زبدة الأصول - ج ١

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-34-9
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥٤٣

والثاني ما يكون وجوده خارجا عن تحت قدرة العبد ، كالكعبة التي هي متعلقة الاستقبال الذي هو مأمور به.

وعلى كلا التقديرين متعلق المتعلق لا يكون متعلقا للتكليف ، بل هو موضوع له وحكمه حكم المكلف وقيوده ، ولا بد ان يكون مفروض الوجود في القضايا الحقيقية بفرض ينطبق على ما في الخارج ، ولازم ذلك توقف فعلية الحكم على فعليته وعدم امكان فعليته قبل فعليته ، كما لا يخفى.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان المحذور المذكور يلزم في المراحل الثلاث من اخذ قصد الامر في المتعلق.

اما في مقام الانشاء فلان قصد الامر إذا كان متعلقا فالامر يكون موضوعا ، فلا بد وان يفرض الامر في مقام الانشاء موجودا بفرض ينطبق على ما في الخارج والمفروض ان الامر يتحقق بنفس الانشاء فيلزم فرض وجود الامر قبل وجوده وهو بعينه محذور الدور.

وبما ذكرناه في تقريب كلامه (قدِّس سره) يندفع ما اورده عليه بعض المحققين من ان الموضوع لا بد وان يفرض وجوده في مقام جعل الحكم لا المتعلق وقصد الامر متعلق للحكم لا موضوع له ، وذلك لأن كلامه (قدِّس سره) في الامر لا في قصد الامر.

واما في مقام الفعلية فلان الامر حيث انه موضوع فلا بد وان يصير فعليا قبل فعلية الحكم الذي هو نفس هذا الامر ، فيلزم فعلية الامر قبل فعلية ، نفسه.

وبعبارة اخرى ما لم يصير الموضوع فعليا لا يصير الحكم فعليا ومن المفروض ان الامر موضوع فلا بد وان يصير فعليا حتى يصير الحكم الذي هو

٤٨١

الامر فعليا فيتوقف فعلية الحكم على فعلية نفسه.

واما في مقام الامتثال فلان قصد الامتثال متاخر عن اتيان تمام الاجزاء والشرائط طبعا فان قصد الامتثال انما يكون باتيانها ، وحيث انه من المفروض كون قصد الامتثال الذي هو عبارة عن دعوة شخص ذلك الامر من الاجزاء والقيود ، فلا بد وان يكون المكلف في مقام الامتثال قاصدا للامتثال قبل قصد امتثاله.

واورد الاستاذ الاعظم (١) على المقدمة التي عليها بناء هذا الوجه بان لزوم اخذ قيد في مقام الانشاء مفروض الوجود الذي لازمه كونه شرطا لفعلية الحكم ، اما ان يكون من جهة الظهور العرفي كما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢).

واما من جهة استلزام عدم اخذه كذلك التكليف بما لا يطاق ، كما إذا امر المولى بايقاع الصلاة في الوقت.

واما في غير ذلك فلا ملزم لاخذه مفروض الوجود ، وفي المقام بما ان القيد نفس الامر المتحقق في ظرف الانشاء لا ملزم لاخذه مفروض الوجود من ظهور عرف أو غيره.

وفيه : ان دعوى الظهور العرفي لو تمت في مثل اوفوا بالعقود ، لتمَّت في

__________________

(١) في حاشيته على أجود التقريرات ج ١ ص ١٠٦ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٦٠.

(٢) الآية ١ من سورة المائدة.

٤٨٢

جميع القيود الدخيلة في الحكم التي لم يؤمر بها ـ من غير الجهة التي سنذكرها ـ.

والتحقيق الذي يقتضيه النظر الدقيق ، يقتضي ان يقال ان القيود الدخيلة على قسمين :

القسم الأول : ما يكون دخيلا في اتصاف الفعل بالمصلحة ، كالوقت بالاضافة إلى الصلاة ، والعقد بالنسبة إلى الوفاء ، والمرض بالاضافة إلى شرب المسهل.

القسم الثاني : ما يكون دخيلا في حصول المصلحة ، وفي العرفيات كعدم اكل المريض الخبز قبل شرب المسهل.

وفي القسم الأول لا مناص عن أخذ القيد مفروض الوجود سواء كان ذلك القيد اختياريا ، ام كان غير اختياري.

وفي القسم الثاني ، ان كان القيد اختياريا لا بد للمولى من الامر به ، وان كان غير اختياري فليس للمولى الامر به وحينئذٍ ، ان لزم من التكليف بذلك الفعل بنحو الاطلاق التكليف بما لا يطاق كامر المستطيع بالحج ، قبل مجيء الايام الخاصة فلا بد للمولى من اخذه مفروض الوجود ، لئلا يلزم المحذور المذكور ، والا فلا ملزم لذلك ، ولذا لا يلزم اخذ وجود الكعبة مفروض الوجود ، بالنسبة إلى الاستقبال الواجب في الصلاة.

والمقام من هذا القبيل أي من قبيل القسم الاخير : إذ الامر من القيود الدخيلة في حصول المصلحة ، لا في اتصاف الفعل بها لكونه معلولا لها ، فلا يعقل كونه دخيلا في الاتصاف ، وهو وان كان غير اختياري الا انه لفرض تحققه

٤٨٣

في ظرف الانشاء لا يلزم من عدم اخذه مفروض الوجود التكليف بما لا يطاق فلا ملزم لاخذه مفروض الوجود ، وعلى ذلك :

فما ذكره ، من لزوم فرض وجود الامر قبل وجوده في مقام الانشاء ، ومن لزوم توقف فعلية الحكم على نفسها في مقام الفعلية من اخذ قصد الامر في المتعلق ، غير تام.

اما ما ذكره في مقام الانشاء فلعدم الملزم لاخذ الامر مفروض الوجود.

واما ما ذكره في مقام الفعلية فلانه ايضا يتوقف على لزوم اخذ الامر مفروض الوجود في مرحلة الانشاء الذي عرفت فساده.

واما ما ذكره من ان لازم الاخذ المزبور توقف قصد الامتثال على نفسه في ذلك المقام.

فهو يندفع : بما ذكرناه في مقام الجواب عن ما ذكر في وجه الاستحالة من لزوم داعوية الشيء إلى داعوية نفسه ، من انحلال الامر بالمركب إلى اوامر عديدة حسب ما للمركب من الاجزاء ، وانه لا مانع من كون بعض الاوامر الضمنية ، تعبديا وبعضه توصليا : فانه على ذلك يكون المأخوذ في المتعلق قصد الامر الضمنى المتعلق بالصلاة ، والمكلف يقصد امتثال ذلك الامر الضمنى فلا يلزم تقدم الشيء على نفسه.

فالمتحصل من مجموع ما ذكرناه ، امكان اخذ الامر في المتعلق ، وكونه من اجزاء المأمور به.

٤٨٤

اخذ قصد الامر في المتعلق بالامر الثاني

واما المورد الثاني : وهو اخذ قصد الامر في المتعلق بالامر الثاني ، بان يتعلق امر بذات الفعل ، وأمر آخر ، باتيانه بداعي امره.

فملخص القول فيه : ان الجعل الشرعي ربما يكون تاما ، ويكون ما تعلق به وافيا بالغرض ، فلا محالة يكون الاتيان به مجزيا عقلا ، وربما لا يكون كذلك ، من جهة عدم تمكن المولى من الامر بجميع ما يفي بغرضه بامر واحد ، ففى المورد الثاني ، لا محالة لا بد للمولى من متمم للجعل ، وذلك كما في الغسل للجنابة ، قبل الفجر ، فيما إذا وجب صوم الغد ، فانه على فرض عدم معقولية الواجب المعلق ، حيث ان الغرض مترتب على الصوم المقيد بالطهارة ويستحيل ان يأمر بهما بامر واحدا جامع بين ما قبل الفجر ، وما بعد الفجر ، فلا مناص من استيفاء غرضه بامرين.

احدهما : بالصوم بعد الفجر. والآخر : بالغسل قبله ، حيث يكون الامران ناشئين عن غرض واحد فهما في حكم امر واحد ، واطاعتهما ، كعصيانهما ، واحدة ، والمقام على فرض عدم امكان اخذ قصد الامر في متعلق الامر الأول من هذا القبيل : إذ لو كان الغرض مترتبا على الصلاة بداعي القربة ، والمفروض انه لا يمكن استيفائه بامر واحد ، فلا بد له من الامرين ، امر متعلق بذات الصلاة ، وأمر متعلق باتيانها بقصد القربة.

واورد عليه في الكفاية بايرادين :

٤٨٥

١ ـ القطع بانه ليس في العبادات الا امر واحد كغيرها من الواجبات والمستحبات.

ويرده انه لا سبيل إلى هذه الدعوى ، بعد ملاحظة ان بناء الشارع ليس على اخذ تمام اجزاء المأمور به التي يمكن اخذها في متعلق الامر الأول فيه ، بل غالبا بامر بالقيود والاجزاء باوامر عديدة كما لا يخفى.

٢ ـ ان الامر الأول ان كان يسقط بمجرد موافقته ولو لم يقصد به الامتثال كما هو قضية الامر الثاني فلا يبقى مجال لموافقة الثاني مع موافقة الأول بدون قصد امتثاله فلا يتوسل الامر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة وان لم يسقط بذلك فلا يكاد يكون له وجه الا عدم حصول غرضه بذلك من امره لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله ، والا لما كان موجبا لحدوثه ، وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدد الامر لاستقلال العقل مع عدم حصول غرض الامر بمجرد موافقة الامر بوجوب الموافقة على نحو يحصل به غرضه فيسقط امره (١) انتهى.

والظاهر ان مراده ان الامر الثاني المتعلق باتيان العمل بقصد امره ، ان كان تأسيسيا اقتضى ان يكون اتيان متعلق الامر الأول لا بداعي امره تحت اختيار المكلف وقدرته عقلا وشرعا مع قطع النظر عن الامر الثاني ، والا فلو كان العقل يحكم بلزوم اتيانه بقصد امره لم يكن هذا الامر الثاني تأسيسيا ، ولما كان المولى محتاجا في تحصيل غرضه إلى وسيلة تعدد الامر ، ولازم ذلك سقوط الامر

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٧٤.

٤٨٦

الأول بمجرد موافقته ولو لم يقصد به الامتثال ، ومعه لا يبقى مجال لموافقة الثاني فلا يتوسل الامر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة ، فتدبر فانه لطيف.

واورد عليه المحقق النائيني (ره) (١) بان شأن العقل انما هو الادراك وان هذا الشيء مما اراده الشارع ام لا وليس شانه الامر والتشريع ، فلا معنى لحكم العقل بلزوم الاتيان بمتعلق الامر بقصد امره مع قطع النظر عن الامر الثاني فيكون عدم سقوط الامر الأول بمجرد الموافقة من قبل الامر الثاني ، لا من قبل حكم العقل ، كي لا يحتاج المولى في استيفاء غرضه إلى الامر الثاني.

ودعوى ان الامر حينئذ تأسيسي ولازمه سقوط الامر الأول بمجرد الموافقة.

مندفعة بانه بما ان الامرين ناشئان عن غرض واحد ، فلا محالة لا يعقل سقوط احدهما دون الآخر.

وفيه : ان الظاهر ان مراد المحقق الخراساني من ان العقل يحكم بوجوب الموافقة بنحو يحصل الغرض ، وهو الاتيان بالفعل بقصد الامر مع عدم حصول الغرض بمجرد موافقة الامر ، ومعه لا حاجة إلى الامر الثاني ، ليس كون العقل مشرعا وآمرا في قبال الشارع المقدس ، بل مراده به حكم العقل بالاحتياط في المقام إذا شك في سقوط الامر الأول وحصول الغرض ودون قصد الامر ، لعدم جريان البراءة في الفرض على ما سنبينه انشاء الله تعالى.

وعليه فهذا الاشكال غير وارد عليه.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١١٦ (الأمر الرابع) ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٧٣ ـ ١٧٤.

٤٨٧

وقد يورد عليه كما عن المحقق الأصفهاني (ره) في حاشيته (١) : بانا نختار سقوط الامر الأول بمجرد الموافقة ، ولكن نقول ان موافقة الأول ، ليست علة تامة لحصول الغرض بل يمكن اعادة المأتي به لتحصيل الغرض المترتب على الفعل بداعي الامر.

توضيحه : ان ذات الصلاة مثلا لها مصلحة ملزمة والصلاة المأتي بها بداعي امرها لها مصلحة ملزمة اخرى ، أو تلك المصلحة بنحو أوفى بحيث يكون بحدها لازمة الاستيفاء ، فلو اتى بالصلاة وحدها فقد سقط امرها ، ومع ذلك حيث تكون المصلحة الاخرى لازمة الاستيفاء وهو متمكن من الاستيفاء بالاعادة تجب الاعادة لتحصيل الغرض الثاني فإذا اتى بها بقصد الامر يستوفى الغرضان.

وفيه : اولا ان هذا مترتب على امكان تبديل الامتثال ، والا فمع عدم امكانه لو فرض سقوط الامر الأول بمجرد الموافقة لا يبقى مجال لموافقة الثاني ، لانها متفرعة على بقاء الامر الأول كي يمكن الاتيان بالمتعلق بداعي امره والمفروض سقوطه ، وستعرف امتناعه.

وثانيا : لو فرضنا صحة ذلك فلازمه ان يثاب من صلى بقصد الامر بثوابين ، وان يعاقب من تركها بالمرة بعقابين ، وان يعاقب من صلى بلا قصد القربة بعقاب واحد ، كما هو الشأن في نظائر الفرض ـ كالصلاة الواجبة التي نذر المكلف الاتيان بها ـ وشيء من ذلك مما لا يمكن ان يلتزم به فقيه.

__________________

(١) نهاية الدراية ج ١ ص ٢٣٤.

٤٨٨

فالصحيح في مقام الجواب عن ما ذكره المحقق الخراساني ان يقال :

إن ما بني عليه هذا البرهان وهو حكم العقل بالاحتياط. فاسد : لما سيأتي عند تعرضه له.

وستعرف ان الاظهر جريان البراءة في امثال المقام ايضا ، وان بنينا على عدم امكان اخذ قصد الامر في متعلق الامر الأول ، مع : انه لو صح المبنى ، لا يتم البناء إذ العقل لو حكم بالاحتياط تخلصا من العقاب في مورد لا يكون ذلك مانعا عن امر المولى به.

ولا يصح ان يقال انه مع استقلال العقل بذلك لا حاجة إلى الامر ، لعدم انحصار الغرض من الامر في اتيان العمل باى نحو كان كي لا يصح الامر المولوي في الفرض ، بل يمكن ان يأمر به لان يكون المكلف على بصيرة من امره ويعرف وظيفته تفصيلا.

فتحصل ، انه على فرض عدم امكان اخذ قصد الامر في متعلق الامر الأول ، يمكن اخذه في المأمور به بالامر الثاني.

اخذ الجامع بين قصد الامر وغيره في المتعلق

واما المورد الثالث : وهو اخذ الجامع بين قصد الامر وغيره من الدواعي القربية في المتعلق.

فملخص القول فيه انه بعد الفراغ عن امرين :

٤٨٩

الأول : ان اتصاف الفعل بالعبادية لا يتوقف على خصوص قصد الامر بل يتصف بها لو أتى به بقصد المحبوبية ، نعم سائر الدواعي انما هي في طول هذين الداعيين ـ كما مر تفصيل ذلك في المقدمات.

الثاني : عدم اعتبار قصد خصوص المحبوبية.

يقع الكلام في ان اخذ الجامع المنطبق على جميع الدواعي القربية في المأمور به ، ممكن ، ام ممتنع ، وعلى الأول ، هل يمكن دعوى القطع بعدم الاخذ ، ام لا.

وقد استدل على الامتناع بوجهين :

الوجه الأول : ما ذكره المحقق النائيني (ره) (١) من ان الداعي اياً ما فرض فانما هو في مرتبة سابقة على الإرادة المحركة للعمل فيستحيل كونه في عرض العمل الصادر عنها وإلا لزم تأخر ما هو متقدم ، فإذا لم يمكن تعلق الإرادة التكوينية به امتنع تعلق الإرادة التشريعية به ، بداهة ان متعلق الإرادة التشريعية هو بعينه ما تتعلق به الإرادة التكوينية ، فلو لم يمكن تعلق الإرادة التكوينية بشيء لا يمكن تعلق الإرادة التشريعية به.

وفيه : اولا : ان لازم ذلك عدم صحة تعلق الامر به ولو كان بجعل المتمم ، مع انه (قدِّس سره) يصرح بامكانه.

وبعبارة اخرى إذا كان المانع عن تعلق التكليف به ثبوتيا وعقليا ، وهو عدم تعلق الاختيار به ، لم يكن فرق في ذلك بين كون تعلق التكليف به بامر واحد ،

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١٠٩ (الأمر الثاني) ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٦٤.

٤٩٠

أو بامرين فكيف يلتزم هو (قدِّس سره) بامكان تعلقه به بامرين :

وثانيا : ان قصد القربة الذي هو من دواعي اختيار الفعل الخارجي ، بنفسه فعل من أفعال النفس ويتعلق به الاختيار كما صرح بذلك المحقق النائيني (قدِّس سره) في باب النية.

والبرهان المتقدم انما يقتضي عدم امكان تعلق شخص الإرادة المتعلقة بالفعل الخارجي به ، واما تعلق اختيار آخر به غير ذلك الاختيار فهو لا يقتضي امتناعه بل هو ممكن.

وان شئت قلت ان سلب الاخص لا يلازم سلب الاعم وعلى ذلك ، فهناك اختياران :

احدهما متعلق بالفعل الخارجي ، والآخر متعلق بالفعل النفساني ، فحينئذ بما ان الغرض المترتب على الفعلين واحد لا متعدد ، فلا محالة يكون الامر المتعلق بهما واحدا : إذ وحدة الامر وتعدده يتبعان وحدة الغرض وتعدده ، لا وحدة الإرادة وتعددها.

الوجه الثاني : انه إذا كان اخذ قصد الامر في المتعلق محالا ، فاخذ الجامع الشامل له ولغيره ايضا محال (١).

وفيه : مضافا إلى ما تقدم من امكان اخذ قصد الامر : ان الاطلاق عبارة

__________________

(١) كما افاده السيد الاعظم الخوئي (قدِّس سره) في محاضرات في الأصول في معرض رده على استاذه النائيني (ره) حسب الظاهر راجع ج ٢ ص ١٨١ ـ ١٨٢.

٤٩١

عن ، رفض القيود ، وعدم دخل شيء من الخصوصيات في الحكم ، لا دخل كل خصوصية فيه ، فامتناع اخذ قصد الامر بخصوصه لا يلازم امتناع اخذ الجامع.

وقد استدل المحقق الخراساني (ره) (١) للقول الأول وهو عدم اخذه في المتعلق قطعا : بكفاية الاقتصار على قصد الامتثال الذي عرفت عدم امكان اخذه فيه.

وفيه : ان هذا البرهان يقتضي عدم اخذ خصوص غير قصد الامر في المأمور به وليس هو محل الكلام بل المدعى هو اخذ الجامع فيه.

اخذ ما يلازم قصد الامر في المتعلق

واما المورد الرابع : وهو اخذ ما يلازم قصد الامر في المتعلق وبه يتوسل المولى إلى غرضه ـ وقد نسب إلى بعض تقريرات السيد الشيرازي (٢) فالظاهر

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٧٤ ـ ٧٥.

(٢) والظاهر انه المجدد الشيرازي (قدِّس سره) في تقريراته ج ٣ ص ٨٧ في معرض تعريفه للعبادة إلى ان قال : «وهذا التعريف كغيره من التعاريف إنّما هو للماهيّات المخترعة من العبادات ، وإلّا فمن المعلوم أنّ منها ما يلازم وجود موضوعها في الخارج لصحّتها من غير توقّف على أمر آخر وراء ما اعتبر في تحقّق موضوعها ، كالخضوع لله تعالى والسجود والركوع له تعالى وغير ذلك مما اعتبرت القربة في تحقّق موضوعها ، فإنّها لا تحتاج في وقوعها صحيحة إلى نيّة قربة أخرى كما لا يخفى ، والحدّ المذكور لا يشملها ، وهذا النحو من

٤٩٢

امكانه.

وملخص القول فيه انه يمكن اخذ عنوان آخر في المأمور به ملازم للداعي القربي كما لو قيد المأمور به بعدم اتيانه بغير الداعي القربي.

وبعبارة اخرى يقيده بعدم ضد الداعي القربي ، وبذلك يتوسل المولى إلى غرضه إذ الفعل الاختياري لا بد وان يصدر عن داع من الدواعي ، وهو اما ان يكون من الدواعي القربية أو من الدواعي النفسانية ، فإذا كان الغرض مترتبا على اتيانه بداعي القربة ولم يتمكن المولى من التصريح به لمانع في ذلك له ان يأمر بالفعل مقيدا بان لا يكون مع الدواعي النفسانية.

ولا يرد عليه شيء من المحاذير المتقدمة.

وقد اورد عليه بايرادات.

الأول : ما ذكره المحقق النائيني (ره) (١) وهو انه لو فرض محالا انفكاك ذلك العنوان عن احد الدواعي القربية لا بد من الالتزام بصحة العبادة مع انه لم يلتزم به فقيه.

وفيه : انه مع تسليم تلازم ذلك العنوان لاحد الدواعي القربية خارجا ، لا

__________________

العبادات غير مجعولة عبادة لأنّها بأنفسها عبادة». وفي أجود التقريرات نقله عن العلامة الشيرازي راجع ج ١ ص ١١١ وفي ط الجديدة ج ١ ص ١٦٦.

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١١١ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٦٦ فإنه بعد ان استلطف الوجه المذكور بنفسه ، اورد هذا الاشكال.

٤٩٣

اثر لفرض المحال ، إذ لا يلزم من مثل هذا التكليف نقض الغرض ، وغيره من التوالى الفاسدة ، مثلا لو تعلق الغرض بالمشي إلى المقصد ، من احد الطريقين ، ولم يكن هناك طريق ثالث ، كما يصح للمولى ، الامر بالمشي من ذلك الطريق ، ويتوسل بذلك إلى غرضه ، كذلك يصح له الامر بالمشي مقيدا بكونه من غير الطريق الآخر.

الثاني : ان ما ذكر ليس من العناوين الملازمة لاحد الدواعي القربية : إذ يمكن ايجاد الفعل بلا داع من الدواعي.

وفيه : انه ممتنع ، ولو امكن فله ان يقيد المأمور به بعدم هذا الضد ايضا ، ويقول مثلا صل لا بداعي النفساني ولا بلا داع.

الثالث : ان القدرة على المأمور به على هذا التقدير متوقفة على الامر ، إذ مع عدمه لا يتمكن المكلف من الفعل لا بداعي النفساني ، والقدرة من شرائط صحة التكليف قطعا.

وفيه : ان القدرة المعتبرة هي القدرة في ظرف العمل ، لا حين التكليف ، وفي المقام بما انه يقدر على اتيان المأمور به في ظرفه لفرض تعلق الامر به ، فلا مانع عنه من هذه الجهة ايضا.

فالمتحصل مما ذكرناه امكان اخذ قصد الامتثال في المتعلق ، بجميع الانحاء الاربعة.

واما المورد الخامس ، وهو حكم العقل بدخالة قصد الامر في العبادات ، فقد مر في المورد الثاني تقريبه وما يرد عليه.

٤٩٤

ما يقتضيه الاصل اللفظي

اما الدعوى الثانية : وهي عدم امكان التمسك بالاصل اللفظي ـ فملخص القول فيها.

انه اختلفت كلمات القوم في ان الاصل اللفظي من الاطلاق وغيره ما ذا يقتضي؟ على اقوال :

١ ـ ما اختاره جماعة منهم الشيخ (١) والاستاذ (٢) وهو انه يقتضى البناء على كون الواجب توصليا.

٢ ـ ما ذهب إليه جماعة منهم صاحب الاشارات وهو البناء على كونه تعبديا (٣).

__________________

(١) الشيخ الاعظم (ره) في مطارح الانظار فإنه بعد ما استقرب التوصلية أخذ في الرد على من قال : ان الاصل التعبدية راجع ص ٦٠.

(٢) في حاشيته على أجود التقريرات ج ١ ص ١١١ حاشية ٢ وفي ط الجديدة ج ١ ص ١٧٠.

(٣) وهو الشيخ محمد بن ابراهيم بن علي الكلباسي ، وكان من اساتذة المجدد الشيرازي رحمهما‌الله. راجع اشارات الأصول ج ١ ص ٥٦ ـ ٥٧ وقد نقل قوله الميرزا النائيني في أجود التقريرات ج ١ ص ١١٣ وفي ط الجديدة ج ١ ص ١٦٩.

٤٩٥

٣ ـ اما اختاره المحققان الخراساني (١) والنائيني (٢) ، وهو الاهمال وعدم الاطلاق مطلقا.

وتنقيح القول بالبحث في مقامين :

الأول : فيما يقتضيه الاصل بناءً على امكان اخذ قصد الامتثال في المأمور به.

الثاني : في مقتضى الاصل اللفظي بناء على عدم امكانه.

اما المقام الأول فالمختار فيه ان الاصل يقتضي كون الواجب توصليا : إذ بعد ما عرفت من امكان اخذ قصد القربة في المتعلق يكون هو كسائر الاجزاء والشرائط لو شك في اعتباره ، ولم يدل دليل عليه ، مقتضى الاطلاق عدم اعتباره ، وبه يثبت كون الواجب توصليا.

وقد استدل لاصالة التعبدية بوجوه :

الوجه الأول : ان امر المولى بما انه فعل من افعاله الاختيارية فلا بد وان

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٧٥ فإنه بعد ابطال استظهار التعبدية والتوصلية من اطلاق الصيغة بمادتها ، اعتبر امكان الحمل على التوصلية بقرينة المقام لو تمت ، وإلا فالرجوع إلى ما يقتضيه الاصل.

(٢) فإنه بعد أن ناقش فكرة التعبدية والتوصلية بأدلتها قال : «فتحصل أنه ليس هناك اطلاق يعيّن التوصلية أو التعبدية ، بل المأمور به بالاضافة إلى الانقسامات الثانوية مطلقا لا مناص عن كونه مهملا ، راجع أجود التقريرات ج ١ ص ١١٥ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٧٢.

٤٩٦

يكون لغرض ليخرج بذلك عن اللغوية ، والغرض منه جعل امره محركا اياه نحو العمل فالامر بنفسه جعل للداعي والمحرك ، فما دام لم يقم قرينة على التوصلية كان مقتضى نفس الامر هو التعبدية.

وفيه اولا : ما تقدم من ان الغرض من الامر ليس جعل الداعي ، والا لما تخلف عنه ، ولما صدرت المخالفة من العصاة ، بل الغرض منه جعل ما يمكن ان يكون داعيا : إذ المولى إذا رأى في فعل من الأفعال الاختيارية للعبد مصلحة واشتاق إليه يتصدى لايجاده بالامر به ، ليوجد العبد ذلك الفعل جريا على ما يقتضيه قانون العبودية والمولوية ، وهذا الغرض يشترك فيه التعبديات والتوصليات.

وانما الاختلاف بينهما في الغرض المترتب على الواجب : فانه ان ترتب على مطلق وجود الفعل ، فالواجب توصلي ، وان ترتب على الاتيان به بقصد القربة فالواجب تعبدي ، وعلى فرض استكشاف ترتب الغرض على مطلق وجود الفعل ، ولو بمقتضى الاطلاق لما كان الامر داعيا إلى ايجاده بقصد القربة.

ويؤيد ما ذكرناه ملاحظة حال النواهي ، حيث ان هذا البرهان جار فيها بعينه لانه يمكن ان يقال ان النهي فعل اختياري للمولى ولا بدَّ وان يكون لغرض ، والغرض منه انزجار العبد ، فالنهي جعل للزاجر مطلقا.

فالاصل في النواهي ايضا هو التعبدية ، مع انه لم يتفوه به احد.

وثانيا : انه لو سلمنا كون الغرض من الامر جعل الداعي ، نقول انه بعد استكشاف كون الغرض المترتب على المأمور به مترتبا على مطلق وجوده ، ولو بواسطة الاطلاق ، لو اتى المكلف بالفعل بلا قصد القربة لا محالة يحصل

٤٩٧

الغرض ، فاما ان يسقط الامر ، فهو المطلوب ، والا لزم بقائه مع عدم الملاك بعد فرض عدم وجود غرض آخر ، وهو كما ترى ينافي مسلك العديلة.

وان شئت قلت : ان اللازم على المكلف الاتيان بالمأمور به المحصل للغرض ، واما الغرض من الامر فليس لازم التحصيل ، فحينئذ لو استكشفنا ترتب الغرض على مطلق وجود الفعل ، فالعقل انما يحكم بلزوم اتيان الفعل تحصيلا له ، ولا يحكم بلزوم اتيان الفعل بقصد الامر كي يتحصل الغرض من الامر.

الوجه الثاني : قوله تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (١) حيث انه يقتضي الحصر المستفاد من لفظه" الا" ، يدل على عبادية جميع الواجبات ، بل كل امر به ، خرج ما خرج.

واجاب عنه : الشيخ الاعظم بجوابين :

الأول : ان هذا المعنى مستلزم لتخصيص الاكثر ، فان اكثر الواجبات توصليات فيستكشف من ذلك عدم إرادة هذا المعنى من الآية الشريفة.

الثاني : ان الآية الشريفة في مقام بيان تعيين المعبود وحصره في الله تعالى ، لا في مقام بيان حال الاوامر كما تشهد له الفقرة السابقة عليه ، وهي :

قوله عزوجل : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ

__________________

(١) الآية ٥ من سورة البينة.

٤٩٨

مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (١)(٢).

أقول : لو تم هذان الجوابان فهو ، والا فيمكن ان يجاب عنه : بان الآية الشريفة انما تدل على ان الغرض الاقصى من الاوامر ، هو عبادة الله تعالى ، كما انها المقصود من ارسال الرسل وانزال الكتب ، وهذا لا ينافي كون جملة من الواجبات توصليات والشاهد على ذلك ـ ان الامر لا يتعدى بلام ، كما يظهر لمن راجع موارد استعماله بل اما ان يتعدى بنفسه ، أو بباء ، فاللام انما هي لافادة الغرض وان مدخولها الغرض الاصلي من الاوامر.

هذا بناء على رجوع الضمير في قوله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله الخ إلى عامة المكلفين.

واما بناء على رجوعه إلى اهل الكتاب ، كما يشهد لتعيُّن ذلك ملاحظة الآيات السابقة على هذه الآية ، فهي اجنبية عن المقام بالمرة ، وانما تدل على ان التفرق الموجود بين اهل الكتاب انما نشأ من قبل انفسهم بعد ما جاءتهم البينة وهم لم يكونوا مامورين الا بعبادة الله تعالى.

الوجه الثالث : النصوص الواردة بالسنة مختلفة المتضمنة ان العمل بلا نيّة

__________________

(١) الآية ١ من سورة البينة.

(٢) الظاهر ان الاستدلال بالآية على العبادية لصاحب اشارات الأصول ج ١ ص ٥٦ ـ ٥٧. والاجابة عنه للميرزا النائيني كما هو الظاهر بعد مراجعة أجود التقريرات ج ١ ص ١١٤ ـ ١١٥ (الوجه الثاني) وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٧١.

٤٩٩

كلا عمل ، كقوله (ص) الاعمال بالنيات (١) ، وهي تدل على اعتبار النية في جميع الأفعال فما لم تقم قرينة على صحة العمل بلا نيّة لا يعتد به في مقام الامتثال.

وفيه : ان المراد من النية ليس هو قصد القربة لان هذا الاصطلاح من الفقهاء ، واما بحسب معناها اللغوى ، فهي بمعنى القصد ، وعليه ، فمفاد هذه النصوص ان روح العمل انما يكون بالقصد ، فلو ضرب اليتيم بقصد التاديب يتصف بالحسن ، وان ضربه للتشفي يتصف بالقبح وان تأدب بذلك ، وان جاهد لله فالعمل له تعالى ، وان جاهد لطلب المال فله ما نوى ، فهذه الروايات اجنبية عن كون الاوامر عبادية.

فتحصل انه بناء على امكان اخذ قصد القربة في المتعلق مقتضى الاصل اللفظي هو التوصلية.

المقام الثاني :

واما بناء على عدم امكانه الذي هو المقام الثاني من الكلام ، فقد يقال كما عن الشيخ الاعظم (٢) ، بانه يتمسك بالاطلاق ويثبت به كون الواجب توصليا : واستدل لمختاره ، بانه لا يمكن تقييد المأمور به بقصد الامر ، فالاطلاق ثابت.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ج ٤ ص ١٨٦ باب نية الصيام ح ١ ـ ٢ وفي طبعة ١٤١٧ ه‍ ص ٢٤٩ ح ١٠١ ـ ١٠٢.

(٢) كما في مطارح الانظار ص ٦٠ فإنه بعد طرح الاقوال ومناقشتها قال : واحتج بعض موافقينا على التوصلية بأن اطلاق الأمر قاضٍ بالتوصلية ، إذ الشك إنما هو في تقييد الأمر ، والاطلاق يدفعه.

٥٠٠