تصحيح الوجوه والنضائر

أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري

تصحيح الوجوه والنضائر

المؤلف:

أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-341-1
الصفحات: ٥٣٢

الباب التاسع

فيما جاء من الوجوه والنظائر في أوله ذال

الذكر (١)

أصل الذكر القوة ، ومنه تسمية الذكر خلاف الأنثى ؛ لأنه أقوى من الأنثى وجديد ذكر لفضل قوته على الأنوثة ، والذكر بالقلب يرجع إلى هذا ؛ لأن الشيء يثبت في القلب مع الذكر ، فكان له قوه ، والذكر باللسان شبيه بذلك.

وهو في القرآن على خمسة عشر وجها :

الأول : الطاعة ، قال الله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [سورة البقرة آية : ١٥٢] ، قال بعض المفسرين : معناه أطيعوني أثبكم ، ويجوز أن يكون معناه اذكروني بقلوبكم وألسنتكم ، أذكركم بالمدح والتعظيم وإيجاب الثواب ، وهو جواب لقوله : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) [سورة البقرة آية : ١٥١] ، : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [سورة البقرة آية : ١٥٢] ، فيكون لاذكروني جوابان مقدم ومؤخر ، كما يقال : إذا آتاك فلان فآته ترضه ، ومعناه مثل معنى قوله : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [سورة غافر آية : ٦٠] ، وقيل : اذكروني بطاعتي أذكركم برحمتي ، وقيل : اذكروني بالثناء بنعمتي أذكركم بالثناء [في الطاعة] ، وأكثر ما يستعمل الذكر بعد النسيان ، وهذا حقيقة ، وليس ذلك بموجب ألا يكون إلا بعد النسيان إذ

__________________

(١) (ذ ك ر) : ذكرته بلساني وبقلبي ذكرى بالتّأنيث وكسر الذّال والاسم ذكر بالضّمّ والكسر نصّ عليه جماعة منهم أبو عبيدة وابن قتيبة وأنكر الفرّاء الكسر في القلب وقال اجعلني على ذكر منك بالضّمّ لا غير ولهذا اقتصر جماعة عليه ويتعدّى بالألف والتّضعيف فيقال أذكرته وذكّرته ما كان فتذكّر والذّكر خلاف الأنثى والجمع ذكور وذكورة وذكارة وذكران ولا يجوز جمعه بالواو والنّون فإنّ ذلك مختصّ بالعلم العاقل والوصف الّذي يجمع مؤنّثه بالألف والتّاء وما شذّ من ذلك فمسموع لا يقاس عليه والذّكورة خلاف الأنوثة وتذكير الاسم في اصطلاح النّحاة معناه لا يلحق الفعل وما أشبهه علامة التّأنيث والتّأنيث بخلافه فيقال قام زيد وقعدت هند وهند قاعدة فإنّ اجتمع المذكّر والمؤنّث فإن سبق المذكّر ذكّرت وإن سبق المؤنّث أنثت فتقول عندي ستّة رجال ونساء وعندي ستّ نساء ورجال وشبّهوه بقولهم قام زيد وهند وقامت هند وزيد فقد اعتبر السّابق فبني اللّفظ عليه والتّذكير الوعظ والذّكر الفرج من الحيوان جمعه ذكرة مثل : عنبة ومذاكير على غير قياس والذّكر العلاء والشّرف. [المصباح المنير : الذال مع الكاف]

٢٢١

كل من حضره المعنى بالقول أو العقد أو الخطور بالبال ، فهو ذاكر ، ويكون أصله التنبيه على الشيء ، وكل من ذكر لنا شيئا فقد نبهنا عليه ، والذكر أنبه من الأنثى.

الثاني : قال هو الذكر باللسان في قوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) [سورة النساء آية : ١٠٣] ، وقوله : (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) [سورة الأنفال آية : ٤٥] ، وقال : (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) [سورة الأحزاب آية : ٤١] ، كذا قيل ، ولا تنكر أن يكون أراد الذكر بالقلب واللسان جميعا.

الثالث : الذكر في القلب خاصة ، قال : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) [سورة آل عمران آية : ١٣٥] ، أي : ذكروا قدرة الله عليهم وأياديه إليهم فاستغفروه وتابوا إليه.

الرابع : ذكر الصفة والأمر ، قال : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) [سورة يوسف آية : ٤٢] ، أي : اذكر أمري وصفتي ، وقال : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ) [سورة مريم آية : ١٦] ، أي : اذكر أمرها ، فإن فيه عجبا ، وهكذا قوله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ) [سورة مريم آية : ٤١] ، أي : اذكر في الكتاب الذي أنزل عليك قصة إبراهيم عليه‌السلام ، أي : اقرأها واعتبر بها.

الخامس : الحفظ ، قال الله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) [سورة البقرة آية : ٦٣] ، وكذلك في الأعراف : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) [سورة الأعراف آية : ١٧١] ، أي : احفظوه.

السادس : الوعظ ، قال : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) [سورة الأنعام آية : ٤٤] ، أي : وعظوا ، وفي الأعراف أيضا : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) [سورة الأعراف آية : ١٦٥] ، وقال : (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) [سورة يس آية : ١٩] ، أي : وعظتم ، وقال : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ) [سورة ق آية : ٤٥] ، وقال : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) [سورة الغاشية آية : ٢١] ، وفي هذه الآيات دليل على أن الطاعة والمعصية من العبد ؛ لأنهما لو كانتا من الله لم يكن لتذكير الله إياه فائدة.

٢٢٢

السابع : الشرف والنباهة ، قال : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [سورة الزخرف آية : ٤٤] ، وقال : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) [سورة المؤمنون آية : ٧١] ، فامتن عليهم بما جعل لهم من النباهة بهذا الدين ، ودل على أن الخمول معيب.

الثامن : الخبر ، قال : (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) [سورة الصافات آية : ١٦٨] ، وقال : (سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) [سورة الكهف آية : ٨٣] ، أي : خبرا ، وقيل في قوله : (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) [سورة الأنبياء آية : ٢٤] ، أي : هذا خبري وخبر من قبلي ، والوجه هل فيما أنزل إلي أو فيما أنزل من قبلي دليل على أن مع الله إلها آخر ، وذكر له.

التاسع : الوحي ، قال : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) [سورة ص آية : ٨] ، وقال : (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) [سورة الصافات آية : ٣] ، [ومثله : (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً)] [سورة المرسلات آية : ٥].

العاشر : القرآن ، قال : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) [سورة الأنبياء آية : ٥٠] ، وقال : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) [سورة الأنبياء آية : ٢] ، فسماه محدثا.

والمحدث إذا كان مقدرا مخلوق ، وجاء في قوله : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) [سورة الزخرف آية : ٥] ، أنه أراد القرآن ، وقيل : أراد ذكر العذاب أي : أفنضرب عنكم ذكر العذاب فلا تذكرة لكم لأجل إشراككم ، لا بل نذكر لكم العذاب لتنزجروا ، ويقال : أضربت عنه الذكر أيضا ، والشاهد على هذا التأويل قوله : (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً) [سورة الزخرف آية : ٨].

الحادي عشر : التوراة ، قال : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) [سورة النحل آية : ٤٣] ، يعني : أهل التوراة عبد الله بن سلام وأصحابه ، الذين يصدفون عن الذكر وهو التوراة دون من يكتم ويتخرص لأن القبول يكون من أهل الثقة ، : (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [سورة النحل آية : ٤٣] ، أن الرسل بشروا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢٢٣

الثاني عشر : اللوح المحفوظ ، قال : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) [سورة الأنبياء آية : ١٠٥] ، أي : من بعد اللوح المحفوظ.

الثالث عشر : البيان ، قال الله : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) [سورة الأعراف آية : ٦٣] ، أي : بيان ، وقال : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) [سورة ص آية : ١] ، يعني : ذا البيان ، وقيل : يعني : به ما ذكر فيه من الأقاصيص والحلال والحرام.

الرابع عشر : الدليل ، قال : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) [سورة يس آية : ٦٩] ، وقال : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) [سورة ص آية : ٨٧ ، عبس : ٢٧ ، يوسف : ١٠٤] ، ويجوز أن يكون الذكر هنا الموعظة.

الخامس عشر : الصلوات الخمس كذا قال بعض المفسرين في تفسير قوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة آية : ٢٣٩] ، والصحيح أنه أراد تمام الصلاة مع الذكر فيها ؛ لأنه تعالى قال في أول الآية : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ) [سورة البقرة آية : ٢٣٩].

والمراد فإن خفتم عدوا أو سبعا فلم تقدروا على الركوع والسجود ، فصلوا على أرجلكم وعلى رواحلكم أيما ، والرجال جمع رجل ، والرجل جمع راجل فإذا زال عنكم الخوف فصلوا الصلاة التامة واذكروا الله فيها كما علمكم الشرائع.

وقوله : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [سورة النور آية : ٣٧] ، قالوا : يعني : الصلوات الخمس ، وليس هذا بالوجه في هذه الآية ؛ لأنه قال فيها : (وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) [سورة النور آية : ٣٧] ، وقال : (لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [سورة المنافقون آية : ٩] ، يعني : الصلوات الخمس زعموا ، قال : ودليل ذلك قوله : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) [سورة الجمعة آية : ٩] ، يعني : صلاة الجمعة.

٢٢٤

وقالوا في قوله تعالى : (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) [سورة ص آية : ٣٢] ، أي : أثرت حب المال على الصلاة ، وقيل : على ذكر الله ، وينبغي أن تكون الصلاة هنا تطوعا ؛ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يصنع المفروض ، وخرج لنا وجه آخر ، وهو الذكر بمعنى الغيب في قوله : (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) [سورة الأنبياء آية : ٦٠] أي : يعيبهم ، كذا قيل ، والصحيح أنه يذكرهم بالعيب.

٢٢٥

الباب العاشر

فيما جاء من الوجوه والنظائر في أوله راء

الرحمة (١)

أصلها من الرقة ، وقيل : ذوا الأرحام ، لأن بعضهم يرق لبعض ، والرحم في الأصل رحم المرأة ثم صارت ذو القربى أرحاما.

والرحيم (٢) في أسماء الله تعالى بمعنى المنعم المقيل للعترة القابل للتوبة وليس معناه الرقة ، كما أن أصل العفو الترك ، والترك لا يجوز على الله ، يقال : عفا المنزل إذا ترك حتى درس ودلالة التعظيم أيضا يوجب انتفاء الرقة عن الله ، ومع أن نعمة في الاتساع تقع موقع ما يبعث عليه الرقة ، والرحمن أبلغ من الرحيم.

وليس لأحد من المخلوقين فيه شركة والرحمة الإنعام على المحتاج إلى ذلك ، ألا ترى أن الإنسان إذا أهدى إلى ملك شيئا ، لم يقل : أنه رحمه ، ويقال : أنه أنعم عليه.

والرحمة في القرآن على ثمانية أوجه :

__________________

(١) (ر ح م) : رحمنا الله وأنا لنا رحمته الّتي وسعت كلّ شيء ورحمت زيدا رحما بضمّ الرّاء ورحمة ومرحمة إذا رققت له وحننت والفاعل راحم وفي المبالغة رحيم وجمعه رحماء.

وفي الحديث «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» يروى بالنّصب على أنّه مفعول يرحم وبالرّفع على أنّه خبر إنّ وما بمعنى الّذين. [المصباح المنير : الراء والحاء]

(٢) أخبرنا الإمام أبو إسحاق ، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ، أنا عبد الخالق بن الحسن السقطي ، ثنا عبد الله بن ثابت بن يعقوب ، قال : أخبرني أبي ، عن الهذيل بن حبيب ، عن مقاتل بن سليمان ، عمن يروي تفسيره عنه من التابعين قال : الرحمن ، الرحيم اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر الرحمن يعني المترحم ، الرحيم يعني المتعطف بالرحمة على خلقه قال أبو سليمان : وهذا مشكل ، لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات الله سبحانه ، ومعنى الرقيق هاهنا اللطيف ، يقال : أحدهما ألطف من الآخر ، ومعنى اللطف في هذا الغموض دون الصغر الذي هو نعت الأجسام ، وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر يحكي عن الحسين بن الفضل البجلي أنه قال : هذا وهم من الراوي ، لأن الرقة ليست من صفات الله عزوجل في شيء ، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر ، والرفق من صفات الله تعالى ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف». [الأسماء والصفات للبيهقي : ١ / ٩٣]

٢٢٦

الأول : قالوا هو بعثة الرسل وإنزال الكتب ، قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [سورة الأنبياء آية : ١٠٧] ، وقوله : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) [سورة الأحقاف آية : ١٢] ، وهذه الرحمة العامة المبتدأه بالدعاء والبيان ، والوجه أن يقال : أنه أراد أن بعثة للرسل وإنزال الكتب نعمة من الله على عباده ، والرحمة من الله النعمة.

الثاني : الجنة ، قال : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) [سورة آل عمران آية : ١٠٧] ، وقال : (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) [سورة النساء آية : ١٧٥] ، وقال : (فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) [سورة الجاثية آية : ٣٠] ، وقوله : (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) [سورة البقرة آية : ٢١٨] ، وهي خاصة للمؤمنين جزاء لأعمالهم ، وقال أبو علي رضي الله عنه : الرحمة والفضل هنا هو الثواب.

الثالث : المطر ، قال : (يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [سورة الأعراف آية : ٥٧] ، وقوله : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) [سورة الروم آية : ٥٠] ، يعني : المطر.

الرابع : الرزق ، قال : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) [سورة فاطر آية : ٢] ، وقيل : وينشر رحمته يعني : رزقه ، وقال : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ) [سورة الإسراء آية : ١٠٠] ، وقال : (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) [سورة الإسراء آية : ٢٨] ، وقال : (آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) [سورة الكهف آية : ١٠] ، ويجوز أن تكون هذه كلها بمعنى النعم والرزق داخل فيها.

الخامس : النبوة ، قال : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) [سورة ص آية : ٩] ، وقال : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [سورة الزخرف آية : ٣٢].

السادس : الرحمة ، قال تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) [سورة النساء آية : ٨٣] ، أزاد : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) [سورة النساء آية : ٨٣] ، فقدم وأخر ؛ لأن الناس كلهم

٢٢٧

آمنوا بفضل الله عليهم في ألطافه وفوائده ، وقوله : (أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ) [سورة الزمر آية : ٣٨] ، وقيل : يعني : العافية ، وقوله : (إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) [سورة الأحزاب آية : ١٧] ، يعني : نعمة ، وقيل : أراد الفتح والنصر.

السابع : القرآن ، قال الله : (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة الأعراف آية : ٢٠٣] ، ويجوز أن يكون بمعنى النعمة ، أي : هذا القرآن بيان ونعمة.

الثامن : الهداية ، قال : (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) [سورة هود آية : ٢٨] ، أي : دلني على الإيمان فآمنت وصدقت ، وهذا كله يرجع إلى معنى النعمة ؛ لأن الرحمة من الله تعالى النعمة ، وإنما أوردت هذه الوجوه على ما جاء في التفسير.

٢٢٨

الروح

أصل الريح ، والروح والروح ، والراحة واحد ؛ وإنما الريح فعل ، والروح فعل ، والراحة فعلة ، والرائحة فاعلة ، وقد يجيء فاعلة في أسماء الأفعال ، مثل العافية.

وأصل الكلمة من الطيب ، وذلك أن الريح تطيب الهواء ، والروح يطيب به الجسد ، والرائحة أصلها في الطيب ثم استعملت في النتن ، والأريحية طيب النفس بالبذل ، وقيل : الراحة ، لأن العيش يطيب معها ، والطيب في الأصل فيما يستنشق ، وإنما قيل : طيب النفس بالبذل.

والراحة طيب العيش على وجه التشبيه ، والريحان معروف سمي بذلك لطيب ريحه ، والريحان الرزق ؛ لأن من وجده استراح ؛ ولأن النفس تحبه كما تحب الريحان.

والروح في القرآن على ستة أوجه :

الأول : على ما قيل الرحمة ، قال تعالى : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(١) [سورة المجادلة آية : ٢٢] ، أي : قولهم برحمة منه ، والوجه أنه أراد بالروح هاهنا القرآن ، وسماه روحا ؛ لأنه يوصل به إلى المنافع كما يوصل الروح ، والشاهد قوله : (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [سورة الشورى آية : ٥٢] ، والتأييد التقوية ، ومعنى التأييد بالقرآن أنه أبطل به حجج خصماء الدين ، وثبت حجج أهله به ؛ لما عجز الناس عن الإتيان بمثله.

الثاني : جبريل عليه‌السلام ، قال : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) [سورة النبأ آية : ٣٨] ، وقيل الروح هاهنا خلق كالإنسان ، وقيل : هو ملك يقوم على يمين العرش ، وقوله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) [سورة الشعراء آية : ١٩٣] ، يعني : جبريل عليه‌السلام على قلبك بالقرآن ، وخص القلب لأنه موضع الحفظ ، ولو قال : عليك لم

__________________

(١) قال الرازي : قوله : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) وفيه قولان : الأول : قال ابن عباس : نصرهم على عدوهم ، وسمى تلك النصرة روحا لأن بها يحيا أمرهم والثاني : قال السدي : الضمير في قوله : (مِنْهُ) عائد إلى الإيمان والمعنى أيدهم بروح من الإيمان يدل عليه قوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢]. [مفاتيح الغيب : ١٥ / ٢٨٨]

٢٢٩

يتضمن معنى الحفظ وقوله : (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [سورة البقرة آية : ٨٧] ، وقال : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) [سورة مريم آية : ١٧].

الثالث : الوحي ، قال : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) [سورة النحل آية : ٢] ، أي : بالوحي ، و : (مِنْ أَمْرِهِ) [سورة النحل آية : ٢] ، أي : بأمره ، وبعض حروف الصفات يقوم مقام بعض ؛ إذا لم يشكل المعنى ، ويجوز أن يكون المعنى أن ابتداء تنزيله من أمر الله ، ومن لابتداء الغاية ، أي : حين أمرهم به نزلوا.

الرابع : عيسى عليه‌السلام ، قال الله : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) [سورة النساء آية : ١٧١] ، وسماه روحا وكلمة ؛ لأن الناس ينتفعون به كانتفاعهم بكلام الله ، وكانتفاعهم بالروح ، وقال بعضهم : قال : (بِرُوحٍ مِنْهُ) [سورة المجادلة آية : ٢٢] ، لأنه خلقه من غير شر ، ولا أعرف ما هذا.

الخامس : خلق يرون الملائكة ولا يرونهم كما يرانا الملائكة ، ولا نراهم ، وهو المعنى بقوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [سورة الإسراء آية : ٨٥] ، هكذا جاء عن بعض المفسرين ، ويجوز أن يكون معناه الروح الذي بحياته الحيوان ، وهو يذكر ويؤنث ، وقال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [سورة الإسراء آية : ٨٥] ، ولم يبين لهم كيفية ذلك ؛ لأنهم كانوا توافقوا على أن يردوا كل ما يقول فيه ، فأجابهم بما لا يمكنهم رده ، فقال : هو من أمر ربي.

السادس : الروح الذي يحيا معه الحيوان لا غير بلا خلاف ، قال الله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [سورة ص آية : ٧٢] ، وقال : (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) [سورة السجدة آية : ٩] ، ونسب الروح إلى نفسه ؛ لأنه الفاعل له ، ويجوز أن يكون قال ذلك تعظيما لأمر الروح ، كما يقال : بيت الله ، وحرم الله ، وخليفة الله ، وقال : (وَنَفَخَ) [سورة السجدة آية : ٩] ، لأن الروح من جنس الريح.

٢٣٠

الرجاء (١)

الرجاء مقصور الناحية ، والرجاء ممدود من الأصل ، والأصل الميل ، وذلك أن من يرجو نيل الشيء فإنه يخاف فوته في أكثر الحال ، فكان الرجاء طرف ، والخوف طرف ، ومنه قيل : رجاء البئر لناحيته ، فأما الطمع فيما قيل فتوطين النفس على نيل المطلوب من غير مخافة للفوت.

والصحيح أن الرجاء ما كان عن سبب ، والطمع ما كان عن غير سبب ، ولهذا ذم الطمع ، ولم يذم الرجاء.

وربما جاء الطمع في معنى الأصل ، وهو قوله : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [سورة الشعراء آية : ٨٢].

والرجاء في القرآن على وجهين :

الأول : الأمل ، قال الله : (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) [سورة الإسراء آية : ٥٧] ، وهذا دليل على ما قلنا من أن الرجاء يكون طرفا ، والخوف طرفا.

الثاني : الخوف ، قال تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) [سورة النبأ آية : ٢٧] ، ونحوه قوله : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) [سورة العنكبوت آية : ٥] ، أي : بحسن البعث ، وقال : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) [سورة الكهف آية : ١١٠].

__________________

(١) [رجو] : الرجاء ، ممدود : نقيض اليأس .. رجا يرجو رجاء. ورجى يرجّي. وارتجى يرجّى يترجّى.

ترجّيا ، ومن قال : رجاة أن يكون كذا فقد أخطأ ، إنّما هو رجاء.

والرّجا ، مقصور : ناحية كلّ شيء. والاثنان : رجوان ، والجميع : أرجاء.

والرّجو : المبالاة. يقال : ما أرجو ، أي : ما أبالي ، من قول الله عزوجل : " (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً)" أي ، لا تخافون ولا تبالون ، وقال أبو ذؤيب :

إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها

وخالفها في بيت نوب عوامل

أي : لم يكترث. [العين : رجو].

قال الجرجاني : الرجاء : في اللغة : الأمل ، وفي الاصطلاح : تعلق القلب بمحصول محبوب في المستقبل. [التعريفات : ١ / ٣٦]

٢٣١

وليس اللقاء الرؤية ، ألا ترى الأعمى يقول لقيت فلانا ، ولم يعن أنه رآه.

وأصل اللقاء المصادفة ، وهو هاهنا لقاء ما وعد الله ، لأن الله لا يصادف.

والرجاء بمعنى الخوف معروف في العربية.

قال الهزلي :

إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها

٢٣٢

الرقبة (١)

أصل الرقبة الانتظار ، وسميت الرقبة رقبة ، لأنك تمدها إذا انتظرت توقفا للمنتظر ، والرقبى أن تعطي الرجل دارا أو أرضا ، فإن مات قبلك رجعت إليك ، وإن مت قبله كانت له ، وسميت رقبى ؛ لأن كل واحدا منهما يرقب موت صاحبه ، والمرقب المربا.

والرقيب الذي يشرف على أصحاب الميسر ، والارتقاب انتظار مع مخافة ، ولهذا يقال : فلان يراقب فلانا ، أي : يخافه ، وراقب الله ، أي : خفه ، ولهذا كان أكثر ما يستعمل الارتقاب في المكروه ، ومنه قوله تعالى : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) [سورة هود آية : ٩٣] ، والرقيب في أسماء الله تعالى الحفيظ.

وهو في القرآن على وجهين :

الأول : الحفيظ ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [سورة النساء آية : ١] ، أي : هو حافظ لأعمالكم ، وفي ذلك ترغيب وترهيب ، وإخبار بأن الجزاء من وراء العباد ، وقوله : (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) [سورة المائدة آية : ١١٧].

الثاني : بمعنى الانتظار ، قال : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) [سورة هود آية : ٩٣] ، وقال : (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) [سورة الدخان آية : ٥٩] ، أي : انتظر ما يكون من نصرنا إياك ، أنهم منتظرون ما يكون من مثل ذلك لهم.

__________________

(١) (ر ق ب): (رقبه) رقبة انتظره من باب طلب وراقبه مثله (ومنه) راقب الله إذا خافه لأنّ الخائف يرقب العقاب ويتوقّعه (وأرقبه) الدّار قال له هي لك رقبى وهي من المراقبة لأنّ كلّا منهما يرقب موت صاحبه واشتقاقها من رقبة الدّار غير مشهور ورجل (رقبانيّ) عظيم (الرّقبة) واستعمال الرّقبة في معنى المملوك من تسمية الكلّ باسم البعض ومنه أفضل الرّقاب أغلاها ثمنا وهو من الغلاء وقوله تعالى (وَفِي الرِّقابِ) يعني المكاتبين. [المغرب : الراء مع القاف]

٢٣٣

الرجم (١)

أصله الرمي ثم قيل للقتل رجم ، والشتم رجم تشبيها ، والرجمة القبر لما يرمى فيه من التراب على الميت.

والرجم في القرآن على أربعة أوجه :

الأول : القتل ، قال في يس : (لَنَرْجُمَنَّكُمْ) [سورة يس آية : ١٨] ، أي : نقتلنكم ، وقال : (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) [سورة الدخان آية : ٢٠] ، أي : أن تقتلون ، وقال : (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) [سورة هود آية : ٩١] ، وقيل : معناه رجمناك بالحجارة ، وقيل : بالسب ، ويجوز أن يكون ما تقدم مثل ذلك ، وقال : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) [سورة مريم آية : ٤٦] ، يعني : القتل ، وقيل الشتم.

الثاني : الرمي ، قال الله : (رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) [سورة الملك آية : ٥].

الثالث : الظن ، قال الله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) [سورة الكهف آية : ٢٢] ، أي : يقولون ذلك ظنا ، ويقال رجمت الظن في كذا إذا ذهب ظنك فيه كل مذهب ، قال زهير :

وما هو عنها بالحديث المرجم (٢)

أي المظنون.

__________________

(١) [رجم] : الرّجم : الرّمي بالحجارة. والقتل. واسم لما يرجم به الشّيء ، والجميع الرّجوم ، والشّيطان مرجوم رجيم : لعين. والقذف بالغيب وبالظّنّ ، ومنه : حديث مرجّم. وقوله عزوجل : " (لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)" أي لأقولنّ فيك ما تكره ولأشتمنّك. والمراجمة في الكلام والعدو والحرب : العمل بأشدّه مساجلة. وراجم فلان عن فلان : ناضل عنه. والرّجم : القبر ، وجمعه رجام. والرّجمة : حجارة مجموعة. وارتجم الشّيء : ارتكم. وتراجم : تراكم. والرّجامان : خشبتان تنصبان على رأس البئر ينصب عليهما القعو. والرّجام : حجر يعلّق في طرف الرّشاء فضيخضخض به الماء في البئر إذا كانت فيها حمأة لتثور. والرّجمة : البناء من صخر تعمد به النّخلة. وبيت يبنى للضّبع لتصاد به. وترجّم : أي اتّخذ رجمة. والمرجام من الإبل : الذي يمد عنقه في السّير كأنّه يرجم برأسه الأرض ، وقيل : هو الشّديد. [المحيط في اللغة : الجيم والراء والميم]

٢٣٤

الرابع : بمعنى اللعين ، جاء في تفسير قوله تعالى : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [سورة النحل آية : ٩٨] ، أنه يعني : الملعون ، وقيل : الرجيم المرجوم بالشهب ، من قوله : (رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) [سورة الملك آية : ٥].

٢٣٥

الرؤية

أصل الرؤية العين (١) ، ثم استعمل في العلم لوقوع العلم مع الرؤية ، كما أن أصل البصر بصر العين ، ثم سمي العلم بصيرة وبصرا ؛ لأنه قد يقع مع بصر العين ورؤية العين يتعدى إلى مفعول واحد ، والرؤية التي بمعنى العلم يتعدى إلى مفعولين لا غير ، مثل العلم ، تقول : رأيت الرجل حكيما بمعنى علمته ، كذلك رأيت الرجل بمعنى أبصرته.

والرؤية في القرآن على ثلاثة أوجه :

أولها : رؤية العين ، قال الله : (تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) [سورة الزمر آية : ٦٠] ، ومثله كثير.

الثاني : العلم ، قال : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً) [سورة الأنبياء آية : ٣٠] ، وقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [سورة الفرقان آية : ٤٥] ، ومثله : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [سورة يس آية : ٧٧] ، أي : أولم يعلم ، ولم يرد أنه خصيم في الحال ، ولكن إذا بلغ ، ونحوه قوله : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) [سورة يوسف آية : ٣٦] ، أي : ما يكون خمرا ، ومثله قول الراجز :

الحمد لله العليم المنّان

صار الثّريد في رءوس العيدان

فسمي الحب في سنبله ثريدا على معنى أنه يكون كذلك.

__________________

(١) الفرق بين الرؤية والعلم : أن الرؤية لا تكون إلا لموجود ، والعلم يتناول الموجود والمعدوم ، وكل رؤية لم يعرض معها آفة فالمرئي بها معلوم ضرورة ، وكل رؤية فهي لمحدود أو قائم في محدود كما أن كل إحساس من طريق اللمس فإنه يقتضي أن يكون لمحدود أو قائم في محدود.

والرؤية في اللغة على ثلاثة أوجه أحدها العلم وهو قوله تعالى" (وَنَراهُ قَرِيباً)" أي نعلمه يوم القيامة وذلك أن كل آت قريب ، والآخر بمعنى الظن وهو قوله تعالى" (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) " أي يظنونه ، ولا يكون ذلك بمعنى العلم لانه لا يجوز أن يكونوا عالمين بأنها بعيدة وهي قريبة في علم الله ، واستعمال الرؤية في هذين الوجهين مجاز ، والثالث رؤية العين وهي حقيقة. [الفروق اللغوية : ١ / ٢٦٣]

٢٣٦

الثالث : بمعنى الخبر ، جاء في التفسير عن ابن عباس أن قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) [سورة آل عمران آية : ٢٣] ، أنه يعني : ألم تخبر ، وذلك أن جني بن أخطب ، وكعب بن الأشرف سارا إلى مكة ، فقال المشركون : هذان خبر اليهود ، وأهل العلم بالكتب فاسألوهما عنكم وعن محمد أيكم خير فسألوهما ، فقالا : إنكم خير منه أنتم أهل هذا البيت وذاك صابئ فأنزل : (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) [سورة النساء آية : ٥١].

وقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) [سورة آل عمران آية : ٢٣] ، معناه ألم تخبر بذلك ، وهذا أيضا يرجع إلى معنى العلم ؛ لأنه إذا أخبر به فقد علمه ، ويجوز أن يكون تعجيبا منهم كما تقول لصاحبك : ألم تر إلى فلان كيف أحسن إليه ويحفو بي ونحو ذلك.

٢٣٧
٢٣٨

الباب الحادي عشر

فيما جاء من الوجوه والنظائر في أوله زاي

الزخرف (١)

أصله الذهب ، ثم استعمل في التزيين ، فيقال : زخرفت البيت إذا زينته ، وزخرفت القول إذا زورته وحسنته ، وسميت أنوار الربيع زخارف ؛ لأنها تزين الأرض.

وهو في القرآن على ثلاثة أوجه :

الأول : الذهب ، قال الله : (وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ) [سورة الزخرف آية : ٣٥] ، وقال : (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) [سورة : آية ٩٣] ، يعني : الذهب.

الثاني : الزينة والحسن ، قال الله : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) ، [سورة يونس آية : ٢٤] ، يعني : حسنها وزينتها.

الثالث : تزوير القول حتى يشبه كذبه صدقا وغروره حقا ، قال تعالى : (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [سورة آية : ١١٢] ، والمعنى أن بعضهم يزين لبعض الأعمال القبيحة ، وغرورا منصوب على المصدر ومحمول على المعنى ، كأنه قال : يغرون غرورا.

__________________

(١) الزخرف الزينة ، بيت مزخرف ، وتزخرف الرجل. وقيل الزخرف الذهب. والزخارف : ما يزخرف من السفن. وهي ـ أيضا ـ : دويبّات تطير على الماء مثل الذباب. [المحيط في اللغة : ١ / ٣٨٤]

٢٣٩

الزبر (١)

أصل الزبر الكتب في الحجر ، ثم كثر حتى جعل كل كتابة زبرا ، يقال : زبرت الكتاب كتبته ، وزبرته قرأته ، والزبور فعول ، بمعنى مفعول ، أي : هو مزبور ، كما قيل : ركوبة وحلوبة ، وقد يقال : ركوبة ، قال الله تعالى (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) [سورة يس آية : ٧٢].

وأصل الكلمة الاجتماع ، ومنه قيل : زبرت البئر ، إذا طويتها بالحجارة بجمعك الحجارة فيها ، وزبرة الأسد الشعر المجتمع على كاهله ، وأسد أزبر ومزبر عظيم الزبرة ، والزبرة القطعة من الحديد ، قال الله : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) [سورة الكهف آية : ٩٦].

وروي الفقير الذي لا زبر له أي : ليس له معتمد يجمع أمره ، ومن ثم سمي الزبير ، وأخذت الشيء بزوبره أي : بأجمعه ، والواو زائدة ، ويجوز أن يكون أصل الكلمة الغلظ ، ومنه قولهم : زبره إذا أغلظ له القول.

والزبر في القرآن على ثلاثة أوجه :

الأول : الكتب ، قال الله : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) [سورة آل عمران آية : ١٨٤] ، أي : أرسلناهم بالعلامات البينات ، والزبر يعني : الكتب المضمنة للأمر والنهي ، وقوله : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) [سورة الشعراء آية : ١٩٦]. وقال بعض المفسرين : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) [سورة الأنبياء آية : ١٠٥] ، أنه يعني : بالزبور الكتب كلها ، وليس بالوجه ؛ لأن الظاهر لا يترك إلا بدليل ، ولا دليل إلا أن يكون القراءة في الزبور ، جمع زبر مثل سفر وسفور ، وليس ذلك المشهور ، ولا ينبغي القراءة به عندنا.

__________________

(١) الفرق بين الزبر والكتب : أن الزبر الكتابة في الحجر نقرا ثم كثر ذلك حتى سمي كل كتابة زبرا ، وقال أبو بكر : أكثر ما يقال الزبر وأعرفه الكتابة في الحجر قال وأهل اليمن يسمون كل كتابة زبرا ، وأصل الكلمة الفخامة والغلظ ومنه سميت القطعة من الحديد زبرة والشعر المجتمع على كتف الاسد زبرة ، وزبرت البئر إذا طويتها بالحجارة وذلك لغلظ الحجارة وإنما قيل للكتابة في الحجر زبر لانها كتابة غليظة ليس كما يكتب في الرقوق والكواغد وفي الحديث" الفقير الذي لا زبر له" قالوا لا معتمد له وهو مثل قولهم رقيق الحال كأن الزبر فخامة الحال ، ويجوز أن يقال الزبور كتاب يتضمن الزجر عن خلاف الحق من قولك زبره إذا زجره وسمي زبور داود لكثرة مزاجره ، وقال الزجاج الزبور كل كتاب ذي حكمة. [الفروق اللغوية : ١ / ٢٦٥]

٢٤٠