زبدة الأصول - ج ١

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-34-9
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥٤٣

فبناء على كون التخييري هو الوجوب المتعلق بالجامع الحقيقي أو العنوانى بين الفعلين ، فمقتضى ظهور الصيغة المتضمنة للامر بالفعل بخصوصه ، هو كون الواجب تعيينيا : إذ حمل المتعلق على إرادة الجامع بينه وبين غيره خلاف الظاهر.

واما بناء على كونه هو الوجوب المتعلق بكل منهما مشروطا بعدم الاتيان بمتعلق الآخر ، فمقتضى اطلاقها ذلك : فانه لو دار الامر بين الوجوب المطلق والمشروط ، الاطلاق يعين الأول : كما عرفت.

ومما ذكرناه ظهر حكم (المسألة الثالثة) ما لو دار الامر بين كون الوجوب عينيا ، ام كفائيا : إذ لو كان الوجوب الكفائي ، هو الوجوب المتعلق باحد المكلفين مقتضى ظهور الصيغة كون الوجوب عينيا ولو كان عبارة عن الوجوب المتعلق بجميع الافراد الساقط عن الجميع باتيان واحد منهم مقتضى اطلاق الصيغة ذلك.

الامر عقيب الحظر

المبحث السادس : إذا وقع الامر عقيب الحظر أو توهمه فهل يدل على الوجوب كما عن كثير من العامة ، أو على الاباحة كما هو المشهور بين الاصحاب ، أو هو تابع لما قبل النهي ان علق الامر بزوال علة النهي ، أو يحكم بالاجمال وعدم الدلالة على شيء ، وجوه واقوال.

٥٢١

والتحقيق يقتضي ان يقال : ان الضابط في الحجية وحمل الكلام على إرادة معنى خاص انما هو الظهور العرفي وليس الضابط كون المستعمل فيه حقيقيا كي يحتاج إلى اثبات كون المستعمل فيه كذلك ، بدعوى ان الاصل في الاستعمال كونه حقيقة كما ذهب إليه السيد المرتضى (قدِّس سره) (١).

وبالجملة بناء العقلاء انما هو على ان المتكلم اراد ما يكون كلامه ظاهرا فيه ، وعليه فإذا كان الكلام محفوفا بما يصلح للقرينية كان ذلك الكلام منعدم الظهور عندهم فيحكمون بالاجمال.

ومن تلك الموارد ما نحن فيه : إذ ورود الامر عقيب الحظر أو توهمه مما يحتمل عند العقلاء كونه قرينة على عدم إرادة المتكلم الوجوب من الصيغة بناءً على كونها ظاهرة فيه بنفسها وضعا أو انصرافا على ما تقدم من المحقق الخراساني (٢) وعلى كون الامر مما يجوز ترك متعلقه ، بناء على كونه بحكم العقل كما هو المختار.

وبعبارة اخرى : ان وقوع الامر عقيب الحظر يصلح ان يكون قرينة على

__________________

(١) الذريعة ج ١ ص ٢٠٣ (فصل في ذكر الدلالة على أنه ليس للعموم المستغرق لفظ يخصه) قال : أنّ اللّفظة قد تكون لها حقيقة في اللّغة ولا مجاز لها ، ولا يمكن أن يكون مجاز لا حقيقة له ، فإذا ثبت ذلك ، وجب أن يكون الحقيقة هي الّتي يقتضيها ظاهر الاستعمال ، وإنّما ينتقل في اللّفظ المستعمل إلى أنّه مجاز بالدّلالة ، وأمّا المجاز فلا يلزم على ما ذكرناه.

(٢) راجع المبحث السابع من الكفاية ص ٦٦ ـ ٧٧.

٥٢٢

الترخيص في الترك ومعه لا يحكم العقل بلزوم الاتيان بمتعلقه.

وان شئت قلت ان العقل انما يحكم بلزوم الاتيان إذا لم يكن الامر واردا في هذا المورد ، فلا يحمل الامر الواقع عقيب الحظر أو توهمه على الوجوب على المسلكين.

فالقول ببقاء ظهوره في الوجوب ساقط.

كما ان القول بظهوره في الاباحة فاسد : إذ هو تحكم لعدم الدليل على ذلك من وضع أو غيره.

كما ان القول بتبعيته لما قبل النهي ان علق الامر بزوال علة النهي ، كما في الآية الشريفة : (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) (١) بعد ان الحكم السابق ارتفع بالنهي وعوده يحتاج إلى دليل ـ قول من غير دليل ـ وانما استفيد ذلك من الآية الشريفة بدليل آخر.

فتحصل ان الصيغة في هذا المورد فاقدة للظهور فلا اصل لفظي يرجع إليه في المقام ، فلا بد من الرجوع إلى الاصل العملي ، ومؤداه يختلف باختلاف الموارد.

فان المأمور به إذا كان عبادة احتمال الكراهة والاباحة منتف قطعا ، إذ العبادة لا تكون مرجوحة ولا مباحة ، والمفروض زوال الحرمة ، فيدور الامر بين الاستحباب والوجوب فبضميمة قبح العقاب بلا بيان ، يثبت الاستحباب فتدبر.

__________________

(١) الآية ٢ من سورة المائدة.

٥٢٣

وان كان غير عبادي يبنى على الاباحة ، بناءً على جريان البراءة الشرعية في الاحكام غير اللزومية إذ تجرى البراءة عن الوجوب والكراهة والاستحباب فيثبت الاباحة.

المرة والتكرار

المبحث السابع : لا اشكال في ان الوظائف الشرعية على قسمين :

الأول : ما يكون انحلاليا يتعدد بتعدد الموضوع ، كالاحكام التحريمية ، وكوجوب الصوم والصلاة ، فان تعدد وجوب الصوم انما هو بتعدد شهود شهر رمضان فقوله تعالى : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١) ينحل إلى احكام عديدة ، كما ان وجوب الصلاة يتعدد بتعدد دلوك الشمس.

الثاني : ما لا يكون انحلاليا كوجوب الحج فانه لا يتعدد بتعدد الاستطاعة.

ولقد افاد المحقق النائيني (ره) (٢) انه : من نظر إلى القسم الأول : حكم باستفادة التكرار من الامر ، ومن نظر إلى القسم الثاني ، حكم باستفادة المرة.

والتحقيق : بطلان هذا النزاع رأسا فان تعدد الحكم بتعدد موضوعه ووحدته بوحدته اجنبي عن دلالة الامر على التكرار والمرة.

__________________

(١) الآية ١٨٥ من سورة البقرة.

(٢) اجود التقريرات ج ١ ص ١٧٣ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٧٩ (المبحث الثامن : في المرة والتكرار).

٥٢٤

وتنقيح القول في المقام يقتضى تقديم امور :

الامر الأول : ان صاحب الفصول (١) استدل على ان محل الكلام ليس دلالة المادة على المرة أو التكرار ، بل محل الكلام اما خصوص الهيئة أو هي مع المادة : باتفاق ائمة الادب على ان المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا يدل الا على الماهية المعراة عن لحاظ المرة والتكرار ، حيث ان اتفاقهم على ذلك في المادة قرينة على ان نزاعهم انما هو في غيرها.

واجاب عنه المحقق الخراساني (٢) ، بان هذا يتم بناء على كون المصدر مادة للمشتقات.

وهو فاسد : فانه مشتق في عرض سائر المشتقات وله مادة وهيئة : لاشتماله لفظا على هيئة خاصة ، ومعنى على خصوصية زائدة ، على المعنى الاشتقاقى السارى في جميع المشتقات وهي النسبة الناقصة ، بل المادة لجميع المشتقات هي المادة المشتركة بين جميع الألفاظ التي تكون لا بشرط لفظا من حيث كل هيئة من الهيئات ومعنى من حيث قبولها لطرو انحاء النسب عليها.

وفيه : ان ما ذكره (ره) من عدم كون المصدر مادة لسائر المشتقات ، وان كان حقا لا ريب فيه ، الا انه لا يكون جوابا عن صاحب الفصول : إذ اتفاقهم على ان المصدر لا يدل على شيء من المرة والتكرار يكون كاشفا عن عدم دلالة المادة عليها لاشتماله حينئذ ، على المادة وهيئة.

__________________

(١) الفصول الغروية ص ٧١ (الحق ان هيئة الامر لا دلالة لها على مرة ولا تكرار).

(٢) كفاية الأصول ص ٧٧ (المبحث الثامن).

٥٢٥

وبعبارة اخرى المشتق هي المادة المتهيئة بهيئة خاصة فهو مشتمل على كون تلك الخصوصية زائدة ، فمن عدم دلالة احد المشتقات على خصوصية يستكشف عدم كون تلك الخصوصية ماخوذة في المادة ، فإذا ثبت عدم دلالة المصدر على شيء من المرة والتكرار يثبت عدم دلالة المادة في ضمن أي هيئة كانت على ذلك.

الأمر الثاني : قال في الكفاية ثم المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات ، أو الفرد والافراد ، والتحقيق ان يقعا بكلا المعنيين في محل النزاع (١) انتهى. وهو متين.

وما عن الفصول (٢) ، من ان المراد لو كان هو الواجد الواحد والوجودات ، كان اللازم ان يجعل هذا المبحث من تتمة البحث الآتي ، وهو ان الامر ، هل هو متعلق بالطبيعة أو الفرد ، فمن ذهب إلى تعلقه بالطبيعة فلا يصح له هذا النزاع ، ومن اختار تعلقه بالفرد يأتي نزاع آخر ، وهو انه هل هو متعلق بفرد واحد أو افراد ، ولو كان المراد هي الدفعة والدفعات يصح النزاع على كل من المسلكين.

غير تام : إذ المراد من الطبيعة والفرد في تلك المسألة دخل الخصوصيات المفردة في الحكم وعدمه ، وعليه فيمكن : ان ينازع على القول الأول : في ان الامر المتعلق بالطبيعة أي ايجادها الذي يكون لا محالة في ضمن فرد ما ، هل يدل على

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٧٨.

(٢) الفصول الغروية ص ٧١ بتصرف.

٥٢٦

ان المطلوب هو ايجاد الطبيعة في ضمن فرد أو افراد.

وبعبارة اخرى هل المطلوب وجود واحد للطبيعة أو وجودات.

الأمر الثالث : انه قد يتوهم ان هذا البحث هو بعينه البحث عن اجزاء الاتيان بالمأمور به عن اعادته ثانيا.

فالقائل بالاجزاء يتعين له القول بدلالة الامر على المرة.

والقائل بعدمه يتعين ان يلتزم بدلالته على التكرار.

وهو فاسد : إذ هذا البحث انما هو لتعيين المكلف به ، وبحث الاجزاء ، انما يتكفل لبيان ، ان الاتيان بالمكلف به على حده هل يجزى عن اعادته ثانيا ام لا؟

إذا عرفت هذه الأمور :

فاعلم ان الامر لا يدل على المرة ولا التكرار لان الأمر مركب من المادة والهيئة ، والاولى موضوعة للماهية لا بشرط ، والثانية موضوعة لابراز الشوق ، فكل من المرة والتكرار خارج عن مدلولهما ، وليس للمركب وضع آخر حتى يدعى دخل احدهما فيه.

نعم ، مقتضى الاصل اللفظي والعملي هو كون المطلوب وجودا واحدا.

اما الأصل اللفظي : فلانه إذا تمت مقدمات الحكمة وثبت الاطلاق يكون الثابت به ان المطلوب صرف وجود الطبيعة المنطبق على اول الوجودات ، فما لم ينصب قرينة على كون المطلوب وجودات عديدة ، لا بد من البناء على ذلك ، من غير فرق في ذلك بين الواجبات المستقلة والضمنية.

٥٢٧

كما ان مقتضى الاطلاق ان المطلوب ينطبق على الوجود الأول : ، وان انضم إليه الوجود الثاني.

وبعبارة اخرى انه كما يقتضى كون المطلوب وجودا واحدا غير مقيد بانضمام سائر الافراد إليه ، كذلك يقتضى انه المطلوب غير مقيد بعدم انضمام غيره إليه.

واما الأصل العملي : فلانه يشك في وجوب غير الفرد الأول : المطلوب قطعا ، فتجري اصالة البراءة ويحكم بعدم الوجوب.

واما اتيان المأمور به ثانيا بعد اتيانه اولا المسمى ذلك بالامتثال عقيب الامتثال فسيأتى الكلام فيه في الاجزاء مفصلا.

الفور والتراخي

المبحث الثامن : هل الصيغة تدل على الفور ، أو التراخي ، ام لا يدل على شيء منهما؟.

معنى كون الواجب فوريا هو تضييقه ولزوم البدار إلى امتثاله.

كما ان معنى جواز التراخي هو توسعته ، وعلى ذلك فانقدح مما حققناه في مبحث المرة والتكرار انه لا دلالة للصيغة على الفور ولا على التراخي :

لانها لو دلت على احدهما قطعيا ، اما ان تكون من ناحية المادة ، أو من ناحية الهيئة. والمادة كما عرفت موضوعة للطبيعة المهملة العارية عن جميع

٥٢٨

الخصوصيات. والهيئة وضعت للدلالة على ابراز الشوق أو اعتبار كون المادة على عهدة المأمور فلا دلالة في شيء منهما على ذلك.

والاستدلال لدلالة الهيئة على الفور ـ بان البعث الشرعي انما هو بمنزلة العلّة في التكوينيات فكما انها لا تنفك عن المعلول في اول ازمنة الامكان كذلك ما هو منزل منزلها ـ.

فاسد : لعدم تسليم صحة التنزيل المزبور ، مع ان البعث الشرعي انما هو جعل ما يمكن ان يكون داعيا.

نعم مقتضى الاطلاق جواز التراخي : فان مقتضاه كون الواجب هو الطبيعي المطلق بلا اعتبار خصوصية زائدة من الفور أو التراخي ، ولازم ذلك جواز التراخي ، وقد مر ان الاصول اللفظية حجة في مثبتاتها ، هذا إذا كان هناك اطلاق والا فيرجع إلى الاصل العملي وهو ايضا يقتضى ذلك لاصالة البراءة عن الخصوصية الزائدة.

وقد يقال : ان مقتضى القاعدة والاصل وان كان ذلك ، الا انه قامت القرينة العامة على الفور وهي قوله تعالى : (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ) (١) وقوله عزوجل : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (٢).

بدعوى ان الامر ظاهر في الوجوب ، فالآيتان تدلان على وجوب المسارعة

__________________

(١) الآية ١٣٣ من سورة آل عمران.

(٢) الآية ١٤٨ من سورة البقرة.

٥٢٩

والاستباق ، وبديهى ان الواجبات الشرعية من اظهر افراد المغفرة والخير ، فيجب المسارعة والاستباق إليها باتيانها في اول ازمنة الامكان.

واجاب عنه المحقق الخراساني (١) باجوبة :

احدها : ان سياق الآيتين انما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما الغضب والشر ضرورة ان تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر كان البعث بالتحذر عنهما انسب.

وهذه بظاهره بيّن الوهن ، فان المستدل انما يستدل بظاهر الامر فلو تم ذلك لزم عدم ظهور الامر في مورد في الوجوب.

وبعبارة اخرى انه لو تم لجرى ذلك في سائر الواجبات المقتصر في بيانها على البعث من غير ضم وعيد على الترك.

ولذلك ربما يقال انه اراد بما ذكره مطلبا آخر وان كانت العبارة قاصرة عن افادته.

وحاصله ان تعلق الامر في الآيتين بعنواني ، المسارعة إلى المغفرة ، والاستباق إلى الخيرات ، بنفسه دال على الاستحباب ، لدلالته على تحقق الخير والمغفرة في كلتا صورتي المسارعة والاستباق ، وعدمهما ، ولازم ذلك عدم كون الامر وجوبيا ، والا لم يكن الاتيان بالفعل في الازمنة اللاحقة مغفرة وخيرا ، ولازم ذلك عدم كونه في الآن الأول ، مسارعة إلى المغفرة واستباقا إلى الخير.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٨٠ (المبحث التاسع في الفور والتراخي).

٥٣٠

ولكن يرد عليه : ان لازم هذا الوجه عدم كون الاستباق من قيود المأمور به مقوما للمصلحة اللزومية ، واما عدم كونه واجبا آخر ناشئا عن مصلحة اخرى قائمة به ، فهذا الوجه لا يكفي في رده ، وعليه فحيث ان الظاهر هو الوجوب ، فيتعين الالتزام به.

اللهم الا ان يقال ان الامر المتعلق بخصوصية من خصوصيات المأمور به يكون ظاهرا في كونه ارشادا إلى جزئيتها أو شرطيتها ، وانها معتبرة فيه ، ولو دل الدليل على عدم كونها من القيود اللزومية ، يحمل على كونها من القيود غير اللزومية ، ولذلك يبنى على ان القنوت من الاجزاء المستحبة للصلاة ، وفي المقام بما ان اتيان المأمور به في اول ازمنة الامكان من خصوصيات المأمور به فالامر به ظاهر في اعتباره في المأمور به ، وحيث انه لا يمكن حمله على الوجوب لما تقدم ، فيحمل على إرادة افضلية الاتيان بالمأمور به في اول ازمنة الامكان فتدبر فانه دقيق.

ثانيها : لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات واكثر الواجبات من حمل الامر فيهما على الوجوب فيتعين حمله على الاستحباب.

ثالثها : ان العقل مستقل بحسن المسارعة والاستباق فما ورد في مقام البعث نحوه ارشاد إلى ذلك كالآيات والروايات الواردة في البعث على أصول الطاعة.

وفيه : ان الاحكام العقلية التي لا معنى لها سوى الادراكات العقلية ـ لان العقل ليس مشرعا بل شأن القوة العاقلة ـ هو الدرك.

ان كانت واقعة في سلسلة علل الأحكام الشرعية كما لو حكم العقل بقبح شيء لما فيه من المفسدة الشخصية أو النوعية ، لا محالة يكون الحكم

٥٣١

الشرعي الوارد في ذلك المورد حكما مولويا نفسيا ، كما هو كذلك فيما دل على حرمة الظلم الذي استقل العقل بقبحه.

وان كانت واقعة في سلسلة معاليل الاحكام ، كحكمه بحسن الاطاعة وقبح المعصية ، لا يصح ان يرد من الشارع حكم مولوي فيما حكم به العقل كما حقق في محله ، والا لزم التسلسل واللغوية وغيرهما من التوالى الفاسدة ، وفي المقام بما ان حكم العقل بحسن المسارعة ، والاستباق حكم عقلي واقع في سلسلة علة الحكم الشرعي ، فالامر الوارد في هذا المورد يحمل على المولوية.

مع ان حكم العقل بحسن المسارعة ليس حكما لزوميا كما هو الظاهر لمن راجع إلى مرتكزه الذهني ، فحكم الشارع بوجوبها لا يكون حكما ارشاديا إلى ما حكم به العقل ، فالعمدة هي الوجهان الاولان.

بناءً على الفورية هل يجب فورا ففورا

ثم انه بناء على القول بعدم دلالة صيغة الامر على الفور ، ولا التراخي ، أو دلالتها على التراخي فلا كلام.

واما بناء على دلالتها على الفور ، فهل يسقط الامر بالطبيعة مع عدم الاتيان فلا يجب الاتيان بها بعد ذلك ، ام لا يسقط؟

وعلى الفرض الثاني ، فهل يجب الاتيان بالمكلف به في الزمان الثاني فورا ايضا ام لا؟

٥٣٢

وعليه ، فالكلام يقع في موردين :

الأول : في سقوط الامر بالطبيعة مع عصيان الامر بالاستباق ، وعدمه.

الثاني : انه هل يجب الاتيان بالمأمور به في الزمان الثاني فورا ، ام لا؟

اما المورد الأول : فعن المحقق العراقي (ره) (١) ، انه ان كان منشأ القول بالفورية ، هو الصيغة بان استفيدت الفورية منها ، تعين البناء على سقوط التكليف رأسا : لان الفورية دخيلة في الواجب كدخل سائر الاجزاء والشرائط ، فكما انه يسقط الامر بالمركب بتعذر تلك القيود ، فكذلك هذا القيد ، وان كان المنشأ ما كان خارجا عنها ـ كالآيتين (٢) فالظاهر انها تكون من قبيل الواجب في الواجب على نحو تعدد المطلوب.

وفيه : ما تقدم من ان الامر بقيد في المأمور به ظاهر في كونه ارشادا إلى الجزئية أو الشرطية ، وعليه فلا فرق بين كون المنشأ نفس الصيغة أو امرا خارجيا ، فالتفصيل في غير محله.

فالمتحصل مما ذكرناه ، أنه لو دل الدليل على وجوب الفور ، لدل على كون الواجب بنحو وحدة المطلوب ، وسقوط الامر بعدم اتيان المأمور به فورا.

وبما ذكرناه يظهر ، ما في كلمات المحقق الخراساني في الكفاية (٣) ، من ابتناء

__________________

(١) راجع نهاية الأفكار ج ١ ص ٢١٩ (الجهة الثامنة عند قوله بقي الكلام) بتصرف

(٢) آية المسارعة في سورة آل عمران ١٣٣ ، والاستباق في سورة البقرة ١٤٨ كما مر.

(٣) كفاية الاصول ص ٨٠ (تتمة).

٥٣٣

الوجهين : على ان مفاد الصيغة على هذا القول هو وحدة المطلوب أو تعدده ، ثم اختيار انه لا يكون لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده ، حتى على القول بدلالتها على الفور.

وعلى فرض التنزل وتسليم عدم سقوط الامر ، يقع الكلام في المورد الثاني. وهو انه هل يجب الاتيان به في الزمان الثاني ايضا فورا ، ام لا يجب؟

وقد استدل للاول ، بان منشأ القول بالفور ، ان كان هو ما كان خارجا عن الصيغة كالآيتين ، فهو يدل ان كل ما هو خير ومغفرة يجب المسارعة والاستباق إليه ، والفعل بعد عدم اتيانه في الزمان الأول : بما ان التكليف به باق ، فهو خير ومغفرة في الزمان الثاني فيجب المسارعة نحوه بمقتضى عموم الآيتين وهكذا في الازمنة المتأخرة.

وفيه : ان عنوان المسارعة المطلوبة ان كان يصدق على غير الاتيان به في الزمان الأول : ، فلازم ذلك التخيير بين افراد السبق والمسارعة ، والا ، فلا دليل على لزوم الاتيان به في الزمان الثاني فورا.

وان شئت قلت ان الظاهر منهما وجوب المسارعة بقول مطلق ، وليس لهذا العنوان إلا فرد واحد ، وهو الاتيان في الزمان الأول : وإتيان الفعل في الزمان الثاني ، وان صدق عليه المسارعة بالاضافة ، الا انه لا دليل على مطلوبيتها : لان الدليل دل على مطلوبية المسارعة بقول مطلق ، لا مطلق المسارعة.

فتحصل انه لا فرق في كون منشأ القول بالفور ، هي الصيغة ، ام كان خارجا عنها كالآيتين في عدم دلالته على لزوم الاتيان به فوراً ففوراً فتدبر.

٥٣٤

تم بعونه تعالى

الجزء الأول

ويليه

الجزء الثاني

وأوله

الفصل الثالث من المقصد الأول

مبحث الإجزاء

٥٣٥

فهرس الموضوعات

مقدمة التحقيق................................................................ ٥

علم الأصول في سطور......................................................... ٩

الفهرس الاجمالي للكتاب : مقدمة ومقاصد وخاتمة................................... ١٨

مقدمة علم الأصول : في ستة عشر أمرا

في ثبوت المبادئ الأحكامية لعلم الاصول وعدمه.................................... ٢١

لزوم الموضوع للعلم وعدمه....................................................... ٢٤

لزوم البحث عن العوارض الذاتية لموضوع العلم وعدمه............................... ٢٩

ما به تمايز العلوم............................................................... ٤٠

موضوع علم الاصول............................................................ ٤٥

تعريف علم الاصول............................................................ ٥٠

العلقة الوضعية ليست من الأمور الواقعية........................................... ٥٨

بيان حقيقة الوضع........................................................... ٦١

أقسام الوضع امكانا ، ووقوعا.................................................. ٧٠

في المعنى الحرفي............................................................... ٧٤

مختار المحقق الخراساني ونقده.................................................... ٧٩

مختار المحقق النائيني في المعنى الحرفي ونقده........................................ ٨٨

مختار الأستاذ الأعظم في المعنى الحرفي ونقده...................................... ٩٢

٥٣٦

بيان المختار في المعنى الحرفي.................................................... ٩٣

الوضع في الحروف عام والموضوع له عام......................................... ٩٦

تحقيق الإنشاء والأخبار...................................................... ١٠١

اسماء الإشارة والضمائر...................................................... ١٠٩

استعمال اللفظ في المعنى المجازي................................................. ١١٣

استعمال اللفظ في نوعه........................................................ ١١٦

إطلاق اللفظ وارادة شخصه................................................. ١٢١

تبعية الدلالة للارادة........................................................... ١٢٧

وضع المركبات................................................................ ١٣٢

التبادر من علامات الحقيقة..................................................... ١٣٧

عدم صحة السلب من علامات الحقيقة....................................... ١٤٠

الإطراد علامة الحقيقة....................................................... ١٤٥

تعارض الاحوال............................................................ ١٤٨

الحقيقة الشرعية............................................................... ١٥١

الصحيح والاعم.............................................................. ١٥٧

الاحتياج إلى تصوير الجامع.................................................. ١٦٣

تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة........................................... ١٦٥

تصوير الجامع على الأعم.................................................... ١٧٥

الوجه الثاني لتصوير الجامع على الأعم......................................... ١٨١

الوجه الثالث والرابع لتصوير الجامع على الأعم................................. ١٨٣

بيان ثمرة المسألة............................................................ ١٨٦

٥٣٧

الثمرة الثالثة............................................................... ١٩٣

أدلة القول بالصحيح....................................................... ١٩٤

وجوه القول بالوضع للأعم................................................... ٢٠٠

المقام الثاني في المعاملات..................................................... ٢٠٦

جواز التمسك بالإطلاق في المعاملات......................................... ٢١٢

أقسام دخل الشيء في المأمور به.............................................. ٢١٧

الاشتراك..................................................................... ٢٢٢

استعمال اللفظ في أكثر من معنى............................................. ٢٢٨

بقي الكلام في ثمرة هذا البحث............................................... ٢٣٦

المشتق....................................................................... ٢٣٩

ثمرة هذا البحث............................................................ ٢٤٣

النزاع عام لإسم الزمان...................................................... ٢٥٢

عدم دلالة الأفعال على الزمان............................................... ٢٥٦

إختلاف المشتقات في المبادئ................................................ ٢٥٩

بيان المراد من الحال في العنوان................................................ ٢٦١

تعيين ما يقتضيه الأصل..................................................... ٢٦٦

ما يدل على المختار في وضع المشتق........................................... ٢٦٩

أدلة القول بالوضع للأعم................................................... ٢٧٦

في بساطة مفهوم المشتق وتركبه............................................... ٢٨٢

دليل تركب المشتق.......................................................... ٢٩٢

٥٣٨

الفرق بين المشتق ومبدأه..................................................... ٢٩٣

ملاك الحمل............................................................... ٢٩٦

ما هي النسبة بين المبدأ والذات.............................................. ٢٩٩

ما هو المتنازع فيه في المشتق.................................................. ٣٠٢

المقصد الأول : الأوامر

في الأوامر وفيه فصول......................................................... ٣٠٥

الفصل الأول : في مادة الأمر................................................... ٣٠٥

المعنى الاصطلاحي للفظ الامر............................................... ٣١١

اعتبار العلو في معنى الامر................................................... ٣١٤

الامر محمول على الوجوب................................................... ٣١٦

الجهة الرابعة : في اتحاد الطلب والارادة........................................ ٣٢٠

الجبر والاختيار................................................................ ٣٢١

أقوال الجبريين.............................................................. ٣٢٢

القول بالتفويض............................................................ ٣٢٧

معنى الامر بين الامرين...................................................... ٣٣٠

أدلة الجبريين لما ذهبوا إليه................................................... ٣٣٦

جواب الحكماء ونقده....................................................... ٣٣٧

جواب المحقق العراقي ونقده.................................................. ٣٣٨

ما هو الحق في نقد هذا الوجه................................................ ٣٣٩

٥٣٩

تجرد النفس عن المادة....................................................... ٣٣٩

الشوق ليس علة للفعل الاختياري............................................ ٣٤٤

قانون العلية العامة.......................................................... ٣٤٦

ايرادات هذا الجواب ونقدها.................................................. ٣٤٧

عدم استحالة الترجيح بلا مرجح.............................................. ٣٥٢

قانون الوراثة............................................................... ٣٥٤

الاعتياد................................................................... ٣٥٥

الندامة واحساس المسؤولية................................................... ٣٥٦

الاستدلال للجبر بمببدئية الله سبحانه......................................... ٣٥٧

الاستدلال للجبر بانتهاء الأفعال إلى إرادة الله تعالى............................. ٣٥٩

توضيح كلام المحقق الخراساني................................................. ٣٦٠

وجه ايجاد من سيوجد منه المهلكات........................................... ٣٦٣

الموجب لاختيار الله تعالى العقاب............................................. ٣٦٥

إرادة الله تعالى على قسمين.................................................. ٣٦٧

إرادة الله من صفات الفعل................................................... ٣٦٨

أفعال العباد غير متعلقة لإرادة الله تعالى........................................ ٣٦٩

الآيات التي استدل بها على تعلق إرادة الله تعالى بالأفعال......................... ٣٧١

المشيئة الالهية وافعال العباد................................................... ٣٧٤

الاستدلال للجبر يعلم الله تعالى.............................................. ٣٧٨

الاستدلال للجبر بسلطنة الله تعالى............................................ ٣٨٠

٥٤٠