) [سورة الصافات آية : ٧٩] ، وقوله : (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) [سورة الصافات آية : ١٠٩] ، : (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) [سورة الصافات آية : ١٢٠] ، أراد الثناء الحسن عليهم ، ويجوز أن يكون أراد قول المسلمين عند ذكر الأنبياء عليهم‌السلام.

الرابع : السلامة من الشر ، قال الله : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [سورة الأنبياء آية : ٦٩] ، وقال : (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) [سورة الواقعة آية : ٩١] ، أي : إنك ترى لهم ما تجب من السلامة ، وقد علمت ما أعد لهم من الجزاء ، كذا قال الزجاج ، وليس بالوجه ؛ لأنه ليس على مقتضى لفظ الآية.

والصحيح أنه أراد أن لك من إيمانهم وطاعتهم لله الخير عند الله ، لأنهم آمنوا بدعائه وهدايته ، " ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها" (١) أي : مثل أجره ، ويجوز أن يكون المراد أنك مسرور بثوابهم فجعل سروره ..... (٢)

الخامس : بمعنى تسليم الشيء إلى صاحبه ، قال : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) [سورة الحجر آية : ٤٦] ، وكذلك قوله : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) [سورة ق آية : ٣٤ ، الحجر : ٤٦] ، أي : قد سلمت إليكم فخذوها مهنأة ، ويجوز أن يكون معناه ادخلوها مع السلامة من الآفات ، والسّلام والسلامة واحد مثل الضلالة والضلال ، والجلالة والجلال.

السادس : التحية ، قال : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) [سورة الرعد آية : ٢٤] ، أي : يدخل الملائكة عليهم مسلمين مهنئين ، ونحوه قوله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [سورة

__________________

(١) أخرجه ابن ماجه من حديث جرير بن عبد الله (٢٠٣) ، وأحمد في مسنده (١٨٧١٧) ، والدارمي (٥١٢) ، وابن خزيمة في صحيحه (٢٣١٨) ، والبيهقي في السنن الكبرى ج ٤ / ١٧٦ ، وله شاهد آخر من حديث أبي جحيفة السوائي أخرجه ابن ماجه (٢٠٧).

(٢) طمس في المخطوط.

٢٥٧

النور آية : ٦١] ، أي : على إخوانكم ، وقال : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) [سورة الأحزاب آية : ٤٤] ، حكاية ما تحيون به.

وتقديره في العربية الابتداء ، والخبر وتأويله ما تحيون به هو هذا القول ، ومثله : (يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) [سورة الفرقان آية : ٧٥] ، والتحية أعم من السّلام ، والسّلام مخصوص ، ويدخل في التحية : حياك الله ، ولك البشرى ، ولقيت كل خير.

فإن قيل : كيف يعطف الجزء من الشيء على جميعه ، قلنا : لأن من كلامهم عطف الخاص على العام ، كقوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [سورة البقرة آية : ٢٣٨] ، وكقوله : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [سورة البقرة آية : ٩٨] ، وقال جرير :

سائل ذوي يمن وسائل مذححا

والأزد أدهر والنّار مسعودا

والأزد من اليمن.

٢٥٨

السيئات

قد تكلمنا في هذا الحرف بما فيه كفاية ، وهو في القرآن على خمسة أوجه :

الأول : المعاصي ، قال : (الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) [سورة يونس آية : ٢٧] ، وارتفع جزاء بإضمار لهم ، أي : لهم (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) [سورة يونس آية : ٢٧].

وقال البلخي : الباء في قوله : (بِمِثْلِها) زائدة ، وليس كما قال ، وإنما هو على تقديم وتأخير ، كأنه قال : يجازي بسيئة مثلها ، والسيئات هنا الكبائر من المعاصي.

والمراد أن من يأتي بكبيرة من الكبائر يجازى بما يستحق عليها من غير زيادة ، وهذا دليل على أنه لا يعاقب بغير ذنب ؛ لأن العقاب بغير ذنب أقبح من الزيادة في العقاب.

ولا يسمى إيصال العذاب زيادة ، وقيل : أن قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [سورة يونس آية : ٢٦] أنه أراد به إيصال الثواب ، وقيل : هي التفضل ، وقال الكلبي : الزيادة للواحد عشرة ونحوه عن الحسن رحمه‌الله.

الثاني : العذاب ، قال : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) [سورة النحل آية : ٣٤] ، وسمي العذاب ، وهو فعلة سيئة ، كما سماه شرا في قوله : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) [سورة الإنسان آية : ١١] ، وإنما سماه شرا وسيئة من أجل أنه مضرة ، وقال الشاعر :

أنا على الماء لشرّ موضوع

فسمى نفسه وقومه شرا ، أراد أنهم مضرة على من يزاحمهم على الماء.

ولا يجوز أن يسمى الله شريرا ولا مسيئا لفعله العذاب الذي سماه شرا أو سيئة ، لأن الشرير هو الذي يفعل الشر القبيح ، مثل الظلم وما بسبيله.

الثالث : الضر ، قال الله : (بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) [سورة هود آية : ١٠] ، وقال : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [سورة الأعراف آية : ١٦٨] ، أي : بالضر وسوء الحال ، والبلوى من الله التكليف ، وأصلها استنارة العلم بالمبلو.

٢٥٩

الرابع : الشر ، قال : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) [سورة غافر آية : ٤٥] ، أي : الشر الذي أراده به فرعون.

الخامس : الفاحشة ، قال : (وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) [سورة هود آية : ٧٨] ، يعني : إتيان الرجال.

ويجوز أن يكون أراد ذلك وغيره من قبيح أعمالهم ، والأصل في هذا كله المكروه على ما ذكرنا ، وهاهنا وجه آخر وهو قوله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [سورة النساء آية : ٣١] ، والسيئات هاهنا الصغائر.

والمراد أن اجتنبتم المعاصي التي هي أكبر من طاعتكم وغفرت لكم معاصيكم التي هي أصغر منها ولو لم تكن هذه الكبائر أعظم من طاعات فاعليها لغفرت بالطاعات ؛ كما يغفر بها الصغائر ، ولو كانت الكبائر تغفر بالطاعات لم يكن ، لقوله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [سورة النساء آية : ٣١] فائدة.

٢٦٠