زبدة الأصول - ج ١

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-34-9
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥٤٣

له من المعنى ، وهو الذات الثابت لها العلم لا يعقل حمله على الله تعالى لعينيته معه.

وأجاب عنه المحقق الخراساني بان قيام المبدأ بالذات لا يستدعى التغاير بل يجتمع مع العينية ، فالعلم وما شاكل من مبادئ الصفات العليا قائمة بذاته المقدسة بنحو العينية والاتحاد ، ثم أورد على صاحب الفصول بقوله.

كيف ولو كانت بغير معانيها العامة الجارية عليه تعالى كانت صرف لقلقة لسان وألفاظ بلا معنى فان غير تلك المفاهيم العامة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم الا بما يقابلها ففي مثل ما إذا قلنا انه تعالى عالم إما أن نعني انه من ينكشف لديه الشيء فهو ذاك المعنى العام ، أو انه مصداق لما يقابل ذاك المعنى فتعالى عن ذلك علوا كبيرا واما أن لا نعني شيئا فتكون كما قلناه من كونها صرف اللقلقة وكونها بلا معنى (١) انتهى.

يرد على جوابه أن لازم ما أفاده صحة حمل المشتقات على مبادئها ومن البديهي أن مفهوم عالم وضارب وقادر وقاتل لا ينطبق على نفس المبادئ ليكون العلم عالما والقتل قاتلا والضرب ضاربا وهكذا.

ويرد على ما أورده عليه أن صاحب الفصول يدّعي النقل أو التجوز من مفهوم المشتق إلى المبدأ ، فالمراد من العالم نفس العلم والحضور ، ومن القادر نفس القدرة والإحاطة ولا يلزم من ذلك شيء من المحاذير المذكورة.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٥٧ ـ ٥٨.

٣٠١

ويمكن الجواب عن صاحب الفصول بان النسبة المأخوذة في المشتق ليست نسبة خارجية ، بل المراد بها تضييق المفهوم بلا نظر إلى الوجود والعدم فلا محذور في حمل المشتق بما له من المفهوم على الله تعالى ، ومع ذلك كله الالتزام بنفي الصفات عنه تعالى الذي هو كمال الإخلاص وان هذه الصفات العليا عبارات عن كمال وجوده حسب ما للكمال عندنا من التعبيرات أولى.

ولعله إليه يرجع ما في الفصول.

ما هو المتنازع فيه في المشتق

الأمر الخامس : أن محل الكلام في المشتق هو معرفة مفهومه ومعناه سعة وضيقا ، وأما تطبيق هذا المفهوم على موارده وإسناده إليها هل هو بنحو الحقيقة أو المجاز فهو خارج عن محل الكلام ونسب إلى صاحب الفصول اعتبار الإسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة.

وأورد عليه في الكفاية بأنه لا يعتبر في صدق المشتق حقيقة التلبس بالمبدإ حقيقة وبلا واسطة في العروض ، بل يكفي التلبس به ولو مجازا كما في الميزاب الجاري ، فإسنادا الجريان إلى الميزاب وان كان إسناد إلى غير ما هو له وبالمجاز إلا انه في الإسناد لا في الكلمة (١).

تحقيق القول في المقام بالبحث في مقامين :

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٥٨ (السادس).

٣٠٢

الأول : هل يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها ، التلبس الحقيقي بالمبدإ أم لا؟

الثاني : انه هل يعتبر في استعمال المشتق في مفهومه كون الإسناد حقيقيا أم لا؟

أما المقام الأول : فالأظهر اعتباره ، ألا ترى لو قيل زيد عالم مع عدم اتصافه بالعلم لا يكون هذا الإسناد حقيقيا.

وأما المقام الثاني : فالظاهر عدم اعتباره فان الاستعمال الحقيقي هو استعمال اللفظ في ما وضع له ، ولا يعتبر في ذلك كون إسناده إسنادا إلى من هو له ، بل لو كان غيره أيضا كان هذا الاستعمال حقيقيا ، والظاهر أن نظر صاحب الفصول إلى المقام الأول ، فإيراد المحقق الخراساني عليه في غير محله.

والحمد لله أولا وآخراً.

٣٠٣

المقصد الأول

من مقاصد علم الأصول

في الأوامر

وفيه فصول :

٣٠٤

المقصد الأول

في الأوامر ، وفيه فصول :

الفصل الأول : فيما يتعلق بمادة بمادة الأمر (ا ـ م ـ ر) والكلام فيه في جهات :

الجهة الأولى : ذكر جماعة ان مادة الأمر موضوعة بحسب اللغة لعدة معان ، الطلب ، الشأن ، الشيء ، الحادثة ، الغرض ، الفعل ، القدرة ، الصفة وغير ذلك وقد أنهاها بعضهم إلى خمسة عشر.

اختار صاحب الفصول أنها موضوعة لمعنيين وهما الطلب ، والشأن (١).

وافاد المحقق الخراساني بعد ذكر جملة من المعاني : ولا يخفى ان عد بعض هذه المعاني من معاني الأمر من اشتباه المصداق بالمفهوم إذ الأمر لم يستعمل في نفس هذه المعاني وانما استعمل في معناه ولكنه قد يكون مصداقه.

ثم قال : ولا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة ، والشيء (٢).

__________________

(١) الفصول الغروية ص ٦٢ (فصل : الحق ان لفظ الامر مشترك بين الطلب المخصوص كما يقال آمره بكذا ، وبين الشأن كما يقال شغله أمر كذا ، لتبادر كل منهما من اللفظ عند الإطلاق مع مساعدة ظاهر كلام بعض اللغويين عليه ... الخ.

(٢) كفاية الأصول ص ٦١ ـ ٦٢ بتصرف.

٣٠٥

وذهب المحقق النائيني (ره) إلى ان لفظ الأمر موضوع لمعنى واحد ، وهو الواقعة التي لها أهمية في الجملة ، وجميع ما ذكر له من المعاني ، يرجع إلى هذا المعنى الواحد حتى الطلب المنشأ بإحدى الصيغ الموضوعة له : فانه أيضا من الأمور التي لها أهمية فلا يكون للفظ الأمر إلا معنى واحد تندرج فيه كل المعاني المذكورة ، وتصور الجامع القريب بين الجميع وان كان صعبا ، إلا أنا نرى بالوجدان الاستعمال في جميع الموارد بمعنى واحد ومعه ينتفي الاشتراك اللفظي ، نعم لا بد وان يكون المستعمل فيه من قبيل الأفعال والصفات فلا يطلق على الجوامد (١).

وتنقيح القول بالبحث في موارد :

١ ـ ان جملة من المعاني التي ذكروها للأمر الظاهر انها اشتباه.

ففي الكفاية ، ومنها الفعل كما في قوله تعالى (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) (٢).

ويرده ان لفظ الأمر في الآية لم يستعمل في الفعل ، بل استعمل في معناه الذي يستعمل فيه في مقام الطلب.

قال ومنها الفعل العجيب كما في قوله تعالى (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا) (٣).

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٨٦ (الفصل الأول من المقصد الأول ، فيما يتعلق بمادة الأمر). وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٣١.

(٢) الآية ٩٧ من سورة هود.

(٣) الآية ٦٦ من سورة هود.

٣٠٦

ويرده ان لفظ الأمر في هذه الآية استعمل في الإرادة التكوينية لا في الفعل العجيب.

قال ومنها الغرض كما تقول جاء زيد لامر كذا.

ويرده ان لفظ الامر لم يستعمل في مفهوم الغرض ولا مصداقه لان لفظ لام يفيد ذلك والامر انما هو متعلق ذلك.

واما ما افاده المحقق الخراساني (١) من ان عد بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم.

فيرده مضافا إلى ما مر من عدم كون جملة منها من معاني لفظ امر ولا مصاديقه : ان اشتباه المفهوم بالمصداق انما يكون فيما إذا كان اللفظ موضوعا للمصداق بما هو مصداق لذلك المعنى المتوهم وضع اللفظ له.

واما إذا كان مصداقا ولكن لم يلاحظ مصداقية له في مقام وضع اللفظ والاستعمال ، فليس من باب خلط المفهوم بالمصداق وهذه الموارد من قبيل الثاني كما لا يخفى.

٢ ـ ان المعاني المتعددة التي ذكروها للفظ الامر هل ترجع إلى معنى واحد ، ام لا؟

وقد مر اختيار المحقق النائيني (ره) للاول ، واستدل له بانا نرى بالوجدان ان الاستعمال في جميع الموارد بمعنى واحد.

__________________

(١) كفاية اصول ص ٦١

٣٠٧

ولكن ما افاده مخدوش :

اولا : ان الامر ربما يستعمل فيما لا أهمية له ويسلب عنه الاهمية ، ويقال ان هذا امر لا أهمية فيه والاستعمال في هذا المورد ، انما يكون في معناه الموضوع له حسب ما ارتكز في الاذهان ، ومنه يعلم عدم اخذ الاهمية في مفهومه.

وثانيا : انا نرى ان الامر الذي ، يستعمل في مقام الطلب يجمع على اوامر ، وما يستعمل في غيره يجمع على امور ، واستعمال احد الجمعين في مورد الأخر يعد من الاغلاط ، ولو كان للفظ الامر معنى واحد وكان الجمع بذاك اللحاظ لما كان وجه لعدم صحة استعمال احدهما في مورد الأخر ، فذلك كاشف عن تعدد المعنى.

وثالثا : ان الامر المستعمل في مقام الطلب قابل لان تطرأ عليه الهيئات ، مثل امر ، يأمر ، آمر ، مأمور ، وغير ذلك وبالمعنى الآخر غير قابل لذلك ، ولو كان موضوعا للجامع بينهما لما صح طرو الهيئات عليه : إذ الجامع بين ما يقبل طروها ، وما لا يقبل ، غير قابل لذلك ، فمن قابلية ما يستعمل في مقام الطلب ، وعدم قابلية غيره ، يستكشف تعدد المعنى ، وكون لفظ الامر من المشترك اللفظي.

٣ ـ ان الظاهر كون الامر المستعمل في مقام الطلب مفهومه هو الذي يكون مفاد صيغة الامر الذي سيجيء الكلام فيه.

واما المستعمل في غيره فالظاهر ان مفاده شيء واحد وجميع المعاني المذكورة ترجع اليه ، وهو الشيء الذي يكون من قبيل الصفات أو الأفعال ، وليس له في الفارسي مرادف ، ولا في العربي ، ولا يكون هو الشيء كما افاده في الكفاية لعدم

٣٠٨

صدقه على الجواهر ، والشيء يصدق عليها ، وذلك المعنى الجامع هو المستعمل فيه في جميع تلك الموارد : لانه كل ما اطلق لفظ الامر في غير مقام الطلب يرى الإنسان عند المراجعة إلى نفسه ، انه ينتقل ذهنه إلى معنى قابل للانطباق على معان متعددة ويصح ترجمته بسائر اللغات ولو بالالفاظ المركبة ، بنحو يصلح ان ينطبق على كل واحد من تلك ، المعاني.

مثلا : إذا قال القائل رأيت اليوم امرا عجيبا ، ينتقل ذهن السامع إلى انه رأى شيئا ، يكون من قبيل الاعراض ، لا الجواهر ، وحينئذٍ قد يفسره ، بما يكون من قبيل الأفعال ، كان يقول رأيت صبيا يخطب خطبة بليغة ، وقد يفسره بما يكون من قبيل الصفات ، كأن يقول رأيت فرسا طويلا.

٤ ـ ان الامر المستعمل في مقام الطلب حقيقة في ذلك المعنى الذي ستقف عليه.

واما المستعمل في غيره ، فهل يكون حقيقة فيما يستعمل فيه ، ام يكون مجازا ، وجهان؟

اقواهما : الأول ، لانا نرى بالوجدان انه يستعمل فيه بلا عناية وهو آية الحقيقة ، اضف إليه انه لا علاقة مصححة للاستعمال بين الطلب وبعض ما يراد من لفظ الامر ، إذا استعمل في المعنى الآخر ، مثلا إذا قال القائل رأيت اليوم امرا لم اكن رأيته قبل ذلك ، ثم فسره بنزول المطر الشديد ، فاى علاقة بين ذلك والمعنى الذي يستعمل فيه الامر في مقام الطلب؟ وحيث لا ريب في اعتبار العلاقة المصححة للاستعمال بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازى ، فيستكشف من ذلك ان استعماله فيه ليس مجازا.

٣٠٩

واما ما ذكره بعض الاكابر (١) ، في وجه كونه حقيقة فيه ، من ان لفظ الامر لو كان حقيقة في الطلب مجازا في غيره لما اختلف جمع الامر باحد المعنيين مع الجمع بالمعنى الآخر كما هو المشاهد في سائر المعاني الحقيقة والمجازية ، مع ان جمع الامر بمعنى الطلب على" اوامر" وجمعه بالمعنى الآخر ، على" امور".

ففيه : ان اختلاف الجمع وتعدده كاشف عن عدم وضعه للجامع بين المعنيين ، حيث : ان المفهوم الواحد المنطبق على مصداقين ، لا يعقل ان يكون جمع ما يدل عليه ووضع له ، بنحوين بلحاظ اختلاف المصداقين بعد كون المستعمل فيه واحدا ، كما عرفت.

واما بعد تسليم تعدد المعنى ، فلا يصح تعيين كونه حقيقة فيهما ، بذلك : لامكان ان يكون احد الجمعين بلحاظ معناه الحقيقي ، والآخر بلحاظ معناه المجازى ، وقد صرح بذلك بعض ائمة الادب ومثل له باليد ، حيث ان جمعه بلحاظ معناها الحقيقي على (ايدي) وبلحاظ معناها المجازى وهي النعمة على ايادي.

ومما ذكرناه ظهر عدم تمامية ما افاده المحقق الأصفهاني (ره) من ان لفظ الامر وضع لمعنى واحد وهو الجامع بين ما يصح ان يتعلق به الطلب تكوينا وما يتعلق به تشريعا ، وان الاصل فيه ان يجمع على امور (٢).

وجه الظهور ما مر من عدم الجامع الذاتي بين المعنى الحدثى والمعنى الجامد

__________________

(١) الظاهر أنه صاحب الفصول ص ٦٢ (المقالة الاولى)

(٢) نهاية الدراية ج ١ ص ١٧ ، بتصرف.

٣١٠

ليكون الامر موضوعا بازائه.

المعنى الاصطلاحي للفظ الامر

قال المحقق الخراساني (١) ، واما بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق على انه حقيقة في القول المخصوص ومجاز في غيره ولا يخفى انه عليه لا يمكن منه الاشتقاق فان معناه حينئذ لا يكون معنا حدثيا مع ان الاشتقاقات منه ظاهرا تكون بذلك المعنى المصطلح عليه بينهم لا بالمعنى الآخر ، ويمكن ان يكون مرادهم به هو الطلب بالقول لا نفسه تعبيرا عنه بما يدل عليه انتهى.

وقد اورد عليه المحقق الأصفهاني (ره) (٢) بعد بيان مقدمة.

وهي : ان الاشتقاق المعنوي عبارة عن قبول المبدأ للنسبة ، وهذا انما يكون فيما له نحو من انحاء القيام بشيء قيام العرض بموضوعة والفرق بين المعنى الجامد والمعنى الاشتقاقى ، ان الأول لا يكون قابلا للحاظ نسبته إلى شيء بذاته ، بخلاف الثاني.

وحاصل ما ذكره مبتنيا على ذلك ان وجه الاشكال ان كان توهم ان الموضوع حينئذ لفظ لا معنى فضلا عن كونه حدثيا.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٦٢.

(٢) نهاية الدراية ج ١ ص ١٧٥ ـ ١٧٦ ، بتصرف.

٣١١

فيرد عليه : ان طبيعة الكيف المسموع كسائر الطبائع قابلة للحكاية عنها بلفظ ، واللفظ ، وان كان وجودا لفظيا لطبيعة الكيف المسموع الا انه يمكن ان يكون وجودها اللفظي حاكيا عن لفظ آخر ، ووجودا تنزيليا له ايضا.

وان كان الوجه : توهم عدم كونه حدثيا.

ففيه : ان لفظ اضرب مثلا صنف من اصناف طبيعة الكيف المسموع ، وهو من الاعراض.

وعليه فتارة يلاحظ نفسه فهو المبدأ الحقيقي.

واخرى يلاحظ قيامه فقط فهو المعنى المصدرى.

وثالثة يلاحظ قيامه وصدوره في الزمان الماضي فهو المعنى الماضوى ، وهكذا ، فليس هذا القول كالاعيان الخارجية غير القائمة بشيء حتى لا يكون لحاظ قيامه فقط أو في احد الأزمنة.

وفيه : انا نختار الشق الثاني.

ويمكن دفع ما ذكره : بان ملاك امكان الاشتقاق من شيء ليس كونه عرضا قائما بالغير بل الملاك فيه وفي عروض النسب عليه ، كون المعنى لوحظ فيه النسبة : والدليل عليه اولا ، ملاحظة ـ البياض ـ والاسم ـ والفعل ـ والجملة ـ وغير ذلك مما يكون من الاعراض ولا يصح الاشتقاق منها.

وثانيا : ان اللفظ الموضوع لمعنى عرضى ، ان لوحظ في الوضع نفس المعنى من حيث هو ولم يلاحظ حيث انتسابه لا يعقل عروض النسب عليه إذ المقيد بعدم النسبة كيف يعقل عروض النسبة عليه ، فلا يصح الاشتقاق منه ، ومن

٣١٢

هذا القبيل الامثلة المتقدمة ، وان لوحظ بما هو منتسب واخذ فيه النسبة فيصح عروضها عليه ، كالضرب ونحوه ، وفي المقام حيث ان المنقول إليه ان ثبت ، انما هو ذلك القول المخصوص من غير اخذ النسبة فيه فلا يصح الاشتقاق منه.

والذى يسهل الخطب انه من المستبعد جدا ان يكون للاصوليين في لفظ الامر اصطلاح خاص ، ووضعه للقول المخصوص : لعدم ترتب ثمرة على الوضع أو النقل ، إذ المباحث الآتية كاجتماع الامر والنهى وغيره لا تختص بالقول المخصوص بل هي احكام للبعث والطلب أي ذلك الامر النفساني الذي ستعرف حقيقته ، المبرز باللفظ أو بغيره ، وتفسيرهم الامر بالقول المخصوص انما يكون لاجل ان المبرز له غالبا يكون هو القول المخصوص.

ثم انه بناءً على ما ذكرناه في معنى الامر وانه مشترك لفظي بين معنيين ، لا يكون مورد يشك في كونه مستعملا في ايهما : لان هذه المادة المستعملة في مقام الطلب في القرآن والسنة انما تكون بالالفاظ المشتقة ، وقد عرفت ان الامر إذا استعمل في معناه الآخر لا يصح الاشتقاق منه.

مع : ان الامر المستعمل في مقام الطلب يحتاج إلى المتعلق لكون معناه من الأمور التعلقية بخلاف المستعمل في المعنى الآخر.

مع ان جمعه بالمعنى الأول (اوامر) وبالمعنى الثاني على امور.

وعلى ذلك فلا اظن وجود مورد يشك في معناه ، وعلى فرض وجوده لا

محاله يصير مجملا إذ لاوجه لانصرافه إلى الطلب كما افاده المحقق

٣١٣

الخراساني (١).

اعتبار العلو في معنى الامر

الجهة الثانية : في انه هل يعتبر العلو في معنى الامر ام لا.

وملخص القول في ذلك ، انه لا اشكال في ان طلب السافل مع عدم الاستعلاء لا يكون امرا ، انما الكلام في موردين :

الأول : في طلب السافل من العالي المستعلى عليه.

فقد يقال بانه يصدق عليه الامر : والشاهد عليه تقبيح الطالب السافل من العالي المستعلى عليه وتوبيخه بمثل لم تأمره.

وفيه : مضافا إلى ان الاستعمال اعم من الحقيقة ، ان اطلاق الامر على طلبه ، انما يكون مبنيا على الادعاء والعناية ، حيث ان فرض نفسه عاليا فلا محالة يكون طلبه امرا ، فيكون نظير اطلاق الفتوى على الحكم من غير استناد إلى الادلة ـ في النصوص المتضمنة حكم من افتى بغير علم ـ مع ان الفتوى عبارة عن الحكم المستنبط من الأدلة وليس ذلك الا من جهة فرض نفسه مجتهدا :

والشاهد على كونه ادعائيا لا حقيقيا ، عدم صحة إطلاق الأمر عليه في مقام النقل ، ويقال ان السافل امر العالي بكذا ، ولو كان حقيقة في المورد صح

__________________

(١) راجع كفاية الأصول ص ٦٢.

٣١٤

نقله.

واما ذكره المحقق الخراساني في مقام الجواب من ان التقبيح انما يكون على استعلائه لا على امره حقيقة بعد استعلائه (١).

فغير مربوط بالمقام لان الاستدلال لم يكن بالتقبيح بل ، باطلاق الامر على طلبه.

الثاني : انه إذا كان الطالب عاليا ، فهل يعتبر استعلائه ايضا ام لا؟

الحق ان الاستعلاء بالمعنى المقابل لخفض الجناح الذي هو من الاخلاق الحميدة لا يكون معتبرا قطعا ، ولا يصح نسبة اعتباره إلى احد.

وبمعنى صدور الامر من العالي بما هو عال لا بما هو شافع أو طبيب أو مصلح ، لا ينبغى التأمل في اعتباره ، ولذا لا يكون الاوامر الارشادية اوامر حقيقة.

ويشهد له ، مضافا إلى وضوحه قضية بريرة حيث قال في مقام (ص) الجواب عن ، أتأمرني يا رسول الله (ص)؟ لا بل انا شافع (٢) ، وعدم تصريح القوم باعتبار ذلك ، انما هو للاكتفاء عن اعتبار العلو عن ذلك بنحو من اللطافة ، وهو ان مرادهم من اعتبار العلو اعتبار صدور الامر من العالي بما هو عال لا من ذات العالي أو للاكتفاء عنه باعتبارهم ان يكون بداعي البعث. فتدبر جيدا.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٦٣ بتصرف.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤١ ، الخصال ص ١٩٠.

٣١٥

وبما ذكرناه يمكن الجمع بين كلمات القوم ، ويظهر انه لا خلاف بينهم في هذا المقام.

الامر محمول على الوجوب

الجهة الثالثة : لا اشكال في ان الامر محمول على الوجوب.

انما الكلام في انه ، هل يكون منشأ ذلك وضعه للدلالة عليه ، أو الاطلاق ومقدمات الحكمة ، أو حكم العقل.

المعروف والمشهور بين الاصحاب (١) هو الأول.

واختار جماعة (٢) القول الثاني.

وذهب جمع من المحققين منهم المحقق النائيني (ره) (٣) إلى الثالث ، وهو الاظهر.

__________________

(١) كما نسبة إلى المشهور في بدائع الأفكار ص ٢٣٥ بقوله : بناءً على المشهور المنصور من دلالة الأمر على الوجوب وضعا ، فراجع ، وهو ظاهر القوانين ص ٨٤ ، وحكاه أيضا السيد المجاهد في مفاتيح الأصول ص ٢٤٢ وهو مختار الشيخ الاعظم حسب الظاهر في مطارح الانظار ص ٤٦ ثم أشار إلى ذلك ايضا ص ١٧٣.

(٢) كما يظهر من حقائق الأصول ج ١ ص ٥٦٤ (إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين) مع انه لم يذكر ذلك في مبحث دلالة الامر على الوجوب.

(٣) أجود التقريرات ج ١ ص ٩٥ ـ ٩٦ (المقام الثاني ، المبحث الأول في دلالة الصيغة على الوجوب وعدمها). وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٤٣ ـ ١٤٤.

٣١٦

والوجه في ذلك سيأتي في مقام بيان وجه دلالة الصيغة على الوجوب ، فانه يجرى في المقام لان معنى لفظ الامر المستعمل في مقام الطلب هو معنى صيغة الامر ، فالكلام فيهما واحد.

وقد استدل المحقق الخراساني للقول الأول بانسباق الوجوب عنه عند اطلاقه (١).

ويرده انه ممنوع بعد استعماله في الكتاب والسنة في موارد الاستحباب كثيرا ، وكذا في العرف ، وصحة تقسيمه اليهما ولو باعتبار الأمور الخارجية ، وصحة السؤال عن كونه وجوبيا ام استحبابيا بعد الامر بشيء ، مع انه نرى بالوجدان انه لا يصح ان يقال : ان زيارة الحسين ـ عليه‌السلام ـ أو صلاة الليل ، لم يؤمر بها في الاسلام فلو كان حقيقة في الوجوب لصح هذه الدعوى ، ثم انه. أيد ما افاده بامور اربعة :

الأول : قوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) (٢).

وتقريب كونه مؤيدا : ان التحذير في الآية الشريفة رتب على الامر غير المقيد بشيء ، فمقتضى اطلاقها ان الامر ملازم للتحذر ، ومعلوم ان هذا لازم الامر الوجوبي لا الاستحبابى.

وفيه : ان اصالة العموم أو الاطلاق انما يرجع إليها لتسرية الحكم إلى ما

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٦٣.

(٢) الآية ٦٣ من سورة النور.

٣١٧

علم كونه فردا للعام أو المطلق ، وشك في ثبوت الحكم له ، لا فيما علم ثبوت الحكم أو عدمه ، وشك في كونه فردا له فلا يصح التمسك بها لاثبات فردية المشكوك فيه أو عدمها.

الثاني : قوله (ص) " لو لا أن أشق على امتى لامرتهم بالسواك" (١).

وتقريب الاستدلال به أو جعلة مؤيدا امران :

الأول : ما مر والجواب عنه ما عرفت.

الثاني : ان مفهومه انه بما ان الامر يوجب المشقة فما امرت بالسواك ، مع ان الطلب الندبى متعلق بالسواك قطعا ، فيستكشف من ذلك عدم صدق الامر على الطلب الندبى.

وفيه : ان التمسك باصالة الظهور انما يكون فيما كان اللفظ ظاهرا في شيء ولم يعلم كونه مرادا كما لو احرز وضع لفظ الاسد للحيوان المفترس ، وقال المولى جئني بأسد ، ولم يحرز ان المطلوب هو ذلك ، أو الرجل الشجاع ، فيرجع إلى اصالة الظهور لاثبات ان المطلوب هو ما يكون اللفظ ظاهرا فيه ، واما لو كان المراد معلوما ، فلا يصح التمسك بها لاثبات انه المعنى الحقيقي إذ مدركها بناء العقلاء وهو انما يكون على التمسك بها لكشف المراد ، لا لكيفية الاستعمال بعد معلومية المراد.

وفي المقام حيث انه علم ان المراد من عدم الامر به عدم الامر الوجوبي لا

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٢٢ باب السواك ح ١ ، الفقيه ج ١ ص ٥٢ باب السواك ح ١٢٣.

٣١٨

يصح التمسك باصالة الظهور لاثبات ان الامر الوجوبي يكون موضوعا له بخصوصه.

وبذلك : ظهر تقريب دلالة قوله لبريرة بعد قوله (ص) أتامرني يا رسول الله ، لا بل انا شافع ، والجواب عنه.

مع انك قد عرفت في مبحث اعتبار العلو عدم كون مثل ذلك امرا حقيقة ولو كان ندبيا فراجع ، فهو اجنبي عن المقام بالمرة.

الرابع : صحة الاحتجاج على العبد ومؤاخذته بمجرد مخالفة امره وتوبيخه على مجرد مخالفته كما في قوله تعالى (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (١).

وفيه : انا نسلم ذلك ولكن نقول انه من جهة حكم العقل بوجوب اطاعة المولى ما لم يرخص في ترك ما امر به وليس في ذلك دلالة على كون الوجوب هو الموضوع ، له وسياتى لذلك زيادة توضيح فانتظر.

* * *

__________________

(١) الآية ١٢ من سورة الأعراف.

٣١٩

الجهة الرابعة : في اتحاد الطلب والارادة

ولا يخفى اني كتبت سابقا رسالة مستقلة في الجبر والتفويض ثم كررت النظر فيها فغيرت بعض مطالبها واضفت إليها بعض المطالب فها انا أذكرها في المقام بتمامها مع هذه التغييرات ليعم الانتفاع بها.

* * *

٣٢٠