زبدة الأصول - ج ١

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-34-9
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٥٤٣

أن المشتق حقيقة في الأعم فان ظاهر الآيتين كون الجري متحدا زمانا مع وجوب القطع والحد ، وضروري أن الحكمين إنما يكونان ثابتين لمن انقضى عنه المبدأ.

وقد استدل بهما للتفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به باختيار عدم الاشتراط في الأول كما في الكفاية (١).

ويرده أن إرادة المنقضي عنه المبدأ مع القرينة ، لا محذور فيها ، وليست هي محل الكلام والخلاف.

والتمسك بأصالة الحقيقة لإثبات كون المستعمل فيه هو المعنى الموضوع له.

قد عرفت مرارا انه ، غير تام : لأنه إنما يرجع إليها لتشخيص المراد بعد معلومية الموضوع له ، لا لتشخيص الموضوع له بعد معلومية المراد ، أضف اليه انه يمكن أن يكون الجري بلحاظ حال التلبس وان كان ذلك أيضا خلاف الظاهر.

مع أن الاستدلال بهما للتفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به ، واضح البطلان كما أفاده المحقق الخراساني لوضوح بطلان تعدد الوضع حسب وقوعه محكوما عليه أو به.

وبما ذكرناه ظهر مدارك سائر الأقوال وما يرد عليها.

كما ظهر أن الحق كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٥٠ ـ ٥١.

٢٨١

في بساطة مفهوم المشتق وتركبه

وينبغي التنبيه على أمور :

الأمر الأول : أن مفهوم المشتق هل هو بسيط ، أو مركب.

وملخص القول فيه أن ، عمدة الأقوال في المسألة التي تصلح أن تقع مورد النقض والإبرام ثلاثة :

الأول : أن مفهوم المشتق مركب من الذات والمبدأ والنسبة ، اختاره جمع من الأساطين ، منهم الأستاذ الأعظم ، ولعله الأقوى.

الثاني : أن مفاده الحدث المنتسب إلى الذات ، فيكون مفهومه مركبا من المبدأ والنسبة. اختاره المحقق الشريف ، وتبعه المحقق العراقي.

لا يقال أن المحقق الشريف يصرح بالبساطة فكيف ينسب إليه هذا القول.

فانه يقال أن مراده بالبساطة على ما ظهر من استدلاله عدم اخذ الذات في مفهومه.

الثالث : أن مفاد المشتق هو المبدأ الملحوظ اتحاده مع الذات ويكون الذات والنسبة خارجتين عن مدلوله ، اختاره المحقق الدواني (١) ، وتبعه المحقق النائيني (٢).

__________________

(١) وهو المولى جلال الدين محمد بن أسعد الدواني نسبة إلى قرية دوان ، ولد في شيراز سنة ٨٣٠ .. وكان حكيما فاضلاً شاعرا مدققا له عدّة رسائل في الحكمة والكلام وقد بلغت (

٢٨٢

وقبل الشروع في بيان أدلة الأقوال ينبغي التنبيه على أمرين :

الأول : أن محل الكلام ومورد النقض والإبرام ليس هو التركب والبساطة بحسب اللحاظ والتصور : فان بساطته بهذا النحو مورد اتفاق الجميع : إذ لم يدع أحد أن تصور القائم ـ مثلا ـ عبارة عن تصور مفاهيم الشيء والقيام والنسبة ، ولا ريب في انه إذا سمع العاقل لفظ القائم لا يتصور ولا ينتقل ذهنه إلا إلى معنى واحد بل محل الكلام إن مفهوم المشتق بحسب التحليل العقلي ، هل هو شيء واحد ، أم مركب من شيئين أو ثلاثة أشياء.

الثاني : أن من يدّعي اخذ الذات في مفهوم المشتق إنما يدّعي اخذ المفهوم فيه ، والمراد به على ما ستعرف ، هو المعنى المبهم من جميع الجهات غير جهة قيام المبدأ به ، لا اخذ الذوات الخاصة حسب اختلاف الموارد كي يلزم كون المشتق من قبيل متكثر المعنى ، إذ لا ريب في أن المشتق الذي يستعمل في موارد مختلفة كالقائم ، إنما يكون له معنى واحد.

__________________

٨٤) رسالة ، وله كتاب الأنموذج يحتوي على خلاصة من كل علم ، وقد تعرض للتفسير وكانت له مناظرات مع علماء زمانه (الكنى والألقاب ج ٢ ص ٢٠٦) وقد تعرض للفرق بين المشتق ومبدئه في تعليقته على شرح التجريد للقوشجي ص ٨٥.

(٢) راجع أجود التقريرات ج ١ ص ٦٤ فإنه بعد أن حرر محل النزاع قال في ص ٦٥ فاعلم أن التحقيق وفاقا لأهله بساطة مفاهيم المشتقات وخروج الذات والنسبة عن مداليلها بالكلية فلا تدل إلا على المبدأ الملحوظ اتحاده مع الذات فقط ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٩٧ ـ ٩٨.

٢٨٣

مع أن لازم الوجه الآخر عدم انتقال الذهن إلى معنى مع عدم استناده إلى ذات خاصة ، وذكره منفردا ، وهو خلاف الوجدان.

وبما ذكرناه من الأمرين تقدر على دفع جملة مما أورد على القول بالتركب.

وكيف كان فقد استدل المحقق الشريف (١) لعدم اخذ الذات في مفهوم المشتق ، في هامش شرح المطالع ، في مقام الاعتراض على الشارح ، حيث أجاب عما توهم من عدم تمامية ما ذكره المشهور في تعريف الفكر ، بأنه ترتيب أمور معلومة لتحصيل المجهول لأنه ربما يقع المعرف مفردا كالتعريف بالفصل القريب ، أو العرض العام (٢).

بان ما وقع في التعريف من قبيل المشتق وهو مركب ، لأنهما ينحلان إلى شيء ثابت له المبدأ المأخوذ فيه فيكون في الحقيقة ترتيب أمور معلومة.

بما حاصله أن الشيء لا يمكن أخذه في مفهوم الناطق مثلا ، إذ لو كان المراد اخذ مصداق الشيء فيه لزم انقلاب مادة إلا مكان الخاص ضرورة ، بداهة أن ما

__________________

(١) وهو المير سيد علي بن محمد بن علي الحسيني الاسترابادي ولد سنة ٧٤٠ ه‍ بجرجان وكان متكلما بارعا ... له شرح المطالع وشرح على مواقف القاضي عضد الايجي في علم أصول الكلام ، عدّه القاضي نور الله التستري من حكماء الشيعة وعلمائها ، توفي في شيراز سنة ٨١٦ ه‍ (الكنى والألقاب ج ٢ ص ٣٥٨).

(٢) راجع حواشي المشكيني ج ١ ص ٢٦٩ وفي الهامش تخريج قول المحقق الشريف : في حاشيته على شرح المطالع ص ١١ السطر الأول من الحاشية العليا ، عند قول الشارح إلا أن معناه شيء له المشتق منه ...

٢٨٤

صدق عليه الشيء هو الإنسان ، وثبوت الشيء لنفسه ضروري ، ولو كان المراد اخذ مفهومه فيه لزم دخول العرض العام في الفصل.

وأورد عليه المحقق النائيني (ره) بان لازم أخذ مفهوم الشيء في المشتق ، دخول الجنس في الفصل ، لا العرض العام ، لان الشيء ليس من العرض العام بل هو جنس الأجناس (١).

وتنقيح القول بالبحث في مقامين :

١ ـ فيما أفاده المحقق النائيني من كون الشيء جنسا عاليا لجميع الماهيات.

٢ ـ في بيان اصل المطلب وانه هل يلزم محذور من اخذ الشيء في مفهوم المشتق أم لا؟

أما المقام الأول : فقد استدل المحقق النائيني (ره) (٢) بان العرض العام هو ما كان خاصة للجنس والشيئية تعرض لكل ماهية من الماهيات ، وليس ورائها أمر آخر يكون هي الجهة المشتركة بين جميع الماهيات وجنس الأجناس حتى تكون الشيئية عارضة وخاصة له بل هي جهة مشتركة بين جميعها ، فتكون جنس الأجناس.

وعليه تفرع أمرين :

الأول : أن شيئية الشيء إنما تكون بماهيته لا بوجوده ، والمراد من كون

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٧٠ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٠٤.

(٢) أجود التقريرات ج ١ ص ٦٩ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٠٢.

٢٨٥

الشيئية مساوقة للوجود اتحاد هما بحسب الصدق لا بحسب المفهوم.

الثاني : إن ما اشتهر من أن المقولات العشر أجناس عالية لتمام الممكنات ولا جنس فوقها ، مما لا اصل له.

وأورد عليه الأستاذ الأعظم (قدِّس سره) : بان الشيء يصدق على الوجود الواجبي والإمكاني ، وعلى الماهيات ، وعلى المستحيلات ، وعليه فكيف يمكن أن يقال انه جنس عال لتمام الماهيات (١).

وعند التحليل يرجع هذا الإيراد إلى إيرادين :

الأول : أن الشيء بما انه يصدق على الوجود ، والمستحيلات ، والماهيات ، فلازم القول المزبور كونه جهة مشتركة بين الوجود ، والعدم. والماهية ، وجنسا لها ، مع انه مضافا إلى عدم الجامع بينها ، الجنس إنما يتصور في الماهية ولا جنس للوجود.

الثاني : انه يصدق على الوجود الواجبي فلو كان جنسا لزم تركبه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

وفيهما نظر :

أما الأول : فلأنه (قدِّس سره) أجاب عن ما توهم من صدقه على الوجود : بأنه لا يصدق عليه ، بل المراد من ان الماهية مساوقة للوجود ، اتحادهما خارجا بمعنى أن الشيء يوجد ، واللاشيء لا يعقل وجوده ، وأما صدقه على المستحيلات فإنما هو

__________________

(١) في حاشيته على أجود التقريرات ج ١ ص ٦٩ ، رقم ٢. وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٠٢.

٢٨٦

من جهة الماهية المستحيل وجودها ففي الحقيقة يطلق على الماهية لا العدم.

وأما الثاني : فلان قوله (ع) في خطبته المعروفة انه شيء لا كالأشياء (١) ، جواب عن هذا الإيراد.

فالصحيح في الجواب عنه أن يقال ، انه إنما يصدق الشيء على الفصل كصدقه على الجنس فلو كان جنسا عاليا ، وجهة مشتركة ، لاحتاج الفصل إلى فصل آخر ، وهو خلف ، مضافا إلى لزوم التسلسل : فانه ينتقل الكلام إلى الفصل الثاني ويقال انه يصدق عليه الشيء فيحتاج إلى فصل آخر وهكذا ، فلا يمكن الالتزام بكونه جنس الأجناس.

وأما ما استدل به لعدم كونه عرضا عاما ، وهو أن العرض العام ما كان خاصة للجنس البعيد أو القريب ، فهو مما لا ملزم له ـ لا أقول : شعر بلا ضرورة ، فلو لزم محذور من أخذه فهو ما ذكره المحقق الشريف ، لاما ذكره المحقق النائيني (ره).

وأما المقام الثاني : فقد أجيب عن استدلال المحقق الشريف بوجهين :

الأول : ما أفاده صاحب الفصول (٢) وهو أن الناطق مثلا جعل فصلا مبنيا على عرف المنطقيين حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات وذلك لا يوجب وضعه لغة لذلك.

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٣ ص ٣٠٥ باب ١٣ نفي الصور والجسم والتشبيه ... ، وقريب منه الحديث القدسي الذي نقله العلامة المجلسي أيضا في البحار ج ٣٨ ص ٣١٢ باب ٦٧ ح ١٤.

(٢) الفصول الغروية ص ٦١.

٢٨٧

وفيه : أن المقطوع عدم التصرف في معنى اللفظ ، بل إنما يجعل فصلا بما له من المعنى اللغوي.

الثاني : ما في الكفاية (١) قال أن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي ، بل لازم ما هو الفصل واظهر خواصه وإنما يكون فصلا مشهوريا منطقيا يوضع مكانه إذا لم يعلم نفسه بل لا يكاد يعلم كما حقق في محله. انتهى.

فلا يلزم من اخذ مفهوم الشيء فيه إلا اخذ العرض العام في الخاصة لا في الفصل.

وأورد عليه المحقق النائيني (٢) بان الناطق بمعنى التكلم أو إدراك الكليات وان كان من عوارض الإنسان ، إلا انه بمعنى صاحب النفس الناطقة يكون فصلا حقيقيا فيعود المحذور.

وأجاب عنه الأستاذ الأعظم (٣) بان صاحب النفس الناطقة هو الإنسان وهو نوع لا فصل فلا مناص عن كون الناطق فصلا مشهوريا لا حقيقيا.

وحق القول في المقام بنحو يظهر ما هو الصحيح ، وفساد جميع ما قيل في المقام.

أن مادة الناطق ، أي النطق بأي معنى كانت ليست فصلا بل هو من اظهر

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٥٢ (والتحقيق أن يقال ...).

(٢) أجود التقريرات ج ١ ص ٦٩. وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٠٢.

(٣) في حاشيته على أجود التقريرات ج ١ ص ٦٩ ، رقم ١ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ١٠٢.

٢٨٨

آثاره وخواصه ، ولكن الناطق وهو الشيء الذي له النطق ويكون ذلك أثره وخاصته ، يكون فصلا حقيقيا لا نوعا ، فما أفاده الأستاذ بين الإشكال.

وأما ما أفاده المحقق النائيني ، فيرده أن الشيء المأخوذ في الناطق ، إنما هو المفهوم المبهم من جميع الجهات إلا جهة انتساب النطق إليه فيكون فصلا حقيقيا من دون أن يلزم اخذ العرض العام في الفصل.

وأما ما أفاده المحقق الخراساني ، فلان النطق وان كان فصلا مشهوريا ، إلا أن الناطق فصل حقيقي.

فان قلت أن لازم البيان المذكور كون الضاحك فصلا فان الضحك من آثار الفصل الحقيقي وخواصه كالناطق ، مع انه بين الفساد.

اجبنا عنه ، بأنه في أمثال هذا المثال حيث يكون النظر إلى المادة نفسها وإنما تتهيأ بهذه الهيئة ، تصحيحا للحمل ولا يكون النظر إلى ما له الأثر بخلاف الناطق حين ما يجعل فصلا ، فلا يكون الضاحك فصلا.

وبذلك يظهر أن الماشي أيضا لا يكون جنسا فتدبر حتى لا تبادر بالإشكال.

وقد استدل المحقق النائيني ، لعدم اخذ الذات في مفهوم المشتق بوجوه اخر (١).

منها : إن مادة المشتق موضوعة للمعنى الحدثي ، وهيئته موضوعة لقلب

__________________

(١) راجع أجود التقريرات ج ١ ص ٦٦ ـ ٦٧ (الثاني). نقله المصنف مد ظله بتصرف. وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٩٨ ـ ٩٩ ـ ١٠٠.

٢٨٩

المادة من البشرطلائية إلى اللابشرطية ، واتحاد المبدأ مع موضوعه كي يصح الحمل ، فلم يبق هناك ما يدل على الذات.

وفيه : أن ملاك الحمل هو الاتحاد في الوجود والمبدأ الذي هو من الأعراض ، أو من الأمور الاعتبارية ، لا يعقل اتحاده مع موضوعه الذي هو من الجواهر ، واعتبار اللابشرطية لا يوجب اتحاد المتغايرين ، فلا محيص عن الالتزام بوضعها للنسبة وحدها أو مع الذات تصحيحا للحمل ، وستعرف أن الثاني أقوى.

ومنها : أن اخذ الذات في مفهوم المشتق مستلزم لأخذ المحمول بشرط شيء وهو ينافي المحمولية الصرفة.

وفيه : أن الذات بمعنى المعنى المبهم من جميع الجهات غير جهة قيام المبدأ بها ، لا يلزم من أخذها في مفهومه اخذ المحمول بشرط شيء.

ومنها : انه يلزم منه اخذ المعروض في العرض وكل من الجنس والفصل في الآخر وهو خلف. بل يلزم انقلاب كل منهما إلى النوع.

وفيه : أن هذا لو لزم فإنما هو لو اخذ مصداق الذات في المفهوم لا مفهومها بالمعنى المتقدم.

ومنها : أن الواضع الحكيم لا بد وان يلاحظ في أوضاعه فائدة مترتبة عليها ، ولا يترتب على اخذ الذات فائدة أصلا.

وفيه : أن فائدته إمكان جعل المشتق موضوعا في القضية ، ولا يصلح ذلك بدونه كما ستعرف.

وبما ذكرناه ظهر اندفاع سائر ما ذكره فلا وجه للإطالة.

٢٩٠

وقد استدل لعدم اخذ النسبة في مفهومه بوجهين (١).

الأول : إن النسبة بما أنها معنى حرفي لزم من أخذها في مفهومه كونه مبنيا لتضمنه المعنى الحرفي ، وحيث انه معرب فيستكشف عدم أخذها فيه.

ويرد عليه أن ما صرح به أئمة الأدبيات ، من أن المتضمن للمعنى الحرفي مبنى ، ليس مرادهم ذلك ، بل يكون نظرهم إلى أسماء الإشارة ونحوها مما يكون معانيها غير مستقلة في أنفسها ويتوقف فهم المراد منها إلى ضم شيء آخر إليها ، وإلا فلو كان مجرد الاشتمال على المعنى الحرفي ، موجبا لكون المتضمن مبنيا لزم كون المصادر لا سيما المزيد منها مبنية كما لا يخفى.

الثاني : أن اخذ النسبة في المفهوم مستلزم لأخذ الذات فيه : إذ النسبة قائمة بالطرفين فما دل على عدم اخذ الذات فيه ، يدل على عدم اخذ النسبة أيضا.

وفيه مضافا إلى ما تقدم من عدم اخذ الذات فيه : انه على فرض وجوده لا يلزم من اخذ النسبة فيه اخذ الذات كي يدل على عدمه : إذ النسبة في مقام تحققها وان احتاجت إلى الطرفين ، إلا انه في مقام دلالة اللفظ عليها لا تتوقف على الطرفين ، ألا ترى أن المعنى الحرفي غير مستقل بذاته بل هو متقوم بالمعنى الاسمي كما تقدم ، ولا يلزم اخذ المعنى الاسمي في مدلول الحرف.

فتحصل أن شيئا مما ذكر في وجه عدم اخذ الذات أو النسبة في مفهوم المشتق لا يدل عليه.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٦٧ بتصرف. وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٩٨.

٢٩١

دليل تركب المشتق

بل الظاهر أخذهما في مفهومه ، إما اخذ النسبة فيه : فلأنه لو لا ذلك لما صح الحمل المتوقف صحته على الاتحاد في الوجود بعد كون المبدأ من الأعراض التسعة ، أو الأمور الاعتبارية والموضوع من الجواهر : فانه لا يعقل اتحادهما ولو بعد ألف اعتبار.

فما ذكره المحقق النائيني (ره) من أن الهيئة وضعت لقلب المادة من البشرطلائية العاصية عن الحمل إلى اللابشرطية (١).

غير تام : إذا المبدأ لا يقبل الحمل على الموضوع بمجرد ذلك ، فلا بد من اخذ الذات والنسبة ، أو النسبة وحدها في مفهومه كي يصح الحمل.

ودعوى أن العرض يكون وجوده مندكا في وجود المحل ويعد من أطواره وكيفياته فحينئذ :

تارة يلاحظ على نحو يحكى عن الوجود النعتي المندك في المحل ، وهو المراد من قوله يلاحظ على نحو اللابشرط فيصح حمله عليه.

وأخرى يلاحظ على نحو الاستقلال وهو المراد من ملاحظته بشرط لا ولا يصح حمله حينئذ.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٦٧. وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٩٩.

٢٩٢

مندفعة ، بأنه مضافا إلى أن هذا التوجيه خلاف الاصطلاح انه أيضا لا يفيد في صحة الحمل : إذ الوجود التبعي المندك في الغير ، وان لوحظ كذلك يغاير مع ذلك الغير ، ولا يكون متحدا معه كما لا يخفى.

وأما اخذ الذات فيه : فلان المشتق بنفسه يجعل موضوعا في القضية الحملية ومسندا إليه في غيرها مثلا يقال اكرم العالم (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا)(١) ، وهذه آية اخذ الذات في مفهومه كما لا يخفى على من تدبر ، مضافا إلى انه يدل على أخذهما فيه : التبادر والوجدان ، ألا ترى انه عند سماع لفظ القائم ينتقل الذهن إلى ذات ثبت له القيام ، لا خصوص القيام ، وعند سماع المضروب ينتقل إلى من وقع عليه الضرب وهكذا سائر المشتقات.

فتحصل أن الأقوى كون المشتق مركبا من الذات والنسبة والمبدأ.

الفرق بين المشتق ومبدئه

الأمر الثاني : المشهور بين جماعة من المحققين (٢) أن الفرق بين المبدأ والمشتق

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٣٨.

(٢) نسبه في الفصول إلى جماعة من أهل المعقول ص ٦٢ ، والظاهر أنه مختار المحقق الدواني كما نقله غير واحد عنه ، وأيضا نسبه الفاضل الاردكاني المتوفى سنة ١٣٠٥ في غاية المسئول إلى أهل المعقول بقوله : الخامس هل المبدأ مغاير للمشتق أو هو هو؟ ذهب أهل المعقول إلى أن المبدأ عين المشتق ، والفرق بينهما اعتباري بمعنى أن المبدأ أخذ

٢٩٣

إنما هو باعتبار اللابشرط وبشرط لا ، فحدث الضرب إن اعتبر بشرط لا كان مدلولا للفظ الضرب وامتنع حمله على الذات وان اعتبر لا بشرط كان مدلولا للفظ الضارب وصح حمله عليها.

فاخذ صاحب الفصول بعد نقل ذلك في نقده والاعتراض عليه (١) ، بما حاصله : أن صحة الحمل وعدمها لا تختلف من حيث اعتبار شيء لا بشرط أو بشرط لا ، لان العلم والحركة والشرب وما شاكلها يمتنع حملها على الذوات وان اعتبرت لا بشرط ألف مرة.

وأجاب عنه المحقق الخراساني (٢) ، بان مراد الفلاسفة مما ذكروه ليس ما توهمه صاحب الفصول من كون الفرق بينهما بالاعتبار ، بل مرادهم أن المشتق يغاير مبدأه مفهوما وان المشتق بمفهومه لا يابى عن الحمل على ما تلبس بالمبدإ ولا يعصى عن الجري عليه لما هما عليه من نحو من الاتحاد ، بخلاف المبدأ : فانه بمعناه يأبى عن ذلك ، بل إذا قيس ونسب إليه كان غيره لا هو هو ، وملاك الحمل والجري إنما هو نحو من الاتحاد والهوهوية.

ثم انه (قدِّس سره) نظر في المقام بما ذكروه في مقام الفرق بين الصورة والمادة ، والفصل والجنس ، حيث قالوا : إن الجنس كالحيوان مأخوذ لا بشرط فصح حمله ،

__________________

بشرط لا والمشتق لا بشرط كالفرق بين الجنس والمادة والفصل والصورة ، راجع غاية المسئول ص ١٩٠ مؤسسة أهل البيت (ع) قم المقدسة.

(١) راجع الفصول الغروية ص ١٦٢ (الثاني) إلى أن قال (وتحقيق المقام .. الخ).

(٢) كفاية الأصول ص ٥٥ ـ ٥٦ بتصرف.

٢٩٤

والمادة مأخوذة بشرط لا فلا يصح حملها ، وكذلك الفصل والصورة ، بدعوى أن مرادهم هو التفرقة بحسب المفهوم لا بالاعتبار.

وحق القول في المقام في البحث في موارد ثلاثة :

الأول : في أن الفرق بين الجنس والفصل ، والمادة والصورة ، هل هو بالاعتبار ، أم بالفرق في المفهوم؟

الثاني : في أن مراد القوم في المقام هو ما فهمه صاحب الفصول ، أم ما فهمه المحقق الخراساني.

الثالث : في بيان ما هو الحق في الفرق بين المشتق ومبدئه.

أما المورد الأول : فالحق هو أن مرادهم التفرقة بالاعتبار : فإنهم صرحوا بان الأجزاء في المركبات الحقيقية التي يكون التركيب فيها اتحاديا لا انضماميا إن لوحظت بما هي أجزاء متغايرة وبشرط لا ، فهي المادة والصورة ، وان لوحظت بما هي موجودة بوجود واحد ولا بشرط ، فهي الجنس والفصل.

وقال الحكيم السبزواري : وفيه إشارة إلى أن كلا من هاتين (أي المادة والصورة) مع كل من هذين (أي الجنس والفصل) متحد ذاتا مختلف اعتبارا ، وقريب منه كلام غيره ، ولا أظن أن من تدبر كلماتهم يشك في أن مرادهم ما ذكرناه.

وأما الثاني : فالأظهر هو ما فهمه صاحب الفصول : لأنه الظاهر من

٢٩٥

كلماتهم ، كيف وقد نسب إلى المحقق الدواني (١) ، انه صرح بان الأعراض كالبياض والعلم وأمثالهما من مبادئ المشتقات ، تارة تلاحظ بما أنها موجودات مستقلة في الخارج في قبال وجود الجواهر ، فلا يصح حمل شيء منها على الجواهر ، وهذه مبدأ المشتقات ، وأخرى تلاحظ بما أنها من كيفيات الوجود الجوهري ومن أطواره ، فيصح الحمل ، وهذه هي المشتقات ، وقريب منه كلام غيره وعليه ، فإيراد صاحب الفصول وارد عليهم كما مر توضيحه.

وأما الثالث : فالحق أن الفرق بينهما إنما يكون في المفهوم ، ومفهوم المشتق مفهوم عند التحليل ينحل إلى ذات له المبدأ ولهذا يصح حمله ، وأما مفهوم المبدأ فهو ، ينطبق على نفس ذلك الوجود العرضي المغاير مع وجود الجوهر ولذا لا يصح حمله.

ملاك الحمل

الأمر الثالث : قال في الكفاية ملاك الحمل هو الهوهوية والاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر (٢).

__________________

(١) والظاهر أنه تبنى عدم الفرق بين المشتق ومبدئه إلا في الاعتبار كما في تعليقته على شرح التجريد للقوشجي ص ٨٠. وقد نسبه إليه غير واحد عند التعرض للفرق بين المشتق والمبدأ.

(٢) كفاية الأصول ص ٥٥ ـ ٥٦.

٢٩٦

أقول : لا ريب في انه يعتبر في صحة الحمل أمران أحدهما الاتحاد من وجه حتى يصير هذا ذاك ، والآخر المغايرة من وجه كي يصير هذا وذاك ، ولا يلزم حمل الشيء على نفسه ، وحينئذٍ.

ربما يكون الاتحاد ذاتيا والمغايرة تكون بالاعتبار ، نظير حمل الجنس والفصل على النوع ـ مثل ـ الإنسان حيوان ناطق ، حيث انهما واحد ذاتا والمغايرة إنما تكون بالإجمال والتفصيل.

وأخرى يكون المغايرة ذاتية ـ أي التغاير بينهما إنما يكون بحسب المفهوم ـ فحينئذ ، إن كانا متحدا بحسب الوجود الخارجي كما في الحمل الشائع صح الحمل لما ذكرناه وان كانا مغايرين في الوجود ، فلا مصحح للحمل أصلا.

وصاحب الفصول (ره) حيث توهم ، أن التركيب بين الجنس والفصل ، يكون انضماميا ورأى انه يصح حمل أحدهما على الآخر ، التزم بأنه يكفي في صحة الحمل إذا كان الموضوع والمحمول متغايرين مفهوما ووجودا ، الاتحاد الاعتباري وانه يصح الحمل بشروط ثلاثة :

١ ـ اخذ المجموع من حيث المجموع موضوعا.

٢ ـ اخذ الأجزاء لا بشرط.

٣ ـ اعتبار الحمل بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع (١).

__________________

(١) راجع الفصول الغروية ص ٦٢ بتصرف.

٢٩٧

وعليه فلا يرد عليه ما في الكفاية (١) من انه لا يعتبر معه ملاحظة التركيب بين المتغايرين :

لأنه غير مربوط بما ذكره في الفصول : فانه يدّعي اعتبار الشروط الثلاثة في حمل أحد المتغايرين على الآخر ، لا فيما كانا متحدين في الوجود.

وأما الإيراد عليه كما في الكفاية أيضا بأنه يكون لحاظ ذلك مخلا لاستلزامه المغايرة بالجزئية والكلية (٢).

فيمكن الجواب عنه : بأنه إذا فرض اتحاد المجموع واخذ في الموضوع ، وحمل عليه الجزء المأخوذ لا بشرط صح الحمل ، ولا يرد عليه المحذور المذكور : لمكان الاتحاد في الوجود ، في الوجود الاعتباري ، وإنما لا يصح الحمل بلحاظ الوجود الخارجي الذي يكون جزء مغايرا للآخر.

ومما ذكرناه ظهر عدم ورود إيراده (٣) الثالث الذي ذكره بقوله ، مع وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات الخ.

فانه إنما لا يلاحظه ذلك في التحديدات من جهة ثبوت الاتحاد المعتبر في صحة الحمل بوجه آخر.

فالصحيح أن يورد عليه ، مضافا إلى ما هو المحقق في محله من أن التركيب

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٥٦.

(٢) كفاية الأصول ص ٥٦.

(٣) إيراد صاحب الكفاية ص ٥٦.

٢٩٨

بين الجنس والفصل اتحادي ، بل صدر المحققين جعل من أدلة كون التركيب اتحاديا صحة حمل أحدهما على الآخر : أن الوحدة الاعتبارية إنما تصحح الحمل في الوجود الاعتباري لا في الوجود الخارجي.

ما هي النسبة بين المبدأ والذات

الأمر الرابع : صاحب الفصول (ره) (١) التزم بالتجوز أو النقل في الصفات الجارية على الله تعالى وذلك لوجهين :

أحدهما : انه يعتبر التغاير بين المبدأ والذات التي يجرى عليها المشتق ولا يتم هذا في الصفات الجارية على الله تعالى لان المبدأ فيها متحد مع الذات بل هو عينها خارجا كما هو واضح.

وأورد عليه المحقق الخراساني (ره) (٢) بأنه يكفي في التغاير المعتبر في الحمل التغاير المفهومي بين مبدأ المشتق مع ما يجرى عليه المشتق ، وان اتحدا عينا وخارجا.

وفيه : انه لا يعتبر التغاير والاتحاد إلا بين الموضوع والمحمول ، لابين مبدأ المحمول مع ما يجرى عليه ، وحينئذٍ :

فتارة يكون المبدأ مغايرا مع ما يجرى المشتق عليه مفهوما وخارجا ولكن لا

__________________

(١) الفصول الغروية ص ٦٢ التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق.

(٢) كفاية الأصول ص ٥٦ (الرابع).

٢٩٩

تغاير بين المشتق والموضوع خارجا ، كزيد عالم : فان العلم غير زيد وجودا ومفهوما ، بخلاف العالم.

وأخرى يكونان ، أي المبدأ وما يجرى عليه ، متغايرين مفهوما متحدين وجودا ، كما في الصفات الجارية على الله تعالى ، مثل الله عالم.

وثالثة يكونان متحدين وجودا ومفهوما ، إلا أن المشتق يغاير ما يجرى عليه مفهوما ، مثل الوجود موجود ، وفي جميع هذه الصور يصح الحمل لثبوت التغاير بين الموضوع والمحمول من وجه ، وأما التغاير بين مبدأ المحمول والموضوع ، فهو قد يكون وقد لا يكون ، وعلى التقديرين يصح الحمل.

وما ذكره بعض المحققين (١) في وجه صحة حمل الموجود على الوجود ، من أن الحمل عبارة عن ثبوت شيء لشيء ووجدان الشيء لنفسه واضح.

غير تام والا لزم صحة حمل النائم على النوم مثلا ، والضارب على الضرب وهكذا مع انه باطل بالضرورة ، بل الوجه في صحة الحمل كون الوجود بنفسه من مصاديق الموجود ، إذ الماهيات توجد بالوجود وهو موجود بنفس ذاته ، وهذا بخلاف الأمثلة المشار إليها.

ثانيهما : عدم قيام مبادئ الأسماء الحسنى والصفات الجارية على الله تعالى بذاته المقدسة لعينيتها له تعالى.

وبعبارة أخرى لا نسبة هناك لعدم تعقل النسبة بين الشيء ونفسه فالعالم بما

__________________

(١) الفصول الغروية ص ٦٢ التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق. بتصرف.

٣٠٠